"لن آخذ تعليمات من هذا العريف السخيف" — إرنست روهم قائد فرسان العاصفة SA في إشارةٍ للمستشار الألماني في حينها أدولف هتلر (برتبته في الحرب الكبرى) بعد مغادرة الأخير وقائد قوات درع الحماية SS هينريك هيملر وقادة الجيش الألماني من اجتماع في أواخر فبراير ۱٩٣٤ وتوقيعه (روهم) على مرسوم يعلن أن قوات SA هي قوات دعم للجيش وليس العكس.
أقدم لكم: ليلة السكاكين الطويلة.
ذلك التعبير الألماني القديم الذي يدل على الانتقام.
لكي نفهم الأحداث التي وقعت ما بين الثلاثين من يونيو والثاني من يوليو ۱٩٣٤ يجب أن نتعرف على خلفية تلك الأحداث و بعض الشخصيات المشاركة بها حتى نتمكن من الوصول إلى قراءة عادلة للتاريخ (وسأشير إليها بمثلث أحمر عند ذكرها).
فرسان العاصفة Sturmabteilung واختصاراً SA والمعروفين بأصحاب القمصان البنية.
بنهاية الحرب العالمية الأولى وانتشار مد الثورة الشيوعية إلى ألمانيا قامت بعض المجموعات الشيوعية بمحاولة تقسيم لبقايا الدولة الألمانية المنهارة إلى ولايات شيوعية. أثار ذلك حفيظة المحاربين المتقاعدين بعد الحرب الكبرى الذين آمنوا بأنهم قد تعرضوا لخيانة أدت لهزيمة ألمانيا وهي على وشك الفوز في ۱٩۱٨ (هذه الفكرة تبلورت فيما بعد بما أسماه هتلر ب"الطعنة في الظهر" والتي سنوضحها في مشاركة قادمة) وقاموا بتنظيم أنفسهم في كيان عرف بالقوات الحرة Freikorps والتي حملت على عاتقها مجابهة العصابات الشيوعية وحصلت على الدعم من الجيش الألماني، أو ما تبقى منه.
تطورت فيما بعد تلك القوات إلى ما عرف بفرسان العاصفة والتي قامت بحماية هتلر من هجمات المليشيات الشيوعية حينما كان يقوم بعرض أفكاره على الجماهير عن إعادة ألمانيا إلى أمجادها وإزالة ظلم معاهدة فرساي سيئة السمعة في الحانات والتجمعات النازية حيث أن العنف السياسي كان أكثر شيوعاً ووضوحاً في مجتمعات لم يتم تدجينها كما هو الحال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. تحدث هتلر عنهم مراراً في كتابه كفاحي وكيف أنهم أسسوا نواة جذبت أشد وأعتى المؤيدين للنازية حيث كانت تتبع نظاماً شبه عسكري برتبه الخاصة حتى وإن لم تكن مسلحة كما يتصور البعض.
وصل تعداد الSA في ۱٩٣٤ إلى ما يقارب ثلاثة ملايين بعد أن كانت عشرات من الأفراد في ۱٩٢٠ وأصبحت تحت قيادة إرنست روهم الذي ترك الجيش في ۱٩٢٣ ليقود تلك القوات. ذلك الجيش الذي تم تحديد تعداد قواته بمائة ألف طبقاً لمعاهدة فرساي. مع ذلك العدد وبنشوة انتصار حركتهم السياسية بتنصيبها هتلر مستشاراً للدولة الألمانية في ۱٩٣٣ بدأت المشاكل بالظهور من إثارة للشغب والمشاجرات في الشوارع والتعدي على الشرطة وما إلى ذلك. وبالرغم من تحجيمها والقضاء على قادتها في ٣٠ يونيو إلا أنها استمرت كمنظمة حزبية لإمداد الجيش والSS بالرجال المخلصين للعقيدة النازية.
إرنست روهم.
كان يطلق عليه أثناء مجابهة الشيوعيين "ملك الرشاشات البافارية" حيث أنه كان ضابط الاتصال بين القوات الحرة والجيش وقام بإمدادهم بصفة غير رسمية بالعتاد والذخيرة.
روهم على غير حاشية هتلر الشهيرة (جورنج، هملر، جوبلز، هيس) كان لا يدين بالولاء لهتلر والذي وإن قام بتأييده في الحركة النازية منذ بدايتها وحتى وصوله إلى المستشارية إلا أنه كان يريد إعادة هيكلة الدولة والجيش بشكل جديد أقرب للشيوعية (اليسار) منها للمحافظين (اليمين) ووقف إلى جانبه
الأخوان شتراسر المنشقين عن النازية واللذان أسسا لفلسفة سميت باسمهما مرتكزة على العداء للرأسمالية بدلاً من الارتكاز على العرق والهوية الألمانية كما فعلت النازية ولقى أحد الأخوة نفس مصير روهم بينما هرب الآخر ونجا حتى السبعينيات من القرن العشرين.
روهم أراد أن تصبح قوات SA جيشاً نظامياً للدولة تحت قيادته عوضاً عن الجيش ذو الطابع الأرستقراطي والذي ضم الكثير من نبلاء بروسيا مما جعل الجيش وقادته يتخوفون من روهم وأطماعه.
رأى روهم ومؤيديه أن ما قام به هتلر هو "نصف ثورة" حيث أن هتلر لم يرد تدمير الطبقات والأنظمة القديمة على الطريقة الشيوعية وأثار ذلك غضب روهم الذي اعتبر أن هتلر محابٍ للرجعيين والمحافظين من اليمين من العهود البائدة بالرغم من أن المستشار السابق
كارل فون شليخر المعادي لهتلر قام باستخدام روهم كورقة تهديد لهتلر حيث قام بتسريب تشكيلاً وزارياً يقدم روهم كوزير للدفاع بعد عودته (شليخر) كنائب للمستشار في أوج الخلاف بين روهم وهتلر، الأمر والذي إن وقع كان سيعني القضاء على هتلر عبر روهم المسيطر على الجيش والSA.
روهم كان شاذ جنسياً!
روهم وشليخر قضوا في التطهير.
فرانز فون بابن.
كان مستشاراً سابقاً للدولة الألمانية ونائب المستشار الألماني أدولف هتلر بعد استلامه المنصب في ٣٠ يناير ۱٩٣٣. يميني محافظ من بقايا دولة فايمر وهو من أقنع رئيس الدولة الألمانية
بول فون هندنبورج، بطل الحرب ومحل إعجاب الألمان، بتعيين هتلر مستشاراً اعتقاداً منه أنه بالإمكان السيطرة عليه في هذا المنصب بدون حكومة من الحزب النازي عوضاً عن تركه كمصدر إزعاج للسلطة الألمانية خارج ذلك المنصب.
في حين أنه لم يتم القضاء عليه في ليلة السكاكين الطويلة إلا أنه كان سبباً كبيراً في حدوثها حيث استغل ظهور روهم وقواته لإحراج هتلر بمطالبته هتلر بالسيطرة عليه بل وتهديد هتلر "بثورة مضادة" في خطبة علنية ملوحاً بغضب الجيش من SA قبل أيام من أحداث ٣٠ يونيو.
فون بابن نجا من التطهير مراعاة لتدخل الرئيس الألماني فون هندنبورج والذي غضب بسبب قتل عدد من مساعدي فون بابن وتم إبعاده لفيينا كسفير لألمانيا حيث بقى خارج معترك السياسة.
أدولف هتلر.
هتلر قد وصل إلى السلطة يناير ۱٩٣٣ عبر النظام الديموقراطي الذي كان من أهم وعوده الانتخابية أن يقضي عليه لكن ذلك لم يحدث بين يوم وليلة بل تم عبر مرحلة التحول إلى النازية Gleichschaltung والتي بدأت بتطويع القوى السياسية لتصبح تحت سيطرته، حيث ألغى الحاجة للرايخشتاج (مجلس النواب) كهيئة تشريعية كما نفذ وعده بالقضاء على الأحزاب السياسية حتى أصبحت ألمانيا في منتصف ۱٩٣٣ دولة الحزب الواحد لكن هتلر لم يكن له السيطرة على الجيش الذي كان تحت إمرة الرئيس الألماني فون هندنبورج ووزير الدفاع
فيرنر فون بلومبرج كما أن القوى المحافظة التقليدية بقيت في الحكومة.
التطهير.
"وليكن معروفًا في كل وقت أنه إذا رفع أحد يده لضرب الدولة، فحينها يكون الموت هو قدره" — أدولف هتلر في الثالث عشر من يوليو معلقاً على أحداث ليلة السكاكين الطويلة.
وجد هتلر نفسه بين الجيش المستقل في نظام الحكم الألماني (تحت قيادة فون هندنبورج ويليه فون بلومبرج) وبين قوات فرسان العاصفة المستقلة إلى حد كبير داخل الحزب النازي (تحت سيطرة روهم) في وقت حاول فيه النظام القديم عبر عملائه من تقويض الحكم النازي الناشئ عبر إحراجه بإظهاره فاقد للسيطرة على أتباعه أو حتى استخدام روهم نفسه لتهديد هتلر والذي أراد بدوره أن يبقي على الحالة الثورية للقضاء على النخبة وتمكين نفسه وأتباعه. بل وصل الأمر ببعض أعضاء الحكومة ومن ضمنهم وزير الخارجية إلى الطلب من سفير ألمانيا في إيطاليا الفاشية أن يدفع موسوليني لانتقاد قوات فرسان العاصفة وقيادتها بأن سمعتها تسيئ لهتلر وحركته النازية في إحدى زيارات هتلر لإيطاليا. كما أن وزير الدفاع فون بلومبرج أبلغ هتلر بأن الرئيس الألماني فون هندنبورج على وشك إعلان الأحكام العرفية وتكليف الجيش بإدارة البلاد إن لم يتحرك هتلر ضد روهم.
تحت كل تلك الضغوط قام هتلر بتصفية حساباته مع كلا الطرفين، روهم وأصحاب التوجهات اليسارية داخل الحزب النازي ومعارضيه المحافظين اليمينيين الذين حاولوا تقويض ما وصل إليه من سيطرة على الحكم مع كسب ولاء الجيش بالقضاء على خصومه في الSA مع عدم الإجهاز على مصدر القوة البشرية المؤمنة بالقيم النازية متمثلة في الSA بحركة "التطهير بالدم" كما وصفت فيما بعد.
تم الترتيب لاستخدام قوات من الSS والتي ظهرت كصفوة من قوات الSA لحماية القادة النازيين في البدء مع الشرطة السرية Gestapo (وكلاهما تحت قيادة هينريك هيملر ويده اليمنى رينهارد هيدريك) والتي تم إقناع ضباطها بخيانة روهم وتلقيه تمويلاً فرنسياً بالتعاون مع المستشار السابق فون شليخر ذو العلاقة القوية بالسفير الفرنسي للإطاحة بهتلر. كما تم وضع الجيش في حالة استنفار قبل خمسة أيام من الأحداث مع التأكيد على تأييد الجيش لهتلر بطرد روهم من رابطة العسكريين الألمان قبل الأحداث بثلاثة أيام.
٢٨\٦ اتصل هتلر من مراسم زفاف يحضره في إيسن لأمر قادة الSA بحضور اجتماع معه في باد فيسي في الثلاثين من يونيو.
٢٩\٦ تصدر صحيفة الحزب النازي "فولكشير بيوباختر" بمقال موقع من وزير الدفاع فون بلومبرج يتحدث فيه عن تأييد الجيش لهتلر.
٣٠\٦ في ساعات الصباح الأولى يصل هتلر إلى مقر وزارة الداخلية في ميونيخ ليجد بعض من عناصر الSA الذين تم جمعهم من أحداث شغب في الليلة السابقة. هتلر قام بتوبيخ قائد الشرطة على فشله في الحفاظ على النظام وتم إعدامه لاحقاً.
غادر هتلر ومعه مجموعة من الSS إلى فندق هانسلباور في باد فيسي حيث يبيت قادة الSA ووصل ما بين السادسة والسابعة صباحاً مباغتاً إياهم وهم نائمين حيث ألقى القبض بنفسه على روهم ونقل إلى السجن. كما تم القبض على أحد قادة الSA وهو في السرير مع أحد متطوعي SA الجدد حيث تم اقتيادهم لخارج الفندق وإعدامهم بالرصاص على الفور. وألقي القبض أيضاً على قادة الSA القادمين من محطة القطار إلى مقر الاجتماع المخطط مع هتلر.
عند الساعة العاشرة صباحاً اتصل جوزيف جوبلز بهيرمان جورنج قائلاً كلمة السر "Kolibri / الطائر الطنان" في إشارة لبدء تحرك فرق الموت ضد الأهداف المحددة الغير متوقعة لما سوف يحدث لاحقاً.
قامت فرقة إعدام مكونة من حرس هتلر الشخصي LAH بإعدام بعض من قادة الSA بعد نقلهم للسجن في شتاتدلهيم أو لقيادة قواتهم في ليخترفيلد بعد محاكمات صورية لمدة دقيقة واحدة.
في سجن شتاتدلهيم تم اعطاء روهم مسدساً ورصاصة واحدة ومهلة عشر دقائق للانتحار. رافضاً أن يقتل نفسه ومتحدياً بقوله "دع هتلر يفعلها" قام ضابطي الSS بإعدامه في زنزانته في الأول من يوليو.
طال التطهير أيضاً أعداء هتلر من المحافظين والمعارضين حيث أعدم ثلاثة من المقربين لنائب المستشار الألماني فون بابن والذي لم يمس بناء على تدخل رئيس الدولة فون هندنبورج. من ضمنهم كاتب خطاب فون بابن التهديدي ضد هتلر.
كما أعدم المستشار السابق فون شليخر المحرض ضد هتلر وزوجته، وجريجور شتراسر المنشق عن الحزب النازي، وجوستاف ريتر فون كاهر الذي قمع محاولة هتلر للانقلاب على السلطة في ۱٩٢٣ ونتج عنها سجن هتلر ومقتل العديد من أوائل النازيين حيث أعدم فون كاهر بطريقة انتقامية ضرباً بالفؤوس في غابة خارج ميونخ.
كما تم اعدام بعض من أعضاء الحزب الكاثوليكي المعادي لهتلر.
وقعت ضحية بالخطأ نظراً لتشابه اسمه مع أحد الأهداف وهو ويلي شميد الناقد الموسيقي حيث تم اعتقاله وإرسال جثته إلى زوجته بعد الاعتقال بأربعة أيام. وقد قام رودلف هيس أحد أهم مساعدي هتلر بزيارة أرملته للاعتذار عن الخطأ الذي وقع وتم صرف معاش لعائلته.
وصل عدد الإعدامات الموثقة إلى ٨٥ لكن روايات مضادة للنازية خاصة في الإعلام الغربي في ذلك الوقت نقلت أعداداً بالمئات.
في الأيام التي تلت عملية التطهير أصدرت الحكومة بياناً تصف فيه أحداث الأيام الثلاثة بأن "قمع هجمات الخيانة
هو أمر قانوني كجزء من دفاع الدولة عن نفسها" كما قام وزير العدل الألماني وهو من المحافظين بإصدار قانون "إجراءات دفاع الدولة عن نفسها" لإضفاء صبغة قانونية على عملية التطهير بأثر رجعي كما قام كارل شميدت وهو أهم قانوني في ألمانيا في ذلك الوقت بتأييد خطاب هتلر في الثالث عشر من يوليو بقوله "هتلر طبق القانون".
رحب الجيش وبشكل شبه كامل بعملية التطهير والتي مدحها الرئيس الألماني فون هندنبورج بنفسه عبر برقية تقول "أشعر بكامل الامتنان" وشكر هتلر "على وأده الخيانة في مهدها".
تم تعيين أحد المخلصين لهتلر وهو فيكتور لوتز كقائد لSA وأمره هتلر بتطهير القوات من العربدة والبذخ لأن هتلر لم يرد القضاء على إمكانيات تلك القوات وطاقتها البشرية.
كانت أهم نتائج عملية التطهير هي التخلص من العناصر المؤلبة ضد هتلر من اليساريين المنضوين تحت راية النازية أو اليمينيين الذين سعوا لإقصاء هتلر والعودة للعهد القديم كما كسب هتلر ولاء الجيش ونتج عن ذلك فرض سلطة هتلر كقائد أعلى للشعب الألماني كما ذكر في خطابه عن التطهير في ۱٣ يوليو ۱٩٣٤ وإن تم إطلاق تلك الصفة رسمياً عليه في ۱٩٤٢. كما رسخت تلك العملية حكم دائرة هتلر من المخلصين له.
أيضاً كانت عملية التطهير رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه التمرد ضد الدولة ونظامها الحاكم.
وانتهى الأمر بعد تلك الأحداث بهتلر فارضاً سلطته على كافة قطاعات الدولة بعد أن كان شبه فاقد للسيطرة قبلها.
أقدم لكم: ليلة السكاكين الطويلة.
ذلك التعبير الألماني القديم الذي يدل على الانتقام.
لكي نفهم الأحداث التي وقعت ما بين الثلاثين من يونيو والثاني من يوليو ۱٩٣٤ يجب أن نتعرف على خلفية تلك الأحداث و بعض الشخصيات المشاركة بها حتى نتمكن من الوصول إلى قراءة عادلة للتاريخ (وسأشير إليها بمثلث أحمر عند ذكرها).
بنهاية الحرب العالمية الأولى وانتشار مد الثورة الشيوعية إلى ألمانيا قامت بعض المجموعات الشيوعية بمحاولة تقسيم لبقايا الدولة الألمانية المنهارة إلى ولايات شيوعية. أثار ذلك حفيظة المحاربين المتقاعدين بعد الحرب الكبرى الذين آمنوا بأنهم قد تعرضوا لخيانة أدت لهزيمة ألمانيا وهي على وشك الفوز في ۱٩۱٨ (هذه الفكرة تبلورت فيما بعد بما أسماه هتلر ب"الطعنة في الظهر" والتي سنوضحها في مشاركة قادمة) وقاموا بتنظيم أنفسهم في كيان عرف بالقوات الحرة Freikorps والتي حملت على عاتقها مجابهة العصابات الشيوعية وحصلت على الدعم من الجيش الألماني، أو ما تبقى منه.
تطورت فيما بعد تلك القوات إلى ما عرف بفرسان العاصفة والتي قامت بحماية هتلر من هجمات المليشيات الشيوعية حينما كان يقوم بعرض أفكاره على الجماهير عن إعادة ألمانيا إلى أمجادها وإزالة ظلم معاهدة فرساي سيئة السمعة في الحانات والتجمعات النازية حيث أن العنف السياسي كان أكثر شيوعاً ووضوحاً في مجتمعات لم يتم تدجينها كما هو الحال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. تحدث هتلر عنهم مراراً في كتابه كفاحي وكيف أنهم أسسوا نواة جذبت أشد وأعتى المؤيدين للنازية حيث كانت تتبع نظاماً شبه عسكري برتبه الخاصة حتى وإن لم تكن مسلحة كما يتصور البعض.
وصل تعداد الSA في ۱٩٣٤ إلى ما يقارب ثلاثة ملايين بعد أن كانت عشرات من الأفراد في ۱٩٢٠ وأصبحت تحت قيادة إرنست روهم الذي ترك الجيش في ۱٩٢٣ ليقود تلك القوات. ذلك الجيش الذي تم تحديد تعداد قواته بمائة ألف طبقاً لمعاهدة فرساي. مع ذلك العدد وبنشوة انتصار حركتهم السياسية بتنصيبها هتلر مستشاراً للدولة الألمانية في ۱٩٣٣ بدأت المشاكل بالظهور من إثارة للشغب والمشاجرات في الشوارع والتعدي على الشرطة وما إلى ذلك. وبالرغم من تحجيمها والقضاء على قادتها في ٣٠ يونيو إلا أنها استمرت كمنظمة حزبية لإمداد الجيش والSS بالرجال المخلصين للعقيدة النازية.
كان يطلق عليه أثناء مجابهة الشيوعيين "ملك الرشاشات البافارية" حيث أنه كان ضابط الاتصال بين القوات الحرة والجيش وقام بإمدادهم بصفة غير رسمية بالعتاد والذخيرة.
روهم على غير حاشية هتلر الشهيرة (جورنج، هملر، جوبلز، هيس) كان لا يدين بالولاء لهتلر والذي وإن قام بتأييده في الحركة النازية منذ بدايتها وحتى وصوله إلى المستشارية إلا أنه كان يريد إعادة هيكلة الدولة والجيش بشكل جديد أقرب للشيوعية (اليسار) منها للمحافظين (اليمين) ووقف إلى جانبه
روهم أراد أن تصبح قوات SA جيشاً نظامياً للدولة تحت قيادته عوضاً عن الجيش ذو الطابع الأرستقراطي والذي ضم الكثير من نبلاء بروسيا مما جعل الجيش وقادته يتخوفون من روهم وأطماعه.
رأى روهم ومؤيديه أن ما قام به هتلر هو "نصف ثورة" حيث أن هتلر لم يرد تدمير الطبقات والأنظمة القديمة على الطريقة الشيوعية وأثار ذلك غضب روهم الذي اعتبر أن هتلر محابٍ للرجعيين والمحافظين من اليمين من العهود البائدة بالرغم من أن المستشار السابق
روهم كان شاذ جنسياً!
روهم وشليخر قضوا في التطهير.
كان مستشاراً سابقاً للدولة الألمانية ونائب المستشار الألماني أدولف هتلر بعد استلامه المنصب في ٣٠ يناير ۱٩٣٣. يميني محافظ من بقايا دولة فايمر وهو من أقنع رئيس الدولة الألمانية
في حين أنه لم يتم القضاء عليه في ليلة السكاكين الطويلة إلا أنه كان سبباً كبيراً في حدوثها حيث استغل ظهور روهم وقواته لإحراج هتلر بمطالبته هتلر بالسيطرة عليه بل وتهديد هتلر "بثورة مضادة" في خطبة علنية ملوحاً بغضب الجيش من SA قبل أيام من أحداث ٣٠ يونيو.
فون بابن نجا من التطهير مراعاة لتدخل الرئيس الألماني فون هندنبورج والذي غضب بسبب قتل عدد من مساعدي فون بابن وتم إبعاده لفيينا كسفير لألمانيا حيث بقى خارج معترك السياسة.
هتلر قد وصل إلى السلطة يناير ۱٩٣٣ عبر النظام الديموقراطي الذي كان من أهم وعوده الانتخابية أن يقضي عليه لكن ذلك لم يحدث بين يوم وليلة بل تم عبر مرحلة التحول إلى النازية Gleichschaltung والتي بدأت بتطويع القوى السياسية لتصبح تحت سيطرته، حيث ألغى الحاجة للرايخشتاج (مجلس النواب) كهيئة تشريعية كما نفذ وعده بالقضاء على الأحزاب السياسية حتى أصبحت ألمانيا في منتصف ۱٩٣٣ دولة الحزب الواحد لكن هتلر لم يكن له السيطرة على الجيش الذي كان تحت إمرة الرئيس الألماني فون هندنبورج ووزير الدفاع
"وليكن معروفًا في كل وقت أنه إذا رفع أحد يده لضرب الدولة، فحينها يكون الموت هو قدره" — أدولف هتلر في الثالث عشر من يوليو معلقاً على أحداث ليلة السكاكين الطويلة.
وجد هتلر نفسه بين الجيش المستقل في نظام الحكم الألماني (تحت قيادة فون هندنبورج ويليه فون بلومبرج) وبين قوات فرسان العاصفة المستقلة إلى حد كبير داخل الحزب النازي (تحت سيطرة روهم) في وقت حاول فيه النظام القديم عبر عملائه من تقويض الحكم النازي الناشئ عبر إحراجه بإظهاره فاقد للسيطرة على أتباعه أو حتى استخدام روهم نفسه لتهديد هتلر والذي أراد بدوره أن يبقي على الحالة الثورية للقضاء على النخبة وتمكين نفسه وأتباعه. بل وصل الأمر ببعض أعضاء الحكومة ومن ضمنهم وزير الخارجية إلى الطلب من سفير ألمانيا في إيطاليا الفاشية أن يدفع موسوليني لانتقاد قوات فرسان العاصفة وقيادتها بأن سمعتها تسيئ لهتلر وحركته النازية في إحدى زيارات هتلر لإيطاليا. كما أن وزير الدفاع فون بلومبرج أبلغ هتلر بأن الرئيس الألماني فون هندنبورج على وشك إعلان الأحكام العرفية وتكليف الجيش بإدارة البلاد إن لم يتحرك هتلر ضد روهم.
تحت كل تلك الضغوط قام هتلر بتصفية حساباته مع كلا الطرفين، روهم وأصحاب التوجهات اليسارية داخل الحزب النازي ومعارضيه المحافظين اليمينيين الذين حاولوا تقويض ما وصل إليه من سيطرة على الحكم مع كسب ولاء الجيش بالقضاء على خصومه في الSA مع عدم الإجهاز على مصدر القوة البشرية المؤمنة بالقيم النازية متمثلة في الSA بحركة "التطهير بالدم" كما وصفت فيما بعد.
تم الترتيب لاستخدام قوات من الSS والتي ظهرت كصفوة من قوات الSA لحماية القادة النازيين في البدء مع الشرطة السرية Gestapo (وكلاهما تحت قيادة هينريك هيملر ويده اليمنى رينهارد هيدريك) والتي تم إقناع ضباطها بخيانة روهم وتلقيه تمويلاً فرنسياً بالتعاون مع المستشار السابق فون شليخر ذو العلاقة القوية بالسفير الفرنسي للإطاحة بهتلر. كما تم وضع الجيش في حالة استنفار قبل خمسة أيام من الأحداث مع التأكيد على تأييد الجيش لهتلر بطرد روهم من رابطة العسكريين الألمان قبل الأحداث بثلاثة أيام.
٢٨\٦ اتصل هتلر من مراسم زفاف يحضره في إيسن لأمر قادة الSA بحضور اجتماع معه في باد فيسي في الثلاثين من يونيو.
٢٩\٦ تصدر صحيفة الحزب النازي "فولكشير بيوباختر" بمقال موقع من وزير الدفاع فون بلومبرج يتحدث فيه عن تأييد الجيش لهتلر.
٣٠\٦ في ساعات الصباح الأولى يصل هتلر إلى مقر وزارة الداخلية في ميونيخ ليجد بعض من عناصر الSA الذين تم جمعهم من أحداث شغب في الليلة السابقة. هتلر قام بتوبيخ قائد الشرطة على فشله في الحفاظ على النظام وتم إعدامه لاحقاً.
غادر هتلر ومعه مجموعة من الSS إلى فندق هانسلباور في باد فيسي حيث يبيت قادة الSA ووصل ما بين السادسة والسابعة صباحاً مباغتاً إياهم وهم نائمين حيث ألقى القبض بنفسه على روهم ونقل إلى السجن. كما تم القبض على أحد قادة الSA وهو في السرير مع أحد متطوعي SA الجدد حيث تم اقتيادهم لخارج الفندق وإعدامهم بالرصاص على الفور. وألقي القبض أيضاً على قادة الSA القادمين من محطة القطار إلى مقر الاجتماع المخطط مع هتلر.
عند الساعة العاشرة صباحاً اتصل جوزيف جوبلز بهيرمان جورنج قائلاً كلمة السر "Kolibri / الطائر الطنان" في إشارة لبدء تحرك فرق الموت ضد الأهداف المحددة الغير متوقعة لما سوف يحدث لاحقاً.
قامت فرقة إعدام مكونة من حرس هتلر الشخصي LAH بإعدام بعض من قادة الSA بعد نقلهم للسجن في شتاتدلهيم أو لقيادة قواتهم في ليخترفيلد بعد محاكمات صورية لمدة دقيقة واحدة.
في سجن شتاتدلهيم تم اعطاء روهم مسدساً ورصاصة واحدة ومهلة عشر دقائق للانتحار. رافضاً أن يقتل نفسه ومتحدياً بقوله "دع هتلر يفعلها" قام ضابطي الSS بإعدامه في زنزانته في الأول من يوليو.
طال التطهير أيضاً أعداء هتلر من المحافظين والمعارضين حيث أعدم ثلاثة من المقربين لنائب المستشار الألماني فون بابن والذي لم يمس بناء على تدخل رئيس الدولة فون هندنبورج. من ضمنهم كاتب خطاب فون بابن التهديدي ضد هتلر.
كما أعدم المستشار السابق فون شليخر المحرض ضد هتلر وزوجته، وجريجور شتراسر المنشق عن الحزب النازي، وجوستاف ريتر فون كاهر الذي قمع محاولة هتلر للانقلاب على السلطة في ۱٩٢٣ ونتج عنها سجن هتلر ومقتل العديد من أوائل النازيين حيث أعدم فون كاهر بطريقة انتقامية ضرباً بالفؤوس في غابة خارج ميونخ.
كما تم اعدام بعض من أعضاء الحزب الكاثوليكي المعادي لهتلر.
وقعت ضحية بالخطأ نظراً لتشابه اسمه مع أحد الأهداف وهو ويلي شميد الناقد الموسيقي حيث تم اعتقاله وإرسال جثته إلى زوجته بعد الاعتقال بأربعة أيام. وقد قام رودلف هيس أحد أهم مساعدي هتلر بزيارة أرملته للاعتذار عن الخطأ الذي وقع وتم صرف معاش لعائلته.
وصل عدد الإعدامات الموثقة إلى ٨٥ لكن روايات مضادة للنازية خاصة في الإعلام الغربي في ذلك الوقت نقلت أعداداً بالمئات.
في الأيام التي تلت عملية التطهير أصدرت الحكومة بياناً تصف فيه أحداث الأيام الثلاثة بأن "قمع هجمات الخيانة
هو أمر قانوني كجزء من دفاع الدولة عن نفسها" كما قام وزير العدل الألماني وهو من المحافظين بإصدار قانون "إجراءات دفاع الدولة عن نفسها" لإضفاء صبغة قانونية على عملية التطهير بأثر رجعي كما قام كارل شميدت وهو أهم قانوني في ألمانيا في ذلك الوقت بتأييد خطاب هتلر في الثالث عشر من يوليو بقوله "هتلر طبق القانون".
رحب الجيش وبشكل شبه كامل بعملية التطهير والتي مدحها الرئيس الألماني فون هندنبورج بنفسه عبر برقية تقول "أشعر بكامل الامتنان" وشكر هتلر "على وأده الخيانة في مهدها".
تم تعيين أحد المخلصين لهتلر وهو فيكتور لوتز كقائد لSA وأمره هتلر بتطهير القوات من العربدة والبذخ لأن هتلر لم يرد القضاء على إمكانيات تلك القوات وطاقتها البشرية.
كانت أهم نتائج عملية التطهير هي التخلص من العناصر المؤلبة ضد هتلر من اليساريين المنضوين تحت راية النازية أو اليمينيين الذين سعوا لإقصاء هتلر والعودة للعهد القديم كما كسب هتلر ولاء الجيش ونتج عن ذلك فرض سلطة هتلر كقائد أعلى للشعب الألماني كما ذكر في خطابه عن التطهير في ۱٣ يوليو ۱٩٣٤ وإن تم إطلاق تلك الصفة رسمياً عليه في ۱٩٤٢. كما رسخت تلك العملية حكم دائرة هتلر من المخلصين له.
أيضاً كانت عملية التطهير رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه التمرد ضد الدولة ونظامها الحاكم.
وانتهى الأمر بعد تلك الأحداث بهتلر فارضاً سلطته على كافة قطاعات الدولة بعد أن كان شبه فاقد للسيطرة قبلها.