عمان- تعود بدايات البرنامج النووي العراقي إلى 17 أغسطس من العام 1959، بتفاهم بين العراق والاتحاد السوفييتي،
وفي العام 1968 بنى السوفييت قرب بغداد مفاعلا بحثيا من نوع
“أي آر تي-2000” مع منشآت عدة قادرة على إنتاج النظائر المشعة.
واشترط السوفييت أن تكون المحطة تحت سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فرفض العراق ذلك.
وفي 15 أبريل من السنة نفسها وقّعت اتفاقية تعاون بين الطرفين تعد تالية لاتفاقية العام 1959.
وبعد ستة أشهر من ذلك وافقت فرنسا على بيع 72 كيلوغراما من اليورانيوم بدرجة 93 بالمئة للعراق،
وبناء محطة نووية من دون سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبتكلفة 3 مليارات دولار؛
تلك هي باختصار قصة المشروع النووي العراقي الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية في 7 يونيو 1981،
عندما كان العراق منشغلا بحربه مع إيران،
فيما سمّي حرب الخليج الأولى (1980-1988)،
على الرغم من أن البرنامج كان سلميّا.
حصان طروادة النووي
ما بعد ذلك من خفايا وأسرار هذا البرنامج يرويه همام عبدالخالق، الذي تولى منصب رئيس منظمة الطاقة الذرية العراقية بدرجة وزير من العام 1981 إلى 1992. ويفتح عبدالخالق ملف السلاح النووي في العراق الذي كان حصان طروادة الذي أدخل الأميركيين للعراق أمام أعين العالم وبدعم غربي.
ويشير إلى أنه بعد أشهر من العدوان الإسرائيلي أمر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بإنجاز برنامج نووي سري في العراق، وتمكن العلماء العراقيون وحدهم من تخصيب اليورانيوم كهرومغناطيسيا دون مساعدة أجنبية، غير أن هذا البرنامج دمّر تماما بعد حرب الخليج الثانية (17 يناير إلى 28 فبراير 1991) ودخول المفتشين الدوليين إلى العراق.
شنّت إسرائيل حملات إعلامية مكثفة لإيهام العالم بأن هذا المفاعل العراقي يهدف إلى إنتاج السلاح النووي، ثم فجرت قلب المفاعل عندما كان في مرحلة التصنيع في مدينة تولون الفرنسية، في ما عرف بـ”تفجير تولون”. ثم أثارت رعب الفرنسيين بشأن وقود المفاعل ومارست عليهم الضغوط إلى أن أبدلوه بما عرف بـ”وقود الكارميل".
وأعقبت ذلك بعملية تفجير لبيت خبير فرنسي في باريس أصيب خلالها بجروح بالغة. ثم فجّرت إسرائيل مقر الشركة الإيطالية التي تنفذ أحد المشاريع في مدينة ميلانو في إيطاليا تعرض فيها المدير لإصابات خطرة.
وأعقبت ذلك بحملة اغتيالات طالت العلماء يحيى المشد وعبدالرحمن رسول في باريس عندما كانا يتابعان المشروع.
ثم سلمان رشيد سلمان في جنيف.
لم يتوقف المشروع فلم يبق أمام إسرائيل سوى تنفيذ عمل يجبر الفرنسيين على وقفه وهذا ما كان،
عندما قصفت إسرائيل المفاعل يوم 7/6/1981.
يتهم عبدالخالق الذي أصدر بالتعاون مع عبدالحليم إبراهيم الحجاج كتابا عنوانه “استراتيجية البرنامج النووي في العراق”، أشخاصا فرنسيين تواطأوا مع إسرائيل ومهدوا لها الطريق لتدمير المفاعل العراقي.
"ويقول إنه بعد قصف المفاعل ساد الهيجان العالم.
وتباينت ردود الفعل العربية ولكن أقواها كان موقف العاهل السعودي الملك خالد بن عبدالعزيز"
ويروي عبدالخالق:
الذي ترأس اللجنة الصناعية لأكثر من أربع سنوات،
وهي لجنة كانت مهمتها التنسيق بين البرامج الصناعية والتكنولوجية،
●أن العاهل السعودي الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز قد عبّر عن استنكار بلاده للعدوان وإدانته له، كاشفا أنه لم يكتف بهذا الموقف الإعلامي بل أردفه بإعلان تعهّد السعودية بتحمل تكاليف إعادة بناء المفاعل العراقي، تعبيرا عن إصراره على حق العرب في امتلاك تكنولوجيات متقدمة وعدم قبوله بحرمانهم منها.
ولكن سرعان ما تطورت الأحداث بانتقال الملك خالد بن عبدالعزيز إلى جوار ربه في الثاني من يونيو 1982، وخلفه أخوه الملك فهد بن عبدالعزيز، فكتب الرئيس الراحل صدام حسين رسالة وجهها إلى الملك الجديد، مذكرا بما أعلنه سلفه الملك خالد وما تعهد به، واستفسر عما إذا كانت السعودية مازالت على ذلك العهد. وحمل الرسالة مبعوث رئاسي ليسلمها إلى الملك فهد ومعها هدية رمزية كانت عبارة عن عبوة زجاجية صغيرة محكمة الغلق بداخلها غرامات قليلة من خامات اليورانيوم العراقي (الكعكة الصفراء) المستخلص من خامات الفوسفات في منجم عكاشات، تعبيرا عن ثروة الأمة وما تختزنه أرضها، وعن حق أبنائها في استثمار هذه الثروة، والتقى المبعوث الملك فهد وقدم له الرسالة والهدية التي تقبلها بسرور.
ويضيف أن المبعوث الرئاسي العراقي شرح للملك فهد باختصار ما حصل للمفاعل من تدمير وآراء المختصين العراقيين في إمكانية إعادة بناء المفاعل، وتوقعهم بشأن التزام الجانب الفرنسي، موضحا له ما توصلت إليه بحوث ودراسات العلماء في العراق لبناء البرنامج النووي للبحوث العلمية من دون الحاجة إلى مفاعل نووي يفي بالغرض، الذي هو بناء قاعدة علمية عربية متقدمة وامتلاك للعلوم والتكنولوجيا في حافاتها الأمامية.
وأكد الملك فهد مجددا التزام بلاده بالعهد الذي قطعه الملك خالد، مبديا الحماسة والمشاعر كما أبداهما سلفه، لكن بسبب تنصّل الجانب الفرنسي من إعلان استعداده لإعادة بناء المفاعل، بنحو خاص، ومن التعاون النووي مع العراق بنحو عام، لم يتم تنفيذ الأمر●
حكم إعدام أميركي
أصدرت الولايات المتحدة حكما بالإعدام على إمكانيات علماء العراق، هذا ما قاله دوغلاس فيثا في كتابه “داخل البنتاغون عند فجر الحرب على الإرهاب”. وأضاف “إن خطر العراق كان في علمائه وإمكاناته الكبيرة”. ويتطرق عبدالخالق إلى البرنامج النووي الإيراني، فيقول إن بداياته تعود إلى أيام الشاه وتتزامن على وجه التقريب مع بدايات البرنامج العراقي، عندما أرادت الولايات المتحدة أن تنشئ مركزين نوويين صغيرين للأبحاث في كل من العراق الملكي وإيران الشاه.
وكان لشاه إيران محمد رضا بهلوي طموح في بناء برنامج نووي واسع وتعاقد مع شركات فرنسية وألمانية لإنشاء محطات كهرونووية وكذلك إنشاء مركز بحوث نووي. وبقي البرنامج النووي الإيراني مستقرا واستمر ولم يتعرض لما تعرض له البرنامج العراقي من تدمير كامل على يد إسرائيل أولا ثم على يد الولايات المتحدة ليتم إيقافه لاحقا.
ويختم حواره مشيرا إلى أن إيران تتصرف كدولة تريد أن تمتلك القوة الكاملة لتكون كلمتها مسموعة دوليا، وكذلك بما يكفي لردع الآخرين، لكن في حساباتها الكثير من نقاط الضعف وفي محيطها أكثر من مشكلة، ولن تستطيع أن تحقق هدفها الاستراتيجي في امتلاك القوة الكافية لتكون كلمتها مسموعة دوليا وكذلك لردع الآخرين .
الاثنين ٢٢ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ ۞۞۞ الموافق ٢٠ / أذار / ٢٠١٧ م
وفي العام 1968 بنى السوفييت قرب بغداد مفاعلا بحثيا من نوع
“أي آر تي-2000” مع منشآت عدة قادرة على إنتاج النظائر المشعة.
واشترط السوفييت أن تكون المحطة تحت سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فرفض العراق ذلك.
وفي 15 أبريل من السنة نفسها وقّعت اتفاقية تعاون بين الطرفين تعد تالية لاتفاقية العام 1959.
وبعد ستة أشهر من ذلك وافقت فرنسا على بيع 72 كيلوغراما من اليورانيوم بدرجة 93 بالمئة للعراق،
وبناء محطة نووية من دون سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبتكلفة 3 مليارات دولار؛
تلك هي باختصار قصة المشروع النووي العراقي الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية في 7 يونيو 1981،
عندما كان العراق منشغلا بحربه مع إيران،
فيما سمّي حرب الخليج الأولى (1980-1988)،
على الرغم من أن البرنامج كان سلميّا.
حصان طروادة النووي
ما بعد ذلك من خفايا وأسرار هذا البرنامج يرويه همام عبدالخالق، الذي تولى منصب رئيس منظمة الطاقة الذرية العراقية بدرجة وزير من العام 1981 إلى 1992. ويفتح عبدالخالق ملف السلاح النووي في العراق الذي كان حصان طروادة الذي أدخل الأميركيين للعراق أمام أعين العالم وبدعم غربي.
ويشير إلى أنه بعد أشهر من العدوان الإسرائيلي أمر الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بإنجاز برنامج نووي سري في العراق، وتمكن العلماء العراقيون وحدهم من تخصيب اليورانيوم كهرومغناطيسيا دون مساعدة أجنبية، غير أن هذا البرنامج دمّر تماما بعد حرب الخليج الثانية (17 يناير إلى 28 فبراير 1991) ودخول المفتشين الدوليين إلى العراق.
شنّت إسرائيل حملات إعلامية مكثفة لإيهام العالم بأن هذا المفاعل العراقي يهدف إلى إنتاج السلاح النووي، ثم فجرت قلب المفاعل عندما كان في مرحلة التصنيع في مدينة تولون الفرنسية، في ما عرف بـ”تفجير تولون”. ثم أثارت رعب الفرنسيين بشأن وقود المفاعل ومارست عليهم الضغوط إلى أن أبدلوه بما عرف بـ”وقود الكارميل".
وأعقبت ذلك بعملية تفجير لبيت خبير فرنسي في باريس أصيب خلالها بجروح بالغة. ثم فجّرت إسرائيل مقر الشركة الإيطالية التي تنفذ أحد المشاريع في مدينة ميلانو في إيطاليا تعرض فيها المدير لإصابات خطرة.
وأعقبت ذلك بحملة اغتيالات طالت العلماء يحيى المشد وعبدالرحمن رسول في باريس عندما كانا يتابعان المشروع.
ثم سلمان رشيد سلمان في جنيف.
لم يتوقف المشروع فلم يبق أمام إسرائيل سوى تنفيذ عمل يجبر الفرنسيين على وقفه وهذا ما كان،
عندما قصفت إسرائيل المفاعل يوم 7/6/1981.
يتهم عبدالخالق الذي أصدر بالتعاون مع عبدالحليم إبراهيم الحجاج كتابا عنوانه “استراتيجية البرنامج النووي في العراق”، أشخاصا فرنسيين تواطأوا مع إسرائيل ومهدوا لها الطريق لتدمير المفاعل العراقي.
"ويقول إنه بعد قصف المفاعل ساد الهيجان العالم.
وتباينت ردود الفعل العربية ولكن أقواها كان موقف العاهل السعودي الملك خالد بن عبدالعزيز"
ويروي عبدالخالق:
الذي ترأس اللجنة الصناعية لأكثر من أربع سنوات،
وهي لجنة كانت مهمتها التنسيق بين البرامج الصناعية والتكنولوجية،
●أن العاهل السعودي الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز قد عبّر عن استنكار بلاده للعدوان وإدانته له، كاشفا أنه لم يكتف بهذا الموقف الإعلامي بل أردفه بإعلان تعهّد السعودية بتحمل تكاليف إعادة بناء المفاعل العراقي، تعبيرا عن إصراره على حق العرب في امتلاك تكنولوجيات متقدمة وعدم قبوله بحرمانهم منها.
ولكن سرعان ما تطورت الأحداث بانتقال الملك خالد بن عبدالعزيز إلى جوار ربه في الثاني من يونيو 1982، وخلفه أخوه الملك فهد بن عبدالعزيز، فكتب الرئيس الراحل صدام حسين رسالة وجهها إلى الملك الجديد، مذكرا بما أعلنه سلفه الملك خالد وما تعهد به، واستفسر عما إذا كانت السعودية مازالت على ذلك العهد. وحمل الرسالة مبعوث رئاسي ليسلمها إلى الملك فهد ومعها هدية رمزية كانت عبارة عن عبوة زجاجية صغيرة محكمة الغلق بداخلها غرامات قليلة من خامات اليورانيوم العراقي (الكعكة الصفراء) المستخلص من خامات الفوسفات في منجم عكاشات، تعبيرا عن ثروة الأمة وما تختزنه أرضها، وعن حق أبنائها في استثمار هذه الثروة، والتقى المبعوث الملك فهد وقدم له الرسالة والهدية التي تقبلها بسرور.
ويضيف أن المبعوث الرئاسي العراقي شرح للملك فهد باختصار ما حصل للمفاعل من تدمير وآراء المختصين العراقيين في إمكانية إعادة بناء المفاعل، وتوقعهم بشأن التزام الجانب الفرنسي، موضحا له ما توصلت إليه بحوث ودراسات العلماء في العراق لبناء البرنامج النووي للبحوث العلمية من دون الحاجة إلى مفاعل نووي يفي بالغرض، الذي هو بناء قاعدة علمية عربية متقدمة وامتلاك للعلوم والتكنولوجيا في حافاتها الأمامية.
وأكد الملك فهد مجددا التزام بلاده بالعهد الذي قطعه الملك خالد، مبديا الحماسة والمشاعر كما أبداهما سلفه، لكن بسبب تنصّل الجانب الفرنسي من إعلان استعداده لإعادة بناء المفاعل، بنحو خاص، ومن التعاون النووي مع العراق بنحو عام، لم يتم تنفيذ الأمر●
حكم إعدام أميركي
أصدرت الولايات المتحدة حكما بالإعدام على إمكانيات علماء العراق، هذا ما قاله دوغلاس فيثا في كتابه “داخل البنتاغون عند فجر الحرب على الإرهاب”. وأضاف “إن خطر العراق كان في علمائه وإمكاناته الكبيرة”. ويتطرق عبدالخالق إلى البرنامج النووي الإيراني، فيقول إن بداياته تعود إلى أيام الشاه وتتزامن على وجه التقريب مع بدايات البرنامج العراقي، عندما أرادت الولايات المتحدة أن تنشئ مركزين نوويين صغيرين للأبحاث في كل من العراق الملكي وإيران الشاه.
وكان لشاه إيران محمد رضا بهلوي طموح في بناء برنامج نووي واسع وتعاقد مع شركات فرنسية وألمانية لإنشاء محطات كهرونووية وكذلك إنشاء مركز بحوث نووي. وبقي البرنامج النووي الإيراني مستقرا واستمر ولم يتعرض لما تعرض له البرنامج العراقي من تدمير كامل على يد إسرائيل أولا ثم على يد الولايات المتحدة ليتم إيقافه لاحقا.
ويختم حواره مشيرا إلى أن إيران تتصرف كدولة تريد أن تمتلك القوة الكاملة لتكون كلمتها مسموعة دوليا، وكذلك بما يكفي لردع الآخرين، لكن في حساباتها الكثير من نقاط الضعف وفي محيطها أكثر من مشكلة، ولن تستطيع أن تحقق هدفها الاستراتيجي في امتلاك القوة الكافية لتكون كلمتها مسموعة دوليا وكذلك لردع الآخرين .
الاثنين ٢٢ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ ۞۞۞ الموافق ٢٠ / أذار / ٢٠١٧ م