تقارب عسكري بين مصر وكوريا الشمالية يقلق العالم
غادة قدري
29 أغسطس 2017
صمويل راماني- thediplomat
ترجمة وإعداد – غادة قدري
التعاون الصاروخي بين مصر وكوريا الشمالية يثير قلق القوى العظمى بخصوص البرنامج النووي المصري
كان لقرار الولايات المتحدة الأمريكية خفض المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر انعكاسه على الصحافة العالمية، خاصة مع تزايد المخاوف من أن تكون تلك المعونات وسيلة ضغط أمريكية قد لا تجدي فائدة في ظل تحالف مصر مع كوريا الشمالية، تلك النظرية التي أيدها صمويل راماني الصحفي والأستاذ الجامعي بجامعة أكسفورد ، والذي كتب مقالا تحليليًا في «thediplomat»أمس الاثنين.
يقول صمويل في مقاله إن العديد من المحللين السياسيين يرجحون بأن العلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين مصر وكوريا الشمالية كانت وراء قرار واشنطن المفاجئ بخفض المساعدات المالية للقاهرة.
ففي 22 أغسطس 2017، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية قرارها بخفض المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر بما يصل إلى 300 مليون دولار، وذكر مسؤولون في وزارة الخارجية أن تدهور حقوق الإنسان في مصر هو السبب الرئيسي وراء هذه التخفيضات غير المتوقعة في المساعدات.
وسرد المقال بداية التقارب بين مصر وكوريا الشمالية في أقصى آسيا إذ كانت مصر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ السبعينيات، لكنها في نفس الوقت لا تزال واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين لبيونج يانج منذ بداية عهد الحرب الباردة، واستمرت تلك العلاقات بين مصر وكوريا الشمالية بانضمام البلدين إلى حركة عدم الانحياز والتضامن المشترك مع الاتحاد السوفييتي خلال الخمسينيات والستينيات منذ تولي جمال عبد الناصر السلطة في مصر عام 1952.
كانت شخصية جمال عبد الناصر جذابة بدرجة كافية داخل حركة عدم الانحياز خلال أزمة السويس عام 1956، وحظى قراره بتأميم القناة بدعم كبير من بيونج يانج، وبعد استقلال مصر من العدوان الثلاثي، سمح زعيم كوريا الشمالية كيم إيل سونج بمنح مصر مساعدات مالية صغيرة دعما للتحدي الذي أعلنه جمال عبد الناصر.
ومهد انحياز كوريا الشمالية لمصر خلال أزمة السويس 56 الطريق أمام تحالف قوي بين البلدين خلال الستينيات، وفي عام 1961، وصل وفد دبلوماسي كوري شمالي إلى مصر بهدف إقامة علاقات قنصلية، ومن أجل تعزيز المواءمة مع القاهرة، قدم السياسيون في كوريا الشمالية دعما دبلوماسيا لجهود مصر في حرب اليمن ضد الاحتلال البريطاني.
وأدانت كوريا الشمالية بشدة إسرائيل خلال حرب الأيام الستة لعام 1967. وأدت هذه الإجراءات إلى زيادة الثقة بين مصر وكوريا الشمالية، وشجعت أكبر قائد للقوات الجوية المصرية، حسني مبارك، على تجنيد الطيارين الكوريين الشماليين لمساعدة مصر في الحرب ضد إسرائيل في عام 1973
وفي عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك نشأت اتصالات شخصية بين الحكومتين المصرية والكورية الشمالية، عززتها الزيارات الأربع التي قام بها مبارك إلى بيونج يانج في الفترة من 1983 إلى 1990، نتيجة ذلك تم وضع الأساس للاستثمارات المصرية اللاحقة في الاقتصاد الكوري الشمالي.
وكان أبرز ما أظهرته القاهرة استعدادها للاستثمار في كوريا الشمالية هو تأسيس شركة أوراسكوم العملاقة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية في شركة كوريولينك، وهي شبكة الجيل الثالث الوحيدة للهاتف المحمول في كوريا الشمالية في عام 2008، أسسها الملياردير المصري نجيب ساويرس، وأبرزت هذه الصفقة إمكانية إقامة روابط اقتصادية متبادلة المنفعة بين البلدين، وساهمت زيارات ساويرس اللاحقة لبيونج يانج في زيادة الاستثمارات المصرية في الاقتصاد الكوري الشمالي.
ظلت الشراكة الاقتصادية بين القاهرة وبيونج يانج دون تغيير حتى مع الاضطرابات السياسية التي أعقبت إطاحة مبارك في عام 2011، وبقيت بور سعيد مصر نقطة مركزية لشحن صادرات الأسلحة الكورية الشمالية إلى أفريقيا، وفيما بعد أيد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي سياسة أسلافه في كوريا الشمالية ورفض فرض عقوبات الأمم المتحدة على بيونج يانج
اهتمام مصر بالتكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية
على الرغم من إقامة سلام بارد بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979، والتحالف بين الولايات المتحدة ومصر بقيادة حسني مبارك، لا تزال القاهرة من كبار المشترين للتكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية. ويمكن تفسير تمسك مصر بعلاقاتها مع كوريا الشمالية بعاملين استراتيجيين:
أولا: ساعدت حكومة كوريا الشمالية في تدريب العلماء المصريين على إنتاج أنظمة الصواريخ الخاصة بهم، مقابل مخصصات من العملة الصعبة، وتساعد اتفاقية تجارة العملة هذه على الحد من اعتماد مصر على واردات الأسلحة الأجنبية، وتسمح لمصر بتحديث جيشها دون الاعتماد فقط على الولايات المتحدة وروسيا.
وفي الآونة الأخيرة، تسببت تجارب الصواريخ الباليستية الإيرانية في أن يعبّر المسؤولون العسكريون المصريون عن اهتمامهم بشراء أنظمة صواريخ أرض – جو جديدة لأغراض دفاعية وانتقامية، وفي الوقت الذي تصدر فيه كوريا الشمالية أنظمة الدفاع الجوي وتكنولوجيا الصواريخ الموجهة بالأقمار الصناعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء، ظهرت بيونج يانج كشريك أمني مفيد للقاهرة، في الوقت الذي تسعى فيه مصر لمساعدة حليفتها الرائدة، السعودية ، عسكريا ضد إيران.
ثانيا: استمرار رفض الحكومة المصرية قبول عمليات التفتيش الدولية الشاملة لبرنامجها للطاقة النووية، زاد المخاوف في واشنطن من أن مصر يمكن أن تسعى إلى امتلاك وسيلة الردع النووي الخاصة بها، في حال اخترقت إيران الاتفاق النووي الخاص بها للعام 2015، وهذه النظرية مدعومة بواقعة اكتشاف وكالة الطاقة النووية يورانيوم عالي التخصيب في “إنشاص” سنة 2007 رغم التزام مبارك الكلامي بمعاهدة حظر الانتشار النووي.
وبما أن الولايات المتحدة وروسيا تعارضان شراء مصر للأسلحة النووية، فإن كوريا الشمالية يمكن أن تكون موردا مفيدا للمواد النووية لمصر، وإذا كانت القاهرة تسعى إلى إحياء برنامجها لتخصيب اليورانيوم. كما يعتقد العديد من المحللين، فإن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة ومصر في ظل السيسي يزيد من خطر لجوء مصر إلى امتلاك الرادع النووي خاص بها، ويمكن لقرار ترامب خفض المساعدات لمصر أن يقنع السيسي بتوسيع الشراكة الدفاعية طويلة الأمد مع كوريا الشمالية. وستؤكد هذه النتيجة عدم فعالية العقوبات الدولية المفروضة على جمهورية كوريا الشمالية، في ظل استخدام ترامب للدبلوماسية القسرية” مع مصر”.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي الحليف الرئيسي لمصر منذ أربعة عقود، إلا أن مصر رفضت التخلي عن الشراكة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية القائمة منذ زمن طويل مع كوريا الشمالية. وبالتالي، فإن قرار ترامب غير المتوقع بخفض المساعدات الخارجية لمصر يترك أمام السيسي خارين غير مريحين، بين القبول على مضض بالمطالب الأمريكية والمخاطرة بتعليق طويل الأمد للشراكة الأمنية بين واشنطن والقاهرة.
https://zahma.cairolive.com/تقارب-عسكري-بين-مصر-وكوريا-الشمالية-يق/
غادة قدري
29 أغسطس 2017
ترجمة وإعداد – غادة قدري
التعاون الصاروخي بين مصر وكوريا الشمالية يثير قلق القوى العظمى بخصوص البرنامج النووي المصري
كان لقرار الولايات المتحدة الأمريكية خفض المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر انعكاسه على الصحافة العالمية، خاصة مع تزايد المخاوف من أن تكون تلك المعونات وسيلة ضغط أمريكية قد لا تجدي فائدة في ظل تحالف مصر مع كوريا الشمالية، تلك النظرية التي أيدها صمويل راماني الصحفي والأستاذ الجامعي بجامعة أكسفورد ، والذي كتب مقالا تحليليًا في «thediplomat»أمس الاثنين.
يقول صمويل في مقاله إن العديد من المحللين السياسيين يرجحون بأن العلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين مصر وكوريا الشمالية كانت وراء قرار واشنطن المفاجئ بخفض المساعدات المالية للقاهرة.
ففي 22 أغسطس 2017، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية قرارها بخفض المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر بما يصل إلى 300 مليون دولار، وذكر مسؤولون في وزارة الخارجية أن تدهور حقوق الإنسان في مصر هو السبب الرئيسي وراء هذه التخفيضات غير المتوقعة في المساعدات.
وسرد المقال بداية التقارب بين مصر وكوريا الشمالية في أقصى آسيا إذ كانت مصر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ السبعينيات، لكنها في نفس الوقت لا تزال واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين لبيونج يانج منذ بداية عهد الحرب الباردة، واستمرت تلك العلاقات بين مصر وكوريا الشمالية بانضمام البلدين إلى حركة عدم الانحياز والتضامن المشترك مع الاتحاد السوفييتي خلال الخمسينيات والستينيات منذ تولي جمال عبد الناصر السلطة في مصر عام 1952.
كانت شخصية جمال عبد الناصر جذابة بدرجة كافية داخل حركة عدم الانحياز خلال أزمة السويس عام 1956، وحظى قراره بتأميم القناة بدعم كبير من بيونج يانج، وبعد استقلال مصر من العدوان الثلاثي، سمح زعيم كوريا الشمالية كيم إيل سونج بمنح مصر مساعدات مالية صغيرة دعما للتحدي الذي أعلنه جمال عبد الناصر.
ومهد انحياز كوريا الشمالية لمصر خلال أزمة السويس 56 الطريق أمام تحالف قوي بين البلدين خلال الستينيات، وفي عام 1961، وصل وفد دبلوماسي كوري شمالي إلى مصر بهدف إقامة علاقات قنصلية، ومن أجل تعزيز المواءمة مع القاهرة، قدم السياسيون في كوريا الشمالية دعما دبلوماسيا لجهود مصر في حرب اليمن ضد الاحتلال البريطاني.
وأدانت كوريا الشمالية بشدة إسرائيل خلال حرب الأيام الستة لعام 1967. وأدت هذه الإجراءات إلى زيادة الثقة بين مصر وكوريا الشمالية، وشجعت أكبر قائد للقوات الجوية المصرية، حسني مبارك، على تجنيد الطيارين الكوريين الشماليين لمساعدة مصر في الحرب ضد إسرائيل في عام 1973
وفي عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك نشأت اتصالات شخصية بين الحكومتين المصرية والكورية الشمالية، عززتها الزيارات الأربع التي قام بها مبارك إلى بيونج يانج في الفترة من 1983 إلى 1990، نتيجة ذلك تم وضع الأساس للاستثمارات المصرية اللاحقة في الاقتصاد الكوري الشمالي.
وكان أبرز ما أظهرته القاهرة استعدادها للاستثمار في كوريا الشمالية هو تأسيس شركة أوراسكوم العملاقة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية في شركة كوريولينك، وهي شبكة الجيل الثالث الوحيدة للهاتف المحمول في كوريا الشمالية في عام 2008، أسسها الملياردير المصري نجيب ساويرس، وأبرزت هذه الصفقة إمكانية إقامة روابط اقتصادية متبادلة المنفعة بين البلدين، وساهمت زيارات ساويرس اللاحقة لبيونج يانج في زيادة الاستثمارات المصرية في الاقتصاد الكوري الشمالي.
ظلت الشراكة الاقتصادية بين القاهرة وبيونج يانج دون تغيير حتى مع الاضطرابات السياسية التي أعقبت إطاحة مبارك في عام 2011، وبقيت بور سعيد مصر نقطة مركزية لشحن صادرات الأسلحة الكورية الشمالية إلى أفريقيا، وفيما بعد أيد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي سياسة أسلافه في كوريا الشمالية ورفض فرض عقوبات الأمم المتحدة على بيونج يانج
اهتمام مصر بالتكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية
على الرغم من إقامة سلام بارد بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979، والتحالف بين الولايات المتحدة ومصر بقيادة حسني مبارك، لا تزال القاهرة من كبار المشترين للتكنولوجيا العسكرية الكورية الشمالية. ويمكن تفسير تمسك مصر بعلاقاتها مع كوريا الشمالية بعاملين استراتيجيين:
أولا: ساعدت حكومة كوريا الشمالية في تدريب العلماء المصريين على إنتاج أنظمة الصواريخ الخاصة بهم، مقابل مخصصات من العملة الصعبة، وتساعد اتفاقية تجارة العملة هذه على الحد من اعتماد مصر على واردات الأسلحة الأجنبية، وتسمح لمصر بتحديث جيشها دون الاعتماد فقط على الولايات المتحدة وروسيا.
وفي الآونة الأخيرة، تسببت تجارب الصواريخ الباليستية الإيرانية في أن يعبّر المسؤولون العسكريون المصريون عن اهتمامهم بشراء أنظمة صواريخ أرض – جو جديدة لأغراض دفاعية وانتقامية، وفي الوقت الذي تصدر فيه كوريا الشمالية أنظمة الدفاع الجوي وتكنولوجيا الصواريخ الموجهة بالأقمار الصناعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء، ظهرت بيونج يانج كشريك أمني مفيد للقاهرة، في الوقت الذي تسعى فيه مصر لمساعدة حليفتها الرائدة، السعودية ، عسكريا ضد إيران.
ثانيا: استمرار رفض الحكومة المصرية قبول عمليات التفتيش الدولية الشاملة لبرنامجها للطاقة النووية، زاد المخاوف في واشنطن من أن مصر يمكن أن تسعى إلى امتلاك وسيلة الردع النووي الخاصة بها، في حال اخترقت إيران الاتفاق النووي الخاص بها للعام 2015، وهذه النظرية مدعومة بواقعة اكتشاف وكالة الطاقة النووية يورانيوم عالي التخصيب في “إنشاص” سنة 2007 رغم التزام مبارك الكلامي بمعاهدة حظر الانتشار النووي.
وبما أن الولايات المتحدة وروسيا تعارضان شراء مصر للأسلحة النووية، فإن كوريا الشمالية يمكن أن تكون موردا مفيدا للمواد النووية لمصر، وإذا كانت القاهرة تسعى إلى إحياء برنامجها لتخصيب اليورانيوم. كما يعتقد العديد من المحللين، فإن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة ومصر في ظل السيسي يزيد من خطر لجوء مصر إلى امتلاك الرادع النووي خاص بها، ويمكن لقرار ترامب خفض المساعدات لمصر أن يقنع السيسي بتوسيع الشراكة الدفاعية طويلة الأمد مع كوريا الشمالية. وستؤكد هذه النتيجة عدم فعالية العقوبات الدولية المفروضة على جمهورية كوريا الشمالية، في ظل استخدام ترامب للدبلوماسية القسرية” مع مصر”.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة هي الحليف الرئيسي لمصر منذ أربعة عقود، إلا أن مصر رفضت التخلي عن الشراكة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية القائمة منذ زمن طويل مع كوريا الشمالية. وبالتالي، فإن قرار ترامب غير المتوقع بخفض المساعدات الخارجية لمصر يترك أمام السيسي خارين غير مريحين، بين القبول على مضض بالمطالب الأمريكية والمخاطرة بتعليق طويل الأمد للشراكة الأمنية بين واشنطن والقاهرة.
https://zahma.cairolive.com/تقارب-عسكري-بين-مصر-وكوريا-الشمالية-يق/