• مفهوم الأمن القومي في تونس عرف تطوّرا مشهودا خلال فترة حكم الباجي قايد السبسي وما يسّر هذا التطور هو الفصل 77 من دستور 2014، فقد شهدنا إنشاء مجلس الأمن القومي والأمانة القارّة لمجلس الأمن القومي و15 لجنة قارة متفرّعة عن هذا المجلس إضافة إلى المركز الوطني للاستعلامات.
وتركيبة المجلس الأعلى كما ذكرها مرسوم سنة 1990 تتضمّن المديرين العامين وأعضاء المجلس الأعلى للجيش وقد كان البعد الأساسيّ سياسيّا وإستراتيجيّا وعملياتيا، أما في التركيبة الجديدة فإن البعد أضحى سياسيّا وإستراتيجيّا وسبب هذا الاختيار هو أنه خلال اجتماعاتنا الأولى بين عامي 2015 و2016 لم يعط حضور الوزراء ومنظوريهم نجاعة لعملنا، وبعد 2017، كان تبادل الرأي مثمرا بشكل أكبر وهذا لم يمنع من أنّ المجلس دعا أحيانا بعض الأمنيين أو العسكريين للحضور لمناقشة مسائل محدّدة.
ومع رئيس الجمهورية قايد السبسي اخترنا أن تكون هناك مراسيم حكومية (70 – 71) عوض اللجوء إلى قوانين اعتبارا لطول المدة الضرورية لإنجاز مثل هذه القوانين والدليل على ذلك أن مشاريع القوانين حول الاستعلامات وحول الجرائم السيبرانية وحول حالة الطوارئ مازالت طور الانتظار.
◄ بعض الأصوات في تونس والخارج حذّرت من أن يؤدي مجهود مقاومة الإرهاب إلى إعادة تشكيل نظام سياسي سلطوي يهدّد الحريات وحقوق الإنسان، هل هذا الخطر موجود؟
• خطر الانزلاق خلال مجهود مكافحة الإرهاب وحفظ النظام هو احتمال ممكن الحصول دائما، خاصة إذا كانت التشريعات والقوانين في هذا المجال غير دقيقة وتفسح المجال للكثير من التأويلات، مثلما كان الحال مع قانون 2003 الذي مكّن من ملاحقة المعارضين السياسيين. وإني أتذكّر خلال الاجتماع الأول لمجلس الأمن القومي في 12 فيفري 2015 أن أحد القرارات التي تم اتخاذها كان تفعيل المصادقة على قانون مقاومة الإرهاب والتأكيد على احترام حقوق الإنسان خلال تطبيق هذا القانون.
أنا هنا أتحدث عن قانون 26 لسنة 2015، الذي تمت المصادقة عليه بعد ذلك بأشهر قليلة، وهذا القانون ممتاز مقارنة مع قانون 2003 لأنه ضمن حقوق المتهمين في نفس الوقت الذي وفّر فيه الحماية للقوات العاملة في مجال مقاومة الإرهاب.
من ناحية أخرى، لا أفهم المنطق الذي يبرّر مواصلة العمل بالأمر الرئاسي عدد 50 لسنة 1978 المنظم لحالة الطوارئ والذي تجاوزه الزمن، حيث أن لدينا مشروع قانون عدد 91 ينتظر في رفوف مجلس نواب الشعب منذ 2018، وآخر ملاحظة في ما يخص ميدان مقاومة الإرهاب أنه لا يجب أن يكون هناك أي تسامح مع الإرهابيين ومع الذين يمجدونهم ويساندونهم أو يجدون المبررات لأعمالهم.
◄ ما هي التحديات الكبرى التي تواجه تونس على صعيد الأمن القومي؟
• التحديات الكبرى التي تواجه تونس على صعيد الأمن القومي متعددة وتتضمن المشكلات الداخلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والإرهاب، والوضع في ليبيا، وعمليات التهريب الحدودية خاصة تهريب الأسلحة والمخدرات، والهجرة غير الشرعية خاصة من جنوب الصحراء، والتدخلات الخارجية.
◄ في كل بلدان العالم نشاط الاستعلامات محميّ في معظم الحالات بالسرية، ولكن خبراء مصالح الاستعلامات في الغرب سواء كانوا في الخدمة الفعلية أو في التقاعد يحافظون على علاقاتهم مع المؤسسات العامة وخاصة مراكز البحوث ووسائل الإعلام، في بلادنا هل بدأنا نتخلص من التأويلات القديمة المتعلقة بجدوى مثل هذا النشاط بالنسبة لمصالح البلاد؟ وهل بدأت هذه المصالح تتطور نحو قدر من الشفافية والانفتاح؟
• منذ العصور القديمة كانت الاستخبارات وسيلة ضرورية للانتصار في الحروب وهي وسيلة ضرورية لتنمية البلاد وتحقيق أهدافها في العالم حيث تواجه تونس مجموعة من التحدّيات والتهديدات المتزايدة من الإرهاب إلى التحديات الاقتصادية. وفعلا فإن من يملك المعلومة يملك السلطة لأن المعلومة بلا شك وسيلة للسيطرة ورهان أساسيّ يسعى إليه الجميع من أجل السيطرة على منافسيهم.
وقبل عام 2011، بقيت رؤية الاستعلامات على أنها ميدان “محرّم” لا يستطيع أحد أن يتحدّث عنه مثلما هو الحال في بقية دول العالم العربي، أي أنه ميدان يزعج ويخيف ويذكّر بالخروقات والممارسات غير الطبيعية وأحيانا بذكريات سيّئة لبعض الناس، ولكن بعد ذلك التاريخ تغيّر الوضع وكانت هناك محاولات انفتاح سواء من مصالح الاستخبارات ذاتها أو تحت ضغط المجتمع المدني وطالب أصحاب هذه المحاولات بمزيد من الشفافية والمزيد من المراقبة خاصة المراقبة البرلمانية.
أنا شخصيا مع الانفتاح، ولكني لست مع الشفافية المطلقة لأن مصالح الجهاز الاستخباراتي لا يمكنها أبدا العمل بنجاعة في نطاق الشفافية الكاملة وخلال فترة عمل الرئيس السابق المرحوم الباجي قايد السبسي تم تقديم مشروع يتعلق بالاستخبارات إلى رئيس الحكومة في نطاق الإجراءات اللازمة قبل عرضه على مجلس النواب، ولكنه بقي طور الانتظار. وهذا المشروع يرمي أساسا إلى تقنين عمل هذه المصالح من أجل حماية الموظف العامل بالاستعلامات وكذلك المواطن وأن يضع هذه المصالح تحت الرقابة البرلمانية.
مفهوم الأمن القومي في تونس عرف تطورا مشهودا خلال فترة حكم الباجي قايد السبسي وما يسّر هذا التطور هو الفصل 77 من دستور 2014، فقد شهد إنشاء مجلس الأمن القومي والأمانة القارّة لمجلس الأمن القومي و15 لجنة قارة متفرّعة عن هذا المجلس إضافة إلى المركز الوطني للاستعلامات
◄ هل يمكن أن نأمل في يوم من الأيام أن يرتبط خبراء مؤسسات الأمن القومي والاستعلامات في إطار علاقات منظمة مبنية على الثقة والمنفعة المتبادلة مع خبراء في مراكز البحوث وبشكل يساعد على ظهور صحافيين متخصصين في مسائل الأمن القومي؟
• في البلدان الديمقراطية مراكز البحوث هي مصدر مفتوح وهام للتحاليل والدراسات وفي كثير من الأحيان هناك تعاون مباشر بين مصالح الاستعلامات ومنابر التفكير هذه ومنذ سنة 2011 في تونس هناك درجة أكبر من الحرية في هذا المجال وهناك مراكز بحوث متخصّصة في الدراسات الأمنية ومسائل الدفاع والمصادر المفتوحة للاستخبارات (أوبن سورس). وأعتقد أننا سوف نشهد قريبا ظهور طائفة من الصحافيين المختصين وصحافة في هذا المجال مثلما هو الشأن في كل البلدان الديمقراطية.
الأميرال التونسي كمال العكروت لـ"العرب": لا يمكن فصل الأمن القومي عن الاستخبارات
alarab.co.uk