هل تبيع السعودية النفط بغير الدولار، وهل تتحالف مع الشرق ضد الغطرسة الأمريكية؟
قد تعرف أسعار النفط إنخفاضا إلى 25 دولار للبرميل الواحدة في حال وقوع نظرية ” البجعة السوداء ” حسب توقعات ” بنك أوف أميركا ميريل لينش “.
وحسب موقع ” بيزينيس إنسايدر ” الشهير، فقد وجه فريق أبحاث السلع لدى شركة الخدمات التمويلية العالمية تحذيرات للمملكة العربية السعودية من خلال مذكرة حديثة للعملاء من أن تواصل قوة الدولار الأمريكي قد يدفع الرياض إلى إتخاذ أحد إحتمالين، الأول يتمثل في اللجوء إلى خفض إنتاج النفط بشكل طفيف ودفع سعر الخام إلى خمسين دولارا للبرميل، والثاني في أن تلغي المملكة ربط العملة المحلية بالدولار كما أشار الفريق إلى أن نظرية ” البجعة السوداء ” قد تتسبب في إنهيار أسعار النفط.
وكان الإنقسام قد ساد بين أوساط المحللين حول إمكانية أن تلغي المملكة ربط الريال بالدولار، ومن جانبه إعتبر جيسون توفي الخبير الاقتصادي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لدى ” كابيتال إيكونوميكس ” أن ربط عملة الرياض بالدولار سيبقى على حاله.
وللإشارة، فإن نظرية ” البجعة السوداء ” هي عبارة عن أحداث يصعب التكهن بحدوثها وهي غير متوقعة أو منتظرة.
المصدر : بيزنس انسايدر – صحيفة مال الاقتصادية
لاشك ان توجهات الصين الاخيرة في الاعتماد على النفط الروسي كبديل للنفط السعودي، ليست لأسباب سياسية أبداً، لكن الصين بدأت تركز على الدول التي تبيع نفطها بالعملة الصينية “اليوان” بدلاً من الدولار، وهو مايفسر زيادة صادرات روسيا للنفط على حساب الصادرات السعودية.
هذا وذكر نفس المصدر “بزنس انسايدر” أن واردات النفط الروسي للصين قد ارتفعت بنسبة 52% في حين انخفضت واردات السعودية الى 21% بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي 2015.
وبالطبع فالصين بدأت تعاني من سياسات امريكا العدوانية عليها من خلال حشد القوات والسفن في مناطق بحر الصين الجنوبي، والذي يؤكد نوايا الغرب ومحاولاتهم لتهديد الصين ومحاصرتها، واستغلال حلفاءها هناك من خلال إشباع اطماعهم السياسية والاقتصادية على حساب الصين التي تعد القوة الاقتصادية الوحيدة التي استطاعت التغلب على هيمنة الاقتصاد الامريكي.
السعودية تسير بطريقة متأنية وتظهر حلمها ودبلوماسيتها المعهودة، الا ان تهديدات وزير الخارجية السعودي الاخيرة ببيع السعودية لأصولها المالية، جاءت كصاعقة على الاقتصاد الامريكي، بعد ان سعت امريكا لتهديد أصول وممتلكات السعودية هناك، بإصدار قرار يجيز محاكمة الدول التي كانت ضالعة في أحداث سبتمبر، وبالطبع فالمقصود من ذلك القرار هو السعودية وليس سواها.
بل ان تحركات الصين الاخيرة تعطي المبرر للسعودية بتوجيه ضربة أقوى للاقتصاد الامريكي، بمجرد اتخاذها لقرار تصدير النفط للصين بعملتها “اليوان”، كبديل للدولار الامريكي، مايعني تخلي السعودية عن اتفاقاتها القديمة مع امريكا في مايعرف بسياسة البترودولار، التي تؤكد على السعودية التزامها ببيع نفطها للعالم بالدولار فقط، مقابل بقاء امريكا “القديمة” حليف للخليج والمملكة وان تتعهد بحماية المنطقة ودعمها في شتى المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية وحتى الاقتصادية.
يبقى السؤال الأهم هو، هل نقضت امريكا تلك العهود والمواثيق؟
بالطبع امريكا هي من نقضت وانقلبت سياستها خلال الأعوام الماضية ومنذ اندلاع ماعرف بالربيع العربي، الذي اظهر نوايا قادة الغرب التوسعية الاستعمارية ضد المنطقة، ودعمهم اللامحدود لإيران، ولو من تحت الطاولة، وتسليمها العراق وبسط يدها في دولة متاخمة لحدود المملكة، ناهيك عن مواقفها المخادعة في اليمن وسوريا وليبيا، وحتى مصر والمغرب وغيرها من دول المنطقة العربية.
السعودية عانت الأمرين من سياسات امريكا المتناقضة والهادفة أساساً لقلب المنطقة وتحقيق اجندات خفية، أو كانت خفية، وظهرت مؤخرا على السطح، لذا فإن السعودية ليست ملامة بعد الآن، سواءً قررت بيع نفطها بغير الدولار، او لجأت للسحب من اصولها في أمريكا، خاصةً وان الصين قد أعطت المملكة مبرراً جيداً نحو اتخاذ تلك الخطوات الصعبة.
لا ننسى ان اتفاقات السعودية الاخيرة مع الصين والتي جاءت مع زيارة رئيس الوزراء الصيني للملكة قبل أشهر، والتي وقعت فيها السعودية اتفاقات ضخمة مع الصين، حولت مستوى الشراكة الى حلف استراتيجي قوي بين البلدين، وإذا ماقررت المملكة بيع نفطها للصين بعملتها فستحتوذ المملكة على حصص مصدرين آخرين، وستضمن استقرار اقتصادها الذي مازال يعتمد على النفط على الأقل خلال الأربع سنوات القادمة.
لاشك لدينا ان قيادة السعودية الحكيمة والمتأنية، قادرة على تحقيق طموحها بحنكة سياسية كما عهدناها، وإذا مأتم ذلك الاتفاق، فسيكون بداية حقبة جديدة من التحالف السعودي الصيني الذي سيسحب معه المنطقة ككل نحو المعسكر الشرقي الجديد، خاصة وان أمريكا قد كشرت عن انيابها للجميع.
السؤال الاهم يبقى، ماهي ردّة فعل الولايات المتحدة الامريكية اذا ماتم ذلك التحول الكبير؟
لاشك ان امريكا استسعرت وطغت وتجبرت على الجميع، وغالبية دول المنطقة وعلى رأسها السعودية والخليج، متضررة من سياسات امريكا، وحربها الشعواء المخادعة والمتنكرة بعباءة محاربة الارهاب، بالاضافة الى مساعيها الاخيرة للإضرار باقتصاد السعودية ومحاولات التعدي على اموالها في الخارج، في تعدي صارخ للاتفاقات والقوانين الدولية، لذا فالسعودية باتت تواجه امريكا سواءً التزمت ام تلتزم باتفاقات بيع النفط مقابل الدولار.
بالاضافة، فامريكا باتت تهدد الصين و روسيا وتتعامل معهم بنفس الخداع والمكر الرامي لجرهما نحو الحروب، لذا فان انحياز المملكة والعرب نحو المعسكر الشرقي هو خَيْرٌ من البقاء بين نارين، خاصة وان مصالح المنطقة اصبحت تتفق تماما مع ذلك المعسكر، وان العدو اصبح مشتركاً، وهو العدو المتمثل في القوى الغربية الاستعمارية ذات الاطماع والمساعي التوسعية للهيمنة على العالم وإقامة حكومة عالمية موحدة فوق أنقاض الحروب، ومن على تراب المنطقة العربية.