آفاق التطور من الميني إلى الميكرو

a_aziz

عضو
إنضم
23 ديسمبر 2007
المشاركات
9,400
التفاعل
266 0 0
العميد الركن المهندس- حشمت أمين عامر
طائرات بدون طيا ر RPVs تطلق من الكتف

تعتبر الطائرة بدون طيار (RPV) من الإنجازات التكنولوجية الهامة التي دعت له الحاجة الملحة، التي ساعدت بدورها على تسارع التطور والإنجاز بصورة ملحوظة.
وكانت إسرائيل من الدول السباقة فى هذا المجال، بل إنها فرضت نفسها حتى على أمريكا وأجبرتها على عقد صفقات معها عندما أنبهر قادتها بإنجازات إسرائيل في هذا المجال.



أعلنت إسرائيل مؤخراً عن تصنيعها طائرة بدون طيار طراز ميكرو تطلق من الكتف ويشغلها جندي واحد، الأمر الذي يمثل منعطفاً حاداً في حرب المدن، حيث يمكن إطلاقها من حارة صغيرة أو من أحد شبابيك المباني بصورة تمثل ثورة في تكتيكات التطبيق والاستخدام دعت إليها مواجهة الانتفاضة الفلسطينية التي شحذت مفكرى إسرائيل لتطوير مثل هذه اللعبة التكنولوجية المتقدمة، والتي أطلقت عليها أسماء كودية مثل: (قنبرة السماء) و (نورس البحر).
وفي حرب العراق، زاغت عيون الأمريكان لهذه الطائرات الصغيرة جداً، واشترت عدداً منها واستخدمته في الآف الطلعات، إذ لاشك في أنها كالغريق الذي يستنجد بأى قشة في مواجهة أمواج المقاومة العراقية الشديدة.


الدروس المستفادة


يسجل التاريخ أن إسرائيل كان لها قصب السبق في إنتاج واستخدام الطائرات الموجهة بدون طيار (RPV) ، ولكنها لم تبدأ جدياً في عملية التطوير إلا بعد حرب أكتوبر 1973م، وذلك بعد تحليل نتائج الحرب وتقرير الدروس المستفادة من نتائجها. لقد تأكد الخبراء أن تلك الطائرات الصغيرة التي تماثل الدمية التكنولوجية كان يمكنها الكشف بدقة عن بطاريات صواريخ سام المصرية التي أثبتت وجودها بشكل رائع ومتكرر وغير متوقع، حيث كان يمكن لتلك الطائرات (RPV) رصد الاضطراب في أرض المعركة للقوات الإسرائيلية، وعلى سبيل المثال فإن طابوراً من المدرعات الإسرائيلية قد تم تدميره بالكامل لأنه تورط في مدى الصواريخ المصرية المضادة للدبابات، يقول (إسحق رابابورت) أحد المتخصصين في برامج الطائرات (RPV) فى رنة ألم واضحة: "لو كان عندنا فوق رؤوسنا في سيناء تلك الطائرات الصغيرة لأمكنها توضيح الموقف الحقيقي على أرض المعركة، ولكان من الممكن إنقاذ المئات من المدرعات وأطقمها وإنقاذ الدماء الإسرائيلية".


إنجاز يماثل الهبوط على سطح القمر


لقد تحققت أهم الإنجازات في مجال الطائرات بدون طيار Rpv على يد المهندس اليهودي الامريكي (الفين إليس)، الذي هاجر إلى إسرائيل بعد حرب 1967م، الأمر الذي بسببه أخذت إسرائيل الريادة الحقيقية عالمياً في هذا المجال؛ ففي صباح يوم من شهر فبراير 1974م، وفي إحدى التجارب لتطيير طائرة بدون طيار (Rpv) مركب عليها كاميرا تصوير، بدت على الشاشة الأرضية صورة حادة الوضوح لراكب دراجة على طريق المطار، وكان المنظر مثيراً تماماً، وصاح أحد المشاهدين بأن هذا المنظر يماثل تماماً منظر الخطوات الأولى لرائد الفضاء الأمريكي أرمسترونج لحظة هبوطه على سطح القمر !! وبعد ذلك شاهد الحاضرون الضيوف شيئاً أكثر إثارة على مستقبل الطائرة يؤكد نجاحها في عملها الاستخباري، إذ شاهدوا سيارة تسير على الطريق وتتجاوز سيارة أخرى بصورة واضحة، وتفاءل الجميع بأنه سوف يأتي اليوم الذي يمكن فيه قراءة لوحات السيارات أو عناوين صحيفة يقرأها شخص على الأرض، وذلك من ارتفاع يقترب من الميل.
وكان ضمن الحاضرين (اكيفا ماير) - وهو أحد مديري شركة (تاديران) - واستهواه ما شاهده تماماً، فتبنت الشركة هذا الاختراع ليتم إنتاج الطائرة (ماستيف)، واعتبرها الإسرائيليون "كلب صيد في السماء"، وأطلق عليها البعض اللعبة التكنولوجية المتقدمة التي تقوم بتوفير الاستطلاع الآلي الدقيق والموقوت بإرسال صور الفيديو الحية للحدث فور حدوثه ليلاً أو نهاراً.


مشبك الورق العسكري


غير أن التصوير الآلي ليس الاستخدام الوحيد لتلك الطائرة الصغيرة، والتي سماها (ملفين بيرلى) مساعد وزير البحرية الأمريكية (مشبك الورق العسكري في المستقبل)، ويعني ذلك أن لها أكثر من مائة استخدام، حيث يمكن أن تعمل كملاحظ للأهداف الأرضية ويمكنها ركوب الأشعة الرادارية لتدمير هوائيات الرادار، علاوة على الاستطلاع الكيماوي وإضاءة الأهداف بالليزر. وأهم إنجاز يتمثل في حمل أجهزة الرؤية الحرارية Flir لمراقبة أرض المعركة ليلاً.
وقد قرر البنتاجون عام 1974م أنه يحتاج فعلاً إلى طائرات بدون طيار، ليست قادرة فقط على الاستطلاع ولكن لتحديد الأهداف وإضاءتها بأشعة الليزر وتحطيمها بالأسلحة الذكية، مثل كوبرهيد. وطوال عشر سنوات فشلت كل الفروع العسكرية الأمريكية في وضع طائرة Rpv في الخدمة المؤثرة حتى عام 1984م، واتخذ الأسطول الأمريكي قراراً سريعاً بشراء نظام (ماستيف) الإسرائيلي!!


حرب لبنان والانبهار الأمريكي


تمكنت إسرائيل في الأيام الأولى من حرب لبنان من تدمير كل مواقع الصواريخ السورية سام - وعددها 28 - في وادى البقاع، وكان هناك تخمين عن سلاح سري، ولم ينطق الإسرائيليون بشيء عنه لزيادة الغموض حوله. وقد علم البنتاجون بالفعل أن سر النجاح الإسرائيلي يقع في الاستخدام الرائع لطعم جوي لخداع رادارات سام باستخدام رؤوس حربية ذكية وطائرات Rpv ما ستيف وسكوت. ولم تكن الطائرات الصغيرة Rpv وهي تتسكع غير مرئية ترسل صوراً واضحة فورية لمواقع الصواريخ المموهة فقط، بل كانت تقدم صوراً حية لأعمال التدمير، وكانت الصور الدقيقة ترسل حتى مكاتب القيادة العامة الموجودة في تل أبيب، وكان (آريئيل شارون) - وزير الدفاع وقتها - يدير القنوات ليشاهد مدافع منظمة التحرير الفلسطينية المضادة للطائرات فوق السطوح في بيروت والطائرات السورية تترنح في ممراتها، علاوة على حركة المدرعات والدبابات في جبال لبنان.
وكانت لبنان أيضاً مكاناً لتأكيد الانبهار الأمريكي بالطائرات الإسرائيلية RPV، حيث قام (ز.كيلى) القائد العام لقوات المارينز بزيارة لقواته النازفة، وذلك يوم 25 أكتوبر 1983م - أي بعد يومين من قتل 241 جندياً في عملية التفجير الانتحاري لمكاتب قيادة المشاة البحرية في المطار - وقامت إسرائيل باستخدام طائرات Rpv غير مرئية بالطيران على ارتفاع 5000 قدم فوق الرؤوس أثناء زيارة كيلي، ولم يتم رصدها لأنها مصنوعة من الفايبر جلاس. ومن خلال فقاعة بلاستيكية في بطنها كانت هناك كاميرا بعدسة (زووم) تمعن النظر لتأخذ منظراً رائعاً للجنرال الزائر، ثم رحلت الطائرة خلسة كما جاءت وهبطت في شبكة مقامة خارج محطة تشغيلها الأرضية التي تبعد 50 ميلاً. وبعد عودة الجنرال كيلي لإسرائيل عرضت أمامه السلطات العسكرية الإسرائيلية شريط فيديو، لا شك أنه وجده مثيراً للأعصاب وباعثاً على الانبهار، فلقد تم تصويره أثناء جولاته خارج الثكنات في بيروت، وكان ذلك دافعاً قوياً لإصرار الأسطول الأمريكي على إبرام عقود شراء الطائرات الإسرائيلية سكوت عام 1984م.



السهم الفضي ونورس البحر


عرضت إسرائيل في معرض الطيران الفرنسي عام 2003م طائرات بدون طيار تطلق من الكتف إنتاج قسم السهم الفضي Silver Arrow بتمويل من شركة البت Elbit. وكلا الطرازين مصمم أساساً لمواجهة مطالب العمليات التكتيكية والفردية، وكلاهما يزن 5ر5 كيلو جرامات بسرعة طيران (20-40) عقدة، ونصف قطر العمل 10 كيلو مترات، ويمكن إطلاقها وتشغيلها بالسيطرة من بعد بواسطة وحدة تكتيكية محمولة فردياً.
ويطلق على أكبر الطرازين اسم (قنبرة السماء) Sky Lark، ويمكن حملها على ظهر جندي مشاة حيث تطلق يدوياً. ويبلغ عرض الجناحين 4ر2 متر وطولها 2ر2 متر، والجسم مصنوع من الفايبر جلاس. ويمكنها حمل كاميرا تليفزيونية أو مستشعرات للرؤية الأمامية الحرارية Flir، وذلك في مستودع صغير أسفل الجسم، ويمكن للطائرة العمل من خلف التلال وفي أغراض حراسة الحدود والسياج العازل، علاوة على حراسة الشواطئ ومراقبة المتسللين، وتصل مدة بقائها في الجو حوالي 120 دقيقة.
أما طائرة الطراز الثاني - ويطلق عليها (نورس البحر) Sea-Gull - فإنها تبقى فى الجو حتى 6 ساعات، وعرض أجنحتها 14ر2 متر، ولا يزيد الطول عن 80 سم، كما يمكنها حمل كاميرا تليفزيونية ملونة أو نظام للرؤية بالأشعة تحت الحمراء، وكلا الطرازين مزود بقناة معلومات متطورة إنتاج (تاديران) أطلق عليها Star-Link تعمل بنظام القفز الترددي في مدى عمل 10 كيلو مترات.


وقنبرة أخرى من رافائيل


عرضت شركة رافائيل Rafael الإسرائيلية في معرض باريس للطيران عام 2003م طائرة أخرى صغيرة جداً اسمتها أيضاً قنبرة السماء Sky Lark، وهي طائرة بدون طيار تحمل على الكتف، وقد تطلق من علبة محكمة Canister بواسطة صاروخ معجل، وتعتبر رصيف استطلاع يتسكع ببطء فى السماء، ويبلغ طولها 110 سم، وعرض الجناحين 150 سم، ونصف قطر عملها 10 كم، وزمن بقائها في الجو حتى 90 دقيقة، وتمتاز بقدرة عالية على تمييز أهدافها، في حين يبلغ وزنها 6 كجم. وقد صممت الطائرة (RPV) للعمل بصورة مستقلة مع أفراد المشاه على المستوى التكتيكي، وتعمل بواسطة فردين يمثلان طاقماً، يحمل كل من الفردين طائرة.
وطبقاً لتصريحات المسؤولين بالشركة، فإن سيناريوهات الطائرة متعددة، حيث تشمل: إطلاقها مباشرة في أرض المعركة، في حين تطلق رأسياً خلال حرب المدن، كما يمكن إطلاقها من الأماكن المقفولة - مثل شباك مبنى أو من أحد الأزقة والحواري - علاوة على إمكانية إطلاقها من المركبات المتحركة؛ ولا يتطلب الطاقم أي معاونة خارجية أثناء العمل، حيث يشكل عدم الحاجة إلى أي دعم لوجستي ميزة كبيرة، فهى طائرة تتميز بأن طول الذيل الإداري لها يساوى صفراً.
وهي ميزة تميزها عن بقية الطائرات الميني الموجودة على الساحة، مثل الطائرة الألمانية Aladin التي تطير على ارتفاع (30-200) متر بسرعة (45-90) كم-ساعة، وزمن بقاء حوالي 60 دقيقة، والطائرة الأمريكية عين التنين Dragon Eye.


تهافت أمريكي


إذا كانت إسرائيل قد طورت تلك الطائرات "الميكرو" التي تطلق من الكتف خصيصاً من أجل مواجهة الانتفاضة الفلسطينية كوسيلة استطلاع، فإن ذلك لم يذهب سدى، بل استفادت منه إسرائيل كثيراً، حيث ثبت استخدامها في أعمال الاستطلاع والرصد لرجال المقاومة بإرسال الصور الآلية وقتياً، الأمر الذي مكّن من اصطياد العديد من رجال المقاومة بالصواريخ. ويقر الخبراء بوجود العشرات من تلك الطائرات فى سماء غزة والضفة الغربية على مدى 24 ساعة يومياً.
ولا شك أن الخبراء الإسرائيليين قد قاموا بإغواء الأمريكان بنتائج استخدام تلك الطائرات، مما دفع الأمريكان إلىتوقيع عقود لشراء عشرات منها قامت بالطيران فى سماء العراق آلاف الساعات لتصبح كالقشة التي يتشبث بها الغريق.

لاشك أن الطائرات بدون طيار، والتي تطلق من الكتف مثل (قنبرة السماء) أو (نورس البحر)، تمثل منعطفاً جاداً في اللعب التكنولوجية التي لا يمكن الاستخفاف بها، حيث تفيد كثيراً في تكتيكات حرب المدن، حيث تطلق فردياً من شباك أو من حارة أو زقاق، لتجمع الكثير من المعلومات عن الأخطار القابعة والمتربصة في الظلام الدامس أو على أطراف الحواري أو على جنبات أى بيت، مما يجعلها وسيلة تمشيط آمن قد توفر الأرواح والدماء
منقول من مجلة كلية الملك خالد العسكرية

 
عودة
أعلى