25 مليار دولار استثمارات بمحطات شمسية وأخرى للرياح
هذه استراتيجية الجزائر لتطوير الهيدروجين
تظهر وثيقة لوزارة الطاقة والمناجم تفاصيل ومعالم خارطة الطريق الجزائرية فيما يتعلق بالهيدروجين والتي ستمر عبر 3 مراحل رئيسية وصولا إلى عام 2050، بشكل سيجعل من الجزائر مركزا عالميا لهذا المورد الطاقوي النظيف، بإيرادات سنوية متوقعة في حدود 10 مليارات دولار، واستثمارات تقارب 25 مليار دولار.
وورد في وثيقة الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين التي أعدتها وزارة الطاقة، اطلعت “الشروق” على نسخة منها، أن الجزائر تتمتع بفرص مؤكدة لتطوير الهيدروجين بشكل فعال ومستدام بالنظر لموقعها الجغرافي المتميز والقريب من السوق الأوروبية، ومواردها الشمسية الكبيرة واحتياطاتها المائية وبنيتها التحتية الصلبة والواسعة للغاز والكهرباء ومراكزها البحثية والجامعات النشطة والفعالة، وقاعدتها الصناعية المتنامية وإتقانها وثباتها بفضل المعرفة في مجال إنتاج الهيدروجين الرمادي والأمونيا واليوريا والتكرير والبتروكيماويات.
وتشير الوثيقة إلى أن الجزائر تولي اهتماما خاصا لتطوير الهيدروجين لعدة أسباب، في مقدمتها رغبتها في تصدير الطاقات النظيفة بشكل متزايد، حيث تعتزم التموقع على الساحة الدولية للطاقة كمورد أساسي وموثوق للهيدروجين النظيف وجعل هذا المورد الطاقوي محركا للنمو الاقتصادي وزيادة مداخيل البلاد من العملة الصعبة خارج قطاع المحروقات.
أما السبب الثاني فيتعلق باغتنام الفرص الاقتصادية على الصعيد الداخلي، من منطلق أن هذا المورد الطاقوي النظيف له استعمالات متعددة، على غرار النقل والتدفئة وإنتاج الكهرباء، إضافة إلى الاستخدامات المتعددة أيضا في القطاع الصناعي.
وستمرّ الاستراتيجية الوطنية لتطوير
الهيدروجين بثلاث مراحل رئيسية،
الأولى تعتبر بمثابة فترة تجريبية بمشاريع قصيرة المدى، تمتد من 2023 إلى 2030، ومرحلة ثانية من 2030 إلى 2040، وهي فترة إنشاء الأسواق، والثالثة من 2040 إلى 2050، وهي التي ستعرف دخول المنافسة من خلال التصنيع والتصدير.
وتشدد الوثيقة على أن تطوير الاستخدامات المتعددة للهيدروجين ستسمح ببروز شُعب صناعية وتكنولوجية جديدة، فضلا عن خلق فرص للابتكار ومناصب العمل الدائمة، والمساهمة في إزالة البصمة الكربونية من عديد القطاعات.
أما العامل الثالث والأخير، فيتمثل في تطوير شامل وعلى نطاق واسع للطاقات المتجددة، بحيث أن تطوير هذه الشعبة سيتيح رفع حصة الطاقات النظيفة في المزيج الطاقوي للبلاد، وضمان مرونة أكبر لشبكة الكهرباء الوطنية، ونتيجة لذلك تضيف الوثيقة، فإن تطوير الهيدروجين المتجدد والنظيف في الجزائر لن يساهم فقط في الوفاء بالتزامات البلاد المناخية من خلال تقليل البصمة الكربونية للعديد من قطاعات النشاط، ولكنه سيوفر أيضا إمكانية الوصول إلى الاستثمارات الخضراء النظيفة من المؤسسات المالية الدولية.
وتقوم خارطة الطريق الجزائرية التي أعدتها وزارة الطاقة والمناجم لتطوير الهيدروجين على ستة محاور رئيسية، تتمثل في إنشاء إطار تنظيمي ومعياري ومؤسساتي مناسب يحكم كافة الأنشطة المرتبطة بإنتاج وتخزين ونقل واستخدام الهيدروجين، وتنمية رأس المال البشري، وتنفيذ إجراءات ضمان التكامل الصناعي (خدمات، دراسات ومشتريات ومدخلات ومعدات، وغيرها)، وإنشاء آليات التمويل المناسبة والتدابير التحفيزية، وتطوير التعاون الدولي لنقل التكنولوجيا والمساعدة الفنية، وأخيرا نشر أو دمقرطة شعبة الهيدروجين.
وتبلغ تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر حاليا بين 3 و6 دولار للكيلوغرام الواحد، وتتوقع عديد الدراسات، حسب نفس الوثيقة، أن تشهد تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر انخفاضا كبيرا خلال السنوات المقبلة، مدفوعة بتطورات كبيرة، لاسيما على مستوى التكلفة والكفاءة وعمر المحلل الكهربائي، وتكلفة الكهرباء من المصادر المتجددة، وزمن التشغيل السنوي للمحلل الكهربائي.
هذه دوافع تطوير شعبة الهيدروجين في الجزائر
واعتبرت الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين أن الجزائر تتوفر على جملة من المزايا والمقومات التي تضعها في الصدارة لتصبح فاعلا إقليميا ودوليا هاما في هذا المجال، وخصوصا الهيدروجين الأخضر.
وفي مقدمة هذه المزايا يأتي الموقع الجغرافي المتميز والإمكانات الهائلة في مجال الطاقات المتجددة. وتشرح الوثيقة في هذا الصدد أن مدة سطوع الشمس على كامل التراب الوطني تصل 2000 ساعة في السنة، ويمكن أن تصل 3900 ساعة في الهضاب العليا والصحراء، بينما يقدر الإشعاع الأفقي الشامل (الكلي) (GHI) بحوالي 1700 كيلووات ساعة / متر المربع / سنة في الشمال و2263 كيلووات ساعة/ متر مربع/ سنة في جنوب البلاد).
كما أن طاقة الرياح المتوفرة في البلاد يمكن أن يكون لها دور رئيسي في تخفيض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر، وفق الوثيقة ذاتها، فضلا عن مزايا القرب من السوق الأوروبية، والمنشآت المينائية والشريط الساحلي الذي يفوق 1200 كيلومتر، ما سيضع الجزائر في الصدارة ويجعل منها مركزا (Hub) للهيدروجين المتجدد والنظيف في البحر المتوسط.
واستدركت وزارة الطاقة مؤكدة على أنه رغم كل ما تم ذكره من مقومات ومزايا، إلا أنه يتعين بذل الكثير من الجهود لتطوير وتحديث البنى التحتية الموجودة، أو حتى إنشاء أخرى جديدة إذا لزم الأمر، من أجل ضمان تسيير عملياتي أفضل للشعبة وتقليل التكاليف.
كما عددت الخارطة الوطنية للهيدروجين مزايا أخرى لتطوير هذه العشبية، منها شبكة الكهرباء الوطنية الواسعة والمرنة، بطول 367 ألف 576 كيلومتر لشبكة التوزيع، وشبكة خطوط أنابيب لنقل الغاز والمحروقات على المستوى الوطني وأخرى عابرة للحدود تربطها بأوروبا، واحتياطات مائية خصوصا جوفية هائلة، ولكن خصوصا تكلفة إنتاج تنافسية جدا، بفضل المقومات التي تمتلكها والقرب الجغرافي من أورزبا.
ويظهر رسم بياني ورد في الوثيقة مقارنة لتكلفة الهيدروجين المورد على ألمانيا في حدود سنة 20240 من عدة بلدان،
أن تكلفة الإنتاج في الجزائر هي الأقل عالميا في حين تعتبر السعودية هي الأعلى.
ومن هذا المنظور فإن الجزائر تسعى، وفق خارطة الطريق، إلى الاستفادة من إمكاناتها لإنتاج وتصدير ما بين 30 إلى 40 تيراواط/ ساعة في شكل هيدروجين غازي أو سائل أو مشتقات،
وهي كميات موجهة لإمداد السوق الأوروبي بنحو 10 بالمائة من احتياجاته في حدود سنة 2040، مشيرة على انه وفقا لسعر بيع جد تنافسي لهذا المورد الطاقوي،
فإن الجزائر يمكنها تحقيق مداخيل بـ10 مليار دولار سنويا.
ويضاف إلى هذه الكميات المنتجة من الهيدروجين الأخضر (30-40 تيراواط/ ساعة) التي ستوجه حصريا للتصدير، نحو 10 تيراواط/ ساعة من الهيدروجين الأزرق، التي ستوجه لتغطية احتياجات السوق الوطنية.
ولأجل بلوغ ما ذكر من أهداف، فإن الجزائر ستعتمد في مرحلة أولى على إنجاز مشاريع نموذجية بقدرة إنتاجية من 2 إلى 50 ميغاواط من قدرة التحليل الكهربائي، مما يسمح لها باختبار تقنيات مختلفة لإنتاج واستخدام الهيدروجين ومشتقاته وتقييم “نماذج الأعمال” المختلفة.
وبغية إنتاج الهيدروجين الأخضر، فإن الإستراتيجية الوطنية لتطوير هذه الشعبة ستعتمد فقط على محطات شمسية كهروضوئية والتي تعمل بقوة الرياح لإنتاج الكهرباء التي تستخدم لتحليل المياه، ما سيسمح بإنتاج نحو 1 مليون طن من الهيدروجين الأخضر في حدود 2040، بحيث يتم إنتاج 70 بالمائة منها انطلاقا من كهرباء محطات شمسية، و30 بالمائة من محطات الرياح.
أما فيما يتعلق بتقنية التحليل الكهربائي التي تم اختيارها لمرافقة الإستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين، فقد تم الاعتماد فقط على المحللات الكهربائية من نوع PEM والتي أثبتت نضجها التكنولوجي.
استثمارات بـ24.8 مليار دولار
وتكشف خارطة الطريق الجزائرية لتطوير الهيدروجين، أن الاستثمارات في هذه الشعبة تتطور مستوياتها بناء على مستجدات السوق وتقنيات التحليل الكهربائي، مشيرة إلى أن إنتاج 40 تراواسط/ ساعة من الهيدروجين بحلول 2040، خصصت لها استثمارات بواقع 24.8 مليار دولار، بدون احتساب تكاليف التخزين (الكهرباء والهيدروجين).
وتشير التقديرات الأولية لوزارة الطاقة بشأن الاستبدال الجزئي والمتوسط والطويل المدى للغاز الطبيعي بالهيدروجين في توربينات الغاز (TG)، بأن يتم توفير ما بين 2.7 إلى 3.5 مليار دولار سنويا، بينما ستبلغ كميات الغاز الطبيعي التي يتم توفيرها (لا تحرق لإنتاج الكهرباء) ما بين 2.5 إلى 6.3 مليار متر مكعب سنويا.
كما ستسمح مشاريع تطوير شعبة الهيدروجين في الفترة من 2035 إلى 2040 من توفير ما بين 16.4 إلى 38.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يعادل ماليا 9.1 إلى 21.2 مليار دولار.
المصدر