برنامج الصواريخ الإيرانية: تطوّره وتأثيره على موازين القوى الاقليمية

هيرون 

فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً
طاقم الإدارة
عـضـو مـجـلـس الإدارة
إنضم
21 ديسمبر 2008
المشاركات
41,134
التفاعل
230,660 7,095 2
الدولة
Saudi Arabia
برنامج الصواريخ الإيرانية: تطوّره وتأثيره على موازين القوى الاقليمية
إعداد: العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر
ضابط متقاعد في الجيش اللبناني



المقدمة
قبل العام 1991 واندلاع حرب الخليج الأولى، كان التهديد الأساسي الذي تواجهه إيران متمثلًا بنظام صدام حسين في العراق. وكانت إيران قد بدأت بتطوير برنامجها الصاروخي في فترة الحرب العراقية الإيرانية، وفي الفترة التي بدأت تتساقط فيها الصواريخ العراقية على المدن الإيرانية، حيث ردّت إيران على ذلك من خلال استعمالها لعدد من صواريخ سكود – B حصلت عليها من سوريا وليبيا [1].

بعد حرب الخليج الأولى شعرت إيران بأنّ هناك خطرًا جديدًا بات يتهدّد أمنها، بعد أن حلّت الولايات المتحدة مكان العراق في تصدر مكامن الخطر الخارجي، حيث يمكن للقوّة العظمى وبمساعدة حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل شن هجمات مدمرة ضدها.

تدرك إيران من خلال واقعيتها السياسية مدى القصور، حاضرًا ومستقبلًا، في مواجهة القوّة العسكرية الأميركية المنتشرة في مختلف مناطق الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ولذلك نراها تبذل جهودها لبناء قوّة عسكرية قادرة على شن حرب استنزاف ضد الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وبالتالي ردعهم عن مهاجمتها من خلال إقناعهم بأنّ المواجهة العسكرية معها ستكون طويلة ومكلفة جدًا. وما يشجعها على اعتماد هذا الخيار، إدراكها عدم قدرتها على اللحاق ببرامج التحديث المتلاحقة للترسانة العسكرية التي تعتمدها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، سواء في مجال الطيران أو في مجال أسلحة البر الرئيسة، وخصوصًا في سلاح المدرّعات. إنّ ما تمتلكه إيران من طائرات ودبابات يُعدّ قديمًا جدًا بالمقارنة مع ما تمتلكه الجيوش الأميركية والقوات المسلّحة لدول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.

تتوجّه إيران في جهودها لبناء قدراتها العسكرية نحو الاستثمار في مجال بناء الصواريخ البالستية متوسطة وطويلة المدى، وفي مجال بناء الصواريخ المضادة للسفن ذات الدقة العالية، وفي مجال تطوير برنامجها النووي من أجل استكمال بناء دورة نووية كاملة، تضعها في صفوف الدول النووية. وقد نجحت إلى حد بعيد في هذا البرنامج، بحيث يقدّر الخبراء بأنّها قادرة على امتلاك قنبلة نووية خلال فترة سنة واحدة.

في عرض عسكري إيراني لمناسبة ذكرى الحرب مع العراق في 23 أيلول عام 2003 ، عرضت إيران نماذج عن الصواريخ التي تمتلكها، وكان من بينها صاروخ شهاب-3 الذي يبلغ مداه 1300 كلم وحمولته 700 كلغ، وقدّر الخبراء في حينه عدد الصواريخ التي تمتلكها إيران من هـذا الطراز بين 25 و100 صاروخ. ويغطّي مدى صاروخ شهاب-3 كل مساحة دولة إسرائيل، وجميع مناطق الانتشار الأميركي في منطقة الخليج[2].

وقد أثار ظهور صاروخ شهاب-3 في العرض العسكري مع ما رافقه من تصريحات لمسؤولين إيرانيين تحمل عبارات تهديد لكل من أميركا وإسرائيل، نقاشًا دوليًا حول ضرورة العمل للحد من انتشار الصواريخ البالستية، على أساس أنّها تشكّل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي والسلام الدولي.

من هنا، يبدو أنّ المعلومات التي جرى الكشف عنها حول ما أحرزته إيران من تقدّم تقنيّ في برنامجها النووي قد شكّلت الخلفية الأساسية للنقاش الدولي حول المخاطر المترتبّة على تطوير إيران للصواريخ متوسطة وبعيدة المدى. وكان الهدف من هذا النقاش منصبًا حول كيفيّة التحكم بانتقال تكنولوجيا الصواريخ ومكوّناتها من روسيا والصين وكوريا الشمالية إلى إيران.

وتركّز الاهتمام الأميركي لانتقال التكنولوجيا الصاروخية إلى إيران على سببين: الأوّل، للترابط الطبيعي ما بين هذا البرنامج لانتقال صواريخ متوسطة وبعيدة المدى وبين برنامجها النووي الطموح لصنع سلاح نووي. والثاني، يتعلّق بموقف إيران العدائي من إسرائيل، وما يمكن أن تشكّله هذه الصواريخ من تهديد لها، بالإضافة إلى دعمها لمنظّمات عديدة مهتمة بالإرهاب.
بدا منذ البداية للأميركيين، أي في تسعينيات القرن الماضي بأنّ إيران مصمّمة على الاستمرار في برنامجها لتطوير صواريخ بالستية، منطلقة من تطوير التكنولوجيا المتوافرة على صاروخ سكود، وبأنّها ستتبع في تجاهلها للتحذيرات الأميركية السلوكية التي اتبعتها كل من الهند وباكستان وكوريا الشمالية. وردّت واشنطن على تجاهل طهران لتحذيراتها بإصدار قانون يقضي بفرض عقوبات اقتصادية عليها، وطُبّق هذا القانون اعتبارًا من العام 1979. إلّا أنّ هذا القانون لم يحد من الجهود الإيرانية لانتاج صاروخ شهاب-3، ولكنّه شكّل السبب الرئيسي لعرقلة الجهود المشتركة للرئيس محمد خاتمي ووزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت لفتح قنوات للحوار من أجل تحسين العلاقات المتأزمة بين البلدين منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979.
هكذا وضعت الولايات المتحدة إيران منتصف التسعينيات إلى جانب كوريا الشمالية، في نقطة الارتكاز لاهتماماتها المتعلقة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومن ضمنها الاستثمار في تطوير الصواريخ البالستية متوسطة وبعيدة المدى.
تعدّى الاهتمام الأميركي حدود الرقابة والمتابعة الفنية لبرنامج تطوير الصواريخ الإيراني، حيث قررت واشنطن إنشاء شبكة مضادة للصواريخ، كما أعادت تقويم استراتيجيتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الجديدة التي تمثّلها إيران على المصالح الأميركية وعلى أمن الحلفاء الاقليميين. وذهبت واشنطن إلى حد تصنيف إيران كدولة "مارقة" إلى جانب كوريا الشمالية.
 
القسم الأول: تطوّر القدرات الصاروخية الإيرانية
1- بدايات وطموحات
قد شكّل البرنامج الإيراني لتطوير الصواريخ في بداياته مسألة تكتنفها الأسرار ويلفّها الغموض بالنسبة للولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل، فالمعلومات عن البرنامج كانت ضئيلة ومتقطّعة. وكان على الجميع انتظار ما تكشفه إيران من مفاجآت تقنية. ورأى عدد من الخبراء بأنّه من الممكن مقارنة البرنامج الإيراني بالبرنامج الباكستاني، وبأنّه من دون مستوى تطور البرنامجين الهندي والكوري الشمالي[3].
استطاعت إيران خلال 25 سنة من البحث والتجارب، أن تنتج محركات صاروخية بقياسات صغيرة تعمل بالوقود الصلب، وأن تستعمل هذه المحرّكات من أجل تطوير صواريخ قصيرة المدى، يمكن استعمالها كمدفعية بعيدة المدى. كما تصنع إيران الآن نماذج عديدة من الصواريخ قصيرة المدى والتي يتراوح مداها ما بين 30 و 200 كلم[4]. وتتصف هذه القذائف الصاروخية بعدم الدقة، ولكن كلفتها المتدنية تسمح باستعمالها بكثافة وخصوصًا في العمليات الدفاعية. وقد واجه الإيرانيون مشاكل فنية عديدة منعتهم من تطوير محركات كبيرة تستعمل في الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى. ويبدو أنّ إنتاج مكوّنات طويلة من الوقود الصلب ستتطلب المزيد من الوقت، وكان الروس والصينيون قبل الإيرانيين قد واجهوا الصعوبات نفسها لسنوات عديدة.
وفي المقابل، اصطدمت جهود إيران لصنع محرّكات تعمل بالوقود السائل أيضًا بعدد من المصاعب, وذلك على غرار ما واجهته في المحركات التي تعمل بالوقود الصلب. لكن المساعدة التي قدّمتها لها كوريا الشمالية سمحت لها بتجاوز هذه الصعوبات. وكانت إيران قد تلقّت عبر سوريا وليبيا صواريخ سكود استعملتها ضد المدن العراقية في العام 1988، في مرحلة ما يعرف ﺒ "حرب المدن" بين العراق وإيران.
توسّع برنامج التعاون مع كوريا الشمالية، حيث أنّه لم يقتصر على استيراد صواريخ سكود – C بل تعدى ذلك إلى المساعدة في بناء مصنع كامل لانتاج صواريخ سكود، وفق ما ذكرته مصادر دفاعية أميركية[5].
سلك برنامج إيران لتطوير الصواريخ أربعة مسارات: مسار تطوير الصواريخ قصيرة المدى، مسار تطوير صواريخ بالستية متوسطة وطويلة المدى، مسار تطوير صواريخ جوالة Cruis Missile، ومسار تطوير صواريخ قادرة على حمل أقمار صناعية إلى الفضاء الخارجي. وسنحاول إلقاء الضوء على المسارات الأربعة.
 
2- الصواريخ قصيرة المدى
طوّرت إيران مجموعة من أنظمة الصواريخ قصيرة المدى، وذلك بهدف زيادة قدراتها النارية، حيث يمكن من خلالها مضاعفة كثافة نيران مدفعيتها التقليدية وزيادة مدى هذه النيران. ويمكن أن يعوّض حجم النيران التي توفّرها الصواريخ قصيرة المدى، ولو بصورة جزئية، النقص القائم في نيران المساندة الجوية، الناتج عن تقادم قدراتها الجوية وضعفها، وخصوصًا في مواجهة أي عملية غزو برّي.
هذا وتتحدّث تقارير عديدة عن نماذج الصواريخ قصيرة المدى التي تمتلكها إيران، ومن بينها صاروخ فجر-1 أو 63- ب م- 12 (مدى 8 كلم)، وفلق1 (مدى 10 كلم)، وعقاب-نموذج 83 (مدى 30 كلم)، وفجر-3 (مدى 43 كلم)، وفجر-5 (مدى 80 كلم). لا تقدّم هذه الصواريخ قصيرة المدى أي قيمة إضافية لعامل الردع الذي تريده إيران، ولهذا السبب فقد عملت على تطوير صواريخ أخرى قادرة على الوصول إلى أهداف مهمّة في الدول المجاورة كالكويت والعراق، ومع قدرات فنيّة وتدميرية جيدة. تتحدث التقارير الإيرانية عن نماذج من الصواريخ ذات مواصفات بالستية وتدميرية غير معروفة، وبما يطرح علامات استفهام كبيرة حول دقّة هذه المعلومات. لكن تتوافر معلومات مؤكدة حول تصنيعها لمجموعة من الصواريخ قصيرة المدى SRBM وهي تتضمن: صاروخ زلزال -1 (150 كلم)، وصاروخ زلزال -2 (200 كلم)، وصاروخ زلزال -3 (250-200 كلم)، وصاروخ فاتح -110 (300-200 كلم)، وصاروخ شهاب -1، وهو منقول عن سكود- B (350 كلم)، وصاروخ شهاب-2 وهو نسخة عن سكود -C (750-500 كلم)، وصاروخ قيام-1 (800-700 كلم)[6].
أمّا عن القدرة العملانية لهذه الصواريخ قصيرة المدى، فيمكن القول أنّ بمقدور إيران استعمال الصواريخ ذات مدى 200 كلم من مواقع على سواحلها الغربية لضرب أي هدف يقع مباشرة على السواحل الجنوبية المقابلة في منطقة الخليج. ويمكن استعمال الصواريخ ذات المدى الأبعد من عمق أراضيها للوصول إلى أهدافها على الضفّة الأخرى للخليج، كما يمكنها بلوغ أهداف أكثر عمقًا في داخل دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المنطقي جدًا أن تكون الأهداف المنتقاة على سواحل ودول مجلس التعاون الخليجي وداخلها، ذات قيمة عالية كالموانىء البحرية والمطارات العسكرية والمدن، وخصوصًا الموانىء أو القواعد التي تتمركز فيها قوات أميركية وأوروبية.
لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأضرار والنتائج المترتبة على هذا القصف محدودة، ويعود ذلك إلى حجم الرؤوس المتفجرة التي تحملها هذه الصواريخ وإلى عدم دقتها بسبب عدم تجهيزها بأنظمة توجيه، وهي بالتالي ذات مفاعيل تدميرية محدودة، مع توقّع استعمالها لقصف منطقة واسعة، بدل استهدافها لنقطة حساسة ذات قيمة عالية.
في التقويم العام لاستعمال مفاعيل هذه الصواريخ التي تفتقد إلى وجود نظام توجيه يقودها في نهاية مسارها إلى هدف نقطي دقيق، فإنّه يمكن وصفها كسلاح سياسي أو كسلاح لإثارة الرعب بين المدنيين.
ويبدو أنّ إيران قد تنبهت لمحدودية مفاعيل قوّتها هذه، فجدّت في تطوير جيل جديد منها، يستعمل تقنية نظام العالمي لتحديد المواقع Global positioning system GPS كوسيلة للتوجّه بدقة نحو الأهداف المنوي قصفها.
لكن يبقى من المهم أن نشير إلى أنّ إيران قد نجحت في إعطاء هذه الصواريخ قيمة استراتيجية من خلال استعمالها في نزاعات غير تقليدية، تخوضها بواسطة بعض التنظيمات المسلّحة المتحالفة معها، والتي تساعدها على مدّ نفوذها إلى الدول الأخرى.
 
3- الصواريخ البالستية متوسطة وبعيدة المدى
في أثناء الحرب مع العراق 1988-1980 اشترت إيران عددًا من صواريخ سكود – B ذات مدى 300 كلم، وأطلقت عليها اسم شهاب. كما أطلقت عددًا من هذه الصواريخ على بغداد في أثناء الحرب، وأطلقت ما تبقى منها في التسعينيات ضد تجمعات المعارضة الإيرانية داخل العراق[7]. واشترت في مرحلة لاحقة عددًا من صواريخ سكود – C، كما اشترت مصنعًا لتصنيع هذه الصواريخ التي تعرف في كوريا الشمالية باسم هواسنغ-5 ويبلغ مداها 600 كلم. وأطلقت طهران على ما أنتجته من هذه الصواريخ إسم شهاب-2، وما زالت هذه الصواريخ مستعملة، وتخضع لاختبارات دورية.
وإذا كانت إيران قد حصلت على شهاب-1 وشهاب-2 لمواجهة تهديدات مباشرة، فإنّ الخطوة التالية كانت تؤشّر إلى وجود طموحات إقليمية، من هنا فإنّ الحصول على مصنع جديد لتطوير صاروخ شهاب-3 وإنتاجه، قد جاء على خلفية الرغبة في مدّ النفوذ إلى مناطق جديدة. ويعتبر شهاب-3 نسخة متطوّرة عن صاروخ نو دونغ الكوري الشمالي، والذي يبلغ مداه 1300 كلم بحيث يغطّي معظم أجزاء المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وقد أعلنت إيران بأنّ شهاب -3 قد تحوّل إلى سلاح جاهز في العام 2003، وبـات مستعملًا في قوّات الحرس الثوري بعد عام من ذلك، وأشارت إيران إلى أنّها نجحت في تطوير نموذج جديد من هذا الصاروخ يعرف باسم شهاب-3 المعدل أو شهاب-3ER مع زيادة مداه من 1300 كلم إلى 2000 كلم.
وفي أيلول من العام 2007، عرضت إيران نموذجًا جديدًا من هذا الصاروخ، والذي أطلق عليه اسم غادر-1، من دون ذكر أي زيادات في المدى أو تغيير في المواصفات التقنية.
يبدو أنّ إيران قد استفادت في تطويرها لشهاب-3 من مواصفات الصاروخين الروسيين SS21 وSS23 اللذين كانت موسكو قد تخلت عن استعمالهما بموجب اتفاقية نزع السلاح ضمن اتفاقية INF العام 1987، ووجدت بعض المصادر وجوه شبه بين شهاب-3 وبين الصاروخ الصيني DF25 الذي طوّر في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. لكن أنطوني كوردسمان قد ذهب في تقريره عن قدرات إيران العسكرية للعام 2004 إلى القول بأنّ شهاب-3 قد صنع وفق نموذج مدروس واستنادًا لتكنولوجيا مصدرها كوريا الشمالية، مع تأكيده بأنّ الصاروخ هو صناعة إيرانية.
وتحدّث تقرير وكالة المخابرات المركزية إلى الكونغرس عن مشـروع إيراني آخر لصنع صاروخ شهاب-4، والذي يمكن أن يتراوح مداه ما بين 2000 و3000 كيلومتر. ويمكن لهذا الصاروخ تغطية كل منطقة الشرق الأوسط، وقسم واسع من أوروبا. ويعتقد الخبراء الأميركيون أنّ شهاب-4 ما هو إلّا نموذج آخر من الصاروخ الكوري الشمالي "نو دونغ2" أو نموذج متطوّر للصاروخ السوفياتي أس.أس-4، بحيث يجري تجهيزه بنظام رقمي يحسّن مستطيل تبدّده. وهناك تكهّنات حول شراء إيران لأجهزة توجيه حديثة لهذه الصواريخ من بعض الشركات الروسية. وحول إمكانية حصول إيران على مساعدات تكنولوجية باكستانية لاستعمالها في مشروع شهاب-4 [8].
وتتحدّث تقارير إسرائيلية عن مشروع إيراني جديد لبناء صاروخ شهاب-5 الذي قد يبلغ مداه 5000 كلم. وتبقى المعلومات الإسرائيلية موضع شك لدى الدوائر الأميركية والغربية، فهي اعتادت التعامل بحذر مع أسلوب المغالاة الذي تعتمده إسرائيل ووسائل إعلامها.
وردّت إيران على الادعاءات الإسرائيلية حول شهاب-4 وشهاب-5 على لسان وزير دفاعها علي شمخاني في كانون الثاني سنة 2004، بأنّه ليس في نيّة إيران تطوير صواريخ جديدة لأهداف عسكرية، وأنّ برنامجها الجديد يتركّز على بناء صاروخ قادر على حمل قمر صناعي إلى الفضاء الخارجي، وبأنّها جاهدة لتحقيق هذا الهدف خلال فترة 18 شهرًا[9].
يؤكد عوزي روبن، الخبير الإسرائيلي في دراسة جديدة بأنّ إيران قد نجحت في تحقيق قفزة نوعية عندما أعلنت في تشرين الثاني من العام 2007 عن امتلاكها لصاروخ بالستي متعدّد المراحل ويعمل بالوقود الصلب، وهو معروف باسم "عاشوراء" وبأنّ مداه يزيد على 2000 كلم، وفق ما ذكره وزير الدفاع الإيراني في حينه. وترجّح مصادر غربية أن يبلغ مدى "عاشوراء" 2400 كلم.
تعطي صواريخ شهاب-3 وعاشوراء القدرة لإيران لتهديد مختلف مناطق الشرق الأوسط من مواقع تقع في عمق الأراضي الإيرانية ومن المؤكد أنّه بات بمقدور إيران أن تهدّد أنقرة والاسكندرية وصنعاء من مواقع حصينة داخليّة، وهي لم تعد بالتالي بحاجة إلى قواعد متحرّكة لإطلاق هذه الصواريخ[10].
ويذكر روبن بأنّ إيران قد نجحت في الحصول من كوريا الشمالية على 18 صاروخًا من طراز BM25 مع منصّات إطلاق متحركة، ويتراوح مدى هذه الصواريخ ما بين 2500 كلم و 3500 كلم، وهي قادرة على الوصول إلى أهداف داخل أوروبا. وهكذا يمكن القول بأنّ طموحات إيران للنفوذ قد تعدّت حدود جيرانها وبقية دول الشرق الأوسط لتصل إلى دول أوروبا الغربية. ويذكر عوزي روبن بأنّ إيران قد أنكرت شـراء هذه الصواريخ، على عكس الشفافية التي اعتمدتها في معلوماتها حول صاروخ شهاب-3.
 
4- تقويم الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى
نتحدّث هنا عن أنظمة الصواريخ البالستية، ذات المدى المتوسط MRBM والتي تستطيع أن تصل إلى المناطق المحيطة بإيران، وخصوصًا الدول الخليجية. وتجدر الإشارة إلى أنّه لا يمكن التمييز ما بين الصواريخ البالستية المتوسطة والصواريخ بعيدة المدى، والمعروفة بالإنكليزية Intermediate range ballistic missiles IRBM، والتي يمكن استعمالها لمهاجمة منطقة تحتوي على أهداف استراتيجية.
وهكذا يمكن لإيران استعمال هذه الأنظمة من الصواريخ البالستية لمهاجمة إسرائيل، وبلاد الشام، وشبه الجزيرة العربية وباكستان، ووسط آسيا وجنوب روسيا وبعض الدول الأوروبية الغربية. ويمكن لهذه الصواريخ أن تعوّض القيادة الإيرانية عمّا تفتقده من قدرات هجومية في قوّاتها الجوّية المتقدّمة، حيث لا يمكن للطائرات القديمة التي تمتلكها نقل القنابل اللازمة لمهاجمة الأهداف المحددة في هذه المناطق، إذ لا تمتلك إيران التقنيات المتقدمة، ولا الأعداد اللازمة من الطائرات التي تؤهلها لخوض المعركة ضد القوات الأميركية العاملة في المنطقة، أو ضد القوّات الجويّة أو الصاروخية التي تمتلكها الآن دول مجلس التعاون الخليجي أو إسرائيل أو مصر. وتحدّثت التقارير الإيرانية عن قدرات صواريخها البالستية وعن التجارب التي أجرتها على هذه الصواريخ خلال السنوات القليلة الماضية، لكن هناك تقارير ومعلومات متضاربة حول أسماء هذه الصواريخ ومواصفاتها ومداها، ووصلت الأمور إلى درجة من الغموض والتناقض في المواصفات الخاصة بعدد من هذه الصواريخ[11].
ومن أبرز حالات الغموض والتناقض تلك:
تتحدّث التقارير الإيرانية عن الاختبارات والتجارب التي أخضعت لها هذه الصواريخ وعن دقتها ومدى الثقة بقدراتها التدميرية والعملانية، ولكنّها لا توحي اطلاقًا بأنّ هذه التجارب قد أجريت في ظروف ميدانية مشابهة لظروف حرب حقيقية. فالتجارب في حقول الرماية قد تنتج صورة مضخّمة حول القدرات، يمكن تسويقها لدى القيادات السياسية أو لدى الرأي العام[12].
● تشمل هذه الحالات مدى دقّة الصواريخ، وأنظمة توجيهها إلى أهدافها، وهناك تساؤلات حول القدرة على إطلاق العدد الكافي منها للتعويض عن عدم توافر الدقة اللازمة لإصابة أهداف محدّدة (نقطيّة).
● هناك شكوك أيضًا حول هندسة الرأس المتفجر ونظام التذخير والتفجير المستعمل مع الأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير ذلك على فعالية هذا الرأس بالنسبة إلى الهدف في مختلف الظروف القتالية، وخصوصًا إذا شكّل الرأس قنبلة عنقودية أو قنبلة معدّة للانفجار الأرضي أو في باطن الأرض.
لا وجود لمعلومات كافية لتأكيد أو نفي توصّل إيران لتطوير أنواع متقدمة من أنظمة التفجير هذه.
● لا بدّ أيضًا من التساؤل حول واقعية التجارب الإيرانية لهذه الصواريخ مع الأخذ بعين الاعتبار قوّة أنظمة الصواريخ ونوعيّتها ودقّتها المضادة للصواريخ التي تمتلكها القوّات الأميركية العاملة في الشـرق الأوسط، ودول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.
● ويبدو من الضروري التساؤل أيضًا حول تقويم إيران وإدراكها للمخاطر المترتّبة على قيام دول الخليج أو إسرائيل أو القوات الأميركية بهجوم جوي أو صاروخي ردًا على هجوم إيراني أو في إطار تنفيذ ضربة استباقية.
وتتحدّث التقارير العديدة المتوافرة عن برنامج تطوير الصواريخ متوسطة أو بعيدة المدى الإيرانية عن صواريخ تعمل بالوقود الصلب وبالوقود السائل، ويقع معظمها تحت تصنيف MRBM وتحت أسماء مختلفة، مثل: غادر-110 (٢000 -٣000 كلم)، شهاب-3 (2100 كلم)، فجر-3 (2500 كلم)، عاشوراء (2٠00-2٥00 كلم)، وسجيل (2٠00-2٥00 كلم). ويزداد مستوى الغموض مـع صدور تقارير أخـرى تتحدّث عن برامج تطوير صواريخ بعيدة المدى تقع تحت تصنيف IRBM مثل شهاب-5 أو طوقيان-1 (٣000-٥000 كلم) وشهاب-6 أو طوقيان-2 (٣000-٥٠٠٠ كلم)[13].
 
5- الصواريخ الإيرانية الجوالة – Cruise Missiles
تعتبر إيران أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وغربي آسيا تطمح إلى تطوير صواريخ جوالة Cruise Missiles، لكن، لا يخفى على أي باحث في هذا المضمار أنّ هناك حواجز وعقبات عديدة تواجه هذا المشروع سواء في حقل التكنولوجيا المتطوّرة أو علوم الديناميكية الهوائية Aerodynamic أو لجهة توافر الموازنات الباهظة التي تتطلّبها أبحاث التطوير. وتستفيد إيران من إمكانية استيراد بعض المعدات ذات الاستعمال المزدوج مثل أنظمة تحديد المواقع GPS من أجل التقدم في تطوير أجهزة التوجيه للصواريخ.
ومن المعلوم في هذا الإطار بأنّ إيران كانت قد استوردت في تسعينيات القرن الماضي صواريخ صينية من طراز C802 للدفاع البحري، وهي تشبه صاروخي هاربون الأميركي وإكزوسات الفرنسي، وهما يعملان وفق تقنية الصواريخ الجوالة. وكان صاروخ C802 قد استعمل في حرب 2006 ضد المركب الإسرائيلي Hanit، وأصابه في مقابل خلدة جنوب بيروت. ويمكن تحوير محرّكات صواريخ C802 لتصل إلى مدى 300 إلى 500 كلم[14].
وتسعى إيران إلى تطوير صواريخ جوالة يمكن إطلاقها من البر ومن الجو لاستعمالها إلى جانب صواريخها البالستية المتوسطة، من أجل الاستفادة من دقّة إصابتها ضد أهداف نقطية. وتسعى إيران وفق بعض المعلومات الغربية للاستفادة من التكنولوجيا الروسية والصينية من أجل تطوير قدرات الدفع وتحسين أداء أنظمة الصواريخ البحرية لنقلها واستعمالها على صواريخ جوالة تطلق من الجو مع مدى يتراوح ما بين 600 و 800 كلم. وعمليّة نسخ التكنولوجيا الموجودة على الصواريخ الروسية والصينية التي حصلت عليها ستساعد في اختصار المهل الزمنية، وتوفير مئات ملايين الدولارات، في ما لو بدأت الأبحاث من الصفر.[15].
وتتحدّث تقارير استخبارية أميركية عن تطوير إيران لثلاثة صواريخ جوالة يمكن إطلاقها من البر، وذلك نقلًا عن ثلاثة صواريخ متطورة، ويمكن أن تشكّل هذه الصواريخ تهديدًا للأسطول الأميركي في الخليج وبحر العرب، مع الاعتقاد أنّ أحد هذه الصواريخ قادر على نقل قنبلة نووية متوسطة[16]. وهذه الصواريخ هي: KH-55 و AS-115A و SS-N-22، وقد جرى تطويرها زمن الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، وهي قادرة من دون شك على تهديد الأسطول الأميركي العامل في المنطقة[17].
أ - الصاروخ KH-55
حصلت إيران على 12 صاروخًا من هذا الطراز من أوكرانيا في العام 2001. وكان هذا الصاروخ معدًا لحمل رأس نووي، وبامكانه حمل رأس متفجر تقليدي بوزن 410 كيلوغرامات، وتبلغ سرعته 8 على 10 من سرعة الصوت مع مدى يصل إلى 2500 كلم. وهو عبارة عن صاروخ جوال يطلق من الجو، إذ إنّ سرعته هي أدنى من الصواريخ البالستية الإيرانية، ولكنّه أكثر دقة ولديه جهاز توجيه وملاحة. كما يمكن تحوير الصاروخ لإطلاقه من قاعدة برّية.
لكن، لا تتوافر معلومات حول إجراء رمايات تجريبية لصواريخ مماثلة جرى تطويرها من خلال عملية نسخ هندسي للنظام. يبقى احتمال تطوير صاروخ مماثل قائمًا، ويمكن استعمال هذا الصاروخ لضرب إسرائيل.
ب- الصاروخ SS-N-22
تتحدّث معلومات غير مؤكدة عن حصول إيران على ثمانية صواريخ SS-N-22 من روسيا في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وهذا الصاروخ هو أكبر حجمًا ووزنًا من الصاروخ KH-55، ويطير بسرعة تتخطّى بمرتين ونصف سرعة الصوت، ويحمل رأسًا متفجرًا بوزن 320 كلغ، ويصل مداه إلى 160 كلم. كما يتضمّن نظام توجيه للطيران بينما يستعمل الرادار المثبت في رأسه للتوجه إلى الهدف في مراحل طيرانه الأخيرة. ولا تتوافر معلومات عن تطوير نسخة من هذا الصاروخ، ولكن جرت في العام 2006 تجربة صاروخ أطلق من فرقاطة إيرانية يشبه في شكله هذا الصاروخ.
ج- الصاروخ SS-N-26
طوّر هذا الصاروخ ليكون نسخة أصغر وأقل تكلفة من الصاروخ SS-N-22 وظهر للمرة الأولى في العام 1993، أمّا مداه فيصل إلى 300 كلم، ولا يعرف عدد الصواريخ التي يمكن أن تكون إيران قد حصلت عليها. يمكن إطلاقه من غوّاصة أو من مركب أو من البر أو من طائرة. إذا امتلكته إيران فإنّ المكان المثالي لاستخدامه سيكون في مضيق هرمز.
د- الصاروخ HY-4/C-601/FL-4 أو دودة الحرير
صاروخ صيني يبلغ مداه 150 كلم مع سرعة طيران 8 على 10 من سرعة الصوت، وهو يحمل رأسًا متفجرًا بوزن 513 كلغ، ولديه طيار آلي للطيران على مسراه، ويتوجه في المراحل الأخيرة إلى الهدف بواسطة رادار مثبّت في رأسه، ويملك جهاز راديو للملاحة يمكّنه من الطيران كصاروخ جوّال على علو يتراوح ما بين70 و 200 متر. يمكن إطلاق هذا الصاروخ من الجو أو من مركب بحري، ويعتبر أطول مدى من أمثاله من الصواريخ البحرية C801 و C802 و SSC-3، والتي يصل مداها إلى ما بين 35 و 40 كلم.
تحدّث بعض المسؤولين الإيرانيين، ومن بينهم نائب وزير الدفاع الإيراني مهدي فرحي، في آذار 2013 عن أن إيران ستكشف النقاب عن صاروخ جوال طورته، يبلغ مداه 2000 كلم ومشكات، ويمكن إطلاقه من البر أو البحر أو الجو[18].
وأضاف نائب وزير الدفاع بأنّ إيران تبني 14 نموذجًا مختلفًا من الصواريخ الجوّالة ومن بينها: ظفار، نصر، قادر وغدير. وأضاف فرحي في تصريحه بأنّ إيران تركز الآن في تطويرها لهذه الصواريخ، على دقة الإصابة والقدرة على تفادي الاكتشاف من الرادارات المعادية، وزيادة المدى العملاني، وبأنّه يجري تصنيع مثل هذه الصواريخ محليًا.
وقد جرى الكشف عن صاروخ جوال "يا علي" في معرض الحرس الثوري الإيراني في أيار 2014، وهو يشبه الصاروخ الصيني YJ-62، ويبلغ مداه 700 كلم[19]. وتحدث قائد البحرية الإيرانية الأميرال حبيب اللـه سيّاري عن تجربة صاروخ جوّال في تشرين الثاني العام 2013، على أن تجري التجربة في أثناء مناورات في المحيط الهندي في كانون الثاني العام 2014.
وقد درجت العادة أن يتحدّث القادة الإيرانيون عن تطوير نماذج عديدة من الصواريخ البالستية متوسطة وبعيدة المدى، وعن نماذج من الصواريخ الجوّالة التي تطلق من الجوّ والبحر والبرّ، ويبدو بأنّ تجربة هذه النماذج تدخل في إطار الدعاية والحرب النفسية. أمّا في الحقيقة فإنّ على إيران أن تدرس حجم الاستثمارات التي يمكن أن توظّفها لبناء قواتها الصاروخية، وبالتالي اختيار النماذج الصاروخية اللازمة لاستراتيجيتها، مع التركيز على بناء القيادات والوحدات اللازمة مع كل ما يلزمها من تدريب ولوجستية، لاستكمال هذه الصواريخ المنتجة عملانيًا أو تكتيًا.
 
6- برنامج الفضاء الإيراني
أعلنت إيران عن إطلاق برنامج فضائي في العام 1998، وذلك بالتزامن مع تجربتها الناجحة لإطلاق صاروخ شهاب-3. ثمّ عادت وأعلنت بعد عقد كامل من ذلك التاريخ، وتحديدًا في 4 شباط من العام 2008 عن برنامج فضائي متكامل مع كل المنشآت اللازمة لإطلاق أول صاروخ إلى الفضاء الخارجي يعرف باسم "سفير" مع قمر صناعي أطلق عليه اسم Omid[20]، وتضمّنت الإنشاءات هذه التجهيزات اللازمة كلّها بما فيها برج الإطلاق. وحدّد وزير الدفاع الإيراني في حينه أهداف البرنامج ورزنامته، والتي حدّدت باطلاق القمر الصناعي أوميد Omid أو السبوتنيك الإيراني في ربيع أو مطلع صيف 2008. كما حدّد أنّ الهدف المستقبلي يتركز على إرسال قمر إيراني للتجسّس وتصوير كل ما يجري على الأرض في العام 2015. وهذا سيتطلب حتمًا صاروخًا متطوّرًا أكثر من الصاروخ الدافع "سفير". إنّ تطوير مثل هذا الصاروخ سيعني أنّه بات بإمكان إيران إسقاط قنبلة نووية في أيّ مكان من الكرة الأرضية.
ويملك الصاروخ سفير من دون شك قدرة على حمل قنبلة صغيرة إلى مسار حول الأرض، لكن التوصل إلى صنع صاروخ متطوّر سيعني إمكانية وضع قنبلة نووية كبيرة في مسار حول الارض، واسقاطها في المكان الذي تختاره طهران كهدف. في مثل هذه الحالة لا تعود إيران بحاجة إلى تطوير صواريخ عابرة للقارات ICBM يمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة، بل الاستعاضة عن ذلك بوضع قمرٍ صناعيٍ في الفضاء يعبر فوق الأراضي الأميركية، وفي كلّ مرة يتذكّر فيه الأميركيون بأنّ هناك قمرًا صناعيًا إيرانيًا يعبر فوق أراضيهم، سيدركون بأن إيران ستتحوّل إلى مصدر تهديد كبير لأمنهم، اذا ما امتلكت أول سلاح نووي.
 
القسم الثاني: التهديد الصاروخي وتأثيره على موازين القوى الإقليمية
1- تجارب صواريخ بالستية قادرة على حمل رأس نووي
أورد تقرير نشرته "سي.أن.أن." في 12 تشرين الأول العام 2015، بأنّ إيران قد أطلقت بنجاح تجربة على صاروخ عماد طويل المدى يمكن توجيهه بدقّة نحو الهدف، وهو صاروخ أرض – أرض جرى بناؤه على يد الخبراء الإيرانيين. ويعتبر "عماد" أول صاروخ بالستي يوجّه بدقّة نحو الهدف، وفق ما تحدّث عنه وزير الدفاع الإيراني الجنرال حسين دهقان، والذي قال: "نتابع برامجنا الدفاعية ولا نطلب من أحد الإذن بذلك". وأضاف "هذا الصاروخ سيزيد من قدرات إيران للردع الاستراتيجي". يمكن لهذا الصاروخ الذي يبلغ مداه 1700 كلم الوصول إلى إسرائيل. وهو يعمل بالوقود السائل– ووصلت دقته إلى مسافة 500م من الهدف، ويبلغ وزن الرأس المتفجر الذي يحمله 750كلغ[21].
رأى الخبير الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان، بأنّ إيران قد حققت تقدّمًا مطرّدًا في تكنولوجيا الصواريخ وبأنّها تركّز بشكل أساسي على تحسين أجهزة التوجيه لهذه الصواريخ. وتراقب واشنطن باهتمام كبير جهود إيران لبناء قوّة صاروخية. وكان المتحدث باسم البنتاغون الأميرال جون كيربي قد صرّح إثر إعلان إيران في شباط العام 2014 عن تجربتها لصاروخين أرض – أرض، وأرض – جو موجّهين بواسطة أشعة لايزر، بالإضافة إلى صاروخ بالستي قادر على حمل رؤوس متفجّرة متعدّدة، بأنّ "هذا البرنامج الصاروخي يشكل تهديدًا خطيرًا لأمن المنطقة"[22].
 
2- إيران تتحدّى قرارات مجلس الأمن
أجرت إيران في 9 آذار 2016 تجربة على صاروخ بالستي قادر على حمل رؤوس نووية، وتعتبر هذه التجربة مخالفة للقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 2231، والذي صدر في تموز العام 2015. ووجّهت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا رسالة إلى كلّ من رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تلفت نظرهما إلى هذه المخالفة التي تعتبر تحديًا للقرار الدولي. وشدّدت الرسالة على أنّ الصاروخ "قادر على حمل رأس نووي"، واعتبرت الرسالة أنّ إيران قد فشلت في احترام قرارات الشرعية الدولية[23].
يأتي هذا الخرق الإيراني ليظهر مدى ضعف نص القرار وهشاشة العقوبات التي سيفرضها في حال حدوث مخالفة. وهذا الخرق لا يخالف أحكام الاتفاقية النووية مع إيران، لكن روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن، وتملك حق النقض، قد اتخذت موقفًا مغايرًا للقوى الغربية، حيث أعلنت رفضها لفرض عقوبات جديدة على إيران. وينصّ القرار 2231 على الطلب إلى إيران أن تمتنع لمدة ثماني سنوات عن إجراء أي نشاطات نووية بما فيها إطلاق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
تدرك إيران أنّ كل ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن توجيه تحذير إليها من دون فرض أي عقوبات جديدة، وهذا الأمر لا يمكن توقّع حدوثه إلا في حال مخالفتها لبنود الاتفاقية النووية.
لكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من وضع الشركات التي تدعم البرنامج النووي الإيراني على اللائحة السوداء، كما فرضت عقوبات على رجلي أعمال بريطانيين لدعمهما شركة طيران يستعملها الحرس الثوري الإيراني.
يمكن للدول الأوروبية فرض عقوبات على إيران من جانبها، وكانت فرنسا قد طالبت الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها في رد مباشر على التجربة الصاروخية الأخيرة.
وفق تقرير "سي.أن.أن."، فإنّ التجربة الصاروخية الأخيرة تظهر رغبة لدى الحرس الثوري الإيراني في إظهار "قدرات إيران على الردع". ونقلت وكالة الأخبار الإيرانية بأنّ الحرس الثوري قد صرّح بأنّ تجربة يوم الثلاثاء تظهر "استعداد إيران الكامل لمواجهة كل أنواع التهديدات ضد الثورة والحكم وسلامة الأراضي الإيرانية"[24].
وكان التلفزيون الإيراني "برس تي في" قد نقل عن وزير الدفاع حسين دهقان، بأنّ الصاروخ الذي أطلق هو صاروخ تقليدي، وليس معدًّا لحمل رؤوس نووية. أمّا وزير الخارجية محمد جواد ظريف فقد دافع عن حقّ إيران بإجراء تجارب صاروخية، وبأنّ بلاده لا تملك صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية.
في المقابل، يبدو بأنّ أميركا مصرّة على فرض عقوباتٍ جديدة على إيران، كوسيلة ضغط من أجل احتواء طموحاتها الصاروخية.
هذا وصرّح نائب قائد الحرس الثوري العميد حسين سلامه من موقع تجارب الصواريخ في كافير: "لدينا مخزون كبير من الصواريخ البالستية، وهي جاهزة لاستهداف الأعداء في أي وقت من مواقع عديدة في البلاد"[25].
ويربط بعض المراقبين توقيت هذه التجارب مع زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل. ويأتي ذلك في إطار السياسة التي يتّبعها قادة الحرس الثوري للتباهي بقوّة إيران تجاه الدول الغربية، وتوجيه تهديدات مباشرة لإسرائيل، وكعرض قوّة أمام خصومهم الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية.
إنّ الفارق كبير بين ما نصّ عليه القرار 1929 وما نصّ عليه القرار 2231. في القرار القديم يحرم النص إيران اعتماد برنامج لتطوير الصواريخ البالستية وذلك تحت طائلة فرض تدابير عليها من قبل مجلس الأمن لمنع استيرادها لتكنولوجيا الصواريخ. في القرار الجديد هناك دعوة لإيران لكي لا تتابع برنامج تطوير الصواريخ لفترة ثماني سنوات كحد أقصى، من دون إعطاء أي سلطة للدول لوقف إيران عن الاستمرار في تطوير الصواريخ. يبدو بوضوح بأنّ روسيا هي الدولة التي سعت إلى استبدال "المنع" ﺒ "دعوة" لعدم الاستمرار في البرنامج الصاروخي". لكن لا بدّ هنا من الاعتراف، بأنّ إيران لم تكن في أي فترة جاهزة لتطبيق الضوابط التي يفرضها عليها المجتمع الدولي، في كلّ ما يعود لتطوير برنامجها الصاروخي.
ويبدو بأنّ التراجع الذي حصل في هذا الموضوع، له علاقة بالقرار الروسي لتنفيذ عقدها القديم مع إيران، والذي يقضي بتصدير بطاريات صواريخ S300 للدفاع الجوّي والصاروخي. كما يبدو بأنّ الغرب كان بحاجة لإغراء روسيا لتأمين استمرار دعمها للتوصّل إلى الاتفاقية النووية مع إيران.
يذهب المندوب الروسي في الأمم المتحدة فيتالي شوركين إلى تفسير أحكام القرار 2231، بالقول بأنّ "الدعوة" الموجهة إلى إيران لعدم الاستمرار في تطوير صواريخ بالستية لا تعني منعها من ذلك، وبأنّه يمكنها تجاهل هذه "الدعوة". يعتبر هذا التفسير خطيرًا في مفاعيله عند تطبيق الاتفاقية النووية الموقعة بين إيران والقوى العظمى، والتي تطلب من كل الدول الأعضاء، والمنظّمات الإقليمية والمنظّمات الدولية كلّها أن تتّخذ التدابير اللازمة لدعم تنفيذ الاتفاقية النووية. وإذا كان المندوب الروسي على حق في تفسيره، فإنّه يمكن لإيران تجاهل "الدعوة" الدولية وبذلك تصبح الاتفاقية الدولية من دون أي قيمة، وغير صالحة للتنفيذ[26].
إذا استعرضنا مواقف القوى العظمى نجد أنّ مسألة وضع ضوابط على البرنامج الصاروخي الإيراني قد جرى التراجع عنها في أثناء المفاوضات "الماراتونية" للتوصّل إلى الاتفاقية النووية، وعلى أساس أنّ الأمم المتحدة وبعض المنظّمات الدولية الأخرى قد اعتمدت عددًا من الضوابط في متابعتها للبرنامج الإيراني.
وفي هذا المجال، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغريني أمام وزراء خارجية 28 دولة أوروبية في اجتماع في بروكسل، بأنّه يجب مناقشة التجارب الصاروخية الإيرانية، من قبل الأمم المتحدة وليس داخل مجلس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ووافقت المندوبة الأميركية سامنتا باور على ضرورة مناقشة التجارب الإيرانية من قبل مجلس الأمن الدولي. لكنّ المندوب الروسي فيتالي شوركين اعتبر أنّ إيران لم تخالف القرار الدولي 2231 [27].
 
3- القيمة الاستراتيجية للصواريخ الإيرانية متوسطة وطويلة المدى MRBMs و IRBMs
تملك إيران صواريخ بالستية عديدة يمكن تصنيفها ضمن هذه الفئة من الصواريخ، وهي قادرة على استهداف الدول الخليجية وإسرائيل، كما يمكن أن يصل مداها إلى أطراف القارة الأوروبية. في التصنيف الإيراني للصواريخ لا يمكن التفريق بين الصواريخ من فئة MRBMs وفئة IRBMs والتي هي أطول مدى من الفئة الأولى، والتي تستعمل في الهجوم الاستراتيجي ضد منطقة تحتوي عددًا من الأهداف المهمّة والحسّاسة.
لا يمكن الوثوق بكل المعلومات المنشورة عن نتائج التجارب التي أجرتها إيران لمختلف أنواع الصواريخ البالستية التي دخلت في ترسانتها الاستراتيجية. حيث يكتنف الغموض والشك القدرات الفعلية لهذه الصواريخ.
أمّا أبرز النقاط في هذا المجال فهي:
أ- النتائج الحقيقية للتجارب التي أجرتها إيران، وبالتالي قياس كفاءة هذه الصواريخ على تحقيق النتائج المرجوّة منها، في وقت يبدو فيه أنّ عدد التجارب التي جرت كان محدودًا، وهذا الأمر قد يدفع قادة الحرس الثوري إلى المغالاة في توصيف فعاليّة هذه القوّة الصاروخية من أجل الاستغلال السياسي.
ب- هناك شكوك حول امتلاك إيران القدرات التكنولوجية اللازمة لتزويد القوّة الصاروخية أجهزة توجيه دقيقة تعطيها الدّقة والقدرة على مهاجمة أهداف ذات قيمة عالية. وهنا لا بدّ من طرح السؤال عن أعداد الصواريخ التي تمتلكها إيران، والتي تمكّنها من توجيه قصف كثيف ضد الهدف نفسه للتعويض عن النقص في دقة الإصابة.
ج- تفتقد إيران التقنية المتطورة في حقلي تصميم الرؤوس الحربية والتذخير، وهما أمران لهما تأثيرهما الكبير على مدى فعالية الرؤوس المتفجرة أو الرؤوس العنقودية. إذا حدث الانفجار على مقربة من الأرض أو بعد اصطدامه فإنّ مفاعيل الرأس المتفجر تكون محدودة، ويذهب معظم المفعول نحو الأعلى[28].
د- السؤال المطروح بقوّة يبقى مركّزًا على مدى قدرة الصواريخ الإيرانية على اختراق الدفاعات المضادّة للصواريخ التي تمتلكها إسرائيل أو الدول الخليجية التي تمتلك أنظمة متطورّة للدفاع الجوي، وهي تعمل لزيادة هذه القدرات.
في الخلاصة تشير كلّ التقارير والمعلومات المتوافرة إلى أنّ الصواريخ الإيرانية ما زالت تفتقد الدقة، وذلك بسبب عدم تجهيزها بأنظمة توجيه في أثناء طيرانها أو بأجهزة ذاتية للتعرف إلى أهدافها في نهاية المسرى. هذا القصور التكنولوجي يفقد القوّة الصاروخية "الثقة" والضمانة لتحقيق الأهداف المرجوة منها، ويبرز الشكّ في قدرتها على إصابة أهدافها وتدميرها إذا لم تجهز برؤوس نووية. لكن ذلك لا يعني التخفيف من أخطار قصف صاروخي كثيف ومفاعيله ضد المدن والمناطق الآهلة وبعض الأهداف الكبيرة الحساسة كالموانئ والمطارات ومصافي النفط وغيرها.
لكن يبدو بأنّ إيران مستمرّة في إجراء التجارب لتحسين دقّة صواريخها، وتجهيزها مستقبلًا بأجهزة حماية إلكترونية تزيد من قدرتها على اختراق شبكات الدفاع المضادة للصواريخ. يضاف إلى ذلك بأنّها تملك قدرات كيميائية (غير مصرّح عن امتلاكها)، ولا يستبعد أن تصنع إلى جانب الرؤوس المتفجرة والعنقودية بعض الرؤوس الكيميائية، وسيكون لوجود مثل هذه الرؤوس مفعول كبير على مستوى الحرب النفسية، بحيث تثير الرعب لدى السكان المدنيين في المناطق المعرّضة لقصفها الصاروخي.
 
4- تقويم التهديد الصاروخي في المستقبل
(الرؤوس النووية مقابل الرؤوس التقليدية الدقيقة الإصابة)
عندما نتكلّم على التهديد الصاروخي الإيراني في المستقبل، أي بعد انقضاء مدّة الاتفاقية النووية أو في حال خروج إيران منها قبل انتهائها، فإنّ إيران ستكون قادرة على نشر صواريخ مجهزة برؤوس نووية أو ستكون قد توصّلت إلى تطوير تكنولوجيا التوجيه لتصل الرؤوس التقليدية بدقة عالية إلى أهدافها. وفـي تقويمي للبرنامج النووي الإيراني السابق للاتفاقية النووية، فإنّي أرجّح نظرية تقول بأنّ إيران ستعمل على امتلاك السلاح النووي على اعتبار أنّه يخدم أهدافها الجيوستراتيجية، كما أنّه يعطيها القدرة على ردع أعدائها سواء كانت إسرائيل أو أي قوّة دولية أخرى. كما أنّه يعطيها القدرة والتفوّق اللازمين لخدمة مشروعها للهيمنة على الدول العربية وخصوصًا الدول الخليجية والعراق وسوريا. وسيعطي السلاح النووي لإيران القدرة لردع الولايات المتحدة من استعمال قدراتها الاستراتيجية التقليدية المتفوّقة – وخصوصًا قواتها الجوية والصاروخية – للهجوم عليها أو استعمال فائض هذه القوّة لابتزاز طهران.
في حال امتلاك إيران (بعد عقد من الزمن) للصواريخ النووية والصواريخ التقليدية عالية الدقّة، فإنّ الدور الاستراتيجي للقّوة الصاروخية الإيرانية سيتغيّر من كونه قوّة عملانية مؤثّرة جدًا في عمليات الهجوم والدفاع ليصبح قوّة رادعة على المستوى العملاني والاستراتيجي، يمكّنها بالتالي من فرض نفوذها وسيطرتها على المستوى الإقليمي، من دون اللجوء إلى شن عمليات عسكرية واسعة ضد خصومها أو القوى المنافسة لها.
لكن على إيران أن تدرك بأنّ امتلاك الصواريخ النووية والصواريخ التقليدية الدقيقة سيدفع المنطقة نحو سباق تسلّح خطير وباهظ الأثمان. هذا وتمتلك إسرائيل مئات الرؤوس النووية، وفي الوقت نفسه ستسعى الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية إلى زيادة مخزونها من الصواريخ البالستية المتطورة، كما أنّها ستعمل على امتلاك رؤوس نووية[29].
ويمكن لدول أخرى أن تطلب من الولايات المتحدة أن تضعها تحت مظلة الردع النووي الأميركية، على غرار الوضع لدى دول أطلسية غير نووية Extended deterrence. ومن المتوقّع أن تتوصّل الصناعة الإيرانية خلال فترة خمس سنوات إلى تطوير جيل جديد من الصواريخ البالستية عالية الدقة وبعيدة المدى، وستصبح هذه القوّة قادرة على الاخلال بموازين القوى في المنطقة، وأن تشكل خطرًا استراتيجيًا، حتى ولو لم تحصل إيران على رؤوس نووية. وترتبط مفاعيل التهديد الصاروخي هذه بنجاح الصناعة الصاروخية الإيرانية على إحداث تطور نوعي في أربعة حقول: أولًا، تطوير أجهزة التوجيه للصواريخ بما في ذلك التوجيه الذاتي على الهدف. ثانيًا، زيادة المخزون الصاروخي لاعطائه قيمة استراتيجية تثير مخاوف الأعداء والخصوم. ثالثًا، نشر قوّة صاروخية مجهزة برؤوس كيميائية لإثارة الرعب لدى شعوب المنطقة. رابعًا، تطوير نظام القيادة والسيطرة للقوّة الصاروخية يمكّنها من إطلاق أعداد من الصواريخ من عدة مواقع متباعدة على الهدف نفسه أو على مجموعة أهداف حساسة[30].
 
5- دور الصواريخ في السياسة والحرب النفسية وكقوّة ابتزاز
تأتي الأهداف السياسية التي تسعى إيران إلى تحقيقها في مقدمة الدوافع والأسباب التي تسعى إلى تحقيقها من خلال تطوير قدراتها العسكرية والصاروخية والتي ستحوّلها إلى قوّة إقليمية تؤمن لها النفوذ والهيمنة في الخليج وعلى الدول المجاورة. كما يمكن لإيران من خلال استعمال قوّاتها الصاروخية الراهنة تقليد الدور السياسي الذي حاول الاضطلاع به صدام حسين من خلال استعمال قوّاته الصاروخية في الحرب العراقية – الإيرانية أو في حرب الخليج الأولى العام 1991 ، عندما وجّه صواريخه نحو السعودية وإسرائيل، وذلك ضمن فكرة إثارة الرعب، كوسيلة لتحقيق هدف سياسي[31].
يمكن للقوّة الصاروخية الإيرانية الآن وفي المستقبل أن تزيد القدرات الدفاعية والرادعة لمنع حصول أي هجوم على إيران، وللتعويض أيضًا عن ضعف قدراتها الجوية، بسبب تقادم أسطولها الجوي. وتجدر الإشارة إلى أنّ قدرة إيران على إطلاق رشقات من صواريخها ستحوّل هذه القوّة إلى سلاح رعب لدى الدول المعادية، وستكون له مفاعيل نفسية مؤثّرة على الحياة العامة، وعلى الروح المعنوية لدى شعوب هذه الدول.
يبدو بوضوح من الضجة الإعلامية التي تعمل إيران على إثارتها حول قدراتها الصاروخية، في أثناء إجرائها لتجارب صاروخية أو في الاستعراضات العسكرية أو في أثناء المناورات التي تجريها، بأنّها تحاول التأثير سياسيًا واستراتيجيًا على الدول الإقليمية، والتأثير معنويًا على شعوبها وقواتها العسكرية. كما تسعى في الوقت نفسه إلى رفع معنويات شعبها وحلفائها في دول المنطقة. والتهديدات المتكررة التي كانت تصدر من القيادات الإيرانية ضد إسرائيل والقوات الأميركية في المنطقة، تأتي في سياق تحقيق هذه المفاعيل الدعائية والنفسية.
كما يمكن لإيران أن تستعمل قدراتها الصاروخية التقليدية في حال غامرت إسرائيل في شن هجوم جوي وصاروخي ضد بعض المنشآت النووية الإيرانية، كما كان يهدّد نتانياهو في الفترة التي سبقت توقيع الاتفاقية النووية. وتأمل إيران أن يأتي الرد الإسرائيلي ضمن حسابات تأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية للحرب، وعامل عدم قدرة الدفاعات الإسرائيلية المضادة للصواريخ على التعامل مع عدد الصواريخ الكبير المنطلق منها. في حال حصول مثل هذه المواجهة بين إيران وإسرائيل، فسيكون لذلك مفاعيل على مواقف بعض الدول العربية تجاه إيران، وقد يعمد بعضها إلى تخفيض مستوى تعاونه مع القوات الأميركية العاملة في الخليج وبحر العرب.
وفي التقويم العام، وعلى الرغم من عدم دقّة الصواريخ الإيرانية في الوقت الراهن، ومحدودية القدرات التدميرية للرؤوس المتفجرة التقليدية، فإنّ قدرة إيران على شن هجوم صاروخي مفاجىء وكثيف ضد المدن في الدول المجاورة أو إسرائيل، وضدّ بعض المنشآت العسكرية الرئيسية سيكون لها مفاعيل سياسية ونفسية كبيرة، ولا يمكن الاستهانة بهذا الأمر في الحسابات الخاصة بسياسة السلم والحرب.
 
6- تأثير القوّة الصاروخية على موازين القوى الاقليمية
تحتلّ القوّة الصاروخية وبرامج تطويرها عنصرًا أساسيًا في المنظومة العسكرية الإيرانية، وتمثّل التجارب الأخيرة لصواريخ بالستية متطورة استثمارًا كبيرًا للمستقبل إذا ما تسنى لإيران إنتاج رؤوس نووية.
وهنا تدرك الولايات المتحدة وأوروبا والدول الخليجية وإسرائيل مدى قدرات إيران الصاروخية الراهنة، والتي تتطوّر بسرعة سواء لجهة الكميات أو النوعية، وبأنّ هذه الصواريخ قادرة على ضرب أهداف داخل إسرائيل وفي عدد من الدول الأوروبية، ويدرك الخبراء في هذه الدول بأنّ إيران أصبحت قادرة على تطوير صواريخ بعيدة المدى، تعمل بالوقود الصلب، وهي جاهزة لتشكل تهديدًا أمنيًا ونفسيًا واقتصاديًا لجميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وشعرت إيران بعد الهزائم التي واجهتها في حربها مع العراق بضرورة تطوير قدراتها العسكرية التقليدية، وقد سعت للحصول على أسلحة متطوّرة من الاتحاد السوفياتي ومن روسيا لاحقًا، ولكن الظروف السياسية الدولية والحصار الغربي المفروض على طهران قد حالت دون ذلك. وكانت إيران قد وقّعت عقدًا مع روسيا لشراء صواريخ S300 للدفاع الجوي ولكن الضغوط الغربية جمّدت تنفيذ العقد. وعادت روسيا مؤخرًا إلى إحياء العقد وتسليم إيران بعض هذه الصواريخ.
تقوم الاستراتيجية الإيرانية الراهنة على ثلاثة أنواع من القوى: القوى الصاروخية، القادرة على شنّ عمليات هجومية ودفاعية ضد جميع دول المنطقة، والقوى البحرية، القادرة على مراقبة وازعاج القوات البحرية الأميركية في الخليج، ومحاولة اقفال ممر "هرمز" إذا لزم الأمر، والقوى المتحالفة مع إيران والتي يمكن أن تشنّ حروبًا بالوكالة لحساب طهران[32].
من الواضح أنّ إيران تسعى منذ فترة لبناء قدراتها لكي تكون القوّة الإقليمية الأبرز، ينافسها على هذا الدور كل من إسرائيل وتركيا والدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية.
 
٧- الاستنتاجات
مع حدوث مثل هذا التطور في البرنامج الفضائي الإيراني، ومع التقدّم الذي أحرزته إيران في مجال تخصيب اليورانيوم يبدو بوضوح أنّ هدفها الاستراتيجي لم يعد يقتصر على ردع أي محاولة أميركية لغزوها أو الاعتداء عليها، بل تعدّى ذلك لتتحول إلى لاعب دولي كبير، قادر على نشر نفوذه والتهديد باستعمال قوّته خارج منطقة الشرق الأوسط، وصولًا إلى أوروبا وأميركا.
ربّ قائلٍ بأنّ هذا التقويم لقدرات إيران يفتقد للواقعية، وبأنّ الإيرانيين يغالون في توصيفهم لقدراتهم الاستراتيجية والعلمية، وذلك ضمن الحرب النفسية والإعلامية التي يشنّونها ضد خصومهم. هذا صحيح، ولكن ذلك لا يعني بأنّهم لا يسيرون بخطى ثابتة نحو تطوير قدراتهم العسكرية والعلمية، وتحويلها بالتالي إلى قوّة قادرة على حماية مصالحهم، وتحقيق المزيد من النفوذ على المستويين الإقليمي والدولي.
إنّ الحرس الثوري الإيراني المدعوم من قبل القيادات الدينية والتيار المتشدّد، هو وحده المسؤول عن برامج تطوير الصواريخ والبرنامج الفضائي، وهو ينطلق في خططه المستقبلية من ضرورة استعادة إيران لمجد الإمبراطورية الفارسية، ومن ضرورة استعادة الأمة الإسلامية لدورها على المستويين الحضاري والسياسي بين الأمم. لذلك، يبقى من الطبيعي العمل على تطوير القدرات والوسائل العلمية والعسكرية، بما في ذلك تطوير الصواريخ وسبر الفضاء وامتلاك الدورة الكاملة لصنع السلاح النووي.
كان مسؤولون غربيون وإيرانيون قد اعتبروا في أثناء المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني بأنّ "من بين القضايا التي تعرقل التوصل إلى اتفاق، الخلاف حول العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن الدولي على برنامج الصواريخ البالستية، وحظر أوسع على الأسلحة التقليدية". وألحّ الجانب الإيراني على أنّه لا يوجد سبب للربط بين المسألتين[33].
وعلى الرغم من إصرار إيران على ضرورة رفع العقوبات عن البرنامج الصاروخي فإنّ الأمم المتحدة والدول الغربية مصرّة على الاستمرار في سياسة العقوبات، وهذا ما يؤكده القراران رقم 1929 ورقم 2231.
لكن الموقف الإيراني الرافض لتدخل الدول الغربية في البرنامج الصاروخي لم يتغيرّ، وهذا ما عبّر عنه بقوّة قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري، الذي صرّح في 5 نيسان 2016 بأنّ "إيران مصمّمة على الاستمرار في طريق تطوير قدراتها الصاروخية على الرغم من مطالب واشنطن الملحة". وأضاف "إنّ صواريخنا أصبحت أكثر دقة وذات قوّة تدميرية كبيرة، وسيزداد عددها أكثر من أي وقت مضى"[34].
في النهاية يمكن الاستنتاج بأنّ إيران لم تكن في الماضي، ولن تكون جاهزة في المستقبل، للخضوع للضوابط التي يفرضها عليها المجتمع الدولي في كل ما يعود لتطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى، وذلك من ضمن طموحاتها الاستراتيجية لكي تتحوّل إلى القوّة الإقليمية المهيمنة، والقادرة على التأثير في موازين القوى الشرق أوسطية والدولية.
 
3068712640.jpg
 
نريد موضوع عن برنامج الصواريخ الاستراتيجية السعودية

كلنا المنشار
 
هل يوجد دليل من مصدر محايد على نجاح شهاب ٣ في قطع هذا المدى؟
للأسف لايمكن التحقق من ذلك
حسب بعض المصادر يتراوح بين 1300 كيلو إلى 2000 كيلو متر .
لكن سجيل حسب الصورة بنفس المدى أيضاً !!
 
يجب عدم الإستهانة ببرنامج إيران الصاروخي حتى ولو امتلكنا قدرات الردع والدفاع
 
عودة
أعلى