أكد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي البريطاني، في مقال تحليلي نشرته صحيفة “الإندبندنت”، على أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” لا يمثل إطلاقا الإسلام والمسلمين، خاصة في علاقتهم بالمسيحيين، مستشهدا بالبطل الأمير عبد القادر الجزائري وعلاقته بالمسيحيين، وفيما يلي نص المقال:
شهد كل العالم على مذبحة مانشستر وهجوم نيس وباريس، بالإضافة إلى الانتهاكات التي ترتكب في الموصل وسجن أبو غريب وتفجير لندن الذي جد في السابع من يوليو/ تموز. ولكن هل من أحد يتذكر مجزرة حديثة، التي ذهب ضحيتها 288 مدنيا، كان من بينهم العديد من الأطفال، الذين لقوا حتفهم على يد مشاة البحرية الأمريكية، وهل بادر أي شخص بالوقوف لحظة صمت على أرواحهم أو التنديد بالجريمة التي ارتكبت في حقهم.
في مثل هذه الحالة، لا يمكن أن يكون العنف الموازي الحل للتصدي لمثل هذه الوقائع. وللتذكير، طالما نقدم على قصف منطقة الشرق الأوسط عوض العمل على إرساء العدالة هناك سيتم استهدافنا أيضا. وفقا لترامب “عديم الرحمة”، يجب أن نولي أهمية قصوى للإرهاب والإرهاب ثم الإرهاب. أما بالنسبة للأمن، فمن غير الممكن أن نحظى به في صلب بلداننا في الوقت الذي نشجع فيه على قتل الأبرياء في العالم الإسلامي ولا نتوانى عن بيع الأسلحة للدكتاتوريين. ومن هذا المنطلق، في حال آمنا بفكرة الإرهاب، ففي نهاية المطاف سيفوز تنظيم الدولة، ولكن إذا آمنا بالعدالة فسيهزم هذا التنظيم الإرهابي بلا شك.
وفي هذا الإطار، أظن أنه قد حان الوقت لتسليط الضوء على رجل مسلم، وشيخ متصوف، ومحارب مغوار، ألا وهو الأمير عبد القادر، الذي تكفل بحماية شعبه من البربرية الغربية، وحماية المسيحيين من بربرية بعض المسلمين. وعلى هذا الأساس، ونظرا لشجاعته المنقطعة النظير أصرت الجزائر على جلب رفاته من دمشق الحبيبة ودفنه في موطنه الأم. والجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي، أبراهام لينكون قد أهداه زوجا من مسدسات كولت في حين منحه الرئيس الفرنسي وسام جوقة الشرف.
في الحقيقة كان الأمير عبد القادر شغوفا بالعلم ومن أشد المعجبين بالفلاسفة اليونانيين، لذلك منع مقاتليه من تمزيق الكتب. وقد عرف بأنه يؤمن بالدين الذي يقوم على احترام وتقديس حقوق الإنسان. ونظرا لما يشهده العالم من تجاذبات وصراع دامي، أصبحنا في أمس الحاجة للحديث عنه. عموما، لم يكن الأمير عبد القادر “معتدلا” نظرا لأنه قاتل بشراسة ضد الاحتلال الفرنسي في الجزائر. كما أنه لم يكن متطرفا، وخير شاهد على ذلك أنه لطالما كان يتحدث عن المسيحيين والمسلمين على اعتبارهم أخوة، وذلك أثناء اعتقاله في سجن “شاتو أمبواز”.
من جانب آخر، حظي الأمير عبد القادر بدعم فيكتور هوغو واللورد لندنديري وحاز على احترام لويس نابليون بونابرت (في وقت لاحق نابليون الثالث). فضلا عن ذلك، قدمت له الدولة الفرنسية معاشا تقاعديا قدره 100،000 فرنك، وأظن أنه يستحق ذلك المبلغ.
إثر احتلال الفرنسيين للجزائر، قام عبد القادر بن محيي الدين الجزائري (1808-18833) بشن حرب عصابات ضد واحد من أفضل الجيوش المجهزة في العالم الغربي. وقد كانت هذه الحرب ناجعة، حيث كان الفوز حليف عبد القادر في معظم المواجهات. في أعقاب ذلك، قام الأمير عبد القادر بإنشاء دولته الخاصة في غرب الجزائر. كانت دولة مسلمة ولكن عبد القادر وظف ضمن أجهزتها مستشارين مسيحيين ويهود، فضلا عن أنها كانت تقوم بالأساس على إدارات منفصلة (الدفاع، التعليم، إلخ). وقد امتدت هذه الدولة إلى الحدود المغربية.
علاوة على ذلك، قام الأمير عبد القادر بصك عملة خاصة أطلق عليها اسم “المحمودية”. وفي الأثناء، تمكن الأمير عبد القادر من إرساء السلام مع الفرنسيين، ولكنهم سرعان ما خرقوا الهدنة وغزو أراضيه مرة أخرى. من جهة أخرى، عيّن الأمير عبد القادر أحد الكهنة وزيرا مكلفا بالاهتمام بشؤون السجناء الفرنسيين. فضلا عن ذلك، عفى الأمير عبد القادر عن المساجين الفرنسيين حين عجزوا عن توفير الطعام الكافي لهم.
في الحقيقة، قام الفرنسيون بنهب وسرقة المواطنين الجزائريين داخل البلدات التي قاموا بالاستيلاء عليها وذلك لتضييق الخناق على المقاوم الشهم عبد القادر. وإثر هزيمته، استسلم الأمير عبد القادر بطريقة مشرفة، حيث قام بالتخلي عن حصانه للعدو تماما كأي محارب مغوار بعد أن وعده الجانب الفرنسي بأن يتم نفيه للإسكندرية أو عكا. ومرة أخرى لم يتوان الفرنسيون عن خداع الأمير عبد القادر، حيث لم يلتزموا بوعدهم وقاموا بنقله إلى سجن في تولون ومن ثم إلى داخل فرنسا.
خلال وجوده في منفاه في السجن الفرنسي، كان الأمير عبد القادر يبشر بالسلام والأخوة، كما حرص على تعلم اللغة الفرنسية. وقد دأب على الحديث عن حكمة أفلاطون وسقراط وأرسطو وبطليموس وابن رشد. وفي وقت لاحق، ألف عبد القادر كتابا عن الذكاء وهو متاح على كل منصات مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الفترة ذاتها، ألف عبد القادر كتابا عن الخيول أكد من خلاله أن أصولها عربية.
وقد تجلت شجاعة عبد القادر الاستثنائية، مرة أخرى، خلال إقامته في دمشق سنة 1860، حيث عاش هناك على اعتباره منفيا مبجلا. وفي تلك الفترة، اندلعت حرب أهلية في لبنان بين الدروز والمسيحيين ووصلت إلى قلب دمشق. وفي الأثناء حاصر الدروز المسلمين الذين يشبهون تنظيم الدولة في قسوتهم، حيث كانوا يحملون السيوف والسكاكين بغية ذبح خصومهم، المسيحيين الذين لاذوا بالفرار من بطشهم.
وفي الأثناء، أرسل الأمير عبد القادر حراسه من المسلمين الجزائريين، أو ميلشياته الخاصة، لشق طريقهم عبر الحشود من الدروز ومرافقة أكثر من 10 آلاف مسيحي إلى الأراضي الواقعة تحت حكمه. وحين وصل الدروز إلى أعتاب بيته مدججين بالسكاكين، استقبلهم بخطاب لا يزال محفورا في ذاكرة المواطنين في منطقة الشرق الأوسط إلى غاية اليوم (على الرغم من التجاهل التام له من قبل الغرب في وقتنا الحالي).
وفي هذا الصدد، صرخ عبد القادر في الحشود وقال: “أيها المساكين، أهكذا تُكرمون النبي؟ فليحل عليكم عقاب من الله ! العار عليكم، العار ! سيحلّ اليوم الذي ستدفعون فيه ثمن ما اقترفته أيديكم…لن أُسلّمكم مسيحيا واحدا فهم إخواني. أخرجوا من هنا أو سأسلط عليكم حراسي”. من جانبهم، أشار المؤرخون المسلمون إلى أن عبد القادر أنقذ 15 ألف مسيحي، الأمر الذي لا يخلو من القليل من المبالغة، إلا أن الأمير يُعتبر مثالا يُحتذى به من قبل المسلمين ومحط إعجاب من قبل الغرب.
في الواقع، عبر الأمير عن شدة غضبه واستنكاره لما قام به الدروز آنذاك بالاعتماد على قوة كلماته، الأمر الذي من الضروري النسج على منواله أثناء التعاطي مع عُبّاد الخلافة، أي تنظيم الدولة. وبطبيعة الحال، لم يكن الغرب “المسيحي” ليتغاظ عن تكريمه آنذاك (على الرغم من تلقيه رسالة تمجيد، مثيرة للاهتمام، من قبل الزعيم المسلم لجمهورية الشيشان المستقلة). علاوة على ذلك، مثّل الأمير رجل “الحوار بين الأديان” الأمثل بالنسبة للبابا فرانسيس.
والجدير بالذكر أن عبد القادر قد تلقى دعوة رسمية لزيارة باريس. كما سميت مدينة أمريكية تيمّننا به، وهي بلدة “القادر” في مقاطعة كلايتون بولاية آيوا، التي لا تزال تحمل الاسم ذاته إلى اليوم ويبلغ عدد سكانها 1273 نسمة. ونظرا إلى أن هذه المدينة أنشئت في منتصف القرن 19، فقد كان من الطبيعي أن يُطلق اسم الأمير عبد القادر عليها، وهو الذي عُرف باحترامه لحقوق الإنسان خلال الفترة التي شهدت استقلال الولايات المتحدة الأمريكية والثورة الفرنسية.
من ناحية أخرى، كان عبد القادر يميل للاطلاع على خبايا الماسونية، في حين يعتقد معظم الخبراء، أنه لم يقدم على الغوص في عوالمها. فضلا عن ذلك، كان الأمير شغوفا بالعلم والعلوم وهو ما دفعه إلى قبول دعوة افتتاح قناة السويس، التي كانت تعد آنذاك مشروعا لغايات تخدم مصلحة الإمبراطورية، عوضا عن مشروع علمي في المقام الأول. وخلال حضوره لهذه الفعاليات، التقى عبد القادر بالمهندس الفرنسي، فرديناند دي لسبس.
في الحقيقة، كان الأمير عبد القادر يعتبر نفسه رجل النهضة الإسلامية، ورجلا مقداما وشجاعا في كل الأوقات، ومسلما لكافة المسلمين. وبالتالي، يمكن القول بأن عبد القادر يُعدّ بمثابة قدوة وليس بقدّيس، كما أنه يجسد روح الفيلسوف وليس الكاهن.
ينحدر الأمير عبد القادر من الجزائر، الدولة الشقيقة لليبيا، مسقط رأس سلمان العبيدي وعائلته. وقد توفي عبد القادر في سوريا، التي شهدت مؤخرا العديد من الهجمات من قبل الطائرات الأمريكية وهو ما دفع سلمان العبيدي إلى القيام بهجوم إرهابي والتسبب في مقتل العديد من الأبرياء في مانشستر، وفقا لما ورد على لسان شقيقته. ومن هذا المنطلق، تتلاشى كل حواجز الجغرافيا والتاريخ، لتصبح جريمة العبيدي في الوقت الراهن أكثر أهمية من حياة عبد القادر، والدروس التي قدمها والمبادئ التي كان يجسدها.
أما بالنسبة لأهالي مانشستر، فبالإضافة إلى وضع وشم “النحل” على أجسادهم أو شراء الزهور، فليقصدوا المكتبة المركزية في مانشستر الواقعة في ساحة القديس بطرس. وهناك، يمكنهم الاطلاع على كتاب “المحارب الرحيم” لإلسا مارستن، أو كتاب “أمير المؤمنين” لجون كايزر، أو الكتاب الذي صدر منذ بضعة أشهر للكاتب مصطفى شريف، تحت عنوان “الأمير عبد القادر: رسول الأُخوّة؟”.
وعلى الرغم من أن هذه الكتب لن تكون بلسما سحريا لشفاء أحزانهم أو للتخفيف من آلامهم، إلا أنها ستجعلهم يدركون أن تنظيم الدولة لا يمثل الإسلام، في حين أن المسلم قادر على كسب احترام العالم أجمع من خلال تبنيه لمبادئ الأخوة وحقوق الإنسان والعدل، على غرار الأمير المقدام عبد القادر.
ترجمة وتحرير “نون بوست”
http://www.watanserb.com/2017/05/28/الإندبندنت-انظروا-إلى-عبد-القادر-الجز/
شهد كل العالم على مذبحة مانشستر وهجوم نيس وباريس، بالإضافة إلى الانتهاكات التي ترتكب في الموصل وسجن أبو غريب وتفجير لندن الذي جد في السابع من يوليو/ تموز. ولكن هل من أحد يتذكر مجزرة حديثة، التي ذهب ضحيتها 288 مدنيا، كان من بينهم العديد من الأطفال، الذين لقوا حتفهم على يد مشاة البحرية الأمريكية، وهل بادر أي شخص بالوقوف لحظة صمت على أرواحهم أو التنديد بالجريمة التي ارتكبت في حقهم.
في مثل هذه الحالة، لا يمكن أن يكون العنف الموازي الحل للتصدي لمثل هذه الوقائع. وللتذكير، طالما نقدم على قصف منطقة الشرق الأوسط عوض العمل على إرساء العدالة هناك سيتم استهدافنا أيضا. وفقا لترامب “عديم الرحمة”، يجب أن نولي أهمية قصوى للإرهاب والإرهاب ثم الإرهاب. أما بالنسبة للأمن، فمن غير الممكن أن نحظى به في صلب بلداننا في الوقت الذي نشجع فيه على قتل الأبرياء في العالم الإسلامي ولا نتوانى عن بيع الأسلحة للدكتاتوريين. ومن هذا المنطلق، في حال آمنا بفكرة الإرهاب، ففي نهاية المطاف سيفوز تنظيم الدولة، ولكن إذا آمنا بالعدالة فسيهزم هذا التنظيم الإرهابي بلا شك.
وفي هذا الإطار، أظن أنه قد حان الوقت لتسليط الضوء على رجل مسلم، وشيخ متصوف، ومحارب مغوار، ألا وهو الأمير عبد القادر، الذي تكفل بحماية شعبه من البربرية الغربية، وحماية المسيحيين من بربرية بعض المسلمين. وعلى هذا الأساس، ونظرا لشجاعته المنقطعة النظير أصرت الجزائر على جلب رفاته من دمشق الحبيبة ودفنه في موطنه الأم. والجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي، أبراهام لينكون قد أهداه زوجا من مسدسات كولت في حين منحه الرئيس الفرنسي وسام جوقة الشرف.
في الحقيقة كان الأمير عبد القادر شغوفا بالعلم ومن أشد المعجبين بالفلاسفة اليونانيين، لذلك منع مقاتليه من تمزيق الكتب. وقد عرف بأنه يؤمن بالدين الذي يقوم على احترام وتقديس حقوق الإنسان. ونظرا لما يشهده العالم من تجاذبات وصراع دامي، أصبحنا في أمس الحاجة للحديث عنه. عموما، لم يكن الأمير عبد القادر “معتدلا” نظرا لأنه قاتل بشراسة ضد الاحتلال الفرنسي في الجزائر. كما أنه لم يكن متطرفا، وخير شاهد على ذلك أنه لطالما كان يتحدث عن المسيحيين والمسلمين على اعتبارهم أخوة، وذلك أثناء اعتقاله في سجن “شاتو أمبواز”.
من جانب آخر، حظي الأمير عبد القادر بدعم فيكتور هوغو واللورد لندنديري وحاز على احترام لويس نابليون بونابرت (في وقت لاحق نابليون الثالث). فضلا عن ذلك، قدمت له الدولة الفرنسية معاشا تقاعديا قدره 100،000 فرنك، وأظن أنه يستحق ذلك المبلغ.
إثر احتلال الفرنسيين للجزائر، قام عبد القادر بن محيي الدين الجزائري (1808-18833) بشن حرب عصابات ضد واحد من أفضل الجيوش المجهزة في العالم الغربي. وقد كانت هذه الحرب ناجعة، حيث كان الفوز حليف عبد القادر في معظم المواجهات. في أعقاب ذلك، قام الأمير عبد القادر بإنشاء دولته الخاصة في غرب الجزائر. كانت دولة مسلمة ولكن عبد القادر وظف ضمن أجهزتها مستشارين مسيحيين ويهود، فضلا عن أنها كانت تقوم بالأساس على إدارات منفصلة (الدفاع، التعليم، إلخ). وقد امتدت هذه الدولة إلى الحدود المغربية.
علاوة على ذلك، قام الأمير عبد القادر بصك عملة خاصة أطلق عليها اسم “المحمودية”. وفي الأثناء، تمكن الأمير عبد القادر من إرساء السلام مع الفرنسيين، ولكنهم سرعان ما خرقوا الهدنة وغزو أراضيه مرة أخرى. من جهة أخرى، عيّن الأمير عبد القادر أحد الكهنة وزيرا مكلفا بالاهتمام بشؤون السجناء الفرنسيين. فضلا عن ذلك، عفى الأمير عبد القادر عن المساجين الفرنسيين حين عجزوا عن توفير الطعام الكافي لهم.
في الحقيقة، قام الفرنسيون بنهب وسرقة المواطنين الجزائريين داخل البلدات التي قاموا بالاستيلاء عليها وذلك لتضييق الخناق على المقاوم الشهم عبد القادر. وإثر هزيمته، استسلم الأمير عبد القادر بطريقة مشرفة، حيث قام بالتخلي عن حصانه للعدو تماما كأي محارب مغوار بعد أن وعده الجانب الفرنسي بأن يتم نفيه للإسكندرية أو عكا. ومرة أخرى لم يتوان الفرنسيون عن خداع الأمير عبد القادر، حيث لم يلتزموا بوعدهم وقاموا بنقله إلى سجن في تولون ومن ثم إلى داخل فرنسا.
خلال وجوده في منفاه في السجن الفرنسي، كان الأمير عبد القادر يبشر بالسلام والأخوة، كما حرص على تعلم اللغة الفرنسية. وقد دأب على الحديث عن حكمة أفلاطون وسقراط وأرسطو وبطليموس وابن رشد. وفي وقت لاحق، ألف عبد القادر كتابا عن الذكاء وهو متاح على كل منصات مواقع التواصل الاجتماعي. وفي الفترة ذاتها، ألف عبد القادر كتابا عن الخيول أكد من خلاله أن أصولها عربية.
وقد تجلت شجاعة عبد القادر الاستثنائية، مرة أخرى، خلال إقامته في دمشق سنة 1860، حيث عاش هناك على اعتباره منفيا مبجلا. وفي تلك الفترة، اندلعت حرب أهلية في لبنان بين الدروز والمسيحيين ووصلت إلى قلب دمشق. وفي الأثناء حاصر الدروز المسلمين الذين يشبهون تنظيم الدولة في قسوتهم، حيث كانوا يحملون السيوف والسكاكين بغية ذبح خصومهم، المسيحيين الذين لاذوا بالفرار من بطشهم.
وفي الأثناء، أرسل الأمير عبد القادر حراسه من المسلمين الجزائريين، أو ميلشياته الخاصة، لشق طريقهم عبر الحشود من الدروز ومرافقة أكثر من 10 آلاف مسيحي إلى الأراضي الواقعة تحت حكمه. وحين وصل الدروز إلى أعتاب بيته مدججين بالسكاكين، استقبلهم بخطاب لا يزال محفورا في ذاكرة المواطنين في منطقة الشرق الأوسط إلى غاية اليوم (على الرغم من التجاهل التام له من قبل الغرب في وقتنا الحالي).
وفي هذا الصدد، صرخ عبد القادر في الحشود وقال: “أيها المساكين، أهكذا تُكرمون النبي؟ فليحل عليكم عقاب من الله ! العار عليكم، العار ! سيحلّ اليوم الذي ستدفعون فيه ثمن ما اقترفته أيديكم…لن أُسلّمكم مسيحيا واحدا فهم إخواني. أخرجوا من هنا أو سأسلط عليكم حراسي”. من جانبهم، أشار المؤرخون المسلمون إلى أن عبد القادر أنقذ 15 ألف مسيحي، الأمر الذي لا يخلو من القليل من المبالغة، إلا أن الأمير يُعتبر مثالا يُحتذى به من قبل المسلمين ومحط إعجاب من قبل الغرب.
في الواقع، عبر الأمير عن شدة غضبه واستنكاره لما قام به الدروز آنذاك بالاعتماد على قوة كلماته، الأمر الذي من الضروري النسج على منواله أثناء التعاطي مع عُبّاد الخلافة، أي تنظيم الدولة. وبطبيعة الحال، لم يكن الغرب “المسيحي” ليتغاظ عن تكريمه آنذاك (على الرغم من تلقيه رسالة تمجيد، مثيرة للاهتمام، من قبل الزعيم المسلم لجمهورية الشيشان المستقلة). علاوة على ذلك، مثّل الأمير رجل “الحوار بين الأديان” الأمثل بالنسبة للبابا فرانسيس.
والجدير بالذكر أن عبد القادر قد تلقى دعوة رسمية لزيارة باريس. كما سميت مدينة أمريكية تيمّننا به، وهي بلدة “القادر” في مقاطعة كلايتون بولاية آيوا، التي لا تزال تحمل الاسم ذاته إلى اليوم ويبلغ عدد سكانها 1273 نسمة. ونظرا إلى أن هذه المدينة أنشئت في منتصف القرن 19، فقد كان من الطبيعي أن يُطلق اسم الأمير عبد القادر عليها، وهو الذي عُرف باحترامه لحقوق الإنسان خلال الفترة التي شهدت استقلال الولايات المتحدة الأمريكية والثورة الفرنسية.
من ناحية أخرى، كان عبد القادر يميل للاطلاع على خبايا الماسونية، في حين يعتقد معظم الخبراء، أنه لم يقدم على الغوص في عوالمها. فضلا عن ذلك، كان الأمير شغوفا بالعلم والعلوم وهو ما دفعه إلى قبول دعوة افتتاح قناة السويس، التي كانت تعد آنذاك مشروعا لغايات تخدم مصلحة الإمبراطورية، عوضا عن مشروع علمي في المقام الأول. وخلال حضوره لهذه الفعاليات، التقى عبد القادر بالمهندس الفرنسي، فرديناند دي لسبس.
في الحقيقة، كان الأمير عبد القادر يعتبر نفسه رجل النهضة الإسلامية، ورجلا مقداما وشجاعا في كل الأوقات، ومسلما لكافة المسلمين. وبالتالي، يمكن القول بأن عبد القادر يُعدّ بمثابة قدوة وليس بقدّيس، كما أنه يجسد روح الفيلسوف وليس الكاهن.
ينحدر الأمير عبد القادر من الجزائر، الدولة الشقيقة لليبيا، مسقط رأس سلمان العبيدي وعائلته. وقد توفي عبد القادر في سوريا، التي شهدت مؤخرا العديد من الهجمات من قبل الطائرات الأمريكية وهو ما دفع سلمان العبيدي إلى القيام بهجوم إرهابي والتسبب في مقتل العديد من الأبرياء في مانشستر، وفقا لما ورد على لسان شقيقته. ومن هذا المنطلق، تتلاشى كل حواجز الجغرافيا والتاريخ، لتصبح جريمة العبيدي في الوقت الراهن أكثر أهمية من حياة عبد القادر، والدروس التي قدمها والمبادئ التي كان يجسدها.
أما بالنسبة لأهالي مانشستر، فبالإضافة إلى وضع وشم “النحل” على أجسادهم أو شراء الزهور، فليقصدوا المكتبة المركزية في مانشستر الواقعة في ساحة القديس بطرس. وهناك، يمكنهم الاطلاع على كتاب “المحارب الرحيم” لإلسا مارستن، أو كتاب “أمير المؤمنين” لجون كايزر، أو الكتاب الذي صدر منذ بضعة أشهر للكاتب مصطفى شريف، تحت عنوان “الأمير عبد القادر: رسول الأُخوّة؟”.
وعلى الرغم من أن هذه الكتب لن تكون بلسما سحريا لشفاء أحزانهم أو للتخفيف من آلامهم، إلا أنها ستجعلهم يدركون أن تنظيم الدولة لا يمثل الإسلام، في حين أن المسلم قادر على كسب احترام العالم أجمع من خلال تبنيه لمبادئ الأخوة وحقوق الإنسان والعدل، على غرار الأمير المقدام عبد القادر.
ترجمة وتحرير “نون بوست”
http://www.watanserb.com/2017/05/28/الإندبندنت-انظروا-إلى-عبد-القادر-الجز/