حكومة عراقية بالخلطة الإيرانية
من دون إرادة وطنية، لا يزال العراق مختبرا لتجارب الآخرين.
الخميس 2018/08/23
ليس هناك من هو رجعي محافظ أو تقدمي متحرر
عمليات دفع العراقيين إلى اليأس من إمكانية قيام حكومة وطنية مستمرة.
الغريب في الأمر أن إيران ليست وحدها مَن يقوم بذلك. هناك أطراف عديدة صار الكشف عن تدخلها في الشأن السياسي العراقي أمرا لن يحرجها.
وليس مستبعدا أن تجد تلك الأطراف في نوري المالكي الشخص المناسب لقيادة المرحلة المقبلة بالرغم مما تحوم حوله من شبهات الفساد.
ومن قال أن رائحة الفساد تزكم كل الأنوف. هناك أنوف تتطلع إلى مزيد من الرائحة النتنة إذا ما تعلق الأمر بالعراق. وهي في ذلك لا تختلف عن الأنف الإيرانية التي تسرها الرائحة المنبعثة من امتزاج الدم بدخان الحرائق.
لا يزال العراق ممكنا باعتباره مختبرا لتجارب الآخرين.
فالإرادة الوطنية فيه مغيبة تماما وكل قواه السياسية لا هم لها سوى اقتطاع حصصها من الغنيمة التي هي عبارة عن ثروة العراقيين المنهوبة.
لم تفشل محاولات التغيير لأنها لم تقع أصلا. كل ما وقع هو عبارة عن مناورات جرت من خلالها المزايدة على الوطنية من أجل كسب الوقت أولا وتخدير الشارع الغاضب ثانيا ومن ثم اجبار الخصوم على القبول بتسويات تتعلق بحصة هذا الطرف أو ذاك.
لا شيء سيدخل في جيب الشعب. بل ستبقى الأوضاع على ما هي عليه بعد أن يتم التراضي ويستيقظ النائمون على صيحة الديك الإيراني.
تأخر العراقيون في الوصول إلى مرحلة اليأس المطلق.
لذلك لن يصدق سياسيو الطوارئ أن أحدا في إمكانه أن يزيحهم من دائرة الحكم التي يجولون فيها براحة ودعة واطمئنان. هناك أطراف عديدة غير إيران تعهدت بحمايتهم وهي ذات الأطراف التي تعمل على وصولهم إلى مواقع كراسيهم.
ليس هناك يمين أو يسار في العراق. ليس هناك من هو رجعي محافظ أو تقدمي متحرر. كما أنه ليس هناك من هو عقائدي أو عملي. كل الذين وقع الاختيار عليهم للعمل في إدارة العراق سياسيا متشابهون في كل شيء.
إنهم انتهازيون، تابعون، نفعيون، خاضعون لكل ما يُملى عليهم، متطلعون إلى سلطة تتيح لهم الحصول على امتيازات لا يتمتع بها سياسي في العالم، حريصون على الوصول إلى أقصى ما يتيحه لهم المنصب من فرص للاستلاء على الأموال السائلة. إنهم خدم لقراصنة قاموا باختطاف سفينة محملة بالكنوز انحصرت مهمتهم في نهب تلك الكنوز أمام أعين أسيادهم القراصنة.
لذلك فإن الحديث عن صفات من نوع "شيعي" و"سني" و"كردي" هو نوع مبتذل ورخيص من الهذر الذي لا معنى له. فبعدما طفحت الحقائق على السطح وتبين أن الشيعي جائع ومحروم في ظل حكومة شيعية وأن الكردي فقير ومشرد في ظل استقلال الإقليم بحصته من الثروة العراقية وأن السني مشرد ونازح في ظل تمتع ممثليه بحماية إيرانية فإن القبول بتمثيل المكونات من قبل السياسيين لم يعد ممكنا وأن وجودهم في السلطة فقد شرعيته الصورية.
ما هو حقيقي أن كل الأطراف السياسية في العراق هي اما إيرانية الولاء أو هي إيرانية الهوى عن طريق وكلاء اقليميين.
وليس صحيحا ما يُقال من أن تيارا سياسيا عراقيا يرغب في الانفصال عن إيران نهائيا. ولو كان الامر كذلك لأعلن ذلك التيار عن عزوفه عن المشاركة في عملية سياسية يديرها زعيم فيلق القدس في الحرس الإيراني قاسم سليماني.
صمتُ الجميع يعني الموافقة وقد يعني الأسوأ وهو الخضوع.
فهل سينتظر العراقيون أن تُشكل حكومتهم مرة أخرى بالخلطة الإيرانية؟ ما يعني أن إيران ستظل تهيمن على العراق لأربع سنوت مقبلة.
أعتقد أن الكواليس السياسية ستنجب حكومة من ذلك النوع. لن تخيب تلك الحكومة آمال العراقيين بل ستقمعها بجدارة. ذلك لأن الخلطة الإيرانية المقترحة هذه المرة ستكون شيعية سنية كردية ملفقة
بقلم الصحفي فاروق يوسف