محاولة الشيعة الإسماعيلية الأولى لاغتيال صلاح الدين
=========
نَقَمَ الشيعة الباطنية (الحشاشون) على صلاح الدين الأيوبي لأنه أسقط الخلافة العبيدية الفاطمية، وتقدم لبلاد الشام لتوحيده، وضَّمه إلى مصر مما يشكل تهديداً لكيانهم، فتعاون راشد الدين زعيم الحشاشيين في سورية مع كل من الصليبيين والزنكيين للقضاء عليه [13]. وراشد الدين، كبير الإسماعيلية وطاغوتهم وهو أبو الحسن سنان بن سلمان بن محمد البصري الباطني، صاحب الدعوة النزارية الاسماعيلية [14]، كان ذا أدب وفضيلة، ونظر في الفلسفة وأيام الناس وفيه شهامة ودهاء ومكر وغور [15]. وقال عنه الذهبي: وكان سخطة وبلاء متنسكاً متخشعاً واعظاً وكان يجلس على صخرة لا يتحرك منه سوى لسانه، فربطهم وغلوا فيه، واعتقد منهم فيه الإلهية فتباَّ لهم ولجهلهم، فاستغواهم بسحر وسيمياء، وكانت له كتب كثيرة ومطالعة وطالت أيامه [16].
ففي عام 570هـ/1174م عندما توجه صلاح الدين الملك الصالح إسماعيل إلى رشيد الدين، يطلب مساعدته وبذل له أموالاً كثيرة، وعدداً من القرى، ثمناً لقتل صلاح الدين الأيوبي والواضح أن مصلحة مشتركة قد جمعت الطرفين هي العداء لصلاح الدين، أرسل رشيد الدين سنان جماعة من أتباعه الفدائيين إلى المعسكر الأيوبي فاكتشفهم أمير يدعى خمارتكين، فقتلوه، ووصلوا إلى خيمة صلاح الدين في جوف معسكره، وحمل عليه أحدهم ليقتله، فقتل دونه، واستبسل الباقون في الدفاع عن أنفسهم قبل أن يُقتلوا جميعاً. ومن المستبعد أن يكون تحريض كمشتكين هو الدافع الأساسي والوحيد لرشيد الدين، للقيام بتلك العملية، لأنه كان يعمل لأسباب خاصة به، وهو أن صلاح الدين، منذ أن دخل بلاد الشام، أضحى العدو الرئيسي للحركة، لأنه كان يعمل على توحيد أهل السنة هناك الذي من شأنه أن يهدد كيان حركته [17].
المحاولة الثانية لاغتيال صلاح الدين
======
يتوقف رشيد الدين عن محاولات اغتيال صلاح الدين رغم فشل المحاولة الأولى، بل زاد تصميمه، فأرسل في ذي القعدة عام 571هـ/أيار عام 1176م جماعة من أتباعه يتنكرون في زي الجنود، فدخلوا المعسكر الأيوبي أثناء حصار قلعة عزاز، وباشروا الحرب مع جند صلاح الدين واختلطوا بهم يتحينون الفرصة لقتل صلاح الدين وفيما كان الجند مشغولون بحصار القلعة، مَّر صلاح الدين بخيمة الأمير جادلي الأسدي لتشجيع الجند على مواصلة القتال، فهجم عليه أحد الإسماعيلية وضربه بسكينه على رأسه، إلا أن صلاح الدين كان يلبس خوذته الحديدية فوق رأسه، فعاد الرجل وضربه على خدَّه فجرحه، فأمسكه صلاح الدين بيده وحاول تعطيله وهو مستمر في هجومه وضربه إلى أن أدركه الأمير سيف الدين يازكوج وقتله، ثم هجم فدائي ثاني على صلاح الدين، فتصدى له داوود بن منكلان وقتله، ثم هجم فدائي ثالث لتنفيذ المهمة، فاعترضه الأمير علي أبو الفوارس، وطعنه ناصر الدين محمد بن شيركوه وقتله وخرج رابع من الخيمة هارباً، فطارده الجند وقتلوه [18].
وقد تسبب هذا الحادث المفاجئ في اضطراب صلاح الدين حتى أنه فحص جنوده جميعاً، فمن أنكره أبعده، ومن عرفه أقرَّه، وحرص حرصاً شديداً واتخذ تدابير احترازية صارمة وبالطبع، فقد كان للحادث أثر في نفوس الجند، حتى أنهم توقفوا عن القتال أمام عزاز، وخاصة عندما أشيع أن صلاح الدين قد قُتل، وعلى سبيل الاحتياط الشديد ضرب حول سرادقه برجاً من الخشب.
وقد أرسل القاضي الفاضل ليطمئن الملك العادل أخا صلاح الدين فيها على أخيه، ويروي له تفاصيل الحادث الحقيقية [19].
المحاولة الثالثة
===
وهناك قصة مثيرة يرويها المؤرخ كمال الدين نقلا عن أخيه فيقول ان سنان شيخ الجبل أرسل مبعوثا إلى صلاح الدين وأمره ان يسلم رسالته اليه دون حضور أحد فأمر صلاح الدين بتفتيشه وعندما لم يجدوا معه شيئا خطيرا أمر صلاح الدين بالمجلس فانفض ولم يعد ثمة سوى عدد قليل من الناس، وأمر المبعوث ان ياتي برسالته، ولكن المبعوث قال: "امرني سيدي الا أقدم الرسالة الا في عدم حضور أحد" فامر صلاح الدين باخلاء القاعة تماما الا من اثنين من المماليك يقفان عند رأسه وقال: "ائت برسالتك"،
ولكن المبعوث اجاب: "لقد أمرت بالا أقدم الرسالة في حضور أحد على الإطلاق"
فقال صلاح الدين:"هذان المملوكان لايفترقان عني، فاذا أردت فقدم رسالتك والا فارحل"
فقال المبعوث:"لماذا لاتصرف هذين الاثنين كما صرفت الاخرين؟" فأجاب صلاح الدين:" انني اعتبرهما في منزلة أبنائي وهم وأنا واحد"
عندئذ التفت المبعوث إلى المملوكين وسألهما:" اذا امرتكما باسم سيدي ان تقتلا هذا السلطان فهل تفعلان؟" فردا قائلين 'نعم' ، وجردا سيفهما وقالا:"امرنا بما شئت" فدهش السلطان صلاح الدين وغادر المبعوث المكان وأخذ معه المملوكين
أسلوب صلاح الدين في تأديب الإسماعيلية
=======
سل صلاح الدين إلى رشيد الدين سنان يتهدده فرد عليه زعيم الحشاشين بهذه الأبيات:
ـــا للرجــال لأمــر هــالَ مقطعُــهُ *** مـــا مــرَّ قـطُّ علـى سمعـي توقُّعُـهُ
فإذا الذي بقراعِ السيــــف هـدَّدنا *** لا قام مصرع جنبي حين تصرعُـهُ
قـــام الحمَــامُ إلى البـازي يُهـدَّدُهُ *** واستيقظــت لأســود البَـــرَّ أُصبعه
وقفت على تفصيل كتابكم وجُملهِ،وعلمنا ما هدَّدنا به من قوله وعمله، فبالله العَجَبُ من ذبابة تطنُّ في أذُن فيل، وبعوضة تُعَدُ في التماثيل، ولقد قالها من قبلك قوم فدمّرنا عليهم، وما كان لهم من ناصرين، أَلِلْحَقِ تدحصون وللباطل تنصرون؟ وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، ولئن صدر قولك في قطع رأسي، وقلعِكَ لِقِلاعي من الجبال الرواسي، فتلك أمانيُّ كاذبةٌ، وخيالات غير صائبة، فإن الجواهر لا تزول بالأعراض، كما أنَّ أرواح لا تضمحل بالأمراض، وإن عُدْنا إلى الظاهر وعَدَْنا عن الباطن فلنا في رسول الله أسوةٌ حسنة "ما أوذي نبي ما أوذِيْت " [20].
وقد علمت ما جرى على عنزته وشيعته، فالحال ما حال والأمر ما زال، وقد علمتم ظاهر حالنا، وكيفيَّة رجالنا، وما يتمنوَّنَهُ من الفوت ويتقربون به من حياض الموت، وفي المثل: أو للبطَّ تُهدَّوُ بالشطَّ؟ فهيَّئ للبلايا أسباباً، وتدرَّع للرَّزايا جلباباً، فلأظهرن عليك منك، وتكون كالباحث عن حتفه بظلفه، وما ذلك على الله بعزيز، فكن لأمرنا بالمرصاد وإقرأ أوّل النّحل وآخرص [21].
مواجهات صلاح الدين مع الحشاشين بعد محاولات الاغتيال الفاشلة
===
أخذ صلاح الدين بالاحتراز الشديد، حتى أنه ضرب حول سرادقه برجاً من الخشب [22]، وكان للحادث أثر بالغ في نفوس الجند الذين اضطربوا وتوقفوا عن القتال أمام عزاز، واضطرب أمر الناس أيضاً، حين شاع في البلاد أن صلاح الدين قد قُتل، فاضطر صلاح الدين، عندئذ إلى الطواف بين جنده ليشاهده الناس، كما أرسل القاضي الفاضل كتاباً إلى الملك العادل، أخي صلاح الدين، يطمئنه فيه ويروي له حقيقة الحادث [23].
وصمم صلاح الدين على أن يضع حداً لهذه الحركة التي وضح خطرها في بلاد الشام، وجهز حملة عسكرية في شهر محرم عام 572هـ/شهر تموز عام 1176م، فحاصر حصونهم ونصب المجانيق الكبار عليها وأوسعهم قتلاً وأسراً وساق أبقارهم وخَّرب ديارهم، وهدم أعمارهم وهتك أستارهم حتى شفع فيهم خاله شهاب الدين محمود تكشى صاحب حماة، وكانوا قد راسلوه في ذلك لأنهم جيرانه، فرحل عنهم وقد انتقم منهم [24]، ودمّر قوتهم [25].
قد اضطر الحشاشون إلى التفاهم مع صلاح الدين بعد فشل محاولاتهم المتكررة لاغتياله، وعدم قدرتهم على التصدي لقواته، لذلك فضَّلوا وقوفه على الحياد على أن يكون عدواً مباشراً لهم. ومهما يكن من أمر، لم تشر المصادر التاريخية بعد إبرام الصلح، إلى أي احتكاك بين الطرفين وانفرد ابن الأثير برواية تشير إلى تعاونهما عندما طلب صلاح الدين من رشيد الدين سنان قتل ريتشارد قلب الأسد، وكونراد مونتفيرات صاحب صور، ووعده بدفع الأموال مقابل ذلك، لكن سنان خشي أن يتخلص صلاح الدين من أعدائه فيتفرغ للحشيشة ويقضي عليهم، لذلك اكتفى بقتل كونراد وعدل عن قتل ريتشارد [26].
المصدر: علي الصلابي: صلاح الدين الأيوبي، الناشر: دار المعرفة، بيروت
المزيد : http://islamstory.com/detailes.php?module=artical&slug=الشيعه-محاولات-اغتيال-صلاح-الدين