امه فيها فادي ابو صلاح لن تهزم ولن تخذل ابدا بأذن الله ...
القدس لنا ..شاء من شاء وابى من ابى .. وستعود ولو بعد حين .
اطمئنوا ..
أول خــطـــبــة جــمــعــة في المسجد الأقصى بعد تحريره من الصليبيين
خطبة القاضي مُحي الدين بن الزكي في يوم الجمعة التي أعقبت تحرير القدس على يد صلاح الدين وجنده
خَطبَ القاضي قائلاً:-
.... ". فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "
ثُم أكمل قائلاً:
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره ومُصَّرف الأمور بأمره، ومُزيد النعمِ بِشُكرِه، ومُستَدرِج الكافرين بمَكره،الذي قدَّرَ الأيام دولا بعدله، وجعل العاقبة للمُتقين بفضله، وأفاض على العباد من طَلْهِ وهَطلِه،الذي أظهر دينه على الدين كُله، القاهرُ فوق عباده فلا يُمانَعْ والظاهر على خليقته فلا يُنازَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجعْ ، والحاكم بما يُريد فلا يدافع أحمده على أظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه ونصره أنصاره،ومُطَهر بيته المُقَدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمدَ من استشعر الحمد باطن سره وظاهر إجهاره .
.... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، شهادة من طَهَّرَ بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربه، وأشهد أن محمد عبده ورسوله رافع الشكر وداحض الشرك، ورافض الإفك، الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وعرج به منه إلى السماوات العلى، إلى سِدرَة المُنتهى عندها جنة المأوى، ما زاغ البصر وما طغى، صلى الله عليه وسلم ، عليه وعلى خليفته الصديق السابق بالإيمان، وعلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شِعارَ الصُلبان وعلى أمير المؤمنين عُثمان بن عفان ذي النورين جامعِ القُرآن، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مُزَلزلِ الشرك ومُكَسرِ الأصنام، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ..... .
...أيها الناس: ابشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا لما يَسره الله على أيديكم من استراد هذه الضالة من الأمة الضالة وردها إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيد المشركين قريبا من مائة عام وتطهير هذا البيت الذي أذِن الله أن يرفع وأن يذكرَ فيها أسمه وإماطة الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه واستعمر فيها رسمه ورفع قواعده بالتوحيد فإنه بُنيَ على بالتقوى ، فإنه أسس على التقوى من خلفه ومن بين يديه ، فهو مَوطنُ أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم محمد عليه السلام وقبلتكم التي كنتم تُصَّلْ ون إليها في ابتداء الإسلام وهو مقرُ الأنبياء ومقصِدُ الأولياء ومقرُ الرسل ومهبط الوحي ومَنْزِلُ تَنَزل الأمر والنهي وهو في أرض المحشر وصعيدُ المَنْشَرْ،وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه المبين وهو المسجد الذي صلى فيه رسول الله(ص) بالملائكة المُقربين وهو البلد الذي بعث الله إليه عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحه عيسى الذي شَرْفَه الله برسالته وكرمه بنبوته ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته
فقال تعالى : [ لن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ ] وقال: [لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ]
وهو أول القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه ولا تعتقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه ولولا أنكم ممن اختاره الله من عباده واصطفاه من سكان بلاده لما خصكم بهذه الفضيلة التي لا يجاريكم فيها مجار ولا يباريكم في شرفها مبار فطوبى لكم من جيش ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية والوقعات البدرية والعز مات الصديقية والفتوح ألعمريه، والجيوش العثمانية والفتكات العلوية،
جددتم للإسلام أيام القادسية والوقعات اليرموكية والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية، فجازاكم الله عن نبيه محمد أفضل الجزاء وشكر لكم ما بذلتموه من مهجك في مقارعة الأعداء وتقبل منكم ما تقربتم به إليه من مهرا ق الدماء وأثابكم الجنة فهي دار السعداء فاقدروا رحمكم الله هذه النعمة حق قدرها وقوموا الله تعالى بواجب شكرها فله النعمة عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة وترشيحكم لهذه الخدمة فهذا هو الفتح الذي فتحت له أبواب السماء وتبلجت بأنواره وجوه الظلماء وابتهج به الملائكة المقربون وقربة عينا الأنبياء والمرسلون فإذا عليكم من نعمة بأن جعلكم الجيش الذي يفتح عليه البيت المقدس في آخر الزمان والجند الذي تقوم بسيوفهم بعد فترة من النبوة إعلام الأيمان فيوشك أن تكون التهاني به بين أهل الخضراء أكثر من التهاني به بين أهل الغبراء أليس هو البيت الذي ذكره الله في كتابه ونص عليه في خطابه فقال تعالى : [ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ]
أليس هو البيت الذي عظمته الملوك وأثبت عليه الرسل وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من إلهكم عز وجل أليس هو البيت الذي أمسك الله عز وجل الشمس على يوشع لأجله أن تغرب وباعد بيت خطواتها ليتيسر فتحه ويقرب . أليس هو البيت الذي أمر الله موسى أن يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلا رجلان وغضب عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبة للعصيان فاحمدوا الله الذي أمضى عزائكم لما قعد عنه بنو إسرائيل وقد فضلهم على العالمين ووفقكم لما فيه من كان قبلكم من الأمم الماضين وجمع لأجله كلمتم وكانت شتى فليهنكم أن الله قد ذكركم به فيمن عنده وجعلكم بعد أن كنتم جنودا لاهويتكم جنده وشكركم الملائكة المنزلون على ما أهديتم إلى هذا البيت من طيب التوحيد ونشر التقديس والتحميد وما أمطتم عن طرقهم فيه من أذى الشرك والتثليث والاعتقاد الفاجر فالآن يستغفر لكم أملاك السماوات وتصلي عليكم الصلوات المباركات
فاحفظوا رحمكم الله هذه الموهبة فيكم واحرصوا هذه النعمة عندكم بتقوى الله التي من تمسك بها سلم ومن اعتصم بعروبتها نجا وعصم واحذروا من إتباع الهوى وموافقة الردى ورجوع القهقرى والنكول عن العدا وخذوا في انتهاز الفرصة وإزالة ما بقى من الغصة وجاهدوا في الله حق جهادة وبيعوا عباد الله أنفسكم في رضاه إذ جعلكم من الخير عباده وإياكم أن يستذلكم الشيطان وأن بتداخلكم الطغيان فيخل لكم أن هذا النصر بسيوفكم الحداد ،وبخيولكم الجياد ، وبجلادكم في مواطن الجلاد، لا والله عزيز حكيم ،
واحذروا عباد الله بعد أن شرفكم بهذا الفتح الجليل والمنهج الجزيل ، وخصكم بهذا الفتح المبين ، وأعلق أيديكم بحبله المتين أن تقترفوا كبيرا من مناهيه وأن تأتوا عظيما من معاصيه فتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، والذي آتياه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ،و الجهاد فهو من أفضل عباداتكم وأشرف عادتكم أنصروا الله ينصركم ،اذكروا أيام الله يذكركم ، اشكروا الله يزدكم ويشكركم ،
جِدُّوا في حسم الداء وقطع شأفة الأعداء وتطهير بقية الأرض التي أغضبت الله ورسوله واقطعوا فروع الكفر واجتثوا أصوله فقد نادت الأيام بالثارات الإسلامية والملة المحمدية الله أكبر فتح الله ونصر ،غلب الله وقهر ، أذل الله من كفر واعملوا رحمكم الله أن هذه فرصة فانتهزوها وفريسة فأنجزوها ومهمة فأخرجوا لها هممكم ،وأبرزوها،وسَيِّروا إليها عزماتكم، وجَهِزوها فالأمور بأواخرها والمكاسب بذخائرها، فقد أظفركم الله بهذا العدو المخذول، وهم مثلكم أو يزيدون فكيف وقد أضحى في قبالة الواحد منهم عشرون منكم،
وقد قال تعالى:..
(إن يَكُنْ منكم عٍشرون صابِرون يغلِبُوا مائتين) أعاننا الله على إتباع أوامره والازدجار بزواجره وأيدنا معشرَ المسلمين بِنَصرٍ من عنده ، إن ينصُركُمُ الله فلا غالب لكم وإن يَخذلكم فمن ذا الذي ينصُركم من بعده
==
==
ثم خطب الخطبة الثانية على عادة الخطباء مختصرة، ثم دعا للإمام الناصر خليفة العصر،
ثم قال:
اللهم وأدم سلطان عبدِك الخاضعِ لهيبتك، الشاكرِ لنعتمك، المعترفِ بموهبتك، سيفِك القاطع، وشهابِك اللامع، والمحامي عن دينك المدافع، والذابِّ عن حرمك الممانع، السيدِ الأجل، الملكِ الناصر، جامعِ كلمة الإيمان، وقامعِ عبدة الصلبان، صلاحِ الدنيا والدين، سلطانِ الإسلام والمسلمين، مطهرِ البيتِ المقدس أبي المظفر يوسف بن أيوب، محيي دولة أمير المؤمنين.
اللهم عُمَّ بدولته البسيطة، واجعل ملائكتك براياته محيطة، وأحسن عن الدين الحنيفي جزاءه، واشكر عن الملة المحمدية عزمه ومضاءه، اللهم أبق للإسلام مهجته، ووق للإيمان حوزته، وانشر في المشارق والمغارب دعوته، اللهم كما فتحت على يديه البيت المقدس بعد أن ظُنَّت الظنون، وابتُلي المؤمنون، فافتح على يديه داني الأرض وقاصيها، ومَلِّكه صياصي الكفر ونواصيها، فلا تلقاه منهم كتيبة إلا مزقها، ولا جماعة إلا فرقها، ولا طائفة بعد طائفة إلا ألحقها بمن سبقها.
اللهم اشكر عن محمد -صلى الله عليه وسلم- سعيه، وأنفذ في المشارق والمغارب أمره ونهيه، اللهم وأصلح به أوساط البلاد وأطرافها، وأرجاء الممالك وأكنافها، اللهم ذلل به معاطس الكفار، وأرغم به أنوف الفجّار، وانشر ذوائب ملكه على الأمصار، وابثث سرايا جنوده في سبل الأقطار، اللهم ثبت الملك فيه وفي عقبه إلى يوم الدين، واحفظه في بنيه وبني أبيه الملوك الميامين، واشدد عضده ببقائهم، واقض بإعزاز أوليائه وأوليائهم، اللهم كما أجريت على يده في الإسلام هذه الحسنة التي تبقى على الأيام، وتتخلد على مرِّ الشهور والأعوام، فارزقه الملك الأبدي الذي لا ينفد في دار اليقين، وأجب دعاءه في قوله {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[النمل:19].
ثم دعا بما جرت به العادة"