بسم الله الرحمن الرحيم
خالد بن الوليد -رضي الله عنه-
هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة بن لعب بن لؤي بن غالب بن فهد بن مالك بن النظر ابن كنانة بن خزيم بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ابن معن بن عدنان.
تعريف بالقائد خالد بن الوليد -رضي الله عنه-
1-) إن القائد خالد بن الوليد كان غرَّة في جبين تاريخ الفتح الإسلامي ولا يزال التاريخ يذكره ويذكر عبقريته في القيادة فهو من أشهر القادة المسلمين على الإطلاق وقد عرف رضي الله عنه الحرب يافعا ً وخاض غمارها بشجاعة فائقه وقبل إسلامه حارب المسلمين فكان العدو المتمكن ثم حارب مستظلا ً براية الإسلام وقائدا ً لقوات المسلمين فأظهر البراعة في خططه والشجاعة في تنفيذها مما يجعله في مطاف عظماء القادة.
2-) خاض خالد بن الوليد معارك عديدة ضد أعداء الإسلام وأحرز في تلك المعارك انتصارات باهرة ومن بين هذه المعارك معركة اليرموك الخالدة التي كانت ضربة قاصمة وجهها رضي الله عنه بالتعاون مع جنده الأشاوس والتي أنزلت تلك الضربة القاصمة على هام الظلم والإستعباد البيزنطي وحطمته تحطيما ً. ولقد أبرزت هذه المعركة حنكة القائد الفذ خالد بن الوليد الذي قهر القوات الرومانية بخططه وتنظيماته السليمة. لقد كان لعامل الصبر والحنكة وحسن الإدارة والثبات في سبيل الحق من العوامل التي أدّت إلى انتصاراته.
3-) مولده ونشأته:- هو خالد بن الوليد بن المغيرة من بني مخزوم أحد بطون قريش اختلفت الروايات حول مولده ويرجح أنه ولد في السنة الرابعة والثلاثين قبل الهجرة كان والده الوليد بن المغيرة سيد بني مخزوم وصاحب الكلمة في قومه وأحد السادات المعدودين في قريش واشتهر بأنه أغنى أبناء زمنه ومن أحاصب الحيلة والإقدام جوادا ً متكبرا ً في جوده حتى أنه كان ينهى أن توقد غير ناره في منى لإطعام الحجيج.
وكان لكثير من بيوت العرب النبيلة صلة بخالد بن الوليد وذويه بالنسب والمصاهرة من جانب أمه أو من جانب أبيه وكان لقومه في الجاهلية أمر القبة والأعنة. والأعنه خيمة يضربونها ليجمعوا فيها عدة القتال والأعنة هي الخيل وفرسانها وكانت علامات الفروسية تلوح على خالد منذ صباه الباكر فرشحه أبوه لقيادة الخيل ولم يكن أكبر أبناءه وإذا عرفنا أن هذه الوظيفة كانت موكولة إلى قبيلته ففي ذلك الدليل القاطع على استعداده للقياده منذ صباه مما تقدم نرى أن خالد بن الوليد نشأ في بيت فيه الزعامة والسيادة والكرم وعلو النفس والأنفة والمصاهرة والعزة وكلها من عيون مفاخر قريش.
4-) نشأ خالد بن الوليد في مدرسة البادية والهواء الطلق وتربى تربية أبنائها خشن العود متعود أشظف العيش على الرياظة الطليقة والألعاب الفروسية وتحمل الشدائد والصبر على المكاره وقد كان الموسرون من سكان المدن في الجزيرة العربية يبعثون أبنائهم إلى البداية ليتعلموا فنون القتال والفروسية ثم تلعب بعد ذلك عقلية هؤلاء الصافية الخصبة وعبقريتهم الموهوبة ودورها في معالجة مواقف القتال مهما كبر مستواها ولا شك أن خالد بن الوليد قد تعلم في صباه كل ما يتعلمه الفتى المرشح للحرب والفروسية وشمائل الرئاسة شجاعا ً ومقداما ً يتفجر حيوية وقوة بدم الشباب وتصفه الروايات أنه كان طويلا ً بائن الطول عظيم الجسد والهامة مهيب الطلعة يميل إلى البياض.
5-) مجمل حروب خالد بن الوليد رضي الله عنه:-
أ- ) معركة أحد: حارب فيها ضد المسلمين مع كفار قريش.
ب) معركة مؤتة: كان أول قتال يشارك فيه رضي الله عنه بع اسلامه وهو حملة مؤتة التي أرسلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البلقاء لتأديب الغسانيين وأبلى في ذلك بلاءً حسنا ً حتى انكسرت في يده تسعة سيوف وعرف من ذلك اليوم بلقبه الذي لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم "سيف الله المسلول".
جـ) حروب الردة: شارك خالد بن الوليد رضي الله عنه في حروب الردة من بدايتها حتى نهايتها وكانت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وحارب رضي الله عنه جيش طلحة الذي امتاز بكثرة السلاح والعدد وباختيار الأرض ومع كل ذلك هزمه رضي الله عنه بعبقريته وذكائه.
د-) حروب خالد بن الوليد في العراق:-
1) معركة ذات السلاسل: قاتل في هذه المعركة جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد جيش الفرس بقيادة هرمز وهزمه وتمكن المسلمين من الإستيلاء على الكاظمية والأبلة.
2) معركة المزار: وصل رضي الله عنه إلى المزار بعد أن وصلته رسالة المثنى بطلب منه المدد ضد جيش الفرس الذي استعد بالإنتقام فحكم خالد إدارة الجيش التعبوية وانتصر على الفرس ولقن الفرس دروسا ً لن ينسوها مدى التاريخ.
3) معركة الولجة: أراد الفرس في هذه المرة بمحاربة المسلمين بأنباء جنسهم واستعانوا بأبناء القبائل العربية الموالية لهم فيما بين النهرين وتقدم خالد إلى الولجة وترك قسم من الجيش في البلاد التي فتحها حماية لظهره ودارت المعركة افلتي تم فيها النصر للمسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه.
4) معركة أليس: حشد الفرس أكبر جيش جهز بهذا العدد حتى الآن وكان قائدهم "بهمن جادويه" والتقى بخالد في منطقة أليس واستعمل رضي الله عنه جميع فنون التعبئة العسكرية وانتصر في هذه المعركة التي سجلت البطولات الإسلامية ضد دولة الفرس.
5) إنقاذ عياض: كان جيش عياض بن غنم قد أوقف من قبل القبائل الموجودة في دومة الجندل ولم يستطع التقدم فأمر الخليفة خالد بن الوليد أن ينقذ عياض فتقدم خالد من الأنباء واحتل في طريقه "عين التمر" وتقدم إلى دومة الجندل وتمكن من إنقاذ عياض. وخاض بعد ذلك عدة معارك صغيرة انتصر فيها على الفرس ومن أشهرها معركة "الفرائض" بأعلى الفرات.
وبعد هذه المعارك تقدم رضي الله عنه بأمر من الخليفة إلى الشام لمساعدة الجيوش الإسلامية الأربعة لخوض معركة اليرموك الحاسمة.
-
وبناءً عليه يمكن أن تعتبر حروب خالد في العراق بمثابة دورة لجيوش المسلمين في خوض المعارك النظامية وتأكيدا ً عليه لم يجازف الخليف الراشد بزج قوات المسلمين الموجودة في مسرح العمليات حتى ينظم عصبة خالد المدربة على خوض مثل هذه المعارك.
* المبادئ الحربية التي طبقها خالد بن الوليد -رضي الله عنه-:-
1) اختيار القصد وإدامته.
2) التعرض.
3) المفاجأة.
4) حشد القوة.
5) الإقتصاد بالجهد.
6) الأمن.
7) المرونة.
8) التعاون.
9) الإدارة.
* الصفات القيادية لخالد بن الوليد -رضي الله عنه-:
1) الشجاعة الشخصية.
2) قوة الشخصية.
3) العزم والتصميم.
4) الكفاءة والمرونة.
5) الطاعة والولاء.
6) اللياقة البدنية.
7) سبق النظر.
8) تحمل المسؤولية.
الخاتمة:-
وكذلك لعبت الصفات العقلية المتزنة والنشاط في العمل وقوة التأثير دورا ً هاما ً في نفوس مرؤوسيه الذين آمنوا إلى النصر أو الشهادة.
وتوفي رضي الله عنه بعد هذه المعارك الحاسمة وقال وهو على فراش الموت:
"لقد طلبت القتل في مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي ولقيت الزحوف وما في جسدي من شبر إلا وفيه ضربة من سيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء".
المراجع:-
العسكرية الإسلامية وقادتها العظام... للمؤلف: بهاء الدين محمد أسعد جمال الخلفات.
تحت عنوان: خالد بن الوليد (ص 102-112).
معركة اليرموك
1) الجيش الأول بقيادة أبي عبيدة الجراح وتوجه إلى حمص.
2) الجيش الثاني بقيادة يزيد بن أبي سفيان وتوجه إلى دمشق.
3) الجيش الثالث بقيادة شرحبيل بن حسنة وتوجه إلى الأردن.
4) الجيش الرابع بقيادة عمرو بن العاص وتوجه إلى فلسطين.
عندما سمع هرقل أخبار هذه الجيوش وانتصاراتها وتقدمها في حدود إمبراطوريته انتقل إلى انطاكية عن طريق دمشق - حمص لتنظيم جيوش الروم وتوجيه ضربة ساحقة لجيوش المسلمين. وبموقعه في انطاكية القريب منم العاصمة السياسية للروم (القسطنطينية) يتوفر له الدعم الإستراتيجي لقواته. ومنها يمكنه من دعم قواته في فلسطين ودمشق وحمص والأردن.
خطة هرقل لتدمير المسلمين:-
بدأ هرقل بالتفكير بالأسلوب الأمثل لمواجهة المسلمين وبخبرته الطويلة ومعرفته بطبيعة الإنسان العربي الذي تغلب عليه البداوة والصحراء قرر جر جيوش المسلمين وتوريطها بالتوغل داخل الإمبراطورية لعزلها عن الصحراء التي كان العرب يجعلونها خلفهم كدرع يحمي ظهورهم ويطيل بذلك طرق الدعم للمسلمين فيسهل عليه قطعها فيستطيع تطويقها ومن ثم جمع قوتين كبيرتين في موقعين رئيسيين الأول في فلسطين وقوامه سبعون ألف مقاتل والثاني في دمشق ليضع جيوش المسلمين بين فكي الكماشة.
وفعلا ً استطاع جيشه في فلسطين تثبيت قوات عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وبدأت قواته في الضغط على المسلمين في دمشق مما اضطرها إلى التراجع ولكن القسم الأول من خطته فشل بسبب توقف قوات المسلمين بالتوغل داخل الإمبراطورية.
ونتيجة لفشل الجزء الأول من الخطة قرر مواجهة كل جيش على انفراد وتحطيمه قبل أن تتحشد فتصبح المصيبة أكبر. وبناءً على هذه الخطة توجه تاذروق في جيش تعداده سبعون وقيل تسعون ألف مقاتل للقضاء على قوات يزيد بن أبي سفيان وتوجه القبقار في جيش تعداده ستون ألفا ً إلى حمص لتدمير قوات أبي عبيدة وتوجه جيش بقيادة الدراقص نحو شرحبيل بن حسنة في الأردن لتدمير قواته.
استغل هرقل بهذه الخطة قدرته على تجهيز جيوش كبيرة عدة في آن واحد كما أنه استغل البيئة الجغرافية والسكانية لصالحه فالقوات الرومانية ستقاتل على أرضها وبين أهلها.
وعندما بدأت القوات الرومانية بالتقدم على المحاور المحددة لها قام المسلمون بانسحاب ناجح دون تدخل القوات الرومانية لتحويل الإنسحاب إلى هزيمة إلى المنطقة الجنوبية بدمشق.
وبعد فشل خطة هرقل هذه أيضا ً قام بتعديل خطته لمواجهة شاملة في منطقة واحدة لجيوش المسلمين.
وتظهر من هذه الأحداث ضعف قيادة هرقل فأضاع على نفسه فرصة مواجهة جيوش المسلمين كل على حدة ولم يستطع الإلتماس مع جيوش المسلمين أثناء انسحابه ليحوله إلى هزيمة منكرة.
خطة المسلمين:
كانت خطة انسحاب الجيوش الاسلامية الى الجنوب خطة عمرو بن العاص ليقاتل المسلمين الروم وظهورهم محمية بالصحراء فأرسلوا الى الخليفة ليستشيروه فوافق على الخطة بعد أن كتب الى خالد ليتوجه الى بلاد الشام .
بعد وصول خالد الى الشام قام بدراسة الموقف وقرربأن يشن هجوم بجميع القوات الاسلامية على فك الكماشة في فلسطين فكتب الى عمرو بن العاص أن أصمد فاننا قادمون فوصلوا الى فلسطين وسحقوا الجيش الروماني في معركة أجنادين وكان ظهور خالد في المعركة بمثابة مباغته عسكرية صعقت قواد الروم بعد أن سمعوا عن انتصاراته ضدا الفرس وعبقريته في كل المعارك التي خاضها وبعد أن جربوه في معركة مؤتة وقام بالنسحاب المشهور .
أحداث المعركة :
بعد معركة اجنادين باسبوع تقدم خالد الى دمشق فوجد الروم انهم انشئوا معسكر امتد ثمانية عشر ميلا وبناء على رواية الواقدي فقد كان معسكر الروم يقع قرب الجولان وهي المنطقة الممتدة بين وادي الرقاد وبحيرة طبريا وبناء عليه اقترح خالد أن يعسكر جيش المسلمين بحيث تكون مؤخرة الجيش باتجاه أزرع وجناحه مستندا على اليرموك .
لقد فتح القائد الروم جيشه للقتال بخط حرب طوله اثنا عشر ميلا حيث ابتدا من اليرموك الى الجنوب تل الجابية ،وقسم جيشه الى ميمنه وميسره وقلب كما قلم بتوزيع الخيالة على جيوشة بالتساوي بحيث كانت المشاة في الامام والخيالة في الخلف ووضع قوات جبلة بن الايهم في الامام . وقد بلغ عدد صفوف القوات الرومانية ثلاثين صفا ،مما اكسبها عمقا كبيرا وجعل من عملية اختراقها عملية صعبة .
وبناء على دراسه خالد قوات الروم وتنظيمها قام بالاجراءات التالية:
1- تنظيم القوات :قام خالد بتنظيم قواته بما يتلائم مع الموقف الراهن وطبيعة المنازلة مع قوات العدو فقسم جيشه الى كراديس جعل في كل كردوس ألف مقاتل وبلغ عددالكراديس أربعين كردوسا ووضع ألف على رأس كل كردوس قائد من قادته المشهورين ثم قام بتنظيم الكراديس في ثلاث مجموعات رئيسية كل مجموعة مؤلفة من (10ـ20 ) كردوس ورتب وضعها على النحو التالي :
أ ـ المجموعة الاولى بقيادة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة على الجناح الايمن .
ب ـ المجموعة الثانية بقيادة أبي عبيدة في القلب .
ج ـ المجموعة الثالثة بقيادة يزيد بن أبي سفيان على الجناح الايسر .
د ـ المجموعة الرابعة وهي قسم من القوات وضعت في الاحتياط تحت تصرف خالد بن الوليد وكانت من الخيالة التي تملك القدرة على الحركة عند الحاجة .
2ـ الاستطلاع : قام خالد بعمليات استطلاع واسعة النطاق لموقع قوات العدو ودرس نقاط القوة والضعف ثم قام بتوزيع الواجبات على القادة .
3ـ قام خالد بعد ذلك بعمليات رفع لمعنويات قواتة واثارة نخوتهم فطلب من النساء أن يرفعن معنويات الرجال أثناء القتال وضربهم بالحجارة واعمدة الخيام . وبعد هذه الاستعدادات بدأت المفاوضات السياسية للوصول على حلول سلمية دون قتال وقام بها خالد مع قائد الروم ما هان ولكنها فشلت فعاد خالد الى المسلمين وأعلن النفير وطلب منهم رفع استعداداتهم الى اقصى درجة بعد أن اصبحت المواجهة قاب قوسين أو ادنى .
وبمقارنة قوات الروم مع قوات المسلمين تجد أن الجيش الروماني مجهز بافضل واحدث الاسلحة ويمثل عمقا كبيرا فهوا يتكون من ثلاثين صفا أما قوات المسلمين تتكون من ثلاثة صفوف فقط .
وقد وضع خالد قسما من الخيالة تحت امرة قائدي الميمنة والميسرة لاستخدامها كاحتياط لاعادة الوضع الى ما كان عليه اذا نجحت القوات الرومانية في زعزعتهم عن مواضعهم .
أما مابقي من الاحتياط فقد وضعه تحت امرته ليكون جاهز للعمل كاحتياط متحرك لجميع القوات ووضع ضراربن الازور كقائد لهذه القوات في الوقت الذي يكون فيه خالد مشغولا بالمعركة حيث عرف عن ضرار شجاعته واقدامه بين الاعداء .
وقد كان موقف الجيش بالنسبة لموقع القوات متشابها الى حد ما فالجناح الايمن للجيش محمي ممانع طبيعي بارتكازه على نهر اليرموك بحيث يصعب الالتفات عليه . وبعد تنظيم القوات بدأ خالد بن الوليد وأبو عبيدة وغيرهما من القادة بالطواف على تشكيلات الجيش يرفعون من معنويات المقاتلين ويحضونهم على القتال والصبر عند اللقاء ويذكرونهم بثواب الشهداء والعار الذي يلحق بالضعفاء والجبناء .
قضى المسلمون الليل في الصلاة وتلاوة القرآن وكان معظمهم يقرأ سورة الانفال استعدادا لخوض المعركة التي كانو يدركون أهميتها وخطورة نتائجها على مستقبل المسلمين . وهذا الموقف الذي كان عشية معركة اليرموك احدى اعظم المعارك التي شهدها التاريخ .
كانت خطة خالد بعد رؤية جيش الروم وتجهيزاته وقوته أن يستهلك قوة الروم الهجومية في وضعية الادفاعية ومن الذي يبادر الهجوم .
مجريات المعركة
اليوم الاول:بعد أن قام كلا الجيش بتنظيم قواتة على أرض اليرموك انتظرت هذه القوات حوالي شهرين دون قتال أو اشتباك ولايعرف السبب الحقيقي لذلك ولكن على الارجح أن يكون ذلك بسبب الوضع العسكري لجيش المسلمين التي لم تكن قادرة على البدء وشن الهجوم . وهذا لاينفي تردد القوات الرومانية وخوفها من القيام بهجوم ويعود ذلك على ذكرياتهم في معركة أجنادين والتي قلبت بها الموازين وأصبح من الحقائق المسلـّم بها أن جيش المسلمين قادر على قلب كل الحقائق .
وفي الاسبوع الثاني من رجب عام 15هجري بدأت المعركة بين الطرفين وابتدأ القتال بالمبارزة بين قادة الجيشين وكانت هذه عادة الجيوش المتحاربة فيقصدون بها اظهار المهارات الفردية القتالية لدى الطرفين ليحطم معنويات الخصم ورفع معنويات جيشه ولكن اين ذهب الروم وخالد في الميدان فقام خالد بمبارزة قادتهم وخيرة فرسانهم وأظهر في المبارزة كل مهاراته فأدخل الرعب في صدورالروم فلم يكن خالد قائدا ً عبقريا ً فقط بل كان جندبا ومبارزا محنكا ً في المعارك.
وفعل قادة المسلمين أفعالهم في الميدان فهذا عبدالرحمن بن أبي بكر وحده قتل خمسة من فرسانهم فلما رأى قائد الروم ماهان هذا أراد أن يستغل نقاط القوة في جيشه فتلك المبارزات التي برز فيها المقاتل العربي مهاره كادت تحطم معنويات جيشه .فقدم عشرة صفوف من جيشه ليرى نتيجة القتال ثم يعزز قوته في أماكن الضعف في جيش المسلمين ولكن ذلك الهجوم لم يكن قويا بما يكفي فثبت المسلمون في مواقعهم حتى غروب الشمس .
يصف الواقدي اليوم الاول من القتال فيقول قال عمرو بن جرير: فشهدنا في اليوم الاول حربا يسيرا وذلك أن ماهان أمر عشرة من الصفوف أن تحمل على المسلمين بعد أن قتل عبدالرحمن من قتل وحمل المسلمون فالتقت الرجال بالرجال فنظر أبوعبيدة وكان واقفا ً إلى ماهان ولم يحمل على المسلمين فعلم أن الأمر يصعب فقال: لاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم... قال ولم يزل الحرب بين الفريقين من قيام الشمس في قبة السماء الى أن همت بالغروب ولم ينفصل الجمعان .. وبات المسلمون في خير وسرور، وأوقدوا النيران وذلك أن القتل في أول يوم لم يتبين بين الفريقين بل قتل من الروم يسير ومن المسلمين عشرة .
اليوم الثاني : بعد الاستطلاع لجيش المسلمين في اليوم الأول قرر ماهان قائد الروم بتغيير طريقته في القتال وخطط للقيام بهجوم مباغت في اليوم الثاني قبل أن يتجهزو للقتال فجهز جيشه في الليل وقرر مهاجمة المسلمين عند أول شعاع للنور وبنى خطته على القيام في مناورة يتمكن فيها من تثبيت القلب وتكثيف الهجوم على الجناحين . بدأ الروم قتالهم بشن هجوم عنيف على الجناح الايمن للمسلمين وكان يقوده عمرو بن العاص وبسبب الضغط العنيف والمتواصل على هذا الجناح بدأ المسلمون بالتراجع وفي الوقت طلب عمرو بن العاص من قوات الخيالة التي كانت في الاحتياط أن تقوم بشن هجوم معاكس وعنيف على قوات الروم المتقدمة ودخلت معها في مواجهة قاسية واستطاعت ايقاف اندفاعها الى الامام ولكنها عادت وتراجعت تحت ضغط القوات الرومانية .
ولكن الجناح الايسر لم يكن باحسن حال فقد استطاعت قوات الروم من اختراق صفوف يزيد بن أبي سفيان بالرغم من قيامه هجوم معاكس ولكنه لم يؤت ثماره فتراجعت قوات يزيد وهكذا كان جناحي جيش المسلمين في موقف صعب فتراجعا حتى وصلا معسكر المسلمين وحتى هذه الاثناء لم يتدخل خالد بقواته الاحتياط لتغيير مسار المعركة بل كان يراقب الموقف بهدوء لكي لا يتسرع ويزج قواته في وقت غير مناسب ليحرق اخر ورقة عنده فتنتهي المعركة ولكن لم يدوم صمت هذا البطل طويلا فحدد الوقت المناسب لتدخله فانفض بفرسانة على الروم في الجناح الايمن الذي يواجه موقفا صعبا يواجة نظر هذا القائد .
فأحاط بقوات الروم وشن عليهم هجوم ساحق أجبر الروم على التراجع ولما رأى أن التوازن عاد الى الجناح الايمن انتقل بسرعة الى الجناح الايسر بعد ان ترك كتيبة من الخيالة تحت رايه ضرار بن الازور ذلك المقاتل الصعب وأمر بمهاجمة مقدمة الجيش الروماني ثم اندفع ووجة ضربته لهذا الجناح بخبرة ابا سليمان فقام ضرار باختراق هذا الجناح وقتل قائدة .
يصف الواقدي القتال في هذا اليوم بقوله : (أقبل سعيد وهو ينادي النفير النفير حتى وقف أمام أبي عبيدة ومعه رجل من المنتصرة فقال أيها الامير ،ان ماهان كاد المسلمينبتخلفه عن الحرب وهاهو قدعبأ عساكره وصف جيوشه وزحف علينا زحف من يريد تاكبسة بنا ونحن على غير أهميه وعدة ...فقال أبو عبيدة :لاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم ثم قال :أين أبوسليمان خالد بن الوليد؟
فأجابه بالتلبية فقال له أنت لها يأ أبا سليمان فابرز في أبطال المسلمين وصد عن الحريم الى أن تأخذ الرجال صفوفهم وتستعد بآلات الحرب ...حملت الروم على ميمنة المسلمين ...فصبروا لهم صبرالكرام ...فحملت عليهم كتيبة ثانية فصبروا صبرا جميلا وحملت عليهم كتيبة ثالثة فأزالو المسلمين عن الميمنة ...ونظرت النساء خيل المسلمين راجعة على أعقابها فنادت النساء يابنات العرب دوكن والرجال ردوهم عن الهزيمة حتى يعودوا إلى الحرب قال سعيد بن زيد: كان القتال على الميمنة شديدا ً وكان المسلمون ينهزمون تارة ويعودون مرة، وساعة نصبر وساعة نتأخر قال ونظر خالد بن الوليد إلى الميمنة وقد وصلت القلب وحمل على الروم فنكى بهم نكاية عظيمة حتى كشف أعدء الله عن الميمنة والقلب إلى أن ردت إلى مواضعهم ...قال فانكسر الروم أمام خالد).
ويصف ماحدث على الجناح الأيسر فيقول:"فكشف الروم المسلمين حتى زالو عن مصافهم ...وركب أكتاف المسلمين المنهزمين قال ورجع خالد ومعه ألفان من اصحابه وقد وضعوا السيوف في الروم وقتلوهم قتلا ً ذريعا ً "
وبعد أن استعاد خالد توازن قواتة تحولت المعركة في نهاية هذا اليوم إلى مبارزة كانت الغلبة للمسلمين فيها وظلوا كذلك إلى أن غابت الشمس وتراجعت القوات إلى مواقعها .
اليوم الثالث
كانت خطة الروم في هذا اليوم هي تثبيت القلب وتكثيف الهجوم على الجناح الأيمن الذي في اعتقادهم أنه نقطة ضعف المسلمين .
بدأ الهجوم في المنطقة المحددة له ولكن قوات عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة استطاعت صد الهجوم الأول إلا أن كثرة جيش الروم والضغط المتواصل الذي مارسته القوات الرومانية أدى إلى تراجع عمرو إلى الخلف فقام الرومان باختراق مواقعه الرئيسية من أماكن عدة مكنها من إسناد القوات المهاجمة على قوات شرحبيل فتراجعت أيضا ً.
كان خالد يراقب الوضع بهدوءه المعروف وبحنكته ينتظر اللحظة المناسبة لتغيير مسار المعركة فجاءت تلك اللحظة ولكنه لم يسند قواته على الميمنة كما فعل في اليوم السابق بل قام بشن هجوم كاسح على ميسرة الروم وفي نفس الوقت الذي قامت به قوات شرحبيل بن حسنه وعمرو بن العاص بقيام معاكس على الروم .
فاستطاع خالد أن يعيد الموقف إلى اتزانه وإعادة الميمنة إلى مواقعها ولكنه لم يكتف بذلك بل استمر في قتاله على ميسرة الروم ووصل إلى مراكزها ودمرها وهكذا إلى أن حل الظلام وعادت الجيوش إلى مواقعها فعاد الروم وكانت خسائرهم مرتفعة وبدا واضحا تدني الروح المعنوية عندهم خصوصا وأن جميع هجماتها في الايام الثلاثة باءت بالفشل وفقدت أعداد كبيرة منها فيقول الواقدي واصفا هذا اليوم كان اليوم الثالث من اليرموك شديدا انهزمت فيه فرسان المسلمين ثلاث مرات كل مرة تردهم النساء بالحجارة والعمد ويلوحون بالاطفال اليهم فيرجعون الى القتال ،ولم يزل القتال قائم الى أن أقبل الليل بسواده،ورجعت الروم الى مواضعها والقتل فيهم كثير في المسلمين قليل )
اليوم الرابع
كان هذا اليوم هو اليوم المفصلي في المعركة فقد قررت القيادة الرومانية بعد ثلاث أيام من الخيبة وتزايد عدد القتلاها أن تزج كامل قواتها في هذا اليوم لتحويل مسار المعركة لصالحها ،وأدرك خالد نية الروم في هذا اليوم وعرف أن هذا اليوم سيكون يوم تاريخي في تاريخ هذه المعركة كما أدرك أن الضغط في هذا اليوم سيكون على الجناح الايمن الذي تحمل أعباء المعارك الماضية ولكن وجود عمرو بن العاص على رأس ذلك الجناح طمأنه فهو يأتي في المرتبة الثانية بعد خالد في قوتة وشجاعتة .
أما خطة اروم فقد بنيت على استدراج قوات الاحتياط للقتال على الجناح الايمن ليتمكنوا من القضاء على القوة الدفاعية الوحيدة لدى المسلمين ومنع أي عمليات اسناد في المستقبل وبعد تورط قوات الاحتياط في القتال على الجناح الايمن يقوموا بشن هجوم شامل على ميسرة المسلمين وبذلك تحطم اسطورة المسلمين وخالد .
أما عن أحداث المعركة في هذا اليوم فقد الطرفا في المبارزة ولكنها لم تدوم طويلا وبدأت المعركة وبلغت تروة القتال في منتصف النهار وبات واضحا على الروم أنهم يريدوا أن ينهوا المعركة في هذا اليوم فكان هذا اليوم الاكثر دموية في أيام القتال فقال في هذا اليوم عبدالله بن قرط الاسدي في وصف القتال في هذا اليوم :"شهدت القتال كله فلم أر قتالا آشد من يوم التعوير" فقد كانت المبارزة بين قادة فرسان الجيشين وكانت الغلبة للمسلمين فقد صرع خلالها الكثير من قادة الروم وبطارقتهم لذلك حاولت القيادة الرومانية تطوير القتال والدخول الى الملرحلة الحامسة بعد أن مهدت لها بأطلاق مئة ألف سهم على جيش المسلمين فكانت الاصابات في جيش المسلمين كثيرة نتيجة لهذا القصف وقيل أنة أصيبت في هذا اليوم سبعمائة عين من أعين المقاتلين المسلمين فسمي هذا اليوم (بيوم التعوير ).
بعد هذا القصف بدأ الرومان بتطبيق خطتها فبدأت بشن هجومها على الجناح الأيمن وعلى النصف الأيمن من الجيش الأسلامي فأجبرت قوات عمرو على التراجع ولكنه لم يكن كبيرا حيث استطاع عمرو بن العاص أن يوقف تقدم قوات الروم خلف مواقع قواته الأصليه بقليل .
أما قوات شرحبيل فقد اخترقت صفوفها بشكل خطير ويستدعي تدخل قوات الاحتياط فيكون الروم قد استطاعو تطبيق خطتهم .
تراجعت قوات شرحبيل الى أن وصلت معسكر النساء فأخذت المعارك تدور حول معسكر النساء بالقتال الى جانب أزواجهم فرفعوا معنويات الرجال .
أما خالد فبقي يراقب الوضع على جبهات القتال فبدلا من أن يقاتل قواته على الجناح الأيمن طلب من أبو عبيدة ويزيد أن يتحولوا من حاله الدفاع الى الهجوم والرفع من وتيرة القتال لكي يخف الضغط على الجناح الأيمن وكان له ذلك فقاتل أبو عبيدة ويزيد قتالا مستميتا لامتصاص ضغط الروم وبذلك أفشل خالد خطة الروم .
بهذه الفترة بدأ خالد يجهز نفسه للدخول على رأس قوة في الوقت والمكان المناسبين بعد ترك الروم يتوغلون في معسكر المسلمين لاستفزازف قواتهم فقسم قوات الاحتياط الى قسمين متساويين وجعل القسم الثاني بقيادة قيس بن هبيرة وطلب منه القيام بهجوم على قوات الروم من الجهه الجنوبيه وطلب من شرحبيل بالقيام بالهجوم من الوسط وتحرك هو ليهاجم على الجهه الشماليه وبذلك يحسم المعركة ويضع الروم بين فكي الكماشة .
قاتل خالد في هذا اليوم قتالا شديدا لم يعرف له مثيل فقد أشار الواقدي الى شجاعة خالد بقوله : ونقل عن خالد أنه انقطع في يده ذلك اليوم تسع اسياف وقد أخبرنا عن خالد بن الوليد ممن حضر قتال اليرموك وشاهده وقال كان يعد قتال خالد بمائة رجل من شجعان الرجال قال وحمل بعصابه حمراء وهو يفزع الروم باسمه ويقول أنا خالد بن الوليد ...ولم يزل يضرب فيهم بسيفه حتى كل فأشفق عليه الحارث بن هشام المخزومي فقال لأبي عبيدة : أيها الأمير لقد قضى خالد ما يجب عليه وادى السيف حقه فلم لا أمرته أن يريح نفسه .قال فمشى أبو عبيدة اليه وجعل يعزم عليه أن لا يتقدم ويسأله أن يريح نفسه . فقال خالد :"أيها الأمير اما والله لأطلبن الشهادة بكل وجه فان أخطأتني فالله يعلم نيتي وحمل فلم يرجع عن حملته حتى جلاها وذلك أن كل المسلمين استعفوه في حملته وأقبلوا على القتال بعد هزيمتهم والنساء أمام الرجال ولم تزل الحرب بين الفريقين حتى انقلبت الروم على أعقابها وقد قتل منهم ألوف عديدة".
شهد الجناح الايسر ضغط شديد من القوات الرومانية واستطاع أبو عبيدة ويزيد في المراحل الاولية من الهجوم تحقيق بعض الانتصارات ولكن زخم قوات الروم على هذا الجناح بعد دخول قوات خالد في المعركة على الجناح الايمن كان كبيرا لان الروم اعتبروا أن هذا اليوم الحاسم في المعركة وبسبب عدد الاصابات الكبيرالناتج من الرمي اضطر قوات المسلمين الى التراجع وحاول أبو عبيدة ويزيد قطع التماس على هذه الجبهه الا أن ماهان استثمر الفوز وطلب من قواته زيادة الضغط على المسلمين وتحويل انسحابها الى هزيمة فهاجمت قواته بضراوة عجيبة فاند حرت قوات أبي عبيدة ويزيد بن أبي سفيان .
ولكن ظلت احدى الكتائب التي كان يقودها عكرمة ابن ابي جهل وهو أحد صناديد المسلمين الاشاوش ظلت تقاتل في مواقعها دون أي تراجع فشكلت هذه الكتيبة كتيبة استشهادية هجمت على الروم بشكل لم يعهد الروم على جبهات القتال فكانت لهذه الكتيبة دور حاسم في هذه المعركة وفي رد تلك الهجمة فقاتل عكرمة ويجانبه ابنه عمر جنبا الى جنب حتى سطرا أروع معاني الرجولة والتضحية من أجل الاسلام فاند حرت قوات الروم تحت ضربات أبطال المسلمين واتدحروا ويقول محمد شيت خطاب في هذا الصدد:"لقد كان عكرمة فدائيا بطلا بايع المسلمين على الموت في اليرموك فكان يركب الاسنة حتى جرحتى صدره ووجهه فقيل له : اتقي الله وارفق بنفسك ، فقال :كنت اجاهد بنفسي عن اللات والعزى فأبذ لها لها ،أفا ستبقيها الان عن رسول الله ؟لا والله أبدا.ان صرخته في أحرج الساعات يوم اليرموك كان لها أبلغ الأثر في انتصار المسلمين على الروم "
أما الجنرال أكرم فيقول عن عكرمة في اليرموك "ان المجد العظيم الذي أحرزه المسلمون في يوم فقدان العيون .وهو يوم لن يرى مثله قط في بلاد الشام يعود الفضل فيه الى عكرمه بن ابي جهل "
أما انا فأقول :"هذه نوعية الشباب التي تنبض في عروقة العروبة والاسلام كانت خير قاعدة بني الاسلام عليها فهو أسد في المعركة لا يعرف الخوف الى قلبه طريق وعابد باكي في المساجد فلو لم يكن عكرمة لكان غيره .
بعد أن حل الظلام وافترقت الجيوش رجع المسلمون الى المعسكراتهم ومعنوياتهم مرتفعه على الرغم من أن عدد المصابين كان أكثر من عدد غير المصابين وكان سيف الله المسلول جالسا في قطاع أبو عبيدة وعلى ركبتيه وأن عكرمه وابنه يحتضران فظل يمسح على وجهيهما ويقطر الماء في حلقيهما حتى فارقا الحياة بعد أربعة أيام من القتال في الوضعية الدفاعية قرر القائد البطل تغيير نمط القتال من الدفاع الى الهجوم لان الهجوم في اليوم الرابع كان الهجوم الرئيسي الشامل ومن المستحيل بالمقياس العسكري أن يقوم الروم بهجوم ثان بنفس القوة والضراوة عدا عن القتلى في صفوف الروم الذي أدى الى انخفاض القدرة العسكرية له .
وقد قيل أن قائد الروم هرقل جمع قادته في مدينة انطاكية يوما يلقي سؤالا حائرا ً على كبار قادة جيشه يريد جوابا ً شافيا ً يهدى روعه وبخاصه أنه نفذ صبره لما رآه من صلابة في العقيدة وإقبال على الموت سئل من هؤلاء الذين يحاربونكم أبشر أم ملائكة ويخيم الصمت الرهيب على قادة الرومان فيقف أحدهم ليصف لهرقل ما شاهده وما لمسه من صولات وجولات مع المسلمين فقال يا سيدي أنهم بشر ولكنهم يصومون النهار ويقومون الليل ولا يشربون الخمر ولا يلعبون القمار نحمل عليهم فيصروى ويحملون علينا ويصدقون أما نحن نحمل عليهم فلا نصدق ويحملون علينا فلا نصبر فقال هرقل: وقد وقع الجواب على نفسه مرا ً قاسيا ً لن كانوا كما قلتم ليملكن موضع قدمي هاتين وفعلا ً صدقت نبوءته وفتح المسلمون في عهد عمر بلاد الرومان .
اليوم الخامس
أرسل ماهان بمبعوثه إلى ابو عبيدة وعرض عليه ايقاف القتال بين الجيشين بشروط ترضي الطرفين وبعد سماع الرسالة هم بالاستجابة إلا أن خالد طلب من أبو عبيدة عدم الموافقة على طلب المبعوث وقال له: لا تفعل أيها الأمير فما عند القوم خير بعد ذلك ".
ويعتقد أن في هذا اليوم لم يحدث أعمال قتال فجرت في المفاوضات بين الجيشين كما أن حالة الجنود لم تكن بحالة جيدة فقد استنزف اليوم الرابع من القتال طاقة الجنود ويقال أن في هذا اليوم أغلب الجنود لم يكن قادر على الوقوف .
استغل خالد هذا الموقف في تنظيم قواته وتحويلها من حالة الدفاع الى الهجوم فجمع كل الخيالة في تشكيلات الجيش ووضعها في قوة واحدة ويقال أنها بلغت ثمانية آلاف خيال .
اليوم السادس
في الأسبوع الثالث من رجب عام 15 هجري بدأ الجيش بالمبارزة .
وكانت الغلبة للمسلمين فيها فقد خرج جرجير وهو أحد القادة الرئيسيين وطلب المبارزة بقائد المسلمين فخرج له أبو عبيدة وقتله ثم خرج ماهان بعد ذلك فخرج إليه مالك بن الأشتر والذي تمكن من هزيمته وكان خالد يراقب الموقف وحين رأى هزيمته ماهان طلب من قواته ان تهاجم فهو يعرف متى وكيف تبدأ الحرب فاستغل هزيمة ماهان وهو قائد قوات الروم ليبدأ الهجوم وهم مازالوا رأوا هزيمة قائدهم فبدأت المعركة وكانت خطة خالد تقتضي على أن يقوم جيش المسلمين بالاشتباك بالقلب والميمنة لتثبيت قوات الروم المواجهة لقواته .بينما تحرك خالد بجميع قوات الخيالة التي جمعها تحت لواءه لإغلاق الفجوة الوحيدة على ميسرة الروم ليضعهم داخل الطوق الفولاذي بعد أن يقوم بعزل خيالتهم عن مشاتهم ليفقد قوات المشاة أي إسناد أو دعم .
بدأت المعركة فاشتبك القلب والميسرة من الجيش الاسلامي مع قوات الروم واستطاع تثبيتها بينما شن عمرو بن العاص قائد الجناح الايمن هجوما عنيفا على ميسرة الروم وقام خالد بتطويق الجناح الايسر بخيالته وبعد أن استطاع خالد من عزل خيالة الروم عن مشاكهم بدأت عملية السحق لقوات الروم فترك الخيالة المعركة وفرق الى الشمال وبدأت الفوضى تدب بجيش الروم بعد أن قام عمرو بن العاص بتوجيه ضربة صاعقة على ميسرة الروم وألحقها بالقلب ثم هرب ماهان مع الخيالة كما هرب جبلة من الايهم وبدأ خالد بمهاجمة الروم من الخلف والجيش الإسلامي يضغط من الأمام ففر الروم إلى الجنوب الغربي فطلب خالد من قواته عدم اعتراضهم فحاصرهم خالد في منطقة وادي الرقاد بعد أن أرسل ضرار بن الأزور لإغلاق بعض منافذ الهروب فبدأت المذبحة في ذلك الوادي وبدأ المسلمون بالهجوم على جحافل الروم المحصورة حتى انتهت أكبر معركة في ذلك الزمان وكان كل شيء في ذلك الوادي يشهد على ما حصل لجيش الروم العظيم وقد ذكر الواقدي عن خسائر الروم في تلك المعركة أن المسلمين قد قتلوا مئة وخمسة آلاف جندي وغرق في الواقوصة أعداد كبيرة منهم وتم أسر حوالي أربعين ألف وكانت خسائر قد بلغت حوالي أربعة آلاف شهيد فقط .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة