واشنطن -معا- أعلن الجيش الأمريكي، يوم الخميس، إن 11 جنديا أمريكيا عولجوا من أعراض الارتجاج بالمخ نتيجة الهجوم الصاروخي الإيراني في الثامن من يناير/ كانون الثاني على قاعدة بالعراق تتمركز فيها قوات أمريكية.وقال الكابتن بيل أوربان المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية في بيان "بينما لم يُقتل...
ربما شاهد متابعون كثيرون المقابلة التي أجراها تلفزيون العربي مع محقق المخابرات المركزية الأميركية، ومؤلف كتاب "استجواب الرئيس"، جون نيكسون، الذي كان مكلفاً بالتحقيق مع الرئيس العراقي الراحل، صدّام حسين، ضمن برنامج في رواية أخرى الذي يقدمه الإعلامي وائل التميمي. وبغض النظر عن تفاصيل كثيرة وردت في تلك المقابلة، إلا أن المقطع الأشهر الذي انتشر بشكل سريع هو حديث نيكسون عن الرئيس الراحل بإعجاب، وأيضا وصفه رموز الطبقة السياسية في العراق بأنهم لا يستحقّون مسح حذاء صدّام حسين.
ليس المقام هنا الدفاع عن الرئيس العراقي الراحل، أو الهجوم عليه، وليس كذلك تقييم الشهادة المهمة التي أدلى بها المحقق الذي كان مسؤولاً عن استجوابه، فذلك سيبقى للتأريخ، وسيبقى عرضة لتمحيصٍ وتدقيقٍ كثيريْن، ولكن الأهم هو حديثه عن الطبقة السياسية الحاكمة في العراق اليوم" الذين لا يستحقون أن يمسحوا حذاء صدام حسين"، كما قال المحقق الأميركي.
يمر العراق اليوم بواحدةٍ من أكثر مراحل تاريخه السياسي الحديث تعقيداً، فهذه الطبقة السياسية التي جاءت بها الولايات المتحدة الأميركية عقب احتلال العراق عام 2003، وساعدتها إيران لتجثم على صدر العراقيين 16 عاماً، حوّلت العراق إلى واحد من أكثر البلدان فساداً، ناهيك عن أنها تحولت إلى مولّد للمشكلات الداخلية بفعل فسادها وعمالة جزء لا يستهان بها من رموزها؛ لإيران.
السؤال الذي يكبر كل يوم، لماذا جاءت بهم أميركا، وهم الذين لا يستحقون أن يمسحوا حذاء عدو أميركا، صدّام حسين؟ لماذا دافعت عنهم أميركا طوال هذه السنوات، وما زالت، وهي تعلم أنها طبقة سياسية فاسدة بل عميلة، كما تقول أميركا لعدوتها إيران؟ لماذا سمحت لهذه الطبقة السياسية أن تعيث فساداً وخراباً ودماراً في العراق؟ هل يعقل أنها لم تكن تعرف عمالة كثيرين منهم لعدوتها إيران؟ هل يعقل أنها لم تعرف أنها طبقة فاسدة باعت العراق في سوق الخردة لكل من يشتري؟ قطعاً، أميركا تعرف من أي طينة هؤلاء، فهي التي رعت كثيرين منهم، وهي التي تآمرت مع إيران، عدوتها، لاحتلال العراق، ولكن يبدو أن المخطط الأميركي كان يقضي
"لماذا جاءت بهم أميركا، وهم الذين لا يستحقون أن يمسحوا حذاء عدو أميركا، صدّام حسين؟"
بتحويل العراق إلى بلد فاشل، تتشعب فيه المشكلات وتتعقد، حتى ليخال لك أنها غير قابلة للحل.
اليوم على العراقيين أن يعيدوا ترتيب صفوفهم، وأن تتمايز هذه الصفوف، فليست أميركا جمعية خيرية تقدم خدماتها للشعوب المضطهدة التي تتظاهر ضد حكوماتها الفاسدة، ولا إيران ترغب في أن ترى العراق سيداً يحكم نفسه، لذا فلا مجال اليوم سوى بالالتفاف حول جمع الشباب العراقي الذي يتظاهر منذ أكثر من شهرين في الساحات، والذي أعلن عن نفسه بأن ثورته ثورة شعب، لا ثورة أميركا ولا ثورة إيران.
لا يمكن اليوم القبول بدعوة إخراج القوات الأميركية من العراق، من دون أن تسبقها دعوة إلى إسقاط كل التبعات التي ترتبت على العملية السياسية التي قادتها الولايات المتحدة عقب الغزو.
ولا مجال اليوم للحديث عن إخراج القوات الأميركية قبل أن يستردّ العراق سيادته الفعلية، وعندما تكون له حكومة منتخبة من العراقيين، لا حكومة جاءت بها انتخابات مزوّرة، ولم تصل نسبة المشاركة الكلية فيها أكثر من 17% كما جرى في انتخابات 2018.
نعم قد ينجح مقتدى الصدر في إخراج مليونية طرد القوات الأميركية إلى الشوارع الجمعة المقبل، ولكن حتماً ستنتهي هذه المليونية المتلونة بعد ساعة من انطلاقتها، وستعود ساحة التحرير إلى شبابها المعتصمين منذ أكثر من شهرين، الشباب الذي يحاول أن يعيد للعراق هويته، بعيداً عن أميركا وإيران.
الطبقة السياسية في العراق، كان يمكن لها أن تجعل من صدّام نسياً منسيا، لو أنها عملت على تغيير واقع العراقيين ولو بنسبة 1%، غير أن ما جرى عقب 16 عاماً على إسقاط صدّام حسين ونظامه، أن العراقيين صاروا يترحمون على ديكتاتورهم، ليس حبّاً بعهده، ولكن بغضاً وكرهاً بعهد من جاء بعده ممن فشلوا، حتى أن يعيدوا بناء شارع أو يرمّموا مستشفى أو يشيدوا مدرسة.
التاريخ لا يرحم، وكما وقف هذا التاريخ بالمرصاد لصدّام حسين وحاكمه على كثير مما فعل، فإنه سيقف وقفة طويلة أمام طبقة سياسية لم تجد في العراق إلا غنيمة، طبقة سياسية أذكت طائفية مقيتة، وكانت مسؤولة عن بشاعات وجرائم قتل واختطاف وترويع وتغيير ديمغرافي، طبقة سياسية أثرت على حساب أبناء العراق، وصار لقادتها أرصدة تتورّم مع كل يوم من أيام بقائهم بالسلطة.
اليوم بات العراق أمام مفترق طرق، فإما أن يخرج وينعتق من ربقة احتلال سياسي بغيض قاده ليكون الأسوأ بين بلدان المنطقة والعالم، أو أن تتمكّن هذه الطبقة السياسية التي لا تستحق أن تمسح حذاء صدّام، من البقاء وقتا أطول لتقضي على ما تبقى من بلد عمره يمتد إلى أكثر من سبعة آلاف عام.