بسم الله الرحمن الرحيم,
اللهم صل على محمد وآل محمد.
يقول الشاعر السعودي خلف بن هذال العتيبي:
ولا نخطي ولا نرضى الخطا باي من الحالات
ومن يخطي ولو هو من حدينا ما حسبنا به
تأدبنا من الاسلام والجهل المركب فات
نحدث من حديث اللي هدانا واهتدينا به
في مقهى من مقاهي احد العواصم الاوروبية جلست انا وزميلي من أهل مكة المكرمة نتحدث عن عن اسباب تقدم هذه الامة وانتظام شعبها في العمل وفي اللهو والتسلية معا. كان الجو باردا جدا يذكرني بقصيدة ايليا ابو ماضي عندما قال:
جاء الشتاء جيئة المفاجي
كأنما قد كان في الرتاج
فجمد السائل في الزجاج
واكتست الارض بمثل العاج
كنا نتحدث باللغة العربية مما شد انتباه بعض الاشقاء العرب لحديثنا وكانوا يجلسون على طاولة كبيرة ليست أصغر من حجم الضوضاء الذي يأتي من جهتها. كانوا يتحدثون العربية بطلاقة لكنهم يفضلون الحديث بلغة البلد المضيف بطريقة مكسرة تدعو للاستغراب. سألني أحدهم أنت عربي؟ لم يكن هذا السؤال استفهاميا فبالطبع انا عربي فسحنتي وحديثي منذ نصف ساعة باللغة العربية دليلان واضحان لتجاوز سؤال بروتوكولي كهذا لكنني اعلم انه يرغب في فتح باب الحديث معنا. رددت وقلت رأسا أنا من الرياض. نطقت الضاد بالترقيق الشديد المعروف عن لكنة الجزيرة العربية والتي تعتبر أفصح لكنات العرب قاطبة. أحدهم أراد ان يعلمني أنني مخطيء فقال لاصدقائه بصوت عال لا تخلو منه السخرية والتعالي: من الرياظظظ بترقيق مبالغ فيه لحرف الضاد. ضحك رفاقه بسعادة تشبه سعادة شاربي المخدرات مع اول ثانية لدخولها على محفزات هرمون السعادة في الدماغ ليعطي صعقة لذة تخرج الانسان من الشعور بهذه الحياة, ما دامو سعداء فلا مشكلة فلن يضرني حديثهم شيء ولن يكون لقاء عابر في نقطة على جغرافيا الكرة الارضية او في ومضة في مجرى الزمن مغيرا لاي شيء لا لدي ولا لديهم. صديقي من مكة لم يعجبه هذا الانتقاد المغلف فرد مباشرة, لا ماهو من الرياظظ, من الريازز قالها بالزاي الغليظة في اشارة للكنتهم غير العربية. فاجأني الموقف لانه رد ممتازوطريف على السفهاء فهو استخدم اسلوبهم الفظ للرد عليهم بطريقة تدعوا للضحك. التفت عنهم وحولت ظهر الكرسي لجهتهم وبدأت اتحدث مع زميلي مرة اخرى.
صعقتني جرأتهم حيث قامو بسحب كراسيهم ليشاركونا في طاولتنا بكل وقاحة ودون استئذان. شخصيا لا احب الجلوس في مجموعات لا يصدر منها الا الضوضاء ومحاولة تصحيح الاخرين وكأنهم ملوك الزمان وأسياده. هجم علي "الريازز" بقوله لماذا تقتلون اليمنيين؟ كم سيكفيكم من القتلى لتشعروا بنشوة الانتصار؟ قلت له الله اعلم وهو رد استخدمه عندما اريد اغلاق باب النقاش لكن زميلي "المكاوي" لم يكن سيستسلم للريازز بعد ان حقق الجول الاول في هذه المباراة على الاراضي الاوروبية.
يلبس "الريازز" جاكيتا من الجلد الاصفر فاقع اللون وكأنه يشبه بقرة بني اسرائيل وتحته يلبس بزة عليها صورة ثورية عن العدالة والانتصار على الظالمين الطغاة. لم يكن يحتاج ليتحدث كثيرا حتى عرفنا تقريبا كل الذي ممكن ان يخرج من فمه. بدأت الجولة الاولى بين "الريازز" وصديقي "المكاوي" هكذا:
تنحنح الريازز ليشرح لنا نظرياته الثورية وكيف ان الثورات العربية قد سرقت وانها حوربت وانها وانها وانها. ضاع الوقت في سفسطة نعرفها من أخزم. المصيبة التي لم ينتبه لها الاستاز الريازز ان صديقي في سنته الاخيرة من الماجستير في العلوم السياسية من اعرق جامعة فرنيسة فلن يعييه اطلاقا ان يتعامل مع حالة رومانسية حالمة تظن أنها الثابت في المتغيرات وأنها تقف مع الحق والعدل والثورة. قال صديقي وهو ينظر الى الكتلة البشرية المسكونة بملائكيتها: لما قامت الثورات العربية تظاهرتم بالعدل والانصاف والصدق, قلتم انكم ثوار لكنكم خنتوا وطنكم أفظع خيانة! انظر لبلدان الثورات, لعبتم على كل الحبال كأنكم في السيرك للوصول لضباب مطاطي لا معالم له ولما انكشف الغبار وجدتم انفسك خونة لا اكثر. وجدتم انفسكم مجرد ترس صغير في مكينة الخيانة والاستخدام. اصبحتم جميعا عبيدا لكل شيء الا اوطانكم. استغلكم الجميع ورضيتم بالاستغلال ووافقتم عليه ثم تلومون الجميع على خطاياكم. مجرد النظر اليكم مقرف.
غضب الريازز وقال بل انتم سراق الثورات, انتم الثورة المضادة دعمتموها بالمال والسلاح والاعلام. فكيف نستطيع مجابهة فسادكم بطهارتنا؟ لا نستطيع!
لما سمعت هذه الكلمات ظننت ان الرجل يمزح او انه شارب شيء اخر غير القهوة. فعندما تتصدى لامر ضخم ومهول كاعادة تشكيل مجتمع ودولة, عندما تضرب صدرك وتقول سأفعلها, عندما ترسم النظريات التي يجب تطبيقها ثم بعد ان ينقشع الغبار تقول لم اكن استطيع أنا آسف ouch! فيجب ضربك بالحذاء خمس مرات يوميا لانك احقر شيء موجود في مجتمعك, انت يا فاشل السبب وليس غيرك. انت الذي تظن انك تستطيع فعل شيء ثم تتظاهر بالملائكية عندما تكتشف انك كذبت على نفسك قبل ان تكذب على كل الناس. جواب سهل اليس كذلك؟ نحن ملائكة والثورة المضادة هي التي هزمتنا ولم نستطع فعل شيء تنت ترارارا تنت تن! وهكذا وفقط وبهذه البساطة يهدم كل شيء. سوري معليش نراكم في ثورة قادمة.
استشعر صديقي الفاجعة في كلامه ثم قال: مشكلتكم انكم جئتم من الشارع حرفيا لقيادة موجة ثورية ثم هربتم لاوروبا. انتم اقل الاشياء اهمية الان بعد ان افسدتم كل شيء. تتظاهرون بأنكم أصحاب حقوق الانسان وتتهمون الجميع بالظلم لكن اين ظلمكم انتم ام انه غير موجود؟ نصبتم انفسكم قضاة على كل شيء لكن اين من يحاكم تصرفاتكم؟ لا يمكنكم الاختباء خلف الثورة وحقوق الانسان الى الابد واغلب ظني انه لن يعود احد منكم الى بلده الا في كفنه فقط فجريمتكم مفزعة والشعوب تعلم انكم لا تملكون الا النظريات والفساد الذي صنعتموه والقتلى والحرائق التي اقنعتم الناس انها ضرورية لكي "تنتصر الثورة". اصبح الناس يرونكم شياطين غير مضمونة ولا يمكنها تحقيق ما يريده الانسان العادي فهناك عالم هائل بينكم وبين ابناء وطنكم. منافسيكم يحققون افضل النتائج مقارنة بخطاياكم فلم يعد هناك سبب للانسان العادي ليستمع اليكم او يبدي اهتماما بولولتكم عن حقوق الانسان فيما الانسان لا يجد ما يسد به رمقه. لم تستطيعوا تقدير هذه الحقيقة التافهه. انتم اكبر مصيبة حلت على بلدانكم. وأي بديل اصبح خير منكم.
تحدث "ريازز" آخر بلغة ساخرة فيها من الدناءة ما يجب ان يؤلف فيه كتاب فقال: احنا عارفينكم بنشوفكم في الملاهي الليلية في بلادنا وانتم تدعون الدين والاسلام.
شخصيا تمنيت لو لم يتحدث "ريازز 2" فمع انه كسب ضحكات الثقة في النفس من "الريازات" المجتمعة الذين يظنون أن حرية التعبير هي بالضبط الوقاحة والفظاظة وغياب المروءة وحسن التقدير. الا انه سرعان ما انسحق تحت عجلات الحقيقة فجاءه الرد: يأتيكم الحشرات من بلادنا, لو لم توجد القمامة لديكم لما جائتكم الحشرات. أزيلوا قمامة انفسكم ولن يأتيكم حثالة مجتمعنا. تترك الزبالة في بيتك وتلوم الحشرات ان تستمتع بها؟
اعجبني "رياز 2" عندما عاد الى الحق وقال: انت صادق لكن الاسلام جاء من بلادكم ولا نتمنى رؤية هذه المناظر. (وكأن هذه مسئوليتنا).
تظاهرت بأن لدي موعد سأذهب اليه وانسحبت بينما صديقي "المكاوي" يكافح الريازات المسكونين بملائكيتهم وبتحميلنا مسئولية كل شيء. لكل ريازات العالم العربي نصيحة, اذا صادفت أحدا من مكة يدرس العلوم السياسية في فرنسا فلا تتحركش فيه لانه (عكسك تماما) يعلم بالضبط مالذي يتحدث عنه. وستبقي بإذن الله "الريازز" حامية ودرع مكة المكرمة وستبقى مكة مدافعة عن الرياز حتى لو كان ابناؤها تحت الثلج في طرف من اطراف العالم.
قلبي تولع بالريازز،
Alucard