وكان وزراء الدفاع الروس جميعهم ابتداءً من بافيل غراتشوف وحتى سيرجي ايفانوف قد تطرقوا الى موضوع الاصلاحات الجذرية للقوات المناطة عليهم. الا ان الامر اقتصرعادة باجراءت محدودة النطاق مثل الاندماج بين القوات الجوية والدفاع الجوي واخضاع طيران الجيش للقوات البرية وتحويل الوحدات المرابطة في شبه جزيرة كامتشاتكا الى حوزة الاسطول. وفي النتيجة فان الجيش الروسي كله عبارة في عام 2008 عن آلة ضخمة سوفيتية الطراز فات أوانها ومقصرة بالقطع والمخصصة لخوض الحرب الشاملة.
وكان رئيس هيئة الاركان العامة الاسبق يوري بالويفسكي قد حاول في عهد الوزير السابق ايفانوف وبموافقته غير العلنية انشاء قيادات استراتيجية ثلاثة وهي القيادة الجنوبية والقيادة الشرقية والقيادة الغربية التي من شأنها استبدال المناطق العسكرية والقيادات الكثيرة التي اختارت موسكو مقرا لها. وقد اعد ارشادات بهذا الصدد ، غير انه لم ينجح في اقرارها بسبب اقالته.
وكما اتضح الآن فقد نضج بمحيط وزير الدفاع الحالي الى جانب فكرة الجنرال بالويفسكي العسكرية مشروع اكثر راديكالية. وفي حين لم يفكر رئيس الاركان الاسبق الا في مستوى المناطق العسكرية والجيوش المنفردة يُخطط حاليا لاستبدال التراتبية السابقة وهي "منطقة عسكرية وجيش وفرقة وفوج" بتراتبية جديدة وهي " منطقة عسكرية وقيادة عملياتية ولواء".
ويقول مصدر في وزارة الدفاع الروسية انه لم يتضح بعد مخطط ومواعيد يتم بموجبها تسريح الفرق والافواج المتعددة. غير ان الكثير من الجنرالات يدرك الآن ان هذا العمل سينجز مهما كانت الظروف. وقد تم الاستفتاء في وسط العسكريين المتقاعدين والخبراء المدنيين بهذا الشأن والذي يدل على ان معظمهم يميلون الى الاعتقاد ان برنامج سيرديوكوف المعلن عنه مؤخرا يتضمن عناصر العقل السليم والادارية على حد السواء.
ويعتقد الجنرال ايغور روديونوف وزير الدفاع الروسي الاسبق ان الانتقال السريع الى نظام الالوية له علاقة مباشرة بالحرب الاخيرة في اوسيتيا الجنوبية. ويحذر روديونوف قائلا: " قد اقنع الانتصار في مسرح العمليات المحدود قيادة البلاد على ان توفر الوحدات العسكرية الصغيرة سريعة الحركة هو مقدمة للنجاح في النزاع الحديث . غير لان الحرب الكبرى فقط هي التي تؤكد صحة هذا القرار".
ومن جهة اخرى يعبر روسلان بوخوف مدير مركز الدراسات والتقكنولوجيات الاستراتيجية عن قناعته بان احدا لا يشك في ان نظام الالوية المتقترح به اكثر تقدما. وتستعين به جيوش العالم الرئيسية كله، اما نظام الفرق والافواج ففات اوانه منذ زمن بعيد. ويستحسن ان نمتلك في الظروف الراهنة عدة الوية كاملة الملاك مما نعتمد على فرقة ضعيفة.
ويرى الخبراء ان الانتقال الى نظام الالوية له علاقة بزيادة عدد الضباط برتبة الملازم وملازم الاول في القوات المسلحة بحلول عام 2012 حتى 60 الف ضابط ، ولدى ذلك يتم تقليص مناصب الضباط الكبار بمقدار اكثر من مرتين. واوضح الوزير ان هدف هذا التدبير هو ان يحصل الجيش على "قادة حقيقيين للوحدات الحقيقية وليس بمدراء المستودعات الوهمية".
كما يتم تقليص تعداد الجنرالاات من 1.1 الف جنرال حتى 900 جنرال. اما تعداد الهيئات المركزية لوزارة الدفاع واجهزة القيادة العسكرية ( يبلغ عددهم الاجمالي حاليا 21813 فردا) فسينخفض بحلول عام 2012 بمقدار مرتين ونصف مرة ويبلغ 8500 فرد.
وينوه مصدر في وزارة الدفاع بان القرار الخاص بإجراء تقليصات في الجيش يثير غضبا لدى "البيئة المحافظة في وسط الضباط" المعتادين على النظام القديم. ويقول المصدر ان هذا النظام لا رجعة له. وقد اتخذ القرار على مستوى قيادة الدولة. وبحسب قول المصدر فان وزير الدفاع قد اجرى لقاءات توضيحية مع ممثلي رئيس الدولة في الاقاليم للحيلولة دون الأخطار السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحتملة الناجمة عن عملية التقليص القادمة. وأشار الوزير ان كل ضابط يجب ان يعرف مصيره اللاحق أي من سيقلص واين يتم التقليص وما سيناله من التعويضات المالية.
واعرب المصدر عن قناعته أن هذه المسائل سيعمل عليها الآن المحافظون في الاقاليم ورؤساء البلديات.
وقدم وزير الدفاع في يوم 14 اكتوبر / نشرين الاول التوضيحات الاخيرة بشأن انشاء قوات الرد السريع مؤكدا انه لن تظهر اية قوات جديدة مبدئيا . بل سيتم تشكيل لواء واحد للانزال الجوي في كل منطقة عسكرية
( المجموع 6 الوية ). وأفاد الكسندر تشيريدنيك الناطق باسم قائد قوات الانزال الجوي الروسية بانه ليس هناك اية ارشادات بشأن موارد تشكل على اساسها وقادة تخضع اليها. وتتوفر الآن في حوزة القوات البرية إثنان من ألوية الانزال الجوي وفوج الانزال المستقل التي لا تخضع لقيادة قوات الانزال الجوي. ويرجح انه سيتم تشكيل اربعة الوية اضافية بناءً على هذا المخطط. وتتضمن حاليا قوات الانزال الجوي التي يبلغ تعدادها 34 الف فرد اربع فرق ولواء واحدا وافواجا خاصة ومركزا تدريبيا وسربا مستقلا للمروحيات.
وقد انبثق القرار بتشكيل الوية جديدة للازال الجوي عن نتائج "حرب الايام الخمسة" في جورجيا. وله علاقة مباشرة بعملية تقليص القوات المسلحة .
ويرى فيتالي تسيمبال مدير مختبر الاقتصاد العسكري في معهد الاقتصاد الانتقالي ان الحل يكمن في نقل الوحدات السريع في ظروف توفر أراض شاسعة وجيش صغير التعداد. غير ان مسألة القيادة الموحدة ما زالت مسألة رئيسية للجيش الروسي. ويقول الكسندر خرامتشيخين رئيس قسم الدراسات العسكرية في معهد الدراسات العسكرية والسياسية : " اذا كان الطيارون في طيران النقل و أفراد قوات الانزال خاضعين للقادة المختلفين وهذا ما نشهد الآن في الجيش الروسي فيمكن ان ننسى صيغة " الرد السريع".
ويرى الخبراء ايضا ان هناك مسألة هامة اخرى وهي تحديد مواقع للقيادات العملياتية في الجيش المستقبلي ضمن ظروف الحفاظ على المناطق العسكرية . ويرى الكسندر خرامتشيخين ان القيادة العملياتية والمنطقة العسكري هما تركيبة هيكلية بمسوى واحد من وجهة نظر المصطلحات العسكرية . وتستغنى الاولى عن الثانية.