يوليو 52: تاريخ بلد أم تاريخ أشخاص؟
حقيقة ثورة يوليو رهينة الخزائن الحكومية المتينة في مصر
مؤرخون وعسكريون يطالبون باتاحة وثائق ثورة يوليو للجيل الجديد بعد نحو ستين عاما على اندلاعها
في كتاب لشاعر مصري يطالب مؤرخون وعسكريون ممن شاركوا في ثورة 23 يوليو/تموز 1952 باتاحة وثائق الثورة التي أنهت حكم أسرة محمد علي حتى يتسنى للجيل الجديد معرفة "الحقيقة" التي قالوا انها لم تكتب الى الان.
وتضمن كتاب "من يكتب تاريخ ثورة يوليو.. القضية والشهادات" لفاروق جويدة أكثر من 15 شهادة احداها بعنوان "من يكتب التاريخ" تنفي كاتبتها الدكتورة لطيفة سالم أستاذة التاريخ الحديث بجامعة بنها أن "يؤرخ للثورة بطريقة علمية رصينة مع استمرار باب الوثائق مغلقا أمامنا" بالمبالغة في فرض ستار من السرية على عكس الدول الاخرى ومنها بريطانيا التي تتيح الاطلاع على الوثائق بعد مرور 30 عاما والولايات المتحدة التي تتيحها أيضا بعد 20 عاما.
وتضيف أن وثائق ثورة يوليو الموجودة خارج البلاد "تعد المصادر الاساسية للتأريخ للثورة وبطبيعة الحال فهي ليست متوافرة داخل مصر وانما اطلع عليها أفراد تمكنوا من السفر اليها".
ويصف جويدة تاريخ الثورة بأنه "سرداب مظلم" يخفي كثيرا من الحقائق وتفاصيل الاحداث والصراعات بين أعضائها مشددا على أن "الازمة الحقيقية في كتابة التاريخ في مصر أنه تاريخ أشخاص" وأن تاريخ الثورة يخص الشعب لانها في رأيه لم تكن حدثا عابرا بل نقطة تحول في مصر والعالم العربي.
ويقع الكتاب في 221 صفحة متوسطة القطع وأصدرته دار الشروق بالقاهرة متزامنا مع اقامة معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تستمر دورته الاربعون حتى الرابع من فبراير/شباط بمشاركة 743 ناشرا من 28 دولة عربية وأجنبية.
والى جانب شهادات المؤرخين والعسكريين يضم "الكتاب" مقالات نشرها جويدة مسلسلة عام 1999 بعضها مقابلات مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة مثل زكريا محيي الدين وحسين الشافعي.
لكن "الكتاب" اكتفى بالاستسهال حيث جمعت تلك المقالات بلا مراجعة وتم ضمها بين غلافين دون أن تقوم دار النشر بتحريرها في "كتاب" أو أن يتولى المؤلف ذلك ليستبعد ما يمكن نشره في مقالات أسبوعية يحرص كاتبها على تذكير القراء بما سبق أن نشره.
أما النشر في "كتاب" فيفترض أن يتفادى تكرار الافكار نفسها أو الاشارة الى تاريخ محدد اكتسب دلالة فقط في النشر المسلسل مثل قول المؤلف "في الاسبوع الماضي زارني اللواء.." و"نشرنا في الاسبوع الماضي ما دار" و"نستقبل قرنا جديدا سيطل علينا بعد أقل من نصف عام" و"قلت في المقال السابق" والمقال هنا لم يعد مقالا بل فصلا يتصل عضويا بما قبله وما بعده.
ومن عناوين المقالات التي أصبحت فصولا في الكتاب "ثورة يوليو.. تاريخ أشخاص أم تاريخ وطن؟" و"متى نكتب تاريخنا مجردا من الاهواء؟" و"التاريخ بين الوثائق والروايات" و"ثوار يوليو وصراع السلطة" و"تاريخ شعب أم تاريخ حكام؟" و"وماذا يبقى من ثورة يوليو؟".
وشارك ضباط صغار السن بقيادة جمال عبد الناصر في الثورة التي أدت الى إنهاء الحكم الملكي وأجبرت الملك فاروق على التنازل عن العرش في 26 يوليو/تموز 1952 قبل ساعات من مغادرته البلاد. ثم أصبح اللواء محمد نجيب (1901-1984) أول مصري يتولى حكم البلاد منذ عهد طويل حيث ظلت مصر تحت احتلال أجانب من الشرق والغرب منذ غزاها الاسكندر الاكبر عام 332 قبل الميلاد.
ودفع الضباط الذين قاموا بالثورة بنجيب الى المقدمة ليتولى مجلس قيادة الثورة نظرا لوطنيته وشعبيته ثم تولى رئاسة الجمهورية بعد الغاء النظام الملكي عام 1953. الا أن الخلاف دب بينه وبينهم في مارس/اذار 1954 وتبعه تصالح وعودة للحكم قبل عزله في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه وتحديد اقامته.
وتوقف جويدة أمام الوثائق التي نشرها الكاتب المصري محمد حسنين هيكل في أكثر من كتاب قائلا ان هيكل حصل عليها "بصفته الشخصية ولانه محمد حسنين هيكل وهو قادر على أن يحصل عليها من أطراف أخرى خارج مصر بحكم علاقاته وصداقاته وامكانياته. وأنا أعلم أن الاستاذ هيكل يدفع من حر ماله عشرات الالاف من الجنيهات الاسترلينية للحصول على الوثائق من انكلترا وفرنسا وأميركا".
ويضيف أن عبد الناصر كان محظوظا بوفاء هيكل لذكراه حيث دافع عنه ضد أطراف كثيرة في معارك لا تزال متصلة ولم يكن "يدافع عن تاريخ عبد الناصر فقط ولكنه كان في الحقيقة يدافع أيضا عن تاريخه (...) من الصعب جدا أن نتحدث عن عبد الناصر بعيدا عن هيكل أو أن نتحدث عن هيكل بعيدا عن عبد الناصر".
وفي شهادته يقول الكاتب أحمد حمروش وهو أحد الضباط الاحرار ان بعض من حاولوا الكتابة عن الثورة كانوا يبغون الاثارة أو الربح وان هذا أدى الى "الاساءة الى تاريخ الثورة (...) هو ما يثمر ما نشاهده الان من محاولة تقطيع تاريخ مصر بسكين متناسين أن تاريخ مصر هو نضال متدفق مستمر لشعبها مثل نهر النيل".