ويا تُري هذا المرض وغيره من الأمراض العديدة التي يعاني منها الإنسان هل لها نهاية أم ستستمر إلي الأبد؟
إن الإنسان وعلاقته الآثمة بالبيئة هما السبب الأساسي في استمرار هذه المأساة ، وفي ظهور كارثة الجمرة الخبيثة ومثيلاتها من الأمراض الأخرى.
وعلي الرغم من وجود علم خاص بالبيئة "إيكولوجي - Ecology" والذي يسمي أيضاً باسم "تاريخ الطبيعة العلمي" القائم علي دراسة العلاقة بين الكائنات الحية والبيئة، والخاص أيضاًً بتنظيم هذه العلاقة ووضع الضوابط والقواعد لها، إلا أن الإنسان لا يلتزم بهذه الأطر المرسومة له، بل ويتجرأ علي بيئته مما يلحق الضرر بها وبنفسه. وأخذ يتعامل معها من منطلق الحروب لا من منطلق السلام، ويتفنن في أنواع هذه الحروب ليجعل منها أصنافاًً وأشكالاً مختلفة فنجده مستمتعاًً بترديد عبارة "أسلحة الدمار الشامل - Weapons of mass destructio"، فمن كثرة استخدامه لهذه العبارات نجدها فقدت معناها الحقيقي ومغزاها الخطير الذي يكمن ورائها. أصبح العديد من البشر يتعامل معها علي أنها كلمات سهلة يحدوها النغم مثلها في ذلك الكلمات الأخرى التي تتردد علي مسامعنا: "الأسلحة النووية - Nuclear weapons" و"الأسلحة البيولوجية والكيميائية - weapons Biological & chemical"، ويتبارى الإنسان في استخدام هذه الأسلحة في حروبه البارعة وفي اختراع أكثرها دماراً وخراباً.
- الحرب البيولوجية ----> الأسلحة البيولوجية.
- الحرب الكيميائية ----> الأسلحة الكيميائية.
- الحرب النووية ----> الأسلحة النووية.
وهذه الحروب تسمي "بحروب الإبادة الشاملة" أو "حروب الإبادة طويلة الأجل". لأن معاناة الإنسان لا تنتهي بانتهاء الحرب وإنما تمتد لما بعدها، ولا تظهر آثار هذه المعاناة أثناء الحرب أو بعدها مباشرة ولكن بعد فترة زمنية. فالأسلحة العادية من الدبابات والمدافع والطائرات تصيب الإنسان وتقضي علي حياته في الحال لكن علي العكس بالنسبة لوسائل الإبادة الشاملة فهي تقتل الإنسان وهو حي عدة مرات.
* أنواع حروب الإبادة الشاملة وأسلحتها:
1 - الحرب البيولوجية ----> الأسلحة البيولوجية. وتتطلب الأسلحة العوامل البيولوجية الآتية: الكائنات الحية الدقيقة أو السموم.
أ- الكائنات الحية الدقيقة -----> بكتريا أو فيروسات.
- عوامل تتحكم في الوظائف الحية بجسم الإنسان ( Bioregulators) -----> ضغط الدم أو ضربات القلب.
ب- السموم -------> داء التلريات - "Tularemia"(داء يصيب القوارض والإنسان وبعض الحيوانات الداجنة ويتخذ في الإنسان شكل حمي متقطعة تستمر عدة أسابيع)، و"الريسين - Ricin " (بروتين أبيض سام، و سموم تصيب الجهاز العصبي أو المعوي).
- البكتريا ------> الجمرة الخبيثة "Anthrax"، والكوليرا "Cholera"، والتلريات.
- الفيروسات -----> "الإيبولا - Ebola".
وكل هذه العوامل البيولوجية تستخدم كسلاح لإلحاق الضرر والدمار بالإنسان أو الحيوان أو النبات ، ولا يتم الاستعانة بها في الحروب فقط وإنما في أوقات السلم أيضاًً في الأغراض الطبية وإجراء الأبحاث.
2- الحرب الكيميائية -----> الأسلحة الكيميائية من أعظم الأخطار التي تمثل تهديداًً علي البشرية. وتعتمد فكرة الحرب الكيميائية علي استخدام "الغاز السام" من خلال أسلحة مصممة لإصدار الغازات السامة أو السائلة التي تهاجم أعصاب الجسد، أو الجلد أو الرئة، ومن أمثلتها:
- "Sarin "
- "HydroCyanic Acid Gas"
- "V X Gas"
3- الحرب النووية ------> الأسلحة النووية
- لا تمثل آثارها كارثة للأرض فقط بل للكون. وتتنوع أسلحتها: - القنبلة الذرية "Atomic Bomb" .
- القنبلة الهيدروجينية "Hydrogen Bomb".
4- حرب الروبوت ------> "Robot"-------> أسلحتها الإنسان الآلي.
هذه ليست أسطورة أو إحدى القصص الخيالية، إنها حقيقة فالإنسان الآلي الذي يصنعه الإنسان سوف يحارب الجنس البشري.
- جميعنا يتفق علي أن الإنسان هو سبب هذه الكارثة كما سبق وأشرنا من قبل، ولكن أي إنسان وفي أي بقعة علي سطح هذه الأرض هل هي الدول المتقدمة أم الدول النامية؟!! والإجابة مدعمة ببعض الأحداث المتفرقة هي علي النحو التالي حسب التسلسل الزمني للأحداث (علي سبيل الحصر لا القصر):
* 1346 م:
يرجع تاريخ الحرب البيولوجية منذ القدم إلي عهد التتار عندما وقعت مدينة "كافا" أو "فيودوسيا" حالياً تحت الحصار وتم قذف جثث موتي التتار الملوثة بمرض الطاعون فوق حوائط المدينة حتى يستسلموا مما أدي إلي انتشار المرض في أوربا وفي موانئ البحر المتوسط.
* 1710 م:
في الحرب الدائرة بين روسيا والسويد، قامت القوات الروسية باستخدام أشلاء الجثث الملوثة بالطاعون لنشر المرض بين الأعداء.
* 1767 م:
أثناء الحرب الدائرة بين الإنجليز والفرنسيين في الفترة ما بين 1754 - 1767 م، اعتمد كلا الجانبين علي حلفائهم من الهنود. وفي إحدى الهجمات التي شنتها فرنسا علي الإنجليز ألحقت خسائر فادحة بهم وتلتها هجمة أخري، مما أدى إلى تفكير الجنرال الإنجليزي/جيفري أمهريست بإهداء حلفاء الفرنسيين من الهنود ببطاطين مليئة بفيروس الجدري مما أدي إلي انتشار المرض في الهند وتخلل صفوف الجيش الهندي، مما مكنه من استعادة اسمه مرة أخري بعد انتصاره علي الفرنسيين في هجوم شنه عقب تلك الأحداث، أي أن الوباء لعب دوراًً حيوياًً وهاماًً في تحقيق النصر للإنجليز وإلحاق الهزيمة بالفرنسيين.
* 1797 م:
أجبــر نـابـليـون مـدينــة "مـانتــوا" عـلي الاستسـلام عـن طـريــق نشـــــــر عـــدوي حمى تسمى "Swamp fever" بين سكان المدينة.
* 1900 م:
قام طبيب أمريكي بحقن السجناء الفلبنيين بمرض الطاعون لإجراء أبحاثه.
* 1914 - 1917 م:
قام الألمان أثناء الحرب العالمية الأولي بنشر الكوليرا في إيطاليا، والقنبلة البيولوجية في بريطانيا.
* 1917 م:
في أثناء الحرب العالمية الأولي، قام الجانب الألماني بتلقيح الخيل والماشية قبل شحنها لفرنسا بمرض الرعام (مرض يصيب الخيل فيسيل مخاطها) وتم ذلك في أمريكا، وعلي الرغم من أن الخيل قوة لا يستهان بها في الحروب قديماًً إلا أن الألمان فشلوا في تغيير مسار الحرب لصالحهم.
* 1931 م:
قام المسئولون العسكريون في اليابان بتسميم الفاكهة بمرض الكوليرا لإيذاء لجنة البحث والتقصي القومية التي كانت تبحث أسباب وضع مدينة "مانشوريا" تحت حصار اليابان.
* 1937 - 1945 م:
بدأت اليابان برامجها للحرب البيولوجية في عام 1937 في معمل يسمي "يونيت 731-6" (Unit 731-6) وانتهت في عام 1945 عند أمر الجنرال "إيشيي" بحرق هذا المعمل بكل محتوياته ليصبح رماداwً وبنهاية الحرب العالمية الثانية، أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية عفواً عاماًً للعلماء اليابانيين الذين شاركوا في هذه البحوث. وهذا العفو لا يعطي إلا في حالة واحدة وهو كشف هؤلاء العلماء عن تفاصيل البرامج البيولوجية لحكومة أمريكا. ثم قام بعد ذلك كلا من العالمين رادويون هيل وجوزيف فيكتور بزيارة اليابان عام 1945 وقابلا 22 عالماًً يابانياًً في مجال الأسلحة البيولوجية، وعادا إلي أمريكا محملين بحقائب عديدة من المعلومات لكنها لم تكن مفيدة للولايات المتحدة ولم تكن لها وزن مثل قائمة مشتر وات العوامل البيولوجية الموجودة الآن في الأسواق العالمية مثل: الجمرة الخبيثة، التيفود، بوتيوليزم (تسمم ناتج عن أكل لحم أو سمك فاسدين) ... وغيرها. وقد قام العالمان خلال هذه الرحلة بتشريح جثة 1000 شخص أصيبوا بمرض الجمرة الخبيثة عن طريق التنفس. بالإضافة إلي قيامهم بتخزين حوالي 400 كجم في عام 1945 من بودرة الجمرة الخبيثة ليتم استخدامها في القنبلة الانشطارية (تحول الجمرة الخبيثة إلي بودرة حتى يتم استنشاقها لكي يصاب الإنسان بسهولة العدوى).
* 1939 م:
قام العالم الأمريكي أي . جي . فاربين بإنتاج أول غاز سام للأعصاب للنازيين ومفعوله أقوي بكثير من مفعول "غاز الخردل -Mustard gas" الذي استخدم في الحرب العالمية الأولي وفي خلال الأسابيع الأخيرة من الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالاستيلاء علي أطنان من عامل يسمي (Tabun) الذي أرسل في حاويات كبيرة مكتوب عليها "كلوريد" كما استطاعت تهريب العديد من المواد الكيميائية الأخرى الخاصة بالنازيين.