بداية أريد أن أعيد وأكرر على مسألة معينة بالغة الأهمية...
هذه المسألة إنه وحتى بغض النظر عن طبيعة السيناريوهات المحتملة بين إيران وكيان صهيون .... فمطلقا النتائج لصالح العرب.
هذه مسألة هامة جدا على الجميع أن يعيها ويفهمها بالشكل المناسب.
أي سيناريو من أي نوع للحرب الايرانية الصهيونية سيكون أثكر من رئاع للعرب ... حتى لو طال العرب بعض السلبيات الجانبية للحرب .. أنصح العرب ... أنصح العرب .. أنصح العرب بألا يسمحوا لأي طرف لاستدراجهم للحرب حتى لو تكفل العرب بعض الخسائر الثانوية.
أي سيناريو يتضمن حرب شاملة بين صهيون وإيران في مصلحة العرب مطلقا بغض النظر عن أي تفاصيل داخل هذا السيناريو.
دعوني مجددا أذكر بمسألة هامة جدا ... الهند قوة صاعدة صاروخية والغرب يطلق يد الهند حتى في باب الزيادة السكانية برغم إن الغرب يصيبه الرعب من الزيادة السكانية في الأفارقة والأسيويين ويستشعر إنهم سيبتلعون الغرب ومع ذلك الخوف الغربي الشديد ... الغرب أطلق يد الزيادة السكانية في الهند في ذات الوقت الذي جعل الصين تحت سياسة الطفل الواحد ... حتى اقترب عدد سكان الهند سريعا جدا من عدد سكان الصين.
كذلك الغرب يدعم الصناعات والاقتصاد العسكري الهندي والاقتصاد المدني الهندي بما استطاع ... كل ذلك ليحول الهند لقوة قادرة على مقارعة الصين والوقوف أمامها بنوع من الندية.
هذا سيؤدي لهند قوية ومتعطشة للمزيد من القوة والتوسع.
أما الصين نفسها فهي مشكلة كبرى عظمى وهي أحجية بحد ذاتها ... فالصين الآن التي تمارس سياسة خارجية مثالية جدا مع العالم كله لا نعرف كيف سيكون شكل سياستها عندما يتم تقزيم أمريكا بشدة ويتم صعود الصين بشكل جنوني ربما أكثر من الشكل الأمريكي الحالي ... من يستطيع أن يضمن طبيعة ونوعية شكل السلوك الصيني في السياسات الخارجية؟؟! مسألة بالغة التعقيد.
كذلك لدينا روسيا ... ولدينا أوروبا نفسها ... ولدينا أمريكا ... ولدينا اليابان وكوريا .......... ولدينا خبيأة يعدها الغرب على عينة وهي استراليا التي يتم تعبئتها عسكريا بصورة هادئة بدون شوشرة وبدون ضجيج حتى تصل لتخمة من القوة العسكرية حتى يخرجها الغرب لنا كاحتياط عسكري سياسي جغرافي للغرب.
كل هذا ولدينا إيران والكيان الصهيوني ... ولن أتحدث عن الخلافات الداخلية في مجتمعات ودول وتجمعات أهل السنة وسأعتبرهم خلافات مصالح بينهم لا أكثر.
أرجو أن تكون الصورة واضحة ... نحن نعيش في كوكب بالغ الخطورة ونعيش في مرحلة تعتبر أكثر مراحل تاريخ الحضارة الإنسانية خطورة في صورة مطلقة لا مثيل لها عبر التاريخ.
لذلك حتى لو تم اقصاء إيران والكيان الصهيوني معا ... نعم كلاهما معا ... من يضمن شكل الأوضاع الجيوسياسية في الإقليم وتأثير الأوضاع العالمية عليها في ذلك الوقت.
حتى لو هزمنا صهيون وإيران معا هل سيتركنا الغرب ننعم بفترة مناسبة من السلام والاستراحة من كل تلك الحروب المنهكة جدا جدا جدا؟!
أرجو أن تكون الصورة الآن أكثر وضوحا ... نحن لسنا بحاجة فقط للتجهيز لحرب واحدة فقط لا غير .... هذا سيؤدي لهلاك العرب وفنائهم.
نحن بحاجة ملحة لخريطة طريق بالغة الذكاء والدهاء وبعبقرية لا مثيل لها تجعلنا ننفق أقل قدر من قوتنا وامكانتنا لتحصيل أعلى عائد ممكن وفي نفس الوقت نحتفظ بالقدرات الأساسية للعرب والمسلمين حتى تأتي لحظة إعادة الصياغة القانونية السياسية للنظام العالمي الحالي وإعادة كتابة نظام جديد بقواعد جديدة.
إذا استطاع العرب والمسلمين الوصول لتلك اللحظة ولديهم قدر مناسب من تماسك مقدراتهم وجغرافيتهم السياسية العسكرية فساعتها لن يستطيع أي طرف أيا كان أن يفرض حالة تجريم مجددا على الهوية الإسلامية للدول والمجتمعات والأفراد المسلمين كما هو الحال الذي نعانيه مع النظام العالمي الحالي.
نحن بحاجة للوصول لمرحلة التصفيات النهائية بدون أن نكون فقدنا كل قدرانتا وكل مصادر قوتنا الجيوسياسية والتاريخية والحضارية ... بحاجة للوصول للأدوار النهائية من تصفيات الصراع على النظام العالمي القادم ونحن محتفظين بتماسك هويتنا الحضارية ومحتفظين بقدر أدنى مناسب من شتى أنواع القوة ومجالات التأثير في تشكيل الواقع الأساسي النظامي للكوكب في صورة نظام عالمي جديد متعدد الأطراف.
لم يعد خافيا على أي أحد أن صلاحية النظام العالمي الحالي تتآكل بصورة يومية ومنذ أتى ترامب للحكم والنظام العالمي الحالي يعاني حالة تفسخ وانقسام على الذات فضلا عن الضغوط التي يتعرض لها النظام من القوى التي تقع خارج المنظومة الأساسية للنظام.
وعلى أي حال ... النظام العالمي الحالي في جوهره نظام أحادي مطلق يمجد الحضارة الغربية وأنموذجها التطبيقي المعيشي للحياة المعاصرة ... وأي شيء غير ذلك يتم تشويهة والسخرية منه.
فجوهر النظام العالمي الحالي جوهر أحادي مطلق ... حتى في المسار التعليمي والأكاديمي العالمي ... لا يوجد إلا مسار أحادي وبشكل مطلق لا يسمح لأي صوت مغاير أيا كان بالتواجد.
والحقيقة أن العالم ليس هو الرجل الأبيض وطريقة تفكيره ومعيشته ... العالم أكبر من ذلك بكثير جدا وحضاراته أوسع من ذلك بكثير جدا.
الشاهد هنا أن النظام العالمي الحالي في جوهره نظام أحادي مطلق ومثل هذه الصورة لن تصلح صورة مستدامة لنظام عالمي عادل متعدد الأطراف وعادل في تمثيل الأوزان النسبية للبشرية وحضاراتها المختلفة داخله.
والنظام يجمع داخله تناقضات لا حصر لها ... تناقضات من النوع الذي لا يسمح للنظام بالاستمرارية والاستدامة.
الشاهد إذن من كل هذا حول النظام العالمي ... إن هذا النظام العالمي الحالي على أي وضع من الأوضاع سيتعرض لزلازل وهزات هيكلية عنيفة جدا وهو بالفعل يتعرض لها الآن وتحت الكثير من تأثيراتها.
الشاهد إن هذا النظام غير صالح للحياة لفترة طويلة أو حتى فترة متوسطة قادمة ولو استمررت في شرح التفاصيل لن أنتهي لوفرتها الشديدة وقوة مدلولاتها وأثرها الحاسم القاطع.
الشاهد إن هذا النظام العالمي الجائر الأحادي الهوية غير صالح للحياة وعلى أي وضع من الأوضاع هذا النظام سيتعرض لتغير هيكلي شامل أو تغير كلي يتم استبدال النظام الحالي بآخر جديد تماما.
هذه هي اللحظة التي أتحدث عنها ... لحظة كتابة نظام عالمي جديد ... علينا أن نكون متواجدين في هذه اللحظة بكل ما نستطيع من قوى شاملة وتأثيرات متنوعة رئيسية ونحتفظ بقدرات مناسبة حتى الأدوار النهائية من دوري الصراع على النظام العالمي الحالي.
والأمر بالطبع يحتاج لتفصيلات طويلة جدا ومتشعبة جدا لكنني أريد الوصول سريعا للنقطة المهمة هنا عن علاقة كل هذا بالحرب الايرانية الصهيونية المنتظرة.
الشاهد من كل ما سبق يمكن تلخيصه في أمران رئيسيان:
الأول:
وجود تعقيدات في تركيبة دول العالم الحالية وتعقيدات متشابكة متداخلة في موازين القوى وتحولاته المنتظرة ويقوى كثير من القوى المتربصة ببعضها البعض وكذلك تتربص بالعرب فأول المتربصين بالعرب هم أقرب حلفائهم في أمريكا أوروبا ... فإذا كان أقرب حلفاء العرب أنفسهم يتربصون بالعرب ويضمرون لهم الشر في أحداث كل منعطف تاريخي هام فكيف بغيرهم من الدول الآخرى الصاعدة؟!
حتى لو هزمنا إيران وكيان صهيون معا ما الضمان أن تستقر الأمور ساعتها عند هذا الحد وتنتهي سلسلة الحروب والصراعات بذلك؟!
هذا يؤدي بنا للحاجة الملحة للتفكير بصورة تتميز بالعد الاستراتيجي المتسع جدا وبالرؤية المتكاملة وبالنظرة الاستشرافية المستقبلية للتخطيط بصورة ربما لم يعهدها العالم علينا نحن العرب من قبل.
الثاني:
النظام العالمي الحالي على أي حال سيخضع لتغيرات هيكلية شاملة أو لحالة استبدال كامل ... وسيتم كتابة وتدشين نظام عالمي آخر يكون أكثر تعددية وأكثر قبولا بصورة حقيقية للتونع الحضاري البشري وقبول الهوية الإسلامية بدون تجريمها أو تجريم مظاهرها كحال النظام العالمي الحالي.
ونحن كعرب ومسلمين وأهل سنة نشكل قريب من 3 مليارات نسمة في العالم حاليا بحاجة ملحة لكي نكون متواجدين كطرف عالمي أساسي أثناء كتابة النظام العالمي القادم وتدشين بنيته الجيوسياسية والحضارية الشاملة.
إذن الأمر حتى لا يتوقف فقط على إيران وكيان صهيون أنفسهم.
الأمر أوسع بكثير من ذلك ... ونحن بحاجة لرؤية تتمتع بلمسة استشرافية إستراتيجية قادرة على معالجة هذه التعقيدات المذهلة والخروج منها كلها بأقل قدر ممكن من الخسائر وبأعلى قدر ممكن من المكاسب وبأدنى مجهود ممكن.
#يتبع.
