هـل كسبت الدبابـة T-90 الرهـان بالفعـل أم هـو الزخـم الإعلامـي والبروباغنـدا الروسيـة ؟؟
كثيرا ما تتحدث المواقع الناطقة بالروسية عن عظمة إنجازات الدبابة T-90 خلال مشاركتها إلى جانب قوات النظام في الحرب الأهلية السورية الدائرة منذ سنوات. المعلقين الروس يتحدثون عن مزايا الدبابة، خصوصا ما يتعلق بخاصية صمودها ومناعتها تجاه هجمات صواريخ ومقذوفات المعارضة الموجهة، وكيف أنها تجاوزت الكثير من الضربات واستطاعت على الدوام إنجاز الدور المطلوب منها (هي بالمناسبة من مخزون الجيش الروسي وليست من النسخ المخصصة للتصدير، وتحمل التعيين T-90A). بداية يجب التوضيح أن الروس حريصون على تسويق دبابتهم الأحدث T-90 وإظهارها بمظهر القوة والثقة العظيمة كما وصفوها great confidence، خصوصا وأن أعين المستخدمين والزبائن المحتملين جميعا تتجه نحو مراقبة أداء هذه الدبابة في الساحة السورية، لذا كانت دائما تبريرات وتفسيرات الخبراء الروس جاهزة للدفاع عن هذه الدبابة وإظهارها بمظهر القوة، حتى ولو كانت تبريرات عبثية وسطحية تصل لحد القول أن الدبابة نجت من ضربات صاروخين TOW أصابا نفس الدبابة وبشكل متتابع مع فاصل زمني قصير!! للأسف مشاهد الفيديوهات والصور المنقولة من ساحة المعركة تدحض هذه الادعاءات وتكشف زيف العديد منها، وتؤكد أن الدبابة نالت نصيبها من الإعطاب والتدمير، شأنها في ذلك شأن الأنواع الأخرى من الدبابات التي بحوزة قوات النظام. آخرها هذه الصورة التي تظهر دبابة T-90 محترقة بعد أن أصيبت بقذيفة APFSDS أطلقتها دبابة أخرى من نوع T-72 تتبع قوات النظام!! الدبابة المدمرة في الأساس كانت تتبع الجيش السوري قبل أن يستولي عليها أحد فصائل المعارضة بحالة سليمة (حركة نور الدين الزنكي Nuriddin az-Zinki) خلال القتال العنيف في منطقة الملاح في ريف حلب الشمالي ليبيعها لفصيل آخر متشدد (جبهة النصرة) بسعر نصف مليون دولار وذلك أوائل مايو الفائت. هي كانت قد تعرضت لنيران كثيفة من طلقات الرصاص، أتلفت كما تتحدث بعض المصادر بصريات الدبابة tank's optics وعدسات المشوشات شتورا، قبل أن يقرر طاقمها مغادرتها لأسباب مجهولة.
الركيزة الأهم في حماية الدبابة T-90 تتمثل في دروعها التفاعلية المتفجرة من نوع Kontakt-5. هذا النوع من التدريع أشرف على تطويره معهد البحث العلمي للفولاذ NII STALI وقدم أولاً العام 1985 وتم تبنيه ودخوله الخدمة بعد ذلك العام 1986 على دبابات المعركة الرئيسة من نوع T-80U، ثم لاحقاً على الدبابات T-72B ، T-80UD ثم الدبابات T-90. وكان ملفتاً للنظر بتصميمه المميز، حيث سعى مصممو هذا التدريع إلى حرف أو تحطيم خوارق مقذوفات الطاقة الحركية الغربية التي باتت تصنع من مواد عالية الكثافة مثل سبائك التنغستن أو اليورانيوم المستنزف، بالإضافة لاستهلاك وتفريق طاقة نفاث الشحنة المشكلة قبل بلوغها سطح التدريع الرئيس.. وعلى خلاف سابقه Konkakt-1 الذي تميز بخفة وزن نسبية أتاحت تثبيت وحداته على هياكل وأبراج الدبابات في ساحة الميدان، فإن Kontakt-5 كان أثقل بكثير، بحيث كان يتحتم تثبيت وحداته وقراميده المتفجرة في مراكز الإنتاج، علماً أن هذه الوحدات غير قابلة لإعادة الاستبدال أو التعويض في حال استهلاكها non-replaceable.. الركيزة الثانية التي اعتمدت عليها الدبابة T-90 لتعزيز قابلية بقائها استندت على نظام الحماية النشط وأداة التشويش الكهروبصري optical-electronic warfare المصعدة عليها، والمدعوة "شتورا" Shtora-1. في الحقيقة مشوشات هذا النظام لم تظهر قيمة أو فائدة تذكر تجاه صواريخ المعارضة الموجهة ولم يسجل لها نجاح موثق باستثناء الادعاءات الروسية!!
الروس يدعون أن الدبابة T-90 استطاعت في أكثر من مناسبة النجاة من ضربات مباشرة بالصاروخ الأمريكي الموجه المضاد للدروع من نوع TOW 2A، وهم يرجعون الفضل في ذلك لدروعها التفاعلية المتفجرة.. هذه التعليقات والنتائج التي توصل لها الروس عرضة للنقد والتحليل، بحيث يمكن مراجعتها فنياً لإبراز مدى صحتها وتبيان الغث من السمين منها.. واحدة من هذه الانتصارات المزعومة للدبابة تحدث عن نجاة T-90 من إصابة جانبية لصاروخ TOW 2A أطلقته إحدى فصائل المعارضة. ويمكن من خلال الصور ملاحظة الدخان الكثيف المنبثق من كوات الدبابة السقفية، وهو دليل قطعي على ثقب دروعها. مع ذلك، خرجت على وسائل الإعلام يومها إحدى الصحف الناطقة بالروسية (صحيفة vestnik) لتعنون على صدر صفحتها الإلكترونية مانشيت فرعي يقول "الدبابة T-90A في سوريا تنقذ طاقمها مرة أخرى" Tank T-90A in Syria to save her crew again!! بدوره، خبير الدروع الروسي "ألكسي هلوبوتوفا" Alexei Hlopotova خرج علينا بتبرير مضحك لأمر الدخان الأبيض الكثيف الصادر عن الدبابة المصابة ليقول أنه ناتج عن نظام كبح النيران في الدبابة!! والسؤال هنا إذا كان الدخان صادر بالفعل عن نظام كبح النيران فلماذا حفز النظام على العمل إن لم يكن هناك في الأساس نفاذ وثقب لدروع الدبابة T-90؟؟ وتأتي الملاحظة الثانية حول زمن تشغيل النظام الذي صورته طائرة مسيرة عن بعد تابعة لقوات المعارضة. إذ من المعروف أن هذا النوع من الأنظمة يحتاج لنحو 40 إلى 50 ثانية لإفراغ كامل مخزون قناني الإطفاء!! في المقابل، الطائرة التي صورت نتائج الحادث استغرقت من لحظة إعدادها وحتى وصولها ليس أقل من 10 دقائق، وحتى ذلك الوقت كان الدخان لا يزال يصدر بكثافة عن كوات البرج، مما يشير ضمنياً لحجم الضرر الداخلي!!
قصة جميلة أخرى تناولتها المواقع الروسية وأسمتها "نجاة الدبابة T-90A من أضرار إصابة صاروخي TOW" وعند مراجعة فيديوهات العملية كان بالإمكان رؤية الصاروخ الأول وهو يضرب الساتر الرملي الذي يحمي هيكل الدبابة ويثير كومة من الرمال والغبار وذلك قبل وصوله لهيكل الدبابة بثانية واحدة تقريباً أو أقل (على الأرجح، زعانف الصاروخ هي من ارتطمت بالحاجز وتسببت في تغيير مساره ثم انفجاره وليس الرأس الحربي، وإلا لكنا شهدنا انفجار الصاروخ مباشرة) وذلك في الدقيقة 0.34 . الصاروخ الثاني ضرب الدبابة في مقدمة هيكلها مع ظهور كتلة لهب كبيرة، وأخذ الدخان بالتصاعد منها دليل حجم الضرر!!
من اللطائف الروسية المشهورة أيضاً والتي تحكي قدرات البقائية للدبابة T-90، هي تلك التي نجت فيها الدبابة من ضربة مباشرة بصاروخ الأمريكي موجه من نوع TOW 2A. الحادث وقع في ريف حلب الغربي / جبهة الشيخ عقيل، عندما تعرضت الدبابة لإصابة بصاروخ أطلقه فصيل سوري معارض (لواء صقور الجبل). الصاروخ أصاب مقدمة البرج وتحديدا قراميد الدرع التفاعلي المتفجر Kontakt-5، دون أن يلحق بالدبابة أذى مباشر كما تدعي المواقع الروسية!! لكن بعد قراءة متأنية للحادث ومشاهدة تصوير الفيديو يتضح أن الصاروخ ثقب دروع الدبابة بالفعل بعد أن دمر كامل القراميد في الجهة المصابة من البرج، بالإضافة لتحطيم مشوشات منظومة الشتورا على جانبي البرج!! الهجوم دفع أحد أفراد الدبابة وهو رامي المدفع لمغادرة الدبابة سريعا وهو يغطي أنفه نتيجة الإصابة على الأرجح وكان بالإمكان مشاهدة الدخان المتسلل من مقصورة القتال (ثقب دروع الدبابة متحقق هنا بلا محالة).