إضــــــاءات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن المسافر إلى ربه في درب العبودية في هذه الحياة الدنيا، يحتاج إلى مُعينٍ على معتركه الطويل، وناصحٍ أمين يثبته أمام عوائق الطريق وشواغل السفر، ومـُبصـِّر إياه بمواطن الخلل وأماكن العطب حتى يجتنبها، ومـُصـِّبر له حتى لا يستثقل المسير، ولا يمل ولا يكل من مشقة السعي، وأيضاً يحتاج لحادٍ يحدوه فيعطيه الأمل ويحبب إليه العمل فتتجدد العزيمة، وتسمو الهمة، وينشط المسافر الذي ربما يعتريه الكسل والفتور.
وبالجملة فهذه بعض الإضاءات -التي تفور في الفؤاد- أحببت أن أهديها لإخواني السائرين في الطريق لربهم، عسى الله أن ينفع بها ويـُكتبَ لها القبول، تذكرةً للكاتب قبل القارئ، وهي لمحات وقطوف عابرة، تركتُ القلم فيها على سجِـيَّـته، وأطلقتُ عنان النفـْس لتخرج الكلمات من القلب وللقلب، جاءت على عجالة وانشغال، مع قلة علم، فهي من جراب خالٍ، وأرض جدباء، وإلاّ فالمزيد والمزيد دونك إيّاه بتدبر آي القرآن الكريم وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكلام العلماء الربانيين.
وربـــك ليس إمساكي لبخلــــي ولـكـن لا يـفي بالخرج دخـلي
وفــي نفسي السماحة غير أنــــِّي على قدر الكساء مـددت رجلي
إضاءة بـِـشـْـر: حقيق بالمؤمن أن يفرح
فمـِن منّة الله -تعالى- على هذه الأمة أن جعل لها مواسم للخيرات، يتعرض العبد لنفحات من عند الله -تبارك وتعالى-، ويتقلب في عبوديته -عز وجل-، من طاعة لأخرى، ومن خير لخير، وقد مـنّ الله عليه برعايته، وكَلأَه بحفظه، بتعاهد الإنسان بالطاعات وتذكيره بأيام القربات، فالنفس تنسى وتفتر وتغفل، فيكون ذلك تجديداً للإيمان الذي يـَبْـلى كما يبلى الثوب الخـَـلِـق، وبعثاً لروح المحبة لله، فيقبل العبد على ربه إقبال الراغب المحب، المستبشر الواثق.
فتلك هي النعمة الحقيقية، ومن لم يرَ لله عليه نعمة إلاّ في مطعم أو مشرب أو صحة وعافية فهو لم يعرف ربه تمام المعرفة، ولم يدخل جنّة القرب من الله بعد.
فإذا فرح الناس بحصول المطلوب من عرض الدنيا لهم -من مال أو ولد أو جاه ومنصب- فالمؤمن يفرح بعطية الله له من هذه الطاعات لاسيما أيام القربات والنفحات.
وإذا فرح الناس بانتسابهم لذوي العزة والسلطان، يلتمسون عندهم الرفعة والأمان، فالمؤمن يفرح لدخوله تحت مظلة العبودية للواحد الدّيان، وتشريفه بعبوديته للرحمن.
وإذا فرح الناس بمعافاتهم من الأمراض والفقر والخوف وغيرها من البلايا، أفلا يحق للمؤمن أن يفرح باستقامته على أمر ربه، ومعافاته من بلايا الذنوب وهوان المعاصي وذل البعد عن الله؟!
وإن فرح الناس بتحقق آمالهم التي كانوا لها يخططون، ونيل مآربهم التي عملوا من أجلها، وإن يحزن الناس لمّا تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن مطالبهم -إن هم كذلك- فالمؤمن حاله لا كحالهم، راضٍ عن ربه، مطمئن قلبه بما قـُسم وقـُدّر له، فيكون مرتاح البال، ساكن السريرة، أفلا يحق له أن يفرح؟!
فيا من التزمت طريق الهداية أبشر وتهلل، ولا يصيبنـّك شيء من الهم والحزن، فحقيق بك أن تفرح ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:58].
إضاءةٌ للبدء: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾
اعلم -رحمك الله- أنّ الله فاوت بين قدرات البشر، ونوّع بين مواهبهم -لحكم جليلة-، بل وحتى في "رزق الطاعات" الذي وهبه للطائعين جعل الهمم مختلفة، وحب ألوان البر وصنوف الخيرات متباين بين الناس.
وفي الطريق إلى الله هناك مسارات عديدة -كلها داخل الطريق- توصل إلى المقصود بإذن الله -تعالى-، وأبواب متعددة فـُتحت لنيل المراد، وما على الراغب إلاّ أن يلج، فمن أراد الدخول من باب الصلاة فليفعل، ومن أراد من باب الصيام فليفعل، ومن أراد من باب القرآن أو الصدقة أو صلة الأرحام أو حب المسلمين وسلامة الصدر لهم وغيرها وغيرها، من أراد فليدخل.
والحاصل أن مواسم الخيرات وأيام القربات لم تدع لمتكاسل عذراً، ولا لمتوانٍ سبيلاً.
عبدَ الله، الميدان واسع، والسباق حامٍ، والمنافسة شريفة لا على عارض دنيوي زائل، بل الغاية الله، والموعد هناك "الجنة" عند نهاية السباق، وما على المتنافسين إلا البدء والصدق والإخلاص... والله المستعان.
ومِن فضل الله ورحمته أن يفتح على بعض عباده من كل الأبواب، وييسر كل السبل للولوج إليه، فتجدهم سبـّاقين لكل خير، فرسان في كل الميادين، (من أصبح اليوم منكم صائما ؟ قال أبو بكر أنا، من شيع اليوم منكم جنازة؟ قال أبو بكر أنا، من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر أنا، من تصدق اليوم منكم بصدقة؟ قال أبو بكر أنا).
وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ما عليك أخي إلا أن تفتش في نفسك، وتمعن النظر في مواهبك، لابد أنه حـُبِّـبت لك طاعة، ويـُسـِّر لك خير، فلماذا لا تدخل الحلبة وتسابق ؟؟!
﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد:21]
إضاءة تحذير: إياك وهؤلاء
وأنت في طريقك لربك أيضاً -أخي الكريم- احذر:
- احذر من نفسك أولاً فهي عدوك اللدود، وهي غريمك الخفي، من أطاعها أوردته المهالك، ومن خالفها نجا، تعرض لك بألوان المعاذير لتثـبِّـطك، وتشغلك بالعوارض لتصرفك عن هدفك وتثنيك، فإن أبيت إلا المسير، تحايلت عليك لتوهن قـُوّتك وتـُفـَتـِّـر من خطواتك، تدعوك للتأمل في منازل الطريق، والتمتع بمناظر جـَنـَباته الخلاّبة لعلك تقف أو تبطئ أوتركن لشيء منها، فهنا تنال النفس مناها، وترد مشربها.
- احذر الغرور بسَيْرك، والعـُجب بعملك، فإن كانت من طاعة اكتسبتها فهي محض مـِنّة من ربك، وإن كان ثـَمّ خير عملته فهو بتوفيق ربك لك، واصطفائه واختياره لتكون من الطائعين الخيَّرين.
وإلاّ فسل نفسك:
لماذا حُرم غيرك وأُعطيت أنت؟
لماذا حين كنت تذكر ربك كان غيرك غافلاً؟
وحين كنت شاكراً كان غيرك كافراً؟
وحين أسلمت وجهك لربك تمرغت أنوف كثيرة في وحل عبودية غير الله؟
وحين هداك أضلَّ كثيرين؟
وغيرها من أسئلة كثيرة مفادها... إنها نعمة الله وفضله وجوده.
فهل بعد ذلك تزهو النفس وتُـسَّـول لصاحبها بـ (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)، أم تنكسر لله، وترد الفضل لأهله ولسان الحال:
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلـَّينا
- واحذر أيضاً وحشة أن تتسرب لقلبك من قـِلة السائرين في الطريق معك، أو يأساً وقنوطاً من طول السفر، أو وسوسة شيطان إذا رأيت من يرتد على عقبيه أو يعود القهقرى.
لا عليك إلاّ المضي، فاصبر في سيرك، واستعن بربك، وقدوتك: السالكون السابقون ممن وصلوا، ودخلوا، وفـُـتحت لهم الأبواب.
اسلك طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين
وإيـّاك وطرق الضلالة ولا يغرك كثرة الهالكين
- واحذر من تصورٍ واهمٍ أنك تستطيع السفرَ بمعزل عن رفقة الخير، وقطعَ الطريق دون ركب الصالحين، هيهات.... فإن وجدتهم فعض عليهم بالنواجذ، وتمسك بصحبتهم وإن كنت فيهم تابعا لا متبوعاً،ذيلاً لا رأساً، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
ثم لهم عليك حق المحبة في الله، وترك الشقاق والنزاع وأسباب الفرقة، ولهم عليك حق النصح بالرفق، والأمر بالمعروف، تقيل عثرة الساقط، وتعلم الجاهل، وتعين المحتاج.
فهم شركاء الطريق ورفقاء الدرب، وبالجملة بذل الخير لهم في الله ولله.
خذ مـا أردت من الدنيا وأهليها لكن تعـلـَّم قليلا كيف تعطيها
كن وردة ً طيبها حتى لسارقها لا دَمِـنَـة خُبثها حتى لساقـيـها
وانظر إلى الماء إن البذل شيمته يأتي الحقول ويسقيها فيرويها
فــمـا تـعـكـَّر إلا وهو منحـبـس والنـَّفـْس كالماء تحكيه ويحكيها
- وأخيراً احذر من ترك الطريق الواضح الأغر، لتطرق طرقاً معوجة أو سبلاً لم تسلك من قبل، ظاناً أن ذلك يوصل للمراد، سِـْر على درب من سبقك، إمامك محمد -صلى الله عليه وسلم-، ورفقتك من اتبع هداه، وقد كـُفيت مشقة البحث وعنت التجارب، فلا تبدِّلـنّ، ولا تبتدعنّ محدثا من الأمر، فقد وصل لك الدين كاملاً، والشريعة وافية، وما لم يكن يوم النبي صلى الله عليه وسلّم-ديناً فليس اليوم بدين.
إضاءةٌ للتمهل: وقفة مراجعة
والسائرون بشوق إلى الله يحتاجون جـُلّ الحاجة لوقفات مراجعة أثناء سيرهم، لتحرير معنى الإخلاص، وصرف النيّة لباريها، فلا تلتفت لمرادك من الناس، ولا لمراد الناس منك، بل وحـِّد وجهتك، وخلِّ مقصدك، واجعل إرادتك صافية لربك -تعالى-، تـنـل القبول عند الله، فذلك مراد الله منك ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:5]، أما أن تلتف لتعليقات من حولك عنك أثناء سيرك، بالمدح والذم، والرضا والسخط، فلن تسلم لك نفسك ولن يخلص لك عملك، وإنما الأعمال بالنّيات.
إضاءة تنبيه: هل جهزت الزاد؟
أخي المسافر، كل من أراد الخروج لرحلة أعد لها زاداً، وجهـّز ما يعينه على سفره، من راحلة وطعام وشراب ومال، لكن السالك طريق ربه زاده مختلف، فهو يتخفف من متاع الدنيا التي يتقاتل عليها الناس فتقتلهم، ويجمعون منها فتثقل عاتقهم، وتكل كاهلهم، فيسقطون من مشقة الحمل، ويخرجون من الدنيا بعد ذلك صفر اليدين، ومصيبة المرء في الزاد الفاني مصيبتان: يؤخذ منه كـُلـّه، ويـُسأل عنه كـُلـّه.
أما العبد الرباني المسافر لربه يخفف من متاع الدنيا لأنه يعلم أنه بين يدي الله موقوف، وعن الصغير والكبير والنقير والقطمير مسئول، في المقابل يحمل معه في رحلته ما يبلغه مقصوده، فيتزود بطاعة ربه، ويدخر عملاً صالحاً يجد ثوابه يوم الحساب، وزاده تقوى الله ﴿وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة:197]
إضاءة توضيح: النعيم لا يدرك بالنعيم
واعلم -رعاك الله- أن الطريق الذي اخترت ليس مذللاً من الصعاب، ولا ممهداً من العقبات، فضلاً أن يكون مفروشاً بالورود، بل العقبة كئود، والناصر قليل، والعدو قاعد بكل مرصد، متربص بك الدوائر.
الطريق طويل شاق مليء بالفتن من كل لون، فتن الشهوات والشبهات، فالأولى دواءها الإيمان وتقوى الله في السر والعلن، والأخرى علاجها العلم والبصيرة والاستمساك بالهدي النبوي، ثم بالصبر والتوكل في هذه وتلك ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155].
الطريق محفوف بالمكاره، كلما تـقـْرُب فيه من مولاك ز ِيد لك في البلاء، محواً للسيئات، ورفعاً للدرجات، وإحقاقاً لسُنّة الله في الأرض ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت:2].
الطريق يـُقطع بالصبر والاحتساب واليقين، ولا مساومة بين رغد العيش وطيب المنام، وبين طلب الموت في مظانـّه، ذلك لخـُطـّاب الجنة، أين المهر؟ ولزاعمي المحبة، هاتوا البرهان... ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة:214].
الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السّنة، أمضى عمره بين تعلم وتعليم، إحياءً للسّنة وقمعاً للبدع، ذاق البلاء من ضرب وشتم وحبس، حياته كد وتعب ن فلـّما يـُسأل متى الراحة يا إمام؟ يقول: عند أول قدم تضعها في الجـَنـّة.
لا تحسبن المجد شهداً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعـق الصبِرا
إضاءةٌ مُشْرقة: نعم أنت تستطيع
نعم أخي في الله أنت تستطيع، تستطيع بفضل الله أن تكون أفضل، أن تـتـغـّير للأحسن، أن تـتـحـلـَّى بالجميل، وأن تـتـخـلـَّى عن كل قبيح، لاسيما في مواسم الخيرات وأيام الطاعات والقرب من الله.
ها أنت ذا قد فـجـَّرت ينابيع الخير في نفسك، واكتشفت مكامن النور في قلبك وعقلك، فأنت تستطيع.
أنت الذي كنت تتكاسل عن الصلوات، وتفتر خطاك ربما عن المساجد، فإذا بك أيام الطاعات والقربات ومواسم النفحات تتسابق للصف الأول، وتبادر لتكبيرة الإحرام.
أنت الذي لطالما توانيت عن تلاوة القرآن حتى كدت تهجره، -وكثير من مصاحفنا علاها التراب- ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، إذ بك اليوم تـتـلو وتـتـلو ولا تكاد تتوقف، تنهل من معينه الرقراق ولا ترتوي، وقد أحببت القرآن، واطمأنت نفسك بكلام الرحمن... نعم إنك تستطيع.
وأنت الذي كنت ربما تـتـردد قبل أن تخرج جنيهاً من جيبك لله، تنازعك نفسك وتذكـِّر بحقوق كثيرة هنا وهناك، فإذا بك أنت أنت الذي تنفق باليمين والشمال، عطاء من لا يخشى الفاقة.
وروحك التي كانت تمل ربما من إطالة الإمام في صلاة الفجر أو العشاء، هي هي الآن التي تـتـلذذ بالقيام، هي هي التي ذاقت حلاوة الصلاة وأنس المناجاة، هي هي التي جعلت قرة عينها الصلاة. وقـِس على هذا في دروب الخير وصنوف الطاعات.
وحاصل الأمر أنك اكتشفت وبالتجربة العملية أنك بفضل الله تستطيع، فإياك بعد أن أكرمك مولاك أن ترتد على عقبيك، فودع حياة التخاذل والدَّعة واستعن بالله ولا تعجز، بعزيمة قوية وهمة تناطح السحاب.
على قدر أهل العزم تـأتي العزائم وتـأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
إضاءةٌ مُحْرقة: قل موتوا بغيظكم
إنها إضاءة من شهب حارقة، ونار تلظـَّى، لأولئك الحاقدين على ركب الصالحين، المـُعـوِّقين لقافلة السفر إلى الله، من الكافرين والمنافقين والفاسقين.
فهم لا يحبون أن ينتشر نور الله في الأرض، وهم يخشون من إقبال الخلق على خالقهم، وعودة الناس لدينهم، -خاصة ما يرونه من مظاهر الخير في مواسم الطاعات-، وهم يعلمون أن ذلك بداية لنهضة إسلامية كبرى، وصحوة إيمانية تعم البلاد وقلوب العباد، لذلك يدركون جيداً خطورة أن يستفيق المارد الإسلامي من غفوته، ويتململ في قيوده، خطورة ذلك عليهم لأنهم حال حكم الإسلام للأنام، هم أول من ستقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وينفوا من الأرض لفسادهم، هم أول من سيختنقون بنسيم الحق لأنهم ما عهدوا إلا العيش في أجواء الباطل، وهم سيتنافرون مع مجتمع الإيمان لأنهم ما ألفوا إلا رفقة الشر وما صحبوا إلا زمرة السوء والطيور على أشكالها تقع.
تأتي هذه الإضاءة المحرقة لتقذف بها واضحة مدوّية في نحورهم ووجوههم ﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ﴾، إن وعد الله آت، ودين الله غالب، وشرع الرحمن عال ونوره باد، ولو كرهتم وتواطأتم ومكرتم وتآمرتم، فالمستقبل للإسلام.
نعم... مازال أمامنا شوط كبير يـُقطع، ولبـِنات في صرح الدين تـُبنى، وأجيالاً على معاني العقيدة تـُربّى... نعم.
إن من يكتفي بالتزام ظاهر لقوافل العائدين وفقط يخدع نفسه وأمـَّـته، ومن يفرح بتعاطف الجماهير مع الخير وفقط دون ترجمة واقعية عملية لخدمة الإسلام لواهم، ومن يغتر بكثرة عددية دون تربية وتصفية وتحلية وتخلية كمن يغتر بالسراب ويـُمـنـِّي نفسه بالأماني، وليس كل ما يلمع ذهباً!
لكن حسبنا أن الله ناصر دينه، ومـُعز جنده، ومخزي الكافرين وحده، وحسبنا توكل على الله في رد الناس لدينه رداً جميلاً وشرح الصدور للإسلام، وتزيين الإيمان في القلوب.
والله مولانا ولا مولى لهم.
وبعد أخي الكريم كانت هذه بعض الكلمات أحببت أن أنصح بها أخواني في أيام الخيرات ومواسم الطاعات، فهي جهد مقل وهدايا فقير من مشفق محب، عسى يـُكتب لها القبول.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.