قبل فترة ارسل لي احد الاصدقاء مذكرات شفهية للسفير الامريكي هيوم هوران الذي تم استبعاده من السعودية في الثمانينات. المذكرات هذه هي عبارة عن لقاء بين السفير السابق و منظمة الدراسات الدبلوماسية الامريكية.
ترجمت الجزء الذي يختص بموضوع الصواريخ، قراءة ممتعة.
بسم الله الرحمن الرحيم،
الملك فهد بن عبدالعزيز ال سعود حكم المملكة العربي السعودية في الفترة بين 1982 الى 2005 قاد فيها العديد من الإصلاحات والعلاقات القوية مع دول العالم. كان رجلا صلبا يختار الخيارات التي تحافظ على مصالح وطنه وشعبه بالدرجة الاولى.
في العام 1989 حدثت سلسلة احداث مؤسفة اضطرت السفير هيوم هوران لمغادرة المملكة العربية السعودية بعد تسعة اشهر فقط من تعيينه.
في ربيع العام 1988 علمت الولايت المتحدة الامريكية ان الأمير بندر بن سلطان قد فاوض الصينيين بنجاح لشراء صواريخ ارض راض متوسطة المدى قادرة على خلخلة ميزان القوى في الشرق الاوسط وتهديد إسرائيل ردا على منع الولايات المتحدة الامريكية صواريخ بيرشينج عن السعودية. السفير الأمريكي هيوم هوران تلقى من وزارة الخارجية الامريكية خطابا يطلب منه ابلاغ الملك السعودي بان واشنطن قلقة للغاية من هذه الصفقة. كانت لغة الخارجية الامريكية شديدة في برقيتها. السفير أرسلها للحكومة السعودية. علم السفير بعد ذلك ان وزارة الخارجية الامريكية قد تجاوزته وارسلت رسالة متوازنة للحكومة السعودية مما أوقع السفير الأمريكي في حرج كبير. كان الملك فهد غير راض عن كلام السفير الأمريكي. في لقاء الملك مع المبعوث الأمريكي الخاص فيليب حبيب اظهر الملك غضبه على السفير الأمريكي في لقاء جمعه بمجموعة من المسئولين الامريكيين مما اضطر السفير لمغادرة السعودية ليعمل سفيرا في ساحل العاج.
ما سبق أيها الاخوة هو ملخص لحديث السفير الأمريكي المطرود من السعودية هيوم هوران لمنظمة الدراسات الدبلوماسية الامريكية.
السفير الأمريكي الان يتحدث:
هيوم هوران: في العام 1986 قبل ان ابدا عملي في السعودية، قام الكونجرس بقبول فيتو رئاسي يحظر تسليح المملكة العربية السعودية. لاحقا قلنا للسعوديين، لا تنسوا انه بامكانكم شراء ال F-15 لكننا لن نسمح اطلاقا بان يتجاوز عددها 60 مقالتة تحت أي ظرف.كان السعوديون يريدون الحصول على صواريخ جو جو من طراز مافريك، قال السعوديون: ال F-15 هي عبارة عن مقاتل قوي وصلب ويلبس كامل لبس المعركة ولكن ينقصه السيف والرمح! اخبرنا السعوديين باننا لن نوافق على ذلك لأننا نعلم انه لا يمكن للكونجرس ان يوافق على تزويد السعودية بهذا التسليح.
هذا الرد اغضب السعوديين.
في عام 1988 ابلغ الأمير بندر بن سلطان الحكومة الامريكية بأن السعودية لم تعد ترى الولايات المتحدة الامريكية حليفا يمكن الاعتماد عليه. وان حكومة المملكة العربية السعودية قلقة للغاية، لاحقا علمت بان حديث الأمير بندر مع الحكومة الامريكية كان مقلقا لنا أيضا.
في صيف عام 1988 علمنا ان الأمير السعودي بندر بن سلطان قد اشترى (دون علمنا) من الصينيين الشيوعيين صواريخ ارض ارض متوسطة المدى قادرة على قلب موازين القوى في الشرق الاوسط. صدمنا كثيرا ان المسئول عن الصفقة كان بندر بن سلطان ذاته! كنا في اقصى درجات القلق لان معلوماتنا ان هذه الصواريخ كانت حصرا لحمل الرؤوس النووية ولم يكن لدينا معلومات ان الصين قد ابدلتها برؤوس تقليدية.
لقد اصابتنا الدهشة والقلق معا. هذه الصواريخ قد وصلت المملكة وحفظت في أماكن من الصعب الوصول اليها بتعاون صيني سعودي مما دعى إسرائيل لان تكون قلقة بل لا ابالغ ان قلت انها كانت خائفة. الأصعب من هذا علينا هو ان اقرب حلقائنا على الاطلاق في المنطقة بل الدولة الأكثر عداوة للشيوعية منذ قيامها، المملكة العربية السعودية، قررت شراء أنظمة خطرة للغاية من دولة الصين الشيوعية.
بالنسبة لنا كان اختيار السعوديين غريبا بل لم نستطع فهمه، لمن تشتري السعودية هذه الانظمة؟ لم تكن ايران المتهالكة بعد حرب الثماني سنوات تشكل ي تهديد على احد. برر الأمير بندر الصفقة لنا بقوله انكم كنتم غير متعاونين معنا واردنا لفت انتباهكم. لقد سئمنا من الاجرائات الامريكية ومعارضة الكونجرس المتواصلة، اقولها لكم بصراحة، ما فعلناه بهذه الصفقة يشعرنا بالسرور، يشعرنا اننا نقف على اقدامنا في المنطقة دون خشية من احد.
في ١٢ مارس تلقيت أوامر من حكومتي بلقاء الملك فهد. كان مطلوبا مني ان أقول له ان الحكومة الامريكية تتقبل تطميناته وتاخذ كلام جلالته على اقصى درجات الجدية بان الصواريخ ليست نووية. لكننا في نفس الوقت لا يمكننا التأكد ان الدول المجاورة ستكون مطمئنة بنفس الدرجة. طلب مني ان ابلغ الملك فهد هذه الرسالة: يجب إيقاف جميع الاعمال المختصة ببناء منصات الصواريخ والتدريب والصيانة المقدمة من قبل الصينيين. نرغب منك اعطائنا هذا الوعد على الأقل.
كانت لغة رسالة الخارجية الامريكية شديدة. في يوم ١٥ مارس اتصلت بالسكرتير العامل بيتر بورلي علي الخط الامن وسالته هل نحن فعلا سنخاطب السعوديين بهذه الطريقة فأجاب نعم، ستكون هذه السياسة التي سنتبعها في هذا الموضوعواني يجب ان اتحرك بناء على هذا.
طلبت لقاء الملك وارسلت ملخصا لسبب اللقاء الى البروتوكول.
في ١٧ مارس، قامت وزارة الخارجي الامريكية بارسال رسالة صادمة لي، قالت الرسالة ان ما ارسلته الى الديوان الملكي في ال ١٥ من مارس لا يعبر عن السياسة الامريكية! وان الموقف الأمريكي الذي تسلمه بندر بن سلطان في نفس اليوم كان مخالفا تماما لما ارسلته للملك. وتم اخطاري على وجه السرعة بإلغاء اللقاء وانهاء الموضوع من جانبي تماما. كما تم اخباري أيضا بان الملك فهد كان غير راض عني. كما اخبرتني الوزارة انها سترسل الوزير شولتز لتدارك الموقف. بدلا عن شولتز تم ارسال مبعوث الرئيس رونالد ريجن الخاص فيليب حبيب.
اعتقد انه تكون هناك مرات تقف وزارة الخارجية الامريكية وتجد نفسها في مصارعة اكبر منها بكثير. كانت الامور تمضي بالاتفاق المباشر بين القيادة الامريكية والقيادة السعودية.
بعد ذلك وردت رسالة للقيادة السعودية من الأمير بندر تفيد بان الإدارة الامريكية قد امرت سفيرها في الرياض بعدم فتح موضوع الصواريخ مرة أخرى.
وصل فيليب حبيب للمملكة واريته الرسائل التي جائتني منذ مارس ١٢. نظر في الرسالة واخبرني: هذه ليست سياستنا بخصوص هذه القضية!
في اليوم التالي ذهبنا للقاء الملك فد وحضر اللقاء بوب اوكلي و بيل كيربي و بول كونسيلور الان لا أتذكر ما حدث الا ان فيليب حبيب قال والان يا جلالة الملك، نريد ان نرى الصواريخ باعيننا. انه امر في اقصى درجات الاهمية بالنسبة لنا.
قال الملك انها ليست نووية وانه لن يسمح لاحد بان يراها. فيليب حبيب اصر على موقفه قائلا، جلالتكم، لا شك ان كلامكم فوق أي شكوك لكن لاسباب تخصنا نرغب في روية هذه الصواريخ غير النووية ونرغب ان نتأكد ان العمل على واقع الاطلاق قد توقف تماما.
عندها قال الملك فهد: اعتقد ان السفير الأمريكي كان يتدخل في امر كان يجب ان لا يتدخل فيه. عندها انفجر الملك فهد على الوفد الأمريكي قائلا انه عرف وفودا وسفراء أمريكيين كثر على مر السنين وكانوا جميعا أصدقاء مقربين للمملكة، قال انه يشعر بالانزعاج ثم وجه كلامه للسفير الأمريكي قائلا: اذا كانت الدماء الايرانية هي ما يقود السفير الأمريكي فليبقيها داخله. انتهى اللقاء.
لن انسى تلك اللحظة التي سماها المستشار بيل كيربي: الانفجار الملكي! لقد شعرت بالاهانة من كلمات الملك. عدت للسفارة فوجدت صدى غضب الملك علي قد وصل الى هناك. في اليوم التالي أرسلت لي وزارة الخارجية الامريكية امرا بانهاء خدماتي لدي السعودية وان وجودي داخل المملكة سيعيق العلاقات السعودية الامريكية
كنت أتمنى ان ينتظروا وقتا طويلا احتراما لخدمتي كسفير امريكي حتى لا يظهر الامر وكانني طردت من السعودية. لكن وللأسف تم سحبي خلال أسبوعين من المملكة. انتهت مدتي في السعودية ولم نتمكن من اقناع السعوديين بالسماح لنا ان نشاهد تلك الصواريخ.
حديث السفير الأمريكي مستمر في مذكراته لكن ترجمت هذه الجزئية لانها تختص بما حدث في تلك الفترة المهمة.
شكرا،
التعديل الأخير: