هزيمة 67 على الجبهة السورية بالتفصيل والبلاغات العسكرية والسياسية

إنضم
28 مارس 2013
المشاركات
25,140
التفاعل
30,776 10 0


آ- فترة التوتر التي سبقت الحرب:
=========

الجمعة 12/5/1967

كان هذا اليوم بداية التطور الحقيقي في تسارع الحوادث نحو الحرب، ونقطة الانعطاف الخطرة، للأحداث نحو الاتجاه المحتوم الذي سارت فيه باتجاه الحرب.

ففي هذا اليوم، أعلنت وكالة (يونايتدبرس) للأنباء، أن مصدراً إسرائيلياً رفيعاً قال: "إنه إذا ما استمرت سورية في دعم عمليات التخريب داخل إسرائيل فإن ذلك سيستتبع بالضرورة قيام إسرائيل بعمل عسكري لقلب نظام الحكم في سورية".

وأعلنت وكالة "أسوشيتد برس"، أن مصدراً عسكرياً إسرائيلياً هدد باستعمال القوة ضد سورية لوقف غارات الفدائيين المنطلقة من سوريا، وقال: "إن أمام إسرائيل عدداً من الاحتمالات يتراوح بين شن حرب عصابات على سورية، وبين غزو سورية واحتلال دمشق".


السبت 13/5/1967

ناطق رسمي في وزارة الخارجية السورية، صرح بأن الوزارة استدعت ممثلي الدول الأعضاء لدى مجلس الأمن الدولي في الجمهورية العربية السورية، وأوضحت لهم "المؤامرة التي تحيكها الدوائر الاستعمارية والصهيونية ضد القطر العربي السوري".
وأوضحت لهم الأمور التالية:

1- أن التهديدات الإسرائيلية المتعاقبة "ليست إلا تحضيراً جديداً للرأي العام الدولي من أجل تغطية العدوان الصهيوني المقبل وعملاً استفزازياً ضد سورية".

2- أن محاولة إسرائيل "استغلال المنظمات الدولية لستر عدوانها المقبل، ستبوء بالفشل الأكيد، لأنا أبلغنا سفراءنا في جميع الدول وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها حقيقة موقف إسرائيل كأداة بيد الاستعمار. وكوجود يقوم على الاغتصاب والغزو، ويتمرد على جميع قرارات المنظمة الدولية."

3- "حجة إسرائيل بأعمال الفدائيين الفلسطينيين وتحميل مسؤولية ذلك للجمهورية العربية السورية أمر مرفوض دولياً". لأن الشعب الفلسطيني يرفض الوصاية.

4- "إن الانطلاق من النضال العربي الفلسطيني للعدوان على سورية، لا يمكن أن يخفي المؤامرة الاستعمارية الصهيونية الرجعية.. التي ترتكز على عدوان إسرائيلي كبير يتذرع بمختلف الحجج الواهية، يتلوه عدوان من مرتزقة وعملاء المخابرات في الأردن.. مع تحركات الرجعية وفلول العملاء المتضررين بالثورة، كل ذلك بحراسة الإمبريالية العالمية وتخطيطها..".

5- "إن التهديد الوقح بالقيام بعمليات عسكرية واسعة، وبخوض الحرب ضد سورية لن يرهب أحداً"، لأنه "لن يسقط النظام الثوري في سورية، بل سيزيد مناعة وقوة، وسيسقط الأنظمة الرجعية العميلة، ويحرك الجماهير العربية في ثورة عارمة".

6- "أن الأعمال العدائية الموجهة ضد سورية تهدف فيما تهدف إلى صرف الأنظار عما يجري في عدن والجنوب العربي، وتخفيف ضغط الحرب الشعبية على الاستعمار والرجعية".ولكن ذلك كله سيفشل.

7- أن الجمهورية العربية السورية "تحمل إسرائيل وحماتها مسؤولية ما سيحدث في المنطقة وإنها لتؤكد استعداد الحكومة والشعب لمواجهة أي عدوان.. وستوضع اتفاقات الدفاع المشترك موضع التنفيذ، كما أن العدوان سيجابه بحرب التحرير الشعبية التي ستخوضها كل الجماهير العربية".

وفي اليوم نفسه، صرح ليفي أشكول، رئيس الحكومة الإسرائيلية، في خلال كلمة ألقاها من الإذاعة الإسرائيلية بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لإقامة الدولة..".. إنه من الواضح أن سورية هي مركز الأعمال التخريبية، غير أن إسرائيل تحتفظ لنفسها باختيار المكان والزمان والوسائل اللازمة للرد على المعتدي".

وقام وفد عمالي سوري برئاسة خالد الجندي رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال السورية، بزيارة الجبهة السورية (الجولان)، فألقى العقيد أحمد المير قائد الجبهة يومذاك، خطاباً في الوفد جاء فيه: "أن معنويات جنوده عالية"، و"أن هذه المعنويات مستمدة من إيمانهم بشعبهم الكادح". وحذر من الاستعمار "قد يجتاح سورية" ودعا في هذه الحالة إلى "شن حرب عصابات عليه في داخل سورية وخارجها" على اعتبار أن المشكلات مع الاستعمار لا تحل إلا بالحرب الشعبية". قائد الجبهة أكد أن الطيران له تأثير معنوي أكثر من تأثيره المادي إلا أنه أهاب بالمواطنين أن يتخذوا كافة الإجراءات الوقائية منه.


الأحد 14/5/1967

- ناطق رسمي سوري أدلى بتصريح قال فيه: إن الفريق أول محمد فوزي رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة في ج.ع.م عقد فور وصوله إلى دمشق عدداً من الاجتماعات مع كل من اللواء حافظ أسد وزير الدفاع السوري، واللواء أحمد سويداني رئيس أركان الجيش السوري وأضاف الناطق "...أن كلاً من ج.ع.م. وسوريا تواجهان بجد واجبهما القومي التاريخي إزاء قضية فلسطين خاصة وقضية الشعب العربي عامة".

- الميجر جنرال إسحق رابين، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، قال في مقابلة نشرت في تل أبيب اليوم: "أن إسرائيل تعلم جيداً أن سورية تقف وراء نشاط التخريب".

وأضاف يقول: "إن أي عمل تقوم به إسرائيل ضد سورية سيكون مختلفاً عن أية أعمال انتقامية قامت بها القوات الإسرائيلية في الماضي، ذلك لأن المشكلة مع سورية مختلفة لأن السلطات هي التي تقوم بدعم نشاط المخربين وبالتالي فإن هدف القيام بعملية ضد سوريا سيكون مختلفاً".

- الأنباء الواردة من الأرض المحتلة ذكرت أن تحشدات عسكرية وتحركات غير طبيعية بدأت تظهر على الحدود السورية الإسرائيلية.


الاثنين 15/5/1967

- الدكتور جورج طعمة، مندوب سورية لدى الأمم المتحدة، بعث برسالة إلى رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، لفت فيها أنظار المجلس إلى الوضع "القابل للانفجار".. وحذر من "سويس ثانية".. وأنحى باللائمة على وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "لإعدادها وتمويلها مؤامرة لإسقاط نظام الحكم في سورية". وقال: "إن من المستحيل على سورية السيطرة على نشاط هؤلاء –يقصد الفدائيين- أو حماية خط الهدنة الذي يمتد على حدود عدة دول".

- غالب كيالي، القائم بأعمال السفارة السورية في واشنطن، صرح بعد اجتماع تم بينه وبين مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى (لوشيوس باتل) قال فيه: "إن باتل قرأ أمامه مذكرة تعبر عن قلق حكومة الولايات المتحدة إزاء الحالة على خطوط الهدنة" وأضاف كيالي يقول: "إنني أبلغت مساعد وزير الخارجية الأمريكية أن سورية تتوقع عدواناً صهيونياً قريباً، وتعتقد أن هذا العدوان يحظى بتأييد الولايات المتحدة.. وقد أبلغته أيضاً أن سورية لا تستطيع منع شعب فلسطين من مواصلة كفاحه من أجل استعادة وطنه المغتصب".

وأعلن كيالي أن سورية سترد على أي عدوان صهيوني بكل ما تملك من قوة، وقال: "إن أحداً لا يستطيع أن يحدد منع الانفجار أو أن يمنع اشتعال منطقة الشرق الأوسط بأسرها" في حال تجدد القتال بين سورية وإسرائيل.

- الوكالة السورية للأنباء، أوردت نبأ يفيد أن هناك تنسيقاً كاملاً بين المخابرات الأمريكية والمخابرات الإسرائيلية لقمع أعمال الفدائيين الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة، وأضافت الوكالة تقول: إن رجال المخابرات الإسرائيلية وحرس الحدود الإسرائيلي تسلموا بطاقات خاصة تخولهم دخول الأراضي الأردنية لمسافة ثلاثة كيلومترات لتتبع الفدائيين، وبالمقابل تسلم رجال المخابرات الأردنية بطاقات إسرائيلية مماثلة تخولهم دخول الأرض المحتلة لمسافة ثلاثة كيلومترات للغرض نفسه.

- جريدة المحرر البيروتية، نشرت تصريحاً أدلى به وزير الإعلام السوري محمد الزعبي جاء فيه: ".. إن المعركة ليست معركة قطرية، وإنما هي معركة الشعب العربي كله، وستجعل هذه المعركة لقاء القوى القومية والتقدمية أمراً محتماً ولا بد أن تعجل هذه اللقاءات في الوحدة".

- الدكتور عدنان الباجه جي استدعى سفراء بريطانية وفرنسا والاتحاد السوفياتي والقائم بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد، وبحث معهم الحشود والتهديدات الإسرائيلية ضد سورية، وأبلغهم أن العراق "لن يقف مكتوف الأيدي في وجه أي اعتداء على سورية وأنه سيساهم مساهمة فعالة في رد مثل هذا العدوان".

- وكالة أنباء (نوفوستي) السوفياتية الرسمية قالت:
"إن الاتحاد السوفياتي أعلن عن استعداده لتقديم المساعدة الضرورية للجمهورية السورية التي تدافع عن استقلالها وحقها في البناء السلمي لمجتمع مزدهر".



الأربعاء 17/5/1969

- جريدتا (البعث) و(الثورة) الدمشقيتان قالتا:"إنهما قد علمتا أن القوات المسلحة في الجمهورية العربية السورية أصبحت في كامل استعدادها تدعمها قوات الجيش الشعبي التي احتلت مكانها وفق المخططات الدفاعية.

- خلال زيارة لبعض وحدات الجبهة (الجولان) قام بها رئيس وزراء سوريا (الدكتور يوسف زعين) و(اللواء أحمد سويداني) رئيس أركان الجيش، و(العقيد أحمد المير) قائد الجبهة (الجولان)، ألقى الزعين كلمة في الضباط قال فيها:

"... إن بعض أنظمة الحكم العربية، تتظاهر بأنها تساند قضية الشعب العربي في فلسطين، ولكن المعركة كفيلة بكشف كل الحقائق". وأضاف:"إن شعار لقاء التقدمية من خلال المعركة قد ثبتت أصالته". وأكد أن المعركة "لن تنتهي في شهر أو شهرين بل يجب أن تمضي إلى نهاية الشوط حتى تصبح الأرض العربية حرة في كل مكان".

- جريدة (أزفستيا) السوفياتية قالت: "إن اليمين في إسرائيل يريد الزحف على دمشق". وأضافت: "أن الدوائر المتطرفة في إسرائيل تستمر في سياسة إثارة الصدام مع الأقطار العربية المجاورة". وقالت: "إن إسرائيل تسير على طريق العدوان لتدفع ثمن المعونات الأمريكية السخية".


الخميس 18-5-1967

الدكتور إبراهيم ماخوس، أدلى بتصريح إلى وكالة الأنباء العربية السورية عقب عودته من زيارة للقاهرة استغرقت ثلاثين ساعة اجتمع خلالها بجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعدد من القادة الكبار في ج.ع.م وقد جاء في التصريح:

"... إن زيارتي للقاهرة كانت لوضع اللمسات الأخيرة على الوضع السياسي العربي والدولي". "... إن مخططات الرجعية والاستعمار والصحف الصفراء التي دأبت على التشكيك بلقاء القوى التقدمية قد دحرت". ".. إن سحب قوات الطوارئ بالشكل الذي تم به يبرهن على أن لا شيء يقف في طريق الثورة، وأن تشكيك الرجعية حول وجود هذه القوات قد رد إلى نحرها".

وهاجم الملك فيصل بن عبد العزيز آل السعود ملك السعودية والحسين بن طلال ملك الأردن بأقوال لا يليق أن نذكرها، ويمكن للراغب الرجوع إليها في المجلدين الرابع والخامس من اليوميات الفلسطينية ص460. إصدار مركز الأبحاث –منظمة التحرير الفلسطينية –بيروت.

- المشير عبد الله السلال رئيس الجمهورية اليمنية، أعلن في تصريح له لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن:"الجمهورية العربية اليمنية شعباً وحكومة تقف بكل إمكانياتها وطاقاتها بجانب سورية الشقيقة ضد مؤامرة الاستعمار والرجعية والصهيونية".


الجمعة 19/5/1967

- الرائد محمد إبراهيم العلي قائد الجيش الشعبي في سورية، أكد أن عشرات الألوف من جنود الجيش أصبحوا في حالة تأهب واستعداد تام للقتال.


السبت 20/5/1967

- الدكتور إبراهيم ماخوس، صرح لجريدة أخبار اليوم:

"أن جميع مطارات سورية مفتوحة للطيران المصري، وأن كل ما يقرره العسكريون سينفذ في الحال ولا دخل للسياسيين في ذلك. ولتثق إسرائيل ومن يشفقون على إسرائيل أنها ستواجه ضربات مصرية –سورية من جميع الجهات".

- محمد الزعبي وزير الإعلام السوري، أدلى بتصريح إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط قال فيه:
"إن أهم الدلالات التي يشير إليها الوضع الراهن في المنطقة هي:

1- لقد أثبتت الوقفة الجبارة للقوى الثورية والتقدمية العربية، أن قوة دولة العصابات.. ليست إلا أقل من نمر من الورق الهش القميء المهترئ.

2- هناك علاقة جدلية بين المناخ الثوري ولقاء القوى التقدمية بحيث يتعزز كل منهما بالآخر يدفع به ويندفع معه.

3- هناك علاقة أخرى مضادة بين قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية.

4- أن رفع شعار حرب التحرير الشعبية، وتبني الجماهير له، ومباشرة العمل الفدائي واتباع سياسة ضرب مواقع العدوان داخل الأرض المحتلة.. أسقط القناع عن وجه دولة العصابات الجبان، وكشف تفوقها المزعوم.

5- لم يعد بإمكان إسرائيل أن تشك بحق أبناء فلسطين في العمل الفدائي داخل أرضهم المحتلة..

إن إسرائيل اليوم محصورة بين فكي الكماشة: الجيوش العربية المستنفرة من جهة، وأعمال الفدائيين من جهة أخرى، وهيهات لها أن تفلت من تلك الكماشة".


الاثنين 22/5/1967

- الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة السورية: ألقى في حفل افتتاح الدورة الطارئة للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في دمشق، خطاباً قال فيه: "إن سورية و ج.ع.م اتخذتا ما يلزم، لا لإحباط المؤامرات الاستعمارية والرجعية والعدوان الصهيوني فحسب، بل ولخوض معركة تحرير فلسطين عند أول تحرك عدواني".. وجاء في خطابه: "أن أصوات التهديدات الإسرائيلية قد خفتت بعد أن أصبحت إسرائيل بين فكي ج.ع.م وسورية".

- ثم حمل حملة عنيفة على الملك فيصل والملك حسين، واتهمهما بالتآمر لاستغلال الشعور الديني و... إلخ. (انظر التفاصيل في ص 474 من المرجع نفسه).

- جريدة (برافدا) السوفياتية: "... إن هناك مؤامرة جديدة تعدها الأمبريالية الأمريكية وإسرائيل والرجعية العربية لضرب نظام الحكم التقدمي في سورية".



الثلاثاء 23/5/1967

- الدكتور يوسف زعين واللواء أحمد سويداني وصلا فجأة إلى القاهرة. قال زعين: "ليس هناك أي داع للحديث، فنحن قادمون من أجل الحرب".

- العقيد أحمد المير، قائد الجبهة السورية: صرح بأن الجبهة أصبحت معبأة بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. وقال: "إن العرب لم يهزموا في معركة 1948 على أيدي الإسرائيليين، بل من قبل حكامنا الخونة، وهذه المرة لن نسمح لهم أن يفعلوا ذلك"

- على أثر حادث انفجار لغم في سيارة في مركز الرمثا الأردني على الحدود الأردنية، الذي نتج عنه مقتل 15 شخصاً وإصابة 26 آخرين بجروح، تأزمت العلاقات بين سوريا والأردن، وأمرت السلطات الأردنية سفير سوريا ونائب قنصلها بمغادرة الأردن (36).

- محمد الزعبي وزير الإعلام السوري صرح لوكالة أنباء الشرق الأوسط: "... إن الحكومة العميلة في عمان إنما افتعلت هذا الحادث لتبرير قطع العلاقات، ولأن الملك حسين بحاجة دائماً لأن يعمل في الظلام، وخاصة في هذه الأيام، لينفذ مخططات الاستخبارات الأنجلو – أميركية، دون رقيب أو حسيب".

- القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أصدرت في دمشق بياناً دعت فيه: "جميع التقدميين والمنظمات الشعبية" في الوطن العربي إلى: "الانقضاض ساعة الصفر على الجيوب الرجعية والاستعمارية وإلى تدمير قواعد الاستعمار واحتكاراته النفطية وخطوط مواصلاته وتموينه أينما وجدت".

- الحكومة السوفياتية أصدرت بياناً أعلنت فيه دعمها للدول العربية. جاء في البيان: "إن من يغامر بشن عدوان في الشرق الأدنى سوف يجابه لا بالقوة الموحدة للشعوب العربية فحسب بل وبالمقاومة الحازمة من قبل الاتحاد السوفياتي والدول المحبة للسلام".


الخميس 25/5/1967

- الدكتور نور الدين الأتاسي، تحدث إلى أعضاء المجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمل العرب الذين زاروه بعد انتهاء مؤتمرهم الطارئ في دمشق قال محذراً: "إن الأحداث تصاعدت بشكل ينذر بحرب شاملة في الشرق الأوسط، وأن الشعب السوري مصمم على خوض معركة الثأر من المستعمرين والمستغلين، ومعركة الثأر للجماهير الكادحة التي عانت كثيراً من الاستعمار والاستغلال".


الجمعة 26/5/1967

- إذاعة دمشق أذاعت تعليقاً سياسياً قالت فيه: "إن سورية ترفض اقتراح الجنرال شارل ديغول، بعقد مؤتمر ذروة للدول الأربع الكبرى، إذ أن العرب لم يعودوا يقبلون وصاية أي كان على الشرق الأوسط".

- إذاعة بغداد أعلنت أن وحدات عسكرية عراقية من المشاة والمدفعية والمدرعات غادرت أربيل في شمال العراق للالتحاق بالقطعات العراقية الرئيسية التي تتحرك نحو الجبهة السورية مع إسرائيل.


السبت 27/5/1967

- وكالة "اسوشيتدبرس" قالت إنه لم يعلن رسمياً حتى الآن في دمشق عن تحركات القوات العراقية".


الأحد 28/5/1967

- اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري، وجهت رسالة إلى جميع الأحزاب الشيوعية في العالم تلفت فيها نظرها "إلى الوضع المتوتر الذي يحيط بسورية ويشعل منطقة الشرق الأوسط بأسرها". وأضافت: "أن منشأ هذا الوضع هو أن الإمبريالية الأمريكية تنظر بعين الغضب والحقد إلى نظام الحكم التقدمي في سورية.. وقد فشلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في مساعيها لقلب الأوضاع في سورية عن طريق الرجعية الداخلية فأخذت تلجأ إلى أساليب الضغط والعدوان على سورية من الخارج". وأهابت الرسالة "بالرفاق الشيوعيين" أن يمدوا لشعب سورية يد التضامن لإحباط العدوان الإسرائيلي الذي يسيره ويوجهه الاستعمار الأمريكي.

- التوقيع على اتفاق تنسيق العمل بين الجيشين السوري والعراقي تم في دمشق. وقد وقع الاتفاق عن الجانب العراقي العميد محمود عريم، ووقعه عن الجانب السوري اللواء عادل شيخ أمين (37).

- صرح وزير الإعلام السوري، محمد الزعبي: بأن قوات من الجيش العراقي قد دخلت الأراضي السورية واتخذت مواقعها المحددة(38).



الاثنين 29/5/1967

- وصل فجأة إلى موسكو الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة السورية مع وفد يضم الدكتور إبراهيم ماخوس، ومحمد الزعبي. وأجرى الوفد مباحثات مع المسؤولين هناك ...

- في اجتماع طارئ لاتحاد المحامين العرب، عقد في دمشق، ألقى يوسف زعين رئيس الحكومة السورية كلمة في جلسة الافتتاح قال فيها:

"إن انحناء إسرائيل أمام الرد العربي الحاسم الآن، يجب أن لا يفسر بأنه انتصار نهائي عليها، فهو ليس إلا بداية الطريق لتحرير فلسطين، وتدمير إسرائيل... وإن الظروف اليوم هي أفضل من أي وقت مضى لخوض معركة المصير العربي".

وقال: "إن الشعوب العربية ستحاسب كل من يتخاذل عن الواجب". وقال: "إن المسيرة إلى فلسطين، هي المسيرة إلى إسقاط الرجعية العربية والاستعمار والصهيونية إلى الأبد".ثم أشاد باستعداد سورية لخوض المعركة.


- وكالة الأنباء العربية السورية كشفت النقاب عن أن سفير الولايات المتحدة في دمشق، قدم مذكرة شفوية تتعلق بالوضع الراهن في الشرق الأوسط إلى الدكتور إبراهيم ماخوس. علم أن المذكرة تضمنت النقاط التالية:

1- أن حدة التوتر بين الدول العربية وإسرائيل ارتفعت في الفترة الأخيرة.
2- أن الولايات المتحدة لا تعتقد بوجود نوايا عدوانية لدى إسرائيل.
3- أن الحكومة الأمريكية تشعر بقلق خاص تجاه ما أسمته أعمال الإرهاب (العمل الفدائي الفلسطيني) وتعتبرها مغايرة لاتفاقات الهدنة.
4- أن الحكومة الأمريكية قلقة من انسحاب قوات الطوارئ الدولية وتعمل على إعادة وجود الأمم المتحدة على خط الهدنة بين ج.ع.م وإسرائيل بأية صورة من الصور.

5- الحكومة الأمريكية تعتقد بأن حشد القوات يزيد من حدة التوتر.
6- الحكومة الأمريكية تتمسك "بحرية المرور في خليج العقبة للسفن الإسرائيلية وسفن جميع الدول الأخرى".
7- الحكومة الأمريكية تؤكد عزمها على التدخل بالمقاومة الشديدة لكل اعتداء في المنطقة.


الدكتور ماخوس وزير الخارجية رد على المذكرة الأمريكية فوراً مؤكداً انحياز أمريكا إلى جانب إسرائيل وموضحاً النقاط التالية:

1- ليس للولايات المتحدة ما يميزها عن غيرها من الدول الأعضاء حسب ميثاق الأمم المتحدة ولا تملك حق التدخل في شؤون المنطقة أو فرض وصايتها عليها.
2- لم يرتفع التوتر خلال الأيام القليلة الماضية فقط، وإنما لازم المنطقة العربية عند فرض الاحتلال الإسرائيلي. ووزارة الخارجية السورية تؤكد النوايا العدوانية لإسرائيل، وتهديدات المسؤولين الإسرائيليين أبلغ دليل على ذلك.
3- تؤكد سورية أنها ليست مسؤولة عما يقوم به الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه طبقاً لحق تقرير المصير، كما أن هذا الشعب ليس طرفاً في اتفاقيات الهدنة.
4- الحكومة السورية تؤكد حق ج.ع.م في سحب قوات الطوارئ الدولية وفي ممارستها لسيادتها على خليج العقبة.


الثلاثاء 30/5/1967

- الدكتور نور الدين الأتاسي والوفد المرافق له عادوا من موسكو بعد انتهاء زيارته لها.

- محمد الزعبي وزير الإعلام السوري صرح بأن الاتحاد السوفياتي أكد تأييده "للخط الثوري التقدمي" الذي تنتهجه سورية. كما أكد وقوفه "بحزم ضد أي عمل عدواني قد يتعرض له الشعب العربي من جانب إسرائيل ومن وراءها" ووصف محادثات الوفد مع المسؤولين السوفيات بأنها "صريحة" وقال: "إن الدكتور الأتاسي أكد للزعماء السوفيات أن التهديدات والحشود العدوانية الصهيونية ليست إلا جزءاً من مخطط استعماري عام لضرب حركة التحرير في الشرق الأوسط".

 

لجمعة 2 حزيران 1967

- إذاعة بغداد قالت إن قوة كبيرة من المشاة توجهت بالقطارات من أربيل في شمال العراق إلى حيث تأخذ مواقعها في الجبهة. كذلك فعلت وحدة الآليات التي وصفت بأنها على درجة عالية من التدريب في القتال السريع، وأنها مزودة بآليات ثقيلة حديثة.

- ناطق إسرائيلي عسكري زعم أن جنديين إسرائيليين وجندياً سورياً قتلوا في اشتباك بين دورية إسرائيلية وفريق من الفدائيين على بعد كيلو متر واحد من الحدود السورية.

- البريجادير جنرال حاييم هيرتسوج: كتب في الملحق الأسبوعي في جريدة " جيروساليم بوست" محللاً وضع الجيشين المصري والسوري، وقد جاء في هذا المقال: "...أما الجيش السوري البالغ عدده 65 ألفاً، فهو ضئيل جداً بالنسبة لمساحة سوريا. وأضاف أن الانقلابات التي تعاني منها سورية وينتج عنها تغيير دائم في صفوف الضباط وترفيعات مفاجئة لا تستند على أساس الخبرة بل على أساس الانتماء السياسي، كل هذا أضعف الجيش السوري كثيراً".


السبت 3 حزيران 1967

- مصدر رسمي سوري صرح بأنه تم وضع الترتيبات الكفيلة بحماية مدينة دمشق من جميع الأخطار. وتم دهن مصابيح السيارات ومصابيح الساحات العامة باللون الأزرق الداكن تنفيذاً لتعليمات مديرية الدفاع المدني. وأعلن المجلس البلدي في دمشق أنه قرر التبرع بمبلع 200 ألف ليرة سورية للجيش السوري، وقرر أعضاء هيئة التدريس في جامعة دمشق التبرع بنسبة 10 بالمئة من مرتباتهم للجيش.

- الجنرال ييغال آلون، وزير العمل الإسرائيلي، قال في اجتماع الليلة البارحة: إن تحقيق ثلاثة أمور سيجنب المنطقة الحرب وهذه هي: إعادة فتح خليج العقبة، وتخفيض القوات المحتشدة على الحدود، والتعهد بوقف أعمال التخريب.

- الميجر جنرال موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي عقد مؤتمراً صحفياً اليوم قال فيه: "إنه قد فات الوقت لردة فعل عسكرية(39) فورية على إغلاق ج.ع.م لمناطق تيران"...

... إذا حاول أحد تحقيق حرية المرور من مضائق تيران بالوسائل الدبلوماسية فليعط الفرصة لذلك...
... إذا وقع صدام فسيكون غالي الثمن..

.. أن الدول العربية لديها من الجيوش والأعتدة أكثر بكثير مما لدى إسرائيل ولكن الأمر يعتمد كثيراً على مكان المعركة. مثل ذلك أنه سيكون من الصعب جداً على الجيش الإسرائيلي بعدده الحالي أن يذهب للقتال في بغداد أو القاهرة، وآمل أن يكون صعباً جداً عليهم بأعدادهم المتفوقة أن يهاجموا تل أبيب، لأن عليهم أن يسيروا من قواعدهم إلى إسرائيل.


الأحد 4 حزيران 1067

- القيادتان القطرية والقومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا بحثتا في اجتماع مشترك اليوم تقريراً مفصلاً عن نتائج مباحثات الدكتور إبراهيم ماخوس وزير الخارجية ونائب رئيس الحكومة في رومة وباريس والجزائر وكان ماخوس قد عاد من رحلته الرسمية لتلك البلدان.
وذكرت الأنباء أن اللاجئين السوريين في العراق طلبوا من حكومتهم السماح لهم بالعودة لاستغلال كفاءاتهم في المعركة.



==ب- فترة الحرب
======



الاثنين 5 حزيران 1967:

- راديو القاهرة قطع إذاعته حوالي الساعة 9،50 بتوقيت القاهرة(40) ليعلن أن قوات إسرائيل بدأت تهاجم ج.ع.م..

- راديو دمشق قطع برامجه العادية ليعلن أن إسرائيل هاجمت ج.ع.م صباح اليوم. وهذا أهم ما صدر عن هذا الراديو.

- بلاغ صادر من وزير الداخلية يطلب من جميع عناصر الدفاع المدني الالتحاق بمراكزهم.

- نداء إلى الشعب أعلن "بدء معركة التحرير الشعبية، حيث سيكون اللقاء في قلب تل أبيب". وقال: "سحقاً للصهاينة وسحقاً لأمريكا".

- دعا الراديو القوات السورية إلى "مسح إسرائيل عن الخريطة".

- أعلن أن أفراد الجيش الشعبي تسلموا أسلحتهم الكاملة ونزلوا إلى الشوارع واتخذوا مواقعهم المحددة لهم في دمشق والمدن والقرى السورية.

- قال راديو دمشق إن القيادتين السورية والمصرية على اتصال دائم.

- أذاع الراديو بلاغاً من القائد الأعلى للقوات السورية المسلحة في الساعة 12 ظهراً بتوقيت دمشق(41)، أعلن فيه دخول القوات السورية المعركة إلى جانب مصر وقال: إن الطائرات السورية "بدأت قصف مدن العدو ومواقعه ومنشآته". ومضى يقول: "إن سورية تلتحم مع العدو الآن.. ولن تتراجع قبل إبادة الوجود الصهيوني إبادة كاملة".

- أذاع الراديو بياناً إلى الإسرائيليين باللغتين العربية والعبرية طلب فيه منهم أن يستمعوا إلى الإذاعات العربية وينتظروا الأوامر والتعليمات منها.

- شركة الأنباء الإقليمية ذكرت في نبأ من دمشق أن أصوات المدافع المضادة للطائرات دوت في المدينة أثناء غارة شنتها الطائرات الإسرائيلية على المدينة.

- الأتاسي أعلن أن بلاده قررت أن تكون المعركة الحالية معركة التحرير النهائية لفلسطين في إذاعة موجهة إلى الشعب: "لقد دقت ساعة النصر على أعداء العروبة، وقد حفر الصهاينة الغزاة المتآمرون مع الاستعمار العالمي قبورهم بأيديهم عندما أغاروا اليوم على ج.ع.م". وقال: "أن الهجوم الإسرائيلي لم يتم إلا بتخطيط من الاستعار العالمي الذي جعل من إسرائيل أداة للتنفيذ". وقال: "لقد ألقى الشعب العربي بثقله في المعركة الفاصلة ووضع الجيش السوري كل قواه الضاربة في لهيب المعركة وأن نسورنا البواسل يدمرون منشآت العدو ومدنه وهم في طريقهم لتحرير الأرض المغتصبة".


وأما البلاغات التي أصدرتها سورية فقد كانت كما يلي وحسب الترتيب:
------------------------

1- قامت طائراتنا بقصف شديد لمطارات العدو في المنطقة الشمالية وقد دمرت القسم الأكبر من المجهود الجوي للعدو. وقد شوهدت الطائرات العدوة وهي تحترق على الأرض. وعادت طائراتنا إلى قواعدها سالمة.

2- أن طائراتنا الآن تقصف مطارات العدو ومواقعه(42) الاستراتيجية وأرتاله البرية وقد اختفى طيران العدو من أرض المعركة. وقد اندلعت النار في مصفاة البترول في حيفا بعد أن ضربتها طائراتنا.

3- تسللت طائرات معادية في أراضينا وقامت طائراتنا الساهرة على حماية الجو بالتعرض لها فاشتبكت معها وأسقطت ثلاث طائرات إسرائيلية سقطت اثنتان منها فوق الأردن ولم تصب طائراتنا بأذى.

4- حاول العدو أن يقوم بغارة جوية داخل أرضنا فتصدت له طائراتنا وجرى اشتباك جوي سقطت نتيجة له طائرة ميراج معادية.

5- حاول طيران العدو ضرب مطار المزة فتصدت له مدفعيتنا المضادة للطائرات وأسقطت طائرة ميراج معادية. هذا وقد شوهدت طائرة معادية تحترق وهي متجهة باتجاه الديماس (ميسلون) غربي دمشق وقد سقطت الطائرة في الجبال.

6- اشتبكت مدفعيتنا المضادة للطائرات مع ثماني طائرات إسرائيلية وأسقطت اثنتين منها وأسر أحد الطيارين الإسرائيليين.

7- نتيجة اشتباك جوي بين طائراتنا وطيران العدو أسقطت طائرتا ميراج في الأراضي اللبنانية وأسر طيار إسرائيلي(43).

8- نتيجة مهاجمة طيران العدو لأحد مطاراتنا أسقط طيراننا الباسل ثلاث طائرات ميراج للعدو وأسر طيار إسرائيلي وهو رهن التحقيق.

9- على كافة الإخوة المواطنين إلقاء القبض فوراً على أي طيار معاد يسقط في أرضنا وإرساله حياً إلى أقرب مركز للجيش أو الشرطة.

10- نتيجة مهاجمة طيران العدو لأحد مطاراتنا أسقطت مدفعيتنا المضادة للطائرات طائرة ميراج إسرائيلية.

11- هاجمت طائرات العدو أحد مطاراتنا وحطمت مدفعيتنا المضادة طائرتي ميراج.

12- هاجم طيران العدو مواقعنا في الجبهة فأسقطت مدفعيتنا المضادة للطيران طائرة ميراج للعدو قرب خسفين.

13- حاولت طائرات العدو قصف إحدى قواعدنا الجوية فأسقطت للعدو ثلاث طائرات وهكذا أصبح عدد الطائرات المعادية التي أسقطت فوق هذه القاعدة 6 طائرات.

14- نتيجة للاشتباكات الجوية التي جرت فوق أرضنا، أسقطنا للعدو 30 طائرة، هذا عدا عن الطائرات التي أسقطها سلاحنا الجوي ضمن أراضي العدو. يضاف إلى ذلك ما دمره سلاحنا الجوي أثناء الغارات التي قام بها فجأة على مطارات العدو الشمالية بكاملها منزلاً بها تدميراً محققاً.

15- هاجمت طائرات العدو مواقعنا في الجبهة، فتصدت لها مدفعيتنا المضادة وأسقطت للعدو طائرتين فوق تل يوسف.

16- هاجمت طائرات العدو أحد مطاراتنا فتصدت لها مدفعيتنا المضادة وأسقطت ثلاث طائرات ميراج.

17- هاجمت طائرات العدو أحد مطاراتنا وتصدت لها مدفعيتنا المضادة وأسقطت طائرتي ميراج.

18- هاجمت طائرات العدو أحد مطارتنا، فتصدت لها مدفعيتنا المضادة للطائرات وأسقطت طائرة ميراج.

19- هاجمت طائرات العدو أحد مطاراتنا فتصدت لها مدفعيتنا المضادة وأسقطت طائرة ميراج أخرى.

20- تحاول طائرات العدو بدون جدوى عرقلة قواعدنا الجوية، وقد أسقطت الآن طائرة ميراج فوق أحد مطاراتنا.

21- عدد الطائرات الإسرائيلية التي أسقطت في الأراضي السورية خلال الاشتباكات التي جرت فوق الأراضي السورية وبواسطة المدفعية المضادة للطائرات بلغ حتى الآن (الساعة الخامسة بعد الظهر بتوقيت عمان وبيروت) 50 طائرة.. وقال ناطق عسكري أن هذا الرقم لا يشمل الطائرات المعادية التي دمرت في إسرائيل نفسها نتيجة الاشتباكات الجوية بعد ضرب المطارات الإسرائيلية.

22- حاوت طائرات العدو الهجوم على بعض القواعد الجوية فتصدت لها مدفعيتنا وأسقطت منها طائرتين.

23- أسقطت طائرة معادية قرب إحدى القواعد العسكرية السورية وذلك أثناء اشتباك جوي مع العدو.

24- هاجمت طائرات العدو إحدى القواعد الجوية السورية فتصدت لها القوات السورية وأسقطت إحدى الطائرات المعادية. وقال مصدر عسكري سوري أنه بلغ عدد الطائرات التي أسقطها سلاح الطيران السوري للعدو 54 طائرة.

25- عثر على الطائرات الميراج الثلاثة التي أسقطتها سورية فوق الأراضي اللبنانية قرب بلدة راشيا.


التلفزيون السوري والإذاعة أجريا مقابلة مع طيار إسرائيلي أسر، اسمه: إبراهام زيلان، رتبته ملازم أول، من مواليد 1945، فلسطيني. وقد جاء في المقابلة قوله:"... إن الأهداف التي كلف بضربها في سورية هي مطار الضمير ودمشق فقط..".

- هبطت طائرة سورية اضطرارياً على ساحل الرشيدية قرب صور لنفاد وقودها. وكان يقودها الملازم الأول الطيار غسان إسماعيل، وعمره 28سنة. وكانت هذه الطائرة تقوم بغارة على حيفا ثم نفد وقودها فاضطرت إلى الهبوط على الساحل اللبناني.


- أذاع راديو إسرائيل:
-------------

"... إن طائرات عربية هاجمت بلدة ناتانيا الساحلية".

"... إن طائرتين سوريتين من نوع ميج أسقطتا في منطقة بلدة أرمجدون القديمة".

وقال البلاغ: "إن ثلاث طائرات سورية اشتركت في العملية".
 

الثلاثاء 6 حزيران 1967

البلاغات العسكرية السورية:
------

1- هاجمت صباح اليوم أربع طائرات معادية مواقعنا في الجبهة وتم إسقاط طائرتين منها.

2- في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة من فجر يوم السادس من حزيران (يونيو) لعام 1967، بدأت قواتنا بالاشتباك مع العدو وقصف مواقعه على طول الخطوط الأمامية، وأن هذه الاشتباكات التي تجري اليوم هي منطلق لبدء عملية التحرير.
التوقيع: وزير الدفاع.

3- في الساعة التاسعة والربع أسقطت مدفعيتنا المضادة ثلاث طائرات إسرائيلية فوق القنيطرة وذلك أثناء تصديها لغارة جوية معادية.

4- احتلت قواتنا الزاحفة مستعمرة شرياشوف شمال سهل الحولة وقد تكبد العدو فيها خسائر كبيرة وتجري حالياً معركة حامية مع قوات معادية تقاوم تقدم قواتنا داخل الأرض المحتلة.

5- في الساعة السادسة عشرة أسقطت مدفعيتنا المضادة في منطقة الجبهة إحدى طائرات العدو وشوهد الطيار يقفز بالمظلة في سهل الحولة داخل الأرض المحتلة.

6- في الساعة السابعة عشرة والدقيقة 32 حاولت بعض طائرات العدو الإغارة على مواقعنا في الجبهة ولكنها ردت على أعقابها بعد أن أسقطت منها قاذفة قنابل من طراز (فوتور).

7- قام طيران العدو بعد ظهر أمس بقصف الرقابة الدولية في منطقة البطيحة ثلاث مرات متوالية، وقد قدمت هيئة الرقابة احتجاجاً على ذلك. إن الذين قصفوا المنطقة، إما إسرائيليون تعمدوا الاعتداء على هيئة الأمم المتحدة، أو أنهم طيارون غرباء عن المنطقة وذلك يشكل دليلاً آخر على العدوان الاستعماري الغاشم.

- بيان سوري رسمي تكلم عن:"أبعاد المؤامرة الإنجلو –أمريكية الصهيونية على الحق العربي" فقال:
"... أظهرت المعلومات التي وردت من جزيرة قبرص في أول حزيران، أن الطائرات البريطانية في قاعدة أكروتيري كانت في حالة تأهب وحركة دائمة. وكذلك لوحظت حركة شديدة للسيارات العسكرية في قاعدة أكروتيري وديكيليه. وكانت هذه السيارات العسكرية من القاعدتين البريطانيتين، تقوم بنقل القنابل والصواريخ من المخازن تحت الأرض إلى المطار، وأكثرها صواريخ بطول مترين.

كما أثبتت المعلومات أن حوالي 3000 جندي بريطاني بكامل عتادهم الحربي قد غادروا قاعدة أكروتيري إلى المنطقة المحتلة من فلسطين بتاريخ 28 آيار الماضي. وكذلك أثبتت المعلومات الموثوقة أنه بتاريخ 27 أيار الماضي وصل إلى القواعد البريطانية في قبرص قائد الأسطول السادس الأمريكي بطريق الجو وبصورة سرية للغاية، واجتمع فور وصوله بقائد القواعد البريطانية في الجزيرة.

وقال البيان السوري: "إن الأسلحة التي ترسلها أمريكا وبريطانيا عن طريق البحر تنتقل إلى إسرائيل في صناديق رسمت عليها إشارة الصليب الأحمر تمويهاً وتضليلاً كي لا يجري تفتيشها... وإمعاناً في التضليل يجري نقل هذه الصناديق بواسطة بواخر تجارية غير أمريكية أو بريطانية".

وقال البيان: "إنه تم التقاط اتصال لاسلكي للعدو يطلب تدخل قوات أجنبية من حاملات الطائرات الموجودة في شرق البحر الأبيض المتوسط لمساعدته في عملياته الجوية ضد العرب... وقال: إن الطيار الإسرائيلي إبراهام زيلان الذي أسرته القوات السورية، اعترف أن 17 طائرة من قاذفات القنابل الإنجليزية وصلت مع طياريها قبل العدوان إلى المنطقة المحتلة من فلسطين واشتركت بضرب الأهداف داخل ج.م.ع وسورية. وعلم أن حاملة طائرات بريطانية تحركت إلى أحد المرافئ الإسرائيلية من قبرص صباح الثلاثاء مع أربع قطع حزبية بريطانية"(44).

- الدكتور إبراهيم ماخوس جمع رؤساء البعثات الديبلوماسية في سورية باستثناء سفيري أمريكا وبريطانيا وشرح لهم الوضع الراهن، وكان من جملة ما قاله ماخوس:

"... إن دولاً صديقة عديدة نصحت الدول العربية بأن لا يبدأ العرب العدوان، كما أن كثيرين من السفراء وعلى رأسهم السفير الأمريكي أكدوا أن إسرائيل لا تنوي العدوان. وأن العرب قبلوا النصيحة، إلا أن الشعب العربي دفع الثمن باهظاً..".

"... ولو أننا بدأنا الهجوم لسحقنا العدوان وأنهينا العملية في يوم واحد.. ولكننا فوجئنا أمس بهجوم شامل على جميع المطارات في البلاد العربية بكثافة لا يمكن معها أن تكون إسرائيل وحدها في المعركة". وقال: "لقد أسقطنا أمس أكثر من 150 طائرة وكان الطيران الإسرائيلي مستمراً وكأننا لم نسقط طائرة واحدة. إلخ".

- الميجر جنرال حاييم هيرتسوج، المتحدث العسكري الإسرائيلي، والقائد السابق للاستخبارات الإسرائيلية قال: "إن لمصر 350 طائرة على الجبهة، ولسورية مائة طائرة خسرت منها 50 طائرة في اليوم الأول للقتال.."
- قال تقرير إسرائيلي: "إن طائرات سورية قد قصفت عدة أهداف داخل إسرائيل منها بعض القرى والمطارات الحربية في وسط وشمالي إسرائيل.."

- وقال بلاغ إسرائيلي آخر: إن القوات الإسرائيلية ردت قوة آلية مدعومة بالمدفعية حاولت التقدم إلى تل دان (تل القاضي) من الجبهة السورية.

- ادعى بلاغ إسرائيلي: أن إسرائيل أصبحت سيدة الجو في الشرق الأوسط وأن القوة الجوية العربية الضاربة قد أبيدت.

- وقالت المصادر الإسرائيلية: إن قواتها الجوية والبرية كانت تقصف المواقع الجبلية السورية طوال النهار بينما كانت المواقع السورية تقصف المستعمرات الإسرائيلية في الجليل. وقالت هذه المصادر أن القصف من الطرفين كان متواصلاً على طول الجبهة من دان في الشمال إلى بحيرة طبريا في الجنوب.



الأربعاء 7 حزيران 1967

البلاغات العسكرية السورية:

1- في الساعة 8،47 أسقطنا للعدو طائرتين من طراز ميراج أثناء اشتباك فوق منطقة القنيطرة. قفز أحد الطيارين الأعداء بالمظلة قرب خان أرينبة وأسر.

2- اشتركت القوات الجوية البريطانية هذا اليوم بشكل فعال بقصف مواقعنا الأمامية محاولة بذلك القيام بالمهمة التي فشل طيران إسرائيل بالقيام بها بعد أن أسقطنا للعدو معظم طائراته التي حلقت في أجوائنا.

إننا نؤكد أن الغارات التي جرت اليوم على مواقعنا الأمامية قد قامت بها طائرات من نوع كامبيرا، وهي قاذفة إنجليزية معروفة، وبهذه المناسبة، لقد أسفر الاستعمار عن وجهه بكل لؤم وغدر، فإننا نطمئن الإخوة المواطنين إلى أن المعارك تسير لصالحنا وأن تشكيلاتنا العسكرية تكيل للعدو ضربات قاسية في كل مكان(45).

3- في الساعة 11،20 حاولت طائرات معادية الإغارة على مواقعنا الأمامية وتصدت لها مدفعيتنا المضادة للطائرات وكانت النتيجة إسقاط قاذفتين من نوع فوتور سقطت الأولى في بستان الرمان وشوهدت الثانية تسقط باتجاه جبال الجليل وهي تحترق.

4- تستمر الاشتباكات والمعارك مع العدو على طول الجبهة العربية السورية منذ أن بدأت قواتنا باقتحام مواقع العدو في الأرض المحتلة وحاول العدو طيلة هذا اليوم إعادة تجميع قواته في بعض نقاط الجبهة للاقتراب من خطوط قواتنا ولكن قواتنا لم تمكنه من ذلك واستمرت في الاشتباك معه كما قصفته مدفعيتنا الميدانية وخصوصاً في مناطق تجمعه، ونتيجة لذلك تكبد العدو الخسائر التالية:

آ- دمرنا أربع دبابات وثلاث ناقلات جنود ومدرعة في القطاع الشمالي من الجبهة وأحدثت مدفعيتنا خسائر جسيمة في تجمعات العدو.

ب- دمرنا سرية مشاة وخمس دبابات في هاغوشريم.

جـ- دمرنا كافة تحصينات مستعمرة تل القصر (بيت كاتسير) وأسكتنا الأسلحة الموجودة فيها ولا زالت النيران تشتعل في هذا الموقع.

5- في تمام الساعة 16،30 تصدت طائراتنا المقاتلة لسرب معاد من الطائرات القاذفة الثقيلة واشتبكت معه في معركة جوية حامية فوق منطقة الشيخ مسكين. تمكن طيارونا البواسل من إسقاط ثلاث طائرات للعدو هوت وتحطمت في منطقة أزرع ونوى وطفس. وعادت طائراتنا إلى قواعدها سالمة.

هذا وقد بلغ مجموع الطائرات التي أسقطناها للعدو منذ صباح اليوم خمس قاذفات قنابل وطائرتين مقاتلتين.

6- تستمر قواتنا الباسلة في تدمير العدو على طول الجبهة، وتدور الآن رحى معركة عنيفة أمام تل العزيزيات وقد دمرنا للعدو حتى الآن قاعدة للصواريخ المضادة للدبابات وسريتين من مدافع الهاون وعدداً من الآليات المدرعة وتم تدمير بعض الجسور مقابل تل العزيزيات ولا يزال القتال مستمراً(46).

7- في حوالي الساعة 12،20 أبادت مدفعيتنا المضادة للطائرات طائرة إسرائيلية فوق المنطقة الجنوبية وسقطت شظايا الطائرة وتناثرت فوق بعض قرى محافظة درعا.

8- تم إسقاط طائرة معادية في الساعة 19،25 من مساء هذا اليوم فوق الجاعونة في القطاع الأوسط في الجبهة أثناء اشتباك مع مدفعيتنا المضادة للطائرات.

9- أسقطنا الآن طائرة معادية فوق الصنمين بواسطة المدفعية المضادة للطائرات وقذف الطيار بنفسه بالمظلة من الطائرة وتحركت فوراً مفرزة خفيفة من إحدى نقاطنا العسكرية للقبض عليه.

10- في الساعة 9،30 اكتشفت مراصدنا تحركات قوات معادية في القطاع الشمالي من الجبهة أمام تل العزيزيات، وكانت قوات العدو تحاول التجمع وهي من /50/ دبابة تقريباً ومعها وحدات من المدفعية والمشاة، بادرت مدفعية الميدان العربية السورية تساندها أنواع أخرى من الأسلحة إلى قصف هذه التجمعات بعنف وشتتتها وألحقت بها خسائر جسيمة.

11- خلال الاشتباكات التي جرت أمس في الجبهة أسرت قواتنا عدداً من جنود العدو بينهم ضابط برتبة ملازم أول.

- راديو دمشق اتهم "الاستعماريين الأمريكيين والبريطانيين بالاستمرار في مساعدة إسرائيل لإنقاذها من الدمار".

- أعلن الراديو في وقت لاحق استيلاء القوات السورية على سهل الحولة وقال إنها تطارد الإسرائيليين بطريقها إلى الناصرة.

وقال أحد المعلقين: إن الجيش السوري بطريقه الآن إلى صفد وعكا بالإضافة إلى الناصرة(47)...
الخميس 8 حزيران 1967

- راديو دمشق أذاع في الساعة الثالثة من الصباح أنه يتوقع أن تصل القوات السورية إلى صفد لتلتقي بالقوات الأردنية الزاحفة.

الراديو أذاع البلاغات العسكرية التالية:
---

1- تشتبك مدفعيتنا المضادة للطائرات الآن في القطاع الشمالي والقطاع الأوسط من الجبهة وتصد طائرات العدو المغيرة على مواقعنا.

2- في الساعة 9،50 تصدت مدفعيتنا المضادة لغارات العدو التي هاجمت مواقعنا، فأسقطت ثلاث طائرات اثنتان منها في القطاع الأوسط، تفجرت الأولى في الجو وهوت الثانية محترقة إلى الأرض، وأسقطت الثالثة في القطاع الشمالي وبهذا الانتصار على طيران العدو تفتتح مدفعيتنا المضادة، اليوم الرابع من المعركة التي سنخوضها حتى النصر.

3- في الساعة 10،10 جرى اشتباك فوق الجبهة أسقطنا على أثره قاذفتي قنابل للعدو، وهكذا أسقط للعدو خمس طائرات خلال نصف الساعة الماضية.

4- في الساعة 10،55 تم إسقاط طائرة إسرائيلية بمدفعيتنا المضادة للطائرات في القطاع الشمالي من الجبهة وقد هوت الطائرة باتجاه مواقع العدو وانفجرت قرب النبي يوشع.

5- جرى اشتباك جوي في الساعة 11،00 وتم إسقاط طائرة معادية انفجرت على السفح الشرقي من جبل الشيخ. وقد دمرنا للعدو خلال الساعات المنصرمة سبع طائرات.

6- أسقطنا للعدو طائرة في الساعة 11،45 وقعت في دغانيا.

7- أسقطنا للعدو في الساعة 14،30 طائرتين فوق الجبهة سقطت الأولى في الخالصة والثانية في هافرشيريم. بلغ عدد الطائرات التي دمرناها للعدو حتى الساعة 14،00 من هذا اليوم عشر طائرات.

8- في الساعة 14،30 أسقطنا طائرة معادية في ناؤوت مردخاي.

9- أسقطنا للعدو طائرتين في الساعة 15،00 إحداهما من طراز كانبيرا والثانية من طراز فوتور وذلك فوق منطقة الجليل الشمالي. ومجموع خسائر العدو حتى الآن 13 طائرة.

10- أسقطت مدفعيتنا المضادة للطائرات الساعة 16،50 طائرة معادية فوق القطاع الأوسط من الجبهة.

11- في الساعة 17،20 أسقطنا للعدو طائرتين وقعتا في بحيرة طبريا إلى الغرب من مستعمرة عين غيف. وبهذا نكون قد دمرنا حتى ساعة إذاعة هذا البلاغ 16 طائرة للعدو.

12- دمرت قواتنا البرية العاملة في القطاع الشمالي من الجبهة سرية كاملة من مدفعية العدو في مستعمرة ساديا نحاميا كما دمرنا مستودعاً للذخائر.

13- أسقطنا للعدو في الساعة 17،45 طائرتين إحداهما من نوع أوراجان والأخرى من نوع ميستير سقطت غرب القلع.

14- شوهدت في الساعة 20،40 تجمعات معادية من المدرعات والمشاة أمام القطاع الأوسط من الجبهة، بين يسود هامعالا وكعوش فقصفتها مدفعيتنا بشدة وأوقعت فيها خسائر فادحة.

- راديو دمشق أعلن أن سورية لن توقف القتال، وستواصل الحرب ضد إسرائيل وقال: "إن الحرب لا زالت في بدايتها، وسوف تستمر، والنصر لمن يصمد ولمن يرمي في المعركة كل يوم قوى جديدة.. إن أسلوب الحرب الصاعقة لفرض الهدنة لن يكتب له النجاح، وإن الغلبة في النهاية ستكون للحق العربي".

- بلاغ صدر عن السلطة العسكرية العليا في لبنان مساء هذا اليوم، قال: إن مواقع الجبهة العربية الشمالية في منطقة الجليل الأعلى توالي منذ الساعة العاشرة صباحاً قصف مستعمرة هاغوشريم والمستعمرات المحيطة بها. وقال

البلاغ: إن العدو يقوم بغارات متواصلة محاولاً إسكات هذه المواقع إلا أن المدفعية اللبنانية والسورية المضادة للطائرات تصدت لها وجعلت طائرات العدو تفر بعد إخفاقها في تحقيق أهدافها. وأضاف البيان يقول: إن المدفعية السورية تواصل قصفها بقوة، محرقة هذه المستعمرات بنيرانها.

- متحدث رسمي إسرائيلي أعلن في مؤتمر صحفي وفي معرض حديثه عن أوضاع القوات الإسرائيلية مقابل القوات العربية "... أما على الجبهة السورية فإن معظم القوات السورية تنسحب الآن باتجاه دمشق، ويواصل الطيران الإسرائيلي قصف القوات المنسحبة حسب تقارير إسرائيلية غير رسمية.

أما التقارير الرسمية فقالت إن المدفعية السورية واصلت قصف المستعمرات الإسرائيلية في سهل الحولة اليوم. وقد نفى الناطق الإسرائيلي أن تكون القوات الإسرائيلية قد دخلت الأراضي السورية.

- أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل قال أن القتال سيستمر إلى أن يحذو العراق وسورية حذو الأردن و ج.ع.م في الموافقة على وقف إطلاق النار. وأبلغ إيبان المجلس(48) أن إسرائيل لا تزال مشتركة في قتال عنيف مع القوات السورية.


الجمعة 9 حزيران 1969

راديو دمشق أذاع في الساعة الرابعة والدقيقة العشرين بعد الظهر بالتوقيت المحلي(49)، أن سورية وافقت على وقف إطلاق النار شريطة التزام الجانب الآخر بوقف القتال. وقال: "إن الجمهورية العربية السورية، تقديراً منها للظرف الراهن أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة أنها قررت قبول دعوة مجلس الأمن إلى وقف إطلاق النار شريطة التزام الجانب الآخر بوقف إطلاق النار"(50).

وأذاعت القيادة العسكرية السورية البلاغات التالية:

1- بالرغم من أن قواتنا توقفت عن إطلاق النار حسب قرار مجلس الأمن، فقد بدأ العدو في الساعة 9،15 من صباح يوم السبت يشن هجوماً على مواقعنا الأمامية مستخدماً نيران المدفعية والدبابات، وكذلك قامت عدة تشكيلات معادية باختراق الأجواء السورية وقصفت مواقعنا في الجبهة ولكن قواتنا الباسلة تصدت للعدو وأسقطت طائرة ميراج معادية في الداخل وتقوم الآن قواتنا الصامدة بالرد على هجوم العدو بنيران غزيرة تقصف مستعمراته وتجمعاته.

2- القوات السورية دمرت طابورين للعدو عندما حاولا التقدم تجاه المواقع السورية، الطابور الأول حاول التقدم من موقع أم جنزير تجاه البحر(51) إلا أنه دمر. أما الطابور الثاني فقد حاول التقدم من تل قصر (بيت كاتسير) تجاه الناصرية (التوافيق) إلا أنه دمر أيضاً، وقامت المدفعية السورية بضرب مواقع مدفعية العدو.

3- القوات السورية دمرت طلائع العدو و9 دبابات شمال الجبهة. كما دمرت كافة دبابات العدو التي حاولت التسرب في القطاع الأوسط. وقد أسقطنا طائرة للعدو في بحيرة طبرية. ويقاتل جنودنا ببسالة خارقة ومعنويات عالية.

4- القوات السورية دمرت 13 دبابة للعدو شمال الجبهة، وأسقطت طائرة ثالثة فوق منطقة الكسوة.

5- الساعة 4،30(52)- إن القتال ما زال مستمراً على الخطوط الأمامية وأن القوات السورية تقاتل ببسالة نادرة وتكيل للعدو ضربات قاسية وتلحق به خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

6- الساعة 5،10 –المدفعية السورية أسقطت طائرة للعدو حاولت التحليق في سماء دمشق.

7- تعرضت مدينة اللاذقية لغارات إسرائيلية جوية وقد ردت طائرات العدو على أعقابها.

8- تعرضت بعض المدن السورية لغارات جوية إسرائيلية واسعة النطاق يتراوح عددها بين 600،550 غارة. وتكشف هذه الغارات الأبعاد الكاملة للعدوان الاستعماري –الصهيوني بغية النيل من معنويات الشعب السوري ولكن النصر يكون دائماً في النهاية للشعوب.

9- على الرغم من تقيد سورية بقرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار، فإن العدو استمر منذ الصباح في شن هجمات بالمدفعية والدبابات ولكن القوات السورية تصدت له وكبدته خسائر فادحة وأوقفت تقدمه. وفي القطاع الشمالي من الجبهة تسللت قوات معادية من الدبابات فنشبت معركة شديدة وضارية(53) وعززت قواتنا بوحدات مدرعة ودبابات(54) وقد تمكنت قواتنا من احتلال مواقع دفاعية في القطاع الشمالي(55). وعلى الرغم من كثافة التغطية الجوية لقوات العدو الإسرائيلي فقد أسقطت قواتنا أربع طائرات معادية في الجبهة
 
التعديل الأخير:

الدكتور نور الأتاسي رئيس الجمهورية السورية وجه نداءً عبر اذاعة دمشق:. إننا نواجه اليوم أكبر مؤامرة دنيئة خسيسة في العالم الحديث، وأن الخطة تستهدف بعد كل المؤامرات المتلاحقة إلغاء مكاسب شعبنا مرة واحدة وإعادة وطننا إلى منطقة النفوذ الاستعماري الجائر على غرار القرن التاسع عشر...
.... وكما يكافح شعب فيتنام وكما كافح الجزائريون، سنحول الدنيا إلى جحيم الغزاة وسننتصر(56)".

(انظر النص كاملاً في اليوميات الفلسطينية، المجلدان الرابع والخامس من 1/7/66 إلى 30/6/67).

- القيادتان القطرية والقومية لحزب البعث، قررتا الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين (كيما تتيح لهم جميعاً أن يسهموا في شرف الدفاع عن وطنهم).

- راديو دمشق أذاع أن أحد الطيارين الإسرائيليين اللذين وقعا في يد العراق أمس، صرح بأنه أقلع مع عدد من الطيارين الإسرائيليين الآخرين في طائرة هيلوكوبتر إلى حاملة طائرات أمريكية حيث قادوا الطائرات منها مباشرة واتجهوا إلى سماء المعركة.

- إسرائيل أعلنت صباح اليوم أن قواتنا قد بدأت الهجوم على مواقع الجبهة السورية التي كانت تقصف المستعمرات الإسرائيلية في الجليل باستمرار في اليومين الماضيين.

وقال بيان إسرائيلي آخر ظهر اليوم إن الهجوم على الجبهة السورية لا زال مستمراً وإن المواقع السورية قامت بقصف المستعمرات في الجليل هذا الصباح. وقال البيان إن المواقع السورية على طول خط الجبهة قامت بقصف متواصل للأراضي الإسرائيلية.

وقال إن المدفعية السورية لم تهدأ في قصفها للمواقع الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، وقال أن بعض أهدافها كانت على مسافة بعيدة داخل إسرائيل كبلدة روشبينا وقريات شمونه وهاتسور.


وقال أن الطائرات السورية أغارت على مدينة طبريا وأن المشاة السوريين المدعومين بالمدفعية قاموا بعدة غارات على المستعمرات الإسرائيلية.

- مجلس الأمن الدولي عقد جلسة طارئة بطلب من سورية التي ناشدت المجلس وقف العدوان الإسرائيلي على أراضيها. وجاء في برقية من وزارة الخارجية السورية:"... إن العدوان الإسرائيلي استمر على الجبهة السورية، التي تتعرض حتى هذه اللحظات لغزو إسرائيلي شامل بجميع صنوف الأسلحة من دبابات ومدافع وطيارات". وقالت البرقية: "إن سورية تحمل مجلس الأمن والضمير العالمي، مسؤولية هذا العدوان المجرم".

- الدكتور جورج طعمة مندوب سوريا في مجلس الأمن:

"إنه ليس هناك من شك في أن هدف إسرائيل هو غزو شامل لسوريا، وفيما أنا أتكلم اليوم تقوم الطائرات الإسرائيلية دون تمييز بقصف الأهداف العسكرية والمدن والقرى والمدنيين. إن طوابير من الدروع الثقيلة تقضي على كل أثر للحياة والممتلكات ووحشية المعتدين تكاد لا توصف...".

أكد الدكتور جورج طعمة بعد 90 دقيقة من توجيه نداء مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، قبول سورية مجدداً بوقف إطلاق النار، ولكنه قال: "... إن القوات الإسرائيلية لا زالت مستمرة بالتقدم داخل أراضي بلاده على الرغم من القرار الجديد، وأن الطائرات الإسرائيلية هاجمت دمشق. وأضاف يقول: إنه علم بينما كان المجلس لا يزال مجتمعاً أن القوات الإسرائيلية دخلت الأراضي السورية وأنها تتجمع حول بلدة مسعدة (قيادة القطاع الشمالي).


السبت 10 حزيران 1967

- بلاغ صادر من راديو دمشق صباح اليوم: "بالرغم من تأكيد إسرائيل لمجلس الأمن الدولي أنها أوقفت القتال فإنها لم تنفذ ما تعهدت به وبدأت قوات العدو صباح اليوم الضرب بكثافة من الجو وبنيران المدفعية والدبابات وما زالت قواتنا تقاتل العدو بكل ضراوة في جميع الجبهات".

- الساعة 9،30 أعلن بلاغ عسكري:"أن القوات الإسرائيلية استولت على مدينة القنيطرة بعد قتال عنيف دار منذ الصباح الباكر في منطقة القنيطرة ضمن ظروف غير متكافئة، وكان العدو يغطي سماء المعركة بإمكانات لا تملكها غير دولة كبرى. وقد قذف العدو في المعركة بأعداد كبيرة من الدبابات واستولى على مدينة القنيطرة على الرغم من صمود جنودنا البواسل. إن الجيش لا يزال يخوض معركة قاسية للدفاع عن كل شبر من أرض الوطن كما أن وحدات لم تشترك في القتال بعد قد أخذت مراكزها".

راديو دمشق، يردد الشعارات الوطنية، ويدعو إلى الاستبسال، ويقول:"سنقضي على العدو بالسلاح العربي وحده، وبالسلاح العربي وحده ودون الاعتماد على طيران صديق سننتصر(58)".

- الساعة 12،05 صدر بلاغ عسكري يقول: "إن قتالاً عنيفاً لا يزال يدور داخل مدينة القنيطرة وعلى مشارفها".

وقال البلاغ: "إن القوات السورية ما زالت حتى الآن تقاتل داخل المدينة وعلى مشارفها جنباً إلى جنب مع قوات الجيش الشعبي بكل ضراوة وصمود بحيث لم يتمكن العدو من السيطرة الكاملة على مدينة القنيطرة(59)". وأضاف:"أن القوات السورية دمرت أعداداً كبيرة من دبابات العدو بالقنابل المحرقة".
الساعة 12،34 بلاغ عسكري أعلن إسقاط 3 طائرات للعدو فوق دمشق.
الساعة 14،02 بلاغ عسكري أعلن إسقاط طائرة معادية شمال غربي دمشق.
الساعة 19،50 أي بعد الموعد المحدد لوقف إطلاق النيران، كان راديو دمشق لا يزال يردد نداءات الصمود إلى الجنود السوريين.

ثم أعلن وزير الدفاع بعد ذلك بلاغاً أعلن أن طائرات إسرائيلية حاولت التسلل إلى سماء دمشق في الساعة 19،35 أي بعد الموعد المحدد لوقف إطلاق النار بـ(5) دقائق. وقال البلاغ: إن المدفعية المضادة تصدت لها وأسقطت اثنتين وقعتا في التلال الواقعة جنوب الكسوة على بعد 25 كيلومتراً من دمشق.

وقال البلاغ أيضاً: إن الطائرات الإسرائيلية التي حلقت فوق مدينة حماة ليلة الجمعة أسقطت منها طائرة في الساعة 7،55 وأنه عثر على حطامها قرب قرية الوراقة التي تبعد مسافة 2 كيلومتر عن مصياف.
وقال البلاغ: إن المدفعية المضادة للطائرات أسقطت الساعة 9،30 من الصباح أيضاً قاذفة قنابل من نوع فوتور سقطت في الجبهة قرب تل أبي الندى وقد أسر طيارها.

وقال:"وبهذا تكون مدفعيتنا المضادة للطائرات قد أسقطت اليوم 7 طائرات للعدو".

- تقارير من تل أبيب تقول إن القتال على الجبهة السورية يبدو قد انتهى.

ونفت مصادر إسرائيلية أي نية في التوجه نحو دمشق. وقالت: إن إسرائيل تنوي فقط احتلال تلال الجبهة السورية المحصنة والمزروعة بالمدفعية التي كانت موجهة نحو المستعمرات الإسرائيلية في سهل الجليل.

وقالت التقارير: إن المدفعية السورية كانت قد أحدثت خراباً كثيراً وفوضى هائلة في الأراضي الإسرائيلية في اليومين الماضيين.

أما عن القتال فقالت تقارير واردة إلى تل أبيب من الجبهة السورية أن القتال في هذه الجبهة كان الأكثر دموية في الحرب كلها.

وتقول التقارير: إن القوات الإسرائيلية تسيطر الآن على المرتفعات الهامة على الجبهة بعد أن دخلت مئات من المدرعات من نقطة في القسم الشمالي من الجبهة وهاجمت القوات السورية من الخلف(60) وكانت القاذفات الإسرائيلية قد حاولت إسكات المواقع السورية بدون جدوى(61) وبقيت هذه المواقع تقصف الأهداف داخل إسرائيل حتى صباح اليوم.

وتقول التقارير الواردة من الجبهة: إن إسرائيل استعملت عدداً كبيراً من الدبابات التي أسرتها من الجبهة الأردنية في هجومها على سورية.

وتقول التقارير: إن السوريين استعملوا ثلاثة ألوية على الجبهة بما فيها المدرعات والمدفعية.

- بيير لامبرت مراسل جريدة "صنداي تايمس" البريطانية الأسبوعية، قال: إنه كان في إحدى الدبابات الإسرائيلية التي هاجمت سورية، وأنه شاهد ستة من الأسرى العرب يقودهم الإسرائيليون... وقال المراسل: إن أحد الجنود الذين كانوا يحرسون الأسرى أبلغه "أننا أسرناهم في خندق، كانوا 12 رجلاً وحاربوا كالأسود، وقد قتلنا الستة الآخرين".

- مراسل جريدة "جيروزاليم بوست" الحربي، ذكر أن المواقع الأمامية في الجبهة السورية، التي اخترقتها إسرائيل، كانت تحميها وحدات من الحرس القومي(62)، بينما كانت وحدات الجيش تتمركز في المواقع الخلفية في منطقة أعلى من التلال". وقال المراسل: "إن السوريين أبدوا مقاومة عنيفة، وأنهم تخلوا بعد قصف عنيف من المدفعية والطائرات وهجوم بالمدرعات ذي ثلاثة رؤوس تساندها وحدات من المشاة آلية تتقدم من الجنوب".

- الدكتور جورج طعمة مندوب سوريا في مجلس الأمن أعلن "أن معركة عنيفة تدور "في هذه اللحظة" بين القوات السورية و "القوات المجرمة" القادمة من تل أبيب والتي تحاول الوصول إلى دمشق في أقرب وقت ممكن..".


- أوثانت أبلغ مجلس الأمن أنه تلقى رسالة أخرى من الجنرال أودبول جاء فيها أن رئيس لجنة الهدنة السورية –الإسرائيلية المشتركة قد أعلمه أن هجوماً جوياً على دمشق كان لا يزال مستمراً في الساعة 12،23 من ظهر اليوم بتوقيت دمشق.

- أوثانت أبلغ مجلس الأمن أن رئيس لجنة الهدنة السورية –الإسرائيلية المشتركة
أكد في الساعة 13،25 على حدوث هجوم جوي في الساعة 9،35 على منطقة مطار دمشق، وهجوم آخر إلى الجنوب من دمشق الساعة 10،55 وهجوم ثالث إلى الشمال والشمال الشرقي من دمشق في الساعة 11،19 وأن كل الضربات كانت موجهة إلى خارج دمشق.

- في ساعة متأخرة من ليلة 10-11/6/1967، عاد مجلس الأمن للاجتماع، وقد جاء في تقرير لأوثانت: "... أن فريق طليعة من المراقبين وصل مع ثلاثة ضباط ارتباط سوريين إلى سعسع الواقعة على بعد 40 كيلومتراً من القنيطرة(63) وهناك علموا أن القوات الإسرائيلية احتلت البلدة".


وجاء في التقرير، نقلاً عن تقرير الجنرال أودبول "... أن مما يزيد في الصعوبات، توغل القوات المسلحة لأحد الجانبين كثيراً في أراضي الجانب الآخر".

وذكر أوثانت أن مراقبي الأمم المتحدة شاهدوا في الساعة 7،47 من مساء اليوم، بتوقيت دمشق، (أي بعد 17 دقيقة من موعد وقف القتال)، طائرات مجهولة الهوية ذات أجنحة على شكل دلتا تهاجم دمشق.


ح- مرحلة بعد الحرب:
=====



الأحد 11 حزيران 1967

- وزير الدفاع السوري أصدر بلاغاً جاء فيه: "... خلال المعارك القاسية التي جرت بين قواتنا الباسلة وقوات العدوان الاستعماري الثلاثي، حاول العدو اختراق خطوط دفاعنا الأولى أكثر من مرة، بكل ما يملك من أسلحة وطيران متفوق، وكانت قواتنا تصد تلك الهجمات المتكررة وتقصف مواقع العدو منزلة بها الدمار"."... لقد قاتل جنودنا الأشاوس بضراوة نادرة، وصمدوا أمام تفوق العدو الآلي وغارات طيرانه الكثيف المتلاحق دون انقطاع الذي تأكد بشكل قاطع أنه لدول العدوان الثلاثي وليس لإسرائيل فقط".
"... لقد دافع جنودنا الأشاوس عن كل قطعة من أرض الوطن ببسالة منذ بدأ العدوان، ولكن القوى غير المتكافئة بيننا وبين العدو الثلاثي وخاصة الطيران الغزير(64)، مكن العدو من اختراق خط دفاعنا الأول في القطاع الشمالي في محاولة لتطويق قواتنا. ولقد قاومت قطعاتنا هذه الخطة بوعي وأحبطتها، ولم تمكن العدو من تنفيذ خطته, وقاتل جنودنا قوات العدوان الثلاثي المتفوقة ببسالة لم يشهد لها مثيل، وهم يتمركزون الآن في خط الدفاع الثاني متحفزين لاستعادة كل شبر من أرض الوطن(65).

- ناطق عسكري إسرائيلي قال اليوم إن القوات الإسرائيلية قد استولت على منطقة واسعة من الأراضي السورية خلف الجبهة.

- مجلس الأمن الدولي عقد اجتماعاً ليلياً بناء على دعوة مستعجلة من سورية التي قالت إن القوات الإسرائيلية لا زالت تتقدم في سورية.

- الدكتور جورج طعمة مندوب سورية قال: إن القوات الإسرائيلية تحركت إلى الشرق والجنوب من رافد (صوابها رفيد) وقال إن هدفها كان الاستيلاء على منابع اليرموك.

- نفت إسرائيل الشكوى وقالت إن تحركات الآليات تمت في نطاق خطوط وقف إطلاق النار وليس وراءها (لقد حددت إسرائيل خط وقف القتال على هواها).

- استمع المجلس إلى تقرير من الجنرال أودبول، جاء فيه "... أن دبابات إسرائيلية شوهدت تتحرك إلى الشرق ثم إلى الجنوب من قرية ال***دار التي تقع إلى الجنوب الغربي من رافد(رفيد).
وقال الجنرال أودبول أيضاً:"... إن إسرائيل قد أسرت عدداً من ضباط الاتصال السوريين، ولكنها قالت فيما بعد إن ستة من هؤلاء الأسرى قد أعيدوا إلى سورية".

أندرو ويلسون المراسل الحربي لجريدة "الأوبزرفر" كتب يصف الحرب، في مقال طويل جاء فيه: "... إن النصر الإسرائيلي كان النصر المخطط الأكثر دقة منذ اجتياح جنود هتلر لفرنسا عام 1940، وقال إن الإسرائيليين اعتمدوا في ذلك على أن القوات العربية ليست تحت قيادة موحدة، وأن الأحداث أكدت صحة هذا الاعتقاد".

وقال:"... وعلى الجبهة الشمالية مع سورية، تحققت نبوءة المخططين الإسرائيليين، وكانت عمليات القوات السورية محدودة جداً، فلم يقم السوريون بأية عمليات جدية، لمساعدة المصريين في الخروج من المأزق الذي وقعوا فيه، وانحصرت مساعيهم في هجومات محلية على مستعمرتي حدود إسرائيليتين".


الاثنين 12 حزيران 1967

- جريدة "الثورة السورية":".. كان يمكن أن تكون نتائج المعركة أعظم بكثير لو توافر تنسيق أوسع للاستراتيجية العربية ورافق ذلك توزيع أدق للقوات".


"... كان من المفروض أن تعمل في الصحراء قوى خفيفة وسريعة الحركة مهمتها الضرب والانسحاب، على أن يركز العمل الهجومي من الحدود الأردنية وتبقى المهمة الرئيسية في الصحراء وعلى الجبهة السورية هي الدفاع وإشغال العدو".


"... أن الوطن العربي كله يجب أن يتحول إلى ثكنة مدربة بأقصى سرعة.."
"... أن القتال الذي دار في القنيطرة بين القوات السورية المعززة بقوات الجيش الشعبي وبين القوات الإسرائيلية، يفوق قتال ستالينجراد وبورسعيد"(66). ووصفت ذلك القتال جريدتا البعث والثورة، بأنه أشرف قتال عرفه التاريخ الحديث.


- إسرائيل منعت الدخول إلى منطقة المرتفعات السورية (الجولان) إلا بإذن خاص. وقال ناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن من يدخل المنطقة يعرض حياته للخطر لأنها زرعت بالألغام.


الثلاثاء 13 حزيران 1967

- جريدة الثورة السورية الناطقة بلسان الحكومة البعثية قالت:"... إن أهم نصر حصل عليه العرب في حربهم مع إسرائيل، هو تلك الاندفاعة الثورية التي امتدت من المحيط إلى الخليج"(67).


الأربعاء 14 حزيران 1967


- الدكتور نور الدين الأتاسي رئيس الدولة السورية، أذاع بياناً باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم دعا فيه إلى "... استئصال الوجود السياسي والاقتصادي لبريطانيا والولايات المتحدة والدول الأخرى التي ساندت إسرائيل في العالم العربي". وجاء في البيان: "... وقد استجابت سورية للقرار بعد وقف القتال في سيناء –يقصد قرار وقف إطلاق النيران –نتيجة لذات الظروف القاسية". وقال: "إنه اتضح بما لا يقبل الشك أن الطيران الأمريكي والبريطاني دخل المعركة مع الطيران الإسرائيلي ضد سورية".

البريجادير صموئيل إيال، رئيس دائرة أسرى الحرب في الجيش الإسرائيلي، قال: إن إسرائيل تأمل تبادل 5499 أسيراً عربياً مقابل 16 جندياً إسرائيلياً أسروا خلال الحرب الأخيرة.

وادعى أن في المعسكرات الإسرائيلية 4،500 أسير مصري و487 أردني و333 سوري بالإضافة إلى 179 من الأسرى الجرحى الذين يعالجون في المستشفيات الإسرائيلية. وادعى أيضاً أن بين الأسرى المصريين 300 ضابط بينهم تسعة برتبة جنرال. أما عن الأسرى الإسرائيليين فقال إن تسعة منهم في أيدي المصريين واثنان في كل من العراق وسورية والأردن وواحد في لبنان.


الاثنين 19 حزيران 1967

باتريك بروجان، مراسل جريدة "التايمس" البريطانية، زار مع مجموعة من الإسرائيليين مرتفعات الجولان السورية التي احتلتها إسرائيل وقال: إن الإسرائيليين تغلبوا على خطوط الدفاع السورية التي تبدو غير قابلة للاختراق، بالدوران حولها، وأخذها من الخلف، وقال إنهم استخدموا الطريق التي كان الجميع يظن أنه لا يمكن اجتيازها، وهي الوادي الضيق الذي يمر شرقاً من مستعمرة دان(68) الذي يمر فيه نهر بانياس وقال أن الوادي لم يكن محمياً إلا من قبل لواء واحد وقليل من المدفعية وقد اجتاحها الإسرائيليون خلال الليل ثم استولوا على مواقع المدفعية على مهل.


السبت 24 حزيران 1967


محمد الزعبي وزير الإعلام السوري، صرح في مؤتمر صحفي رفض سورية للصلح مع إسرائيل، وقال: "... إن سورية خسرت في المعركة 20 ضابطاً و125 جندياً. وقد جرح 98 ضابطاً و500 جندي بالإضافة إلى 300 جندي من المدنيين والعسكريين أصيبوا بحروق من قنابل النابالم.
وأضاف أن حوالي 45 ألف سوري نزحوا عن المنطقة المحتلة. أما عن الأسرى فقال إنه لا يمكن إحصاؤهم لأن إسرائيل ما زالت تعتقل المواطنين.
وقال إن الجيش السوري صمد ثلاثة أيام حين هاجمته إسرائيل، إلى أن صدرت له الأوامر بالانسحاب حين رأت القيادة أن خطة إسرائيل كانت تطويق قطعات الجيش السوري(69)".


الجمعة 30 حزيران 1967

البريجادير جنرال مردخاي هود، قائد سلاح الطيران الإسرائيلي، قال في حديث له عن أعمال الطيران الإسرائيلي ضد الطيران العربي:"... إن ثلثي سلاح الطيران السوري دمر خلال ساعة واحدة... وعندئذ انتقل الثلث الباقي إلى مطارات تقع خارج نطاق القتال".



لمحات متنوعة من صور الجريمة
===========

1- سبق أن أشرنا في فصل سابق إلى موضوع الملاغم... ولقد ثبت لدينا أن الملاغم هذه لم تنسف، ولو أنها نسفت لكان اليوم للجولان وضع آخر... لأن نسفها كفيل بإيقاف العدو عن التقدم ساعات طويلة.. قد تكون وقتها كافية ليستعيد القادة المخلصون أنفاسهم –إن وجدوا- ويستجمعوا قواهم، ويتخلصوا من عناصر الخيانة..ويسيطروا هم على قوات الجبهة.. فيديروا من جديد، قتالاً صحيحاً ضارياً... ربما كانت له آثار كبرى، في إحباط الصفقة المعقودة بين إسرائيل وحزب البعث... والتي بموجبها بيع الجولان للعدو.

2- بعد البطولات التي قام بها سدنة الأسلحة المضادة للطائرات... بدأت المأساة تمتد إليهم أيضاً، فبدأت الذخيرة تصل إليهم مطلية بالشحم، ولهذا أكبر الأثر في تأخير هذه الأسلحة عن تحقيق فعالياتها في الوقت المطلوب.. وذلك بسبب النقص الهائل في سدنة مستودعات الذخيرة، أو بسبب إهمال كبير ارتكبه قسم من إداريي وحدات المدفعية هذه... لأن واجب تنظيف الذخيرة من الشحم وإيصالها نظيفة صالحة إلى المدافع، هو من مسؤولية أجهزة الإدارة في هذه الوحدات.

3- في منطقة الجبهة، وفي القطاع الأوسط بين كفرنفاخ، والقنيطرة، توجد مستودعات ضخمة جداً للذخيرة من العيارات والأنواع المختلفة... محفورة في تل خنزير (المرتفع 977)... وهذه المستودعات مخصصة لتزويد وحدات القطاع الأوسط بكاملها وأية قطعات أخرى تلحق على القطاع.. باحتياجها من الذخيرة.

ولقد كان مشهد استلام الذخيرة من هذه المستودعات، من أسوأ صور الإهمال والفوضى... فلقد تزاحم مندوبو الوحدات لاستلام احتياجها من الذخائر... بينما لم يوجد في هذه المستودعات من المسؤولين عن التسليم سوى مساعدين(70) اثنين... وهذا ما سبب تأخيراً في وصول الذخيرة إلى المدفعية والمدفعية المضادة للطائرات.. كان له أثر كبير السوء في معنويات تلك الوحدات... وسرعة تدخلها ضد قوات العدو وطيرانه.

4- في ألوية الاحتياط، التي حشدت للزج بها في المعركة... والتي كلفت الهجوم على أحصن منطقة دفاعية في إسرائيل كلها، "منطقة الجليل، حتى صفد- الناصرة". في هذه الألوية كان أكثر من 90% من ضباط وحدات هذه الألوية، من غير المدربين مطلقاً على المهمات التي أوكلت إليهم..

فهناك ضباط احتياطون لم يدربوا على أكثر من قيادة فصيلة مشاة، عبئوا في وظائف رؤساء عمليات كتائب(71)، ورؤساء أقسام عمليات في قيادات الألوية. وهناك ضباط كلفوا قيادة وحدات الهاون أو المدفعية مع أن تدريبهم في كلية ضباط الاحتياط، كان على أعمال المشاة، أو كان منهم من درب –منذ عشر أو خمس عشرة سنة، على الهاون القديم –الإفرنسي- ثم جيء به ليقود قتال وحدات هاون أو مدفعية من النوع الروسي حديث الصنع. ومن الضباط من كلف قيادة وحدات المدفعية م/ط

5- لم تلجأ القيادة –رغم تهدد البلاد بالحرب- إلى إعلان التعبئة العامة، وخاضت الحرب –المسرحية- بقوات هزيلة مهلهلة... وباحتياط ضعيف غير مدرب وسيء التعبئة،..اعتمدت في تعبئته المقاييس الطائفية والطبقية. ووضعت هذه القوات في مقدمة الميدان.. بينما تركت الوحدات والعسكريين (الموثوقين)، والمأمون جانبهم، في داخل البلاد، لتبقى قوة ضاربة بيد الحزب، يضرب بها أي تحرك قد يصدر من الشعب، لإزاحته وتطهير الأرض من مفاسده....

ولو أجرينا مقارنة بسيطة في وقفة قصيرة... بين الحزب الحاكم في سوريا.. وحكام إسرائيل، لبدا لنا واضحاً... البون المخيف في مفهوم الغيرة على البلاد، وإعطاء أمنها المحل الأول.. قبل مصلحة وأمن الحزب أو الحاكم.
 
فعلى الرغم من العداوة المستعرة بين ليفي أشكول –رئيس وزراء إسرائيل تلك الأيام-، وبين موشى دايان وزير الدفاع فلقد كلف هذا الأخير، مهام وزارة الدفاع، وأعطي الصلاحيات الكاملة لقيادة الحرب ضد العرب..، أي وضع موشي دايان –وقت الحاجة إليه- في موضعه الذي منه يستطيع أن يقدم أفضل خدمة لدولته وشعبه.

أما الحزب البعث.. فقد أبعد –حتى أيام الحرب- أهل الاختصاص والخبرة، وأصحاب المصلحة الحقيقية في الحفاظ على تراب البلاد وصون أمنها، وشردوا ولوحقوا... وسجنوا، وحوكموا، وصدرت بحقهم أحكام شتى...
كل ذلك.. لصون أمن الحزب، وسلامة الحكام... على حساب أمن البلاد.. وسلامة أرضها وأهلها.

6- وأسوأ من ذلك.. ورغم دعوة الاحتياط بالشكل السيء الذي شرحناه.. ورغم وضعه مشلولاً في مواجهة عدو مدرب خير تدريب، ويملك أحدث وأفتك الأسلحة... رغم كل ذلك، فقد كانت القيادة الحزبية الحاكمة، تمارس أبشع صور عدم الثقة بهذا الشعب، والخوف من أبنائه، فلم توزع الأسلحة والذخائر على الألوية الاحتياط المكلفة تنفيذ الهجوم على إسرائيل... إلا قريباً من قواعد الانطلاق... في منطقة وادي حواء، وسنابر، والجمرك... أي قريباً من العدو (1-2) كيلومتراً وحين أصبحت تحت رحمة طيرانه وضمن مدى رماياته بالمدفعية –وحتى الهاون-.

وليت الأمر وقف عند هذا الحد... بل قامت قيادة الحزب "المناضل"، بتطويق هذه الألوية بواسطة كتائب الدبابات، الجاهزة للتدخل ضدها –لا ضد العدو-، خوفاً من تحرك مفاجئ، قد تقوم به هذه الألوية أو جزء منها لـ:"ضرب الثورة وإعادة حركة التاريخ إلى الوراء(72)".

ولما حان وقت تسلم العدو للأرض التي باعه إياها الحزب الحاكم... عادت كتائب الدبابات هذه.. لتحمي "الثورة" وتركت ألوية الاحتياط –فريسة سهلة- أمام العدو، فكانت إحدى صور الكارثة.


7- وحتى أوامر الانسحاب (المزعومة)... فلم تصدر بشكل رسمي، ولم تبلغ بصورتها العسكرية الصحيحة إلى الوحدات... وإنما تم إبلاغها بصورة هامسة إلى الضباط الحزبيين, من القادة الكبار للتوجه إلى دمشق، وحضور اجتماعات حزبية.. الذين ما عتموا أن أداروا ظهورهم إلى وحداتهم، وولوا دبرهم للعدو... واتخذوا وجهة الهروب إلى دمشق... ومنها إلى حمص.. لأن قيادة الحزب كانت قد عملت حسابها أن دمشق ستسقط بيد العدو الإسرائيلي.

وأما الوحدات... وخاصة الأمامية أو المعزولة، أو المطوقة..، فلم تبلغ شيئاً من أوامر الانسحاب هذه.. ومكث أكثرها في أماكنهم حتى جاء يوم الجمعة 9حزيران... فوجدوا أنفسهم وقد أصبحوا معزولين عن باقي الوحدات... وأخذت أجهزة الهاتف تمارس البكم القاتل... وشعر الذين بقوا حتى ذاك التاريخ.. أنهم قد أصبحوا مثل بقايا قافلة.. تخلى عنها قادتها وحادوها وأدلاؤها... بعد أن تسللوا ليلاً إلى واحات مجاورة... وتركوها مشتتة في مواجهة الإعصار المحرق.. فابتدأ الهروب الكبير... بالشكل الذي شرحناه.


8- والحديث عن الهجمات المعاكسة... حديث ذو شجون.. يجرح القلب، ويشحن النفس بالآلام المزمنة...

الهجوم المعاكس.. أو سلسلة الهجمات المعاكسة التي كان مقرراً تنفيذها، لسد الخرق، ورد العدو واستعادة السيطرة على الأرض.. تلك السلسلة من الأعمال التي سبق أن قررت ودربت عليها الوحدات.. سلسلة الهجمات المعاكسة تلك.. بقيت حلماً في مخيلة أمثالي من الذين يشكل الجيش والجولان جزءاً عزيزاً من حياتهم... وبقيت صوراً باهتة عن فرضيات رسمها قادة سابقون.. ولكنها لم تنفذ على الأرض حقائق حية تبرز حيوية هذا الشعب المعطلة.. وتشكل وفاء لدين كبير في عنق الجيش... يؤديه راضياً مختاراً... إلى الشعب الذي وثق به وضحى من أجله بلقمة العيش، وخبز اليوم.

الهجمات المعاكسة... تلك الأعمال القتالية التي تمثل أعنف صور الإصرار على الاحتفاظ بالأرض ورد المهاجم إلى حيث جاء غازياً غريباً..، لم ينفذ منها شيء.. وإليك يا أخي.. الخفايا الغريبة التي تتعلق بموضوعها.

إنك لو عدت معي إلى صفحات سابقة... لوجدت أنني قد شرحت أن من جملة ما تضمنته خطة عمليات الجبهة والجيش... سلسلة من الهجمات المعاكسة... تنفذها الوحدات ابتداء من سرايا النسق الثاني من كتائب النسق الأول، المحتلة للموضع الدفاعي الأول... ومروراً باحتياطات الألوية فاحتياطات قيادة الجبهة... وانتهاءً باحتياطي الجيش..

ولكن... هل نفذ منها شيء...

إن الحديث عن الهجمات المقررة على مستوى احتياطات كتائب النسق الأول، واحتياطات ألوية النسق الأول، هو ضرب من ضروب العبث، وإضاعة للوقت دون أية فائدة، فلقد بينا أن هذه القوات.. لم تقاتل مطلقاً... ولم تنفذ واجبها الأول في إجراء وإدارة القتال الدفاعي الثابت... بله تنفيذ ما سبق وكلفت به.. من تنفيذ الهجمات المعاكسة.. التي هي مرحلة من أكثر مراحل القتال تعرضاً للأخطار المختلفة... وفي مقدمتها، الالتحام حتى بالسلاح الأبيض.

مثل هذا القتال، تنفذه وحدات مدربة، ذات عقيدة تقاتل عنها، وتحمل إصراراً عنيداً على طرد العدو ومنعه من السيطرة على الأرض.. وتدمير قواه... وشل فعالياته.

إذن، فالألوية لم تقاتل، ولم تنفذ هجماتها المعاكسة المقررة. وأسوأ من ذلك... قيادة الجبهة.
إن أسئلة ضخمة... تتجمع الآن، لتطلق في وجه المجرمين الذين كانوا يقودون الجبهة.

- ماذا فعلت بالقوات التي سبق لها أن سحبتها من مواضع القتال المتقدمة... بحجة إخلاء الأرض لألوية الهجوم "على صفد"... ، لاحتلال قواعد انطلاقها؟

- ماذا فعلت قيادة الجبهة... هذه، بالألوية التي ألحقت على الجبهة.. وفي مقدمتها لواء السويداء... وكتائب الصواريخ... وكتائب المدفعية الطويلة /122/ مم، وكتائب الهندسة و... و... إلخ؟؟
- بل ماذا فعلت تلك القيادة.. بالوحدات التي هي أصلاً من ملاكها.. مثل كتائب مدفعية الهاوتزر(73) "122" مم وكتائب المدفعية الطويلة "122مم" ذات المدى الأقصى الذي يبلغ (21) كيلو متراً.. وكتائب الهاون 120مم وكتيبة الهندسة. وسرية قاذفات اللهب، وكتيبة المغاوير، و...إلخ؟؟.

إني لأجد من العبث.. محاولة الاستمرار في هذه التساؤلات.. لأن الجواب واضح مسبقاً.. إذ كيف يمكن لقيادة أن تمارس سيطرتها على تلك القوات الضخمة... في وقت تجد فيها كبار قادتها... قد ولوا دبرهم للعدو... وتركوا تلك الوحدات مشلولة عاجزة؟

... ويبقى الحديث عن قيادة الجيش، واحتياطي الجيش.

ولقد سبق أن بينت كذلك.. أن في خطة عمليات الجيش... وفيما يتعلق بالجولان.. هجمات معاكسة تنفذها مجموعة الألوية (29)، والتي تضم الألوية 72 المشاة المحمول، و18 المشاة، و90 الاحتياط، و70 المدرع، و37 المدفعية(74)، بمعاونة كتائب كثيرة من الهندسة، والمدرعات... والمدفعية، والإشارة... وقاذفات اللهب.. وبمعاونة الطيران.

مثل هذا الهجوم المعاكس.. سبق أن دربت عليه الوحدات أكثر من مرة... ووضعت فرضياته في صلب خطة عمليات الجيش الخاصة بالجولان... وكان يجب تنفيذه.

ولكن ما الذي حدث...؟

لست أدري إن كانت القيادة قد حشدت قوات مجموعة الألوية المذكورة، كلها أو قسماً منها، أو أكثر، ولكن الذي وصل إلى علمي يقيناً... أن اللواء السبعين المدرع(75)، كان قد حشد لهذه الغاية وتمركز في حرش بريقة –بير عجم قرب القنيطرة... في وضع الترقب لأداء واجباته.

وقبيل الاختراق الإسرائيلي للجبهة، الذي تم ظهر الجمعة 9 حزيران... وفي صباح يوم الجمعة المذكور نفسه أصدر (اللواء) أحمد سويداني.. أمره إلى شعبة العمليات بوجوب تحريك اللواء السبعين وكتائب المدفعية والصواريخ لتنفيذ الهجوم المعاكس باتجاه (القنيطرة- واسط- القلع).

ولكن رئيس شعبة العمليات... اللواء عواد باغ، عارض الأمر، وفند خطأه، وأوضح للسويداني أن تحريك اللواء في وضح النهار، وفي أحوال انعدام الحماية الجوية الصديقة لتحركه... وتحت سيطرة العدو الجوية التامة المطلقة... على سماء الحرب... إن تحريك هذا اللواء (وأية وحدات أخرى).. نهاراً، وبصورة مكشوفة... يشكل جريمة كبرى، يكون من نتائجها إحراق وتدمير هذه الوحدات تدميراً تاماً..

فتراجع السويداني عن أمره... وأخذ عواد باغ على عاتقه تنفيذ الهجوم المعاكس في أحوال قتالية أفضل.. ولذا... فقد أصدر أمره إلى قائد اللواء السبعين... (العقيد عزت جديد) وقادة كتائب المدفعية والصواريخ بوجوب التحرك ليلة 9-10 حزيران باتجاه (قنيطرة –واسط- القلع)، لتنفيذ الهجوم المعاكس وطرد العدو المتقدم داخل أرض الجبهة.

إلا أن العقيد المذكور.. رفض تنفيذ هذا الأمر بحجة أنه ليس له أن يتحرك بدون حماية جوية... عندها ناقشه اللواء عواد باغ بأبسط الأسس القتالية الفنية... وأفهمه أنه جاهل بأبسط قواعد واجبه.. وبين له أن تحركه ليلاً لا يشكل عليه أي خطر.. حتى إذا ما أتم احتلال خط الانتشار المقرر لإجراء الهجوم المعاكس (كل ذلك ليلاً)... وأصبح قريباً من وحدات العدو.. فإنه حين ينبلج الصبح، يستطيع تنفيذ الهجوم المعاكس، والالتحام مع العدو ثم مطاردته... وبذلك يكون قد أصبح في وضع يحميه من ضرب طيران العدو... لأن هذا الأخير لا يجرؤ على الضرب، لصعوبة تمييزه بين وحدات كل من الطرفين، ولارتفاع نسبة احتمال إصابته لوحداته ارتفاعاً كبيراً..

.... ولكن صوت العلم والحق والإخلاص الذي علا... أخمدته رياح التآمر والإجرام.. فلجأ العقيد المذكور إلى الاحتماء بوضعه الحزبي.. والتطاول على أفضل شخصية عسكرية بقيت في الجيش حتى اليوم... واتصل مع كل من صلاح جديد، وحافظ الأسد، وأعلمهما بما تم بينه وبين عواد باغ.. وأبلغهما مخاوفه من أن يحاول هذا الأخير إحالته أمام القضاء العسكري... فطمأناه... وبددا مخاوفه وضاعت الجريمة في زحمة الجرائم، التي تلاحقت بصورة تحبس الأنفاس.

ثم ماذا فعل اللواء السبعون؟...

تحرك في الليل نفسه... ولكن ليس في الاتجاه (قنيطرة –واسط) بل في الاتجاه (قنيطرة –دمشق)، وذلك لإنقاذ دباباته من التدمير بواسطة الطيران... لأن هذا اللواء، هو الوحيد الذي بقي في يد الحزب، أداة فعالة لإزهاق نفوس الأحرار من أبناء الشعب، ووصل إلى دمشق في الليل نفسه... وانتشر في بساتين الغوطة وحدائقها... يخرب المزروعات.. ويدمر المحاصيل.. كل ذلك من أجل "حماية الثورة".

وأما كتائب المدفعية الصاروخية... فقد دمرت، وفر سدنتها بعد القادة... وفقد الجيش أحد الأسلحة الفعالة، التي كانت إلى ما قبل لحظة تدميرها من خيرة الاحتياطات.. بيد القيادة العامة، تتدخل بها في أي اتجاه مهدد.



9- والاستطلاع... ذلك الفرع الهام من فروع العمل القتالي –والذي تتوقف على درجة إتقان عناصره لواجباتهم... وعلى دقة المعلومات التي يقدمها... نتائج المعارك، وبالتالي نتائج الحروب.
وعند الحديث عن الاستطلاع.. نجد أنفسنا مضطرين للعودة إلى الوراء.. عدة سنوات... لنكشف للقارئ، جانباً آخر من جوانب الجريمة التي ارتكبها حزب البعث، منذ قيام حركتهم التي أسميت /8 آذار/.

فمنذ قيام حركة آذار المذكورة، عين في وظيفة رئيس قسم الاستطلاع، لقيادة الجبهة، ضابط احتياطي برتبة ملازم أول(76) اسمه نشأت حبش.

ونشأت حبش هذا.. شاب (بعثي)، من قرية جباتا الخشب، وشقيق السيد مروان حبش، عضو القيادة القطرية الحاكمة في سوريا.

والاختصاص الأساسي لنشأت الحبش هذا... معلم مدرسة ابتدائية... ثم أتبع دورة كلية ضباط الاحتياط التي تؤهله لقيادة فصيلة مشاة... وسرح بعد انتهاء خدمته العسكرية.. ثم رفع إلى رتبة ملازم فملازم أول احتياط... واستدعي عقب الثامن من آذار، وسلم وظيفة رئيس قسم استطلاع الجبهة، واستمر في هذا العمل كل تلك المدة... حتى يوم تسليم الجبهة في /10 حزيران/ 1967.
وبعد هذا الاستطراد الذي كان لا بد منه... نعود إلى عمل الاستطلاع، خلال أيام الحرب...

فأما بالنسبة لأقسام استطلاع الألوية... فلم يظهر لها مطلق أثر... وضاع ضباطها وعناصرها في زحمة الفوضى والهرب والانسحابات الكيفية التي وقعت...

أما ما سبق وقرر، من خطط استطلاع، وردت في خطط عمليات الألوية (القطاعات)... فهذا حديث أحلام..، ورؤساء الاستطلاع المسؤولون، لم يكونوا يدرون عنها شيئاً... لأن خطط الاستطلاع هذه كانت قد حفظت في مصنفات الوثائق التي خلفها عهدا "الوحدة، والانفصال"..، بينما في عهد الثامن من آذار، لم يعد من ضرورة لمتابعة خطط الاستطلاع، وتحقيقها، وتدريب الوحدات عليها..
إن ذلك قد أصبح من آثار العقلية (الرجعية) السابقة. أما أهل الثامن من آذار.. فقد ارتفعوا فوق ذاك المستوى.. إلى مستوى كوهين.. وشركائه الذين كشفوا والذين لم يكشفوا بعد..

وأما الاستطلاع في الألوية الاحتياط، التي كلفت الهجوم... ثم الدفاع.. فلست أدري إن كان قد عين في قياداتها ضباط استطلاع.. ليقوموا بهذا الواجب أم لا.. وأغلب الظن أنه لم يعين لها أحد لهذه الوظائف.. وإن كان قد عين لها أحد، فهل يمكن أن يكون خيراً من نشأت حبش.. الذي عين رئيساً لاستطلاع أخطر وأكبر مجموعة قوات، تحمل أخطر وأكبر عبء في البلاد؟؟

وأما سرايا استطلاع الألوية... فلم يك وضعها خيراً من وضع باقي القوات، سوى أنها كانت مزودة بناقلات للجند مدرعة (ب.ت. ر)، وكانت هذه الآليات صالحة لنقل سرايا الاستطلاع هذه إلى مناطق أمينة خارج حدود أرض القتال... ففرت مع الفارين، ولكن الطيران المعادي أدركها.. ودمر الآليات.. وأكمل الفارون زحفهم على الأقدام...

واستطلاع قيادة الجبهة... كان مشلولاً عاجزاً.. قدم سلسلة من التقارير المشوهة الضعيفة في مستوى صحة معلوماتها... وكان أبرز التقارير التي رفعها إلى القيادة.. تقرير كان تاريخه الجمعة 9حزيران ويفيد بأن العدو قد حشد في مواجهة القطاع الشمالي حوالي 60 دبابة(76) (لنا عودة لهذا الموضوع في صفحات قادمة).

أما المعلومات عن: (نوايا العدو –قطاع الخرق المحتمل – الاتجاه الرئيسي المحتمل للهجوم –كثافة(77) قوات العدو –مناطق تجمعه... قاعدة انطلاقه... إلخ) هذه المعلومات التفصيلية الدقيقة، التي من صميم عمل وحدات الاستطلاع، الحصول عليها وتقديمها إلى القائد في الوقت المناسب... فلقد كانت أشياء يجهلها "الحبش" ذاك... ولا غرو... فهو لم يسمع بها كل حياته، فمن أين له أن يناقشها ويحصل عليها ثم يقدمها للقائد؟.

وحتى بعد إجراء القتال.. وحين بدأت قوات العدو تدخل أرضنا الطاهرة.. كان من أكبر الواجبات المستمرة على الاستطلاع، أن يحدد بصورة دائمة للقائد، خطوط التماس مع العدو.. وأعماله المستمرة، ثم الكشف عن نواياه للمراحل القادمة من القتال..

ولقد كانت القيادة العامة في دمشق جاهلة كل الجهل، كل ما يفيدها عن خطوط التماس مع العدو، وعن أعماله وكانت –وكأنها قيادة جيش آخر يقع في الصين مثلاً- تجهل كل شيء... عن الوضع القتالي القائم في الجبهة.. رغم تحرك بعض القادة إلى مراصدهم المتقدمة... ولكن ذلك لم يفد شيئاً، وبقيت قيادة الجيش في دمشق، تسمع أخبار تحركات العدو، من الإذاعة السورية(78).. كل ذلك بفضل ضباط الاستطلاع (النموذجيين).. أمثال: نشأت حبش في القنيطرة وسهيل الحسن في دمشق.


10- ولو عدت معي يا أخي إلى صفحات سابقة، لوجدت أنني كنت ذكرت أن من جملة ما ضمنته خطة العمليات، وضمن نطاق خطة الدفاع م/د، هو عمل قاذفات اللهب الثقيلة، ومفارز السدود المتحركة.

فماذا جرى يا ترى...

قاذفات اللهب الثقيلة، تركت في أرضها، واستلمها العدو جاهزة ليحولها إلى صدور أبنائنا، ولم توجد الأيدي التي كانت لديها القدرة على ضغط زنادها، لتقذف حمم النيران "النابالم" فتحرق وتدمر دبابات العدو... وخاصة في القطاعين الأوسط والجنوبي.

وأما مفارز السدود المتحركة (انظر شرحها في فصل الإعداد المسبق)، فلم تعمل أبداً... وتركت الآليات (ب.ت.ر) في أماكنها ملأى بالألغام الجاهزة، وهرب السائقون، وكان نصيب الآليات أن دمرت بطيران العدو.. أو بقيت سليمة حتى جاءت مفارز جمع الغنائم الإسرائيلية، وأخذتها في جملة ما غنمت من أسلاب.. تركها جيشنا "المظفر".


11- أما الوثائق.. فيا حسرتا على الجهود والأموال التي بذلت –مدة العشرين عاماً قبل النكبة- لتجهيزها وتحضيرها.. وضبط أفضل السبل لصيانة أمن القوات والأرض.. بواسطتها.

الوثائق... التي كنا نعتبر أن كل حرف تضمنته، -مهما بلغ من تفاهته وقلة شأنه- سر من أشد الأسرار احتياجاً للحفظ.. وكنا نعتبر أن محتوياتها، يجب أن يكون خفياً حتى على أفراد جيشنا، إلا المسؤولين عن تنفيذ ما نصت عليه، وفي حدود حاجتهم للتنفيذ فقط..

الوثائق.. التي تحرص عليها حتى المؤسسات غير العسكرية.. وتخفيها وتتكتم عليها وتعهد بصيانتها إلى أشد موظفيها أمانة وقدرة على الكتمان..

الوثائق.. التي هي من أخطر الأسلحة التي يمكن أن تقع بيد جيش محارب، يستعمله ضد عدوه في ميادين القتال.. ومجالات الحرب النفسية والسياسية..

الوثائق.. ويكفي اسمها.. ويكفي أن نعرف أنها تضمنت فيما تضمنته، خطط العمليات لكل من القيادة العامة، وقيادة الجبهة، والألوية وباقي الوحدات..

الوثائق.. التي حوت كل شيء عن الجبهة.. منذ تأسيسها وحتى يوم النكبة..

الوثائق التي تعاقب القادة المختلفون على ائتمانها كل شيء عن الجبهة.. (حياتها –تدريبها –تسليحها- تحصينها –خطة قتالها –خطة أمنها –مشاكلها اليومية والدائمة..) وكل ما يمكن أن يخطر ببال إنسان عن حياة جيش عاش فيها عشرين عاماً يستعد ليوم حرب مثل يوم العار الذي وقع في حزيران...

الوثائق.. التي نصت الأوامر أن على كل مسؤول لديه وثائق –مهما كان نوعها وحجمها- أن يقتني إلى جانبها زجاجة مليئة بالبنزين مع واسطة إشعال (كبريت أو قداحة جاهزة) لإتلافها عند الخطر..

الوثائق.. التي كتب على كل مكان احتوته.. وبالخط العريض المحاط باللون الأحمر، لإبرازه لكل عين:"يتلف عند تهديد المقر".





هذه الوثائق.. التي تعادل حياة الجيش كله.. ماذا جرى بها؟
=============

آ- إن الذي تأكد لدينا حتى كتابة هذه الصفحات.. أن مسؤولاً ما، من مستوى قيادات الكتائب فما فوق لم يفكر مطلقاً بإتلاف شيء منها.. وتركت في أرضها، غنيمة رائعة للعدو.. يستفيد منها أكثر مما أفادته أجهزة الجاسوسية التابعة له بمئات المرات..

ويمكننا أن نقول.. إن بعض القادة، حاول أن يحمل معه شيئاً من الوثائق الهامة.. التي اعتقد أن وقوعها بيد العدو يشكل أكبر خطر من وقوع سواها.. ولكن مثل هذا النوع من القادة، قليل جداً... وكان حمله مع هذه الوثائق لا يكاد يذكر، نظراً لضخامة التصنيف المتراكم في مراكز القيادات المختلفة(79).

ب- وأما الكثيرون من القادة الصغار.. وخاصة (ضباط الصف القدامى في الخدمة)، وفي المستويات العسكرية الصغرى (المتقدمة).. فلقد تمكن أكثرهم من إتلاف الوثائق التي في حيازته.. وخاصة في القطاعين، الأوسط والجنوبي.. وقطاع القنيطرة.. ولكن هذا الذي أتلف لا يشكل أكثر من إذن الجمل، بالنسبة لأكوام الوثائق (بمختلف درجاتها ومستوياتها، وبتنوع موضوعاتها..)، التي تركت في الجولان، في جملة ما ترك فيه للعدو، من سلاح وعتاد وذخائر ومؤن و... أرض هي أعز وأكرم من كل ما ضاع.

جـ- وأن الذي أكد لنا صحة هذه المعلومات.. هو ما وصل إلى علمنا من أناس كانت لهم صلة بالأسرى الذين عادوا إلى إسرائيل بعد الحرب.. فلقد أفاد هؤلاء الأسرى أن السلطات الإسرائيلية، عرضت عليهم أكداساً من الوثائق، التي كانت تعتبر من أشد الأسرار دقة وأهمية.. وكان الإسرائيليون يقولون لهم في كل مرة "هذه هي وثائقكم.. هذه هي خرائطكم.. هذه كانت نوايا قياداتكم المتعاقبة.. ها هي أمامنا.. موجودة في الوثائق والخرائط.. انظروا.. فنحن لسنا بحاجة إلى معلومات عنكم وعن جيشكم.. إننا نريد المعلومات عن الفدائيين.. والخبراء الروس فقط".

د- وهناك أمر آخر.. يؤكد صحة ما نروي.. وهو أكداس المقالات والتصريحات و"صور الخرائط والوثائق" التي ينشرها العدو في كتب متعاقبة وصحف ومجلات كثيرة، توزع بأكثر لغات العالم الحية، وتوزع في كل من أمريكا وأوروبا ودول المعسكر الشيوعي وعديد من بلدان آسيا (غير المسلمة) وعديد من بلدان أفريقية
 


وفي المناسبة هذه.. لا بد لي من استطراد بسيط، أرجو أن يحقق ما أرجوه.

... إن حقائق الحرب (المسرحية)، خفية عن أبناء هذه الأمة.. بتأثير أجهزة خفية.. منتشرة هنا وهناك من هذا الوطن.

ولذا فإنني أوجه نداءاً إلى المخلصين القادرين (أفراداً أو مؤسسات) أن يقوموا بتتبع هذه الأمور التي ينشرها العدو في العالم.. وجمعها ودراستها ومقارنتها وإطلاع أهل الاطلاع والخبرة عليها، ليصار إلى تمييز الحق منها، وإزهاق الباطل الكثير فيها.. ثم عرض تلك الحقائق على الأمة العربية والشعوب الإسلامية.. صوناً لها من الضياع.. والوقوع في شراك الدعايات الصهيونية وشركائها وأجرائها.. المضللة.




12- وأما المقاومة الشعبية.. ذلك الرديف الأكبر، والمعين الأوفر، الذي كان يجب أن يمد المقاومة الضارية بموج يتبعه موج من أعمال الضرب والكر والفر والهجوم والدفاع، حتى يعود الغازي إلى جحوره.. وتتطهر الأرض.

المقاومة الشعبية.. التي كثيراً ما تبجحنا في سنين مضت، كلاماً عن دورها، وأهميتها.. والإنجازات التي حققناها لها.. (من تسليح، وتدريب، وتهذيب ثقافي.. ورفع في مستوى الحياة الاجتماعي.. وتوعية وطنية صادقة.. وإقناع بوجوب البقاء في الأرض، والدفاع عنها بإصرار وعناد.. إلخ من تلك الجمل البراقة التي مزقت أجهزة الإعلام بها أسماعنا.. تطبيلاً وتزميراً لصالح عهود الحكم الاستبدادي المتعاقبة..).

المقاومة الشعبية التي ظن الناس –قبل النكبة- لكثرة ما سمعوا عن الاهتمام بها.. أنها ستكون خيراً من مقاومات الشعب الفيتنامي، أو خيراً من دفاع أهالي ستالينغراد..


المقاومة الشعبية تلك.. ماذا حل بها؟
===========


ماذا أصابها حتى انقلبت فجأة، وبين عشية وضحاها.. من (جيش شعبي)(80) قادر على حماية الثورة، ومستوعب لكل (الإطارات الثورية(81) المناضلة)، وقادر على تحقيق (صور من البطولة تعجز عنها جيوش الارتزاق(82).. إلى مجموعات من (النازحين(83).. تشردت في بقاع الله الواسعة.. تفتش عن مصادر للرزق الذي يقيم الأود، أو تقف صفوفاً يومية أو أسبوعية حتى ينالها ما خصص لها من تافه الزاد وضئيل المعونات؟؟

.. إننا سبق أن نوهنا عن نقاط الضعف والقوة التي تكمن في بنيان المقاومة الشعبية هذه.. وعن صور الاهتمام والإهمال التي أدركت شعب تلك المنطقة.. ولذا.. فلم يكن غريباً علينا، أن نسمع أبناء نزوح السكان.. وتخليهم عن واجب حماية الأرض، بعد أن تخلى عنه الجيش.. وتركهم وحدهم في مواجهة العدو المتفوق عليهم في كل شيء..


ولكن.. لا بد من توضيح جديد، لإحد وجوه الجريمة المحبوكة أدق حبك.. والتي نفذها حزب البعث الحاكم في سوريا.. منذ صباح الثامن من آذار 1963.

أ- الشيء الخطير في هذا الموضوع.. هو أن القيادة، قامت بتجريد رجال المقاومة الشعبية من أسلحتهم، وسحب كل ما كان بحوزة السكان من سلاح وذخائر.. وخاصة الأسلحة المتوسطة، كالرشاشات والهاونات المتوسطة والأسلحة الـ م/د، وباقي العتاد الخاص بالحرب، وتركت في أيدي مجموعات قليلة منهم، أعداداً من البنادق، وكميات محدودة من الذخيرة..للتضليل، وذر الرماد في العيون.

ب- وهناك شيء آخر، يتعلق بالمقاومة الشعبية ودورها الذي كان يجب أن تؤديه.. ولا يقل خطورة وأهمية عن الأمر السابق.. وهو أن قيادة حزب البعث العربي (العنصرية الطائفية).. كانت قد صنفت سكان تلك المنطقة (وكذا سكان سوريا كلها)، إلى مواطنين من فئات متعددة، وذلك حسب الترتيب التالي:

- السكان من أصل عربي، مواطنين من الفئة الأولى.
- السكان من أصل غير عربي (كردي، أو شركسي، أو تركماني، أو تركي..) مواطنين من الفئة الثانية. وكان هذا التصنيف، من أكبر الأسباب التي هدمت بناء المجتمع.. وهيأت البلاد لتقبل الهزيمة.




13- ومن الأمور المخزية التي كان لها دور كبير في تمزيق كرامة الجيش.. هو الدور السيء الذي كان لسلاح الإشارة.

فلقد صرح لي أحد القادة الذين كان لهم مكان في الحرب، أن أجهزة الإشارة كانت أيام الحرب غير صالحة للعمل بنسبة لا تقل عن (60-70%)، وذلك لأسباب فنية متعددة(84) أهمها أهمال الصيانة الدائمة للأجهزة وضعف المستوى التدريبي لسدنة الأجهزة، وتعيين كثيرين من الاحتياطيين، سدنة لأجهزة لم يروها كل حياتهم، وقد نتج عن ذلك أمور خطيرة نجملها بما يلي:

أ- فقد القادة سيطرتهم على وحداتهم بسبب فقدان الاتصالات.

ب- فقد الاتصال بين الوحدات المتجاورة، وكان من أهم نتائج ذلك، فقدان التعاون بين وحدات القتال.

جـ- استطاعت شبكات العدو الدخول على شبكات القوات السورية، وبذلك تمكنت من تحديد مواقع القوات والقيادات، ثم.. تدميرها، وكذلك استطاعت هذه الشبكات المعادية إيقاع الفوضى والبلبلة في صفوف القوات، وإعطاء القادة صوراً زائفة عن الوضع، مما سبب لهم عجزاً مطلقاً عن اتخاذ أي قرارات فعالة.



14- الشؤون الإدارية: كانت في أسوأ حال، وكان لها كبير الأثر في تدمير معنويات الوحدات، وشل فعالياتها، وفيما يلي نماذج من ذلك الإهمال المدمر:

- تركت القوات كلها بدون طعام مدة أربعة أيام متواصلة. ولنا عودة لموضوع الطعام خلال المناقشة.

- الماء كان مفقوداً خلال تلك المدة، والتزويد به بواسطة الآليات أو أية واسطة أخرى معدوماً، وشرب الجنود من كثير من برك الماء الآسنة.

- أكثر العربات توقفت على الطرقات لفقدان الوقود، فجاء الطيران ودمرها وهي واقفة في العراء، أهدافاً ثابتة.

- المواد الطبية.. كان حلماً من الأحلام أن يشم رائحتها أحد من الجنود، وخاصة في الأنساق الأولى، القريبة من حدود التماس مع العدو.

- وأما الذخيرة –وخاصة ذخيرة المدفعية م/ط- فلقد سبق أن أشرنا إلى انقطاعها أكثر من مرة عن الأسلحة، وقد اضطرت كثير من بطاريات المدفعية م/ط لنقل ذخيرتها على ظهر الدواب، التي استؤجرت من القرى لهذه الغاية بعد تدمير الآليات أو تعطلها.

- سيارات الإسعاف، دمرت بواسطة الطيران المعادي.. وكان الإخلاء(85) مفقوداً.. فتركت على الطرق وعلى جوانبها، الآليات والدبابات والأسلحة (المعطلة أو المدمرة، وحتى السليمة التي لم تصب بأذى) وإلى جانب ذلك، ترك الجريح، والقتيل والمبتور، والمحروق، والذي سقط إعياءً أو رعباً.. ذلك كله كان يعطي أرض الجولان –وخاصة قريباً من الطرق أو عليها-، وأكثر الطرق التي ازدحمت بذاك الحطام هي الطرق المؤدية إلى دمشق أو درعا أو إربد أو الأرض اللبنانية.
حدث ذلك كله في الوقت الذي كانت فيه مستودعات التموين المختلفة وخاصة في جباتا الخشب والحميدية، قد غصت بأنواع المؤونة المختلفة، ولكنها تركت للعدو ربحاً وفيراً.. دون أن تستفيد منه القوات، فتقوم بواجبها خير قيام.



15- ولقد بلغ من سوء حال القوات في تلك الأيام العصيبة وجهلها بالأرض التي تتحرك عليها –والتي سبق أن كلفت بالقتال عنها- أن حقول الألغام (حقولنا)، كانت مجهولة من القوات التي حشدت في الجولان، لدرجة أن وحدات كاملة (سرايا)، دخلت –خطأ- حقول الألغام (حقولنا)، ودفعت ثمناً لتلك الأخطاء، حياة عدد من أفرادها ومعنوياتها كلها، وروحها القتالية.. فكان لذلك دوره الكبير في تنفيذ المأساة التي خططت لوقوعها قوى الصهيونية، ونفذتها أجهزة حزب البعث.


16- ومن أكثر أسباب الألم للقلب والأسى للنفس.. الحديث عن أعمال التجسس والتخريب، التي قام بها عملاء العدو خلال تلك الأيام.

ولكن الحديث في هذا الموضوع، هو أيضاً من أكثر شعب الحديث حرجاً ودقة، لأنه يفتقر إلى معلومات دقيقة، وأدلة واضحة، ولذا فسنكتفي بالحديث عن بعض ما وقع، دون الدخول في التفاصيل التي تحتاج إلى أدلة وإيضاحات لا نملكها.

- فلقد لوحظ أن مقرات القيادة التعبوية في كل من القطاعات وفي القنيطرة، قد قصفت بالطيران المعادي قصفاً بلغ من الدقة والإحكام غايتهما.. مما يدل على أن إشارات قد وضعت فوق هذه المقرات، لتدل الطيران على أماكنها، أو أن المعلومات المسبقة قد وصلت لأيدي العدو، وحددت له أماكن تلك المقرات بالدقة الكاملة. وقد بلغ من دقة المعلومات لدى العدو أن الطيران لم يضرب سوى المواقع ومقرات القيادة الحقيقية، أما المواقع الهيكلية، ومقرات القيادة الخالية فلم يتعرض لها الطيران، وهذا وحده من أبلغ الأدلة على انتشار عملاء العدو وتغلغلهم المريع حتى استطاعوا الوصول إلى هذه الدقة.

- وكتيبة المدفعية الصاروخية لاحتياط الجيش:

ما إن تحركت لاحتلال مرابضها المقررة، لتقوم بالتمهيد للهجوم المعاكس (على مستوى الجيش)، حتى تناولها الطيران المعادي ودمرها.. وهذه الدقة في الهجوم على وحدة تتحرك.. بعد دقائق من تحركها، تدل بدقة متناهية على أن هناك من أعطى –في الوقت المناسب- للعدو، التوقيت المقرر للتحرك، فجاء تدخل الطيران المعادي حاسماً ودقيقاً.

- فوجئ كثير من الأسرى، وخاصة الضباط، بالسلطات الإسرائيلية، تعرض عليهم صوراً لمئات الضباط (سوريين ومصريين)، وتطلب منهم التعرف على أصحابها، وتزويدها بما يعلمونه عن كل منهم. ولقد لاحظ بعض الأسرى، أن على أكثر تلك الصور من وجهها الآخر، مطبوع ختم أحد المصورين المشهورين في القنيطرة(86).

ولهذه الصور قصة (تبدو الآن محزنة أكثر من أي وقت مضى)، وهي أن أسباب حصول ذاك المصور على العدد الأكبر من صور الضباط، هو ما يلي:

آ- أن ذاك المصور كان من أفضل المصورين في القنيطرة.

ب- كانت القيادة بين حين وآخر، تطلب من الضباط أن يرسل كل منهم –ضمن مهلة قصيرة جداً- عدداً من صوره، لوضعها في ملفاتهم، وخاصة في مناسبات الترفيع. ونظراً لقصر المهلة، كان يضطر القسم الأكبر من ضباط الجبهة لأن يؤمنوا تلك الصور المطلوبة بواسطة المصورين الموجودين في القنيطرة.

جـ- ولقد ثبت بعد الحرب، أن ذاك المصور كان من أكبر من يزود السلطات الإسرائيلية بمعلومات مختلفة، وفي مقدمتها صور العسكريين- خصوصاً الضباط- وما يعرفه عن كل منهم.

- ولقد برز للعيان خلال ليالي تلك الحرب، أن شهباً ضوئية كثيرة انطلقت من أماكن شتى، وخاصة الأماكن التي كانت فيها وحدات أو عتاد أو مجموعات آلية ذات أهمية.. وفي اليوم التالي يأتي الطيران إلى حيث انطلقت الشهب، ويحوم حومات عدة، ثم يحدد أهدافه ويضرب.

والذي نستطيع توضحيه حول هذا الموضوع، أن الشهب لم تكن تطلق –بيد الجواسيس- لتحديد الأماكن التي يجب ضربها- وإنما لإعلام العدو عن وجود أهداف له في هذه المنطقة –لأن تحديد هدف ما بدقة كافية، بواسطة الشهب الضوئية، أمر غير ممكن-، ثم يتم تحديد المكان بدقة كافية في النهار، بطرق مختلفة، وأهمها الطيران، الذي يحدد أهدافه- وخاصة في ظروف سيطرة جوية كاملة له- ثم يضرب.



17- خلال فترة حشد القوات في الجولان، "لخوض الحرب" كما يزعمون.. حشدت في منطقة وادي الرفيد كتيبة دبابات برمائية(87) (22دبابة)، وقد أعطيت هذه الكتيبة واجب الهجوم في الاتجاه (الرفيد –العال-الكرسي- جينوسار) وذلك في محاولة لتطويق القوات المعادية التي كان أكبر حشد لها شمالي بحيرة طبريا.

ولكن حين ألغيت خطة الهجوم (المزعومة)، وتحول الأمر إلى دفاع، تركت هذه الدبابات معطلة دون أن تعطى أي واجب...(ولعل القيادة قد نسيتها)، حتى كان يوم الهروب الكبير، وفر سدنتها والقادة مع الذين فروا من الجبهة، وتركت هدفاً ثميناً للعدو ليستولي عليها جاهزة سليمة، إلا أن بعض العسكريين، الذين آلمهم ترك هذه الكتيبة دون تدميرها، أعلنوا للقيادة تبرعهم بالتسلل للوصول إليها والعودة بها إلى دمشق قبل أن يتمكن العدو من اكتشاف أماكنها ويستولي عليها فرفضت القيادة ذلك، وتركت الكتيبة (البرمائية الثمينة) هدفاً من أثمن الأهداف التي مكنت قيادة حزب البعث
العدو الإسرائيلي من السيطرة عليه والفوز به.



18- وبعد احتلال الجولان.. وبعد انتهاء الحرب بفترة غير يسيرة.. قامت بعض الوحدات الفدائية بالتسلل إلى منطقة (جباتا الخشب)، بعد أن وصل إلى علمها أن المستودعات التي هناك، لا تزال سليمة ولم تصل إليها يد العدو، وأخذت تنقل ما قدرت عليه مما في تلك المستودعات، وكانت هذه فرصة عظيمة لهذه المنظمات للتزود بالكثير من السلاح والذخيرة.

ولكن ماذا جرى...

وصل إلى علم العقيد عبد الكريم الجندي "مدير مكتب الأمن القومي" نبأ فعل المنظمات هذه فأخذ يلاحق قادتها ويطاردهم ويضغط عليهم، حتى تمكن من معرفة الأماكن التي خبأوا فيها ما أخذوه، فصادره منهم، ولكن قادة المنظمات لم يسكتوا، فقابله بعضهم، وأفهمه أن عمله هذا مرفوض ومستهجن، وقال له "إننا نسرق السلاح من إسرائيل بعد أن تركه جيشكم لها ربحاً ثميناً سالماً من كل عطل، فهلا توجهت أجهزتكم إلى الذين تركوه للعدو بدلاً من ملاحقتكم لنا"؟

وكانت ردة الفعل –طبعاً- السجن والتعذيب للفدائيين الذين ناقشوه الحساب، والتهديد بالقتل لكل من تسول له نفسه إزعاج أمن السيدة "إسرائيل"، وإقلاق راحتها بعد أن ضمن لها خط وقف إطلاق النيران.. حدوداً جديدة.


19- وهذه صورة من الجريمة، أخرناها حتى أواخر المسلسل، رغم أن تاريخ وقوعها، كان في بداية الأحداث.. وهي قصة ترحيل العائلات، ونقل المتاع.

فأما عائلات العسكريين، وأثاث بيوت الضباط، فقد تم ترحيلها قبيل الحرب، وكلفت بهذه المهمة مئات الشاحنات العسكرية، في الوقت الذي كانت فيه الوحدات تعاني أزمة نقص خطرة في الشاحنات، لنقل القوات والأسلحة والتموين..

وبخصوص العائلات.. هناك أمر كنا نود لو أننا لا نذكره.. ولكنه يشكل سوءاً في أمانة الشرح لو أغفلناه.. وإخفاء عن القارئ لأبشع صورة من صور التمييز الطائفي لتهديم البنيان الاجتماعي للبلاد.. تمهيداً ليوم الهزيمة المتفق عليه.. فالعائلات التي رحلت (خوفاً عليها من أخطار الحرب).. هي عائلات العسكريين والموظفين أبناء الطائفة العلوية فقط، دون غيرها، وقد تم ترحيلها قبل وقوع الحرب بأسبوعين.

ولقد طالب بعضُ المخلصين، المحافظ السيد (عبد الحليم خدام(88)، بالعدل في معاملة كل الناس، والعمل على ترحيل كل العائلات.. فرفض بعناد متكبر وقح، وأنقذ عائلات العلويين من التشريد، علناً، وتحت سمع وبصر باقي السكان والعسكريين.. بل وأمر بالإعلان على المآذن وبواسطة مكبرات الصوت أن على السكان أن يصمدوا، وهدد كل من يغادر القنيطرة، أو ينقل منها شيئاً من متاعه، بالقتل علناً أمام جميع السكان ليكون عبرة لغيره.. فاضطر السكان المساكين للرضوخ.. وهم يرون بحسرة وحرقة...

وهكذا.. شاحنات الجيش، في ظل حزب البعث.. تنقل أثاث ومتاع العسكريين البعثيين، وتترك عتاد الجيش وسلاحه ووثائقه وحتى وحداته نهباً لطيران العدو.. وقواته الغازية!

ثم ترك السكان فيما بعد.. وخلال الحرب، تنزح، وتهجر قراها وبيوتها، على نحو يمزق القلوب حزناً.. حاولنا إبراز صورته في صفحات سابقة..


20- وحتى أموال البلدية، وفرع البنك (الحكومي) الوحيد في القنيطرة، تركت في أماكنها، ولم تنقل إلى دمشق، وقيل للعدو.. ها نحن سلمناك كل شيء.. كما اتفقنا.. حتى الأوراق والأموال والنقد.. و.. كل ما يحقق لك فائدة في الأرض التي قبضنا منك ثمنها..!




21- وكانت خاتمة الجرائم.. وأم الكبائر التي اجترحتها أيدي حزب البعث.. هو ذلك البلاغ المشؤوم الذي أعلن سقوط القنيطرة، قبل أن تسقط.

فما قصة ذلك البلاغ؟؟
============


إن الذي ثبت لدينا حتى الآن.. أن القوات الإسرائيلية لم تطأ أرض القنيطرة (رغم كل تلك المخازي والجرائم التي شرحناها) إلا بعد إعلان سقوطها بما لا يقل عن سبع عشرة ساعة.

فلقد تمكنت قوات العدو الإسرائيلي، من اختراق الجبهة السورية، يوم الجمعة، في 9 حزيران 1967، حوالي الظهر وكان الاختراق في قطاع واسط (قنبعة –القلع)، ومن القطاع الشمالي فيما بين تل العزيزيات وتل الأحمر، بقوة تعادل 2 لواء دبابات، معززين بالطيران والمدفعية وكتيبة الأقليات، ودون وجود قوات مشاة رئيسية مع قوات النسق الأول المهاجم.

ورغم كل ما أشرنا إليه من جرائم مدبرة، وخيانات مرتكبة، وهروب كبير في صفوف القوات المدافعة، فإن العدو –رغم قوته المخترقة –لم يستطع التقدم بحرية تامة، ولاقى من المقاومات الفردية ضراوة وشراسة وعنفاً في المقاومة، ما جعله يتقدم في حذر شديد، ويتوقف عند أول بادرة مقاومة تظهر في وجهه، حتى ولو كانت طلقة من بندقية..

ولقد أذيع البلاغ المجرم، يعلن سقوط القنيطرة، بينما كانت أقرب قوات متقدمة إليها تشتبك مع مقاومات بطولية فردية انبعثت من نقطة القلع وتل العزيزيات..

وكان للبلاغ المذكور.. فعل رصاصة الخلاص، فانهارت القوى المعنوية الجبارة التي أظهرت بطولات الرجال الأوفياء لأرضهم وبلدهم –وأؤكد أن ليس بينهم بعثي واحد- ودخل في روعهم أن مقاومتهم لم تعد تجدي، وبدأ يعتقد كل منهم –بفعل انقطاع الاتصالات وهروب القادة المسؤولين –أنه قد أصبح وحيداً يقاوم في جزيرة قد غمرتها الأمواج من كل ناحية، فقرروا الانسحاب آملين أن يلتحقوا بوحداتهم الكبرى، لمعاودة القتال.. ولكنهم ما عتموا أن غادروا مواقعهم.. حتى فوجئوا بالخيانة التي ارتكبت ضدهم وضد بلادهم.. ورأوا أن القنيطرة، ما زالت سليمة، وما زالت بيد قواتنا، وأن البلاغ الذي أعلن سقوطها كاذب مضلل، فأسقط في أيديهم.. وخاصة بعد أن رأوا ذلك المنظر القبيح، منظر الفرار الذي سمي انسحاباً.. زوراً وتضليلاً!

ولنا عودة لموضوع هذا البلاغ، خلال المناقشة المقبلة إن شاء الله.



22- وأسدل الستار على تلك المسرحية.. منذ يوم السبت 10 حزيران، وبعد إعلان سقوط القنيطرة –كذباً وبهتاناً- فغادر دمشق أعضاء الحكومة والحزب (بقيادته كلها)، والجيش (بجميع ضباطه البعثيين المجرمين).. وأخذت أرتال الآليات (عسكرية ومدنية)، تتتابع وتتدافع على طريق دمشق –حمص، حاملة في بطونها، النساء، والأطفال، والضباط، والقادة (المسوخ). و.. من رجال حزب البعث تاركين دمشق مفتوحة الأبواب، مكشوفة الصدر والظهر والجوانب.. نهباً لكل غاز.. وخلواً من كل حارس، وجالت السيارات تحمل مكبرات الصوت تثقل الأسماع بندائها المشؤوم.. "ممنوع التجول.. ممنوع التجول".. وذلك في صورة جديدة من صور التآمر، لتسليم دمشق إلى العدو الغازي.. دون مطلق مقاومة، حتى ولو كانت من طفل أو امرأة..

وفي الوقت نفسه، اهتبل بعض لصوص الحزب الفرصة، ونهبوا ما استطاعوا نهبه من أموال البنك المركزي في دمشق، بحجة أن نقل احتياطي الذهب واجب "قومي" لئلا يقع بيد العدو فتفلس الدولة.. ويا ليتها تفلس!


===




ماقاله وزير الدفاع + وزير الخارجية بعد الحرب:
--------

23- "إن المعركة لا تقاس نتائجها بعدد الكيلومترات التي خسرناها.. بل بأهدافها وما استطاعت أن تحقق فقد كان هدف إسرائيل، ليس احتلال بضعة كيلو مترات من سورية، بل إسقاط الحكم التقدمي فيها، وهذا ما لم يتم لها، ولذا يجب أن نعتبر أنفسنا الرابحين في هذه المعركة".


أحمد سويداني : قائد الجيش السوري قبل وخلال وبعد الحرب


=====



(("ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق، أو حتى حمص وحلب.. فهذه جميعاً أراض يمكن تعويضها، وأبنية يمكن إعادتها، أما إذا قضي على حزب البعث، فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية؟".

".. لا تنسوا أن الهدف الأول من الهجوم الإسرائيلي، هو إسقاط الحكم التقدمي في سورية، وكل من يطالب بتبديل حزب البعث، عميل لإسرائيل..".))))


ابراهيم ماخوس - وزير خارجية سورية 1967

=====


ألا لا رعى الله حكماً هؤلاء قادته، والمسؤولون فيه.

ولا رعى الله حزباً ساهم بتدمير الأمة أكثر مما دمرها أشد الناس عداوة لها "اليهود والذين أشركوا".

ولست أجد في كل ما ارتكب بحق هذه الأمة من جرائم.. ولا أرى في كل ما لحق بها من إهانات واحتقار لكرامتها وشرفها أوقع من هذه التصريحات تصدر عن مجرمين، باعوا الأرض وشعبها لأكثر الأعداء لؤماً.. ثم وقفوا.. يمنون على ذلك الشعب.. بأن من فضلهم وكرمهم عليه، أنهم استطاعوا أن يثبتوا في وجه العدو الذي ادعوا أنه لم يكن لهجومه من هدف.. إلا إزالتهم عن (الحكم والتحكم برقاب أبنائه ومقدراتهم..).

ولست أجد صورة أستطيع من خلالها إبراز لؤم الجريمة وسوءها، مثل هذه التصريحات وأمثالها.. أختتم بها هذه السلسلة من حلقات التآمر والإهمال والجريمة.. لتكون للقارئ فكرة واضحة عن الذي حدث في حرب حزيران.. تلك التي سموها حرباً، تجنياً على الحروب، وبهتاناً على الجيوش، وما هي والله إلا مسرحية متقنة الإخراج، حدد فيها لكل ممثل دوره، وكان فيها النظارة المخدوعون، هم جماهير الأمة المنكوبة، أمة العرب، والشعوب الإسلامية في كل مكان.

فالأرض التي سلمت للعدو، والجيوش التي دمرت، والخسائر الهائلة، التي لحقت بنا، من سلاح، وعتاد ومؤن، والجهود المضنية التي بذلت، والضحايا التي ذهبت، وكل ذلك، وغيره أكثر منه، من كرامة الأمة، وشرفها الذي لوث، وعقيدتها التي أهينت.. كل ذلك ليس له أهمية، ما دام الحكم التقدمي الثوري، ما زال قابعاً فوق رقاب الشعب، يسوقه إلى هاوية أخرى، الله وحده يعلم عمقها وخطورة انحدارها.

يا عجباً..!، فلم يبق في هذه الأمة أحرار، تهز ضمائرهم تلك الإهانات الوقحة؟
من كانت له عينان فلينظر.. ومن كانت له أذنان فليسمع.. ومن كان له قلب فليفقه.. وإلا فنحن كالأنعام، بل أضل سبيلاً.
 

ماذا قاله وزير الدفاع + وزير الخارجية بعد الحرب:
--------



23- "إن المعركة لا تقاس نتائجها بعدد الكيلومترات التي خسرناها.. بل بأهدافها وما استطاعت أن تحقق فقد كان هدف إسرائيل، ليس احتلال بضعة كيلو مترات من سورية، بل إسقاط الحكم التقدمي فيها، وهذا ما لم يتم لها، ولذا يجب أن نعتبر أنفسنا الرابحين في هذه المعركة".

أحمد سويداني : قائد الجيش السوري قبل وخلال وبعد الحرب​

=====



(("ليس مهماً أن يحتل العدو دمشق، أو حتى حمص وحلب.. فهذه جميعاً أراض يمكن تعويضها، وأبنية يمكن إعادتها، أما إذا قضي على حزب البعث، فكيف يمكن تعويضه وهو أمل الأمة العربية؟".

".. لا تنسوا أن الهدف الأول من الهجوم الإسرائيلي، هو إسقاط الحكم التقدمي في سورية، وكل من يطالب بتبديل حزب البعث، عميل لإسرائيل..".))))


ابراهيم ماخوس - وزير خارجية سورية 1967​
 
التعديل الأخير:

من أوجه الخيانة والتجسس لصالح العدو الصهيوني من قبل الضباط البعثيين
===


فلقد لوحظ أن مقرات القيادة التعبوية في كل من القطاعات وفي القنيطرة، قد قصفت بالطيران المعادي قصفاً بلغ من الدقة والإحكام غايتهما.. مما يدل على أن إشارات قد وضعت فوق هذه المقرات، لتدل الطيران على أماكنها، أو أن المعلومات المسبقة قد وصلت لأيدي العدو، وحددت له أماكن تلك المقرات بالدقة الكاملة. وقد بلغ من دقة المعلومات لدى العدو أن الطيران لم يضرب سوى المواقع ومقرات القيادة الحقيقية، أما المواقع الهيكلية، ومقرات القيادة الخالية فلم يتعرض لها الطيران، وهذا وحده من أبلغ الأدلة على انتشار عملاء العدو وتغلغلهم المريع حتى استطاعوا الوصول إلى هذه الدقة.

- وكتيبة المدفعية الصاروخية لاحتياط الجيش:

ما إن تحركت لاحتلال مرابضها المقررة، لتقوم بالتمهيد للهجوم المعاكس (على مستوى الجيش)، حتى تناولها الطيران المعادي ودمرها.. وهذه الدقة في الهجوم على وحدة تتحرك.. بعد دقائق من تحركها، تدل بدقة متناهية على أن هناك من أعطى –في الوقت المناسب- للعدو، التوقيت المقرر للتحرك، فجاء تدخل الطيران المعادي حاسماً ودقيقاً.

- فوجئ كثير من الأسرى، وخاصة الضباط، بالسلطات الإسرائيلية، تعرض عليهم صوراً لمئات الضباط (سوريين ومصريين)، وتطلب منهم التعرف على أصحابها، وتزويدها بما يعلمونه عن كل منهم. ولقد لاحظ بعض الأسرى، أن على أكثر تلك الصور من وجهها الآخر، مطبوع ختم أحد المصورين المشهورين في القنيطرة.

ولهذه الصور قصة (تبدو الآن محزنة أكثر من أي وقت مضى)، وهي أن أسباب حصول ذاك المصور على العدد الأكبر من صور الضباط، هو ما يلي:

آ- أن ذاك المصور كان من أفضل المصورين في القنيطرة.

ب- كانت القيادة بين حين وآخر، تطلب من الضباط أن يرسل كل منهم –ضمن مهلة قصيرة جداً- عدداً من صوره، لوضعها في ملفاتهم، وخاصة في مناسبات الترفيع. ونظراً لقصر المهلة، كان يضطر القسم الأكبر من ضباط الجبهة لأن يؤمنوا تلك الصور المطلوبة بواسطة المصورين الموجودين في القنيطرة.

جـ- ولقد ثبت بعد الحرب، أن ذاك المصور كان من أكبر من يزود السلطات الإسرائيلية بمعلومات مختلفة، وفي مقدمتها صور العسكريين- خصوصاً الضباط- وما يعرفه عن كل منهم.

- ولقد برز للعيان خلال ليالي تلك الحرب، أن شهباً ضوئية كثيرة انطلقت من أماكن شتى، وخاصة الأماكن التي كانت فيها وحدات أو عتاد أو مجموعات آلية ذات أهمية.. وفي اليوم التالي يأتي الطيران إلى حيث انطلقت الشهب، ويحوم حومات عدة، ثم يحدد أهدافه ويضرب.

والذي نستطيع توضحيه حول هذا الموضوع، أن الشهب لم تكن تطلق –بيد الجواسيس- لتحديد الأماكن التي يجب ضربها- وإنما لإعلام العدو عن وجود أهداف له في هذه المنطقة –لأن تحديد هدف ما بدقة كافية، بواسطة الشهب الضوئية، أمر غير ممكن-، ثم يتم تحديد المكان بدقة كافية في النهار، بطرق مختلفة، وأهمها الطيران، الذي يحدد أهدافه- وخاصة في ظروف سيطرة جوية كاملة له- ثم يضرب.
 

الجيش السوري يقع بحقل ألغام سورية نتيجه الجهل بأرض المعركة التي يتحرك عليها
===


ولقد بلغ من سوء حال القوات في تلك الأيام العصيبة وجهلها بالأرض التي تتحرك عليها –والتي سبق أن كلفت بالقتال عنها- أن حقول الألغام (حقولنا)، كانت مجهولة من القوات التي حشدت في الجولان، لدرجة أن وحدات كاملة (سرايا)، دخلت –خطأ- حقول الألغام (حقولنا)، ودفعت ثمناً لتلك الأخطاء، حياة عدد من أفرادها ومعنوياتها كلها، وروحها القتالية..

فكان لذلك دوره الكبير في تنفيذ المأساة التي خططت لوقوعها قوى الصهيونية، ونفذتها أجهزة حزب البعث.
 

سلاح الاشارة بالجيش مافي اشارة
====


ومن الأمور المخزية التي كان لها دور كبير في تمزيق كرامة الجيش.. هو الدور السيء الذي كان لسلاح الإشارة.

فلقد صرح لي أحد القادة الذين كان لهم مكان في الحرب، أن أجهزة الإشارة كانت أيام الحرب غير صالحة للعمل بنسبة لا تقل عن (60-70%)، وذلك لأسباب فنية متعددة أهمها :

-إهمال الصيانة الدائمة للأجهزة

- وضعف المستوى التدريبي لسدنة الأجهزة،

- تعيين كثيرين من الاحتياطيين، سدنة لأجهزة لم يروها كل حياتهم،


وقد نتج عن ذلك أمور خطيرة نجملها بما يلي:

أ- فقد القادة سيطرتهم على وحداتهم بسبب فقدان الاتصالات.

ب- فقد الاتصال بين الوحدات المتجاورة، وكان من أهم نتائج ذلك، فقدان التعاون بين وحدات القتال.

جـ- استطاعت شبكات العدو الدخول على شبكات القوات السورية، وبذلك تمكنت من تحديد مواقع القوات والقيادات، ثم.. تدميرها، وكذلك استطاعت هذه الشبكات المعادية إيقاع الفوضى والبلبلة في صفوف القوات، وإعطاء القادة صوراً زائفة عن الوضع، مما سبب لهم عجزاً مطلقاً عن اتخاذ أي قرارات فعالة.


توضيح: لست أدري إن كان ذاك متعمداً منذ ما قبل الحرب بمدة كافية لتعطل الأجهزة، أو بسبب انشغال الجيش كله في أمور السياسة والحكم، وإهماله لواجباته خلال حياته اليومية. وسواء أكان ذا أم ذاك.. فإن الجريمة وقعت.. وفي ظل، وتحت رعاية.. بل وبتنفيذ دقيق قام به حزب البعث.
 
التعديل الأخير:

تسليم كتيبة دبابات برمائية سورية بكاملها للصهاينة دون قتال ورفض استردادها
================


خلال فترة حشد القوات في الجولان، "لخوض الحرب" كما يزعمون.. حشدت في منطقة وادي الرفيد كتيبة دبابات برمائية(22دبابة) ، وتلك من أحدث الدبابات التي وصلت إلى الجيش أنذاك، ومن مميزاتها قادرة على خوض مساحات واسعة من المياه (مستنقعات، بحيرات، أنهار عريضة).

وقد أعطيت هذه الكتيبة واجب الهجوم في الاتجاه (الرفيد –العال-الكرسي- جينوسار) وذلك في محاولة لتطويق القوات المعادية التي كان أكبر حشد لها شمالي بحيرة طبريا.

ولكن حين ألغيت خطة الهجوم (المزعومة)، وتحول الأمر إلى دفاع، تركت هذه الدبابات معطلة دون أن تعطى أي واجب...(ولعل القيادة قد نسيتها)، حتى كان يوم الهروب الكبير، وفر سدنتها والقادة مع الذين فروا من الجبهة، وتركت هدفاً ثميناً للعدو ليستولي عليها جاهزة سليمة،


رفض السماح للمتطوعين بالتسلل للدبابات والعودة بها لدمشق
===


لا أن بعض العسكريين، الذين آلمهم ترك هذه الكتيبة دون تدميرها، أعلنوا للقيادة تبرعهم بالتسلل للوصول إليها والعودة بها إلى دمشق قبل أن يتمكن العدو من اكتشاف أماكنها ويستولي عليها فرفضت القيادة ذلك، وتركت الكتيبة (البرمائية الثمينة) هدفاً من أثمن الأهداف التي مكنت قيادة حزب البعثالعدو الإسرائيلي من السيطرة عليه والفوز به.
 

منع قوات الفدائيين الفلسطينيين من تحرير مستودعات السلاح السورية في الجولان ومعاقبتهم
=====


وبعد احتلال الجولان.. وبعد انتهاء الحرب بفترة غير يسيرة.. قامت بعض الوحدات الفدائية الفلسطينية بالتسلل إلى منطقة (جباتا الخشب) في القنيطرة ، بعد أن وصل إلى علمها أن المستودعات التي هناك، لا تزال سليمة ولم تصل إليها يد العدو، وأخذت تنقل ما قدرت عليه مما في تلك المستودعات، وكانت هذه فرصة عظيمة لهذه المنظمات للتزود بالكثير من السلاح والذخيرة.

ولكن ماذا جرى...

وصل إلى علم العقيد عبد الكريم الجندي "مدير مكتب الأمن القومي - أعلى سلطة مخابراتية أنذاك" نبأ فعل المنظمات هذه فأخذ يلاحق قادتها ويطاردهم ويضغط عليهم، حتى تمكن من معرفة الأماكن التي خبأوا فيها ما أخذوه، فصادره منهم، ولكن قادة المنظمات لم يسكتوا، فقابله بعضهم، وأفهمه أن عمله هذا مرفوض ومستهجن، وقال له "إننا نسرق السلاح من إسرائيل بعد أن تركه جيشكم لها ربحاً ثميناً سالماً من كل عطل، فهلا توجهت أجهزتكم إلى الذين تركوه للعدو بدلاً من ملاحقتكم لنا"؟

وكانت ردة الفعل –طبعاً- السجن والتعذيب للفدائيين الذين ناقشوه الحساب، والتهديد بالقتل لكل من تسول له نفسه إزعاج أمن السيدة "إسرائيل"، وإقلاق راحتها بعد أن ضمن لها خط وقف إطلاق النيران.. حدوداً جديدة.

 

3-أعمال العدو.. خلال الحرب
================

نستطيع أن نؤكد، أن العدو لم يحارب على الجبهة السورية، ولم يدخلها ظافراً إثر قتال حقق فيه التفوق العسكري، أو أبرز فيه البطولة وحسن قيادة القتال، فتمكن من تحقيق ظفر.. يدعيه اليوم لنفسه.. وهو ليس له أهلاً.

إن القوات الإسرائيلية قد دخلت الأرض السورية حسب مخطط تآمري أعد مسبقاً ووضعت مقدماته ونتائجه في بعض السفارات، وأتم إكمال ملامحه وجوانبه في بعض العواصم الغربية.

فالعدو استطاع بدهائه ومغرياته أن يدفع حكام البلاد ليقوموا بتصفية الجيش.. وجعله غير قادر على خوض أية حرب.. وكان له ما أراد، وأكثر.

والعدو استطاع بوسائل الخداع والمكر والتآمر المختلفة، أن يضع الجماهير التي هي رديف الجيش، في حالة من التمزق والتشرذم وانحلال روح المقاومة.. بفضل ما فعل بها شركاؤه وجواسيسه.. خلال حكم حزب البعث العربي الاشتراكي.. وكانت الجماهير يوم الحرب كما خطط لها عدوها وشركاؤه.

والعدو حرص على عزل هذه الجماهير عن المشاركة الفعلية في حرب الحفاظ على الأرض والمقدسات.. فاستطاع عزلها.. وبقيت الجماهير طيلة الحرب.. قابعة في الدور والمقاهي.. مشدودة إلى "الترانزيستور".. تتابع أخبار الهزيمة.. وهي عاجزة كل العجز عن فعل الشيء.

هذه وغيرها كثير جداً.. كانت من الأمور التي خطط لها العدو قبل نكبة حزيران العار 1967، بأعوام طويلة.. واستطاع أن يجد من الشركاء من ينفذها له، بأكثر مما توقع، من حرصهم على خدمته وتسليمه ما يريد.

وهذا ليس مجال الحديث الآن.. فلقد أخذنا على عاتقنا الاهتمام بجانب القوات.. ما فعلت، وما فعل بها، وهذا بيت القصيد من شرحنا هذا.

ولذا.. فإن أعمال العدو.. القتالية.. كانت تافهة وتكاد لا تذكر نسبة إلى ما تقوم به القوات في حروب أخرى، يملك فيها المهاجم تصميماً على تحطيم خصمه، والفوز بأهدافه، ويتحلى فيها المدافع بعناد وإصرار على طرد المهاجم وإحباط آماله ومساعيه.. وبين هذا وذاك تبرز صور من الملاحم والبطولات بين أخذ ورد، تكون على مر الأيام صفحات متتالية في سفر التاريخ العسكري للشعوب.. كما تصبح في الوقت نفسه معيناً جديداً لخيال الشعراء والأدباء يصور كل منهم جانباً من بطولات شعبه.

... وبهذا، كانت حرب المسرحية يوم حزيران، خالية من عنصر الإثارة، ومقومات الحروب الناجحة.. ولم تعد كونها مؤامرة.. كبرى.. تكمن عناصر الإثارة في دقة حبكها.. ولؤم الذين نفذوها.


ولكن.. لا بد رغم ذلك من التعرض بشيء من الإيضاح، إلى الأعمال القتالية، التي قام بها العدو.


1- لقد كانت أبرز أعمال العدو، هي أعمال الطيران.
----------------


فالطيران الإسرائيلي.. الذي خلت له سماء الحرب، وغاب النسور من وجهه..، قام بتغطية الجبهة برمايات كثيفة منذ صباح الثلاثاء 6 حزيران، وحتى مساء السبت 10 حزيران، واستطاع أن يركز كل قواه وإمكاناته ضد هذه الجبهة.. وهو ضامن عجز الطيران السوري عن مجابهته.. فقام بطلعات جوية تكاد لا تحصى.. قصف فيها الجولان (التحصينات، والمنشآت، وتجمعات القوات، ومرابض الأسلحة، وتحركات الآليات والأرتال)، ودمر الطرق وقام بغارات متتالية على مطاري المزة والضمير وبعض المطارات (السرية) الأخرى. فدمر عدداً من الطائرات التي لم تستطع الفرار، وضرب المهابط والمستودعات وكانت له السيطرة الكاملة في الجو، حتى بدأ طياروه يقومون بأعمال للتسلية تخرج عن نطاق المهمات القتالية الجادة، وهم لا يخشون أن يزعجهم عصفور.

ولقد تميزت أعمال الطيران المعادي بنواح متعددة، نشرحها:

أولاً: ضد التحصينات والمنشآت، وخطوط الدفاع، استعمل الطيران القنابل المتفجرة الثقيلة من عيار (250، و500) كلغ بقصد تدميرها وإنهاء فعاليتها.

ثانياً: ضد الخنادق، وتجمعات القوات المكشوفة، والأرتال الآلية أو الراجلة، استعمل الطيران المدفعية الرشاشة من عيار 25 مم، وقذائف النابالم المحرقة، لإخراج الوحدات خارج القتال.

ثالثاً: ضد مرابض المدفعية، وتجمعات الدبابات والآليات المتنوعة، أو أرتالها، ركز الطيران نيران الصواريخ وقذائف النابالم والقذائف الموقوتة المتفجرة (المنثار).

رابعاً: تميزت أعمال الطيران الإسرائيلي ضد الأرتال الآلية المتحركة، بصفة لئيمة تدل على مبلغ حرص العدو على أن لا تفلت آلية واحدة من يده.

فلقد كانت الطائرات تحوم حومتها الأولى، لتحدد حجم الرتل المتحرك واتجاه سرعة حركته والفواصل بين الآليات والوحدات، ثم تعدو في حومتها الثانية، وتقوم بالانقضاض، مبتدئة برأس الرتل، حتى تأتي عليه، فتترك الآليات حطاماً تتصاعد منه ألسنة النيران يشوه احمرارها دخان متدرج السواد، وتترك الأفراد شبه قطيع هاجمته الذئاب، فتركته بين قتيل ومجروح وهائم على غير هدى.

خامساً: تميزت أعمال الطيران الإسرائيلي بسرعة التدخل، وكثافة الرمي، وقد بلغ ذلك مبلغاً لا يكاد يصدق، فعندما كانت تبدو لرتل أو مجموعة من العدو داخل أرضنا، مقاومة ما –على غرار ما حدث في حرش الجويزة-، يلجأ القادة إلى الاسنتجاد بالطيران، فتأتي وحداته وتحرق الأرض وتفلحها لكثرة ما تصب عليها من النيران، حتى يتم الاطمئنان في نفوس القادة الجبناء، المحميين بأرتال الدبابات، وأسراب الطائرات، فيتابعون حركتهم دون خوف من أي إزعاج.

سادساً: ومن أعمال الطيران الإسرائيلي ذات الأهمية، هي نقل سدنة الدبابات والأسلحة، لإلحاقهم بوحداتهم بعد إتمام الاختراق، على غرار الذي حصل عند الخرق من القطاع الشمالي، كما سنبينه بعد قليل.

سابعاً: ولقد ساهمت طائرات العدو مساهمة كبيرة من الحرب النفسية ضد القوات والسكان، فكانت طائرات الهليوكوبتر تحلق فوق رؤوس الهاربين، وتخاطبهم بالمكبرات، أن ألقوا أسلحتكم وانجوا بأنفسكم.. فنحن لا نريد إيذاءكم وإنما نريد تدمير العتاد الروسي..!

ثامناً: وكثيراً ما خفت طائرات العدو، وخاصة الهيلوكوبتر، لنجدة أفراد أو مجموعات صغيرة من العدو، حين تعرضها لمآزق خطرة، وذلك على غرار ما حدث للطيار الذي أسقطته إحدى كتائب جيش التحرير الفلسطيني في منطقة الرفيد.

تاسعاً: قامت الطائرات الإسرائيلية بأعمال الإخلاء، ونقلت الجرحى وجثث قتلاهم، ولقد كان من أبرز الجرحى السوريين الذين نقلتهم طائرات العدو، ضابط برتبة نقيب، بعد أن أصيب بشظية مزقت بطنه فنقلته الهيلوكوبتر، وعولج ثم أعيد بعد الحرب أثناء تبادل الأسرى.


2- أعمال القوات الأرضية:
--------------


أبرز أعمال هذه القوات، هو الخرق الذي حدث ظهر الجمعة 9 حزيران، من قطاع واسط، في اتجاه (القلع –القنيطرة) مروراً بواسط ومن القطاع الشمالي (تل العزيزيات –هضبة المغاوير- تل الأحمر).

ولقد قام العدو بحشد قواته للهجوم على الجبهة السورية، حسب المعدل الآتي:

- في مواجهة القطاع الشمالي قام العدو بحشد ثلاثة ألوية دبابات، هي التي قامت بالاختراق، من القطاع المذكور، معززة بكتيبة الأقليات.

- في مواجهة القطاع الأوسط، قام بحشد لواءين مدرعين، دخلت الأرض السورية بعد إعلان سقوط القنيطرة.

- في مواجهة القطاع الجنوبي، تم حشد لواء مدرع واحد، دخل الأرض السورية كذلك بعد إعلان سقوط القنيطرة.

ولقد تم الاختراق ظهر الجمعة 9 حزيران، من قطاع واسط (أضعف القطاعات)، وفيما بين كفر شامير وكفر سلط في اتجاه القلع ومن القطاع الشمالي كما بينا قبل قليل، وباتجاه زعورة – مسعدة.

وقامت قوات العدو بأخذ تشكيلات الأنساق المتتابعة، في كل نسق(89) سرية "13 دبابة" حتى إذا أتمت القوات المعادية، تنظيف ما في طريقها من مقاومات، واستطاعت السيطرة على نقطة (القلع)، وأصبحت على طريق مسعدة –واسط (انظر الخريطة) عادت فتجمعت الدبابات، وانقسمت صباح السبت إلى ثلاث مجموعات:

- الأولى: بقوة كتيبة دبابات (40 دبابة)، انطلقت في اتجاه: القلع –واسط –كفر نفاخ، لتطويق القطاع الأوسط، وقد اصطدمت بمقاومة ضارية في (تل شيبان)، عطلت تقدمها حتى أذيع بلاغ القنيطرة رغم استنجاد قائد الكتيبة بالطيران، الذي أنهك التل المذكور قصفاً بالنابالم والمدافع الرشاشة.

- والثانية: بقوة كتيبة دبابات أيضاً، انطلقت في اتجاه: القلع –سكيك –كريز الواوي- مسعدة لتقوم بتطويق القطاع الشمالي.

- والثالثة: هي باقي وحدات اللواء المدرع، مع قيادته، وقد ظلت في وضع الترقب، وقيادة قتال الكتيبتين، ومن ثم لمتابعة التقدم في الاتجاه الأكثر حظاً في النجاح.

هذه القوة بمجموعها، هي لواء مدرع واحد من الألوية الثلاثة، التي حشدت في القطاع الشمالي، وقد كان لواء المقدمة، وهو الذي حقق الاختراق (دون قتال يذكر، سوى المقاومات المحدودة التي نأتي على ذكرها في موضعها).

أما اللواء الثاني من هذه الألوية الثلاث، فلقد هاجم من قطاع بانياس، في اتجاه: بانياس –مسعدة، واستطاع التقدم دون صعوبات، حتى إذا ما وصل إلى مواجهة تل الفخار، اصطدم بمقاومة ضارية، استبسل رجالها في وجه عدو متفوق تفوقاً ساحقاً، وأدت واجبها كأحسن ما يكون الأداء.

وقد رافقت هذا اللواء في هجومه كتيبة الأقليات، وأتم هذا اللواء الوصول إلى مسعدة، بعد أن قضى على مقاومة تل الفخار وبمعونة الكتيبة التي طوقت القطاع الشمالي على محور القلع –مسعدة.

أما اللواء الثالث من مجموعة الألوية هذه، فقد أبقاه قائد المجموعة تحت تصرفه ليزج به في عمق الدفاع، لمتابعة تحقيق واجب اليوم لمجموعة الألوية هذه، والذي كان احتلال القنيطرة.

ولكن القيادة البعثية، وفرت على العدو كل تلك الجهود و (التضحيات) وسهلت له احتلال القنيطرة ببلاغ فاجر، استغرقت إذاعته أقل من دقيقة، فألغى جهود وتضحيات عشرين عاماً، وضيع إمكانات تفوق حدود التصور، بذلت خلال تلك الأعوام، استعداداً لساعة محنة كهذه.

أما الألوية الثلاثة التي حشدها العدو في مواجهة القطاعين الأوسط والجنوبي، فقد ظلت في وضع الانتظار، حتى حان موعد تنفيذ المؤامرة، وإذاعة البلاغ المشؤوم، وإخلاء الأرض من كل الإمكانات والقوى المحشودة فيها، فتقدمت لتقوم بنزهتها العسكرية، مستخدمة المحاور الآتية:

بستان الخوري –الجمرك- العليقة- القنيطرة
عين غيف- الكرسي- البطيحة- الجمرك- العليقة
عين غيف- الكرسي- سكوفيا- فيق –العال –الرفيد

وبهذا تم للعدو –حسبما اتفق عليه مع قيادة البعث-، إتمام احتلال الجولان، دونما جهود أو قتال حتى صدر قرار وقف إطلاق النيران.. وقبله الطرفان، بعد أن حققت القوات الإسرائيلية سيطرتها على الجولان بأكمله.. حتى الخط:

مجدل شمس- سحيتا- أوفانية –الحميدية- عين عيشة –الرفيد- جسر الرقاد –كفر الما- الحمة- مروراً بالسفح الشمالي الغربي لوادي الرقاد.

وشوهد رجال هيئة الرقابة الدولية، يقومون بتأكيد هذه الحدود الجديدة، صباح الأحد 11 حزيران بوضع أعلام خاصة على مسافات معينة، "لمنع" الطرفين من "اجتيازها"، أو تسجيل المخالفات على الذين يجتازون...!

3- ولقد لجأ العدو إلى أسلوب يدل على مدى خوفه من المقاومات الضارية التي قد تعترض سبيل قواته، -رغم الاتفاقات المسبقة مع قيادة حزب البعث، بتسهيل الطريق أمامه ، فقد ركب في كل دبابة –خلال الهجوم- سائقها ورامي مدفعها فقط- لتقليل الخسائر في الرجال- وأما باقي السدنة، فقد ألحقوا بوحداتهم بواسطة الطيران (الهليوكوبتر)، وذلك في سهل المنصورة، بعد إتمام الاختراق وبعد إذاعة بلاغ سقوط القنيطرة، وبعد أن اطمأن العدو إلى أن مقاومات ما لن تعترضه بفضل دقة حزب البعث في تنفيذ ما اتفق عليه معه.

4- لوحظ أن أفراد الجيش الإسرائيلي، كانوا يطلقون النيران بغزارة هائلة، لدى اشتباههم بأية حركة، حتى ولو كانت في حقيقتها صادرة عن ابن آوى أو كلب شارد، مما يدل على جبن هذا العدو، وحرصه على تغطية طريقة بكل الإمكانات النارية، وخوفه من عناد الإنسان العربي وبطولته، اللذين قد يظهران في وجهه فجأة، رغم كل الضمانات والاحتياطات التي قد حققتها للعدو، قيادة حزب البعث.

ولقد وصلت بعض الأنباء من الأسرى الذين عادوا بعد الحرب، تفيد أن كثيراً من العرب (ومنهم بعض العسكريين) الموجودين في إسرائيل، قد أبلغوهم أن القوات الإسرائيلية في خلال هجومها على الجولان، تعرضت أكثر من مرة لنفاد الذخيرة، واضطر قادة المجموعات المكلفة بالهجوم والاحتلال، إلى الاستنجاد وطلب الامداد بالذخيرة، فاضطرت القيادة الإسرائيلية إلى سحب كميات كبيرة من القوات التي رابطت في سيناء أو في الضفة الغربية لتلبية احتياجات القوات على الجبهة السورية، بعد أن أفرغت هذه الذخيرة، كميات هائلة من النيران، أمامها، لتضمن قدرتها على التقدم، رغم ندرة المقاومات التي اعترضت سبيلها.

5- ولقد ذكر قسم من أفراد كتيبة الأقليات "للأسرى"، أن قيادة الجيش الإسرائيلي لا تثق بهم، وقد صدرت إليهم (قبل الهجوم) أوامر بالانسحاب إلى صفد. ثم عادت القيادة تلك، وأبلغتهم أن المظليين قد احتلوا القنيطرة، وأمرتهم بالعودة للعمل نسقاً ثانياً للقوات التي احتلت الجولان.

ولما عادت الكتيبة تلك، لتنفيذ ذلك الأمر، وجدت أن القيادة قد خدعتها، وألفت نفسها وجهاً لوجه –في النسق الأول- في مواجهة المقاومات الضارية... ولم تعثر على أي أثر للمظليين المزعومين.

6- ولقد صرح بعض عناصر هذه الكتيبة (سراً) إلى بعض الأسرى، أنهم كانوا على استعداد لضرب القوات الإسرائيلية في مقتلها، لو أن الجولان صمد، ولكن أنباء الهزيمة والفرار والتآمر التي سمعوها وشاهدوا بأعينهم آثارها، أجبرتهم على السكوت على مضض، والاستمرار في التظاهر بالولاء لهذه القوات... انتظاراً لفرصة قادمة...!

7- وقد يكون مفيداً في هذا السرد أن نذكر أن شائعة نقلها الأسرى من إسرائيل، بعد عودتهم، كانت تتردد هناك على نطاق واسع –ولا ندري مقدار صحتها-، وتفيد تلك الشائعة أن (موشي دايان)، رفض إصدار الأوامر بالهجوم على الجبهة السورية، خوفاً من ضياع "الانتصار" الذي تم له في كل سيناء وضفة الأردن الغربية.

وتتابع الشائعة قولها أن رئيس الأركان الإسرائيلي يومذاك "الجنرال إسحق رابين" هو الذي أخذ على مسؤوليته إصدار أوامر الهجوم على الجولان.. وبذلك أصيبت سمعة موشي دايان العسكرية بلوثة لا زالت تفسد عليه نشوة السكرة التي وضعته فيها حرب المسرحية.

8- لم تثبت لدينا صحة الشائعات التي روجت عن أن العدو أسقط وحدات من المظليين في الرفيد أو سهل المنصورة.

9- ومما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن العدو تسلم الجولان دون قتال، هو روايات أكثر الذين شاهدوا الوحدات المعادية خلال تقدمها في الجولان، إذ كانت هذه الوحدات من الدبابات، تتقدم في تشكيلات السير، ودون ما حماية من المشاة، مما يؤكد اطمئنانها إلى خلو الطريق أمامها من مقاومات قد تعطلها
 

خسائر العدو الصهيوني ع الجبهة السورية
===================


لم أستطع الوقوف على رقم مقبول، أو تقدير معقول لخسائر العدو التي أصابته خلال دخوله الجولان، ولكني أستطيع الاستنتاج أن الخسائر عنده كانت قليلة، وأن أية خسائر مني بها إنما كانت من المقاومات الضارية في القلع، وتل العزيزيات، وتل الفخار، وتل شيبان، وحرش الجويزة، والرفيد، وقد كانت خسائره في الأرواح قليلة، أما خسائره في السلاح، والعتاد، فلقد كان مجموعها ما يقارب كتيبة دبابات، بسبب المقاومات التي ذكرت.


خسائر الجيش السوري على الجبهة السورية:
=====

ضخمة جداً.. وتفوق حدود التصور في قيمتها وهولها.

1- فأول الخسائر، هو كرامة الشعب، وروحه القتالية، وقدرته على الصمود، وشرفه الذي ديس ولوث.

2- وثاني الخسائر، هو الأرض الكريمة الغالية الحبيبة، بكل ما فيها من كنوز وثروات.

3- وفيما عدا ذلك، فقد كانت الخسائر على الشكل التالي:

- في الأرواح، لم يتجاوز عدد القتلى 250 قتيلاً، كما لم يتجاوز عدد الجرحى 300 جريح، بينهم عدد من الضباط ذكرنا بعضهم اسماً، وحوالي سبعة أطباء.

- وأما الأسلحة: فحدث ولا حرج، فالمدفعية دمرت بكاملها، والمدافع المضادة للدبابات والطائرات ذهبت كلها بين مدمر أو غنيمة أخذها العدو بعد أن تركتها القوات، والأسلحة الأخرى، تركت كلها في الأرض، في العراء، جمع العدو قسماً منها، وجمع الفدائيون قسماً آخر، وجمع المهربون قسماً ثالثاً وباعوه، وقسم رابع وضئيل لا يزال مطموراً أو ملقى على الأرض وقد أكله الصدأ.

والمدفعية الصاروخية أصبحت كتلاً من الحديد الأسود المحروق.

وقاذفات اللهب، تركت سالمة للعدو ليستعملها ضد قواتنا وآلياتنا.

والدبابات.. دمر عدد منها لا يقل بمجموعه عن كتيبتين (40-50 دبابة)، وغنم العدو كتيبة دبابات برمائية تركها الجيش في الرفيد.

وأما الآليات.. فوا حسرتا عليها.الآلاف منها دمر، ابتداءً من عربات الجيب... حتى الشاحنات الكبرى، مروراً بعربات الجند المدرعة.. مضافاً إليها عدد كبير من الشاحنات المدنية التي صادرتها السلطة لصالح الحرب، وأضف إلى ذلك، ما لا يقل عن ثلاثمائة صهريج بنزين، لا تقل قيمة الواحد منها عن 70 ألف ليرة سورية.

والطائرات.. دمر منها وأعطب عدد لم أستطع الوقوف عليه بدقة، وخربت مدارج الطائرات في كل من مطاري المزة، والضمير، وفي عدد من المطارات (السرية الأخرى).

وأخيراً.. المستودعات الهائلة الجبارة، بكل محتوياتها، من وقود، أو ذخيرة، أو مواد طبية أو أطعمة جافة أو ألبسة وتجهيزات ومفروشات..إلخ. ومن أبرز هذه المستودعات وأكثرها أهمية، هي مستودعات:تل خنزير، الحميدية، جباتا الخشب، حرش عين زيوان، بقعاتا، خسفين.






الفصل الثاني : الوجه المشرق
==================
==================


"... وقد وقع أثناء انسحاب اللواء المدرع السوري حادث طارئ كشف عن مدى الخسائر التي كان يمكن إلحاقها بالمدرعات الإسرائيلية لو قامت الدبابات السورية بالهجوم المعاكس.

لقد تعطلت إحدى الدبابات بالصدفة، بعد تعطيل جنزيرها وكانت هذه الدبابة في أواخر الرتل السوري المنسحب، ولم يكن أمام قائد الدبابة إلا أن يحارب، فأدار مدفعه إلى الخلف، واستطاع من مكانه، وخلال دقائق معدودة أن يدمر ست دبابات ويوقف تقدم الإسرائيليين، واستنجد العدو بالطائرات فدمرت الدبابة السورية الشجاعة بصاروخ جوي، ولولا ذلك لاستطاعت تدمير 15 دبابة إسرائيلية على الأقل قبل أن تصاب وتحترق..".

(من رواية لضابط لبناني شهد المعركة صباح 9 حزيران نشرتها مجلة الحوادث اللبنانية، العدد 604، تاريخ 7/6/1968).


-1-
وجوه ناصعة للبطولة
وقد يعتقد البعض أن هذا الشعب قد فقد كل مقومات الأصالة والبطولة فيه.. وذلك، بعد الاطلاع على المخازي والجرائم التي حاولنا في صفحات سابقة، إبراز بعضها، والذي لم نستطع الوقوف عليه، أكثر وأدق وأعمق أثراً وأبعد خطراً..

ولكن الأصالة والنبل.. والشجاعة والرجولة، الصادقة غير المفتعلة، قادرة على إبراز وجودها، ولفت الأنظار إليها، وتحقيق فعالياتها القادرة على إصابة الباطل بشروخ خطيرة، مهما علا واستكبر، ومهما كان زيفه محبوكاً ودقيقاً.. بحيث خيل إليه أنه قد قضى على كل بذرة من بذور الحق الوضاء، والنور الكامن في النفوس.. القادر على رفع رأسه فوق كل سحب الظلام المفتعلة.

فهل عدمت الجبهة، رغم كل ذلك اللؤم والباطل.. عناصر وقفت بإباء ورجولة تدفع عنها طغيان ذلك السيل من خيانات المجرمين، وأرتال العدو الغازي الغريب؟

أبداً.. وكما في كل لحظة يأس.. وكما في كل صولة باطل.. يقف الحق، ليبعث البطولة في صور متعددة الأشكال.. وصيغ مختلفة الأحجام، هذه منها بعض النماذج:

1- لقد كانت في مقدمة تلك البطولات، التي ستبقى أبد الدهر، مفخرة لهذا الشعب.. ورمز كرامة وعزة الجيش هي بطولات وحدات المدفعية م/ط.. التي عملت في أسوأ الشروط التي أتيحت لها.. وحققت أعظم مردود كان يمكن لوحدات أفضل منها تدريباً وإعداداً.. أن تحققه، وساهمت مساهمة كبيرة في الحد من خطورة وفعالية طائرات العدو.. بعد أن غاب من الجو نسورنا، وعزلوا عن الحرب، ومنعوا من أداء واجبهم، وتركوا طاقات معطلة تغلي.. وهم يرون طائرات العدو تمرح في سماء البلاد.. وما من نسور تتصدى لها.

فالمدفعية المضادة للطائرات.. رغم حداثة عهدها.. ورغم ضعف تدريبها.. ورغم أن أكثر سدنتها كانوا من الاحتياطيين، ورغم أن أكثر ضباطها كانوا من غير الاختصاصيين.. فقد كان لها دور بطولي رائع، واستطاعت أن تمنع الطائرات المغيرة من تحقيق إصابات فعالة.. فوق كل هدف دافعت عنه وحداتها، وعملت بدون كلل.. وحققت المدافع أكثر من المردود المطلوب منها في المعدل الزمني الواحد، حتى احمرت سبطانات الكثير من المدافع لكثرة ما رمت وتشوه بعض هذه السبطانات ولم يكن لدى السدنة وقت كاف لتركيب السبطانات الاحتياطية.. وعجز المذخرون عن حسن تلبية احتياجها، ووصلت إليهم الذخيرة مطلية بالشحم، ولكن ذلك لم يثن عزم الجميع، وقاموا بواجبهم خير قيام.


2- ومن روائع صور البطولة التي برزت، المقاومة الجبارة التي تصدت "للهجوم" المدرع الذي شنه العدو، وذلك حين اصطدم بنقطة استناد القلع.

دافع رجال هذا الموقع، كأفضل ما يمكن لرجال أن يدافعوا..

وكان القائد على رأس هذه القوة الصغيرة الرائد محمد سعيد يونس، واستطاعت هذه المقاومة الباسلة أن تحطم 36 دبابة، ولو نفذ الذي سبق أن قررته خطة العمليات، وقدمت لهذه المقاومة –وغيرها- الحماية والدعم، بالمدفعية والهجمات المعاكسة وكل أعمال القوات القتالية.. لتحطم الهجوم، وارتد المهاجمون، يلعقون جراحهم كالكلاب، ويلعنون قادتهم الذين زجوا بهم في وجه أولئك المردة من رجال الجيش السوري.

ولكن ما حيلة البطولة إن كانت وحيدة في وجه موجات متلاحقة من قوى الغزو الباغي؟.. وكيف يمكن للرجال الأشاوس أن يستمروا في ممارسة بطولاتهم.. ما دام قادتهم يمارسون مختلف صور الخيانة والغدر، بهم و بالبلاد ولقد استشهد الرائد البطل.. ومعه ضابط آخر..

فإلى هذا الرجل.. وكل الرجال الذين أدوا واجبهم.. سنؤدي واجب الشكر الآن.. وفي كل مناسبة ترجع فيها إلينا.. ذكرى صمودهم ... ومرارة الجريمة التي نفذت رغم إصرارهم على منع وقوعها..!


3- وليس للبطولة أن تقتصر على الضباط.. أو غيرهم من الرتب... فهي جوهر كريم.. قابع في كيان كل كريم.. يبرز باهراً الأبصار، متى أتيح له البروز.. سواء أكان صاحبه ضابطاً أم جندياً أم مدنياً.. فالبطولة والصمود، هما من نتاج الأصل الكريم.. والتربية البيتية الكريمة الأصيلة.. وليس للاختصاص أو الرتبة إلا تحديد مجال ظهورها، أو تحديد الحجم الذي يمكنه استيعابها.

ففي إحدى نقاط الدفاع، في تل شيبان.. قام مجند واحد.. نعم عسكري واحد، ومجند –من أبناء دير الزور- بتحطيم سبع دبابات للعدو.. وبماذا؟.. بسلاحه الفردي المضاد للدبابات، المسمى (القاذف ر.ب. ج).


4- وفي نقطة تل الفخار.. ذلك الموقع الذي ترك أثراً مريراً في قلوب القادة الإسرائيليين، طفحت به تصريحاتهم التي فاضلت على ألسنتهم أمام مراسلي الصحف الأجنبية المختلفة..

في ذلك الموقع.. صمد الرجال.. وليت كل الرجال مثلهم.. أدوا واجبهم بشرف ما فوقه شرف. وبروا بالقسم الذي سبق أن أدوه لأمتهم يوم ارتدوا لباس الجيش..

صمد الرجال.. بقيادة ضابطين، (النقيب نورس طه، وملازم أول لم يصل إلي اسمه)، وقاوموا بعناد لا نظير له.. ومنعوا قوات العدو المهاجمة من تخطي مجالات الرمي لأسلحتهم.. وقدمت هذه النقطة بفضل رجالها الأبرار.. أكرم وفاء لدين الأمة عليها.. ومات الرجال فيها، شهداء، أبراراً، كراماً، ولم يتم للعدو متابعة احتلال الأرض إلا على جثثهم.. وبعد نفاد ذخيرتهم, وانعزالهم وتطويقهم، وفقدان الاتصال بأي قائد مسؤول.. فأطبقوا جفونهم على ثرى الأرض الحبيبة، والأيدي مشدودة إلى الزنادات.. تشكو إلى الله، خيانة الذين أوقفوا رجالها عن متابعة الضرب.. حتى يرتد العدو الدخيل..


5- وفي سهل المنصورة، تصدى شابان من رجال المنصورة لرتل الدبابات المتقدم نحو القنيطرة، وأطلقا على عربة القائد، وعلى تجمعات القادة حوله، خلال إصداره أوامر التقدم لدخول القنيطرة.. فماذا كان؟

دب الذعر في صفوف الجبناء المتقدمين لاحتلال القنيطرة.. وتراجع رتل الدبابات الذي لا يقل عن 50 دبابة مسافة 3 كم إلى الوراء، واحتل الخط (باب الهوى- عين الحجل)، ثم انتشر بتشكيلة القتال، وأصدر قائد أوامر الهجوم.. (الأكاديمية وكأنه سيهاجم موقعاً حصيناً)، ثم تقدم مستعملاً كل طرق الحذر والترقب والاستعداد للتدخل، وقد شمل خط الفتح(91) المسافة الآتية: يميناً السفح الشمالي الشرقي لتل العرام (انظر الخريطة وهو شمال غرب تل أبي الندى)، ويساراً طريق الأوتوستراد الواصل ما بين المنصورة –الحميدية.. وتابعت قوات العدو زحفها بغاية البطء.. وقد حيرها صمت المقاومة التي انبعثت في وجهها فأجبرتها على التراجع.

ولما عادت وأشرفت على المنصورة.. طوقتها، وأخذ قائد الرتل يخاطب سكانها بمكبرات الصوت، ويطلب منهم الاستسلام.. ولما أعياه أن يجيب أحد، طلب أن يخرج إليه وفد من السكان.. فقابله بعضهم، وسأله عن القوات والجيش، فأخبره أن الجيش انسحب، ولم يبق في المنطقة أحد من القوات.

عندها سأله قائد الرتل الإسرائيلي عن المقاومة التي سببت له أن يتراجع عن تلك المسافة، فضحك المنصوري وأعلمه أن تلك كانت فورة حماس من شابين، حصلا على بندقيتين من أسلحة الجيش الفار، فأطلقا على الرتل الإسرائيلي وسببا له ذلك الذعر كله.

ولم تهدأ أنفاس القائد الغريب إلا حين اطمأن إلى أن ذينك الشابين قد تراجعا، وأن البلاد أصبحت خاوية على عروشها، ولم يبق فيها إلا من لم يستطع الفرار، أو الذين تشدهم الأرض إليها بارتباطات هي أعمق وأقوى من كل خطر.. حتى ولو كان خطر الاحتلال الصهيوني.. بلؤمه وخسته.

كان ذاك الحادث، في الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر السبت 10 حزيران.. وقد استغرق تراجع الرتل إلى خط الفتح عشر دقائق، بينما احتمل تقدمه (مجدداً) 5-6ساعات، اجتاز خلالها مسافة لا تزيد عن (3) كيلومترات في حدودها القصوى، وكان ذاك بعد إذاعة بلاغ سقوط القنيطرة من إذاعة حزب البعث.

وبلغ مجموع الخسائر التي ألحقتها بتلك القوة، رصاصات الشابين المذكورين ما لا يقل عن عشرة رجال بين قتيل وجريح.


6- في الساعة الرابعة من مساء الاثنين (بعد الظهر) 12 حزيران.. كانت تتقدم كتيبة دبابات إسرائيلية (40 دبابة)، على طريق (الرفيد –الجويزة –القنيطرة) وباتجاه القنيطرة.. وما إن وصلت مقدمة الرتل (سيارة القائد) إلى مشارف الحرش المحيطة بقرية (الجويزة)، حتى أصلته نيران المقاومة جحيماً أوقف الرتل بكامله، فتوقف، وانتشرت الدبابات واستنجد القائد بالطيران.. وجاءت طائرات (الهليوكوبتر) وفلحت أرض الحرش كله رشاشاتها.. حتى اطمأنت إلى إخماد المقاومة.. واستمر ذلك التوقف حتى صباح الثلاثاء 13 حزيران.. عندها عادت إلى قائد كتيبة الدبابات الإسرائيلية أنفاسه، وعاود التقدم لإكمال احتلال القنيطرة.

ولقد قام بعض الذين أعرفهم بسؤال النازحين من أبناء الجويزة، عن تلك المقاومة، التي عطلت إكمال احتلال القنيطرة مدة لا تقل عن 18 ساعة.. فعلموا أنه شاب من أبناء القرية، أطلق من إحدى البنادق التي وجدها كثيرة في الأرض (بنادق الجيش الهارب)، ولما نفدت الذخيرة التي كانت في البارودة، أكمل تراجعه باتجاه القنيطرة.. ثم دمشق..


7- وفي فترة الحرب، حشدت إحدى كتائب جيش التحرير الفلسطيني، في الرفيد، وقد تمكن بعض رجال هذه الكتيبة من إسقاط قاذفة إسرائيلية بأسلحتهم الفردية.. ولكن الطيار تخلى عن طائرته وسقط بالمظلة..

هرع بعض رجال الكتيبة لأسر الطيار.. فجاءت أربع طائرات مطاردة، وهاجمت الكتيبة، واضطرت الرجال إلى الاحتماء بالأرض تفادياً لنيرانها.. عندها استغلت تلك الفرصة طائرة هليوكوبتر للعدو، وأنقذت الطيار من الأسر أو القتل.


8- استطاع أحد ضباط الصف، من قوات المدفعية م/ط المتمركزة على (تل أبي الندى)، وهو المساعد عدنان الداغستاني قتل أحد الطيارين خلال هبوطه بمظلته، بعد إسقاط طائرته.. ثم استشهد المساعد فعليه رحمه الله ورضوانه..


9- وفي حرش الجويزة، كان واحد من الأبطال (مساعد لم يصل إلي اسمه) يعمل على مدفع مضاد للطائرات، استطاع إسقاط أربع طائرات ميستير بمدفعه وحده (عيار 5،14 مم رباعي السبطانات) ثم فاضت روحه الكريمة بعد أن هاجمته أربع طائرات ميراج بصواريخ النابالم فأحرقته ومدفعه.


10- ولا يفوتنا في حديثنا عن صور البطولة الرائعة التي برزت خلال تلك الأيام العصيبة، أن ننوه بالروح التي كانت من العسكريين المُسرَّحين. هؤلاء العسكريون، الذين سرحتهم سلطات حزب البعث، في نطاق خطتها التي اتفقت عليها مع الإسرائيليين، تمهيداً لوضع الجيش والشعب والبلاد كلها، في وضع صالح لتقبل الهزيمة.

العسكريون الذين لم ينج أكثرهم خلال حكم سلطة البعث، من العنت والأذى، تسريحاً ثم اتهاماً بالعمالة للأجنبي، أو مصادرة للأموال، أو ملاحقة وحرماناً من الراتب، أو سجناً وتعذيباً بلغ حدود التشويه في كثير من الحالات.. أو حكماً جائراً بالسجن أو بالنفي أو بالإعدام..

هؤلاء المسرحون... الذين دربهم الجيش ذخراً له لساعة من ساعات المحنة كالتي كانت يوم المسرحية التي أسموها حرباً..

هؤلاء العسكريون.. الذين أبعدوا عن حقل فعاليتهم الحقيقي، وعزلوا عن المشاركة في الحرب.. وحملوا فيما بعد –مع باقي فئات الشعب- أوزار الهزيمة التي لم يكن لهم فيها مطلق دور، ولم يسمح لهم بأي نشاط لمنعها أو وقفها عند حدود أقل مما كانت..

هؤلاء المسرحون.. لا لشيء، سوى أنهم رفضوا الموافقة على صفقة بيع الجولان، وتحدوا حزب البعث المجرم وحاولوا تنحيته لمنعه عن تأدية ذلك الدور الخطير..

رغم كل هذا وذاك.. لم ينسوا بلادهم وجيشهم وجولانهم الحبيب، يوم المحنة.. فتقدم أكثرهم إلى قيادة الجيش، واضعاً نفسه تحت تصرفها للدفاع عن البلاد، ولكن القيادة "شكرتهم" وطلبت منهم البقاء في بيوتهم.. وكأنهم من ذوات الخدور.

ولقد تنوعت صور البطولة خلال المحنة التي أنست هؤلاء كل جراحهم.. فجعلتهم يتقدمون للذود عن حياضهم.. رغم خيانة المجرمين.. أهل السلطة.

-فمنهم من تطوع في الدفاع المدني، للمساهمة في حماية المواطنين، والتخفيف من خسائر الحرب، وخاصة في المدن الكبيرة.

- ومنهم من التحق ببعض المنظمات الفدائية، للمساهمة في العمل على مؤخرات القوات الإسرائيلية، فيما إذا حاولت متابعة التوغل داخل البلاد.

- ومنهم من التحق بإحدى وحدات الاحتياط، طائعاً مختاراً.. وهؤلاء كانوا قلة، لأن التحاقهم يتوقف على موافقة القيادة، أولاً وأخيراً.. والقيادة لا ولن توافق إلا إذا اطمأنت إلى الذين يطلبون الالتحاق بالخدمة، بأنهم لن يعملوا ضدها.

- ومنهم من شكل –ببداهته- مجموعات للدفاع عن المدن، وخاصة دمشق، بعد أن هجرتها القوات والسلطات البعثية وتخلت عنها، وتركتها مفتوحة في وجه القوات الغازية.

- ومنهم من قابل بعض القادة المسؤولين في دمشق، وألحوا عليهم بوجوب تناسي الخلافات، ودعوة كل الضباط للخدمة في ذلك الظرف العصيب.. ولكنهم –هكذا أرى- كانوا يجهلون أنهم يطلبون الدفاع عن البلاد، من مجرمين يملكون كل التصميم والتخطيط المسبق لتسليمها إلى عدوها، مقابل ثمن بخس قبضوه، فاستحقوا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

- وحتى المشردين خارج البلاد، الملاحقين المحكومين كانوا يتحرقون ويتميزون غيظاً للقيام بواجبهم، فمن سبق منهم كان نصيبه السجن والمحاكمة، وكان من أبرز هؤلاء الأخوان (عبد الرحمن، وعلي السعدي)، ومنهم من اتصل بالقيادة العامة، وخاطبوا لضابط المناوب.. وقد سمى نفسه "الرائد شريف"، وأبلغوه أنهم يريدون العودة إلى البلاد، والدفاع عنها، فطلب منهم التريث، ثم عاود الاتصال معهم، وأبلغهم قرار القيادة برفض دخولهم إلى الأرض السورية، التي كانت – تلك القيادة تسلم منها جزءاً أغلى من حبة القلب إلى العدو الغريب الدخيل.



11- وفي ختام عرضنا لنماذج البطولة الصادقة، التي تأبى إلا أن تجد لها متنفساً في كل لحظة تطبق خلالها سوءات الجريمة، أو تحيق فيها الأخطار من كل جانب..

في ختام لحظات التسامي فوق مستوى الجريمة التي نفذها الفجار، وفي ساعة التجلي هذه، التي تبسط فيها البطولة أجنحتها فتظل المنكوبين، وتتسلل ذكرى الأبطال الذين أدوا ضريبة الرجولة.. فتلمس الجراح لمس الحنو المشبوب بالأمل في أن تعاود هذه الأمة الإنجاب..

في ختام هذا السرد الموجز، الذي استطعت الوقوف عليه من ملامح الأعمال البطولية التي أبرزت الوجه الحقيقي لهذه الأمة رغم ركام الخيانة والجريمة الهائل.

في هذا الختام.. الذي أراه مسك الختام لهذه الصفحات، لست أجد خيراً من المرور بإجلال واحترام، قريباً من ذكرى أخي الأبطال.. وكريم الرجال.. العقيد أركان حرب كمال مقصوصة، مبيناً حقيقة البطولة التي كلفته حياته.

ولم تبرز رجولة هذا الإنسان في ميدان الحرب، لأنه لم يرسل للحرب.. بل برزت في ميدان قولة الحق، الذي هو ميدان لصولات سادة الشهداء..

العقيد كمال مقصوصة ضابط من الذين عينوا في مراكز التجنيد، والذين تقع دعوة الاحتياط في حدود مسؤولياتهم.

ولقد استدعي إلى القيادة العامة (مبنى الأركان العامة في دمشق)، ليشهد اجتماعاً عقده الحزبيون.. ليقرروا سلسلة من الإجراءات والأعمال "للدفاع عن البلاد"، وذلك بعد سقوط القنيطرة، وبعد أن أصبحت دمشق مهددة بالغزو الإسرائيلي.

وفي خلال المناقشة، طالبوه بدعوة لواءي احتياط من أبناء (دمشق ، حمص، حماة، حلب). فاستغرب العقيد المذكور هذا الطلب.. ونبه القائد الذي يطالبه إلى أن دعوة الاحتياط لا يمكن أن تتم على أساس هذا التقسيم (أبناء المدن، ومن الطوائف غير العلوية)، وأن دعوة الاحتياط عادة تتم على أساس دعوة الألوية المعبأة سابقاً مثلاً (اللواء 90، اللواء 80، اللواء 60 احتياط.. إلخ).

أما دعوة الاحتياط، من أبناء مدن معينة، ومن أبناء طوائف معينة، واستثناء غيرهم من أبناء المناطق والطوائف الأخرى، فهذا أمر فريد من نوعه في تاريخ الجيش، ومستحيل التطبيق لأن أجهزة شعب التجنيد ومكاتب النفير، لا تملك الإحصاءات الجاهزة التي تمكنها من تنفيذ تلك الدعوة المريبة لبعض قوى الاحتياط.

عندها تصدى منطق التعصب والإجرام لمنطق الحق والإخلاص، فأصروا عليه أن ينفذ ما طلب منه وإلا.. ثم ألحقوه ببعض النعوت التي لا تليق بإنسان كريم..

... وجد العقيد المذكور – رحمه الله - أن الأمر مطبوخ مسبقاً، وأن هذه الجريمة الجديدة، معدة ومهيأة لوضع صفوة شباب هذه المدن في وجه القوات الإسرائيلية المتفوقة، بغية تركها للعدو فريسة يقضي عليها، وبذلك يتم لهم إذلال تلك المدن، والقضاء على أي أمل لديها بالمقاومة.. وأدرك كذلك أنهم يريدونه لتنفيذ تلك الجريمة.. ليحمل وزرها، وينجوا –هم- أمام الشعب، فرفض، ورد التحدي، وأفهمهم أن هذه الجريمة لن تتم وهو حي، عندها عاجله أحدهم بإطلاق الرصاص عليه، فقتل على الفور، وصعد إلى ربه مظلوماً!

ولكن المجرمين.. بعد أن وجدوا البطل أصبح جثة هامدة، هالهم الأمر، وحاروا كيف يغطون جريمتهم، فحمل وألقي من الطابق الثاني لمبنى الأركان.. وأشاعوا أنه "انتحر"، ونقل إلى المستشفى العسكري.. ثم سلمت جثته إلى ذويه، ومنعوا من تشريحها، كما أجبروا على دفنه سراً دون أن تكون له جنازة أسوة بأي إنسان آخر.. وذلك خشية افتضاح الأمر، وانقلاب الجنازة إلى ثورة ضدهم.

رحم الله كمال مقصوصة، فقد ذهب إلى ربه الذي نسأله أن يكتبه شهيداً من سادة الشهداء.. قال كلمة الحق في وجه سلطان جائر، فمنع باستشهاده تنفيذ جريمة خطط لها البعثيون.. وفوت عليهم ما دبروا.. فجزاه الله عن هذا الشعب كل خير.. وعوضه فسيح جناته، وجعله قدوة لغيره من الذين لم تستيقظ فيهم كوامن البطولة حتى اليوم.
رحم الله الشهيد.. ورحم الله كل الشهداء الذين ماتوا ثابتين صادقين.. ولا رحم الله الذين ماتوا فارين مولين الدبر.. وشلت أيدي المجرمين الذين نفذوا تلك الجريمة الفريدة في تاريخ الشعوب.




الفصل الثالث
نقاش الإثبات
=============
=============


"... صحيح أننا عملنا حتى الآن على تسهيل الحياة أمام مملكة تعيش بعيدة عن النفوذ السوفياتي، ولكن، في النهاية، تفرض علينا مصالحنا الاختيار..

نجد الآن أنه يوجد في سورية نظام بعثي.. وهو تحت النفوذ السوفياتي.

ولكن الواقع أن هدوءاً كاملاً يسود خطوط وقف إطلاق النار التي تفصل بيننا وبين هذه البلاد، وبتعبير آخر، وبغض النظر عن المفاهيم العقائدية، علينا أن ننظر إلى الأمور نظرة واقعية".

من تصريح آبا أيبان وزير الخارجية الاسرائيلي وقت الحرب لـ لمجلة "الاكسبريس" 22 نيسان 1968. عن كتاب (المسلمون والحرب الرابعة).



-1-

من الجانب العسكري:
----

... قبيل الحرب وخلالها افتعلت أخطاء عسكرية في غاية الأهمية والخطورة، كان لها الأثر الذي نراه اليوم، من فجيعة تكاد تذهب بالعقول.. والأخطاء التي ارتكبت، سَوْقية (استراتيجية)، أو تعبوية (تكتيكية)، ما كان لها أن تقع، لو أن القيادة البعثية كانت حريصة حقاً على صون البلاد، لأن هذه الأخطاء، لا تصدر عن مطلق قائد، مهما بلغ من السذاجة أو السطحية والارتجال في ما يتخذ من قرارات. ونحن نناقش الآن أهم الأخطاء وأخطرها، وما كان لها من نتائج سببت النكبة.

1- عدم إعلان التعبئة العامة (النفير العام): وذلك يعني أن حزب البعث، لجأ لمواجهة تهديدات بالحرب يطلقها العدو الإسرائيلي، ويعلن خلالها أنه سيزحف لاحتلال دمشق..

مثل هذه التهديدات، وما تلاها من تحركات وأحداث بدأت تتلاحق في تصاعد مستمر، حتى بلغت نقطة "اللاعودة"، وأصبح في حكم المحقق الأكيد، وقوع الحرب، والصدام مع العدو.

رغم كل ذلك.. بقيت قيادة (السويداني وجديد والأسد وزعين، وماخوس وسادسهم الأتاسي، وكل الشركاء الآخرين في الجريمة).. هذه القيادة ظلت محتفظة "بهدوء أعصابها..!".، ولم "تؤثر التهديدات في خط سير الثورة".. تلك التهديدات.. "الصغيرة التافهة" التي يطلقها العدو.. "لتدعيم موقف عملائه من الرجعيين والأمبرياليين..(92)".

أقول: إن قيادة حزب العبث، لجأت لمواجهة ذلك الخطر المحقق، بتظاهرة دعائية مجرمة توهم أن القيادة تقوم بالحشد العسكري المطلوب.. بينما تركت الطاقات والقوى الحقيقية الفعالة والقادرة فعلاً على مواجهة العدو والتصدي له بأمانة وفعالية.. كل تلك القوى والطاقات، تركتها القيادة "البعثية" معطلة مشلولة، وكأنها دخيلة على الوطن، ولأن البعثيين ينظرون إلى هذه الطاقات، نظرة الريبة، ويرون فيها – لو جمعت وأطلقت يدها- مصدر خطر على وجودها واستمرارها في السلطة.

إن كل ما قامت سوريا (حزب البعث) باستنفاره من طاقاتها لمواجهة الحرب بعد أن تحقق وقوعها، هو ثلاثة ألوية احتياطية من ألوية المشاة، هي الألوية (80،123) والثالث لم أقف على اسمه.. وهذا يعني أن كل ما استنفر، لم يتجاوز عشرة آلاف مقاتل.. كان معظمهم من الاحتياطيين بعيدي العهد بالتدريب.. ثم عبئوا في وظائف وأعمال ليست اختصاصاً لهم.. ثم رغم كل ذلك.. كلفوا الهجوم على "صفد".

لقد استطاعت إسرائيل (حشد 11%) من طاقاتها المقاتلة للحرب ضد العرب(93)، وأن مبادئ النفير السليم تنص على أن من واجب أية دولة لمواجهة احتمالات الحرب، أن تعبئ ما لا يقل عن 10% من طاقاتها البشرية للقتال..

فإذا كان تعداد سكان سوريا لا يقل عن خمسة ملايين شخص، فإن من واجب الدولة أن تستنفر نصف مليون مقاتل وتضعهم في ظروف الاستعداد للحرب، ليؤدوا الأمانة المطلوبة.

ولزيادة الإيضاح، نؤكد أن نصف هذه النسبة على الأقل كان في وسع القيادة حشده واستنفاره لأن ما لا يقل عن ربع مليون من الرجال سبق له أن جند ودرب منذ تطبيق نظام التجنيد الإجباري في سوريا وحتى يوم المؤامرة..

إذن.. كان في وسع حزب البعث، أن يعبئ ربع مليون من المقاتلين في وجه إسرائيل على الأقل وهذا الـ "ربع مليون" فيه من أهل الاختصاص والخبرة عشرات الألوف من الضباط وضباط الصف والجنود، الذين سرحوا من الجيش خلال العهود السياسية المتعاقبة، فلم لم تستنفر هذه القوى لتؤدي دورها في الدفاع عن البلاد؟!!

هنا.. تقع أولى نقاط الاتهام، بحق المجرمين الذين صنعوا هذه النكبة.. ويدعم هذه التهمة تصريح خطير لقائد الجيش البعثي، يثبت الجريمة.. ويدين المجرمين..

فلقد صرح اللواء أحمد سويداني، رئيس الأركان العامة عشية الحرب، وبتاريخ 4/5/1967، خلال زيارته لتفقد القوات في الجبهة، وأمام جمع من ضباط الوحدات قائلاً: "إن القيادة لا تتوقع الصدام مع العدو.. وأن الذي ترونه يجري الآن، ما هو إلا تظاهرة عسكرية بالحشد".



2- حشد القوى الاحتياطية غير المدربة، وتعبئة العسكريين في ملاكات ووظائف ليست من اختصاصهم، في الوقت الذي تركت فيه العناصر الاختصاصية معطلة الفعالية، ومعزولة تماماً عن ميدان القتال... فكانت النتائج المذهلة التي رأينا.

إن أية قيادة، مهما كان رجالها جهلة أو مغفلين، لا يمكن أن تقدم على الذي فعلته قيادة حزب البعث، وأن هذا الذي فعلته لا نجد له تفسيراً إلا أنه الخيانة المدبرة مسبقاً والمرسوم لها أدق الخطط وأكثر التفصيلات لؤماً وسوء نية.

إن أية مؤسسة (حتى بائع الفول والحمص)، لا تسمح لغير المتخصص أن يمارس عملاً لا يفقهه أو لا يتقنه.. وهذا أمر طبيعي وبديهي.. فكيف تقدم قيادة جيش، ومن ورائها قيادة دولة على وضع قوات بكاملها، في مواجهة العدو –حتى ولو كان ذاك العدو ضعيفاً أو جاهلاً- وتكلفها بأخطر الواجبات القتالية.. وهي تعلم أن هذه القوات ليست إلا جمعاً متنافراً من الرجال- كما رسمت لذاك قيادة البعث- فاقداً لأبسط مستوى من التماسك والتعاون اللذين لا ينشآن عادة إلا بنتيجة التدريب المشترك الطويل؟.

كيف يكمن أن تقدم أجهزة دولة، وقيادتها، قوات للحرب عين فيها المتخصص بالهاون، رامياً لمدفع م/ط، أو الذي أمضى خدمته السابقة حاجباً أو خادماً في بيت أحد الضباط، رامياً لمدفع مضاد للدبابات؟

لا.. إن الذي حدث لم يكن أخطاء مبعثها الجهل أبداً.. فأجهزة النفير ومكاتبه التابعة لقيادة الجيش السوري لها من الخبرة والاختصاص ما جعلها تحقق – في أوائل الستينيات- أرفع مستوى في أعمال النفير وتعبئة الوحدات، عرفته دولة عربية على الإطلاق!.

والجداول الإحصائية، والسجلات الذاتية لكل من عاش في الجيش، تضم من المعلومات ما هو كاف وبدقة كافية، لتعطي من يستعملها أوضح معلومات عن اختصاص كل فرد في الوطن.. وبالتالي ما يمكنه من تعبئة هذه الاختصاصات في ميادين عملها، والوظائف التي تتيح لها أن تقدم أفضل إنتاج. فلم قامت أجهزة النفير خلال عهد حزب البعث بهذا العمل المجرم؟..

هذه أيضاً، النقطة الثانية من الاتهام ضد الحزب وأجهزته المتسلطة على الحكم.


3- حشد الألوية والوحدات المختلفة، في حدود ضيقة في الأرض، دون توفير الحماية الجوية لها
إن المعروف بديهياً، في الحرب الحديثة، أن القوات الأرضية تكون شبه عاجزة عن تحقيق قتال ناجح –إلا في حدود ضيقة وحالات خاصة كالليل والالتحام مع العدو-، إن لم تكن تملك الحماية الجوية الكافية التي تمكنها من إجراء التحركات والمناورة، دون خوف من ضربات جوية خطرة.

ولقد لجأ حزب البعث إلى حشد مجموعة ألوية في قطاع ضيق من أرض الجولان، كان يغص أصلاً بالقوات المدافعة، حتى اختلط الحابل بالنابل، وازدحمت الأرض بالرجال والسلاح والعتاد والآليات.. كل ذلك، أجراه حزب البعث، في غياب الطيران غياباً كاملاً عن سماء المعركة.. فكان ما كان من استنسار الطيران المعادي وتحقيق الفاجعة، التي دمرت العديد من وحدات الجيش، وأذلت رجولته وكرامته وسمعته، وأفقدته أجود أسلحته وعتاده.

والسؤال الذي لا بد من طرحه.. لإيضاح الجريمة، هو عما فعلته قيادة البعثيين بالطيران السوري.
إن من حقنا أن نسأل، بل واجبنا أن نصر ونلح في السؤال، أين كان الطيران السوري في تلك الحرب؟.

 

4- الهجوم الكاذب​
-----------

وأما فكرة الهجوم، ذلك الذي زعموا أنهم قاموا به أو ينوون فلنا عنده وقفة طويلة.

إن ما نود تأكيده، ولفت الانتباه إليه، أن سياسة الهجوم لم تكن معتمدة في سورية (استراتيجية) القيادات السورية، منذ قامت الهدنة الدائمة عام 1949، وحتى يوم النكبة.

إن سَوْق القيادات المتعاقبة في سوريا – مدنية وعسكرية- كان كله مبنياً على الدفاع والتشبث بالأرض- للحيلولة دون وقوع نكبة جديدة، لأن الجيش – في تقدير الخبراء العسكريين- لم يكن في يوم من الأيام قادراً على تحقيق تفوق يمكنه من خوض هجوم ناجح على الأرض المحتلة، لتصفية الكيان الإسرائيلي الدخيل، إن كل ما بني من سوق للدولة السورية –حتى خلال أيام الوحدة- كان قائماً على الدفاع وحده. دون التعرض للعدو بأعمال تتسم بالطابع الهجومي، مهما كان حجمه أو مداها..

لأن سياسة السَّوْق السوري بنيت على عقدتين أساسيتين كانتا تحكمان العقلية التي تعاقبت على القيادة السورية منذ نكبة 1948 وحتى حزيران 1967، وهما

أولاً: أن الوضع السياسي الدولي لا يسمح –في زعمهم- بالتعرض للعدو الإسرائيلي بأية أعمال هجومية، محلية محدودة، أو عامة تهدف إزالة الورم الإسرائيلي الخبيث.

وثانياً: إن القدرة القتالية الفنية ( في التسليح والمستوى التكنولوجي وأعمال إمداد القوات بكل احتياجاتها للحرب)، ستبقى دوماً عاجزة عن تحقيق التفوق القادر على دفع الجيش السوري لخوض حرب هجومية – خاطفة أو طويلة المدى – بهدف إزالة إسرائيل.

وبتعبير آخر وأوضح: إن فكرة إزالة إسرائيل، وتحرير الوطن المسلوب وإعادته إلى أصحابه الشرعيين، لم تكن سوى شعارات تطرح للجماهير بغية الاستهلاك السياسي وكسب الأنصار والأتباع، بينما كانت العقليات التي حكمت البلاد، تؤمن وتردد في مجالسها الخاصة والسرية وحتى في مخاطباتها الرسمية(94) أن إزالة إسرائيل شيء غير ممكن.. وأن هذا مما لا يصح إعلانه للجماهير.. لذلك، فإن أفضل قيادة عرفتها البلاد، كانت تركز كل اهتماماتها حول صون الحدود، ورد العدو إذا ما حاول الزحف لابتلاع أرض جديدة، والتوسع على حساب مزيد من الأراضي السورية.

وإننا حين نصر على هذا المفهوم الذي حكم السياسية السورية العليا، طيلة سنوات ما قبل حزيران العار، لسنا متجنين على أحد، ولا نغمط أحداً حقه أبداً.. بل، وإن الذي يؤكد بشكل قاطع ما ذهبنا إليه، هو إصرار القيادات المتعاقبة على زيادة التحصين، ورفع مستواه، حتى بلغ في عام 1961، مستوى من المنعة والقدرة والفعالية، جعل خبراء الدفاع في العالم، يصفونه بأنه التحصين الذي يستحيل اختراقه. وأنه قادر على الصمود حتى أمام ضربات ذرية صغيرة، أو قصف كيماوي تستعمل فيه أنواع متعددة من الغازات أو السوائل الكيمائية الفعالة.

ولذلك.. فإننا حين سمعنا ادعاءات إذاعة حزب البعث، أنها قامت بالهجوم، واحتلت ودمرت، وأن قواتها قد وصلت إلى صفد.. كان الانطباع المنطقي لدينا، أنهم كاذبون دجالون.. يفترون الكذب على الله وعلى الأمة بمجموعها حتى في أدق ساعات الخطر التي مرت بها خلال تاريخها الحديث..

وقد أكدت الأحداث والأخبار والحقائق التي نشرت أو أذيعت أو تسربت على ألسنة الصادقين المخلصين الذين كانوا هناك أيام تلك الحرب.. صحة تكذيبنا لهم، وأوضحوا لنا أنهم إنما كانوا يزايدون على الأمة حتى في اللحظة التي كانت جيوش العدو تحتل أرضها، وتشرد مزيداً من أبنائها وتدمر ما يعجز الحصر من عدتها وعتادها وتسليحها.

وفيما اتخذته القيادة السورية البعثية من أعمال وأجرته من تحركات، من أجل "الهجوم الكاذب" تكمن أخطر نقطة في المؤامرة التي نفذوها.. وبها سلموه جولاننا الحصين، حبة القلب، ونور العين وضياءها..

هذه الأعمال التي قامت بها القيادة البعثية، تميزت بعملين هما في الحقيقة أهم ما نفذته من إجراءات، ظاهرها ضد العدو وحقيقتها كانت لصالحه.

فالعمل الأول، هو الهجوم الذي قامت به وحدات هزيلة من الحرس الوطني –وما أعد الحرس الوطني في يوم من الأيام إلا للإنذار وقتال التأخير- دخلت في الأرض المحتلة مسافة 2-3 كيلومترات، وهاجمت مستعمرة شرياشوف، فوجدتها خاوية على عروشها، قد أخلاها العدو منذ عدة أيام سبقت الحرب.

والعمل الثاني، هو تقديم لواءين من الاحتياط، لاحتلال قاعدة الانطلاق –انظر تحديدها في فصل سابق- بحجة إجراء الهجوم على صفد.


فما هي مكامن الخيانة في هذين العملين؟

وما هي حقيقة الأهداف التي من أجلها نفذتها القيادة البعثية؟!

===========


أ- إن من المعلوم لكل من خدم في الجبهة (الجولان)، أن أكثر القطاعات احتمالاً أن تتعرض للهجوم المعادي، هما القطاعان: واسط، والأوسط. وذلك بسبب قرب المسافة ما بين القنيطرة والحدود في كل منهما..!

... ولقد كان قطاع واسط، أضعف قطاعات الجبهة تحصيناً وتدعيماً بالقوات، وذلك بسبب ضآلة المحاور الصالحة لحركة الآليات، ووعورة الأرض وعدم صلاحيتها لإجراء المناورة الهجومية (بالنسبة للعدو المهاجم).

وأما القطاع الأوسط، فلقد كان محور جهد الجبهة والجيش، وكان أكثر القطاعات كثافة بالقوات والتحصينات، وأفضل القطاعات صلاحية لإجراء قتال دفاعي نموذجي (بالنسبة لنا)، يقدم العدو خلاله خسائر قد تفوق حدود التقديرات التي وضعت قبل إجراء أي قتال هناك..


ب - ويأتي في الأهمية بعد هذين القطاعين، القطاع الشمالي، ومحور جهده هو طريق بانياس- مسعدة، وقد قام الجيش لذلك بتركيز فعال للمواقع الدفاعية على هذا المحور، والمحاور الأخرى، الصالحة للتقدم ضمن القطاع، بالإضافة إلى الملاغم التي جهزت لتضع العدو في موقف هو غاية في السوء، لا يملك حياله إلا أن يتراجع، أو يخضع فترة طويلة لنيراننا حتى يمكن له إصلاح التخريبات ومعاودة التقدم.

أضف إلى ذلك: التركيز الشديد بحقول الألغام التي زرعت في كل ثغرة تصلح لتنفذ منها آليات العدو، حتى بلغ عمق بعض حقول الألغام أكثر من مائتي متر، وعرضها أكثر من كيلو متر. ومثل هذه المقاييس تعتبر نادرة في حقول الألغام التي تزرع في أرض غير صحراوية.


جـ - ويأتي في النهاية، القطاع الجنوبي، وفيه محوران هامان:

أولهما: هو محور الكرسي – (تل -69) – سكوفيا – فيق العال.
وثانيهما: هو محور الحمة – كفر حارب – فيق - العال.

ولو أن عدواً ما، حاول إجراء الهجوم – بقواه الرئيسية - على أي من هذين المحورين، لاعتبر مجنوناً أو أحمق أو جاهلاً، لأن أية قوات تحاول التقدم مستعملة أحد هذين المحورين أو كليهما، ستخضع لنيران من المدفعية – وحدها-كافية لتجعل من الأرض التي تقف عليها مقبرة لها، لأن المحورين المذكورين هما في غاية الوعورة والانحدار والتعرج، أضف إلى ذلك ما حضر عليهما من ملاغم وتخريبات، عدا المواقع الدفاعية الحصينة، وحقول الألغام.. ثم.. النيران المحضرة لكل وحدات المدفعية والهاون والطيران.

ورغم كل هذا، وبما أن العدو لا يملك إمكانية تحقيق الكثافة البشرية التي تمكنه من تغطية القطاعات كلها في الامتدادات الطويلة للجبهة، فلقد توقع القادة المتعاقبون الذين أشرفوا على رسم السياسة الدفاعية للجولان، توقعوا أن يركز العدو كل همه على تحقيق خرق خاطف في أحد القطاعات، ومن ثم ينطلق من قطاع الخرق هذا إلى عمليات التطويق، ليشل القدرات الدفاعية للوحدات المتمركزة في باقي القطاعات، ويمنع عنها طرق إمدادها بالنجدات والمؤن.

ولتلافي إمكانية حدوث مثل ذلك.. فقد حسبت القيادات المتعاقبة حساب عمليات التطويق هذه فأقامت مجموعة من المواقع والتجمعات القتالية، لتتحكم بالطرق التي سيركز العدو جهده للوصول إليها واستعمالها في عمليات الالتفاف والتطويق، لذلك نرى أن كثيراً من النقاط والتجمعات القتالية قد أقيمت لتسيطر على هذه الطرق وإحباط نوايا العدو.

ومن أهم هذه المواقع والتجمعات:

في القطاع الشمالي حرش مسعدة – بقعاتا - القلع.

في قطاع واسط: تل شيبان.

في الأوسط: معسكرات كفر نفاخ –نقطة استناد العليقة الشمالية (على طريق حفر- العليقة) معسكرات الخشنية وفيها تقيم كتيبة دبابات القطاع الأوسط التي كان لها واجب الدفاع عن الخشنية في حال عدم زجها في المعركة الدفاعية الأساسية.

في الجنوبي: معسكر ال***دار حيث تقيم فيه كتيبة دبابات القطاع الجنوبي ومنه تنطلق لشن الهجمات المعاكسة في اتجاه القنيطرة، وفي اتجاه الخشنية.

وأما على الخط العرضاني الأقرب إلى الحدود، والواقع معظمه في منطقة الحيطة، فإننا نجد سلسلة من المواقع الهامة واجبها الدفاع في كل الاتجاهات، وإحباط محاولات التطويق أو الالتفاف التي قد يقوم بها العدو.. ومن أهم هذه المواقع (من الشمال إلى الجنوب) قنعبة، حفر، في الشمالي و217، علمين، تل المشنوق، تل 62، تل الأعور، في الأوسط. و-69 في الجنوبي.

إذن... نستطيع أن نقول: إن القطاعين الهامين اللذين "يجب إخلاؤهما من القوات المدافعة، ليتمكن العدو من التقدم بحرية وراحة، هما القطاع الشمالي، والقطاع الأوسط.

ونظراً لأن العدو، لا يمكن أن يعطي تفصيلات خطته لعملائه – مهما بلغوا من الأمانة له والحرص على خدمته – لذلك فقد أشار عليهم إخلاء هذين القطاعين، من القوات، فكان له ما أراد، وقامت القيادة البعثية بلعبتها الخطرة، فأخرجت القوات المدافعة عن أخطر مواقع القطاع الشمالي من مواقعها، وزجت بها في معركة هجومية صورية، أنهكتها، وخيبت ظنونها، فلما عادت لتحتل مواقعها، وجدت أن الخيانة قد صفت كل شيء، إذ هرب القادة، وانهزمت القوات، ودمرت مواقعها الدفاعية، فلم يبق أمامها إلا الفرار أو التمزق(95).. وبذلك خلت المواقع الأمامية الحصينة في القطاع الشمالي من حماتها.. وقيل للعدو الإسرائيلي، أقبل فالأرض مفتوحة أمامك.

وأما في القطاع الأوسط.. فلكي تبلغ اللعبة القذرة غايتها، وتحقق أهدافها، اخترعت القيادة البعثية فكرة الهجوم على صفد، وأوكلت أمر تنفيذها إلى الألوية الاحتياطية الهزيلة، ثم بحجة ذلك الهجوم، سحبت القوات الأصيلة المرابطة للدفاع، من مواقعها التي تعرفها تماماً، وتتقن القتال فيها – بحكم التدريب والإقامة الطويلين- فكان إخلاء الأرض من حماتها بذلك الأسلوب المموه اللئيم، "أدق" عمل أدته القيادة البعثية، لخدمة أطماع الغزو الإسرائيلي.. التي لا تقف عند حد، وحتى وضع القوات الاحتياطية في ذلك الموقف، لم يخل من دقة في التآمر، وحرص على تنفيذ الجريمة بأكثر السبل ضمانة لبلوغها غايتها.

فبالإضافة إلى كل المساوئ التي كانت تشل فعالية تلك الألوية الاحتياطية، كانت هناك فكرة خبيثة وخفية في هذا العمل، وملخصها أن القيادة لو أحلت محل القوات المدافعة الأصيلة، قوات نظامية مدربة، فإن هذا يشكل خطراً على مخططاتها المشتركة مع العدو لتسليم الأرض الحصينة.. لأن القوات المدربة جيداً، والمتماسكة في بنيانها، تعرف تماماً أن من الطبيعي أن ينقلب الهجوم بين لحظة وأخرى، إلى دفاع، فيمكنها – بحكم التدريب والمعرفة المسبقة - أن تدير قتالاً دفاعياً ناجحاً، يرد كيد العدو إلى نحره، ويخرب مخططات القيادة البعثية في التآمر.. فلجأت إلى إحلال القوات الاحتياطية المتنافرة غير المدربة، في ذلك الموقف العصيب، لتضمن عجزها عن خوض قتال دفاعي جيد وفعال في وجه العدو، وبذلك ضمنت للغزاة إخلاء الأرض ومواقعها من كل طاقة ذات فعالية قد تعترض سبيلهم.

ويبقى في هذا الشرح، وضع قطاع واسط، الذي فيه أيضاً حصل الاختراق.
ولقد سبق وقلنا أن هذا القطاع، هو – من حيث التحصين- أضعف قطاعات الجبهة، ولكن وعورة الأرض، وقلة الطرق الصالحة لتقدم الآليات، كانت البديل الأفضل لهذا الضعف، ورغم كل ذلك، فإن المقرر له أن يدافع عنه لواء بكامله مع كل أسلحة التعزيز..

فماذا فعلت القيادة البعثية بهذا القطاع؟
------


أولاً: إن اللواء المقرر له أن يحتل قطاع واسط، ليدافع عنه لم ينقل إلى مكانه ذاك، واكتفت القيادة بالقوات الضئيلة المستعارة من الحرس الوطني ومن القطاع الشمالي، لاحتلال نقاطه ومواقعه الدفاعية.

وثانياً: نرجح أنه كان في تقدير القوات الإسرائيلية والقيادة البعثية، أن هذا القطاع لن يصمد طويلاً، فلا يلبث أن تضعف مقاومته وينهار، وخاصة أن الطيران سينهك قواته قصفاً وإحراقاً، مع الضمانات الكافية بأن القيادة البعثية لن تفعل شيئاً لنجدته.. وهذا ما حصل فعلاً، منذ صباح الجمعة 9 حزيران.. فتم الاختراق فيه، وتقدمت القوات لاحتلاله متخذة تشكيلة الأنساق المتتابعة، خوفاً من بطولات تعترض سبيلها فتردها مدحورة مذمومة، رغم كل ضمانات حزب البعث، وأعماله التي كفلت لها تسليمها الجولان بدون قتال.

ونريد الآن أن نسأل.. من أين هبطت فكرة الهجوم على القيادة البعثية، وهي تعلم أن جيشها ليس إلا مؤسسة بوليسية قادرة على قمع الشعب والهجوم على المقدسات والحرمات.. وليس لها أن تخوض أي قتال هجومي فعال داخل الأرض المحتلة؟!

لماذا قررت القيادة البعثية إجراء الهجوم.. مع أنها لم يكن في سياستها وسَوْقها أنها قادرة على ذلك؟.

إن الجيش السوري عشية حرب حزيران، كان في أسوأ حال عرفها منذ إعادة تشكيله عام 1955، ولم يكن أحسن حالاً منه خلال أعوام الضعف التي سبقت ذلك العام، وكانت القيادة البعثية تعلم ذلك..

أفلا يكفي القيادة السورية البعثية، علماً بأحوال جيشها وعجزه عن خوض قتال ناجح ضد العدو الإسرائيلي، أن يعلن لها – منذراً - أحد كبار قادة الجيش السوري البعثي، اللواء فهد الشاعر، خلال محاكمته:

"إن جيشاً يشتغل في السياسة ثماني عشرة ساعة، ويأكل وينام خمس ساعات، ويتدرب ساعة واحدة في اليوم.. إن هذا الجيش لن يرجى منه نفع ساعة المحنة"؟!

القيادة البعثية كانت تعلم أن جيش العدو متفوق على جيشها في مختلف المجالات، وخاصة في حقل الطيران، وهي تعلم أن طيرانها عاجز عن حماية البلاد حتى من سرب جراد، لأنها شردت الطيارين، وخزنت الطائرات في عنابرها.. خوفاً من أن يستخدمها طيارون غير بعثيين ضدها، فتفقد مواقع الحكم التي تدير منها التآمر والخيانة لتسليم الأرض إلى عدو لا تقف له أطماع عند حدود.!

فمن أين جاءتها فكرة الهجوم هذه.. رغم كل علمها بأنها عاجزة عن خوض أي هجوم؟ هنا سؤال خطير.. ستكشف الأيام تباعاً، جوانب من الإجابة عنه، لأن من غير المتيسر لنا كشفها كلها.. ونحن لا نملك الاطلاع على ما يدار ويحاك في دور السفارات والأقبية السرية.. ولكننا لا بد من أن نشير إلى مسؤولية الخبراء الروس.. في تلك الجريمة.

نحن نقول: إن فكرة الهجوم – أصلاً- كانت مسرحية لتبرير سحب القوات المدافعة الأصلية، وإخلاء طريق القوات الإسرائيلية من كل مقاومة فعالة.

ولكن.. لماذا أشار الخبراء الروس بوضع ألوية الاحتياط في مقدمة قوات الهجوم.. ذلك المزعوم؟!
نحن لا نستطيع تبرئة الخبراء الروس من تلك الجريمة، لأنهم ليسوا حديثي عهد بالعمل في سوريا، وقد مضت عليهم سنوات عشر، يعملون خلالها في الجيش، يدربونه، ويطلعون على كل ما يخصه، حتى أصبحوا على علم بأدق التفصيلات عن سلاحه، وعتاده، وتعداده، والتغييرات التي أصابته، ومستويات تدريبه والقدرات القتالية لوحداته.

وما داموا يعلمون كل تلك التفاصيل، أكثر من كثير من ضباط الجيش، وما داموا يعلمون أن مستوى الوحدات الاحتياطية لا يؤهلها لخوض هجوم فعال ضد دفاع محصن... فكيف لهم أن يشيروا بوضع هذه الوحدات في المقدمة بحجة أن من الأفضل ترك الوحدات النظامية للعمل في داخل إسرائيل، فتكون مرتاحة متماسكة.. ويمكن عندها لها أن تحقق استغلال الفوز؟!

إن الخبراء الروس الذين دربوا جيشنا.. ليسوا أطفالاً أو حديثي عهد بالخدمة العسكرية.. إن أقل رتبة فيهم كانت رتبة العقيد.. وإن أقل واحد منهم، كان له اشتراك في الحرب العالمية الثانية عدا مئات المناورات التي خاضها في جيشه اشتراكاً مع جيوش الدول الشيوعية الأخرى.. وهؤلاء لهم من الخبرة والعلم العسكري ما جعلهم أهلاً لتدريب جيش ناشئ كجيشنا.. وهم يعلمون أن جميع جيوش الأرض، تضع أقوى وحداتها، وخيرة سلاحها وعتادها، في الهجوم الرئيسي، لتوجيه الضربة الأقوى والرئيسية، التي إن تمت بنجاح، فستزلزل دفاع عدوها، وتمهد لتشريد قواه ثم تدميرها.

جميع جيوش العالم.. تزج بخيرة قواها لتحقيق الفوز منذ الضربة الأولى.. فكيف أشار أو قبل الخبراء الروس أن يزجو بالوحدات الفاقدة التماسك، والهزيلة التدريب.. والمعبأة أسوأ تعبئة عرفها تاريخ جيش ما- في مواجهة دفاع حصين متماسك متين.. بحجة ترك الوحدات العاملة، مرتاحة لتتابع التوغل في عمق دفاعات العدو؟!

إننا لم نجد تفسيراً لهذا العمل، سوى التواطؤ، إما لصالح إسرائيل مباشرة، وهذا ما لا نملك إثباته فيكفينا أننا ننبه إليه.. وإما التواطؤ المأمورين به من قياداتهم، لترك الألوية "البعثية الاشتراكية"، سليمة لحماية الخط اليساري الثوري، من أية تحركات شعبية عارمة ضده، وخاصة في تلك الساعات التي برز خلالها جبن وضعف وتواطؤ الجيش البعثي – ومن ورائه حزبه وأجهزته الحاكمة- تجاه العدو الإسرائيلي، وخطره الآتي عبر الحدود.

وإن الذي يؤكد ما ذهبنا إليه هنا –هو ما رأيناه من إصرار وسرعة مذهلة، قامت بها دولتهم –الاتحاد السوفياتي- في تعويض ما خسرت الدول الثورية العربية خلال مسرحية حزيران، وخاصة في حقل الطيران، بسبب فعاليته في شل قدرة أية تحركات قد تقوم بها الشعوب المنكوبة لإزالة الذين صنعوا لها النكبة.. بينما بقيت دول من الدول المنكوبة –غير اليسارية- تعاني حتى اليوم من النقص الخطير الذي لحق بقواتها عقب النكبة.. ذلك لأنه ليس في مصلحة روسيا نجدة هذه الدولة غير الثورية..!




 

5-البلاغ رقم 66 بسقوط القنيطرة
=================

ومن الأمور الخطيرة جداً.. التي تميزت بها أيام الحرب (المسرحية)، هو تصرف القوات بعد الإعلان الكاذب عن سقوط القنيطرة.. وهذا ما يحتاج إلى مناقشة وتوضيح.

أ- لنترك جانباً - ولفترة محدودة فقط - إصرارنا على أن بلاغ سقوط القنيطرة، قد أذيع قبل سقوطها بزمن غير قليل، فلقد سبق أن بينا ذلك بوضوح وأثبتنا أن القوات الإسرائيلية كانت ما تزال تشتبك بالمقاومات الفردية المعزولة، في تل شيبان، والقلع، وتل الفخار، وفي المنصورة وأماكن متفرقة أخرى.. حين أذيع البلاغ الكاذب ذاك..

ولنفترض جدلاً أن البلاغ كان صحيحاً.. وأن القوات الإسرائيلية قد دخلت القنيطرة وقت البلاغ تماماً أو قبيله بزمن بسيط.. فلماذا تترك الوحدات الباقية مواقعها، وتفر كالفئران؟!

إن نظرة واحدة إلى خريطة الجولان.. توضح أن سقوط القنيطرة، لا يشكل خطراً أو تهديداً مباشراً ضد باقي القوات المقيمة في القطاعات الأخرى، وخاصة الأوسط والجنوبي.

إن القنيطرة تبتعد عن مواقع القوات الإسرائيلية في القطاع الأوسط، عشرين كيلومتراً، وعن مواقع القوات الرئيسية في الجنوبي خمسين كيلومتراً.. فهل يمكن أن يسمى احتلال العدو للقنيطرة، التفافاً أو تطويقاً ضد هذه القوات؟!

إن التطويق لا يكون تطويقاً، إلا إذا استطاعت القوات عزل الوحدات المطوقة تماماً، والإحاطة بها من كل جانب، وقطع طرق انسحابها أو تموينها ونجدتها، ومن ثم تبدأ القوات المطوقة زحفها لتدمير القوة المطوقة، أو إجبارها على الاستسلام.

وحتى في هذه الحالة – النادرة في الحروب - كثيراً ما تقوم القوة المطوقة بأعمال تتسم بطابع العنف والضراوة، بهدف فك الحصار، وفتح الطريق إما لانسحابها أو لتأمين وصول النجدات إليها..

وفي حالتنا هذه التي نناقش، يرى الناظر إلى الخريطة أن قوات الجولان لم يتم تطويقها، وأن نجدة الجولان كانت ممكنة – وهذا ما سبق للقيادات أن وضعته في احتمالها- إما عن طريق قطنا – مزرعة بيت جن – مسعدة (من الشمال)، وإما من الطريق المختلفة المؤدية من حوران إلى القطاع الجنوبي، ثم الأوسط (من الجنوب)، وإما من الطرق المؤدية من دمشق إلى منطقة القنيطرة مباشرة (من الشرق).

وكذلك يرى الناظر إلى الخريطة، أن مجال المناورة كان واسعاً جداً، فالأرض فسيحة، والطرق متوفرة والليل كفيل بالسماح للقوات السورية بإجراء التحركات اللازمة حتى تتم الالتحام مع العدو، لطرده، أو وقف زحفه على الأقل..!

إذن.. فليس للقوات أي عذر في تركها لمواقعها، بحجة أنها سمعت بلاغ سقوط القنيطرة.. فظنت أنها قد طوقت.. أو أصبحت مهددة بالتطويق.

هذا من ناحية.. ومن الناحية الأخرى.. لا بد لنا من التذكير بأننا نوهنا في فصل سابق، أن المواقع الدفاعية –كل المواقع- قد حضرت، لتقوم بالدفاع في كل الاتجاهات (الدفاع الدائري)..

فلو عدت معي أيها القارئ، إلى فصل (الإعداد المسبق)، لوجدت أن لكل سلاح قد جهزت مواقع رمي تكميلية، وأن الأسلاك الشائكة والألغام قد أحاطت بكل موقع من كل جانب، حماية له من نقطة ضعف.. وتسهيلاً له أن يقوم بالقتال في أي اتجاه يقع منه التهديد..

إذن.. نستطيع القول: إنه حتى ولو قامت القوات الإسرائيلية بالزحف من القنيطرة إلى باقي القطاعات، لقتالها من أحد الجوانب أو الخلف.. فإن تلك القوات كان يجب أن تصمد، وتقاتل.. لأن ذلك من صلب مهماتها.. ولأن أكثر القوات (وخاصة قوات القطاعين الأوسط والجنوبي)، قد دربت مسبقاً، وخلال سنوات طويلة، على تلك المهمات القتالية المختلفة.

وأخيراً.. علينا أن نضيف، أن الأوامر المستمرة، الدائمة التي كانت تلقن لكل عسكري يدخل الجبهة (الجولان)، تنص على أن من واجبه الدفاع والقتال حتى الموت.. وأن لا انسحاب مهما كانت النتائج، فكيف استطاعت الشائعات التي راجت عن أوامر انسحاب أصدرتها القيادة.. أن تفعل فعل السحر في تلك النفوس المتخاذلة.. حتى تركت مواقعها وولت الدبر؟؟!!

من كل ذلك.. نستطيع أن نؤكد أن أسباب الصمود والاحتفاظ بالأرض كانت متوافرة، فالأوامر الدائمة المسبقة بوجوب الدفاع حتى الموت، وإعداد المواقع للقتال في كل الاتجاهات، وتوفر إمكانية المناورة والضرب ضد العدو في كل أرض، وإمكانية إمداد ونجدة القوات عبر الطرق المختلفة.. ومناعة التحصين الذي كان قادراً على تأمين حماية كافية ضد الطيران الإسرائيلي.. ووفرة المواد التموينية من ذخيرة وطعام ومواد علاج، ******ة في مستودعات القطاعات والوحدات...

كل ذلك.. لم تستفد منه القوات، فما إن سمعت البلاغ المشؤوم.. حتى بادرت إلى ترك مواقعها- وحتى أسلحتها ووثائقها-.. ثم أسلمت السيقان للريح.. ميممة شطر إربد وحوران أو دمشق أو لبنان وهي تعتقد أنها لن تبلغ الأمن والسلامة إلا بخروجها من حدود الأرض التي تحمل الصبغة القتالية.. أرض الجولان..




6- الهجمات المعاكسة:
=============



ويبدو لي الآن أن الحديث عنها قد أصبح أقل ضرورة مما كنت أعتقد، لأن ذلك لا يعدو كونه جزءاً من الحديث عن أعمال القوات، الذي تعرضنا عنه في الفقرة السابقة..

ولكن ذلك لا يعني أننا نغفل مناقشة هذا الأمر الخطير.. وخاصة فيما يتعلق بالقيادة العامة وأعمالها.. فإن نحن سلمنا أن القوات المدافعة التي كانت تحتل الجولان، قد تخاذلت وجبنت في وجه العدو.. فلماذا لم تقم القيادة العامة بذلك الواجب.. وتبادر هي إلى الزج بالقوى الرئيسية التي تحت قيادتها، لسد الخرق الذي حصل ورد القوات المعادية، أو إيقافها ضد حدود ضيقة على الأقل؟..

قد يتصدى متنطح وقح ليقول أن الطيران الإسرائيلي كان مسيطراً على جو البلاد كلها.. وهذا ما يمنع تحرك الوحدات لإجراء الهجوم المعاكس المطلوب..

وأفضل رد على مثل هذا الادعاء، هو أن الذي يقوله جاهل، يتحدث بما ليس له به علم.. أو منافق مخادع والغ في الجريمة.. ويريد صرف الناس عن خطورتها..

إن من الأسس العامة لقتال القوات، أن الطيران – مطلق طيران- يكون عاجزاً عن التدخل ضد قوات عدوه في حالة الالتحام بين الطرفين..

وإن من أبسط قواعد التحركات العسكرية أن الليل يشكل أكبر عامل مساعد لتحرك القوات خفية عن أعين الرصد المعادي.. كما يقدم حماية كاملة للقوات خلال تحركها على الطرقات.. رغم إمكانية الطيران –أي طيران- استخدام المشاعل والقنابل المضيئة لكشف أعمال العدو أو تحركاته في منطقة من الأرض.. ولأن ذلك يبقى محدوداً ضمن مساحات معينة، وفي حدود ثوان أو دقائق معدودات.. وهذا لا يعين الطيران على القيام بهجوم ناجح في الليل ضد القوات الأرضية..

ومن المعلوم كذلك أن الطرق المؤدية إلى منطقة واسط –القلع (قطاع الخرق)، أكثر من أن تحصى.. والقوات السورية تعلم تلك الطرق خير علم.. كما سبق لها أن مارست عليها مختلف أنواع التحركات والأعمال التدريبية.

كان من الممكن إذن للقيادة –لو أنها أخلصت- أن تجري التحركات اللازمة، وتدفع بالقوات المكلفة إجراء الهجوم المعاكس في الليل، حتى تصل إلى خطوط الفتح المقررة لها ثم تقوم عند بزوغ أول ضوء، بتنفيذ الهجمات المعاكسة المطلوبة.. وبذلك تكون قد حققت واجبها وبقيت في مأمن من تدخل الطيران ضدها..!

ولقد سبق وبينا أن شعبة العمليات أصدرت تلك الأوامر، وكان اللواء عواد باغ قد تدخل بنفسه لتحقيق ذلك الواجب الكبير.. ولكن؟.. لا رأي لمن لا يطاع.. فالسلطة الحزبية قد علت على السلطة القانونية العسكرية حتى في أسوأ لحظات المصير. وتطاولت عليها، ورفض القادة البعثيون تنفيذ تلك الأوامر، مستندين إلى سندهم وحماتهم في الحزب المجرم.. وبذلك كان مثل اللواء عواد باغ، كمثل ضابط عربي يصدر الأوامر لقوات سوفياتية مثلاً.. فهل لها أن تطيع؟!..



7- الطعام
==


ثم موضوع الطعام، ما حقيقته، وما هو السر الكامن في اختفائه، وكيف كان له أكبر الأثر في وقوع الكارثة.

إننا نعلم أنه منذ بداية التوتر، ومع تصاعد احتمالات الصدام مع العدو، أخذت مظاهر الاستعداد "الكاذب" لذلك الصدام، تتلاحق، وتأخذ صوراً شتى. حسب كل ميدان من ميادين الاختصاص.
ولقد كان من جملة مظاهر "الاستعداد".. قصة طعام الطوارئ.. قصة سحبه وما كان لذاك من آثار خطيرة.

ولكي يمكن فهم هذه النقطة، ومدى خطورة اللعبة الخائنة التي ارتكبتها قيادة الحزب، لضمان تسليم الجولان، إلى العدو دونما مطلق مقاومة.. لكي يكون الأمر هذا واضحاً، نعود قليلاً إلى الوراء.. إلى نظام الطعام في الجولان.. خلال عمره قبل نكبته، ونكبة الأمة بضياعه.

أ- إن إطعام القوات في الجبهة (الجولان)، كان مؤمناً بواسطة المطابخ، التي تؤمن الطعام الطازج في وقته، والتي كانت منتشرة في الجبهة، على مستويات مختلفة ومتعددة، بدءاً من المطابخ الميدانية المتنقلة، ومروراً بالمطابخ الثابتة للوحدات الصغرى المنعزلة.. حتى مستوى المطابخ الكبيرة التابعة للثكنات والمعسكرات، التي تضم وحدة كبيرة أو أكثر(96)..

ولكن إلى جانب ذلك.. ومع احتمالات القتال – التي ما وجدت القوات في الجولان إلا لمواجهتها – المختلفة، والمتعددة الوجوه.. ومع احتمالات انقطاع التموين –لفترات مقدرة ومحسوبة- لجأت القيادة إلى نظام توزيع أطعمة الطوارئ.


ب- وأطعمة الطوارئ.. عبارة عن أنواع من الخبز (المجفف أو البسكويت)، الذي يحتوي على غنى مركز بالفيتامينات الحيوية الضرورية، مع معلبات من لحم البقر، أو السردين.

هذه الأطعمة، خصصت للاستهلاك في حالات انقطاع التموين.. وقد حددت الأوامر الحالات التي يسمح فيها باستهلاك أطعمة الطوارئ هذه أو جزء منها.. ثم علق تنفيذ هذه الأوامر (أي مدى انطباقية حالات تنفيذها، على الواقع اليومي الذي تواجهه القوات) بأوامر خاصة تصدر لهذا الغرض، من قيادة الجبهة.

إذن.. نستطيع أن نفهم أن أطعمة الطوارئ هذه كانت من مواد التموين التي شدد الحرص عليها حتى أصبحت بمستوى الذخيرة من حيث الأهمية.. وهذا معلوم سببه.. لأن الجندي إذا جاع.. يصبح صعباً عليه أن يقاتل.

جـ- وزيادة في الحيطة، ونظراً لأن وحدة القتال الأساسية التي بنيت عليها مواقع الدفاع في الجولان، هي "نقاط الاستناد" التي تدافع عنها "سرية مشاة" معززة أو مخففة.. وبسبب من طبيعة الأرض التي تفرض على نقاط الاستناد هذه أن تواجه احتمالات العزل أو التطويق، خلال الصدام المحتمل.. ونظراً لأن هذه الاحتمالات.. تجعل "آلياً" تلك النقاط مطالبة بأن تقاتل اعتماداً على قواها الذاتية، فترة محدودة، ريثما تتم نجدتها وكسر الحصار المفروض عليها.. لذلك.. فقد زودت هذه النقاط، بكل احتياجاتها التموينية.. التي تمكنها من القتال (منعزلة)، فترة من الزمن، كافية لإعطاء فرصة للوحدات الأخرى، لنجدتها.. وقد كان أضعف تقدير لهذه المهلة "48 ساعة".. وكانت أطعمة الطوارئ من جملة المواد التموينية التي زودت بها تلك الوحدات.. بل، وزودت بها حتى المواقع والمخافر الصغرى المنعزلة- بغض النظر عن حجم الوحدات المدافعة عنها-.

وحتى في الكثير من النقاط والمواقع.. وخاصة التي كانت تواجه احتمالات الحصار أكثر من غيرها، بسبب انعزالها أو وعورة الأرض حولها، مما يسبب تأخر نجدتها.. حتى في تلك المواقع لم تترك أطعمة الطوارئ لدى قيادات السرايا أو قيادات تلك المواقع.. وإنما وزعت على المستويات الصغرى ضمنها.. حتى بلغ التوزيع في بعض الأمكنة مستوى الفرد.. حيث كنا نجد بعضاً من تلك المخافر والمواقع.. وقد زود الأفراد فيها بكل احتياجاتهم من الذخيرة والطعام (للطوارئ) ليواجه القتال منفرداً.. مع الاحتفاظ بنسبة معينة من هذه المواد التموينية، تحت تصرف القائد –على كل المستويات- ليتصرف به حيث تدعو الحاجة.

د- وحرصاً على بقاء هذه الأطعمة دوماً بحالة ممتازة، وخوفاً من فسادها وتلفها.. فقد لجأت القيادات المتعاقبة إلى نظام رائع باستبدالها.. وكانت الأوامر الدائمة قد حددت ذلك النظام كما يلي:


1- خصصت أياماً معينة من كل شهر، يكون فيها طعام القوات، جافاً، وتقوم الوحدات بالحصول عليه من مخزونها من أطعمة الطوارئ (حسب الجعالة القانونية المقررة).

2- تقوم أجهزة الشؤون الإدارية في الوحدات، بتعويض ما استهلك فوراً (وفي اليوم نفسه وأحياناً بصورة مسبقة)، بغية الحفاظ على مخزون الوحدات من هذه الأطعمة متوازياً مع مخصصاتها القانونية – وحسب التعداد.ويكون هذا التعويض للوحدات، دوماً من مخزون القيادات في مستودعاتها.

3- تقوم القيادات –في الوقت نفسه- بتعويض ما استهلك من مخزونها، بواسطة وحدات التموين المختلفة، وأحياناً –وحال الاضطرار- من الأسواق، وذلك لبقاء مخزون المستودعات متوازياً بصورة دائمة.

هذا،... مع لفت الانتباه إلى أنه كان يؤخذ دوماً بعين الاعتبار في عملية الاستهلاك والتعويض، الترتيب الزمني لاستقدام هذه المواد وخزنها.. وأحياناً وقت صنعها –في بعض المعلبات التي كتب عليها تاريخ التعبئة.

هذا النظام هو الذي سارت عليه الوحدات وقياداتها المتعاقبة، منذ إنشاء الوضع الدفاعي في الجولان، وحتى الأيام الأخيرة التي سبقت النكبة..

ففي تلك الأيام، وبالتحديد منذ حوالي ثلاثة أسابيع قبل الحرب أصدرت قيادة الجبهة (قيادة أحمد المير..البعثي)، أمراً بسحب جميع أطعمة الطوارئ.. بحجة استبدال أطعمة جديدة بها.. (وهذا وضع انفردت به قيادة البعث بين جميع القيادات المتعاقبة).. وبذلك مرت الأيام الأخيرة التي سبقت الحرب... دونما تزويد للقوات المدافعة بأي نوع من أطعمة الطوارئ، واقتصر تزويدها بالطعام على الأسلوب اليومي المعتاد في تأمين الطبخ الطازج.

ومرت الأيام تشعر بقرب الصدام يوماً بعد آخر.. وأطعمة الطوارئ الجديدة –التي ادعت قيادة البعثيين أنها ستقدمها بدل الأطعمة السابقة-، لم تصل إلى الوحدات.. حتى وقعت الواقعة.. وحصل الصدام.. وقام الطيران الإسرائيلي بقصفه المركز المنهك على قوات الجبهة.. مستهدفاً في جملة أعماله، المستودعات، ومراكز التموين..، وأماكن الطبخ، وآليات التموين المتحركة على الطرقات.. فانقطع بذلك مورد الطعام الوحيد عن القوات.. وبقيت طيلة أيام 9،8،7،6،5 حزيران، بلا طعام ولا ماء.. إلا ما استطاع العسكريون فرادى، الحصول عليه، إما من قرى مجاورة، أو من بقايا المخزونات (سابقاً) في مستودعات السرايا والوحدات الأمامية.

هذا عن قوات الوضع الدفاعي.. الموجودة في الجولان، منذ ما قبل الحرب. بزمن طال أو قصر..
أما قوات الهجوم: المزعوم.. فلقد كان الأمر لا يقل سوءاً إن لم يكن أسوأ..

نحن نعلم.. أن من جملة ما يزود به كل مقاتل في الهجوم، طعام جاف يكفيه لمدة /24/ ساعة.. على أن تتكفل وحدته بأن تؤمن له بعدها وجبة واحدة على الأقل طازجة (ساخنة) ليستطيع الاستمرار في عمليات القتال المنهكة..

ولكن القيادة البعثية، زجت بالألوية الاحتياطية في واجب هجومي، (مزعوم).. وحركتها لاحتلال قواعد الانطلاق تمهيداً لهجومها (الدجّال) دون أن تزوّدها بأي نوع من أطعمة الطوارئ.. بل استمر تأمين الطعام حتى صباح 5 حزيران، بالأسلوب نفسه الذي كانت تؤمن به أطعمة باقي الوحدات.. ولكن ما إن ابتدأ القتال.. وبدأ القصف الجوي المركز على هذه الوحدات وغيرها.. حتى انقطع التموين.. وأصبح حال القوات كحال أختها السابقة التي شرحنا عنها.. وأصبح الجميع في الجوع والظمأ والتعرض لقصف الطيران الإسرائيلي، سواء.

وهنا.. يكمن أحد الأسرار المذهلة... التي تعطي تفسيراً عن السهولة التي دخلت بها قوات العدو، أرض الجولان المنيع.. دونما مقاومة تذكر..

ذلك.. أن بقاء القوات في ذلك الوضع الغريب الشاذ. مدة تزيد عن أربعة أيام مع الليالي...، في حال مريع، من الجوع، والظمأ، إضافة إلى سوء التدريب، وسوء التعبئة، وفقدان السيطرة لدى القيادة، وفقدان الاتصالات.. إضافة إلى الخسائر التي تنزل بها كل يوم من تلك الأيام، بفعل الطيران المعادي.. والخيانات التي أخذت تصفي جيوب المقاومات الباسلة من خلفها..

إن ذاك كله.. جعل القوات مشلولة عاجزة عن اتخاذ أي موقف جدي حازم ضد قوات العدو، لذلك ما إن بدأت الشائعات تسري عن أوامر الانسحاب.. حتى بدأ الهرب المذهل المخزي.. على نحو فصلناه فيما سبق وأعطيناه حقه من الشرح والتوضيح.. ثم ساهم في التعجيل بالكارثة، البيان الفاجر.. عن سقوط القنيطرة... المزعوم.

ولقد رأيت بعض الذين كانوا في تلك الأيام هناك.. وعاشوا المأساة على مسرحها، وكانوا من ضحاياها.. ويا لهول ما وصفوا.. ويا لهول ما لاقوا.

ولن أطيل في وصف ذلك الهول.. ولكن يكفي أن أنوه فقط، بأن أكثرهم أكل من أعشاب الأرض وخشاشها.. وأن قسماً منهم سطا (نعم سطا يسطو سطواً) على بعض القرى أو البيوت... والقسم الآخر كان يطرق الأبواب (حتى في دمشق)، بذل وانكسار يطلب رغيفاًً من الخبز، يقيم به أوده، في وقت كانت الرتب تحلي الكتف أو الذراع، واللباس العسكري لا زال يستر الجسد والرأس.. الذي لم يبرز منه إلا الوجه بعد أن غطت اللحية معظمه، أو شوهته الحروق، وغطاه تراكم الدخان والغبار مجبولين بالعرق والدم...




8- الخسائر:
========


ونعود مرة أخرى إلى الخسائر ونبدأ بالحديث عن الأنفس.. لأن الذي ثبت أن الخسائر فيها كانت قليلة لا توازي الربح الذي حصل عليه العدو، باحتلال الجولان.

إن احتلال الجولان، لو تم بعد قتال صحيح، حقق فيه الطرفان أقصى الجهود، لفوز كل منهما بهدفه وإنجاز مهماته.. لكان اليوم كل من حشد من القوات الدفاعية للجيش السوري، بين قتيل وجريح وأسير، ولكانت الخسائر لدى الطرف الآخر- العدو تبلغ ضعف الخسائر السورية إن لم تقل أكثر..
فالأوامر الصريحة بوجوب التشبث بالأرض، إضافة إلى متانة التحصين، وكثرة الموانع..، يقابلها في الطرف الآخر، إصرار لدى العدو على تحقيق أهدافه، تعززه إمكانات نارية هائلة كان أهمها الطيران الذي عمل بحرية ودقة..!

إن هذا وذاك.. لو أنه جرى فعلاً كما يجب أن يجري لغطيت أرض الجولان بالجثث، تزيد على ما دمر من سلاح وعتاد، ويا ليت ذاك حصل.. إذن لكانت خسارة الأرض أقل فجيعة منها الآن.. ففي ذلك عزاء كبير، أن العدو لم يحتلها بسبب جبن القوات وتآمر قادتها..!

ولكن هل ذاك يكفي،.. وهل يريح النفس أن نقول إن القوات قد انهزمت من وجه عدوها، ولم تؤد واجبها؟

إن ما يلفت النظر، هو أن القوات الإسرائيلية، قد ظفرت أكثر من مرة بتجمعات من القوات الهاربة، أو بأرتال مشوهة متجرجرة تسحب أذيال الخزي والعار في رحلتها هروباً إلى أرض "الأمان".. فلماذا لم تقم بالفتك بهذه القوات الهاربة؟..

هل هذا نبل من العدو.. أن لا يفتك بقوات محطمة مشردة بعد أن ألقت سلاحها وغادرت مواقعها مولية الدبر؟...

إن تصرف العدو هذا.. يثير التساؤل حقاً، ويستحق وقفة فاحصة، للتعرف على الأهداف اللئيمة التي كان العدو يرميها بعمله هذا..

وقبل أن نحاول التعرف على تلك الأهداف.. ومقدمة تقود إلى التعرف المقصود.. نؤكد أن موقف العدو من تلك القوات، لم يكن أصيلاً في طبعه، وإنما كان جزءاً من مخطط ذي أهداف بعيدة..
ذلك أن العدو.. يقوم كل يوم في داخل الأرض المحتلة بعمليات الإبادة والتهجير، ضد كل الآمنين العزل، ويوقع فيهم أشد أنواع الإرهاب والوحشية.. مما لم تعرف له الإنسانية مثيلاً إلا في سجون حزب البعث العربي الاشتراكي..، شريك العدو.. والمنفذ الأول في المؤامرة.

ونحن نرى كل يوم، ونسمع في اليوم مرات كثيرة.. عن الوحشية والعنف اللذين يمارسهما العدو، ضد أية وحدات أو أفراد من الفدائيين، حين وقوعهم في قبضته... كما أننا ما زلنا نذكر بأوضح ما تكون الذكرى.. وحشية العدو وحقده في القدس والكرامة وقلقيلية، وإصراره على إنزال أكبر الخسائر بالأرواح، قبل الممتلكات والعتاد..

فلم إذن كان ذاك الموقف العجيب.. وقفته وحدات العدو من القوات السورية الهاربة الهائمة على وجهها في الاتجاهات الأربع وتفرعاتها؟!

إننا لا نجد لذلك إلا تفسيراً واحداً، تتفرع عنه أهداف عديدة، قصد إليها كل من العدو الإسرائيلي، والحزب البعثي.

إن التفسير الوحيد لذلك الموقف.. هو أن العدو –حين وضعت خطة تسليمه القنيطرة-، قد قام بإعطاء تعهدات والتزامات مؤكدة، بأن قواته "الظافرة" لن تتعرض إلى الأشخاص، شريطة أن تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بسوق هؤلاء الأشخاص، (ويشكلون بمجموعهم الوحدات المقاتلة) إلى إلقاء السلاح والفرار من وجه قوات العدو المهاجمة..

... لقد نفذ العدو التزامه كأدق ما يمكن أن ينفذه آخر سواه.. وسلم الأشخاص من حقد القوات اليهودية..، فكانت الخسائر من القلة بحيث لا يليق ذكر عددها، نسبة إلى ضخامة الخسارة التي وقعت في السلاح والعتاد والأرض.. ونسبة إلى ما كان يجب أن يدور على تلك الأرض من قتال..!

ولكن العدو المعروف بغدره، ونكثه المواعيد والمواثيق، وخيانة العهود وضرب الحائط "وغيره" بالالتزامات التي يعطيها، ماذا كان يهدف من حفاظه على التزاماته هذه حتى نفذها بدقة وأمانة؟


هذا ما سنحاول تقصيه من خلال ما نعرف عن حزب البعث وإسرائيل، كعدوين لئيمين يكيدان لهذه الأمة في دينها ومستقبلها..!

 
نستطيع أن نلخص الأعمال التي أقدم عليها حزب البعث –متواطئاً- ليكفل الهزيمة للأمة كلها، ولسورية خاصة.. بالأعمال التالية:


أ- أعمال وإجراءات كبيرة على مستوى الأمة العربية:

1- السعي بكل طريقة، وبكل وسيلة، وفي دأب لا يعرف الكلل، لتوريط المنطقة العربية كلها، في حرب غير متكافئة مع إسرائيل، تحدد هذه الأخيرة توقيتها وميادينها وحجم الأرباح التي يجب أن تجنيها منها، وكان ذلك.. في حرب المؤامرة (حرب حزيران العار).

2- التهرب من كل عمل يهدف إلى توحيد الجهود العربية، لصد خطر العدو، ونسف كل محاولة قامت بها الجامعة العربية، أو بعض دولها.. لإنشاء قوات مشتركة، أو قيادة مشتركة تعطي الصلاحيات والقدرة على التصرف بحرية تامة، بكل ما تحت قيادتها من إمكانات..

3- تسميم الجو العربي –حتى بين الشعوب العربية- بسموم الحقد والخلافات التافهة التي أورثت فقدان الثقة، وعمقت في القلوب أحقاداً لا يغسلها إلا الدم.

4- ورغم اندلاع الحرب التي سعى الحزب إليها حتى بأظافره وأنوف قادته.. ورغم مطالبة القيادة الأردنية باشتراك الطيران السوري مع طيران الأردن في قصف المطارات والقواعد الإسرائيلية، خلال عودة الطائرات المعادية من هجومها على مصر (صباح 5حزيران)، وهي مجهدة، وقد نفد منها الوقود والذخيرة..

هذه المطالبة التي كررتها القيادة الأردنية أكثر من ثلاث مرات.. وفي كل مرة كان الحزب يتهرب ويدعي أعذاراً واهية غريبة.. حتى أتاحت بتلكؤها هذا، لطائرات العدو أن تتزود من جديد بالوقود والذخيرة، وتستعيد سيطرتها المطلقة على سماء الحرب.

5- ورغم كل تبجحات المسؤولين في حزب البعث، وخاصة في طبقة الحكام منه.. عن قواهم وطاقاتهم وقدراتهم وإمكاناتهم.

ورغم كل ما أطلقوه من تهديدات لإسرائيل، بالتدمير، والطرد، والإذلال، و..إلخ.

ورغم اندلاع الحرب، وانشغال القوات الإسرائيلية بكل ثقلها في جبهة سيناء والضفة الغربية.
ورغم بروز الفرصة التاريخية لجيش سوريا، بالقيام بخرق سريع للقسم الشمالي من فلسطين، كان –لو نفذ- قادراً على تحويل وجهة الحرب نحو النصر، أو الإقلال من حجم الكارثة..

رغم كل ذلك.. فإن سوريا (حزب البعث)، قد تأخرت عن الاشتراك الفعلي في الاشتباكات مدة 22 ساعة، كانت حاسمة في تاريخ أمتنا الحديث.


6- ورغم كل ما أصاب البلاد المنكوبة من بلايا، وخسائر، وهزيمة نكراء، استمرت أجهزة الإعلام البعثية بإذاعة البلاغات الكاذبة عن "انتصاراتها" –الدونكيشوتية-، مما كان له أكبر الأثر في ترك المواطن العربي في كل مكان، مشلول التفكير، عاجزاً عن تصور حقيقة الأحداث، حتى ما كاد يتوقف القتال، لتنجلي أنباء الكارثة، فوقع العرب أجمعون في ذهول المفاجأة.. ولولا عناية الله، لكان ممكناً جداً في تلك الأيام أن تحصل إسرائيل على ما تريد من فرض شروط الغالب على المغلوب "نحن".



ب- أعمال وإجراءات على مستوى الدولة في سوريا:
------

1- تسريح الجيش، وإبداله بجيش غير اختصاصي، وغير مدرب، وغير متماسك ولا متمازج.. كانت فيه السيطرة الحقيقية للانتماء الحزبي، وفي وسطه بؤرة من الانتماء النصيري الطائفي المتعصب.

2- تدمير الاقتصاد في البلاد، وتشريد رؤوس الأموال والخبرات الاقتصادية والمالية، حتى عادت سوريا في اقتصادياتها وسمعتها المالية الدولية عشرات السنين إلى الوراء.. إلى ما قبل عهد الاستقلال.

3- تشريد كل الطاقات الفعالة المنتجة، وكل الكفاءات العلمية والفنية (التجارية والصناعية والزراعية) حتى اضطر كل أصحاب هذه الكفاءات إلى الهرب من بلادهم، والتفرق في أرجاء المعمورة، طلباً للأمن (وليس طلباً للربح).. وبذلك وضعت قيادة البعث، البلاد على حافة الحرب.. وهي في شبه إفلاس كامل.

4- عدم إعلان التعبئة العامة، ومواجهة الحرب باحتياط جزئي غير مدرب، وترك القوى المدربة ذات الفعالية الممتازة، مشلولة مقيدة، ترى بأعينها الفاجعة، ويذوي شبابها وهي لا تملك الدفاع عن حدود البلاد ومقدساتها.

5- تصنيف سكان البلاد إلى مواطنين من فئات متدرجة، مما ساهم في تمزيق أواصر المجتمع، وأشعر الفئات التي عوملت بظلم أنها دخيلة على الوطن، ففقدت حماسها للدفاع عنه.

6- شن الحرب الضارية، وبكل الوسائل القذرة، على عقيدة الأمة وإيمانها (وخاصة شعب سوريا) وتربية جيش تافه فارغ الفكر والقلب، فكان منه ذلك الموقف المتداعي في وقت يطلب فيه الصمود.

7- خنق الحريات، وملاحقة رجال الفكر، وحملة الأقلام، واستئجار طبقة من أشباه الكتبة، وأنصاف المثقفين، يروجون للضلالات والعمايات.. في حين عزل المفكرون المخلصون عن ميدان الحرب.. فكان وجه من أوجه النكبة.

8- إشاعة الفوضى والانحلال في الأخلاق، وتشجيع السفلة على الاجتراء على مقدسات الشعب، ومعتقداته – وهذا من طبيعة كل حكم يقوم على الطغيان – في ظل حماية الدولة، وفي صور شتى... تراوحت بين التهتك والفجور في سلوك طبقات معينة يرعاها الحزب، وعلناً على مرأى من كل الشعب.. ومروراً بالبرامج والمقالات والأغاني والحفلات التي ترعاها الدولة وتنشرها أجهزتها الإعلامية، الرسمية وشبه الرسمية.. وانتهاءً بمفاخرة القادة والحكام والضباط بل وحتى رئيس الدولة.. بسلوكهم الفاجر، ولا أخلاقيتهم، التي بها يحكمون (في كل شأن من شؤون الحكم)..

وليس أبلغ في الدلالة على هذا من مقالة تبجح بها واحد من رؤساء الدولة البعثيين (الفريق أمين الحافظ) أمام مؤتمر صحفي ضم مندوبين عن وكالات الأنباء وعدد من الصحف المنتشرة في العالم كله.. وقف خلالها يدافع عن سلوك ربيب الحزب الماجن.. سليم حاطوم، وأمثاله من ضباط الحزب، مع (....) أبرزهن الحزب ورعاهن، مثل المغنية "لودي شامية" وغيرها كثيرات(98)..

9- عدم تسليح الشعب، بل ومحاربة كل محاولة من الشعب للتسلح، وتوزيع السلاح بلا حساب على المنظمات التابعة للحزب، مثل منظمة الحرس القومي، الذي أسموه فيما بعد: "الجيش الشعبي"، وهو يضم في صفوفه كل العاطلين عن العمل، والمنبوذين من المجتمع، والذين تربوا في الشوارع، أو في أوكار الفساد والرذيلة، فكان هذا "الجيش الشعبي" وسيلة إضافية لإذلال الشعب، وقمع حرياته، ونهب ثرواته، والاعتداء على كل مقدس وعزيز عنده.


جـ- أعمال وإجراءات تتعلق بالجيش وبالوضع العسكري في الجبهة:
------------

1- تعبئة الاحتياط بأسوأ صورة من صور الإهمال والفوضى.

2- دعوة الاحتياط دعوة جزئية مبنية على الاعتبارات الطائفية أو الطبقية البحتة.

3- اختراع فكرة الهجوم، واتخاذ التحضيرات له بشكل تمثيلي، لتبرير سحب القوات الأصيلة من مواقعها الدفاعية وإخلاء المنطقة من كل الطاقات المقاتلة الفعالة.

4- وبحجة الهجوم الكاذب.. وضعت الألوية الاحتياطية المهلهلة في الأنساق الأولى، لتتلقى الصدمة الأولى من العدو.. فكان الانهيار.

5- سوء حال أجهزة الاتصالات اللاسلكية والهاتفية حتى وصلت الحال إلى درجة انعدام الاتصال تقريباً بين القادة ووحداتهم وجوارهم، فكانت تلك الفوضى الرهيبة التي عجلت بالكارثة.

6- ممارسة أوضح صور عدم الثقة بالقوات، حين لجأت القيادة إلى تطويق الألوية الاحتياطية (التي كلفت الهجوم على صفد)، بكتائب الدبابات (البعثية الموثوقة)، لمنع تلك الألوية من أية محاولة لإسقاط الحكم المنحرف القائم في دمشق.

وكذلك.. حين لم توزع الأسلحة على الألوية الاحتياطية إلا قريباً من قواعد الانطلاق "للهجوم" بـ 1-2كم.

7- عدم نسف الملاغم.

8- سوء التموين بالذخيرة.

9- سحب أطعمة الطوارئ بحجة تبديلها.. فكان أن انقطع التموين وجاعت القوات خمسة أيام وعندها حصل الانهيار الرهيب.

10- انعدام أعمال الإخلاء، الذي سبب انهيار المعنويات.

11- فقدان المواد الطبية والعلاجية، رغم توفرها بكثرة لدى الجيش السوري.

12- سحب القوات المدافعة الأصيلة –لإخلاء الأرض لقوات الهجوم –بشكل فوضوي سبب الزحام على الطرقات.. فكانت كارثة تدمير معظم هذه القوات (وخاصة عتادها وسلاحها).

13- عدم تنفيذ الهجمات المعاكسة على مختلف المستويات، مما جعل العدو يتقدم بحرية وراحة بال، وكأنما هو ذاهب إلى نزهة عسكرية.

14- انعدام أعمال الاستطلاع، التي كانت قادرة لو نفذت كما هو مقرر، على إمداد القيادة بأفضل وأحدث المعلومات، لتتيح لها اتخاذ القرارات التي تحقق أفضل النتائج.

15- إجراء معظم التحركات نهاراً، وبدون حماية جوية، فكان لطيران العدو فرصة التسلي بضرب هذه الأرتال من القوى المتخاذلة.

16- سحب أسلحة المقاومة الشعبية، وترك سكان منطقة الجولان عزلاً في وجه خصم متفوق.

17- وجود أفراد منتشرين في صفوف الحزب والجيش، يعملون باتصال مباشرة مع شبكات التجسس، التي كان لها أثر كبير في إعطاء المعلومات الهامة في أوقاتها مسهلين بذلك للطيران المعادي حسن ضرب الأهداف بدقة عجيبة. ولا غرابة في هذا الأمر، فكوهين وشركاؤه هم خير مثال على ما نقول(99).

18- ترحيل عائلات العسكريين، وهذا كانت له الآثار السيئة التي تميزت به:

أ- تأجيج نار الحقد والحسد والشعور بالكراهية والتمييز بين العسكريين البعثيين، وبين باقي فئات الشعب.

ب- إفقاد الجيش قسماً كبيراً من آلياته وقت حاجته إليها بسبب انشغالها بنقل متاع وأثاث البعثيين.

جـ- إفقاد العسكريين، الحافز الأخير للصمود، لأن إبعاد النساء والعائلات عن ميدان القتال، يطمئن المقاتل إلى أن أهله بخير، فلا يعود يشعر بالحرج من الفرار أو التراجع دون مبرر.

إن هذا العمل مخالف لكل أعرافنا وتقاليدنا القتالية، التي مارسناها وأعطت خير النتائج، منذ جاهليتنا الأولى، وفي صدر إسلامنا، وحتى في انسياحنا الفاتح عبر أرجاء العالم القديم. ففي الجاهلية، كانت أبرز صورة لوضع النساء والأطفال، ضمن إطار الحرب، هي معركة ذي قار.

وفي صدر الإسلام، كانت أبرز صور تطبيق هذه القاعدة، هي اصطحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وعدد من الصحابة، النساء في كل غزوة خرجوا إليها.

وخلال انسياحنا الفاتح، تكثر الصور وتتنوع، ولكن أبرزها كان في القادسية، ومن كرام النماذج فيها: الخنساء، وزوجة سعد بن أبي قاص، وغيرهن كثيرات.. وفي اليرموك، وكان من كرام النماذج فيها، خولة بنت الأزور وصواحباتها اللائي وقفن خلف الجيش، يرددن الفارين، ويلهبن حماسة الرجال على الصمود، فكانت تلك الملاحم الفريدة في تاريخ الإنسانية.

أما حزب البعث.. الغريب الدخيل حتى على العربية، فقد رحل النساء والأطفال، وأبعدهم عن ميدان الحرب.. ليسهل الفرار على المقاتلين..!

19- إعلان سقوط القنيطرة قبل سقوطها لتفويت الفرصة على كل محاولة للصمود والمقاومة.

20- هروب القادة المسؤولين (وكلهم بعثيون)، وعلى رأسهم قائد الجيش، وقائد الجبهة.

21- تحرك وحدات الدبابات هرباً إلى دمشق (لحماية الثورة)، وترك واجبها في دعم وتعزيز القوات المحاربة في الأنساق الأولى.

22- إصدار الأوامر الشفوية، بإجراء الانسحاب (كيفياً)، مما كان له أكبر الأثر، في تحقيق الفرار والهروب الكبير، وترك كل الإمكانات التي كانت قادرة على وقف الجريمة عند حدود أقل مما هي الآن.

23- عدم سحب الأسلحة والعتاد والوثائق أو تدميرها، وإنما تركت للعدو سليمة ليستفيد منها فوق كل فائدة حققها باستلام الأرض الحصينة.

24- وأخيراً.. وما يعتبر أبلغ الأدلة وأوضحها وأكثرها إثباتاً لتواطؤ الحزب – كل الحزب - هو عدم محاكمة أي واحد من المسؤولين عن نكبة الجولان.

الكل يعرف أن في الجيوش التي تحترم نفسها، يحاكم حتى الأبطال الشجعان إذا خالفوا الأوامر، وتفرض بحقهم عقوبات مختلفة، إلى جانب مكافآتهم على بطولاتهم، وذلك – فقط - لمخالفتهم الأوامر، لأن هذا – لو ترك دون محاسبة- فإنه يفتح الباب واسعاً أمام كل عسكري، أن يخالف أوامر قادته، أملاً في تحقيق بطولة أو موقف متميز بالشجاعة.. وفي هذا أبلغ الخطر على استمرار حياة الجيوش، وتحقيق مهماتها، وخاصة خلال الحروب.​
 

دور الخبراء الــــــروـس الخفي التآمري في إسقاط الجولان
===========


القيادة البعثية كانت تعلم أن جيش العدو متفوق على جيشها في مختلف المجالات، وخاصة في حقل الطيران، وهي تعلم أن طيرانها عاجز عن حماية البلاد حتى من سرب جراد، لأنها شردت الطيارين، وخزنت الطائرات في عنابرها.. خوفاً من أن يستخدمها طيارون غير بعثيين ضدها، فتفقد مواقع الحكم التي تدير منها التآمر والخيانة لتسليم الأرض إلى عدو لا تقف له أطماع عند حدود.!

فمن أين جاءتها فكرة الهجوم هذه.. رغم كل علمها بأنها عاجزة عن خوض أي هجوم؟ هنا سؤال خطير.. ستكشف الأيام تباعاً، جوانب من الإجابة عنه، لأن من غير المتيسر لنا كشفها كلها.. ونحن لا نملك الاطلاع على ما يدار ويحاك في دور السفارات والأقبية السرية.. ولكننا لا بد من أن نشير إلى مسؤولية الخبراء الروس.. في تلك الجريمة.

نحن نقول: إن فكرة الهجوم – أصلاً- كانت مسرحية لتبرير سحب القوات المدافعة الأصلية، وإخلاء طريق القوات الإسرائيلية من كل مقاومة فعالة.



ولكن.. لماذا أشار الخبراء الروس بوضع ألوية الاحتياط في مقدمة قوات الهجوم.. ذلك المزعوم؟!


نحن لا نستطيع تبرئة الخبراء الروس من تلك الجريمة، لأنهم ليسوا حديثي عهد بالعمل في سوريا، وقد مضت عليهم سنوات عشر، يعملون خلالها في الجيش، يدربونه، ويطلعون على كل ما يخصه، حتى أصبحوا على علم بأدق التفصيلات عن سلاحه، وعتاده، وتعداده، والتغييرات التي أصابته، ومستويات تدريبه والقدرات القتالية لوحداته.

وما داموا يعلمون كل تلك التفاصيل، أكثر من كثير من ضباط الجيش، وما داموا يعلمون أن مستوى الوحدات الاحتياطية لا يؤهلها لخوض هجوم فعال ضد دفاع محصن... فكيف لهم أن يشيروا بوضع هذه الوحدات في المقدمة بحجة أن من الأفضل ترك الوحدات النظامية للعمل في داخل إسرائيل، فتكون مرتاحة متماسكة.. ويمكن عندها لها أن تحقق استغلال الفوز؟!


إن الخبراء الروس الذين دربوا جيشنا.. ليسوا أطفالاً أو حديثي عهد بالخدمة العسكرية.. إن أقل رتبة فيهم كانت رتبة العقيد.. وإن أقل واحد منهم، كان له اشتراك في الحرب العالمية الثانية عدا مئات المناورات التي خاضها في جيشه اشتراكاً مع جيوش الدول الشيوعية الأخرى.. وهؤلاء لهم من الخبرة والعلم العسكري ما جعلهم أهلاً لتدريب جيش ناشئ كجيشنا.. وهم يعلمون أن جميع جيوش الأرض، تضع أقوى وحداتها، وخيرة سلاحها وعتادها، في الهجوم الرئيسي، لتوجيه الضربة الأقوى والرئيسية، التي إن تمت بنجاح، فستزلزل دفاع عدوها، وتمهد لتشريد قواه ثم تدميرها.

جميع جيوش العالم.. تزج بخيرة قواها لتحقيق الفوز منذ الضربة الأولى.. فكيف أشار أو قبل الخبراء الروس أن يزجو بالوحدات الفاقدة التماسك، والهزيلة التدريب.. والمعبأة أسوأ تعبئة عرفها تاريخ جيش ما- في مواجهة دفاع حصين متماسك متين.. بحجة ترك الوحدات العاملة، مرتاحة لتتابع التوغل في عمق دفاعات العدو؟!


إننا لم نجد تفسيراً لهذا العمل، سوى التواطؤ،
----

1- إما لصالح إسرائيل مباشرة، وهذا ما لا نملك إثباته فيكفينا أننا ننبه إليه..

2- وإما التواطؤ المأمورين به من قياداتهم، لترك الألوية "البعثية الاشتراكية"، سليمة لحماية الخط اليساري الثوري، من أية تحركات شعبية عارمة ضده، وخاصة في تلك الساعات التي برز خلالها جبن وضعف وتواطؤ الجيش البعثي – ومن ورائه حزبه وأجهزته الحاكمة- تجاه العدو الإسرائيلي، وخطره الآتي عبر الحدود.


وإن الذي يؤكد ما ذهبنا إليه هنا –هو ما رأيناه من إصرار وسرعة مذهلة، قامت بها دولتهم –الاتحاد السوفياتي- في تعويض ما خسرت الدول الثورية العربية خلال مسرحية حزيران، وخاصة في حقل الطيران، بسبب فعاليته في شل قدرة أية تحركات قد تقوم بها الشعوب المنكوبة لإزالة الذين صنعوا لها النكبة.. بينما بقيت دول من الدول المنكوبة –غير اليسارية- تعاني حتى اليوم من النقص الخطير الذي لحق بقواتها عقب النكبة.. ذلك لأنه ليس في مصلحة روسيا نجدة هذه الدولة غير الثورية..!

 

القوات الإسرائيلية لا تقصف القوات السورية المنسحبة والهاربة في الجولان
=============


إن ما يلفت النظر، هو أن القوات الإسرائيلية، قد ظفرت أكثر من مرة بتجمعات من القوات الهاربة، أو بأرتال مشوهة متجرجرة تسحب أذيال الخزي والعار في رحلتها هروباً إلى أرض "الأمان".. فلماذا لم تقم بالفتك بهذه القوات الهاربة؟..

هل هذا نبل من العدو.. أن لا يفتك بقوات محطمة مشردة بعد أن ألقت سلاحها وغادرت مواقعها مولية الدبر؟...

إن تصرف العدو هذا.. يثير التساؤل حقاً، ويستحق وقفة فاحصة، للتعرف على الأهداف اللئيمة التي كان العدو يرميها بعمله هذا..

وقبل أن نحاول التعرف على تلك الأهداف.. ومقدمة تقود إلى التعرف المقصود.. نؤكد أن موقف العدو من تلك القوات، لم يكن أصيلاً في طبعه، وإنما كان جزءاً من مخطط ذي أهداف بعيدة..

ذلك أن العدو.. يقوم كل يوم في داخل الأرض المحتلة بعمليات الإبادة والتهجير، ضد كل الآمنين العزل، ويوقع فيهم أشد أنواع الإرهاب والوحشية.. مما لم تعرف له الإنسانية مثيلاً إلا في سجون حزب البعث العربي الاشتراكي..، شريك العدو.. والمنفذ الأول في المؤامرة.

ونحن نرى كل يوم، ونسمع في اليوم مرات كثيرة.. عن الوحشية والعنف اللذين يمارسهما العدو، ضد أية وحدات أو أفراد من الفدائيين، حين وقوعهم في قبضته... كما أننا ما زلنا نذكر بأوضح ما تكون الذكرى.. وحشية العدو وحقده في القدس والكرامة وقلقيلية، وإصراره على إنزال أكبر الخسائر بالأرواح، قبل الممتلكات والعتاد..

فلم إذن كان ذاك الموقف العجيب.. وقفته وحدات العدو من القوات السورية الهاربة الهائمة على وجهها في الاتجاهات الأربع وتفرعاتها؟!

إننا لا نجد لذلك إلا تفسيراً واحداً، تتفرع عنه أهداف عديدة، قصد إليها كل من العدو الإسرائيلي، والحزب البعثي.

- إن التفسير الوحيد لذلك الموقف.. هو أن العدو –حين وضعت خطة تسليمه القنيطرة-، قد قام بإعطاء تعهدات والتزامات مؤكدة، بأن قواته "الظافرة" لن تتعرض إلى الأشخاص، شريطة أن تتخذ كل الإجراءات الكفيلة بسوق هؤلاء الأشخاص، (ويشكلون بمجموعهم الوحدات المقاتلة) إلى إلقاء السلاح والفرار من وجه قوات العدو المهاجمة..


... لقد نفذ العدو التزامه كأدق ما يمكن أن ينفذه آخر سواه.. وسلم الأشخاص من حقد القوات اليهودية..، فكانت الخسائر من القلة بحيث لا يليق ذكر عددها، نسبة إلى ضخامة الخسارة التي وقعت في السلاح والعتاد والأرض.. ونسبة إلى ما كان يجب أن يدور على تلك الأرض من قتال..!

ولكن العدو المعروف بغدره، ونكثه المواعيد والمواثيق، وخيانة العهود وضرب الحائط "وغيره" بالالتزامات التي يعطيها، ماذا كان يهدف من حفاظه على التزاماته هذه حتى نفذها بدقة وأمانة؟



هذا ما سنحاول تقصيه من خلال ما نعرف عن حزب البعث وإسرائيل، كعدوين لئيمين يكيدان لهذه الأمة في دينها ومستقبلها..!
 

أما حزب البعث.. الغريب الدخيل حتى على العربية، فقد

1- رحل النساء والأطفال، وأبعدهم عن ميدان الحرب.. ليسهل الفرار على المقاتلين..!

2- إعلان سقوط القنيطرة قبل سقوطها لتفويت الفرصة على كل محاولة للصمود والمقاومة.

3- هروب القادة المسؤولين (وكلهم بعثيون)، وعلى رأسهم قائد الجيش، وقائد الجبهة.

4- تحرك وحدات الدبابات هرباً إلى دمشق (لحماية الثورة)، وترك واجبها في دعم وتعزيز القوات المحاربة في الأنساق الأولى.

5- إصدار الأوامر الشفوية، بإجراء الانسحاب (كيفياً)، مما كان له أكبر الأثر، في تحقيق الفرار والهروب الكبير، وترك كل الإمكانات التي كانت قادرة على وقف الجريمة عند حدود أقل مما هي الآن.

6- عدم سحب الأسلحة والعتاد والوثائق أو تدميرها، وإنما تركت للعدو سليمة ليستفيد منها فوق كل فائدة حققها باستلام الأرض الحصينة.

7- وأخيراً.. وما يعتبر أبلغ الأدلة وأوضحها وأكثرها إثباتاً لتواطؤ الحزب – كل الحزب - هو عدم محاكمة أي واحد من المسؤولين عن نكبة الجولان.
 
عودة
أعلى