محللون لـ "الاقتصادية" : السعودية تحدد مصير عملة النفط.. الدولار أم اليوان؟
الخميس 11 يناير 2018
هشام محمود من لندن
افتتح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب العام الجديد بتغريدة ينتقد فيها باكستان، الأمر احتاج إلى 24 ساعة حتى ردت إسلام أباد على الموقف الأمريكي تجاهها، ولكن بأسلوب غير تقليدي، إذ قرر البنك المركزي الباكستاني إجراء جميع المعاملات التجارية والاستثمارات مع الصين باليوان.
ورغم أن القرار الباكستاني يبدو كرد فعل على تغريدة الرئيس الأمريكي، إلا أنه من الواضح أن القيادة الباكستانية كانت تدرس هذا المقترح منذ وقت.
بالنسبة لباكستان يبدو القرار مجزيا إلى حد كبير، فتسوية إسلام أباد علاقاتها التجارية مع الصين وفقا لاتفاق اليوان – الروبية سيخفض إلى حد كبير من حاجتها إلى الدولار، فواردتها من الصين تبلغ 10 مليارات دولار، وإذا تم تمويل 25 في المائة فقط منها باليوان فإن احتياجاتها من الدولار ستنخفض بنحو 2.5 مليار دولار في العام الواحد، لكن المرجح أن يظل الدولار الوسيلة المهيمنة للتبادل في المستقبل المنظور، حيث ستجري باكستان تجارتها مع جميع الشركاء الآخرين بالدولار الأمريكي.
بعيدا عن الموقف الباكستاني، لا تبدو الموافقة الصينية على إتمام معاملاتها التجارية والاستثمارية مع إسلام أباد بالعملة الصينية قرارا اقتصاديا محضا، إذ يصب في إطار استراتيجية صينية شاملة ذات طابع تدريجي طويل الأمد، ترمي إلى فك الارتباط القائم بين الاقتصاد الدولي والدولار، وتقليص – وإن أمكن إلغاء – هيمنة الدولار على احتياطي العملات العالمية، ما يضعف من وجهة نظر الاستراتيجيين الصينيين المكانة الاقتصادية الفريدة التي تتمتع بها الولايات المتحدة اقتصاديا، ويفتح الباب على مصراعيه لتتبوأ الصين المكانة التي ترنو إليها في الاقتصاد الدولي.
وتفسر تلك الاستراتيجية حرص المسؤولين الصينيين في جميع المؤتمرات الاقتصادية والاجتماعات وعلى رأسها منظمة شنغهاي للتعاون وغيرها على تعزيز الأفكار المطالبة بأن يكون التبادل التجاري بالعملات المحلية.
وقد شجع النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين عالميا على تبنيها تلك الاستراتيجية، ورغبتها في إحلال عملتها اليوان محل الدولار، بتعزيز أولي لوضعه كوسيلة دولية للتبادل، وفي هذا الإطار أطلقت عام 2009 مشروعا رائدا لاستخدام اليوان في التسويات المالية العابرة للحدود، وزادت بكين من جهودها في هذا المجال، بعد أن احتل اليوان وضع العملة الاحتياطية العالمية الثالثة بعد الدولار واليورو في نوفمبر عام 2016.
ومن المنطقي أن تعمل بكين على تعزيز وضع اليوان دوليا، بإقناع العديد من البلدان النفطية التي تصدر النفط للأسواق الصينية، على إتمام تلك الصفقات باليوان.
وبمقدار تراجع صادرات البلدان النفطية للأسواق الدولية الأخرى وخاصة الولايات المتحدة وزيادة صادراتها لبكين، فإن القبول بالعرض الصيني باعتماد اليوان وسيلة لإتمام الصفقات النفطية سيصبح خيارا لا مفر منه، وهو ما قد يعرض وضعية الدولار في الاقتصاد الدولي لهزة حقيقية، إذا تم بيع وشراء النفط عالميا باليوان الصيني.
ويدفع الطموح الصيني على الأمد الطويل، لإحلال اليوان محل الدولار في العلاقات الدولية، إلى التساؤل حول القدرة العملية للصين على القيام بذلك، وتأثير ذلك في التوازنات الاقتصادية العالمية؟ وهل يدفع الطموح الصيني إلى حرب عملات صامتة أو معلنة بين الدولار وحلفائه في مواجهة اليوان وأنصاره؟ وما هي مصالح البلدان الناشئة وخاصة البترولية منها في تلك الحرب إن وجدت؟
روجر بوتلي الاستشاري المصرفي يعتقد أن الخطوة الأولى على طريق إحلال اليوان محل الدولار على الأمد لطويل تمت بالاعتراف الدولي باليوان عملة عالمية، وإدخال صندوق النقد الدولي لليوان ضمن حقوق السحب الخاصة.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن "الاعتراف الدولي باليوان عملة عالمية أتاح الفرصة للصين التي تصدر العديد من السلع المسعرة تقليديا بالدولار، إلى أن تسعرها باليوان، وهذا يجعل البنك المركزي الصيني غير قلق على التغير في سعر صرف الدولار ارتفاعا أو انخفاضا، ويضفي على قيمة الصادرات الصينية ومدخلاتها المالية المزيد من الاستقرار، وسينجم عن عملية التسعير باليوان، أن تجبر البنوك المركزية في العالم على الاحتفاظ بالعملة الصينية كجزء من احتياطياتها من العملات الأجنبية، لتمويل الصادرات الصينية، وهذا يعني زيادة الطلب العالمي على اليوان، ومن ثم انخفاض الفائدة على سندات الخزانة الصينية، أي على الأموال التي تخرج من الاقتصاد الصيني، وهذا يعزز من قوة الصين الاقتصادية".
ويضيف بوتلي أن "43 في المائة من التجارة الدولية تتم بالدولار، بينما لم تبلغ نسبة اليوان في التجارة العالمية 2 في المائة بعد، ولكن مستوى التجارة لا يعد السبب الوحيد وراء قوة الدولار، وتلك النظرة الدولية السائدة باعتباره سيد العملات في العالم. فالسبب في الوضع الفريد للدولار يعود إلى قوة الاقتصاد الأمريكي، ومتانته والأهم شفافيته، والاستقرار في الأسواق الأمريكية وخاصة الأسواق المالية، وكذلك السياسة النقدية المتزنة في تحركاتها، وهو ما تفتقد الصين جزءا كبيرا منه".
وأشار بوتلي إلى أنه على الرغم من الخطوات التي اتخذتها لتحرير اقتصادها وخاصة أسواق المال، فإن عليها اتخاذ المزيد من الخطوات، إذا كانت ترغب في زيادة النهم الدولي في الطلب على العملة الصينية، فالحكومة لا تزال تتحكم بشكل أو بآخر في تحديد سعر العملة الصينية، ولم تتركها بالكامل للعرض والطلب، وهذا يحد بشكل كبير من الطلب العالمي على اليوان، جراء الشكوك التي تحيط بقيمته الحقيقية، كما أن الشفافية لا تزال عنصرا مشكوكا فيه في الاقتصاد الصيني جراء هيمنة الدولة.
ولكن هل تؤدي استراتيجية الصين بجعل اليوان العملة الرئيسية للاحتياطي المالي العالمي إلى انهيار الدولار؟ يجيب بوتلي قائلا: "ستكون عملية طويلة الأمد وتدريجية لن تؤدي إلى انهيار الدولار، ولكن ستؤدي حتما إلى تراجعه في مواجهة اليوان".
الدكتور جون بلاك أستاذ الاقتصاد الصيني، يعتقد أن تحول الاقتصاد الدولي لليوان كعملة رئيسية بدلا من الدولار، ربما يحدث بشكل أسرع كثيرا مما يتوقعه معظم الخبراء بمن فيهم مسؤولون صينيون إذ تم تسعير النفط باليوان.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن الصينيين لا يخفون مساعيهم بإحلال اليوان محل الدولار، ويمكن أن يشهد العام الحالي خطوات ضخمة في هذا السياق، فمن الواضح أن بكين تستهدف سوق النفط العالمية، ويحتمل أن تطرح خلال الأشهر المقبلة طريقة جديدة لتسعير النفط باليوان الصيني، ويروج الصينيون إلى أن التسعير بعملتهم سيلقى قبولا في العديد من البلدان المنتجة للنفط وخاصة المناوئة لواشنطن، بدعوى أن ذلك سيكون أكثر عدلا وربحا لجميع الأطراف، إذ يعتقد الصينيون أن خصوم واشنطن سيدعمون تلك الخطوة لتحقيق المزيد من الاستقلالية عن الدولار، ولإضعاف عصا العقوبات الأمريكية التي تستخدمها واشنطن ضد البلدان المناوئة لها".
ويستدرك بلاك قائلا: "إذا نجح الصينيون في ذلك فيمكننا القول إن عصر اليوان بدأ، ولكن يجب أن نأخذ في الحسبان أيضا أن بلدانا مثل روسيا وإيران وحتى فنزويلا جميعها بلدان تعتمد على النفط لجني الدولارات لتمويل وارداتها من السلع الاستراتيجية الاأخرى، فإذا كانت عوائدها باليوان، فإنها ربما تتخلص من الضغوط الأمريكية، ولكن ستواجه أيضا صعوبات في سداد قيمة واراداتها المقيمة بالدولار من البلدان التي لن تقبل التجارة معها باليوان، كما أن الصين تواجه أيضا أسواق نفط عالمية تتشكك في النظام الاقتصادي الصيني، حيث تمارس الدولة الكثير من القيود على النشاط الاقتصادي، ومن شأن تلك الشكوك والمفاهيم العالمية الداعية لتحرير صرف اليوان، لمعرفة قيمته الحقيقية، أن تعرقل المسيرة الصينية لبناء معيار مرجعي لتسعير النفط، على أن يكون قابلا للاستمرار وقادرا على التنافس مع المعايير الأكثر استقرارا مثل خام برنت المقيم بالدولار على سبيل المثال".
ولهذا فإن الاستراتيجيين الصينيين الساعين لإحلال "البترويوان" محل "البترودولار" يواجهون صعوبة – ولكن من غير استحالة – للإطاحة بأكثر من أربعة عقود من النفط المسعر بالدولار، فاليوان عملة غير قابلة للتحويل بالكامل بعد، وتحدد قيمته يوميا بناء على آخر سعر وصل إليه في اليوم السابق، وهذا يجعله عرضه بشكل أو بآخر لتدخلات البنك المركزي الصيني الذي يخضعه لضوابطه المالية، ومن ثم يجعل الصين أكثر هيمنة على الأسواق الداخلية وقادرة على التلاعب والتأثير فيها بدرجة أعلى بكثير من الوضع الحالي لواشنطن، كما أن الصين وعلى الرغم من أنها أسرع مستهلك للطاقة في العالم، وأكثر المستهلكين ثباتا في نموها، إلا أن حكومتها المركزية تقوم بدور مهيمن في هذا القطاع الاستراتيجي وتمنح الشركات الصينية أولوية قد لا ترتبط بالكفاءة في كثير من الأحيان، إضافة إلى تفشي المحسوبية والفساد في الجهاز الإداري الصيني، كل هذا يجعل البعض في شك من جدوى الإسراع بتحويل تسعير النفط من البترول إلى اليوان حاليا على الأقل.
ومع هذا، يرى بلاك أن "الصينيين يعتقدون أنه من الضروري أن يطرحوا وبقوة فكرة تسعير النفط باليوان الآن، وسيتغير فتور الأسواق مع مرور الوقت، خاصة إذا تم تسعير سلع أخرى دولية باليوان مثل المعادن على سبيل المثال، ولكن من الضروري وفقا لقناعة القيادة الصينية اقتناص حصة من أسواق النفط أيا كان الثمن، ولكن تلك هي البداية الحقيقية لإحلال اليوان محل الدولار".
لكن السؤال الأكثر خطورة في نظر البعض لا يتعلق بتفاصيل الاستراتيجية الصينية بإحلال اليوان محل الدولار دوليا، بل الأكثر خطورة هي الفكرة أو الرغبة الصينية في الإطاحة بالدولار في حد ذاتها.
ولا شك أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى واحدا من أهم إن لم يكن أهم آلياتها للسيطرة على الاقتصاد العالمي يتم القضاء عليها.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، البروفيسور ألان دين أستاذ الاقتصاد الدولي: "عندما تقوم دولة بحجم الصين بتحركات استراتيجية لتجاوز الدولار لصالح عملتها، فإن طبول الحرب ستقرع حتما، لكن قرع طبول الحرب لن يمنع مواصلة الطرف الأمريكي في البحث عن تسوية ما حتى اللحظة الأخيرة، فإذا فشلت تلك الجهود فحرب العملات وربما حرب فعلية ستقع لا محالة".
وتعني تلك الخطوة الصينية في نظر البروفيسور ألان دين تقويض قدرة واشنطن على فرض عقوبات اقتصادية على الدول الأخرى، كما تقلل ببطء من القوة الشرائية للمستهلكين في الولايات المتحدة حيث تصبح الواردات أكثر تكلفة، وهذا يعني هزة ضخمة تشكك في القناعات السائدة بأن الولايات المتحدة هي القوى العظمى الوحيدة في عالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ويستدرك قائلا: "إذ كانت الصين واضحة في عدائها للدولار، فإن تحالف الدولار والين الياباني مدعوما من الاسترليني واليورو، سيعمل على توجيه ضربات قوية للاقتصاد الصيني، تحد من قدرته على النمو، بخفض أسعار صرف تلك العملات للحد من الصادرات الصينية عالميا، وبالطبع لن تقف الصين مكتوفة الايدي إذ ستقود تحالفا قد يضم الإيرانيين والروس وفنزويلا وباكستان وبعض البلدان هنا وهناك، في محاولة للتصدي لهذا الهجوم، لكن في الغالب سيمنى بالفشل أمام التحالف الأمريكي الياباني، كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه إذا اتسع نطاق حرب العملات بين الدولار واليوان، فإن الإدارة الأمريكية قد تنقل الصراع إلى مرحلة نوعية مختلفة تماما بالتصدي بالقوة العسكرية لبرنامج كوريا الشمالية النووي، لتدفع بكين للتدخل ما يخلق ضغطا اقتصاديا كبيرا عليها وعلى عملتها، خاصة إذا تواكبت أي أعمال عسكرية مع نزوح أعداد كبيرة من سكان كوريا الشمالية إلى الصين".
ومع هذا، يعتقد بعض الخبراء أن الطموحات الصينية لإحلال اليوان محل الدولار على الساحة الدولية لن تكون سلسة، وأن عوامل السوق ذاتها وليس الخطوات الأمريكية المتوقعة لعرقلة اليوان، هي العامل الأساسي الذي يضعف الطموحات الصينية.
وتكشف كثير من المعايير الدولية لقياس قوة اليوان عن تعثره في العامين الماضيين، فهو يحتل الآن المرتبة الخامسة كأكثر العملات نشاطا في مجال التسويات الدولية، وقد تراجعت حصته الشهرية في المدفوعات الدولية إلى 1.9 في شهر آب (أغسطس) الماضي بعد أن كان 2.8 قبل عامين.
وانخفض استخدام اليوان في أسواق السندات الدولية إلى النصف تقريبا خلال عامي 2016 و2017، والأكثر إثارة للاهتمام أن هونج كونج وهي أكبر سوق لليوان خارج الصين انخفض استخدام أسواقها لليوان بنسبة 47 في المائة، عن الذروة التي بلغها عام 2014، كما أن اليوان وعلى الرغم من ضخامة التجارة الخارجية للصين، لا يتعدى نسبة 1.1 في المائة فقط من احتياطات العملات الأجنبية التي تحتفظ بها حكومات العالم، بينما تبلغ تلك النسبة 64 في المائة للدولار.
ولكن إلى أي مدى يمكن للبلدان النفطية أن تؤثر وتتأثر في صراع الدولار واليوان، وما هي مصالحها التي يمكن أن تتسع أو تضيق وفقا للطموحات الصينية والترقب الأمريكي؟
الدكتورة كندا آندروا أستاذة اقتصادات النفط لا تخفي قناعتها بأن البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط وتحديدا السعودية هي من سيكون في يده تحديد العملة الدولية التي ستستخدم في تسوية المعاملات الدولية والتجارة العالمية.
وتوضح لـ "الاقتصادية"، أنه منذ قبلت السعودية عام 1974 تسوية جميع صفقاتها النفطية تقريبا بالدولار، ثم قبول جميع البلدان المنتجة للنفط التابعة لمنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بالمسار السعودي وتبنيه في العام التالي، فإنه نتيجة لذلك، باتت جميع المعاملات النفطية العالمية تقريبا تسوى بالدولار الأمريكي.
وتضيف آندروا أنه عندما لا يكون لدى البلد فائض من الدولار، فإنه يجب وضع استراتيجية للحصول على العملة الأمريكية من أجل شراء النفط، وقد أجبر ذلك العديد من البلدان - وخاصة من آسيا - على وضع استراتيجية تنموية تعتمد على التصدير للولايات المتحدة من أجل تبادل سلعها وخدماتها مقابل الدولار الذي تحتاج إليه لشراء النفط في السوق العالمية.
وبذلك يمكن القول إن قبول الرياض لتسعير النفط بالدولار أضفى على العملة الأمريكية قوة وطابعا عالميا، نتيجة لجوء دول العالم كافة للاحتفاظ بكميات ضخمة من الاحتياطيات الأجنبية بالدولار، وقد مكن ذلك واشنطن من إبقاء أسعار الفائدة منخفضة بسبب الطلب الهائل على عملتها.
وتشير آندروا إلى أن "واشنطن تعلم تماما أن القرار السعودي هو القرار الحاسم بشأن مستقبل الدولار، ففي اللحظة التي ستوافق فيها الرياض على تسعير النفط باليوان، سيدخل العالم مرحلة اقتصادية جديدة. وترى أن الموقف الروسي والباكستاني والفنزويلي والتلميحات الإندونيسية، بالنسبة لواشنطن ليست أكثر من ضجيج ومناكفة سياسية، وليست ذات تأثير اقتصادي محوري. لكن إذا قررت الرياض الانحياز إلى اليوان، فإن قواعد اللعبة الدولية بكاملها ستتغير، فجميع الدول النفطية ستتبع القرار السعودي عاجلا أم آجلا".
لكن آندروا تجد أن القرار السعودي يصعب التكهن به في الوقت الراهن وإن كانت تعتقد أن السعودية ستحافظ على مصالحها في الأجل الطويل، مشيرا إلى أن الرياض لديها احتياطيات دولارية ضخمة، واستثمارات كبيرة في سندات الخزانة الأمريكية، وأي تراجع في قيمة الدولار على المستوى الدولي، يمكن أن يؤثر في القيمة الإجمالية للاحتياطيات والاستثمارات السعودية، وستنظر البلدان النفطية إلى مصالحها على الأجل الطويل، فالصين أكبر مستورد للنفط في العالم، وخطتها لتسعير النفط باليوان باستخدام عقود مستقبلية مدعومة بالذهب في بورصة شنغهاي سيمكنها من المنافسة مع المعايير الدولية المرتكزة على الدولار، وبالنسبة لكثيرين فإن المعيار الصيني سيبدو معيارا جذابا وربما أكثر عدالة في تسعير النفط.
وتعود آندروا لتؤكد أن "علينا أن نتذكر أن قرار أيهما سيكون العملة الرئيسية للتبادل التجاري والاستثمار في العالم: الدولار أم اليوان، لا يمكن حصره فقط في الجانب الاقتصادي، إذ إنه يرتبط بالعديد من العوامل الأخرى ومن بينها القدرات السياسية والعسكرية وحتى الثقافية، وجميعها عوامل تعزز من بقاء الدولار سيد عملات العالم خلال العقد الحالي على الأقل، حتى وإن تراجعت قوة الاقتصاد الأمريكي نسبيا".
الخميس 11 يناير 2018
هشام محمود من لندن
افتتح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب العام الجديد بتغريدة ينتقد فيها باكستان، الأمر احتاج إلى 24 ساعة حتى ردت إسلام أباد على الموقف الأمريكي تجاهها، ولكن بأسلوب غير تقليدي، إذ قرر البنك المركزي الباكستاني إجراء جميع المعاملات التجارية والاستثمارات مع الصين باليوان.
ورغم أن القرار الباكستاني يبدو كرد فعل على تغريدة الرئيس الأمريكي، إلا أنه من الواضح أن القيادة الباكستانية كانت تدرس هذا المقترح منذ وقت.
بالنسبة لباكستان يبدو القرار مجزيا إلى حد كبير، فتسوية إسلام أباد علاقاتها التجارية مع الصين وفقا لاتفاق اليوان – الروبية سيخفض إلى حد كبير من حاجتها إلى الدولار، فواردتها من الصين تبلغ 10 مليارات دولار، وإذا تم تمويل 25 في المائة فقط منها باليوان فإن احتياجاتها من الدولار ستنخفض بنحو 2.5 مليار دولار في العام الواحد، لكن المرجح أن يظل الدولار الوسيلة المهيمنة للتبادل في المستقبل المنظور، حيث ستجري باكستان تجارتها مع جميع الشركاء الآخرين بالدولار الأمريكي.
بعيدا عن الموقف الباكستاني، لا تبدو الموافقة الصينية على إتمام معاملاتها التجارية والاستثمارية مع إسلام أباد بالعملة الصينية قرارا اقتصاديا محضا، إذ يصب في إطار استراتيجية صينية شاملة ذات طابع تدريجي طويل الأمد، ترمي إلى فك الارتباط القائم بين الاقتصاد الدولي والدولار، وتقليص – وإن أمكن إلغاء – هيمنة الدولار على احتياطي العملات العالمية، ما يضعف من وجهة نظر الاستراتيجيين الصينيين المكانة الاقتصادية الفريدة التي تتمتع بها الولايات المتحدة اقتصاديا، ويفتح الباب على مصراعيه لتتبوأ الصين المكانة التي ترنو إليها في الاقتصاد الدولي.
وتفسر تلك الاستراتيجية حرص المسؤولين الصينيين في جميع المؤتمرات الاقتصادية والاجتماعات وعلى رأسها منظمة شنغهاي للتعاون وغيرها على تعزيز الأفكار المطالبة بأن يكون التبادل التجاري بالعملات المحلية.
وقد شجع النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين عالميا على تبنيها تلك الاستراتيجية، ورغبتها في إحلال عملتها اليوان محل الدولار، بتعزيز أولي لوضعه كوسيلة دولية للتبادل، وفي هذا الإطار أطلقت عام 2009 مشروعا رائدا لاستخدام اليوان في التسويات المالية العابرة للحدود، وزادت بكين من جهودها في هذا المجال، بعد أن احتل اليوان وضع العملة الاحتياطية العالمية الثالثة بعد الدولار واليورو في نوفمبر عام 2016.
ومن المنطقي أن تعمل بكين على تعزيز وضع اليوان دوليا، بإقناع العديد من البلدان النفطية التي تصدر النفط للأسواق الصينية، على إتمام تلك الصفقات باليوان.
وبمقدار تراجع صادرات البلدان النفطية للأسواق الدولية الأخرى وخاصة الولايات المتحدة وزيادة صادراتها لبكين، فإن القبول بالعرض الصيني باعتماد اليوان وسيلة لإتمام الصفقات النفطية سيصبح خيارا لا مفر منه، وهو ما قد يعرض وضعية الدولار في الاقتصاد الدولي لهزة حقيقية، إذا تم بيع وشراء النفط عالميا باليوان الصيني.
ويدفع الطموح الصيني على الأمد الطويل، لإحلال اليوان محل الدولار في العلاقات الدولية، إلى التساؤل حول القدرة العملية للصين على القيام بذلك، وتأثير ذلك في التوازنات الاقتصادية العالمية؟ وهل يدفع الطموح الصيني إلى حرب عملات صامتة أو معلنة بين الدولار وحلفائه في مواجهة اليوان وأنصاره؟ وما هي مصالح البلدان الناشئة وخاصة البترولية منها في تلك الحرب إن وجدت؟
روجر بوتلي الاستشاري المصرفي يعتقد أن الخطوة الأولى على طريق إحلال اليوان محل الدولار على الأمد لطويل تمت بالاعتراف الدولي باليوان عملة عالمية، وإدخال صندوق النقد الدولي لليوان ضمن حقوق السحب الخاصة.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن "الاعتراف الدولي باليوان عملة عالمية أتاح الفرصة للصين التي تصدر العديد من السلع المسعرة تقليديا بالدولار، إلى أن تسعرها باليوان، وهذا يجعل البنك المركزي الصيني غير قلق على التغير في سعر صرف الدولار ارتفاعا أو انخفاضا، ويضفي على قيمة الصادرات الصينية ومدخلاتها المالية المزيد من الاستقرار، وسينجم عن عملية التسعير باليوان، أن تجبر البنوك المركزية في العالم على الاحتفاظ بالعملة الصينية كجزء من احتياطياتها من العملات الأجنبية، لتمويل الصادرات الصينية، وهذا يعني زيادة الطلب العالمي على اليوان، ومن ثم انخفاض الفائدة على سندات الخزانة الصينية، أي على الأموال التي تخرج من الاقتصاد الصيني، وهذا يعزز من قوة الصين الاقتصادية".
ويضيف بوتلي أن "43 في المائة من التجارة الدولية تتم بالدولار، بينما لم تبلغ نسبة اليوان في التجارة العالمية 2 في المائة بعد، ولكن مستوى التجارة لا يعد السبب الوحيد وراء قوة الدولار، وتلك النظرة الدولية السائدة باعتباره سيد العملات في العالم. فالسبب في الوضع الفريد للدولار يعود إلى قوة الاقتصاد الأمريكي، ومتانته والأهم شفافيته، والاستقرار في الأسواق الأمريكية وخاصة الأسواق المالية، وكذلك السياسة النقدية المتزنة في تحركاتها، وهو ما تفتقد الصين جزءا كبيرا منه".
وأشار بوتلي إلى أنه على الرغم من الخطوات التي اتخذتها لتحرير اقتصادها وخاصة أسواق المال، فإن عليها اتخاذ المزيد من الخطوات، إذا كانت ترغب في زيادة النهم الدولي في الطلب على العملة الصينية، فالحكومة لا تزال تتحكم بشكل أو بآخر في تحديد سعر العملة الصينية، ولم تتركها بالكامل للعرض والطلب، وهذا يحد بشكل كبير من الطلب العالمي على اليوان، جراء الشكوك التي تحيط بقيمته الحقيقية، كما أن الشفافية لا تزال عنصرا مشكوكا فيه في الاقتصاد الصيني جراء هيمنة الدولة.
ولكن هل تؤدي استراتيجية الصين بجعل اليوان العملة الرئيسية للاحتياطي المالي العالمي إلى انهيار الدولار؟ يجيب بوتلي قائلا: "ستكون عملية طويلة الأمد وتدريجية لن تؤدي إلى انهيار الدولار، ولكن ستؤدي حتما إلى تراجعه في مواجهة اليوان".
الدكتور جون بلاك أستاذ الاقتصاد الصيني، يعتقد أن تحول الاقتصاد الدولي لليوان كعملة رئيسية بدلا من الدولار، ربما يحدث بشكل أسرع كثيرا مما يتوقعه معظم الخبراء بمن فيهم مسؤولون صينيون إذ تم تسعير النفط باليوان.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن الصينيين لا يخفون مساعيهم بإحلال اليوان محل الدولار، ويمكن أن يشهد العام الحالي خطوات ضخمة في هذا السياق، فمن الواضح أن بكين تستهدف سوق النفط العالمية، ويحتمل أن تطرح خلال الأشهر المقبلة طريقة جديدة لتسعير النفط باليوان الصيني، ويروج الصينيون إلى أن التسعير بعملتهم سيلقى قبولا في العديد من البلدان المنتجة للنفط وخاصة المناوئة لواشنطن، بدعوى أن ذلك سيكون أكثر عدلا وربحا لجميع الأطراف، إذ يعتقد الصينيون أن خصوم واشنطن سيدعمون تلك الخطوة لتحقيق المزيد من الاستقلالية عن الدولار، ولإضعاف عصا العقوبات الأمريكية التي تستخدمها واشنطن ضد البلدان المناوئة لها".
ويستدرك بلاك قائلا: "إذا نجح الصينيون في ذلك فيمكننا القول إن عصر اليوان بدأ، ولكن يجب أن نأخذ في الحسبان أيضا أن بلدانا مثل روسيا وإيران وحتى فنزويلا جميعها بلدان تعتمد على النفط لجني الدولارات لتمويل وارداتها من السلع الاستراتيجية الاأخرى، فإذا كانت عوائدها باليوان، فإنها ربما تتخلص من الضغوط الأمريكية، ولكن ستواجه أيضا صعوبات في سداد قيمة واراداتها المقيمة بالدولار من البلدان التي لن تقبل التجارة معها باليوان، كما أن الصين تواجه أيضا أسواق نفط عالمية تتشكك في النظام الاقتصادي الصيني، حيث تمارس الدولة الكثير من القيود على النشاط الاقتصادي، ومن شأن تلك الشكوك والمفاهيم العالمية الداعية لتحرير صرف اليوان، لمعرفة قيمته الحقيقية، أن تعرقل المسيرة الصينية لبناء معيار مرجعي لتسعير النفط، على أن يكون قابلا للاستمرار وقادرا على التنافس مع المعايير الأكثر استقرارا مثل خام برنت المقيم بالدولار على سبيل المثال".
ولهذا فإن الاستراتيجيين الصينيين الساعين لإحلال "البترويوان" محل "البترودولار" يواجهون صعوبة – ولكن من غير استحالة – للإطاحة بأكثر من أربعة عقود من النفط المسعر بالدولار، فاليوان عملة غير قابلة للتحويل بالكامل بعد، وتحدد قيمته يوميا بناء على آخر سعر وصل إليه في اليوم السابق، وهذا يجعله عرضه بشكل أو بآخر لتدخلات البنك المركزي الصيني الذي يخضعه لضوابطه المالية، ومن ثم يجعل الصين أكثر هيمنة على الأسواق الداخلية وقادرة على التلاعب والتأثير فيها بدرجة أعلى بكثير من الوضع الحالي لواشنطن، كما أن الصين وعلى الرغم من أنها أسرع مستهلك للطاقة في العالم، وأكثر المستهلكين ثباتا في نموها، إلا أن حكومتها المركزية تقوم بدور مهيمن في هذا القطاع الاستراتيجي وتمنح الشركات الصينية أولوية قد لا ترتبط بالكفاءة في كثير من الأحيان، إضافة إلى تفشي المحسوبية والفساد في الجهاز الإداري الصيني، كل هذا يجعل البعض في شك من جدوى الإسراع بتحويل تسعير النفط من البترول إلى اليوان حاليا على الأقل.
ومع هذا، يرى بلاك أن "الصينيين يعتقدون أنه من الضروري أن يطرحوا وبقوة فكرة تسعير النفط باليوان الآن، وسيتغير فتور الأسواق مع مرور الوقت، خاصة إذا تم تسعير سلع أخرى دولية باليوان مثل المعادن على سبيل المثال، ولكن من الضروري وفقا لقناعة القيادة الصينية اقتناص حصة من أسواق النفط أيا كان الثمن، ولكن تلك هي البداية الحقيقية لإحلال اليوان محل الدولار".
لكن السؤال الأكثر خطورة في نظر البعض لا يتعلق بتفاصيل الاستراتيجية الصينية بإحلال اليوان محل الدولار دوليا، بل الأكثر خطورة هي الفكرة أو الرغبة الصينية في الإطاحة بالدولار في حد ذاتها.
ولا شك أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى واحدا من أهم إن لم يكن أهم آلياتها للسيطرة على الاقتصاد العالمي يتم القضاء عليها.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، البروفيسور ألان دين أستاذ الاقتصاد الدولي: "عندما تقوم دولة بحجم الصين بتحركات استراتيجية لتجاوز الدولار لصالح عملتها، فإن طبول الحرب ستقرع حتما، لكن قرع طبول الحرب لن يمنع مواصلة الطرف الأمريكي في البحث عن تسوية ما حتى اللحظة الأخيرة، فإذا فشلت تلك الجهود فحرب العملات وربما حرب فعلية ستقع لا محالة".
وتعني تلك الخطوة الصينية في نظر البروفيسور ألان دين تقويض قدرة واشنطن على فرض عقوبات اقتصادية على الدول الأخرى، كما تقلل ببطء من القوة الشرائية للمستهلكين في الولايات المتحدة حيث تصبح الواردات أكثر تكلفة، وهذا يعني هزة ضخمة تشكك في القناعات السائدة بأن الولايات المتحدة هي القوى العظمى الوحيدة في عالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ويستدرك قائلا: "إذ كانت الصين واضحة في عدائها للدولار، فإن تحالف الدولار والين الياباني مدعوما من الاسترليني واليورو، سيعمل على توجيه ضربات قوية للاقتصاد الصيني، تحد من قدرته على النمو، بخفض أسعار صرف تلك العملات للحد من الصادرات الصينية عالميا، وبالطبع لن تقف الصين مكتوفة الايدي إذ ستقود تحالفا قد يضم الإيرانيين والروس وفنزويلا وباكستان وبعض البلدان هنا وهناك، في محاولة للتصدي لهذا الهجوم، لكن في الغالب سيمنى بالفشل أمام التحالف الأمريكي الياباني، كما يجب أن نأخذ في الاعتبار أنه إذا اتسع نطاق حرب العملات بين الدولار واليوان، فإن الإدارة الأمريكية قد تنقل الصراع إلى مرحلة نوعية مختلفة تماما بالتصدي بالقوة العسكرية لبرنامج كوريا الشمالية النووي، لتدفع بكين للتدخل ما يخلق ضغطا اقتصاديا كبيرا عليها وعلى عملتها، خاصة إذا تواكبت أي أعمال عسكرية مع نزوح أعداد كبيرة من سكان كوريا الشمالية إلى الصين".
ومع هذا، يعتقد بعض الخبراء أن الطموحات الصينية لإحلال اليوان محل الدولار على الساحة الدولية لن تكون سلسة، وأن عوامل السوق ذاتها وليس الخطوات الأمريكية المتوقعة لعرقلة اليوان، هي العامل الأساسي الذي يضعف الطموحات الصينية.
وتكشف كثير من المعايير الدولية لقياس قوة اليوان عن تعثره في العامين الماضيين، فهو يحتل الآن المرتبة الخامسة كأكثر العملات نشاطا في مجال التسويات الدولية، وقد تراجعت حصته الشهرية في المدفوعات الدولية إلى 1.9 في شهر آب (أغسطس) الماضي بعد أن كان 2.8 قبل عامين.
وانخفض استخدام اليوان في أسواق السندات الدولية إلى النصف تقريبا خلال عامي 2016 و2017، والأكثر إثارة للاهتمام أن هونج كونج وهي أكبر سوق لليوان خارج الصين انخفض استخدام أسواقها لليوان بنسبة 47 في المائة، عن الذروة التي بلغها عام 2014، كما أن اليوان وعلى الرغم من ضخامة التجارة الخارجية للصين، لا يتعدى نسبة 1.1 في المائة فقط من احتياطات العملات الأجنبية التي تحتفظ بها حكومات العالم، بينما تبلغ تلك النسبة 64 في المائة للدولار.
ولكن إلى أي مدى يمكن للبلدان النفطية أن تؤثر وتتأثر في صراع الدولار واليوان، وما هي مصالحها التي يمكن أن تتسع أو تضيق وفقا للطموحات الصينية والترقب الأمريكي؟
الدكتورة كندا آندروا أستاذة اقتصادات النفط لا تخفي قناعتها بأن البلدان المنتجة للنفط في الشرق الأوسط وتحديدا السعودية هي من سيكون في يده تحديد العملة الدولية التي ستستخدم في تسوية المعاملات الدولية والتجارة العالمية.
وتوضح لـ "الاقتصادية"، أنه منذ قبلت السعودية عام 1974 تسوية جميع صفقاتها النفطية تقريبا بالدولار، ثم قبول جميع البلدان المنتجة للنفط التابعة لمنظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بالمسار السعودي وتبنيه في العام التالي، فإنه نتيجة لذلك، باتت جميع المعاملات النفطية العالمية تقريبا تسوى بالدولار الأمريكي.
وتضيف آندروا أنه عندما لا يكون لدى البلد فائض من الدولار، فإنه يجب وضع استراتيجية للحصول على العملة الأمريكية من أجل شراء النفط، وقد أجبر ذلك العديد من البلدان - وخاصة من آسيا - على وضع استراتيجية تنموية تعتمد على التصدير للولايات المتحدة من أجل تبادل سلعها وخدماتها مقابل الدولار الذي تحتاج إليه لشراء النفط في السوق العالمية.
وبذلك يمكن القول إن قبول الرياض لتسعير النفط بالدولار أضفى على العملة الأمريكية قوة وطابعا عالميا، نتيجة لجوء دول العالم كافة للاحتفاظ بكميات ضخمة من الاحتياطيات الأجنبية بالدولار، وقد مكن ذلك واشنطن من إبقاء أسعار الفائدة منخفضة بسبب الطلب الهائل على عملتها.
وتشير آندروا إلى أن "واشنطن تعلم تماما أن القرار السعودي هو القرار الحاسم بشأن مستقبل الدولار، ففي اللحظة التي ستوافق فيها الرياض على تسعير النفط باليوان، سيدخل العالم مرحلة اقتصادية جديدة. وترى أن الموقف الروسي والباكستاني والفنزويلي والتلميحات الإندونيسية، بالنسبة لواشنطن ليست أكثر من ضجيج ومناكفة سياسية، وليست ذات تأثير اقتصادي محوري. لكن إذا قررت الرياض الانحياز إلى اليوان، فإن قواعد اللعبة الدولية بكاملها ستتغير، فجميع الدول النفطية ستتبع القرار السعودي عاجلا أم آجلا".
لكن آندروا تجد أن القرار السعودي يصعب التكهن به في الوقت الراهن وإن كانت تعتقد أن السعودية ستحافظ على مصالحها في الأجل الطويل، مشيرا إلى أن الرياض لديها احتياطيات دولارية ضخمة، واستثمارات كبيرة في سندات الخزانة الأمريكية، وأي تراجع في قيمة الدولار على المستوى الدولي، يمكن أن يؤثر في القيمة الإجمالية للاحتياطيات والاستثمارات السعودية، وستنظر البلدان النفطية إلى مصالحها على الأجل الطويل، فالصين أكبر مستورد للنفط في العالم، وخطتها لتسعير النفط باليوان باستخدام عقود مستقبلية مدعومة بالذهب في بورصة شنغهاي سيمكنها من المنافسة مع المعايير الدولية المرتكزة على الدولار، وبالنسبة لكثيرين فإن المعيار الصيني سيبدو معيارا جذابا وربما أكثر عدالة في تسعير النفط.
وتعود آندروا لتؤكد أن "علينا أن نتذكر أن قرار أيهما سيكون العملة الرئيسية للتبادل التجاري والاستثمار في العالم: الدولار أم اليوان، لا يمكن حصره فقط في الجانب الاقتصادي، إذ إنه يرتبط بالعديد من العوامل الأخرى ومن بينها القدرات السياسية والعسكرية وحتى الثقافية، وجميعها عوامل تعزز من بقاء الدولار سيد عملات العالم خلال العقد الحالي على الأقل، حتى وإن تراجعت قوة الاقتصاد الأمريكي نسبيا".