برنامج الصواريخ الإيرانية: تطوّره وتأثيره على موازين القوى الاقليمية
إعداد: العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر
ضابط متقاعد في الجيش اللبناني
المقدمة
قبل العام 1991 واندلاع حرب الخليج الأولى، كان التهديد الأساسي الذي تواجهه إيران متمثلًا بنظام صدام حسين في العراق. وكانت إيران قد بدأت بتطوير برنامجها الصاروخي في فترة الحرب العراقية الإيرانية، وفي الفترة التي بدأت تتساقط فيها الصواريخ العراقية على المدن الإيرانية، حيث ردّت إيران على ذلك من خلال استعمالها لعدد من صواريخ سكود – B حصلت عليها من سوريا وليبيا [1].
بعد حرب الخليج الأولى شعرت إيران بأنّ هناك خطرًا جديدًا بات يتهدّد أمنها، بعد أن حلّت الولايات المتحدة مكان العراق في تصدر مكامن الخطر الخارجي، حيث يمكن للقوّة العظمى وبمساعدة حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل شن هجمات مدمرة ضدها.
تدرك إيران من خلال واقعيتها السياسية مدى القصور، حاضرًا ومستقبلًا، في مواجهة القوّة العسكرية الأميركية المنتشرة في مختلف مناطق الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ولذلك نراها تبذل جهودها لبناء قوّة عسكرية قادرة على شن حرب استنزاف ضد الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وبالتالي ردعهم عن مهاجمتها من خلال إقناعهم بأنّ المواجهة العسكرية معها ستكون طويلة ومكلفة جدًا. وما يشجعها على اعتماد هذا الخيار، إدراكها عدم قدرتها على اللحاق ببرامج التحديث المتلاحقة للترسانة العسكرية التي تعتمدها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، سواء في مجال الطيران أو في مجال أسلحة البر الرئيسة، وخصوصًا في سلاح المدرّعات. إنّ ما تمتلكه إيران من طائرات ودبابات يُعدّ قديمًا جدًا بالمقارنة مع ما تمتلكه الجيوش الأميركية والقوات المسلّحة لدول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.
تتوجّه إيران في جهودها لبناء قدراتها العسكرية نحو الاستثمار في مجال بناء الصواريخ البالستية متوسطة وطويلة المدى، وفي مجال بناء الصواريخ المضادة للسفن ذات الدقة العالية، وفي مجال تطوير برنامجها النووي من أجل استكمال بناء دورة نووية كاملة، تضعها في صفوف الدول النووية. وقد نجحت إلى حد بعيد في هذا البرنامج، بحيث يقدّر الخبراء بأنّها قادرة على امتلاك قنبلة نووية خلال فترة سنة واحدة.
في عرض عسكري إيراني لمناسبة ذكرى الحرب مع العراق في 23 أيلول عام 2003 ، عرضت إيران نماذج عن الصواريخ التي تمتلكها، وكان من بينها صاروخ شهاب-3 الذي يبلغ مداه 1300 كلم وحمولته 700 كلغ، وقدّر الخبراء في حينه عدد الصواريخ التي تمتلكها إيران من هـذا الطراز بين 25 و100 صاروخ. ويغطّي مدى صاروخ شهاب-3 كل مساحة دولة إسرائيل، وجميع مناطق الانتشار الأميركي في منطقة الخليج[2].
وقد أثار ظهور صاروخ شهاب-3 في العرض العسكري مع ما رافقه من تصريحات لمسؤولين إيرانيين تحمل عبارات تهديد لكل من أميركا وإسرائيل، نقاشًا دوليًا حول ضرورة العمل للحد من انتشار الصواريخ البالستية، على أساس أنّها تشكّل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي والسلام الدولي.
من هنا، يبدو أنّ المعلومات التي جرى الكشف عنها حول ما أحرزته إيران من تقدّم تقنيّ في برنامجها النووي قد شكّلت الخلفية الأساسية للنقاش الدولي حول المخاطر المترتبّة على تطوير إيران للصواريخ متوسطة وبعيدة المدى. وكان الهدف من هذا النقاش منصبًا حول كيفيّة التحكم بانتقال تكنولوجيا الصواريخ ومكوّناتها من روسيا والصين وكوريا الشمالية إلى إيران.
وتركّز الاهتمام الأميركي لانتقال التكنولوجيا الصاروخية إلى إيران على سببين: الأوّل، للترابط الطبيعي ما بين هذا البرنامج لانتقال صواريخ متوسطة وبعيدة المدى وبين برنامجها النووي الطموح لصنع سلاح نووي. والثاني، يتعلّق بموقف إيران العدائي من إسرائيل، وما يمكن أن تشكّله هذه الصواريخ من تهديد لها، بالإضافة إلى دعمها لمنظّمات عديدة مهتمة بالإرهاب.
بدا منذ البداية للأميركيين، أي في تسعينيات القرن الماضي بأنّ إيران مصمّمة على الاستمرار في برنامجها لتطوير صواريخ بالستية، منطلقة من تطوير التكنولوجيا المتوافرة على صاروخ سكود، وبأنّها ستتبع في تجاهلها للتحذيرات الأميركية السلوكية التي اتبعتها كل من الهند وباكستان وكوريا الشمالية. وردّت واشنطن على تجاهل طهران لتحذيراتها بإصدار قانون يقضي بفرض عقوبات اقتصادية عليها، وطُبّق هذا القانون اعتبارًا من العام 1979. إلّا أنّ هذا القانون لم يحد من الجهود الإيرانية لانتاج صاروخ شهاب-3، ولكنّه شكّل السبب الرئيسي لعرقلة الجهود المشتركة للرئيس محمد خاتمي ووزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت لفتح قنوات للحوار من أجل تحسين العلاقات المتأزمة بين البلدين منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979.
هكذا وضعت الولايات المتحدة إيران منتصف التسعينيات إلى جانب كوريا الشمالية، في نقطة الارتكاز لاهتماماتها المتعلقة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومن ضمنها الاستثمار في تطوير الصواريخ البالستية متوسطة وبعيدة المدى.
تعدّى الاهتمام الأميركي حدود الرقابة والمتابعة الفنية لبرنامج تطوير الصواريخ الإيراني، حيث قررت واشنطن إنشاء شبكة مضادة للصواريخ، كما أعادت تقويم استراتيجيتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الجديدة التي تمثّلها إيران على المصالح الأميركية وعلى أمن الحلفاء الاقليميين. وذهبت واشنطن إلى حد تصنيف إيران كدولة "مارقة" إلى جانب كوريا الشمالية.
إعداد: العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر
ضابط متقاعد في الجيش اللبناني
المقدمة
قبل العام 1991 واندلاع حرب الخليج الأولى، كان التهديد الأساسي الذي تواجهه إيران متمثلًا بنظام صدام حسين في العراق. وكانت إيران قد بدأت بتطوير برنامجها الصاروخي في فترة الحرب العراقية الإيرانية، وفي الفترة التي بدأت تتساقط فيها الصواريخ العراقية على المدن الإيرانية، حيث ردّت إيران على ذلك من خلال استعمالها لعدد من صواريخ سكود – B حصلت عليها من سوريا وليبيا [1].
بعد حرب الخليج الأولى شعرت إيران بأنّ هناك خطرًا جديدًا بات يتهدّد أمنها، بعد أن حلّت الولايات المتحدة مكان العراق في تصدر مكامن الخطر الخارجي، حيث يمكن للقوّة العظمى وبمساعدة حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم إسرائيل شن هجمات مدمرة ضدها.
تدرك إيران من خلال واقعيتها السياسية مدى القصور، حاضرًا ومستقبلًا، في مواجهة القوّة العسكرية الأميركية المنتشرة في مختلف مناطق الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ولذلك نراها تبذل جهودها لبناء قوّة عسكرية قادرة على شن حرب استنزاف ضد الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، وبالتالي ردعهم عن مهاجمتها من خلال إقناعهم بأنّ المواجهة العسكرية معها ستكون طويلة ومكلفة جدًا. وما يشجعها على اعتماد هذا الخيار، إدراكها عدم قدرتها على اللحاق ببرامج التحديث المتلاحقة للترسانة العسكرية التي تعتمدها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، سواء في مجال الطيران أو في مجال أسلحة البر الرئيسة، وخصوصًا في سلاح المدرّعات. إنّ ما تمتلكه إيران من طائرات ودبابات يُعدّ قديمًا جدًا بالمقارنة مع ما تمتلكه الجيوش الأميركية والقوات المسلّحة لدول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.
تتوجّه إيران في جهودها لبناء قدراتها العسكرية نحو الاستثمار في مجال بناء الصواريخ البالستية متوسطة وطويلة المدى، وفي مجال بناء الصواريخ المضادة للسفن ذات الدقة العالية، وفي مجال تطوير برنامجها النووي من أجل استكمال بناء دورة نووية كاملة، تضعها في صفوف الدول النووية. وقد نجحت إلى حد بعيد في هذا البرنامج، بحيث يقدّر الخبراء بأنّها قادرة على امتلاك قنبلة نووية خلال فترة سنة واحدة.
في عرض عسكري إيراني لمناسبة ذكرى الحرب مع العراق في 23 أيلول عام 2003 ، عرضت إيران نماذج عن الصواريخ التي تمتلكها، وكان من بينها صاروخ شهاب-3 الذي يبلغ مداه 1300 كلم وحمولته 700 كلغ، وقدّر الخبراء في حينه عدد الصواريخ التي تمتلكها إيران من هـذا الطراز بين 25 و100 صاروخ. ويغطّي مدى صاروخ شهاب-3 كل مساحة دولة إسرائيل، وجميع مناطق الانتشار الأميركي في منطقة الخليج[2].
وقد أثار ظهور صاروخ شهاب-3 في العرض العسكري مع ما رافقه من تصريحات لمسؤولين إيرانيين تحمل عبارات تهديد لكل من أميركا وإسرائيل، نقاشًا دوليًا حول ضرورة العمل للحد من انتشار الصواريخ البالستية، على أساس أنّها تشكّل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي والسلام الدولي.
من هنا، يبدو أنّ المعلومات التي جرى الكشف عنها حول ما أحرزته إيران من تقدّم تقنيّ في برنامجها النووي قد شكّلت الخلفية الأساسية للنقاش الدولي حول المخاطر المترتبّة على تطوير إيران للصواريخ متوسطة وبعيدة المدى. وكان الهدف من هذا النقاش منصبًا حول كيفيّة التحكم بانتقال تكنولوجيا الصواريخ ومكوّناتها من روسيا والصين وكوريا الشمالية إلى إيران.
وتركّز الاهتمام الأميركي لانتقال التكنولوجيا الصاروخية إلى إيران على سببين: الأوّل، للترابط الطبيعي ما بين هذا البرنامج لانتقال صواريخ متوسطة وبعيدة المدى وبين برنامجها النووي الطموح لصنع سلاح نووي. والثاني، يتعلّق بموقف إيران العدائي من إسرائيل، وما يمكن أن تشكّله هذه الصواريخ من تهديد لها، بالإضافة إلى دعمها لمنظّمات عديدة مهتمة بالإرهاب.
بدا منذ البداية للأميركيين، أي في تسعينيات القرن الماضي بأنّ إيران مصمّمة على الاستمرار في برنامجها لتطوير صواريخ بالستية، منطلقة من تطوير التكنولوجيا المتوافرة على صاروخ سكود، وبأنّها ستتبع في تجاهلها للتحذيرات الأميركية السلوكية التي اتبعتها كل من الهند وباكستان وكوريا الشمالية. وردّت واشنطن على تجاهل طهران لتحذيراتها بإصدار قانون يقضي بفرض عقوبات اقتصادية عليها، وطُبّق هذا القانون اعتبارًا من العام 1979. إلّا أنّ هذا القانون لم يحد من الجهود الإيرانية لانتاج صاروخ شهاب-3، ولكنّه شكّل السبب الرئيسي لعرقلة الجهود المشتركة للرئيس محمد خاتمي ووزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت لفتح قنوات للحوار من أجل تحسين العلاقات المتأزمة بين البلدين منذ قيام الجمهورية الإسلامية في العام 1979.
هكذا وضعت الولايات المتحدة إيران منتصف التسعينيات إلى جانب كوريا الشمالية، في نقطة الارتكاز لاهتماماتها المتعلقة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومن ضمنها الاستثمار في تطوير الصواريخ البالستية متوسطة وبعيدة المدى.
تعدّى الاهتمام الأميركي حدود الرقابة والمتابعة الفنية لبرنامج تطوير الصواريخ الإيراني، حيث قررت واشنطن إنشاء شبكة مضادة للصواريخ، كما أعادت تقويم استراتيجيتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، مع الأخذ بعين الاعتبار التهديدات الجديدة التي تمثّلها إيران على المصالح الأميركية وعلى أمن الحلفاء الاقليميين. وذهبت واشنطن إلى حد تصنيف إيران كدولة "مارقة" إلى جانب كوريا الشمالية.