رئيس تركي سابق: والي سوريا "جمال باشا" كان عميلا للإنجليز
=====================
أخبار تركيا | 2016-04-20 15:01:38
صورة مركبة نشرتها الصحيفة يظهر فيها "أوزال" و"جمال
باشا" وحفيده "حسن"
فجرت صحيفة تركية قنبلة من عيار ثقيل، عندما نشرت ما قالت إنه نص حوار لم يسبق نشره مع أبرز وجوه السياسة التركية، الرئيس ورئيس الوزراء الأسبق "تورغوت أوزال"، وصف فيه جمال
باشا الذي كان واليا على سوريا بأنه كان "عميلا للإنجليز".
وقالت صحيفة "ستار" التركية إن الصحافي " يالتشين أوزير" أجرى الحوار مع "أوزال" عام 1991، حين كان رئيسا للجمهورية، إلا أن الأخير اشترط عدم نشره.
وصرح "أوزال" في الحوار المنسوب إليه بأن "جمال
باشا"، الذي عرف أيضا بلقب "السفاح"، كان عميلا للإنجليز، هدفه إذكاء العداوة بين العرب والدولة العثمانية.
وقالت "ستار" إن الحوار جرى بعيد زيارة قام بها "أوزال" عام 1991 إلى موسكو وكييف (كانت أوكرانيا انفصلت حديثا عن الاتحاد السوفيتي)، وخلاله صرح الرئيس التركي بأقوال بالغة الأهمية، لكنه اشترط عدم نشرها، وهو ما حرم الجمهور من الاطلاع على تصورات واحد من آباء السياسة التركية.
وذكّرت "ستار" بالفكرة التي دعت الصحافي " يالتشين أوزير" لطلب الحوار مع رئيس بلاده، فقد وجه أحد الصحافيين سؤالا إلى "أوزال"، خلال زيارته تلك، عن تدهور العلاقات بين تركيا والعالم العربي، وهنا ردّ الرئيس التركي بجواب غريب وملتبس، قائلا: "اسألوا حسن جمال عن هذا الأمر".
في إشارة إلى الكاتب "حسن جمال"، أحد الذين كانوا يرافقون "أوزال" خلال تلك الزيارة، علما أنه حفيد جمال
باشا، القيادي البارز في "جمعية الاتحاد والترقي" التي نشطت في ظل تداعي الدولة العثمانية.
وبما أن "حسن جمال" لم يكن حاضرا وقت إشارة الرئيس إليه، فإن أحدا لم يعرف وقتها ماذا كان يقصد "أوزال"، وهذا ما استدعى من الصحافي التركي "أوزير" البحث في حقيقة هذا التصريح.
*اشتروا ذمته
===
لاحقا التقى الصحافي "أوزير" رئيس بلاده "أوزال" لإجراء حوار خاص، وسأل الصحافي الرئيس عما كان يقصد بعبارة: "اسألوا حسن جمال عن الأمر"، فأجاب "أوزال": "من مشاكلنا أن دولتنا تقع في منطقة ساخنة، وفي دول المنطقة يمكن العثور بسهولة على من يبيع ذمته. لا يمكنك شراء ذمة ألماني أو بريطاني أو فرنسي أو ياباني أو روسي. إلا أن الإنجليز اشتروا، قبل انهيار الدولة العثمانية، ذمم البعض داخل الدولة".
وتابع الرئيس التركي: "جمال
باشا، قائد الجبهة الجنوبية العثمانية، كان يحصل على راتب من الإنجليز، وتلقى تعليمات بجمع بنات علماء الدين في دمشق، في أحد المنازل، وإجبارهن على احتساء الخمر، والتحرش بهن، ومن ثم إطلاق سراحهن، وقام جمال على الفور بتنفيذ هذا الأمر".
ومن التصريحات التي أطلقها "أوزال" في تلك المقابلة، وصفه الفعلة التي أقدم عليها "جمال
باشا" بأنها مشينة، واعترافه بأن انتشار خبرها في العالم العربي، نشر العداء للعثمانيين بين العرب، وهو اعتراف غير مسبوق سواء في مدى وضوحه، أو في مستوى الشخصية التي أدلت به.
ورأى "أوزال" أن الواقعة استغلت لنشر دعاية مفادها أن العثمانيين ابتعدوا عن طريق الإسلام، معقبا: "لدى وصول هذه الأنباء إلى الشريف حسين في الحجاز، صدقها دون أن يعرف أصل الواقعة، وتسبب هذا في ثورة العرب ضد العثمانيين، بالتعاون مع الإنجليز، لهذا السبب قلت لكم اسألوا حسن جمال عن مصدر العداوة بين العرب والعثمانيين".
وأفاد "أوزال" أن الأوروبيين تمكنوا من خلال الرجال الذين اشتروا ذممهم، من تدمير الدولة العثمانية من الداخل، وفصل تركيا عن العالم العربي وعن مسلمي الهند، مضيفا: "الإنجليز تمكنوا بذلك من تحقيق هدفين، أولهما السيطرة على حقول النفط في الشرق الأوسط، والآخر السيطرة على الهند عن طريق إلغاء الخلافة، حيث لم يستطيعوا من قبل السيطرة على الهند لولائها الكبير للخلافة".
*6 سنوات هدمت 600 عام
===
وتؤكد مثل هذه التصريحات الخلفية الإسلامية القوية التي كان يتمتع بها واحد من أقوى رؤساء تركيا، الذي واجه قوى الانقلاب والعسكر بمنتهى الهدوء والحكمة واستطاع احتواءهم، ومهد لإعادة الهوية الإسلامية إلى تركيا، وشق الطريق لاستلام الإسلاميين حكم تركيا لاحقا.
وخلال اللقاء لفت "أوزال" إلى التشابه بين جمعية الاتحاد والترقي، التي تسببت بانهيار الدولة العثمانية، وقادة حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة، قائلا: "أجداد أعضاء حزب الشعب الجمهوري هم أتباع مدحت
باشا وحسين عوني
باشا، الذي قال: حقدي هو ديني. أما آباؤهم فهم أعضاء جمعية تركيا الفتاة وعصابة الباشوات الثلاثة، التي نجحت خلال 6 أعوام في هدم الدولة العثمانية التي عمرت 600 عام. وهذه العصابة مكونة من أنور، الذي رُقّي من نقيب إلى
باشا، وطلعت، الذي أصبح
باشا بعد أن كان موظف بريد، وجمال
باشا المعروف".
وتابع الرئيس التركي: "لم تتمكن بريطانيا من السيطرة على المسلمين الهنود، الذين كانوا يعتبرون الولاء للخلافة واجبا دينيا، واشترطت إزالة الخلافة خلال 5 أعوام من أجل السماح بإقامة دولة جديدة على أنقاض الدولة العثمانية... وهذا ما حصل عام 1924، ليصبح المسلمون دون قيادة. المسيحيون لديهم البابا الآن، أما المسلمون فهم مشتتون. ونتيجة لانهيار الدولة العثمانية تمكنت بريطانيا من السيطرة على الهند وحقول النفط بسهولة. كان آخر طلب للخليفة وحيد الدين من المسلمين في العالم هو الدعاء للمقاومة التي أطلقها في الأناضول. ورغم من أن الخليفة لم يطلب شيئا آخر سوى الدعاء، أرسل مسلمو الهند أطنانا من الذهب لدعم المقاومة، إلا أن حزب الشعب الجمهوري صادر ذلك الذهب".
*قوة ناعمة
==
يعد "أوزال" من أقوى وأحصف من حكم تركيا في عهدها "الجمهوري"، وقد استطاع أن يحوز ثقة الأتراك ويتولى رئاسة الوزارة دورتين متتابعتين، ثم ينتقل بعدها إلى كرسي الرئاسة، في ظل مناخ من الاضطراب السياسي الواضح في بلاده وعموم المنطقة.
ويعد "أوزال" أول رئيس جمهورية تركي يستضيف في قصر الرئاسة الرسمي احتفالا بيوم "المولد النبوي"، وهو سلوك لم يكن ليجرؤ على أقل منه أي من ساسة تركيا، في ظل تحكم العسكر، واستحكام روح الأتاتوركية.
وفي عهد "أوزال" تنفست التيار الإسلامي الصعداء، لما منحهم من حريات مكنتهم من ولوج دنيا الإعلام الذي كان شبه مغلق في وجههم ومحتكرا لصوت واحد تقريبا، كما أعطاهم (أي أتباع وأنصار التيار الإسلامي) جرعة أمل بإمكانية تحركهم، ولاحقا تفوقهم، في الميدان السياسي.
ورغم كل ذلك هذه التصرفات التي من شأنها إثارة حنق العسكر وجمهور الأتاتوركيين، فقد حافظ "أوزال" على "شعرة معاوية" وبقي حائزا على ثقة الأتراك، ولم يغادر منصبه بانقلاب ولا بإقالة أو استقالة، كما كان متوقعا لرجل صاحب ميول إسلامية واضحة، بل بقي رئيسا لتركيا حتى وافته المنية جراء أزمة قلبية عام 1993.
أما "أحمد جمال
باشا" الذي عرف بلقب "جمال
باشا السفاح"، فلم يعمر سوى نحو 50 عاما، لكنها كانت كافية ليتقلب في مناصب رفيعة، ويكون شخصية مثيرة للجدل من الطراز الأول.
فقد تولى "جمال
باشا" منصب قائد الجيش الرابع العثماني، كما تولى منصب وزير البحرية، في واحدة من أعظم دول العالم حينها في مجال الأساطيل الحربية.
وفي عام 1915 جرى تعيين "جمال
باشا" حاكما على سوريا وبلاد الشام، وكان محسوبا على جماعة "الاتحاد والترقي" ذات الميول الطورانية، والتي ساهمت في الانقلاب على السلطان عبد الحميد، بل إن "جمال
باشا" كان واحدا من أهم مدبري ومنفذي هذا الانقلاب، الذي كان نذير أفول نجم "الدولة العثمانية" بوصفها "خلافة إسلامية"، وبوصف السلطان "خليفة" لجميع المسلمين.
وماهي إلا سنة تقريبا من حكم "جمال
باشا" لسوريا، حتى قامت "الثورة العربية الكبرى" ضد الدولة العثمانية، نتيجة لعوامل عدة، كانت تصرفات "جمال
باشا" في سوريا من ضمنها.
زمان الوصل