شهادة شقيق عدنان المالكي القيادي رياض المالكي:
=====
في كتابه "جناية كبرى وطابور خامس" يقول رياض المالكي شقيق الشهيد، إن الجريمة التي اتهم بها جورج عبد المسيح رئيس الحزب السوري القومي "لم ترتكب لصالح الحزب الذي خدع أعضاءه بسراب السلطة" وفي كتابه "ذكريات على درب الكفاح والهزيمة"
يقول: "أدين البعض بجرائم أخرى لها صلة بنشاطات أعضاء الحزب القومي السوري، الذين جنى عليهم قادتهم، يوم قلبوا الحزب من مدرسة سياسيه لها عقيدتها، وفكرها، ونشاطها السياسي العلني، تعكسه صحفها ونشراتها، إلى وكر للخيانة، مسخّر لخدمة مخططات الاستعمار الغربي وإلى عصابة للإجرام.. كل ذلك بتدبير وتحريض من رئيس الحزب المجرم الفار جورج عبد المسيح، الذي خان حزبه، كما خان وطنه.. لم ترتكب الجريمة لصالح الحزب..).
وقد جعلت عائلته أيضاً من رئيس هيئة أركان الجيش السوري العميد شوكت شقير والسفير محمود رياض والرئيسين شكري القوتلي وجمال عبد الناصر الشركاء الحقيقيين المطلوبين إلى قوس العدالة.
وقد روى لي أحد أفراد عائلة المالكي بالقول: (القوميون ليس لهم دخل).
وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس في كتابة "مرآة حياتي" (دار طلاس، دمشق 1991) يوجه الاتهام في جريمة اغتيال المالكي إلى رئيس المكتب الثاني في الجيش السوري العقيد عبد الحميد السراج، والسفير محمود رياض، وأكرم الحوراني،
ويذكر طلاس في مذكراته "مرآة حياتي": " روى لي أحد المسؤولين في الحزب السوري القومي، أن إحدى الرفيقات في الحزب، وكانت تعمل مربّية في منزل العميد شوكت شقير، سمعت سفير مصر محمود رياض يقول في إحدى زياراته لبيت معلمها: "الحمد لله الذي قتل في الملعب، إذ لو وقعت الحادثة على طريق دمشق – صيدا، لعملت القصة "زيطة وزنبليطة")
يتابع طلاس بالقول: (بعد أن شُيع المالكي إلى مثواه الأخير، جاءت قيادة الجيش، وعلى رأسها رئيس الأركان العميد شوكت شقير والرائد عبد الحميد السراج، وآخرون، إلى منزل الأستاذ رياض المالكي شقيق الفقيد، وأحد القياديين في حزب البعث. وبعد أن جلس المعزون، التفت "رياض المالكي" إلى العميد شوكت شقير، وقال له: أنت قتلت أخي عدنان! وسكت الجميع وكأنّ على رؤوسهم الطير!).
انتهى حديث طلاس، وأقول حدثني لشمس العجلاني أحد أفراد عائلة المالكي أن هذا الكلام صدر عن والد الشهيد وأنه طرد شقير من العزاء؟.
وعن مجريات التحقيق والبحث عن القاتل يقول طلاس: (حاول المحقق أن يسأل: من قتل القاتل؟. وجاء الجواب مع وسام. على طبق من الفضة: قتله أحد رجال الأمن !. وبدلاً من أن يكسروا يد هذا الأحد من رجال الأمن، على هذا الحماس الوطني، المشكوك فيه، فإنهم رقّوه فوراً، وكوفئ. ولم يمكّنوا المحقق من استجوابه ليتعرف إلى باعثه على إفراغ رصاص مسدّسه في دماغ القاتل، في حين أن الخوف من هربه إن احتمى بالردّ، خلفه، فتكفيه رصاصة في الرجل، ليتوقف القطار... أو يتدهور. أما إذا قال إنه ضاع صوابه لهول ما رأى، فالأسئلة الذكية كفيلة بأن تعيد له الصواب.).
لكن يبدو طلاس لم يتمكن من إعلان الحقيقة كاملة!! فأعلن نصفها وتوقف، أو أعلن غير الحقيقة؟؟ علماً بأن طلاس حين تكلم عن قضية اغتيال المالكي كان "على سروج خيوله" لأنه عاد وذكر: (قام بديع مخلوف بإطلاق النار على القاتل فور تأكده من مصرع المالكي..)
ومخلوف حُكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم ولم يتلقّ أي ترفيع!؟
بينما يقول عبد القادر العبيد عضو في المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي، ورئيس للشعبة السياسية في الشام: (في حين نجد أن النحلاوي ينال أربع ترقيات خلال خمس سنوات، فمن ملازم أول عام 1956 إلى رتبة عقيد ركن في عام 1962).
يقول نبيل شويري الكاتب السوري وأحد البعثيين الأوائل:
( اغتيال عدنان المالكي أزاح عقبة كبرى أمام محمود رياض السفير المصري وأمام عبد المحسن أبو النور الملحق العسكري المصري في دمشق. وصارت القوة الرئيسية في الأركان السورية تابعة لهما. إن اغتيال المالكي لم يتم بأوامر موحدة أميركية – مصرية، ولكن ربما جرى ذلك على قاعدة تقاطع المصالح، فقد كان للمصريين مصالح أكيدة بإزالة عدنان المالكي، وللأميركيين مصالح أيضاً. وتقاطعت هاتان المصلحتان ونفذ جورج عبد المسيح العملية لمصلحة أحد الطرفين.)
ويتابع بالقول: (اكتشف أن جورج عبد المسيح رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي آنذاك يقف وراء اغتيال المالكي. لكن الحزب كمؤسسة سياسية لم يقرر اغتيال المالكي. بل إن جورج عبد المسيح هو من اتخذ قرار الاغتيال بمعزل عن الحزب، وحتى هذه الرواية فيها تشكيك أيضاً. عصام المحايري وجولييت المير "زوجة أنطون سعادة" فلم تكن لهما علاقة بالاغتيال. وعلى الرغم من ذلك سُجنا بتهمة اغتيال المالكي. لكن رئيس الحزب هو الذي اتخذ قرار الاغتيال).
يقول اللواء الطيار المتقاعد راشد كيلاني في مذكراته:
( أقيمت مباراة لكرة القدم في الملعب البلدي القديم، في المرج الأخضر، بتاريخ 22 / 4 / 1955 بين فريق الجيش السوري وفريق الجيش المصري، تحت رعاية شوكت شقير رئيس الأركان العامة، الذي جلس في السدّة، وإلى جانبه محمود رياض سفير مصر وجلس في الصف الأول وراءهما عدنان المالكي، وعلى يمينه أمين عام وزارة التربية "أحمد الفتي" وجلست أنا على يساره.
وبعد بدء المباراة ببضع دقائق، سمعت صوت طلقة نارية، وكأنها تخترق رأسي، وعندما التفتُ إلى الخلف، رأيت رجلاً يرتدي لباس رقيب، في الشرطة العسكرية، يصوب مسدّسه إلى الأمام وعيناه غائرتان كأنه وحش مفترس، فرميت نفسي إلى الأرض، خوفًا من أن تصيبني الرصاصة التالية، فقد كان هذا المجرم يقف وراءنا تماماً، وهكذا فعل معظم من كان بجوارنا، وعندما نهضت بعد توقُّف صوت الرصاص، وجدت القاتل مرمياً على الأرض، فقد قُتل هو بدوره، من قِبَل أحد المشتركين في هذه المؤامرة، بقصد إخفاء الجريمة، كما وجدت أن عدنان المالكي قد لفظ أنفاسه الأخيرة وبقي جالساً على كرسيّه دون حراك ورأسه يتدلّى على مسنده).
=========
=========
من خلال مذكرات كيلاني نلاحظ أنه لم يذكر أنه رأى يونس عبد الرحيم يطلق النار على نفسه منتحراً، بل أكد اللواء راشد كيلاني أن يونس قد قُتل من قبل أحد المشاركين في المؤامرة.
هاني الشمعة من قدامى الصحفيين السوريين قال في قضية اغتيال المالكي:
( لننظر الآن كيف صدرت الأحكام في هذه القضية التي كانت نقطة تحول في تاريخ سورية. ولا يمكن للإنسان أن يعلق على أحكام كهذه لأنها أصلاً مليئة بالمفارقات والمخالفات. ولم تكن الفترة التي انقضت بين الاغتيال وبين صدور الحكم وهي حوالي سنة إلا كي "يغسلوا" أدمغة الناس بتثبيت الجريمة على الحزب القومي السوري، لأن التحقيقات التي جرت مع أفراد هذا الحزب قد استدعت تغيير الحقيقة عدة مرات، واضطر عبد الحميد السراج وأكرم الديري والملازم أول عبد المجيد جمال الدين أن يتصدّوا للتحقيق، ويمزقوا كثيراً من الإفادات والأوراق لأنها لم تعجبهم ولم يقتنعوا بأسلوبها في تغيير الحقيقة،
وقام أكرم الديري بكتابة ما يشبه "سيناريو" لتمثيل جريمة القتل في الملعب البلدي، ووضع المساعد بديع مخلوف ممثلاً رئيسياً في هذا السيناريو، واضطر الديري مع السراج وغيرهما أن يمارسوا التعذيب العنيف على بديع مخلوف لمدة تزيد عن الشهر كي يؤدي دوره في التمثيل، ولكن بديع مخلوف عجز عجزاً تاماً عن ذلك لأنه لا علاقة له إطلاقاً، لا هو ولا عبد المنعم الدبوسي بهذه الجريمة... وأعُدما ككبش فداء...
حتى إنني سمعت من زوجة عبد المنعم الدبوسي مرة في فترة استراحة المحكمة قولها على لسان زوجها: "إنني أعرف أنني سأموت.. لا تسامحيني ذرة واحدة إذا كان لي علم من قريب أو بعيد في هذه الجريمة، وأستطيع أن أقول ذلك عن صديقي بديع مخلوف بكل ثقة.. وأمام الله والناس..
الواقع أن الزعيم شوكت شقير كان متبرِّماً من "تجاوزات" عدنان المالكي، وكان هماً من همومه في العمل.. وتشاء الصدف أنني عثرت في "أرشيفي الخاص" على مجلة "الجندي" وقد نشرت بعددها 9 نيسان 1955 في إحدى صفحاتها صورة الزعيم شوكت شقير خلال زيارته إلى القاهرة قبل مصرع عدنان المالكي بحوالي عشرة أيام.. ولم يكن وقتها في أية مهمة رسمية.. ذكرت هذه الواقعة لأن الأستاذ رياض المالكي شقيق العقيد عدنان المالكي كان قد أورد في مذكراته التي نشرها قبل سنوات قليلة، أن السفير المصري في دمشق محمود رياض، قد ألحّ بشدة على حضور العقيد المالكي إلى الملعب البلدي لمشاهدة المباراة، وازداد إلحاحاً حينما قالت له شقيقة العقيد المالكي إنه على موعد مع خطيبته سميرة حجار في صيدا..)
وعن مجريات المحاكمة يقول الشمعة تحت عنوان "المحاكمات الرهيبة": (قدر لي أن أحضر فيما بعد جلسات محاكمة القوميين... كنا نكتب كصحفيين كل ما نسمعه من أسئلة رئيس المحكمة أو أحد أعضائها أو النائب العام، وكذلك أجوبة المتهمين.. إلا أننا كنا نخضع لرقابتين، رقابة ضابط في الشرطة العسكرية اسمه الملازم أول عبد المجيد جمال الدين، الذي كان يطلب منا بعد الخروج من قاعة المحاكمة أن لا نتطرق إلى بعض الأسئلة والأجوبة، ثم تأتي رقابة مديرية الدعاية والأنباء التي كانت في ذلك الحين بمثابة وزارة الإعلام.. وما هو أكثر سوءاً من ذلك فإننا كنا نلتقي أحياناً بزوجات أو أقارب المتهمين.. فيأتينا هذا الضابط أو ممن يعملون معه، ليطلبوا منا معرفة هؤلاء الأقارب...
وفعلاً فإن فترة المحاكمات هذه كانت بالنسبة لي كصحفي ناشئ أول صدمة عنيفة في حياتي.. رأيت فيها الحريات وهي تنتهك حتى من بعض القضاة في ذلك الحين، ولمحت مأساة تسلط الإنسان على الإنسان في أبشع صورها....)
وأخطر ما ورد في حديث الشمعة في وصفه لنقل الشهيد بعد إصابته بالنار فيقول: (وما هي إلا لحظات حتى مرّ من أمامي العقيد عدنان المالكي محمولاً على كتفي جنديين وهو مضرّج بدمائه، ورأيت الدماء تسيل من خلف رأسه، وقد غطت الدماء مساحة كبيرة من الأوسمة التي كانت على صدره.. وكان أكثر ما أذهلني هو أن الشرطيين اللذين حملا العقيد المالكي قد نزلا مرتين على الدرج الطويل وصعدا به مرتين.. ثم سمعت ضابطًا يقول لهما: يا أخي احملوه إلى المستشفى بسيارة إسعاف اللاعبين.. شو عم تستنوه ليموت...!؟)
ويرى الشمعة أن اغتيال المالكي هو مؤامرة معدة بشكل دقيق، حتى إنه يسميها "لعبة الاغتيال" فيقول: (أعتقد أن مسألة اغتيال العقيد عدنان المالكي كانت معدّة وبشكل مسبق ودقيق.. كان من الممكن إجراء المباراة في الملعب الأول، لأن الملعب البلدي كان يضم أصلاً خمسة ملاعب لكرة القدم، الدولي فيها هو الملعب الأول، يليه بالأهمية الملعب الرابع، وقد أقيمت "لعبة الاغتيال" في هذا الملعب - الملعب الرابع. الملعب الأول فيه سدة يجلس فيها كبار المسؤولين، ولكن لا بدّ أن يجلس أو يقف خلفهم بعض المتفرجين، أما الملعب الرابع، فإن مدرّج المواطنين يقع تحت السدة الرئيسية، وبذلك يصبح المسؤولون الجالسون في السدة غير محميين من الخلف بكتل من المتفرجين.. في السدة الأولى جلس الزعيم شوكت شقير رئيس الأركان برغم إنه قليلاً ما كان يحضر المباريات الرياضية، وجلس على يمينه السفير المصري بدمشق محمود رياض، وعن يساره رئيس فريق الجيش المصري، وخلفه الملحق العسكري المصري جمال حماد، وفي النسق التالي وهو أقرب إلى حرس الشرطة العسكرية أُجلِس العقيد عدنان المالكي، وحوله بعض الضبّاط.. أما خلف العقيد المالكي والضبّاط الذين كانوا معه، فكان هناك شرطيان عسكريان).
ويشير الشمعة في معرض حديثه عن هذه القضية إلى أمر آخر شديد الأهمية ولم يسبق أن تطرق له أي شاهد أو كاتب أو سياسي! ألا وهو أن ما اصطلح على تسميته القاتل يونس عبد الرحيم والذي قيل إنه انتحر بعد إطلاقه النار على المالكي، فيقول الشمعة إن عبد الرحيم لم ينتحر ولم يُقتل في ساحة الجريمة!! وأن هنالك من كان يُرهب الناس للقول إن يونس عبد الرحيم انتحر!!، فيقول الشمعة (عميل من يقول إن القاتل لم ينتحر، لأنه أُحيط بعد الجريمة بمجموعة من رجال الأمن وهو لا يزال على قيد الحياة؟).
وعن المحكمة والمحاكمة في قضية المالكي والرقابة المشددة التي كانت تمارس على الصحافة ورجالها في معرض الحديث عن هذه الجريمة فيقول: (باعتباري كنت شاهداً بالملعب البلدي لحظة الحادث، ثم في قاعة المحكمة التي وضعت أبرياء في قفص الاتهام، والمجرمين الحقيقيين في قاعة النظارة.. سيلمّ القارئ الكريم بالحقيقة الناصعة.. وتابعوا معي هذه الشهادة.. الحقيقة كما رأيتها.. الحقيقة مثلما لمستها.. الحقيقة كما عشتها في الملعب الأخضر ثم في قاعة المحكمة السوداء.. في رحاب وطني الذي بدأ يتمزّق بعد الفاجعة الأليمة.. كان المقصود هو الفتنة.. خائن من يعترض على مهاجمة مقرّات الحزب السوري القومي الاجتماعي في الدقائق الأولى لاغتيال المالكي، أي قبل الاتهام والإدانة؟
عميل من يقول إن القاتل لم ينتحر، لأنه أُحيط بعد الجريمة بمجموعة من رجال الأمن وهو لا يزال على قيد الحياة؟ وهكذا ألقيت الاتهامات جزافاً، على كلِّ من يخرج عمّا قرّره أطراف "المؤامرة" أو أصحاب الفتنة.. وحتى من هم في موقع المسؤولية من السياسيين عليهم أن يلتزموا الصمت أو إدانة الحزب السوري القومي دون أي اعتراض أو تفسير أو استفهام.. أما نحن رجال الصحافة فكنا أكثر تعرضاً للضغط والإرهاب.. يجب أن نعرض على الرقابة المشددة كل ما نكتبه حرفاً بحرف.. علينا كصحفيين أن نصبّ جام غضبنا على الحزب السوري القومي.. ولا سؤال لأي استفسار ولا سؤال غير ذلك؟).
شهادة أحد المتهمين بتنفيذ عملية الاغتيال :جورج عبد المسيح:
=========
بعد أن فُصل جورج عبد المسيح من الحزب السوري القومي الاجتماعي، أسس حزباً جديداً أطلق عليه "الانتفاضة" وكان عبد المسيح يصدر سلسلة من الكتب تحت اسم (من ولماذا) وقد أكد مراراً عبر هذه السلسلة من الكتب:
( إن المخابرات السورية في ذلك الوقت والتي كان يقودها الرائد عبد الحميد السراج العائد من مصر وبالتعاون مع السفير المصري في دمشق محمود رياض ورئيس الأركان شوكت شقير المهدد بإزاحته من رئاسة الأركان ليتولاها من بعده معاونه العقيد المالكي، قاموا بتدبير اغتيال المالكي وتنفيذاً لخطة القضاء على الحزب السوري القومي الاجتماعي مستغلين أجواء مشحونة بين أعضاء الحزب والعقيد المالكي).
شهادة أميركية:
=====
وهنالك وثيقة أمريكية أثارت قضية اغتيال المالكي في مذكرة تحمل تاريخ 29/4/1955 وتنص هذه المذكرة على: (.... ثم كشفت التحقيقات بأن القاتل هو عضو بالحزب السوري القومي الاجتماعي وينتمي إلى الطائفة العلوية في سوريا. وقد قامت الحكومة السورية مباشرة بتوجيه التهم إلى أصابع أجنبية تسعى إلى قلب السياسة السورية وكانت الإشارات متوجهة بشكل خاص إلى الولايات المتحدة ولو أن الحكومة السورية لم تقدم أي براهين على هذا الادعاء.)
وتتابع الوثيقة بالحديث عن اجتماع لرئيس الوزراء السوري آنذاك صبري العسلي بالسفير الأميركي بدمشق "بروور" وإعلامه بأن سبب الاتهامات السورية للتورط الأميركي بعملية الاغتيال تكمن في حصول الحكومة السورية على رسالة موجهة من عضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي في نيويورك يذكر فيها إنه تم الاتصال بجهات رسمية أميركية لطلب العون في قلب الحكومة السورية.
ثم تختتم الوثيقة بأنه بالرغم من عدم ثبوت هذه الادعاءات، قام الحزب الشيوعي في سوريا عبر صحف الحزب بتوجيه الاتهامات وتأكيد الدور الأميركي وإدانة الدول الاستعمارية والتحالف التركي العراقي.
بعد التحقيقات التي قامت بها الجهات المختصة، وفي 29 تموز 1955 نُشر قرار الاتهام الموجَّه إلى 140 عضواً من المنخرطين في الحزب القومي السوري الاجتماعي، وطالب المدّعي العام العسكري بتوقيع عقوبة الإعدام ضد ثلاثين من المتهمين، وبتوقيع عقوبة السجن المؤبّد مع الأشغال الشاقة ضد تسعة آخرين.. إلا أن أغلب هؤلاء كانوا هاربين.
كان على رأس الذين طولب بإعدامهم: جورج عبد المسيح زعيم الحزب، وجولييت المير الأمينة الأولى أرملة أنطون سعادة، وعصام المحايري أمين عام الحزب رئيس تحرير جريدة "البناء" الناطقة بلسان الحزب، والدكتور سامي الخوري، والمقدَّم العلوي غسان جديد.
ومن جملة الاتهامات التي وُجهت إلى القوميين السوريين في المحاكمة يومئذ بأنهم زوّدوا مكتب المعلومات الأمريكي في دمشق، بمعلومات عن الإخوان المسلمين في سورية، كذلك بمعلومات تتعلق بنشاط الحزب الشيوعي في كل من سورية ولبنان منذ بداية عام 1955.
أعضاء المحكمة:
=========
تألفت المحكمة الخاصة باغتيال المالكي من:
بدر الدين علوش رئيساً رئيس محكمة البداية في حلب، وهو حموي من أشدّ أنصار أكرم الحوراني أحد مؤسسي حزب البعث ،
المقدمين مظهر وصفي وعفيف البزري ((شيوعي)) عضوين
المقدم بشير الطباع ((بعثي))عضواً متمماً
وحمدي الصالح نائباً عاماً،
والرئيس محمد الجراح (( ناصري فيما بعد)) ومحمد عابدين معاونين للنائب العام،
هكذا كانت المحكمة من عسكريين ومدنيين ليس لهم أي صلة بالفئات السياسية المعادية للسوري القومي ما عدا المقدم عفيف البزري الذي كان معروفاً بتعاطفه مع الحزب الشيوعي، وقد جرت المحاكمة في مبنى القصر الجمهوري في أبي رمانة والذي كان اتخذه حسني الزعيم مقراً لسكنه قبل الإطاحة به. انعقدت الجلسات في قاعة ضخمة أُقيمت خصيصاً في حديقة القصر.
وتعرّض بعض أعضاء هيئة المحكمة للاعتداءات، فجرت قبل يوم واحد من البدء بتلك المحاكمات محاولة لاغتيال حمدي الصالح (من حركة التحرير وجماعة أديب الشيشكلي) المدعي العام العسكري، أُطلق عليه الرصاص فأصيب ولكنه لم يقتل، كما ألقي بعد ذلك متفجرة على منزل أحد أعضاء المحكمة. وتم تهديد بعض أعضاء المحكمة أثناء مجريات التحقيق، ففي جلسة المحكمة التي عُقدت بتاريخ 12-11-1955 أبرز النائب العام رسالتي تهديد بالقتل ضُمتا إلى الإضبارة، وكان المقدم عفيف البزري قد تلقى رسالة تهديد بنفس المعنى.
المحامون:
===
كان بين محامي الادّعاء المحامون الحزبيون "البعث" خليل كلاس المدير الأسبق لمكتب حسني الزعيم، عبد الحليم قدور، عبد الرحمن المارديني، رياض المالكي عبد الفتاح زلط الذين تقاسموا المرافعات، فاختص عبد الفتاح بوقائع الجريمة ووثائقها وأدلتها الثبوتية كما اختص خليل كلاس بالتطبيق القانوني على هذه الوقائع. ومن محامي الدفاع سيف الدين مأمون وهاني البيطار الذي تولى الدفاع عن الأمينة الأولى جولييت المير سعادة، والمحامي جبرائيل نصار وهو أيضاً وكيل المتهمة المير، وسليم عثمان، وبهيج تقي الدين، والياس دمر، وعرفان سلوم وغيرهم من المحامين السوريين واللبنانيين، ومن جهة آخر امتنع أغلب المحامين السوريين عن الدفاع عن القوميين السوريين، لذا جاء من لبنان 12 محامياً لبنانياً لمعاونة الدفاع.
وانسحب محامو الدفاع اللبنانيون من دعوى قضية اغتيال المالكي أو القضايا المتفرعة عنها بعد أن أثار أحد محامي الادعاء أمراً اعتبروه مساً بالقضاء اللبناني وتضامن معهم زملاؤهم المحامون السوريون وذلك في الجلسة الثالثة لشهادات الشهود للمحكمة العسكرية المؤقتة بدعوى اغتيال المالكي وتم تعيين ثلاثة ضباط برتبة ملازم لتولي الدفاع عن المتهمين، وهم أحمد مراد، وعبد الرزاق الإدلبي، وعبد الغني الشقفة. وبتاريخ 18-9– 1955 عاد المحامون المنسحبون.
وُجِّه قرار الاتهام بعد انتهاء المحكمة من إجراءاتها القانونية إلى 140 عضواً من الحزب القومي السوري، وخلال المحاكمة وُجهت التهمة إلى 30 متهماً اتهامات بجرائم قتل عقوبتها الإعدام، وحتى تاريخ 8 تموز 1955 تم الإفراج بالكفالة المالية عن 20 قومياً من المتهمين بالانتماء إلى جمعية سرية.
بيان رئيس المحكمة:
=============
كانت مجريات المحاكمة والتحقيقات تجري بكتمان شديد، بحيث لم يتمكن أحد من الاطلاع على شيء من وقائعه، إلا ما كان يؤذن بنشره أو إذاعته.
وقبل انعقاد محاكمة المتهمين في اغتيال المالكي في منتصف تموز 1955 أدلى رئيس المحكمة بدر الدين علوش، ببيان في مؤتمر صحفي،عقده قبل يوم واحد من بدء المحكمة، وقال: (هذا أول حديث أدلي به إليكم، وآخر حديث، وإنني أعتقد بأنه إذا كان رجال الدولة ورجال السياسة مضطرين من حين إلى حين، لعقد المؤتمرات الصحفية، وإذاعة الأحاديث السياسة، لشرح مبادئهم والدفاع عن وجهة نظرهم، فنحن رجال العدالة - في مهمتنا القضائية - أميل إلى الصمت منه إلى الكلام. نحن إنما ندرس ونحقق ونستمع إلى الأدلة ونمحصها، ونتأمل مدى انطباقها على القوانين، ثم نستلهم وجداننا، ونبدي بعد ذلك رأينا دفعة واحدة. ومن الأمور المسلم بها، إنه لا يجوز لنا خلال فترة المحكمة، إبداء الرأي بأي واقعة من وقائع الدعوى، وهو ما يسمونه في التعبير القضائي (عدم الإحساس بالرأي).
فأرجو من إخواني الصحفيين عدم إحراجنا، وعدم طرح الأسئلة علينا خلال فترة المحاكمة، وذلك ليفسحوا لنا المجال للقيام بواجبنا القضائي على الوجه الأكمل. إن الفقرة الثانية من المادة 265 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تنص على (أن القانون يوكل إلى ضمير الرئيس وشرفه، بذل غاية جهده في سبيل اكتشاف الحقيقة) فاسمحوا لي أن أقول لكم بكل صراحة، إنني سأبذل كل ما في وسعي لأداء هذه الأمانة، والقيام بهذا الواجب، وسأسعى بكل ما أوتيت من قوة، لأن تكون المحاكمة عادلة إلى أبعد حد في العدالة. محقة إلى أقصى درجات الحق. ويكفي لأن تكون المحاكمة كذلك أن تتصوروا أننا نصدر حكمنا باسم الشعب السوري بأسره، وهذا معناه أن الحكم الذي سوف نصدره، يرتبط بشرف القضاء السوري وكرامته، ويجب أن لا يغرب عن الأذهان أن القضاء، هو أكبر أمانة لشرف الوطنيين، وأموالهم، وحرياتهم، وأرجو أن تطمنوا كل مواطن، سواء أكان من جهة الادعاء أو في جهة الاتهام، أن المحكمة التي سأمارس فيها أعمال الرئاسة، لن تجرِّم بريئاً ولن تبرئ مجرماً، وإن حرصنا على عدم إدانة البريء، لا يقل عن حرصنا على معاقبة المجرم، لأن العقوبة "ملح الأرض" كما يقولون. وأعتقد أن من نافل القول أن أصرح لكم أن المحكمة ستكون- كما هو مفترض فيها- للجميع، سوف يسيطر عليها شعور قوي، هو شعور الحياد بكل ما في هذه الكلمة من قوة. وإنها ليست لفريق من المواطنين دون فريق، وإنما هي للوطن كله وللأمة بأسرها).
رئيس المحكمة يلتقي المحامين:
============
ومن ثم انعقدت المحكمة وتم الاستماع إلى شهادة الشهود وبعد رفع الجلسة إلى يوم السبت 22 تشرين الأول 1955 للاستماع إلى مرافعات وكلاء الادعاء، ووكلاء الدفاع. وبهذه المناسبة، وجّه رئيس المحكمة بدر الدين علوش كلمة إلى المحامين قال فيها: (أريد قبل أن أرفع الجلسة للمرافعات، أن أذكِّر وكلاء الادعاء والدفاع، باليمين التي حلفوها قبل أن يلبسوا رداء الشرف، بأن يحترموا القوانين، وألاّ يقصروا في الاحترام الواجب للمحاكم وللسلطات العامة، فأرجو أن تحافظوا في مرافعتكم جهد المستطاع، على روح الزمالة والمودة فيما بينكم، وأن تكون مرافعتكم منحصرة في موضوع الدعوى، ومتصفة بالاعتدال والحكمة والرصانة، وأن تبرهنوا للمحكمة وللناس كافة، أن الاسم الذي يحمله المحامي، سيظل دائماَ مقروناً بفكرة العدالة والحمد والفخر والشرف.)
مرافعة بهيج تقي الدين:
===========
قدم محامي الدفاع اللبناني بهيج تقي الدين مرافعته أمام المحكمة ومما جاء فيها: (لو أن الفاجعة بعدنان المالكي سعت بالمطالبين بدمه إلى المرتبة التي هيأتها لهم طبيعة دورهم،.. فلم نسمع من بعض ممثلي الادعاء ذلك الكيل من الشتائم الذي أصمّ آذاننا، ولو إنه لن يخرس أصواتنا، وتلك السيول المنهمرة من أوصاف ونعوت لم نكن ندري أن معجمات اللغة غنية إلى هذه الدرجة بأكداسها..
لو أنهم حصروا الجريمة بهؤلاء المتهمين لكان ذلك حقهم،.. حتى ولو وقفنا نقرع الحجة بالحجة ونرد على البرهان بالبرهان. لنقولها في نهاية هذه المحاكمة، على عتبة الحكم كلمة صريحة مخلصة. لو أن الاتهام ساق هؤلاء الأشخاص كأفراد مسؤولين عن جريمة معينة واستمد من تصرفاتهم الشخصية دليلاً على اشتراكهم بها ومبرراً لإدانتهم مطالباً القضاء أن يضع ذلك الدليل في ميزان تقديره فيقبل به أو يهمله.
ويشهد الله أننا لم نفكر يوماً بأن نغتنم هذه المناسبة المؤلمة، جعلوا من هذه المحاكمة سبيلاً لا للاقتصاص من المسؤولين عن الجريمة، بل أداة لنحر الحزب في ضميره وعقيدته وأسلوب عمله...
شهادة عبد الكريم النحلاوي في جريمة اغتيال عدنان المالكي ===
استمعت المحكمة العسكرية الخاصة المؤقتة التي تشكلت للنظر في قضية اغتيال العقيد عدنان المالكي إلى العشرات من الشهود والمتهمين، وهنا شهادتا الملازم الأول عبد الكريم النحلاوي "وهو الذي أضحى قائداً لانقلاب الانفصال" والرقيب الأول ناصر هزبر أحد ضباط الصف في الجيش السوري من المكلفين بحراسة المنصة الرئيسية في الملعب البلدي بدمشق والذي أدلى بشهادته في مخفر شرطة موقع دمشق التابع للسرية الأولى.
عبد الكريم النحلاوي:
--
أدلى الملازم الأول عبد الكريم النحلاوي بالشهادة التالية أمام المحكمة العسكرية:
( محضر رقم 30) حضر بالجلب الشاهد الملازم الأول عبد الكريم بن محي الدين النحلاوي عمره 27 سنة من أهالي دمشق - محلة قبر عاتكة، مرافق رئيس الأركان العامة. يعرف الرقيب يونس عبد الرحيم والمُدعى عليهم غسان جديد وفؤاد وعصام المحايري شكلاً ولا يعرف المُدعى عليهم الباقين، خالي القرابة والعداوة، وبعد أن أقسم اليمين القانونية المنصوص عنها بأحكام المادة 77 من الأصول الجزائية سُئل:
س - ما هي معلوماتك في هذه القضية؟
ج - يوم الحادث كنتُ حضرتُ إلى الملعب البلدي بسيارة الزعيم شقير رئيس الأركان العامة، فوصلنا في الساعة الخامسة عشر والدقيقة الخامسة والخمسين، وبعد أن عزف النشيد السوري توجهت مع الزعيم إلى المنصّة الرئيسية وكان في استقباله رؤساء الشعَب وآمر الشرطة العسكرية، وكان بين الضبّاط المستقبلين العقيد مالكي رئيس الشعبة الثالثة، وقد جلس الزعيم رئيس الأركان في المكان المخصّص له في المنتصف بالصف الأول، وعلى يمينه السفير المصري محمود رياض، والثاني مصري أيضاً ولكنني لا أعرف وظيفته،
و جلس في صف الكراسي الثاني خلف الزعيم شقير كبار الضبّاط من الزعماء والملحق العسكري المصري بينهم، وكان مكان جلوس الملحق العسكري المصري خلف الزعيم شقير مباشرة،
وفي الصف الثالث خلف الملحق العسكري المصري كان يجلس العقيد مالكي، ويصادف مكانه على حذاء واحد بالنسبة للزعيم شقير، وكان يجلس على يساره كما أعتقد الأمين العام لوزارة المعارف أحمد الفتيح، وخلف هذا الصف من الكراسي يوجد صفّان فارغان من الكراسي لم يسبق أن شاهدت وضعهما في المباريات السابقة،
وقد جلست بجانب الرائد أكرم ديري، على حذاء صف العقيد مالكي تماماً في الجهة اليسرى بالنسبة للناظر نحو الملعب، وفي الصف الثاني من الكراسي الكائنة على يسار المنصّة بالنسبة للناظر،
ويوجد بيننا وبين المنصّة ممرّ، وإنني لم أكن منتبهاً للقاتل الرقيب يونس عبد الرحيم أو لأي عسكري آخر قريب أو بعيد من العقيد مالكي،
بعد بدء المباراة بثلاثين دقيقة تقريباً سمعت صوت طلق ناري عادي صادر عن ناحية الخلف، فالتفت وإذ بي أرى الرقيب يونس عبد الرحيم وكان واقفاً خلف الصفين الفارغين الكائنين وراء صف العقيد مالكي، ولم يكن جالساً فيها شخص ما، ويقع مكان وقوفه حذاء واحد، أي خط واحد تقريباً مع العقيد مالكي، ولم يكن جالساً فيهما أي شخص، والأشخاص الجالسين أمامه تماماً أي الزعيم شقير أيضاً،
وفور التفاتي إلى الرقيب يونس المذكور، سمعت معه صدور طلقة أخرى وهي الطلقة الثانية، ورأيته ماداً يده يسدد على امتدادها باتجاه العقيد مالكي، وقد اضطربت لهذه المشاهدة ونهضت فوراً واتجهت نحو القاتل، وكان على بعد ثلاثة أمتار من مكان جلوسي، وعلى مبعدة متر ونصف خلف العقيد، وقبل أن أصل إليه لم تنطلق معه الطلقة الثالثة التي أطلقها أيضاً، إذ أجدبت فرأيته يبدل الطلقة بأخرى"يخرطشها" ليتابع الإطلاق، وعندما رآني أقترب منه، سدد المسدّس نحوي ولكنه خوفاً من أن يقبض عليه حياً، أدار فوهة المسدّس نحو صدغه الأيمن وأطلق الطلقة الثالثة التي انطلقت، وفي ذلك الوقت كنت وصلت إليه تماماً وأخذت منه المسدّس، ووقع هو على الأرض،
والتفت نحو صفوف المنصّة فشاهدت العقيد يترنح على الكرسي الجالس عليه ثم وقع على الأرض مائلاً نحو الجهة اليسرى بالنسبة للناظر نحو الملعب، ولم أنتبه إلى ما حلَّ بين الضبّاط والجالسين، ولكنني رأيت رئيس الأركان يتجه نحو مكان العقيد مالكي، وحاول أن يكلمه، ولكن العقيد لم ينبس بأية كلمة إذ فارق الحياة، وعندئذ تجمعت جموع الناس.. وقد بقيت مع الزعيم شقير مدة عشر دقائق تقريباً، ومن ثم انصرفت معه إلى المستشفى. ونظراً لأن الرقيب يونس عبد الرحيم القاتل، كان يقف خلف العقيد وكان جالساً في نفس الاتجاه أمامه في الصف الأول الزعيم شقير، وكنت رأيت القاتل يسدِّد المسدّس في ذلك الاتجاه عندما أراد أن يطلق الطلقة الثالثة التي أجدبت، فإني لا أعرف فيما إذا كان الإطلاق على الزعيم شقير مع العقيد مالكي، وهذه معلوماتي وإني لم أنتبه إلى وجود رقباء آخرين كانوا واقفين على مقربة من الرقيب يونس. تُلِيتْ عليه إفادته البالغة صفحتين إلا ربعاً فصادق عليها بتوقيعه. بتاريخ 4/5/1955.
أنكر عبد الكريم النحلاوي أن يكون قد أدلى بأي إفادة! وذلك في لقائه مع فضائية الجزيرة حيث دار حديث بينه وبين المذيع أحمد منصور نفى فيه واقعة إفادته!!
ودار الحديث التالي معه ومع المذيع أحمد منصور في برنامج شاهد ع العصر:
(عبد الكريم النحلاوي: ما طلب مني تحقيقات إطلاقا أنا.
أحمد منصور: ما شاركت بأي إفادة؟
عبد الكريم النحلاوي: أبدا.
أحمد منصور: لم تدل بأي إفادة أمام الملحق العسكري؟
عبد الكريم النحلاوي:لا أذكر أنني قدمت أي إفادة.
أحمد منصور: أنا عندي هنا إفادة منك أنت حول ما جاء في.. هنا.. كان عمرك 27 سنة وأنك من أهالي دمشق محلة قبر عاتكة.
عبد الكريم النحلاوي: نعم.
أحمد منصور: طيب، محضر رقم 30 إفادة الشاهد ملازم أول عبد الكريم بن محي الدين النحلاوي مرافق رئيس الأركان الزعيم شوكت شقير، حضر بالجلب الشاهد الملازم أول عبد الكريم بن محي الدين النحلاوي، عمره 27 سنة من أهالي دمشق محلة قبر عاتكة مرافق رئيس الأركان" يعرف الرقيب يونس عبد الرحيم المدعى عليهم غسان جديد وفؤاد كذا كذا، وبعد أن أقسم اليمين القانوني المنصوص عليها، ما هي معلوماتك في هذه القضية؟" أنت لم تدل بهذه التحقيقات؟
عبد الكريم النحلاوي: والله ما بأذكر صار لها خمسين سنة ما بأذكر صار..
أحمد منصور: يعني أنك صادقت عليها بتاريخ 4 مايو 1955.
عبد الكريم النحلاوي: نفس الحدث اللي صار يعني نفس الواقعة.
أحمد منصور: طبعا في ناس كثير حقق معهم، أنت لا تذكر إنه تم التحقيق معك في هذا الموضوع؟
عبد الكريم النحلاوي: والله نسيت الموضوع أساسا لأن الحديث كبير كثير يعني أثره كبير علينا، ما عدت أذكر شو الأحداث اللي مرت التطورات وقتها؟).
كما أن النحلاوي لم يذكر في إفادته نوع المسدّس الذي أخذه من يد يونس عبد الرحيم وعياره!!!؟ والنحلاوي أدلى بشهادته بعد ثلاثة عشر يوماً من وقوع الحادثة؟ وبناء إلى طلب من المحكمة؟
شهادة الرقيب الأول ناصر هزبر بالشهادة التالية في مخفر شرطة موقع دمشق:
=========
في هذا اليوم الخميس الواقع في الثامن والعشرين من شهر نيسان، عام 1955 الساعة الرابعة عشر، نحن الموقعين أدناه الملازم عبد المجيد جمال الدين محققاً، والرقيب الأول إبراهيم طيبا محرِّراً ، من مخفر شرطة موقع دمشق التابع للسرية الأولى.
بناء على التحقيقات الجارية، استدعينا لأمامنا الرقيب الأول ناصر هزبر، وضبطنا إفادته كما يلي:
هويته - اسمي محمد ناصر بن جميل هزبر، والدتي شروف، عمري 30 سنة من أهالي معرة النعمان، مهنتي رقيب أول بفوج شرطة الجيش السرية الأولى، شعبة التحقيق رقمي 45739 متأهل ولي أولاد، متعلم لم أُحكَم قبلاً.
إفادته - على السؤال أجاب..؟
ج - في يوم الجمعة الماضي، تنفيذاً للأمر الإداري الصادر من آمر السرية الأولى، باستنفار السرية اعتباراً من الساعة الثالثة عشر، ذهبت إلى المركز خارجاً من عند الحلاق صالون المراد بالمرجه، وكان برفقتي الرقيب أحمد وهبه رأفت، وفي شارع النصر وقريباً لجامع دنكز، انتبهنا إلى الساعة فلاحظنا أننا إذا تابعنا سيرنا على الأقدام لابدّ أننا سنتأخر عن حضور الاجتماع في الوقت المحدد، وإذا بالرقيب رأفت يوقف سيارة تكسي عمومي لا أعرف اسم سائقها، وطلبنا إليه إيصالنا إلى المركز، فركبنا معه أنا ووهبه من الخلف، وكان بقرب السائق شخص مدني لا نعرفه، حتى وصلنا إلى باب المركز، حيث ترجلنا ودخلنا المركز، وما هي إلا دقائق حتى صفر الوكيل (( المساعد)) الأول سعيد وكيل السرية بالصافرة معلناً بدء الاجتماع، فجرى الاجتماع، وقرأ الوكيل الأول سعيد الأمر الإداري بتوزيع المهمات في الملعب البلدي للمباراة التي ستجري بين فريق الشرطة وفريق خفر السواحل المصري، وعرف كل واحد منا مهمّته،
و إنني لم أشاهد يونس في الثكنة أثناء دخولي إليها، وأول ما رأيته يومها في الاجتماع فقط.. وبعد توزيع المهمّات تفرّق بعض الرقباء مثل الوكيل منير فتوحي، وأحمد أيوبي وموفق إمام. وبقيت وحدي من النقباء في ساحة الثكنة. وغاب عن نظري يونس في هذه الفترة ما يقارب السبعة دقائق، حتى ناداني الوكيل الأول سعيد وأعطاني أمرة الصف لقيادته حتى باب الملعب، وفي هذه الأثناء بالضبط شاهدت يونس عبد الرحيم ينزل من الدرج الذي يؤدي من مركز الآليات إلى باحة الثكنة وهو يصلح بنطلونه، ووضع فوقه السترة التي كانت مفككة عدة أزرار منها من الأسفل، وأعاد نطاقه.. وكنت أثناءها قد أعطيت إيعازاً بالاستعداد وبدء المسير، وخرجنا من باب الثكنة ولحق بنا يونس سائراً في خلف الصف، وبقرب باب مدرج الجامعة بل والمنعطف المؤدي إلى الملعب البلدي، وإذ بالوكيل الأول سعيد قادماً بدراجة مزدوجة يقودها الوكيل ماجد شاكر.
وتابعت أنا مسيري وراء الوكيل الأول سعيد الذي كان في الدراجة، حتى دخلنا باب الملعب الخارجي، وأوقفت العسكريين على الجانب الأيمن من الطريق حيث استلم الوكيل الأول سعيد أمرة الصف مني، وبعد هذا تابعت سيري والرقيب الأول يونس عبد الرحيم لداخل الملعب لاستلام مركز عملنا أو خدمتنا على المنصّة. ووقفنا بالساحة الصغيرة، المكان الذي تقف فيه فئة المراسم. وبعد قليل وصل الوكيل الأول سعيد مع فصيلة إلينا، ونزلنا أنا ويونس ورحنا نتجول في أرض الممشى المؤدي إلى مطلع الدرج، وأثناء ذلك تركني يونس ولا أعلم أين ذهب، لأنني التفت إلى جانبي وورائي ولم أجده [؟] فتابعت سيري حتى الطرف الآخر من الجهة الشمالية للمدرج، فوجدت هنالك الوكيل الأول سعيد حاج حسين جالساً على كرسي في الصف الأمامي، فجلست بقربه وقد غيرت أنا وإياه مكاننا عدة مرّات هرباً من الشمس حينما تغطينا،
و تحدّث الوكيل الأول سعيد بأنه سيترك عمله كوكيل سرية ويستلم شعَب التحقيق، ولا أذكر ما جرى من باقي الحديث لأنه لم يسترعِ انتباهي منه غير هذا القول، وبعد مضي ما يقارب أو يزيد عن عشرين دقيقة على غياب يونس عني، وإذا به يعود ويجلس بقربي و ولم أنتبه مطلقاً من أيه جهة كان قدومه، ولم ألاحظ عليه أي اضطراب أو أي شيء غير عادي وأثناء جلوسنا، وإذ برقيب طويل الجسم عريض المنكبين ممتلئ الصحة أسمر اللون على رأسه عمرة من عمرات الجيش القديمة "مبرغلة" يتقدّم نحونا ويسألنا من هو الرقيب يونس عبد الرحيم، فأشرت على يونس بيدي وقلت له "حضرته" فقال له الرقيب "بتسمح أنا عاوزك لك معي مكتوب" فنهض يونس من مكانه ومشى مع ذلك الرقيب حتى وقفا بعيداً عنا قليلاً، وتحت شجرة من شجر الكينا هناك..
وشاهدت الرقيب وقد أخرج من جيبه ورقة عادية دون مغلف ومطوية بيضاء فتحها يونس وقرأها ووضعها في جيبه في البنطلون، وعاد بعدها يونس وجلس على نفس الكرسي السابق، وذهب الرقيب الطويل بحال سبيله ولم أعد أراه بعد ذلك مطلقاً. وقد شاهد كل ذلك الوكيل الأول سعيد حاج حسين تماماً . وبعد ذلك بقليل جاء نحونا الملازم عبد المجيد جمال الدين، وقال مؤنِّباً إيانا بقوله "يلا كل واحد محلو الناس يجلسون على الكراسي بدون بطاقات". فنهضنا على الفور وذهبنا كلٌّ إلى مكان عمله.
فوقفت أنا من أمام المنصّة وعلى يمينها كي أحافظ على نظام الجلوس في الكراسي المعدّة لبطاقات الدعوة، والموجودة أمام المنصّة، بينما وقف يونس في الطرف الشمالي من فوق المنصّة، وبين مقاعد ضبّاط الأركان والمقاعد اليسارية، وبقيت متابعاً عملي ومهمتي في هذا المكان، وبعد النشيد السوري والمصري وبدء المباراة، رجعت إلى الوراء قليلاً حتى سندت ظهري على حائط المنصّة، بل حتى وقفت في مؤخرة المنصّة من الجانب الأيمن، حيث كان يجلس الدبلوماسيون بل الضبّاط وعائلاتهم.
بقيت واقفاً ألاحظ المباراة، ولم أعد انتبه ليونس منذ بدء النشيد السوري.. وقبل النشيد السوري والمصري كان يونس يروح ويجيء كثيراً ولم أشاهده يحدِّث أحداً، وبعد قليل حضر الوكيل الأول شفيق، أي بعد بدء المباراة، وهو من مصلحة النقل بدين الجسم، ومعه الوكيل سليم زيفه، ومعهما عدد من النسوة جلسن في مكان المنصّة مع نساء الضبّاط، بينما جلس الوكيل الأول والوكيل في الصف الخلفي، وجلس أحدهما على الكرسي الذي أستندُ عليه بيدي وهو الوكيل سليم زيفه، وبعد برهة وجيزة، وإذ بالرقيب الأول كلاس من الشعبة الرابعة لرئاسة الأركان العامة كان قريباً منهما،
وكنت أنا الفاصل ما بين الأول والوكيل الذي ناداه الرئيس بقول سليم وأشار إليه بيده مومياً إليه أن يتقرب نحوه، فتقرب الوكيل نحوه وهو على كرسيه أيضاً الرئيس الأول نحوه، وهمس بأذن الأول وتحدث معه حول عمله، وما كان كل منهما أن يعود ويستوي وضعه السابق حتى صدر طلق ناري، فلم يتحرك في البدء أحد حتى صدر طلق آخر، فنهضتِ الجموعُ وكلُّ من هو على المنصّة،
فالتفتُ وإذ بالضبّاط يحملون العقيد عدنان المالكي مضرَّجاً بدمه، وأثناء ذلك أي بعد الطلق الثاني شاهدت الرئيس أكرم ديري يسرع خلف المنصّة، فرافقته في نظري، وبهذه الثانية صدر طلق آخر. كان الرئيس أكرم يقف فوق شخص يقول له قتيل مرمي في الأرض ويقول له "قتلت حالك يا كلب" فنظرت في وجه القتيل، وإذا به الرقيب الأول يونس عبد الرحيم، وحضر على إثرها إلى المنصّة الملازم عبد المجيد جمال الدين، ونظر ما بين الموجودين وذهب لبعيد قليل، ونادى الوكيل منير فتوحي الذي عاد وناداني طالباً إليَّ الذهاب إلى المركز حيث أوقفت.
هذا وأضيف بأن الرقيب الأول يونس عبد الرحيم هو من الحزب السوري القومي، ويعرفه زملاؤه في المركز، وأما أنا فغير منتسب إلى أي حزب سياسي، أو أية ندوة أو جماعة، كما أن الرقيب الأول يونس لم يطلب ولم يحاول - معي الدخول في حزب سياسي - إدخالي في حزب سياسي وهذه إفادتي.
شهادة أحمد الفتيح الذي كان جالساً قرب العقيد المالكي لحظة اغتياله
===========
شهادة أحمد الفتيح أمين عام وزارة المعارف، والتي استمع إليها المحقق:
(المحضر رقم 31)
حضر بالجلب الشاهد السيد أحمد ابن الحاج عبود الفتيح، عمره 43 من أهالي دير الزور، مهنته أمين عام وزارة المعارف، يعرف المدّعى عليهم غسان جديد وعصام المحايري، ولا يعرف الباقين، ويعرف الرقيب الأول يونس عبد الرحيم القاتل يوم الحادث. خالي القرابة والعداوة، وبعد أن أقسم اليمين القانوني المنصوص عنها بأحكام المادة 77 من الأصول الجزائية.
سئل: ما هي معلوماتك في هذه القضية؟؟
في يوم الحادث حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر، توجهت إلى الملعب البلدي لأتفرّج على المباراة، وصعدت إلى المنصّة الرئيسية، فوجدت الزعيم شوكت شقير رئيس الأركان حاضراً وجالساً في الصف الأول من المنصّة، وعلى يمينه يجلس السفير المصري، وعلى يساره رئيس فريق خفر السواحل، ويجلس على الصف الثاني من الكراسي خلف الزعيم ووراءه تقريباً الملحق العسكري المصري جمال حماد، والزعيم نظام الدين وبعض كبار الضبّاط الآخرين، ورأيت العقيد المالكي جالساً في الصف الثالث خلف ذلك الصف، وكان يجلس على يمينه المقدم عبد الهادي الشامي، وعلى يساره يجلس المقدم راشد كيلاني.
وقد حياني العقيد نظراً للصداقة التي بيني وبينه، فقد طلب إليَّ الجلوس بجانبه فجلست، بعد أن أخذت كرسياً كان على يسار العقيد بالنسبة للناظر نحو الملعب، أي مكان العقيد راشد الكيلاني الأصلي، بعد أن جلس المذكور على يساري، وبعد أن كان المندوب عبد الهادي الشامي قد جلس على كرسي خلف كرسيه على يمينه، وقد تحدث مع العقيد مالكي أحاديث خاصة، منها حديث يتعلق بشقيقته وشقيقه رياض..
بعد بدء المباراة بعشرة دقائق، جاء لعند العقيد شقيق المحامي حسن الغزاوي كما قيل لي، وطلب إلى العقيد أن يحمّس الجمهور لأن اللعب كان بارداً، وكان جالساً في المكان الذي يجلس به بعض الضبّاط على يسار المنصّة الرئيسية، ضبّاط أذكر منهم المقدم رياض كيلاني، والرئيس أكرم ديري. وقد كان العقيد مالكي وعد شقيق حسن الغزاوي بأن يحمّس اللاعبين بعد خمس دقائق، ثم استرسلت مع العقيد بحديث من جديد، وبعد عشرة دقائق تقريباً، حدث تصفيق أثناء اللعب لفت نظرنا معاً، واتجه العقيد برأسه إلى الجهة اليمنى بالنسبة للناظر نحو الملعب وأنا كذلك..
في تلك الأثناء سمعت طلقتين قويتين اعتقدت أنهما صوت "فتاش -ألعاب نارية" ألقاه أحد المعجبين أثناء اللعب، فانحنيت نحو المقدَّم راشد كيلاني الجالس على يساري من أثر هذا الصوت، وقلت له "شو قلِّة هل ذوق هلاء وقت فتاش" فأجابني قائلاً: "ليس بفتاش إنما هو صوت رصاص"، وابتعد نحو جهة اليسار فتبعته بدوري عندما سمعت إنه صوت رصاص، والتفتُّ نحو الخلف فوجدت القاتل الذي عرفت اسمه فيما بعد إنه يدعى يونس عبد الرحيم، وإنه علوي من جبلة متعصّب للحزب القومي السوري، وكان منذ زمن بدير الزور، وكان يرتدي الألبسة العسكرية الخاصة برجال الشرطة، وكان يعالج المسدّس مصوِّباً إياه نحو الأرض "يخرطشه"، وكان مكان وقوفه يقع مباشرة خلف الصفين الفارغين من الكراسي اللذين كانا خلفنا بنصف متر تقريباً، وكان بعيداً عن الصف الأخير من الكراسي بنصف متر تقريباً، وكان مكانه يقع خلف العقيد مالكي، وإلى اليسار قليلاً بالنسبة للناظر نحو الملعب، وقد رأيته يتحرك من مكانه إلى الخلف بنصف متر تقريباً، بحيث أصبح مكان وقوفه بعد ذلك على حذاء العقيد مالكي تماماً، ورأيته يصوب المسدّس إلى رأسه وأطلق النار على نفسه، ثم ترنح فرأيت شخصاً عسكرياً لم أنتبه إلى رتبته أو إلى هيئته إطلاقاً، يقترب منه قادماً من الجهة اليمنى بالنسبة له، وعسكرياً آخر لم أعرف رتبته ولم أنتبه إلى رتبته إطلاقاً، يتقدّم نحوه قادماً من الجهة اليسرى حين أوشك الرقيب الأول القاتل على السقوط، وبعد وقوعه على الأرض أمسك به من كان قادماً من الجهة اليسرى، وحرّكه بحركة لم أنتبه إليها تماماً، عند ذاك التفتُّ جهة العقيد مالكي فوجدته جالساً على كرسيه بصورة طبيعية وحانياً رأسه إلى الجانب، ورأيت الدم ينفر من جانب "نقرته" من الجهة اليسرى بغزارة، فعلمت عندئذ أن إطلاق النار من قبل الرقيب القاتل كان موجهاً إليه،
بعد ذلك بلحظات تجمع الضبّاط حول العقيد والقاتل، وانصرفت من الملعب إثر ذلك من الدرج الخلفي للمنصّة، وكما أشرت إليكم لم أنتبه إلى هيئة العسكريين اللذين قدما من جهة يسار ويمين القاتل إطلاقاً، وكان جلوسي على الكرسي كما أذكر تقريباً أثناء الحادث خلف الملحق العسكري المصري، وكان الزعيم شقير جالساً أمام الملحق العسكري تماماً،
أما العقيد مالكي فكان على يميني بصورة كان يجلس على مكان مائل قليلاً إلى اليمين بالنسبة لصف رئيس الأركان العامة، وبالنسبة للناظر نحو الملعب نحو اليمين. وقد لفت نظري أنني لم أرَ أحداً في الصفين الفارغين اللذين كانا خلفنا إطلاقاً، وكان القاتل وراءهما بصورة أننا جميعاً كنا معرضين لناره، وهذه إفادتي.
شهادة أحمد الفتيح كانت بعد مرور ثلاثة عشر يوماً من وقوع جريمة الاغتيال وبنفس اليوم الذي أدلى بشهادته النحلاوي، وهي الشهادة الوحيدة التي تدلّ على كيفية جلوس المالكي على المنصّة.
شهادة الصحفي كامل البني - الذي كان شاهد عيان على جريمة اغتيال المالكي
=============
وهذه شهادة الصحفي وصاحب جريده الأسبوع الرياضي - أمين سر الاتحاد السوري لكره القدم كامل البني:
" المحضر رقم 3 "
بناء على الدعوة، حضر الأستاذ كامل بن محي الدين البني من أهالي دمشق، عمره 45 سنة. المهنة أمين سر الاتحاد السوري لكرة القدم، وصاحب جريدة الأسبوع الرياضي. متزوّج متعلم سوري. يعرف المرحوم العقيد عدنان المالكي ولا يعرف الرقيب الأول يونس، خالي العلاقة والقرابة والعداوة معهما، وبعد تحليفه اليمين القانوني المنصوص عنها في المادة 77 من الأصول الجزائية سُئل فأجاب:
س - ما هي معلوماتك في حادث الاعتداء على العقيد عدنان المالكي، باعتبارك أميناً للسر في الاتحاد العام لكرة القدم وقريباً من مكان الحادث.
ج - في هذا اليوم كنت في الملعب البلدي بمناسبة مباراة بكرة القدم بين فريق خفر السواحل المصري، وفريق شرطة الجيش السوري، وقد كنت في الجناح الأيمن من المدرج في أسفل المنصّة، وفي الصف الأول وكان بجانبي عن اليسار الأستاذ أنور تلو، وعلى يميني الدكتور غيه،
كان في المنصّة ثلاثة كراسي كبيرة معدة لجلوس رئيس الأركان في الوسط، وكرسي للسفير المصري على اليمين، وكرسي لرئيس بعثة خفر السواحل على ما أذكر على يسار رئيس الأركان.
وخلف الصف الذي يجلس عليه رئيس الأركان، كان صف يجلس عليه بعض كبار الضبّاط المدعوين، وخلف هذا الصف صف آخر كان يجلس فيه المرحوم العقيد عدنان المالكي، وإلى جانبه أمين المعارف الأستاذ أحمد الفتيح.
و قد بدأ اللعب وكان الحديث بين العقيد وجاره أمين المعارف مستغرقاً اهتمامه، لأنني ألاحظ العقيد عدنان منهمكاً في الحديث ومقبلاً عليه ومنحنياً إلى جهته، وكان يعطي اللعب في الملعب اهتماماً قليلاً لانشغاله بالحديث خلاف عادته
، وبعد نحو عشرين دقيقة تقريباً من بدء اللعب، سمعنا صوتاً يشبه ألعاب نارية كما ظنناه لأول وهلة، وبفعل منعكس التفتُّ إلى جهة الصوت فأبصرت شخصاً عسكرياً وبيده المسدّس مشهراً ووجهه ممتقع، وهو يحمله بوضعية الحذر والمبادرة للهجوم، فصحت فوراً.. وإذا بي أشاهد الطلق الثاني ينطلق إلى جهة المنصّة الرئيسية، وبعد انطلاق الطلقة الثانية لاحظت أن صاحب المسدّس أخذ يعالجه، كان المسدّس توقف عن الانطلاق، وكان بعض الموجودين من الضبّاط على المنصّة الرئيسية قد أسرعوا نحوه، وكنت في هذه الفترة أتقدّم بسرعة نحوه وأنا أصيح، فانطلقت الثالثة ولا أدري كيف كان اتجاهها،
و كنت لاحظت أن صاحب المسدّس بعد الطلقة الثانية أخذ يتراجع إلى الخلف، ولم أنتبه إذا كان هو يتراجع قد ولى ظهره للناس، أو مازال مولياً وجهه نحوه، ولما شاهدت العقيد مصاباً اتجهت نحوه ولم أعرف ما جرى للمعتدي، وقد أحاط الضبّاط بالعقيد وحملوه، وقد استرخى رأسه والدماء تنزف منه، ولم أسمع إذا كان قد تكلم لأن الضبّاط هم الذين أحاطوا به وهذه شهادتي.
تليت عليه إفادته البالغة صفحة واحدة فأيدها.
كاتب الضبط صاحب الإفادة معاون النائب العام العسكري.
======
======
ملاحظة:
• نلاحظ في هذه الشهادة أن البني لم يرَ الرقيب أول يونس عبد الرحيم يطلق النار على نفسه منتحراً.
• يجب التوقف عند قول البني: "ولم أسمع إذا كان قد تكلم لأن الضبّاط هم الذين أحاطوا به".
• كما يجب التوقف عند شهادة الشهود الأربعة وهم الملازم أول عبد الكريم النحلاوي، والرقيب أول ناصر جميل هزبر، وأحمد الفتيح، وكامل البني، وأنهم قد أجمعوا على سماع ثلاث طلقات!
• أخذت هذه الشهادة بنفس اليوم الذي وقع فيه الحادث أي شهادة فورية.
شهادة عصام المحايري: أحد المتهمين بالتخطيط لعملية الاغتيال:
=============
استدعي القيادي السوري القومي المعتقل آنذاك في قضية اغتيال المالكي عصام المحايري أمام المحكمة للاستماع إلى أقواله عدة مرات
ومما قاله: (إن الحزب السوري اتخذ قرارا رسميا بالاتصال بالعسكريين والقيام بعمل عسكري حاسم بناء على تقارير هشام الشرابي في أمريكا التي قال فيها أن إحدى الدول الأجنبية ستدعم هذا العمل. واتخذ القرار في اجتماع عقده المجلس الأعلى ومجلس العمد)
تابع المحايري أمام المحكمة: (إن الوسيط بين الحزب والدولة الأجنبية هو السيد شارل مالك والصديق الذي اتصل به السيد نوري السعيد والذي كان يقوم باتصالات دائمة مع العراقيين هو المتهم سعيد تقي الدين.)
وبتاريخ 4 أيار 1955 استدعي المحايري على عجل وبدون حضور محامٍ نظراً لسرعة التحقيق، وبغية إظهار الحقيقة عملاً بالمادة 69من الأصول الجزائية،
وسئل:
س - أفدنا عن تصرفاتك في يوم حادث قتل العقيد عدنان المالكي في يوم الجمعة الواقع 22/4/1955؟
ج - جرت العادة أن يكون عندنا في الساعة الحادية عشرة من صباح كل يوم جمعة، اجتماع مجلس العمد، وقد تأخرت يومها عن الموعد المقرر في بيتي. فتلفن لي كامل حسان وكيل عميد الداخلية... وقال (إذا كنت خالص بجي بآخذك بالسيارة) فأجبته بالإيجاب.
ويتابع المحايري سرد المواضيع التي ناقشها مجلس العمد في تلك الجلسة إلى أن يصل إلى القول(... وأثناء ذلك رن الهاتف وأخذ الأمين عبد المسيح السماعة، وسمعنا منه هذا القول (قُتل العقيد مالكي !!! هذا دس لا تسمع له) جواباً لمن يخاطبه على الهاتف. وأطبق الهاتف
وعند سؤالنا له عن الخبر قال: (بالمكتب عما يدقوا وقال واحد أجا قلهم إنو العقيد مالكي قُتل) وكان، بل وأردف، وطرق الباب ودخل الرفيق فؤاد جديد، الذي هو عضو في الحزب... وقد حضر فؤاد جديد بعد تلقي الخبر بالهاتف بدقيقة أو دقيقتين..)
===
===
وفي تاريخ 22 حزيران نشرت الصحف السورية صورة زنكوغرافية لرسالة بخط عصام محايري وتوقيعه موجهة إلى السوريين القوميين بلبنان كتبها في سجن المزه بتاريخ 21-6-1955م "وكان قائد مخفر سجن المزه آنذاك الرئيس أكرم الديري" جاء فيها ما يلي:
يؤسفني ما يترامى إلي من أن أقلاما قومية اجتماعية في لبنان تقوم بحملة تضليل وتنشر ترهات تصورني فيها في التحقيق الذي جرى ويجري معي، أن أظافري قد اقتلعت ويداي قد كويت بالزيت المغلي بل وأن عيني قد قلعت أو كادت إلى نحو ذلك من الأباطيل.
لقد كنت أتمنى على رفقائي في لبنان أن يمسكوا أقلامهم إلا على الواجب الذي يمليه على قومي اجتماعي سلوكه تجاه الجريمة النكراء والمأساة المفجعة التي أودت بحياة العقيد المالكي، هذه الجريمة البشعة ويؤلمني أن أصارح رفقائي، أنها ليست وليدة يونس عبد الرحم القاتل الذي انتحر أو قتل بعد الاغتيال مباشرة بل أن وراء يونس ويا للعار، أيدي بعض المسؤولين الحزبيين الذين خططوا ودبروا ودفعوا للجريمة الآثمة.
وواجب أقلام القوميين الاجتماعيين هو الاهتمام بهذه الناحية الخطيرة والأليمة جدا فلا ينساقوا وراء العاطفة الشخصية وينسوا واجبهم في تناول وضعية المجرمين.
إن حقيقة كون أن الجريمة وراءها بعض المسؤولين الحزبيين تعني، ويا للخجل أن هؤلاء خانوا الحزب وخانوا دستوره كما خانوا قسم المسؤولية الذي أدوه.
هذه الخيانة تفرض علينا أن نثور على أصحابها ونصب نقمتنا عليهم، ونعمل على محاسبتهم عليها، والمساهمة في إنزال العقاب الرادع بهم، لا أن نحصر الثورة على موضوع توقيف الرفقاء الذين أوقفوا ونسج الروايات حول هذا التوقيف، هذه الكلمة التي أسوقها لرفقائي كم أكون شاكرا للصحافة في الشام ولبنان نقلها إليهم لتتضح لكل رفيق الحقائق حول هذه الجريمة النكراء، ويعود رائد القوميين الاجتماعيين في هذه المأساة، أن ينال المجرمون، أياً كانوا عقابهم وجزاءهم الحق".
=
وذكرت مجله الصياد الصادرة يوم 1 أيلول 1955 أن المحكمة العسكرية استجوبت في الجلسة الأخيرة عصام المحايري فأصر على التنصل من الاشتراك في المؤامرة وعلى شجب عمل الحزب الذي دبرها. وأنه قال أثناء محاكمته إن الحزب القومي الاجتماعي اتصل بالحكومة الأميركية بواسطة الدكتور شارل مالك.
صدر قرار المحكمة بعد بضعة شهور من المحاكمة، فكان وثيقة كشفت فعل أجهزة المخابرات الاستعمارية في تخريب القوى المسلحة العربية والأحزاب السياسية. ولاحظ المراقبون آنذاك أن محاكمة المتهمين بجريمة الاغتيال كانت لمحاكمة الحزب السوري القومي الاجتماعي أكثر مما هي لمحاكمة المتهمين! حتى أن المحاكمة جرت بحق بعض أعضاء الحزب السوري القومي غير المتواجدين في سورية والذين لم يقوموا بأي عمل جرمي ضد المالكي. وهذه من غرائب المحاكمات. كما أن المحكمة أدانت بعض المتهمين على الظنّ والشبهة، من دون أن يثبت قيامهم بأي فعل جرمي يستوجب معاقبتهم.
كما نصّب الرائد محمد الجراح "كما يقول المعترضون على المحاكمة" نفسه قاضي تحقيق عسكري بعد أن أبعد الرائد صلاح يوسف آغا من مهمته كقاضي تحقيق عسكري، وأبعد العقيد محمد الرافعي عن مهمته كنائب عام عسكري وجلس محمد الجراح مكان النائب العام العسكري، كما نصّب نفسه مدّعياً عاماً على القوميين الاجتماعيين في المحكمة العسكرية!!
أسفر حكم المحكمة عن إدانة المتهمين من السوريين القوميين بمقتل العقيد عدنان المالكي بالأحكام الآتية:
أولاً: حكم بالإعدام وجاهياً على ثلاثة هم: محمد منعم الدبوسي، بديع مخلوف فؤاد جديد وحكماً غيابياً على خمسة هم: جورج عبد المسيح وعبد الله محسن واسكندر شاوي وغسان جديد وسامي الخوري. وقد أدين بديع مخلوف ومنعم الدبوسي بجناية الاشتراك والتحريض على القتل، وأدين الباقون بجناية التحريض على القتل، كما أدين عبد الله محسن وجورج عبد المسيح بجريمة التجسس لحساب دولة أجنبية.
ثانياً: بلغ مجموع الأحكام الصادرة على عصام المحايري (18) سنة وخمس سنوات إقامة إجبارية في تدمر وأربع سنوات منع إقامة في دمشق - بالجرائم التالية: 15 سنة أشغال شاقة بجرم التجسس وسنتين ونصف أشغال شاقة لتحريض العسكريين على العصيان وخمس سنوات إقامة إجبارية في تدمر لتحريضه والتآمر على أمن الدولة الداخلي.
ثالثاً: بلغ مجموع الأحكام الصادرة على جولييت المير (18) سنة سجناً و(15) سنة مع الأشغال بجرم التجسس والاستحصال على وثائق يجب أن تبقى مكتومة وسنتين حبس لتشويقها العسكريين على الانضمام لحزب سياسي وخمس سنوات إقامة إجبارية بتدمر لتآمرها على أمن الدولة الداخلي.
رابعاً: كامل حسان (18) سنة حبس (15) منها مع الأشغال الشاقة بجرم التجسس وسنتان لتشويقه العسكريين للانضمام إلى حزب سياسي وسنة للانضمام إلى حزب غير مشروع.
خامساً: حكم على إبراهيم الصواف بالأشغال الشاقة المؤبدة لتدخله فرعياً في جرم القتل مع تجريده عسكريًا.
سادساً: زهير قتلان 12 سنة حبس وأشغال شاقة لتدخله فرعياً في جريمة القتل.
سابعاً: عبد الكريم الشيخ: سنتان حبس لتشويقه العسكريين للانضمام إلى حزب سياسي.
ثامناً: حكم (15) سنة بالأشغال الشاقة بجريمة الاستحصال على وثائق ومعلومات يجب أن تبقى مكتومة كل من: كميل جدع، عبد الله القبرصي، إنعام رعد، محمد يوسف حمود، مصطفى عبد الساتر كامل أبو كامل، أسد الأشقر، مصطفى أرشيد، جبران جريج، سعيد تقي الدين، سعيد شهاب الدين، فؤاد شواف.
تاسعاً: وحكم خمس سنوات إقامة إجبارية بجريمة التآمر على أمن الدولة الداخلي مع الإسقاط من الحقوق المدنية كل من: كامل أبو كامل، إنعام رعد، عبد الله القبرصي، محمد يوسف حمود، فؤاد الشواف، مصطفى عبد الساتر.
وقد صدر هذا القرار بالأكثرية بمخالفة رئيس المحكمة بدر الدين علوش وعضو المحكمة المقدم عفيف البزري، وكان سبب مخالفة الرئيس بدر الدين علوش التي كتبها بيده "أن الوثيقة المصادرة من بيت سليم منصور وإن كانت في مضمونها تحتوي على تبادل أخبار ومعلومات بين (م. أ) الوسيط في فلسطين وبين (م.س) الوسيط في الشام إلا إنه وجد عليها عند مصادرتها كتابة في أعلاها وفي منتهاها تؤدي أن هذه الوثيقة حصل عليها مكلف قومي اجتماعي، وإن هذه الوثيقة نقلت طبق الأصل.
إ ن هذه الكتابة الموجودة على الوثيقة قرينة تدل على أن من وجدت معه ليس هو الجاسوس وليس هو الذي يتبادل المعلومات مع الوسيط في فلسطين (إسرائيل) وحيث إنه لم تقم في الدعوى أدلة محسوسة بحق المتهمين الذين ثبت اطلاعهم على هذه الوثيقة أنهم كانوا يتبادلون المعلومات مع الوسيط في فلسطين مما لا يجوز معه الأخذ بمضمون الوثيقة وإهمال القرائن اللاصقة بها"
أما العقيد عفيف البزري فقد خالف قرار المحكمة بأربع نقاط.
ولاً: لأنه اعتبر الحزب جمعية سرية خلافاً لرأي الأكثرية
. ثانياً: لأنه اعتبر مجلسي الحزب محرضين على القتل.
ثالثاً: لأنه اعتبر أن رسائل الشرابي والاتصال بالدول الأجنبية يشكل جريمة الخيانة ودس الدسائس لدى الدول الأجنبية.
رابعاً: لأنه طلب الحكم على فؤاد جديد بالسجن أشغال شاقة مؤبدة.
استمرت المحكمة بجلساتها لحين أصدرت أحكامها بتاريخ 13/12/1955 بإعدام ثمانية متهمين، "محمد منعم دبوسي وبديع مخلوف وفؤاد جديد وجورج عبد المسيح وعبد الله محسن واسكندر شاوي وغسان جديد وسامي الخوري".
ثلاثة منهم فقط كانوا رهن الاعتقال، بينما الخمسة الآخرون كانوا هاربين إلى لبنان" جورج عبد المسيح وغسان جديد"
وحين طلبت الحكومة السورية من لبنان تسليم الهاربين، أعلن وزير الداخلية اللبنانية أن الأفراد المطلوب تسليمهم قد ثبت وفقاً للتحقيقات أنهم غير موجودين داخل الأراضي اللبنانية!؟. وقامت عدد من الصحف والمجلات اللبنانية بعد ذلك بحملة إعلامية على سورية، كان من نتائج ذلك أن ساءت العلاقات بين الحكومتين "اللبنانية والسورية" (إثر امتناع الأولى عن تسليم القوميين المتهمين في مقتل المرحوم عدنان المالكي- مجلة الصياد أول أيلول 1955م).
وبتاريخ 5 تموز 1956 رفضت محكمة الاستئناف الطعن الذي تقدم به المتهمون، بالحكم، فأصبحت الأحكام نهائية، ولم يتبق سوى تصديق رئيس الجمهورية عليها لتصبح جاهزة للتنفيذ.
رفض الرئيس السوري شكري القوتلي التصديق على حكم الإعدام (لأن والدته كانت قد طلبت منه أن لا يوافق على إعدام أحد) وكان القوتلي ميالاً إلى تخفيف اثنين من أحكام الإعدام إلى السجن المؤبد، لكن ضغوط الجيش على الرئيس القوتلي كانت شديدة، فهدد القوتلي بالاستقالة وكان جاداً بذلك، الأمر الذي جعل الجيش يوافق على اقتراح شكري القوتلي بتشكيل هيئة خاصة تكونت من ثلاثة ضبّاط وثلاثة قضاة عُهد إليهم إعادة النظر في القضية، وتقديم توصياتهم بشأن أحكام الإعدام بصفة خاصة.
وهكذا انتقل مصير المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام إلى "هيئة غير شرعية لا تمت إلى القضاء بصلة " ونتيجة لقرار تلك الهيئة الاستثنائية تم تنفيذ الإعدام رمياً بالرصاص في 3/9/1956 باثنين من المحكوم عليهم بالإعدام فقط.
بعد تصديق الرئيس السوري شكري القوتلي على قرارات المحكمة بعد عرضها على اللجنة التي شكلها لإعادة النظر في قرارات المحكمة، انتهى الأمر بالحكم بالإعدام على اثنين من المتهمين فقط
وهم الوكيل "مساعد" في الجيش السوري بديع مخلوف "مواليد عام 1926م قرية بستان الباشا – اللاذقية"، والرقيب عبد المنعم الدبوسي من ملاك الشرطة العسكرية،
و كان قد ألقي القبض عليهما عقب جريمة اغتيال عدنان المالكي وسُجنا وعُذبا وقُدّما إلى المحاكمة حيث أدانتهما بجريمة اغتيال المالكي، وفور صدور الحكم بالإعدام وتصديق الرئيس القوتلي عليه،
صدرت الأوامر من الأركان العامة والعدلية العسكرية والنيابة العامة العسكرية بسرية شديدة بوجوب تنفيذ حكم الإعدام فوراً.
و في الصباح الباكر من يوم الاثنين 3 أيلول عام 1956 بدأ تنفيذ الاستعدادات والأوامر التي صدرت من الأركان والجهات العسكرية الأخرى، فاتخذ رئيس الشرطة العسكرية الإجراءات اللازمة ورتب عبد الحميد السراج والنائب العام العسكري المقدم محمد الجراح كافة الإجراءات اللازمة لتنفيذ حكم الإعدام.
في الصباح الباكر من ذاك اليوم الموعود وبسرية تامة أُخرج مخلوف والدبوسي من سجن المزة من "الزنزانة" مكبلين بسلاسل الحديد إلى إحدى السيارات العسكرية التي كانت تنتظرهما ضمن موكب سيارات عسكرية في سجن المزة وسار الموكب المؤلف من عشرين سيارة وشاحنة عسكرية تتقدمهم السيارة العسكرية التي تقل المقدم الجراح لتنفيذ حكم الإعدام، ووصل الموكب إلى مدينة القنيطرة" وقيل قرية المنصورة " لتنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص.
أنزل السجينان من السيارة ووضعا في المكان المخصص لتنفيذ الحكم، ونزل المكلفون بالإشراف على تنفيذ حكم الإعدام وهم المقدم بشير الطباع، عضو المحكمة العسكرية التي صدّرت الأحكام. والمقدم هشام العظم، آمر فوج الشرطة العسكرية، والمقدم محمد الجراح النائب العام العسكري.
وحضر عن ضباط الجبهة الرائد جاسم علوان، وكان ضمن المرافقين لهذا الموكب عدد من عناصر الجيش الموكل لهم تنفيذ مهمة إطلاق النار على مخلوف والدبوسي وأحد الشيوخ، تلا المقدم الجراح على مسمعهما المرسوم القاضي بتنفيذ حكم الإعدام بحقهما،
ومن ثم تقدم الشيخ منهما يسألهما عن آخر طلب يطلبونه وماذا يوصون أهلهم، وحسب ما يروي السوريون القوميون، فقد قال مخلوف (كل من في أمتي هم أهلي ولا طلب عندي ولا وصية سوى قضية أمتي..أريد مجد أمتي وعزها..أريد أن تكون كبيرة عزيزة بين الأمم" وردد عبارات زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعادة: "نحن جماعة نحب الحياة لأننا نحب الحرية ونحب الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة").
و اتجه الشيخ نحو منعم دبوسي وقال له: ماذا توصي يا منعم؟ فأجاب منعم: (لا أوصي إلا بما ذكره رفيقي بديع ولا أطلب إلا عز أمتي ومجدها".
وقاربت عقارب الساعة الخامسة والدقيقة الخامسة من صباح ذلك اليوم عندما أمر الملازم عبد المجيد جمال الدين بإشارة بيده لعناصر الجيش بإطلاق الرصاص فدوّى أزيز الرصاص، أربع وعشرون طلقة أطلقت على جسدي مخلوف والدبوسي...
يقول عبد القادر العبيد من قيادي الحزب السوري القومي: (إنني سمعت من زوجة عبد المنعم الدبوسي "مطيعة بغدادي" مرة في فترة استراحة المحكمة قولها على لسان زوجها: "إنني أعرف أنني سأموت.. لا تسامحيني ذرة واحدة إذا كان لي علم من قريب أو بعيد في هذه الجريمة، وأستطيع أن أقول ذلك عن صديقي بديع مخلوف بكل ثقة.. وأمام الله والناس).
علمنا أن زوجة الدبوسي أوقفت فترة زمنية على ذمة التحقيق "وهي حامل في أيامها الأخيرة" ومن ثم أُطلق سراحها هي والجنين.
ويذكر العبيد عن بديع مخلوف: (لم يكن موجوداً في الملعب البلدي، بل كان يحضر فيلماً مع رفيق له في سينما السفراء بدمشق.)
دفن بديع مخلوف في بلدة بستان الباشا، في مدينة اللاذقية.
الخاتمة:
==
في القراءة المتأنية لآراء الكتاب والصحفيين والعسكريين والسياسيين الذين عاصروا قضية اغتيال الشهيد عدنان المالكي نقع في متاهات التساؤلات من قتل المالكي؟ هل انتحر القاتل عبد الرحيم؟ من قتل القاتل عبد الرحيم؟ هل تم إدانة وإعدام الدبوسي ومخلوف على أساس طائفي؟
ما هو دور مصر الشقيقة في كل ذلك؟ هل لبنان الشقيق الآخر كان في مهب ريح الجريمة؟ هل أميركا هي من خطط لهذه الجريمة ؟ لماذا استبعدت عن التحقيق شهادات أو إفادات لكبار الضبّاط الذين كانوا على المنصّة إلى جانب العقيد عدنان المالكي، لماذا اعتبروا خارج الحدث وخارج التاريخ؟ هل كان للحزب السوري القومي الاجتماعي اليد الطولى في هذه الجريمة؟ أم كان ضحية مؤامرة كبرى؟ أسئلة وأسئلة تُطرح وقصص وحكايا تروى!!
و يبقى ملف الشهيد العقيد عدنان المالكي الضابط الدمشقي الوطني القومي المحبوب مفتوحاً، وخاصة أن أشقاء المالكي يملكون الوثائق والصور ولديهم الكثير!؟
لربما كان طلب الحزب السوري القومي الاجتماعي على حق حين طالب عدد من قادته بإعادة فتح ملف الجريمة وإعادة المحاكمة...
في الحلقات السابقة من (انتصر في "تل المالكي" وسقط بدمشق) حاولنا بقدر المستطاع إضاءة بعض الآراء والخفايا عن جريمة اغتيال المالكي ولنا في قول رسولنا العربي قدوة: "إن اجتهدت فأصبت فلك حسنتان، وإن أخطأت فلك حسنة واحدة ".
رحم الله عدنان المالكي: انتصر في تل المالكي وسقط بدمشق قتيلاً...
– كتاب صفحات مجهولة من تاريخ سورية الحديث " عبد الهادي البكار "
- أعداد مختلفة من صحيفة الشرق الأوسط – أعداد مختلف من مجلة الجندي الصادرة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي – أعداد مختلفة من مجلة الصياد الصادرة في الخمسينات من القرن الماضي – صحيفة النصر السورية العدد 3015 تاريخ 9 كانون الثاني 1955 م - صحيفة الفيحاء العدد 1653 تاريخ 17 أيلول 1955 - أعداد من مجلة القوات المسلحة المصرية - عدة مقالات للأستاذ عبد القادر العبيد - موقع الحزب السوري القومي الاجتماعي - كتاب جناية كبرى وطابور خامس "رياض المالكي" – أرشيفي الخاص.
بذلك يكون قد انتهى الموضوع و معذرة عن الاسهاب الطويل نوعا ما ولكنه ضروري لتبيان حقيقة الوضع وحجم العملية الاجرامية وتشابك المصالح العربية والدولية والسورية فيها