قاتلوا بلادهم ثم حكموها
د. باهرة الشيخلي
لم أجد في ما قرأت أو سمعت أن أشخاصاً يقاتلون بلادهم مع أعدائها وينفذون أبشع الجرائم عبر تفجيرات يستهدفون بها مواطنيهم، ثم يحكمون بلادهم ويخربونها ويسومون مواطنيها سوء العذاب والإبادة، ويظل ولاؤهم للبلد الذي قاتلوا بلادهم معه، كما يحصل في العراق الآن.
كانت هذه الحقيقة لا يعرفها إلاّ بعض العراقيين، ثم توسعت، ثم لم يبق من مكذبي هذه الحقيقة إلاّ القليل من المخدوعين، ثم جاءت مطالبة إيران للعراق بتعويضات لم يقرها قرار دولي قيمتها تريليون و100 مليار دولار، ففضح هؤلاء أنفسهم عندما انبروا بكل ما أوتوا من قوة ليدافعوا عن إيران ومطلبها رغم أنهم هم من يحكم العراق الآن.
يتناقل العراقيون هذه الأيام مقولة للرئيس الإيراني الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني، وأخذوا يرددونها، كمن كان نائماً واستيقظ، بعد فوات الأوان، يقول رفسنجاني “منذ أن شاهدت المعارضة العراقية الموجودة في إيران كيف تعدم الأسری العراقيين وتعذبهم أيام الحرب الإيرانية العراقية بدأت أشكك في وطنيتي وولائي لإيران بسبب ولاء هؤلاء ووطنيتهم لإيران بنحو يفوق العقل والتصور”.
ونقل الكاتب السياسي نزار السامرائي، الذي ظل أسيراً في معسكرات الأسر الإيرانية عشرين سنة، في كتابه “في قصور آيات الله” قصصاً مرعبة عن حفلات التعذيب التي كان يقيمها من جاء إلى حكم العراق من الأحزاب الشيعية للأسرى العراقيين، ويسحرك أسلوب الكتاب، فأنت عندما تقرأه تشعر وكأنك ترى فيلماً سينمائياً أو أن ما جرى يجري أمامك على أرض الواقع، وسرد الأسرى العائدون من إيران قصصاً عن التعذيب الذي كانوا يتلقونه على يد آية الله محمد باقر الحكيم، الذي قضى في سيارة ملغومة يوم 29 أغسطس 2003 بعد فراغه من صلاة الجمعة في مرقد الإمام علي بن أبي طالب في النجف، وعلى يد هادي العامري وعناصر فيلق بدر.
ربما لا يعرف الكثيرون أن مهمة تعذيب الأسرى العراقيين في إيران أوكلت إلى محمد باقر الحكيم وشقيقه عبدالعزيز، أما عمار فقد كان جندياً ضمن قوات ما يسمى “التعبئة” التي بسبب تطوعه فيها أعفي من الخدمة العسكرية بعد أن منح الجنسية الإيرانية التي تستوجب أن يخدم ضمن القوات الإيرانية.
وعندما احتاجت إيران إلى من يقوم بالتحقيق مع الأسرى وتنفيذ عمليات التعذيب استدعت محمد باقر، الذي كان مقيماً في سوريا وكلفته بتأسيس “فيلق 9 بدر” والرقم 9 يعني أنه الفيلق التاسع ضمن فيالق القوات الإيرانية.
وما لا يعرفه الكثيرون أن عادل عبدالمهدي، الذي استوزر في العراق بعد الاحتلال، واحتل منصب نائب رئيس الجمهورية، التحق ضمن لجان التحقيق كونه يجيد اللغة الفارسية، ومعه الضابط الطيار الذي هرب بطائرته العراقية إلى إيران طلال العبيدي المعروف في إيران بـ”أبوحسين الطيار”، والذي قضى عشرين سنة في تعذيب الأسرى العراقيين في إيران وتولى مهمة التحقيق مع الضباط الأسرى، ثم عاد بعد الاحتلال ليعين سفيرا للعراق في صنعاء فمديراً لإدارة وزارة الخارجية.
ونفذت لجان التحقيق مع الأسرى أقذر أنواع التعذيب منها قلع الأظافر والدفن في الثلج في فصل الشتاء، والصعق بالكهرباء، أما الضرب بـ”الكيبلات” والعصي فهو مقدمات لكل تعذيب.
لم يكن العراقيون يصدقون هذه القصص ويعدونها نوعاً من التسقيط السياسي يمارسه نظام صدام حسين ضد أحزاب مناوئة له، ولكنهم صدقوها، بعد فوات الأوان، عندما أخذت هذه الأحزاب تعذبهم بأبشع مما عذبت أبناءهم الذين كانوا أسرى في معتقلات إيران، أو قصور آيات الله، كما سماها تهكماً نزار السامرائي.
وفي مقطع فيديو يتداوله العراقيون، منذ مدة، على شبكات التواصل الاجتماعي، يظهر النائب الإيراني نادر قاضي بور متباهياً بقتل 700 أسير عراقي، خلال ساعات، إبان حرب الخليج الأولى، ويقول “كنت مع مجموعة مكونة من 13 شخصاً عندما وقع في أيدينا 700 أسير وقررت قتلهم وتصفيتهم وذلك من أجل الثورة ومن أجل الإمام الخميني”، ومن ثم قال مخاطبا الجالسين “ربما يكون بينكم من لم يذبح دجاجة أو خروفاً ولكن أنا عملتها من أجل الثورة والإسلام والإمام الخميني”.
وكان المنفذون مع بور، المقرب من خامنئي، والذي كان قائداً في الحرس الثوري خلال حرب الخليج الأولى، عناصر عراقية منتمية إلى الأحزاب الشيعية.
وهذه الجريمة واحدة من مئات الجرائم التي ارتكبها نظام الولي الفقيه الفاشي بحق الأسرى العراقيين، وهو نفسه النظام الذي ينبري، الآن، وكلاء إيران في العراق للدفاع عنه، بل والمطالبة بكل وقاحة بتعويضه.
وكان من أشرس المدافعين وأشدهم حماسة القيادي في المجلس الأعلى الشيخ جلال الصغير، الذي زعم أن هناك قراراً أممياً يوجب على العراق تعويض إيران، وكذلك النائبة عن ائتلاف دولة القانون عواطف نعمة، التي قالت إن “على العراقيين أن يقدموا أنفسهم قرابين في سبيل إيران لأن العراق لا شيء من دون إيران”.
وهذه ردّ عليها الكاتب والصحافي العراقي منذر آل جعفر بجملة واحدة هي “العراق كل شيء من دون إيران”