صاحب القصيدة هو سديف بن ميمون مولى خزاعة. وكان سبب ادعائه ولاء بني هاشم انه تزوج مولاه لال ابي لهب، فادعى ولاءهم، ودخل في جملة مواليهم على الايام. وكلمة «مولى» تعني انه من اصل غير عربي ينسب الى القبيلة بالولاء.
وسديف قال الشعر، وعُرف بالبيان وحُسن المعارضة. وهو شاعر مقل، من شعراء الحجاز ومن مخضرمي الدولتين الاموية والعباسية.
كان سديف شاعرا فزا واديبا بارعا وخطيبا مصقعا، وكان مطبوع الشعر حسنه.
كان سديف شديد التعصب لبني هاشم، مظهرا لذلك في ايام بني امية. فكان يخرج الى احجار في ظهر مكة، يقال لها صفي السباب، ويخرج مولى لبني امية معه يُقال له سباب، فيتسابان ويتشاتمان، ويذكران المثالب والمعايب. ويخرج معهما من سفهاء الفريقين من يتعصب لهذا ولذاك. فلا يبرحون حتى تكون بينهم الجراح، ويخرج الوالي اليهم فيفرقهم، ويعاقب الجناة. فلم تزل تلك العصبية بمكة حتى شاعت في العامة والسفلة. فكانوا صنفين، يقال لهما السديفية والسبابية، طول ايام بني امية.
وكان الوليد بن عروة بن محمد بن عطية بن عروة السعدي (من سعد بن بكر) آخر والٍ اموي لمكة قد قبض على سديف بن ميمون واودعه السجن، لانه كان يتكلم في بني امية، وحبسه وجعل يجلده، في كل سبت مائة سوط وكلما في كل سبت يخرجه ويضربه مائة سوط، فازداد حقد سديف على الامويين، وانتقم منهم بقصيدته التي تسببت في مجزرة للامويين في مجلس الخليفة العباسي.
القصيدة التي قتلت 70 أميراً بني أمية
===========
لما انقضت دولة بني امية وافضت الخلافة الى بني العباس، وولى منهم ابي العباس السفاح، بلغ الخبر بسديف وهو اذ ذاك بمكة، فاستوى على راحلته وتوجه نحو ابي العباس ــ وكان به عارفا ــ فلما وصل اليه قال له: من انت؟
قال: انا سديف بن ميمون.
قال الخليفة : مولاي سديف؟
نعم يا امير المؤمنين.
ثم هنأه بالخلافة، ودعا له بالبركة، وكان في حضرة الخليفة رجال من بني امية قدموا للكوفة طلبا للامان ولتقديم البيعة الى الخليفة العباسي يقدر بعضهم عددهم بـ 70 أميراً ،
فلما رآهم سديف ساءه ذلك المنظر وانشده قصيدة:
أصبح الملك ثابت الآساس ... بالبهاليل من بني العباس
طلبوا وتر هاشم فشفوها ... بعد ميل من الزمان وياس
لا تقلين عبد شمس عثاراً ... واقطعن كل رقلة وأواسي
ذلها أظهر التودد منها ... وبها منكم كحز المواسي
ولقد غاظني وغاظ سوائي ... قربهم من نمارق وكراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الله ... بدار الهوان والإتعاس
واذكروا مصرع الحسين وزيداً ... وقتيلاً بجانب المهراس
والقتيل الذي بحران أضحى ... ثاوياً بين غربة وتناسي
نعم شبل الهراش مولاك شبل ... لو نجا من حبائل الإفلاس!
فعملت كلمته في الخليفة السفاح وحركت منه، وعنده قوم من بني امية فقالوا: اعرابي جلف جاف لا يدري ما يخرج من رأسه. وتفرق القوم على ذلك.
فلما كان من اليوم التالي، وجه الخليفة السفاح اليهم: ان اجتمعوا واغدوا على امير المؤمنين ليفرض لكم ويجيزكم مع سيدكم سليمان بن هشام بن عبدالملك الاموي. وكان سليمان يكنى ابا الغمر، وكان ايام بني امية صديقا لابي العباس السفاح يوده ويكاتبه ويقضي حوائجه.
فلما اصبحوا تهيأوا باجمعهم، وتوجهوا الى مجلس الخليفة، فاذن لهم ورفع مجالسهم، واجلس ابا الغمر سليمان بن هشام عن يمينه على سريره.
وجاء سديف حين سمع باجتماعهم حتى استاذن عليه، فلما مثل بين يديه ونظر الى مجالسهم كهيئتها بالامس، ورأى سليمان بن هشام الاموي على السرير، انشأ يقول:
لا يغرنك ما ترى من رجال ...ان تحت الضلوع داء دويا
فضع السيف وارفع السوط حتى .....لا ترى فوق ظهرها امويا
واستمر في القصيدة حتى اتى على اخرها، وابو العباس يغتاظ ويحنق ويتلون.
فقال سليمان بن هشام لسديف: قاتلك الله ألا تسكت؟
فلما قال ذلك اشتد غضب ابي العباس. ونظر الى رجال خراسان وهم وقوف بالاعمدة فقال لهم بالفارسية: «دهيد»، يعني اضربوا.
فشدخوا رؤوسهم بالاعمدة حتى اتوا على اخرهم،
ثم نظر السفاح الى صديقه سليمان بن هشام بن عبدالملك الاموي وقال له: يا ابا الغمر مالك في الحياة خير بعد هؤلاء.
فقال سليمان: اجل.
فشدخوا راسه وجروه برجله حتى القوه مع القوم.
ثم جمعهم وامر بالانطاع فبسطت عليهم ثم جلس فوقهم، ودعا بالغداء فتغدى وهم تحته، وكان بعض القوم فيه بقية حياه يتحرك، وفيهم من يسمع انينه.
فلما فرغ الخليفة السفاح من غدائه قيل له: يا امير المؤمنين هلا امرت بهم فدفنوا او حولوا الى مكان اخر فإن رائحتهم تؤذيك؟
قال: والله ان هذه الرائحة لاطيب عندي من رائحة المسك والعنبر الآن سكن غليلي.
واجاز الخليفة السفاح سديفا بالف دينار.
التعديل الأخير: