بسام العسلي
خاضت الجيوش الأمريكية في السنوات الأخيرة مجموعة من الحروب، كان من أبرزها حرب كوسوفو 1999م، والحرب الأفغانية 2001م، علاوة على حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت 1991م)، وجرى تصنيف إدارة هذه الحروب جميعاً في إطار (الحروب النظامية التقليدية غير المتماثلة). ومقابل ذلك لم تكن ردود الفعل الدفاعية في مواجهة هذه الحروب الهجومية متماثلة، إذ احتفظت كل حرب بخصائصها المميزة، وكان ذلك برهاناً حاسماً على التمايز في حوار الإرادات المتصارعة تبعاً للعوامل المكونة للصراع المسلح على الجبهتين الهجومية والدفاعية، وإذا ما أضيفت إلى ذلك تجربة حرب القوات الروسية في الشيشان، والحرب الإسرائيلية في فلسطين، فسيظهر بوضوح أن حوار الإرادات المتصارعة هو حوار شديد الاتصال بخلاصة التجارب التاريخية للحروب، إلا أنه في الوقت ذاته حوار يحدد لحروب المستقبل نماذج مميزة للصراع تتجاوز حدود توازنات وأثقال موازين القوى العسكرية التقليدية لتتصل بعدالة قضية الحرب.
1 محاولة التعلم في مدرسة الحرب
عمل الرئيس الأمريكي (جورج بوش) على تقليد أعلى وسام مدني لكل من الحاكم الإداري السابق في العراق (بول بريمر)، والجنرال المتقاعد (توني فرانكس)، والمدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية المركزية (سي آي إيه) (جورج تينت)، وذلك يوم 14 كانون الأول ديسمبر 2004م، على اعتبار أن الثلاثة قد ساهموا بشكل خاص في الأمن القومي والمصلحة الأمريكية العليا والسلام العالمي.
ويُذكر أن (بول بريمر) بقي حاكماً للعراق حتى 28 حزيران يونيو 2004م، حيث عمل يومها على تسليم السلطة للحكومة العراقية المؤقتة. وبهذه المناسبة صرح وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) بالحقيقة التالية: "لقد قللنا قبل الحرب من قوة المقاومة العراقية التي ستواجهها القوات الأمريكية هناك في العراق". وقبل ذلك، وعندما فجّر (أريئيل شارون) انتفاضة الأقصى يوم 28 أيلول سبتمبر 2000م، تعهد الرئيس الأمريكي جورج بوش بالقضاء على الانتفاضة في غضون ثلاثة أشهر، وحصل (شارون) على حرية العمل العسكري الكاملة، وانقضت المهلة المحددة، ولحقت بها مهلة أخرى، فثالثة، ودخلت الانتفاضة سنتها الخامسة، وبقي (شارون) محتفظاً بموقعه وأفكاره وإحباطاته. ويعني ذلك بوضوح أن (شارون) لم يتمكن من معرفة الشعب الفلسطيني وقدراته الكامنة، مثلما فشلت القيادة الأمريكية في معرفة الشعب العراقي وقدراته، رغم توافر مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية والعسكرية والسياسية والاجتماعية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، ورغم وفرة الإنتاج في هذه المراكز لمساعدة القيادات في اتخاذ القرارات الصحيحة.
لقد صرّح الكولونيل الأمريكي (مايك غرير) نائب مدير القيادة المركزية الأمريكية التي تضطلع بمسؤولية الأعمال العسكرية في الشرق الأوسط، والقرن الأفريقي، وآسيا الوسطى بأن الولايات المتحدة أجرت استشارات مكثفة طوال العامين الماضيين مع مجموعة من القادة العسكريين ضمت (26) ضابطاً من (20) دولة من أوروبا، وباكستان، واستراليا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وأمريكا... وسواها، وحملت هذه المجموعة اسم (مجموعة التخطيط الموحدة)، وقدمت نصائح شجاعة وصريحة كان لها أثر بالغ على الاستراتيجية الأمريكية، ولكن وبينما كان (الكولونيك مايك غرير) يدلي بتصريحه هذا يوم 8 كانون الثاني يناير 2005م، كانت الساحة العراقية تشهد تصعيداً خطيراً في الأعمال القتالية، مع إصدار بيانات عن المقاومة بأن الحرب ضد القوات الأجنبية ستستمر حتى يتم إخراجها من العراق، فيما كانت القيادة الأمريكية تؤكد بدورها أن (قوات التحالف) ستمكث في العراق إلى ما بعد الانتخابات طالما بقيت ضرورة لبقائها من أجل ضمان (الأمن والاستقرار).
ويظهر ذلك بوضوح أن الطرف الأمريكي مصمم على التمسُّك بخيار الحسم في حوار الإرادات المتصارعة قدر التزام المقاومة العراقية بخيار الحسم أيضاً حتى بلوغ هدف الحرب، ويحاول كل طرف استثمار أخطاء الطرف الآخر لحمله على تغيير قناعاته، ولإرغامه على تغيير وسائل الحوار. وقد يختلف شكل الحوار وطريقته بين إسرائيل والشعب الفلسطيني أيضاً، غير أن سياسة الحروب بقيت هي المهيمنة وهي المسيطرة على مسارح الصراع وعلى كل الجبهات في العراق وفلسطين كما في أفغانستان والشيشان، فهل هناك ما يمكن تعلمه في مدرسة الحرب الحديثة؟
ربما كان من المحال الإحاطة بذلك الركام الهائل من الأبحاث والدراسات والمؤلفات والمناظرات التي تلاحقت للظهور خلال مرحلة (ما أُطلق عليه اسم الحرب على الإرهاب)، غير أن هذا المجموع الهائل من الجهد الفكري يؤكد حقيقة الحاجة للتعلم من الحرب في إطار تطور حوار الإرادات المتصارعة بطرائقه وأساليبه الجديدة.
ومن هنا، فإن ما تضمنه التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لندن، والذي صدر في 18 تشرين الأول أكتوبر 2004م لا يشكِّل أكثر من نموذج لمحاولة التعلم من مدرسة الحرب العراقية بخاصة. وكان مما تضمنه هذا التقرير الذي سبقت الإشارة إليه ما يلي: "... أصبحت عقول أهل الأرض وقلوبهم موجهة نحو الأرض التي يتم الاستيلاء عليها خلال مرحلة ما بعد الحرب، ويجب على حكومات دول التحالف أن تدرك بأن هذه العملية تحتاج لكثافة بشرية عالية للمحافظة على الأمن وحماية السلام، حيث يحل العامل البشري محل منظومات الأسلحة المشاركة في الحرب، وذلك لتحقيق النجاح، وأصبح لزاماً على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتعلم من تجربة العراق، بأنها تحتاج لقدرة بشرية أكبر، وذات كفاءات عالية ومهارات إضافية للتعامل مع أوضاع ما بعد الحرب؛ فالمجندون وجنود الاحتياط غير المدربين بدرجة كافية، وشركات الجيوش الخاصة المرتزقة لا يمكن أن تضطلع بتنفيذ واجبات جنود القوات النظامية ذات التدريب الجيد.
لقد أمكن التحوُّل بسرعة من حالة الحرب إلى حالة جديدة كانت تحتاج لدعم السكان المدنيين بصورة أساسية . ولم يكن استخدام جنود الاحتياط الذين توافرت لهم درجة محدودة من التدريب، أو مهارات غير مطلوبة هو البديل المناسب عن الجنود الذين تتوافر لهم ظروف التدريب الكامل. وكان لزاماً على الولايات المتحدة أن تتعلم من هذه التجربة التي أبرزتها فضيحة (سجن أبو غريب في العراق)، وأن يكون ثمن هذا الدرس غالياً، كما أن هذا الإدارة الأمريكية أعلنت صراحة عندما قامت بغزو العراق واحتلاله أنها تريد تغيير الوضع القائم في العالم العربي لتحقيق مصالح سياسية واستراتيجية أمريكية، لذلك فمن المرجح أن يؤدي ذلك مباشرة إلى تجنيد مجاهدين وتكثيف دوافع القاعدة، لتشجيع ومساعدة الأعمال الإرهابية. ولقد كان عدد كبار وقادة تنظيم القاعدة في حدود (30) رجلاً، أمكن قتل نصفهم أو اعتقالهم منذ هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001م، لكن هناك أكثر من (20) ألف مقاتل ممن تلقوا تدريبهم على أرض أفغانستان، وهؤلاء مازالوا أحراراً طلقاء ولديهم قدرات ودوافع قوية، بحيث يمكن القول إن مخاطر الإرهاب على الغربيين قد زادت بعد شن الحرب على العراق.
ويظهر من خلال استعراض معظم ما ظهر من أبحاث ودراسات للتعلم من تجربة حرب العراق بخاصة، أن هناك قواسم مشتركة تمارس دورها في توجيه تلك الأبحاث على محاور محددة منها:
أولاً: تجاهل قضية الحرب ذاتها، أو التعرُّض لشرعيتها وعدالتها، أو معالجة أهدافها، والتعامل مع الهجوم على أفغانستان ثم على العراق، باعتبار أن ذلك (قرار سياسي عسكري) لا يقبل الجدل ولا النقاش ولا التقويم.
ثانياً: أن أهداف الأبحاث هو مساعدة القوات على تنفيذ واجباتها بنجاح، وبالحد الأدنى من الخسائر، عبر عمل سياسي واقتصادي وإعلامي وعسكري متكامل، مع التركيز على دور القوات الأمريكية ذات الكفاءة العالية.
ثالثاً: إضفاء صفة (الشرعية) على عمل القوات الأمريكية (أو قوات التحالف)، وحرمان المقاومة من صفتها الشرعية، سواء عبر تصنيفها مع الأعمال الإرهابية أو وصفها بالتمرد أو العصيان، وذلك في محاولة تطوير الحرب إلى أعمال اقتتال محلية (أو حروب أهلية) كما في التجربة الكورية ثم الفيتنامية وأخيراً العراقية.
رابعاً: لقد كان هدف الحرب على العراق هو تكوين القاعدة الصلبة لبناء النظام العالمي الجديد، ولقد تراجع هذا الهدف مرحلياً عن دائرة الضوء، غير أنه بقي ماثلاً بوضوح أمام أنظار صانعي القرارات السياسية العسكرية في البيت الأبيض والبنتاجون، كما هو أيضاً أمام أنظار مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية.
2 الإعداد للحروب القادمة
عمل (المجلس القومي للمخابرات الأمريكية) على إعداد تقرير موضوعه: (التخطيط لمستقبل العالم)، وتم نشره في 13 كانون الثاني يناير 2005م، وكان مما تضمنه هذا التقرير ما يلي: "تتغذى جماعات متطرفة عديدة وغير مركزية على العولمة، وستحل هذه الجماعات محل تنظيم القاعدة في شن هجمات جديدة في العالم، ذلك في حدود الأفق المنظور حتى سنة 2020م، وإن الحرب على العراق والصراعات الأخرى المحتملة في المستقبل ستتيح فرص تجنيد أعضاء جدد، وتنظيم مراكز للتدريب وتوفير مهارات فنية متنوعة، وتكوين كفاءات عفوية لطبعة جديدة من الإرهابيين.
وعلى الرغم من أن أعضاء هذه التنظيمات سيستخدمون على الأغلب أسلحة ووسائط تقليدية، إلا أن هناك قلقاً كبيراً بشأن احتمال حصول هذه الجماعات على مواد بيولوجية أو معدات نووية، بحيث يمكن لأي منها في حال استخدامها التسبب في وقوع خسائر بشرية كبيرة. إن أوضاع العالم ستتطور خلال الخمس عشرة سنة القادمة، مما يفرض على أجهزة المخابرات ورجال الساسة وكبار القادة الاستعداد لمواجهة هذه التحديات، وستكون العولمة هي الجهاز المحرّك في تشكيل كل التيارات، إذ على الرغم من أن هذه العولمة ستساعد الاقتصاد العالمي على النمو بزيادة قد تصل إلى ثمانين بالمئة حتى العام 2020م، مما سيؤدي إلى ارتفاع دخل الفرد بنسبة خمسين بالمئة، إلاّ أن ذلك سيؤدي في الوقت ذاته إلى زيادة تباعد طرفي الهوة الفاصلة بين من يملكون وبين من لا يملكون، بين الأغنياء وبين الفقراء، مما سيشكّل التربة الخصبة لتجنيد المزيد من المتطرفين، وإن الدول التي ستتكيف بشكل أفضل مع التقدم التكنولوجي ستنتعش بدرجة أكبر، وبذلك لن تكون فوائد العولمة متساوية في العالم، ولن يكون تأثيرها جيداً، لأن قطاعاً كبيراً من العالم سيتخلف".
ومما هو جدير بالذكر أن هذا التقرير ليس سرِّياً، إذ قام بإشهار مضمونه نائب رئيس المجلس القومي للمخابرات الأمريكية (ديفيد غوردون) في مؤتمر صحفي، وقد تم إعداده بالتشاور مع أكثر من ألف خبير من العاملين في أجهزة الاستخبارات في قارات العالم الخمس، وأحد مضامينه يتركز على موضوع (السلام الأمريكي) واستمرار الهيمنة الأمريكية في عالم سياسي غير مستقر، وبالتالي فإنه لا يمكن اعتبار هذا التقرير ونظائره حالة من حالات (الترف الفكري)، أو أنه إفراز (رجال فكر متبطرين) لا صلة لهم بالواقع العالمي، إذ إن مضمون التقرير لا يتجاهل حقيقة احتمال تشكّل حركة عقائدية (دينية) ذات قوة عالمية، وتمتلك القدرة على تحدي (العولمة)، كما أنه يستخلص من تجربة حرب العراق بخاصة أنواع التنظيمات القتالية والأسلحة وطرائق العمل لمواجهة التحديات المحتملة والمتوقعة.
يبدو بالتالي أنه لابد من وقفة عجلى عند ما تعده الولايات المتحدة أو حتى بعض ما تعده للحروب القادمة، على أن هذا الإعداد يعني ببساطة تصنيع الظروف السياسية والمناخ الفكري العقائدي، وتهيئة الوسائط العسكرية لمجابهة متطلبات مثل هذه الحرب، وحتى وضع (سيناريوهات) أو حوارات ما هو متوقع للتطورات المحتملة في حدود ميادين القتال بخاصة، ومن ذلك:
أولاً: الابتعاد عن التعامل مع مكونات حروب المستقبل، والتركيز على عامل (الإرهاب الديني الإسلامي) بعد أن ظهرت النتائج الإيجابية في زج معظم قوي العالم الكبرى والصغرى في تيار (محاربة الإرهاب)، مما يسمح بإهمال عوامل الخلاف أو التناقضات التي قد تقترن بتفجر الحروب، ويعني ذلك تجاهل عدد من الحقائق التي أكّدتها تجربة (الحرب على الإرهاب في فلسطين والعراق وحتى أفغانستان والشيشان)، ومنها حقيقة أن المبالغة في استخدام أية وسيلة أو طريقة، تشكّل سلاحاً ذا حدين، مما يؤدي إلى استنزاف تلك الوسيلة وإسقاطها، ومن ذلك أيضاً أن الدول الكبرى وهي الأطراف المباشرة أو غير المباشرة في مثل هذه الحروب ستترجم أهداف الحروب بلغاتها الخاصة وفي إطار مصالحها الذاتية، مما يضع أعباء هذه الحروب على كاهل أمريكا، ومما يقدم ثمار الحروب ونتائجها صافية ونظيفة لتلك الدول.
ومن المؤكد أن تُوجَّه مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية للتعرُّف على (قواعد الحروب الإسلامية)، ومبادئ الجهاد في سبيل الله، ومضامين الجهاد وأهدافه حيث يشكل ذلك التوجيه حلقة في مسلسل الإعداد الفكري والسياسي (العقائدي) لما هو متوقع من تطورات الحروب القادمة.
ثانياً: التركيز على (العامل الاقتصادي) باعتباره هو الذي يصنع التربة الخصبة لزراعة بذور الإرهاب وتشكيلات الإرهابيين، وليس هناك يقيناً من ينكر دور العامل الاقتصادي في تكوين الظروف التي تشكل التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية، ولكن، ألم تعترف الإدارة الأمريكية منذ بداية إعلان الحرب على تنظيم (طالبان) و (تنظيم القاعدة) أن هذه التنظيمات لا تريد (مالاً)، ولا تعتمد على أرصدتها المادية المحدودة التي لا يمكن مقارنتها أبداً بالقدرات الاقتصادية الأمريكية من أجل ممارسة أعمال الإرهاب؟ ألم يكن ذلك اعترافاً ضمنياً بأن العامل المادي (المالي) ليس أكثر من مجرد وسيلة لتأمين متطلبات الأعمال الموصوفة بالتطرف والإرهاب؟ وهل كانت الوسائل التي استخدمت في أحداث يوم 11 أيلول سبتمبر 2001م، هي ذات طابع مالي، أم كانت ثمرة جهد فكري أمكن من خلاله الإفادة من القدرات الأمريكية والأموال الأمريكية؟ وهل كان العامل المادي الاقتصادي هو العامل المحرّك لصانعي ما يسمى بأحداث الإرهاب، أم كان هو العامل الفكري العقائدي الذي شكلته التحديات الأمريكية الإسرائيلية بخاصة؟
لاريب أن اعتماد مخططات حروب المستقبل الأمريكية على العامل الاقتصادي إنما يستجيب للأهداف الأمريكية الموجهة لتلك الحروب ولسياسات الحروب، والتي ستشكِّل القاعدة لبناء النظام العالمي الجديد (أو العصر الأمريكي).
ثالثاً: تكاد الأبحاث والدراسات الأمريكية في موضوع الإعداد للحروب القادمة تتفق على حقيقة أن (التحديات الثقيلة) هي العامل المكوِّن للحروب والمفجرلها، وهذا ما يفسِّر بشكل واضح العناد الأمريكي والتصميم الثابت لفرض التحديات على الوطن العربي والعالم الإسلامي بأكثر مما تستطيع احتماله الشعوب العربية والإسلامية. وهل كانت تحديات (أريئيل شارون) في تدنيس المسجد الأقصى يوم 28 أيلول سبتمبر 2000م إلا البرهان الثابت على دور التحديات الثقيلة في تفجير (انتفاضة الأقصى)؟ ثم هل كانت التحديات التي فرضت على الشعب العراقي ومنها فضائح سجن أبو غريب واستباحة الفلوجة إلا البرهان أيضاً على دور التحديات الثقيلة في تفجير الحروب وتصعيد درجة الأعمال القتالية؟ وإذن فستحتل استراتيجية إعداد التحديات الثقيلة وتفجيرها في الزمان والمكان المناسبين المرتبة المتقدمة في مجموعة استراتيجيات الإعداد للحروب القادمة.
خاضت الجيوش الأمريكية في السنوات الأخيرة مجموعة من الحروب، كان من أبرزها حرب كوسوفو 1999م، والحرب الأفغانية 2001م، علاوة على حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت 1991م)، وجرى تصنيف إدارة هذه الحروب جميعاً في إطار (الحروب النظامية التقليدية غير المتماثلة). ومقابل ذلك لم تكن ردود الفعل الدفاعية في مواجهة هذه الحروب الهجومية متماثلة، إذ احتفظت كل حرب بخصائصها المميزة، وكان ذلك برهاناً حاسماً على التمايز في حوار الإرادات المتصارعة تبعاً للعوامل المكونة للصراع المسلح على الجبهتين الهجومية والدفاعية، وإذا ما أضيفت إلى ذلك تجربة حرب القوات الروسية في الشيشان، والحرب الإسرائيلية في فلسطين، فسيظهر بوضوح أن حوار الإرادات المتصارعة هو حوار شديد الاتصال بخلاصة التجارب التاريخية للحروب، إلا أنه في الوقت ذاته حوار يحدد لحروب المستقبل نماذج مميزة للصراع تتجاوز حدود توازنات وأثقال موازين القوى العسكرية التقليدية لتتصل بعدالة قضية الحرب.
1 محاولة التعلم في مدرسة الحرب
عمل الرئيس الأمريكي (جورج بوش) على تقليد أعلى وسام مدني لكل من الحاكم الإداري السابق في العراق (بول بريمر)، والجنرال المتقاعد (توني فرانكس)، والمدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية المركزية (سي آي إيه) (جورج تينت)، وذلك يوم 14 كانون الأول ديسمبر 2004م، على اعتبار أن الثلاثة قد ساهموا بشكل خاص في الأمن القومي والمصلحة الأمريكية العليا والسلام العالمي.
ويُذكر أن (بول بريمر) بقي حاكماً للعراق حتى 28 حزيران يونيو 2004م، حيث عمل يومها على تسليم السلطة للحكومة العراقية المؤقتة. وبهذه المناسبة صرح وزير الدفاع الأمريكي (دونالد رامسفيلد) بالحقيقة التالية: "لقد قللنا قبل الحرب من قوة المقاومة العراقية التي ستواجهها القوات الأمريكية هناك في العراق". وقبل ذلك، وعندما فجّر (أريئيل شارون) انتفاضة الأقصى يوم 28 أيلول سبتمبر 2000م، تعهد الرئيس الأمريكي جورج بوش بالقضاء على الانتفاضة في غضون ثلاثة أشهر، وحصل (شارون) على حرية العمل العسكري الكاملة، وانقضت المهلة المحددة، ولحقت بها مهلة أخرى، فثالثة، ودخلت الانتفاضة سنتها الخامسة، وبقي (شارون) محتفظاً بموقعه وأفكاره وإحباطاته. ويعني ذلك بوضوح أن (شارون) لم يتمكن من معرفة الشعب الفلسطيني وقدراته الكامنة، مثلما فشلت القيادة الأمريكية في معرفة الشعب العراقي وقدراته، رغم توافر مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية والعسكرية والسياسية والاجتماعية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، ورغم وفرة الإنتاج في هذه المراكز لمساعدة القيادات في اتخاذ القرارات الصحيحة.
لقد صرّح الكولونيل الأمريكي (مايك غرير) نائب مدير القيادة المركزية الأمريكية التي تضطلع بمسؤولية الأعمال العسكرية في الشرق الأوسط، والقرن الأفريقي، وآسيا الوسطى بأن الولايات المتحدة أجرت استشارات مكثفة طوال العامين الماضيين مع مجموعة من القادة العسكريين ضمت (26) ضابطاً من (20) دولة من أوروبا، وباكستان، واستراليا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وأمريكا... وسواها، وحملت هذه المجموعة اسم (مجموعة التخطيط الموحدة)، وقدمت نصائح شجاعة وصريحة كان لها أثر بالغ على الاستراتيجية الأمريكية، ولكن وبينما كان (الكولونيك مايك غرير) يدلي بتصريحه هذا يوم 8 كانون الثاني يناير 2005م، كانت الساحة العراقية تشهد تصعيداً خطيراً في الأعمال القتالية، مع إصدار بيانات عن المقاومة بأن الحرب ضد القوات الأجنبية ستستمر حتى يتم إخراجها من العراق، فيما كانت القيادة الأمريكية تؤكد بدورها أن (قوات التحالف) ستمكث في العراق إلى ما بعد الانتخابات طالما بقيت ضرورة لبقائها من أجل ضمان (الأمن والاستقرار).
ويظهر ذلك بوضوح أن الطرف الأمريكي مصمم على التمسُّك بخيار الحسم في حوار الإرادات المتصارعة قدر التزام المقاومة العراقية بخيار الحسم أيضاً حتى بلوغ هدف الحرب، ويحاول كل طرف استثمار أخطاء الطرف الآخر لحمله على تغيير قناعاته، ولإرغامه على تغيير وسائل الحوار. وقد يختلف شكل الحوار وطريقته بين إسرائيل والشعب الفلسطيني أيضاً، غير أن سياسة الحروب بقيت هي المهيمنة وهي المسيطرة على مسارح الصراع وعلى كل الجبهات في العراق وفلسطين كما في أفغانستان والشيشان، فهل هناك ما يمكن تعلمه في مدرسة الحرب الحديثة؟
ربما كان من المحال الإحاطة بذلك الركام الهائل من الأبحاث والدراسات والمؤلفات والمناظرات التي تلاحقت للظهور خلال مرحلة (ما أُطلق عليه اسم الحرب على الإرهاب)، غير أن هذا المجموع الهائل من الجهد الفكري يؤكد حقيقة الحاجة للتعلم من الحرب في إطار تطور حوار الإرادات المتصارعة بطرائقه وأساليبه الجديدة.
ومن هنا، فإن ما تضمنه التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لندن، والذي صدر في 18 تشرين الأول أكتوبر 2004م لا يشكِّل أكثر من نموذج لمحاولة التعلم من مدرسة الحرب العراقية بخاصة. وكان مما تضمنه هذا التقرير الذي سبقت الإشارة إليه ما يلي: "... أصبحت عقول أهل الأرض وقلوبهم موجهة نحو الأرض التي يتم الاستيلاء عليها خلال مرحلة ما بعد الحرب، ويجب على حكومات دول التحالف أن تدرك بأن هذه العملية تحتاج لكثافة بشرية عالية للمحافظة على الأمن وحماية السلام، حيث يحل العامل البشري محل منظومات الأسلحة المشاركة في الحرب، وذلك لتحقيق النجاح، وأصبح لزاماً على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتعلم من تجربة العراق، بأنها تحتاج لقدرة بشرية أكبر، وذات كفاءات عالية ومهارات إضافية للتعامل مع أوضاع ما بعد الحرب؛ فالمجندون وجنود الاحتياط غير المدربين بدرجة كافية، وشركات الجيوش الخاصة المرتزقة لا يمكن أن تضطلع بتنفيذ واجبات جنود القوات النظامية ذات التدريب الجيد.
لقد أمكن التحوُّل بسرعة من حالة الحرب إلى حالة جديدة كانت تحتاج لدعم السكان المدنيين بصورة أساسية . ولم يكن استخدام جنود الاحتياط الذين توافرت لهم درجة محدودة من التدريب، أو مهارات غير مطلوبة هو البديل المناسب عن الجنود الذين تتوافر لهم ظروف التدريب الكامل. وكان لزاماً على الولايات المتحدة أن تتعلم من هذه التجربة التي أبرزتها فضيحة (سجن أبو غريب في العراق)، وأن يكون ثمن هذا الدرس غالياً، كما أن هذا الإدارة الأمريكية أعلنت صراحة عندما قامت بغزو العراق واحتلاله أنها تريد تغيير الوضع القائم في العالم العربي لتحقيق مصالح سياسية واستراتيجية أمريكية، لذلك فمن المرجح أن يؤدي ذلك مباشرة إلى تجنيد مجاهدين وتكثيف دوافع القاعدة، لتشجيع ومساعدة الأعمال الإرهابية. ولقد كان عدد كبار وقادة تنظيم القاعدة في حدود (30) رجلاً، أمكن قتل نصفهم أو اعتقالهم منذ هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001م، لكن هناك أكثر من (20) ألف مقاتل ممن تلقوا تدريبهم على أرض أفغانستان، وهؤلاء مازالوا أحراراً طلقاء ولديهم قدرات ودوافع قوية، بحيث يمكن القول إن مخاطر الإرهاب على الغربيين قد زادت بعد شن الحرب على العراق.
ويظهر من خلال استعراض معظم ما ظهر من أبحاث ودراسات للتعلم من تجربة حرب العراق بخاصة، أن هناك قواسم مشتركة تمارس دورها في توجيه تلك الأبحاث على محاور محددة منها:
أولاً: تجاهل قضية الحرب ذاتها، أو التعرُّض لشرعيتها وعدالتها، أو معالجة أهدافها، والتعامل مع الهجوم على أفغانستان ثم على العراق، باعتبار أن ذلك (قرار سياسي عسكري) لا يقبل الجدل ولا النقاش ولا التقويم.
ثانياً: أن أهداف الأبحاث هو مساعدة القوات على تنفيذ واجباتها بنجاح، وبالحد الأدنى من الخسائر، عبر عمل سياسي واقتصادي وإعلامي وعسكري متكامل، مع التركيز على دور القوات الأمريكية ذات الكفاءة العالية.
ثالثاً: إضفاء صفة (الشرعية) على عمل القوات الأمريكية (أو قوات التحالف)، وحرمان المقاومة من صفتها الشرعية، سواء عبر تصنيفها مع الأعمال الإرهابية أو وصفها بالتمرد أو العصيان، وذلك في محاولة تطوير الحرب إلى أعمال اقتتال محلية (أو حروب أهلية) كما في التجربة الكورية ثم الفيتنامية وأخيراً العراقية.
رابعاً: لقد كان هدف الحرب على العراق هو تكوين القاعدة الصلبة لبناء النظام العالمي الجديد، ولقد تراجع هذا الهدف مرحلياً عن دائرة الضوء، غير أنه بقي ماثلاً بوضوح أمام أنظار صانعي القرارات السياسية العسكرية في البيت الأبيض والبنتاجون، كما هو أيضاً أمام أنظار مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية.
2 الإعداد للحروب القادمة
عمل (المجلس القومي للمخابرات الأمريكية) على إعداد تقرير موضوعه: (التخطيط لمستقبل العالم)، وتم نشره في 13 كانون الثاني يناير 2005م، وكان مما تضمنه هذا التقرير ما يلي: "تتغذى جماعات متطرفة عديدة وغير مركزية على العولمة، وستحل هذه الجماعات محل تنظيم القاعدة في شن هجمات جديدة في العالم، ذلك في حدود الأفق المنظور حتى سنة 2020م، وإن الحرب على العراق والصراعات الأخرى المحتملة في المستقبل ستتيح فرص تجنيد أعضاء جدد، وتنظيم مراكز للتدريب وتوفير مهارات فنية متنوعة، وتكوين كفاءات عفوية لطبعة جديدة من الإرهابيين.
وعلى الرغم من أن أعضاء هذه التنظيمات سيستخدمون على الأغلب أسلحة ووسائط تقليدية، إلا أن هناك قلقاً كبيراً بشأن احتمال حصول هذه الجماعات على مواد بيولوجية أو معدات نووية، بحيث يمكن لأي منها في حال استخدامها التسبب في وقوع خسائر بشرية كبيرة. إن أوضاع العالم ستتطور خلال الخمس عشرة سنة القادمة، مما يفرض على أجهزة المخابرات ورجال الساسة وكبار القادة الاستعداد لمواجهة هذه التحديات، وستكون العولمة هي الجهاز المحرّك في تشكيل كل التيارات، إذ على الرغم من أن هذه العولمة ستساعد الاقتصاد العالمي على النمو بزيادة قد تصل إلى ثمانين بالمئة حتى العام 2020م، مما سيؤدي إلى ارتفاع دخل الفرد بنسبة خمسين بالمئة، إلاّ أن ذلك سيؤدي في الوقت ذاته إلى زيادة تباعد طرفي الهوة الفاصلة بين من يملكون وبين من لا يملكون، بين الأغنياء وبين الفقراء، مما سيشكّل التربة الخصبة لتجنيد المزيد من المتطرفين، وإن الدول التي ستتكيف بشكل أفضل مع التقدم التكنولوجي ستنتعش بدرجة أكبر، وبذلك لن تكون فوائد العولمة متساوية في العالم، ولن يكون تأثيرها جيداً، لأن قطاعاً كبيراً من العالم سيتخلف".
ومما هو جدير بالذكر أن هذا التقرير ليس سرِّياً، إذ قام بإشهار مضمونه نائب رئيس المجلس القومي للمخابرات الأمريكية (ديفيد غوردون) في مؤتمر صحفي، وقد تم إعداده بالتشاور مع أكثر من ألف خبير من العاملين في أجهزة الاستخبارات في قارات العالم الخمس، وأحد مضامينه يتركز على موضوع (السلام الأمريكي) واستمرار الهيمنة الأمريكية في عالم سياسي غير مستقر، وبالتالي فإنه لا يمكن اعتبار هذا التقرير ونظائره حالة من حالات (الترف الفكري)، أو أنه إفراز (رجال فكر متبطرين) لا صلة لهم بالواقع العالمي، إذ إن مضمون التقرير لا يتجاهل حقيقة احتمال تشكّل حركة عقائدية (دينية) ذات قوة عالمية، وتمتلك القدرة على تحدي (العولمة)، كما أنه يستخلص من تجربة حرب العراق بخاصة أنواع التنظيمات القتالية والأسلحة وطرائق العمل لمواجهة التحديات المحتملة والمتوقعة.
يبدو بالتالي أنه لابد من وقفة عجلى عند ما تعده الولايات المتحدة أو حتى بعض ما تعده للحروب القادمة، على أن هذا الإعداد يعني ببساطة تصنيع الظروف السياسية والمناخ الفكري العقائدي، وتهيئة الوسائط العسكرية لمجابهة متطلبات مثل هذه الحرب، وحتى وضع (سيناريوهات) أو حوارات ما هو متوقع للتطورات المحتملة في حدود ميادين القتال بخاصة، ومن ذلك:
أولاً: الابتعاد عن التعامل مع مكونات حروب المستقبل، والتركيز على عامل (الإرهاب الديني الإسلامي) بعد أن ظهرت النتائج الإيجابية في زج معظم قوي العالم الكبرى والصغرى في تيار (محاربة الإرهاب)، مما يسمح بإهمال عوامل الخلاف أو التناقضات التي قد تقترن بتفجر الحروب، ويعني ذلك تجاهل عدد من الحقائق التي أكّدتها تجربة (الحرب على الإرهاب في فلسطين والعراق وحتى أفغانستان والشيشان)، ومنها حقيقة أن المبالغة في استخدام أية وسيلة أو طريقة، تشكّل سلاحاً ذا حدين، مما يؤدي إلى استنزاف تلك الوسيلة وإسقاطها، ومن ذلك أيضاً أن الدول الكبرى وهي الأطراف المباشرة أو غير المباشرة في مثل هذه الحروب ستترجم أهداف الحروب بلغاتها الخاصة وفي إطار مصالحها الذاتية، مما يضع أعباء هذه الحروب على كاهل أمريكا، ومما يقدم ثمار الحروب ونتائجها صافية ونظيفة لتلك الدول.
ومن المؤكد أن تُوجَّه مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية للتعرُّف على (قواعد الحروب الإسلامية)، ومبادئ الجهاد في سبيل الله، ومضامين الجهاد وأهدافه حيث يشكل ذلك التوجيه حلقة في مسلسل الإعداد الفكري والسياسي (العقائدي) لما هو متوقع من تطورات الحروب القادمة.
ثانياً: التركيز على (العامل الاقتصادي) باعتباره هو الذي يصنع التربة الخصبة لزراعة بذور الإرهاب وتشكيلات الإرهابيين، وليس هناك يقيناً من ينكر دور العامل الاقتصادي في تكوين الظروف التي تشكل التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية، ولكن، ألم تعترف الإدارة الأمريكية منذ بداية إعلان الحرب على تنظيم (طالبان) و (تنظيم القاعدة) أن هذه التنظيمات لا تريد (مالاً)، ولا تعتمد على أرصدتها المادية المحدودة التي لا يمكن مقارنتها أبداً بالقدرات الاقتصادية الأمريكية من أجل ممارسة أعمال الإرهاب؟ ألم يكن ذلك اعترافاً ضمنياً بأن العامل المادي (المالي) ليس أكثر من مجرد وسيلة لتأمين متطلبات الأعمال الموصوفة بالتطرف والإرهاب؟ وهل كانت الوسائل التي استخدمت في أحداث يوم 11 أيلول سبتمبر 2001م، هي ذات طابع مالي، أم كانت ثمرة جهد فكري أمكن من خلاله الإفادة من القدرات الأمريكية والأموال الأمريكية؟ وهل كان العامل المادي الاقتصادي هو العامل المحرّك لصانعي ما يسمى بأحداث الإرهاب، أم كان هو العامل الفكري العقائدي الذي شكلته التحديات الأمريكية الإسرائيلية بخاصة؟
لاريب أن اعتماد مخططات حروب المستقبل الأمريكية على العامل الاقتصادي إنما يستجيب للأهداف الأمريكية الموجهة لتلك الحروب ولسياسات الحروب، والتي ستشكِّل القاعدة لبناء النظام العالمي الجديد (أو العصر الأمريكي).
ثالثاً: تكاد الأبحاث والدراسات الأمريكية في موضوع الإعداد للحروب القادمة تتفق على حقيقة أن (التحديات الثقيلة) هي العامل المكوِّن للحروب والمفجرلها، وهذا ما يفسِّر بشكل واضح العناد الأمريكي والتصميم الثابت لفرض التحديات على الوطن العربي والعالم الإسلامي بأكثر مما تستطيع احتماله الشعوب العربية والإسلامية. وهل كانت تحديات (أريئيل شارون) في تدنيس المسجد الأقصى يوم 28 أيلول سبتمبر 2000م إلا البرهان الثابت على دور التحديات الثقيلة في تفجير (انتفاضة الأقصى)؟ ثم هل كانت التحديات التي فرضت على الشعب العراقي ومنها فضائح سجن أبو غريب واستباحة الفلوجة إلا البرهان أيضاً على دور التحديات الثقيلة في تفجير الحروب وتصعيد درجة الأعمال القتالية؟ وإذن فستحتل استراتيجية إعداد التحديات الثقيلة وتفجيرها في الزمان والمكان المناسبين المرتبة المتقدمة في مجموعة استراتيجيات الإعداد للحروب القادمة.