لابد لنا قبل الحديث عن نجاح البعث بالاستيلاء على السلطة في سورية أن نتعرف على الوضع العسكري الذي يتمتع به هذا الحزب داخل الجيش السوري.
لم يكن لحزب البعث حتى عام 1958م أي جهاز تنظيمي حزبي داخل الجيش. صحيح أن هناك عدد كبير من الضباط البعثيين أو من الضباط المتعاطفين معهم، ينتهجون نهجه ويؤيدونه في نشاطه وتحركاته السياسية على صعيد الحكم والدولة. ولكنهم لا يقومون بذلك من خلال إطار تنظيمي بالمعنى الحقيقي، مرتبط مباشرة بقيادة الحزب. فعلاقة الضباط البعثيين بالحزب بقيت في الغالب علاقة تعاطف شخصي أو عائلي أو إيديولوجي، تتم عن طريق بعض قياديي الحزب، وعلى وجه الخصوص عن طريق أكرم الحوراني بالذات. (كثيرون من البعثيين المثقفين الذين كانوا ينظرون عموماً إلى تحركات العسكريين وتدخلاتهم في الشؤون السياسية بشيء من الاستياء وعدم الارتياح).
وفي هذا السياق لابد أن نذكر حقيقة، وهي أن الضباط البعثيين وحلفاءهم لعبوا دوراً رئيسياً من الجانب السوري في فرض اتفاق الوحدة السورية-المصرية عام 1958م من خلف الدولة والحكومة الشرعية في دمشق، في الشكل الذي تمت فيه.
وبكثير من السذاجة كان هؤلاء يعتقدون بأنهم سيكونون شركاء لعبد الناصر في حكم الجمهورية الوليدة، وسيكون من حصتهم إدارة الإقليم السوري الذي لم يتمكنوا من حكمه من خلال صناديق الاقتراع. ولكن هؤلاء الذين اندفعوا بعواطفهم لم يكونوا ليدركوا آنذاك أن لعبد الناصر مفهومه الخاص للحكم وللدولة.. فهناك حيز كبير بين خطاباته الملتهبة وسياسته الواقعية الحذرة في الميادين المختلفة.. إضافة إلى عدم ثقته بأي حزب سياسي داخل الجمهورية العربية المتحدة، وبين صفوف الجيش على التحديد، حتى ولو كان هذا الحزب يعلن ولاءه وانتسابه إليه وحل نفسه كحزب البعث السوري مثلاً.
بعد قيام الوحدة السورية-المصرية بوقت قليل، أُبعد جميع الضباط المتسيّسين ومن جملتهم البعثيين، عن الجيش السوري مجموعة بعد أخرى. يقول منيف الرزاز في هذا الصدد: (فلئن تحمل الحكم وجود بعض البعثيين في الوزارات أو في أجهزة الحكم، فهو لم يقبل منذ اليوم الأول، وجود البعثيين في الجيش. فتسلّم كبارهم مناصب وزارية، ونقل بعضهم سفراء وموظفين في الخارجية ونقل معظم الباقين إلى مصر بدعوى التدريب والتخصص. فلم يكد يترك أحداً منهم في منصب قيادي مهم في سورية نفسها).
لقد كانت خيبة آمال البعثيين تحمل في طياتها مرارة عميقة، ويتملكهم شعور بالأسى والحزن من عبد الناصر، الذي استخف بهم بل وخانهم (على حد قول بعضهم). فمن القاهرة حيث منفاهم، أخذ الضباط البعثيون يديرون بأنظارهم نحو دمشق. وبالفعل، أنشأوا في القاهرة عام 1959م ما سمي (باللجنة العسكرية). وكانت في البداية تتكون من خمسة ضباط ثلاثة منهم نصيريون – علويون – (محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد) واثنان إسماعيليان (عبد الكريم الجندي وأحمد المير)،
ثم وسعت اللجنة العسكرية وصار عدد أعضائها خمسة عشر عضواً كانوا كالتالي:
(5 نصيريون و2 من الإسماعيلية و2 من الدروز سليم حاطوم وحمد عبيد، وستة من السنة منهم موسى الزعبي، ومصطفى الحاج علي، وأحمد سويداني، وأمين الحافظ، ومحمد رباح الطويل). وأحيط هذا التنظيم بالسرية المطلقة في فترة زمنية طويلة، رافضين ثلاثة أشياء رفضاً قاطعاً أساسها: لا للناصرية كمفهوم سياسي للحكم، لا لصيغة الوحدة السورية-المصرية ومضمونها، وأخيراً لا لقيادة الحزب القومية.
توسعت نواة اللجنة العسكرية بعد الانفصال وثبّتت مواقعها. وبقي التنظيم البعثي الجديد والأول داخل الجيش مستقلاً استقلالاً كلياً بالنسبة إلى التكتلات البعثية المتصارعة. رافضين كل سلطة تمارس عليهم أو أبوة تفرض. ينتابهم شعور بالاعتزاز بأنفسهم. يخامرهم الاعتقاد بأنهم أصبحوا جديرين بأن يقوموا بتحركاتهم السياسية لحسابهم الخاص، وانحصرت نقمتهم داخل الحزب على قادة البعث الثلاث: (ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني)، وألقوا مسؤولية إخفاق الحزب طوال السنوات السابقة عليهم. وجعلوا تنظيمهم العسكري السري الخاص منذ البداية، بعيداً عن التيارات والاتجاهات البعثية من ناحيتي القيادة والهيكلية التنظيمية.
بعد إخفاق اللجنة العسكرية البعثية في الحركة الانقلابية التي شاركوا فيها في آذار 1962م، أبعد معظم الضباط البعثيين عن الجيش أو ألقي القبض على بعضهم. وحسب تأكيدات مصادر مختلفة: لم يبق في الجيش منهم سوى عدد قليل جداً، وفي مقدمتهم: (سليم حاطوم وصلاح جديد وسليمان حداد)، مع عدد من الضباط أقل شأناً ومن صف الضباط.
ومن خارج الجيش، عمل محمد عمران (محرك اللجنة العسكرية) على إعادة تشكيلها وتنظيمها وتوسيع قاعدتها بين الاحتياطيين والضباط المسرحين. وبنى علاقات وطيدة مع التكتلات العسكرية التي كانت تسعى لإسقاط الحكم الانفصالي: (تكتلات المستقلين والناصريين وحتى ضباط 28 أيلول 1961م).
ويذكر سامي الجندي في هذا الموضوع بأن أعضاء اللجنة العسكرية قد اتبعوا (خطة ذكية، فتسربوا إلى كل التنظيمات العسكرية دون استثناء). وهناك (بعض القوائم بأسماء الضباط وتنظيماتهم.. فيها عدد من البعثيين.. قوائم انفصالية فيها أسماء بعثية. كانوا بهذه الطريقة مطلعين على كل شيء يوجهون التنظيمات لمصلحتهم بحذر ودقة).
بالإضافة إلى هذا كله، فهم لم يهملوا أبداً اتجاهات البعث المختلفة، بغض النظر عن أي اعتبار. ومن أجل تحقيق هذا الهدف وزعت الأدوار على الضباط البعثيين كل حسب علاقاته الشخصية أو السياسية. (عبد الكريم الجندي) اتصل بحركة (الوحدويين الاشتراكيين) عن طريق ابن عمه (سامي الجندي)، (أحمد المير ومزهر هنيدي) اتصلا بالقيادة القطرية (لرياض المالكي وبالقطريين).
لقد كان غالبية أعضاء اللجنة العسكرية على اتصال دائم بما يسمى محور حمص، اللاذقية دير الزور.. ويعني هذا بالكتل البعثية لأكرم الحوراني او القطريين عن طريق (عبد البر عيون السود ووهيب الغانم ومصلح سالم) ، و(محمد عمران وسليم حاطوم) بقادة تيار (القيادة القومية)، و(حافظ الأسد) وكذلك (محمد عمران) بالناصريين وبعض المسؤولين في سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بيروت.
لم يكشف أعضاء اللجنة العسكرية أبداً عن (أوراقهم)، حتى إلى بعض اتجاهات البعث المقربة إليهم، والتي كانت تجهل تماماً، اسم ووجود هذا التنظيم للضباط البعثيين. لقد كانوا يتحدثون إلى المجموعات والكتل المعادية للحكم الانفصالي، باللغة التي كان كل من هؤلاء يرغب بسماعها. ولكن كل تكتل عسكري من ناحيته كان يفكر بأنه سيستخدم التكتلات الأخرى في الوقت المناسب.
كان الضباط البعثيون يدركون تمام الإدراك بأنهم قليلو العدد، فحاولوا أن يعوضوا عن هذا الضعف بتقوية تلاحمهم التنظيمي وبسريتهم المطلقة وبتحركهم الواسع. وهكذا استطاعوا أن يعطوا انطباعاً عاماً للجميع بأنهم أكثر عدداً وقوة مما هم عليه في الواقع.
بعد إخفاق اللجنة العسكرية البعثية في الحركة الانقلابية التي شاركوا فيها في آذار 1962م، أبعد معظم الضباط البعثيين عن الجيش أو ألقي القبض على بعضهم. وحسب تأكيدات مصادر مختلفة: لم يبق في الجيش منهم سوى عدد قليل جداً، وفي مقدمتهم: (سليم حاطوم وصلاح جديد وسليمان حداد)، مع عدد من الضباط أقل شأناً ومن صف الضباط.
الضباط الناصريون ======
يؤلف الناصريون على الصعيد العسكري اتجاهاً عريضاً يضم بين جنباته عدداً كبيراً من الضباط بالنظر إلى التكتلات الأخرى. ولكنه مع ذلك بقي تياراً عاماً، مجزأً، متناقضاً، وله عدة مراكز قوى للتقرير والتوجيه، ولم ينجح بالتالي في تكوين تنظيم موحد ومتماسك ومبني بناء قوياً، ولا في إيجاد خطة عمل تحدد الخطوات العملية وتتلاءم مع ظروف الواقع الجديدة. وكانت التعليمات والتوجيهات تأتيه من القاهرة أو من سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بيروت. وكان يضع نصب عينيه هدفاً وحيداً، يتلخص في إزالة حكم الانفصال وإعادة الوحدة الفورية مع مصر.
مجموعات الضباط المستقلين ===
لقد كانت مجموعات الضباط المستقلين في الواقع، هي الأقوى من الناحية العددية.. ولربما الوحيدة التي يمكنها أن تقوم بعمل فعّال وحاسم ضد نظام الحكم. وإلى جانب الطموحين من كل نوع.. والفئات التي تسير مع التيار العام، فهي تحوي عناصر وحدوية وتقدمية دون أن نعطي إلى كلمة وحدوية وتقدمية معنىً محدداً وواضحاً. وإذا كان الضباط المستقلون وحدويين، ومتعاطفين مع القاهرة غير أنهم لا يفكرون أبداً في أن يتم هذا التعاون والتقارب بنفس طريقة الضباط الناصريين. لذلك فقد كان الاتجاه العام للضباط المستقلين أكثر ميلاً وأقرب للتعاون والتنسيق مع مجموعة الضباط البعثيين.
جماعة المقدم زياد الحريري =========
في النصف الثاني من عام 1962م، تجمع عدد من الضباط حول المقدم (زياد الحريري) قائد الجبهة السورية-الإسرائيلية، ثم انضم إليه اللواء (عدنان عقيل)، رئيس شعبة المخابرات، واللواء (نامق كمال) رئيس أركان الجيش والقوات المسلحة.
يقول اللواء عبد الكريم زهر الدين في مذكراته: (إن المؤامرة كانت تحاك في وضح النهار وبالعلن، دون أن يكون في استطاعة حكومة خالد العظم العاجزة من أن تضع حداً لتدهور الأوضاع التي ستؤدي حتماً إلى زوالها وزوال عهد الانفصال معها).
في مطلع عام 1962م، اتفقت المجموعات الثلاث داخل الجيش السوري على تنفيذ انقلاب عسكري مشترك، يطيح بالانفصال. ولكن رغم هذا الاتفاق فإن الحذر وسوء النية والشك وعدم الثقة فيما بينها كان طابع العلاقات بين الناصريين والبعثيين.
وقعت في أوائل عام 1963م حادثتان في غاية الأهمية: محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها (عبد الكريم النحلاوي) في 13 كانون الثاني. واستلام البعث السلطة في العراق في 8 شباط، والذي كان دعماً سياسياً ومعنوياً للضباط البعثيين السوريين.
بعد نجاح حركة البعث العراقي، وجد أعضاء اللجنة العسكرية أنفسهم مرغمين على تحسين صلاتهم بالقيادة القومية، التي من خلالها يحكم البعث في العراق. فقد صرح الحكام الجدد في العراق علناً بانتمائهم إلى اتجاه الأمين العام للحزب (ميشيل عفلق). عند ذلك لعب الضباط البعثيون السوريون بدهاء ورقة المقدم (زياد الحريري) الذي تحدد له بالفعل دور (حصان طروادة) وكان يخضع تحت مراقبة حذرة من قبل ضابطين بعثيين هما: (سليم حاطوم وسليمان حداد) اللذان كانا عضوين في قيادة الجبهة السورية-الإسرائيلية.
الشركاء المتربصون ببعض ========
وفي منتصف شهر شباط تقريباً، وضع منظمو الحركة الانقلابية لمساتهم الأخيرة على خطتهم الانقلابية: وقبل (48) ساعة من بدء عملية التنفيذ، سمّي (صلاح الدين البيطار) رئيس حكومة (اتحاد وطني)، بغض النظر عن التحفظات التي كان يبديها أعضاء اللجنة العسكرية بالنسبة لشخصه. وقد كانت لهذه التسمية أسبابها الجوهرية، وهي تتلخص في أن البيطار يحوز على ثقة القيادة القومية، ولا يثير كثيراً من مخاوف الناصريين. وقد تحددت ساعة الصفر في (7) آذار لانطلاق التحرك العسكري.
في هذه الأثناء بالذات حصل تعديل في قيادة الأركان العامة للجيش، وعين بعض الضباط الناصريين في مراكز مهمة، خاصة الشخصية القيادية فيهم اللواء (راشد القطيني) الذي سمي رئيساً لشعبة المخابرات، وكذلك اللواء (محمد الصوفي) العائد من الاتحاد السوفييتي، وعين قائداً للواء الخامس في حمص.
هذا التحول الجديد الذي لم يكن يتوقعه الناصريون، دفع القطيني والصوفي، في (6) آذار، إلى تراجعهما وإقناع حلفائهما من البعثيين بالرجوع كذلك عن قرارهم والتخلي عن مشروعهم الانقلابي. وفي حال إصرار البعثيين على تنفيذ خطتهم كما هي موضوعة، فإنهما لن يشتركا معهم في هذا التحرك العسكري. وكانت حجتهما أن الوضع العام في الجيش قد تحسن وأصبح أكثر ملاءمة من السابق للقيام بثورة (بيضاء).
لقد فرض على منظمي الانقلاب بعد تخلي الضباط الناصريين أن يدخلوا بعض التغيير في خطتهم، وأن يؤخروا تنفيذ عمليتهم مدة أخرى، فإن ابتعاد الناصريين وموقفهم السلبي من الحركة، أدى خدمة كبيرة لم يكن يحلم بها أعضاء اللجنة العسكرية، حيث أصبح الطريق ممهداً أمام الضباط البعثيين لكي يلعبوا دورهم كنواة وحيدة ومنظمة تنظيماً دقيقاً، وأن يكونوا محور الحركة الانقلابية، وبالتالي محور النظام الجديد.
لقد كان الضباط الناصريون – كما ذكرنا سابقاً – يشكلون على الصعيد العسكري، اتجاهاً عريضاً يضم عدداً كبيراً بالنظر إلى التكتلات الأخرى، ولكنه اتجاه مجزأ ومفكك وضعيف وغير متجانس ولا متلاحم، جمعتهم العاطفة ونشوة الوحدة، كذلك كان هذا التشكيل مخترق من قبل عناصر مدسوسة دسّتها اللجنة العسكرية البعثية بين أفرادها.. وفوق ذلك لم تكن لهم قيادة موحدة أو مرجعية يلتفون حولها.
أما الضباط المستقلون فقد تبلور موقفهم حول المقدم زياد الحريري، قائد الجبهة السورية مع إسرائيل، وكان معه من الضباط الكبار اللواء عدنان عقيل رئيس شعبة المخابرات، واللواء نامق كمال رئيس الأركان.
في منتصف شهر شباط تقريباً، وضع رجال اللجنة العسكرية لمساتهم الأخيرة على خطتهم الانقلابية. وقبل 48 ساعة من بدء عملية التنفيذ، سمي صلاح الدين البيطار رئيس حكومة (أتحاد وطني) وسبب اختيار اللجنة العسكرية لصلاح الدين البيطار، أنه يحوز على ثقة القيادة القومية، ولا يثير مخاوف الناصريين. وتحددت ساعة الصفر يوم 7 آذار 1963م لانطلاق التحرك العسكري.
أمام تخلي الناصريين عن المشاركة في مشروع الانقلاب، اضطر البعثيون إلى أن يدخلوا بعض التغيير في خطتهم، وأن يؤخروا تنفيذ عمليتهم 24 ساعة. فأصبح التاريخ الجديد لساعة الصفر صباح يوم الثامن من آذار، ومن ناحية أخرى شعر البعثيون بعد ابتعاد الناصريين عنهم وكأنهم أزاحوا كابوساً عن ظهورهم. وهكذا أصبحت الطريق ممهدة للانفراد بالانقلاب
تنفيذ الانقلاب =======
في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة 8 آذار 1963م، طوقت الدبابات والسيارات المدرعة الإذاعة ومباني الحكومة، وتركزت في الساحات العامة. وأعلن المقدم سليم حاطوم، الذي احتل مبنى الإذاعة البيان الأول لقيام الانقلاب. وتم القبض عل العديد من السياسيين ورجال الحكومة البارزين، وتمكن رئيس الوزراء خالد العظم من الإفلات واللجوء إلى السفارة التركية بدمشق. وليتسلم حزب البعث السلطة الحقيقية في سورية.
تشكلت حكومة البيطار التي تضم كل القوى التي عارضت حكم الانفصال، واحتل البعثيون نصف حقائبها (منصور الأطرش وجمال الأتاسي وعبد الكريم زهور ووليد طالب وشبلي العيسمي وسامي الدروبي وإبراهيم ماخوس). كما اشترك فيها عن القوميين العرب (هاني الهندي وجهاد ضاحي). وأعضاء من حركة الوحدويين الاشتراكيين (سامي صوفان ثم سامي الجندي). ومن الجبهة العربية (نهاد القاسم وعبد الوهاب حومد).
وتألف المجلس الوطني لقيادة الثورة من عسكريين ومدنيين برئاسة اللواء لؤي الأتاسي، وضم كلاً من: (العسكريون: لؤي الأتاسي وزياد الحريري-غير بعثيين- فهد الشاعر وأمين الحافظ وصلاح جديد ومحمد عمران وأحمد أبو صالح وموسى الزعبي-بعثيون- أما المدنيون وكلهم بعثيون: (ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وشبلي العيسمي ومنصور الأطرش وحمودي الشوفي).
وعلى الصعيد العسكري سمي (لؤي الأتاسي) قائداً أعلى للجيش، واللواء (زياد الحريري) رئيساً للأركان العامة، واللواء (راشد القطيني) نائباً لرئيس الأركان. كما اشترك عسكريان في وزارة البيطار: اللواء أمين الحافظ-بعثي- وزيراً للداخلية، واللواء محمد الصوفي-ناصري- وزيراً للدفاع.
ويلاحظ في هذا المجال، أن أحد مؤسسي هذه اللجنة حافظ الأسد لم يظهر في الواجهة ولم يحتل أي منصب واكتفى بقيادة القوى الجوية ليبقى متابعاً للعبة اللجنة العسكرية من وراء الكواليس، ساعياً لتثبيت أكبر عدد ممكن من الضباط الموالين في صفوف الجيش وخاصة القوى الجوية.
بعد ثلاثة أيام من نجاح البعثيين في انقلابهم، أي بتاريخ 11 آذار تحرك الناصريون داخل الجيش للإطاحة بالبعثيين. ولكن لم يُقدر لمشروعهم النجاح. وأدى إخفاق تحركهم إلى تصفية عدد كبير من ضباطهم، دون إثارة أية ضجة. ولم يصدر النظام البعثي الجديد أي بيان حول هذه الحركة.
قوائم التسريحات الضباط التي أصدرتهاقيادة حركة آذار 1963م ===
1-بعد وقوع الحركة بخمسة أيام فقط، أي بتاريخ 13 آذار 1963م صدرت نشرة عسكرية أخرجت من الجيش مئة وأربعة ضباط وهم من كبار ضباط الجيش، افتتحت بالفريق عبد الكريم زهر الدين، واختتمت بالمقدم بسام العسلي.
2-وبتاريخ 16 آذار – أي بعد ثمانية أيام من وقوع الحركة – صدرت نشرة أخرى، أخرجت من الجيش 150 ضابطاً، هم الطاقة الفعالة في الجيش (قادة الكتائب ورؤساء عمليات الألوية وقادة سرايا)، وكان المقدم خليل مصطفى – مؤلف كتاب سقوط الجولان – واحداً من الذين شملتهم النشرة.
3-ثم تتابعت النشرات، تسرح، وتحيل على التقاعد، وتنقل إلى الوظائف المدنية، حتى بلغ مجموع الضباط الذين أخرجوا من الجيش حتى أيار 1967م، لا يقل عن ألفي ضابط من خيرة ضباط الجيش المحترفين كفاءة وقدرة وعطاء وحيوية، مع عدد لا يقل عن ضعفه من ضباط الصف القدامى المحترفين للعمل العسكري، والجنود المتطوعين الذين يشكلون الملاك الحقيقي الفعال لمختلف الاختصاصات في الجيش.
4-حتى لا يقال إن قيادة حركة آذار تسرح ضباط الجيش، استبدلت بالذين أخرجوا من الجيش (وخاصة الضباط) أعداداً كبيرة جداً من ضباط الاحتياط (الذين سبق لهم أن أدوا خدمة العلم) وجميعهم تقريباً من البعثيين حتى أصبح معظم ضباط الجيش ممن لا خبرة لهم ولا معرفة ولا لياقة بدنية.
ملاحظ: (التحقت بالجيش (خدمة إلزامية) يوم 20 تموز 1963م، وأُخضعت لدورة عسكرية في مدارس قطنا، وهناك في هذه المدارس لم يكن بين العشرات من الضباط وضباط الصف ما يصل إلى عدد أصابع اليدين من الضباط وضباط الصف العاملين، فقد كان معظم الضباط وضباط الصف ممن التحقوا بخدمة الاحتياط من الضباط وضباط الصف البعثيين، وكانوا في معظمهم من المدرسين سابقاً، المترهلة أجسامهم، وكبيري السن، والذين كانوا لا يعرفون ألف باء العسكرية، وبعد انتهاء الدورة التي دامت لأكثر من أحد عشر شهراً، وتخرجت (ماجور دوره) أي الأول، ورغم ذلك أفرزت للخدمة في الجبهة (الجولان سابقاً) قبل أن يفرّط نظام البعث وجيشه العقائدي به ويسلمه للصهاينة دون دفع أو مدافعة. وفي القطعة التي خدمت بها – في غير اختصاصي – التقيت أحد الضباط وكان قائداً للنقطة وقد استدعي من وظيفته كمدير مدرسة لقرية الشيخ علي (محافظة طرطوس)، وقد كشف لي سراً – عن غير قصد – أنه عند استدعاء ضباط احتياط للعمل في الجيش، نزل من الجبل ألف ضابط، معظمهم انخرطوا في الجيش. في حين صرح لي أحد ضباط الصف، والذي كان – كما قال – يعمل صياداً للسمك في مدينة صيدا اللبنانية، استدعي مع نحو ثلاثة آلاف ضابط صف بعد انقلاب8 آذار 1963م ليلتحقوا بالجيش، وكلهم كما قال لي من الجبل من محافظتي طرطوس واللاذقية).
(وفي هذا السياق تحضرني قصة وقعت لي مع قائد نقطتي الذي كان سابقاً مدير مدرسة في الشيخ بدر وهي نفس بلدته. فقد قام الطيران الإسرائيلي يوم 3/11/1964م بضرب الجبهة لمدة ثلث ساعة متواصلة، وقد ألقى العشرات من قنابل النابالم المحرمة.. وفي بداية قدوم الطائرات الإسرائيلية هرول هذا الضابط مسرعاً وبطريقة ملفتة للنظر نحو (البلوكوس) – الملجأ - فوقع منه مسدسه فلم يلتقطه، وسارعت أنا بالتقاطه وتقديمه له. وعند اقتراب الطائرات الصهيونية من نقطتنا، طلبت منه إعطائي الأمر بإطلاق النار عليها، وكررت طلبي لمرات عدة.. وكنت أشاهد الطيار الصهيوني الذي كان يقترب بطائرته حتى يكاد يلامس الأشجار الكثيفة التي كانت تغطي نقطتنا.. وكان يؤنبني قائلاً: إياك أن تطلق النار لأنك ستتهم بالخيانة لأنك كشفت النقطة وستعرضنا جميعاً للهلاك. لم أعد احتمل مشاهدتي للطائرة وطيارها.. وبين يدي مجموعة من ثلاثة رشاشات (م/ط 7/12)، فقمت بتوجيه هذه الرشاشات نحو السماء ورشقت أول طائرة اقتربت من النقطة.. وفعلت ذلك ثلاث مرات، وكنت في كل مرة أجبر الطيار على الإقلاع العامودي والفرار من سماء نقطتنا.. وكنت أسمع عويل ذلك الضابط الجبان وصراخه وتفوهه بعبارات الكفر والشتم والتهديد والوعيد، وقد خارت قواه، يهددني ويتوعدني بالويل والثبور.. بعد انتهاء العملية الصهيونية وخروج القائد الهمام من مخبئه، توجه إلي بكلمات نابية قاسية.. أقلها نعتي بالخيانة والعمالة.. في حين انقسم أفراد النقطة بين مؤيد ومندد بما قمت به. وقام القائد برفع تقرير إلى قيادة الجبهة طالباً إيقاع أقصى العقوبة بحقي.. ولكن قائد الجبهة في حينها اللواء فهد الشاعر منحني شهادة تقدير مع إجازة 12 يوماً.. وتبين لي فيما بعد أنه لم تطلق على هذه الطائرات في كل مواقع الجبهة طلقة واحدة إلا ما كنت قد أطلقته أنا).
1-لقد رافق عمليات التسريح حل بعض الوحدات المقاتلة، وتشكيل وحدات غيرها على أسس حزبية بحتة.. وبذلك أصبح الجيش عبئاً ثقيلاً على كاهل الشعب.. بدل أن يكون درعاً يدفع عنه وحصناً يذود عن حياضه.. ويحفظ أمنه وكرامته وحرياته.
2-توجت مرحلة تصفية الجيش بالأحكام الجائرة التي أصدرتها محكمة أمن الدولة التي كان يترأسها المقدم صلاح الضلي.. حيث تم إعدام عدد كبير من الضباط كان في مقدمتهم: (العقيد أركان حرب كمال مقصوصة والعقيد هشام شبيب والنقيب معروف التغلبي والنقيب ممدوح رشيد والملازم نصوح الجابي والمساعد بحري كلش).
3-بالإضافة إلى القتل والإعدام والتسريح غصت السجون بالمئات من الضباط والآلاف من باقي العسكريين.. وكان من أبرز هؤلاء المعتقلين: (اللواء محمد الجراح واللواء راشد قطيني والفريق محمد الصوفي والفريق عبد الكريم زهر الدين واللواء وديع مقعبري والعمداء مصطفى الدواليبي ونزار غزال وأكرم الخطيب وموفق عصاصة ودرويش الزوني وممدوح الحبال والعقداء هيثم المهايني ومحيي الدين حجار وحيدر الكزبري).
القيادة القومية لحزب البعث تجهل تحرك الانقلابيين ===========
حتى ساعة قيام الانقلاب ونجاحه لم تكن القيادة القومية ولا كل الاتجاهات الحزبية الأخرى على علم بتحرك 8 آذار. وهذا ما يؤكده الدكتور منيف الرزاز الأمين العام الثاني للحزب في كتابه (التجربة المرة) حيث يقول: (هذه الحركة محض عسكرية، حضّرت لها ونفذتها مجموعات من الضباط المتحالفين، وعند نجاحها دعي الحزب إلى تبؤ الحكم وتشكيل حكومة برئاسته. ولم يكن لهؤلاء الضباط برنامج محدد المعالم. وإنما وضعوا لهم هدفاً آنياً وحسب، وهو إسقاط النظام الانفصالي في سورية، على ان يبحثوا فيما بعد عن أسس للتفاهم مع الثورتين العراقية والمصرية.
لقد بقيت العلاقات زمناً طويلاً بين حزب البعث والجيش غامضة ومتناقضة إلى أبعد الحدود. يقول الرزاز: (لم يقم حزب البعث هو نفسه بتحقيق الثورة، ولكنه رسمياً هو الذي يحكم سورية).
منذ الساعات الأولى لنجاح حركة البعث في دمشق، أعلنت القاهرة تأييدها لهذه الحركة التي أنهت حكم الانفصال في سورية.. ولكن حكام مصر كان يقلقهم من غير شك أن يروا حزب البعث.. وهو الحزب الذي حاربته القاهرة بجميع الوسائل في السابق.. يمسك بزمام الأمور ويتربع على سدة الحكم في دمشق، بعد شهر فقط من استلامه الحكم في بغداد، وتشكيل جبهة بعثية في كل من سورية والعراق معاً. كذلك فوجئ الضباط الناصريون بنجاح حركة 8 آذار. لأنهم لم يتصوروا أن حلفاء البارحة – بعد نصيحتهم بعدم تنفيذ مخططهم – تجرأوا واستمروا في تحركهم بهذه السرعة، لهذا فإنهم لم يعلنوا تأييدهم للحركة العسكرية إلا بعد مدة من نجاحها.
على أية حال فقد تشكلت حكومة البيطار الأولى في العهد الجديد.. من كل القوى القومية الوحدوية التي قادت المعارضة ضد النظام الانفصالي. فمن البعثيين شارك كل من: (منصور الأطرش وجمال الأتاسي وعبد الكريم زهور ووليد طالب وشبلي العيسمي وسامي دروبي وإبراهيم ماخوس). وعن حركة القوميين العرب: (هاني الهندي وجهاد ضاحي). ومن الوحدويين الاشتراكيين: (سامي صوفان ثم سامي الجندي). ومن الجبهة العربية المتحدة: (نهاد القاسم وعبد الوهاب حومد).
وتألف المجلس الوطني لقيادة الثورة من عسكريين ومدنيين برئاسة اللواء لؤي الأتاسي، وضم كل من:
العسكريون: (لؤي الأتاسي وزياد الحريري – غير بعثيين – فهد الشاعر وأمين الحافظ وصلاح جديد ومحمد عمران وأحمد أبو صالح وموسى الزعبي – بعثيون).
وعلى الصعيد العسكري، سمي الأتاسي قائداً أعلى للجيش، واللواء زياد الحريري رئيساً للأركان العامة، واللواء راشد القطيني نائباً لرئيس الأركان. كما اشترك عسكريان في وزارة البيطار هما: اللواء أمين الحافظ – أصبح فيما بعد رئيساً للجنة العسكرية – (بعثي) وزيراً للداخلية واللواء محمد الصوفي (ناصري) وزيراً للدفاع.
يمكننا أن نلاحظ بوضوح، أن المؤسسين والمحركين الأساسيين للجنة العسكرية هم (محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد) لم يحتلوا بادئ الأمر واجهة المسرح السياسي. بل استمروا في متابعة لعبتهم من وراء الكواليس، وسعوا تدريجياً لتثبيت مواقعهم داخل القوة الحقيقية الوحيدة في البلاد (الجيش).
في هذه الظروف الداخلية والعربية.. وجدت حركة البعث نفسها في مواجهة صريحة مع النظام الناصري. ولقد فرض عليها أن تدخل مع الناصرية بمجملها، في معركة مفتوحة كان مسرحها دمشق. فقد كان هدف القاهرة الأساسي.. هو عودة الوحدة السورية-المصرية قبل أي شيء آخر. وعلى هذا الأساس عبأت الجماهير السورية والعربية في سبيل تحقيق هذه الغاية، مع نجاح حركة 8 آذار تشكيل حكومة البيطار.
وهكذا ارتفعت صور الرئيس عبد الناصر ورفرفت أعلام الجمهورية العربية المتحدة في جميع أنحاء البلاد. وعمّت المظاهرات الشعبية والعمالية والطلابية؛ التي كان يقودها القوميون العرب والوحدويون الاشتراكيون العاصمة دمشق وكبرى المدن السورية حلب.. وهي تهتف هتافات واحدة (وحدة، وحدة، عبد الناصر). وبصريح العبارة فقد بات الشارع تسيطر عليه (القوى الناصرية).
ومما يزيد (الطين بلة) فإن البعثيين في السلطة لم يكن لهم حتى ذلك الوقت؛ أي تنظيم سياسي أو حزبي يواجهون به الظروف المستجدة ويعدلوا من موازين القوى لصالحهم. لذلك عمدت سلطات البعث منذ الأيام الأولى إلى منع كل تظاهرة مهما كانت طبيعتها أو إلصاق صور أي زعيم عربي كان، وكان يقصد بذلك منع إلصاق صور عبد الناصر.
ومن ناحية أخرى فإن العناصر الناصرية المشاركة في الحكم، والتي تعتمد في قوة وجودها على هذا التيار الشعبي العام، ألحت في طلب الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، دون قيد أو شرط.
وأخذت الأسئلة تطرح نفسها لمعرفة ما إذا كان النظام الجديد ضد التقارب أو الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة؟ ألن تطرح حكومة البيطار علناً في بيانها الوزاري الذي نشر بعد ست أيام من نجاح حركة البعث بان مهمتها الأولى هي إقامة (وحدة-اتحادية) بين مصر وسورية والعراق، على أسس ديمقراطية شعبية.. وباعتماد مبدأ القيادة الجماعية، ألم ترسل من أجل ذلك في اليوم نفسه وفداً رسمياً إلى القاهرة لإجراء محادثات من أجل الاشتراك في المحادثات الوحدوية بين مصر وسورية والعراق؟.
في الحقيقة أن الصراع بين البعثيين والناصريين هو صراع على السلطة. يؤكد الدكتور جمال الأتاسي وزير الإعلام في حكومة البيطار الأولى للنظام الجديد: (إن الخلافات لها علاقة بالسيطرة على الحكم وبالنفوذ الذي سيحصل عليه كل طرف في المؤسسات القيادية والرسمية والشعبية لحركة 8 آذار).
وهكذا فإن القوى الناصرية في سورية معتمدة على الحملة الإعلامية التي تبثّها القاهرة، كانت تعمل عل عدم ترك أية مهلة للبعثيين وعدم تمكينهم من تثبيت أقدامهم في الحكم وإجبارهم على الدخول في أسرع وقت في المحادثات مع عبد الناصر.. في حين لا يزال فيه البعثيون يعانون من الضعف الشديد من ناحية التأييد الشعبي.
لقد عمل البعثيون دون تطبيل وتزمير منذ الساعات الأولى لتفادي ضعف التأييد الشعبي على تقوية موقعهم وجودهم في الوحدات العسكرية.. وذلك حتى يعوضوا عن ضعفهم العددي.. ويجابهوا الضغوطات الداخلية والخارجية التي يتعرضون لها. فأخذوا بتعاونهم مع الضباط المستقلين.. يبعدون عن الجيش العناصر التي أيدت الانفصال.. وكذلك العناصر الناصرية. وفي نفس الوقت أصدروا قراراً بالعزل المدني.. شمل عدداً كبيراً من السياسيين اليمينيين واليساريين.. بتهمة تأييد النظام الانفصالي وشمل كل من: (ناظم القدسي وخالد العظم ومأمون الكزبري ومعروف الدواليبي وصبري العسلي وسهيل الخوري وأكرم الحوراني وخليل الكلاس وعبد الغني قنوت ومصطفى حمدون وخالد بكداش).
وتسلم الضباط البعثيون بشكل أو بآخر قيادة معظم القطاعات العسكرية.. والتي من خلالها تمت بهم السيطرة الكاملة على الجيش.. الذي بدونه لن يستطيع الناصريون القيام بأية حركة أو انقلاب.
وبالفعل فإننا نجد أن الضباط الناصريين الذين كانوا يحتلون المراكز القيادية في الجيش.. قد سحب البعثيون البساط من تحتهم وتركوهم أشبه ما يكونون بالممثلين.. الذين يقومون بأدوار عسكرية في فلم حربي.. أي كانوا يحملون الرتب الفخرية.
أيضاً يجب أن لا ننسى دعم البعث العراقي للبعث السوري الخارجي.. الذي كانت له أهمية كبرى في مثل الظروف التي مر بها البعث السوري. ففي الأيام الأولى لنجاح حركة آذار.. وصل إلى دمشق وفد عراقي بقيادة علي صالح السعدي.. أمين سر قيادة القطر للحزب.
وعلى أثر المحادثات الرسمية بين البلدين. أعلن البيان المشترك السوري-العراقي في 11 آذار (أن المباحثات بين الطرفين تطرقت إلى الخطوات التي يجب اتباعها للدفاع عن الثورتين السورية والعراقية). وفي مؤتمره الصحفي.. يشير السعدي صراحة بأن القضية ليست قضية إقامة محور بين القاهرة وبغداد ولا بين بغداد ودمشق. ونقول من عندنا ولا محور بين القاهرة ودمشق.
المحــادثات الثلاثيـة للوحدة المصرية العراقية السورية ====
بعد نجاح حركة 8 آذار 1963م بستة أيام.. أي في 14 آذار.. جرت المحادثات في القاهرة بين مصر وسورية.. ثم انضمت العراق إليهما.. من أجل وضع الأسس لوحدة اتحادية. وإذا لم نتتبع هذه المفاوضات بالتفصيل.. أو اقتطاف بعض المقاطع من المناقشات التي تضمنتها.. غير أن هذه المناقشات قد أظهرت بصورة واضحة النوايا الخفية لكل فريق.. وكذلك السرعة الفائقة التي طرحت معها وعولجت بها القضايا الأساسية.
لقد ترأس جلسات المحادثات بين الوفود الثلاثة الرئيس عبد الناصر الذي كان في وضع القوة نسبياً.. وبالتالي نجح ببراعة.. أمام الرأي العام العربي.. في إخفاء ثغرات الضعف في حكمه ونظامه.. ووجد البعثيون أنفسهم في جو مثقل وحالة مشتتة وضع أقرب ما يكون إلى وضع المتهم.
لقد كان كل المشتركين في هذه المناقشات يناورون.. فهم جميعاً يتحدثون عن الوحدة العربية وعن آمال الجماهير العربي.. وفي حقيقة الأمر.. كانوا جميعاً بعيدين كل البعد عن هذه الاهتمامات.. مما جرّهم الحوار إلى ما يشبه (حوار الطرشان).
برز خلال المناقشات موقفان متعارضان: عبد الناصر أبدى عدم استعداده لعقد وحدة مع سورية يحكمها البعث وحده.. حيث ألقى عبد الناصر مسؤولية إخفاق الوحدة السورية-المصرية على البعثيين.. الذين وصل توجيه الاتهام إليهم إلى درجة (الخيانة). ومن الناحية السورية.. فإن البعث السوري.. بعد أن استخلص العبر من أخطائه التي ارتكبها في 1957-1958م عند قيام الجمهورية العربية المتحدة.. كان مصمماً على عدم الخضوع لأي ضغط مهما كانت طبيعته. فهاهو البعث يحكم قبضته على دمشق وبغداد.. بعد عناء كبير تعرض فيها إلى المزيد من العقبات والمحن.. وهو لا يريد أن يترك دمشق وبغداد لعبد الناصر. وإذا كان لابد من وحدة فإنها لن تقوم ضدهم أو بدونهم.
وبالفعل.. فقد رجحت كفة البعثيين في النهاية (ولو كان نظرياً على الأقل).. ففي 17 نيسان وقعت الوفود المصرية والسورية والعراقية ما سمي (ميثاق القاهرة).. والذي أعلن عن قيام دولة اتحادية بقيادة جماعية في مدة لا تزيد عن خمسة أشهر بين مصر وسورية والعراق تحت اسم (الجمهورية العربية المتحدة).. عاصمتها القاهرة. وكل قطر في هذه الدولة الجديدة يبقى محتفظاً بمؤسساته واستقلاله السياسي والداخلي. وتكون السلطة التشريعية والسلطة العليا مناطة بالمجلس القومي في الدولة الاتحادية الجديدة.. وهو مؤلف من مجلسين: مجلس نواب إقليمي منتخب انتخاباً مباشراً عن طريق الاقتراع السري العام.. ويضم في كل قطر عدداً من الممثلين حسب نسبة السكان.. ومجلس اتحادي يضم عدداً متساوياً من الأعضاء في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة. والمجلس القومي هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية ونوابه الثلاثة. والقوانين والتشريعات لا تصبح سارية المفعول إلا بعد الموافقة والتصديق عليها من قبل المجلس الإقليمي والمجلس الاتحادي. وأخيراً فإن مجلس الوزراء إنما يكون مسؤولاً مسؤولية مباشرة أمام المجلس القومي.
لم يتمالك البعثيون دهشتهم عندما وقع عبد الناصر على (ميثاق 17 نيسان). فهم لم يكونوا ليتصوروا أن رئيس الدولة المصرية سيقبل باتفاق يحد من صلاحياته ويقيم نظاماً اتحادياً مبنياً على أسس من القيادة الجماعية. لذلك فإن مخاوفهم كانت كبيرة لاعتقادهم بأن عبد الناصر عندما وقع هذا الميثاق.. قد أعطى نفسه مهلة خمسة أشهر.. يسعى خلالها لتغيير موازين القوى في دمشق وبغداد لمصلحته.
ومما كان يزيد من هذه المخاوف والشكوك تحركات الناصريين في دمشق ونشاطهم السياسي على الصعيد الداخلي.. المرتبط بتعليمات يتلقوها من القاهرة.. ولم يكن ذلك سراً. فالناصريون منذ الأيام الأولى قد حاولوا أن يثيروا المتاعب والاضطرابات في وجه النظام البعثي.. وطالبوا بإقامة وحدة فورية مع مصر.. ونظموا لهذا الغرض المظاهرات الشعبية في البلاد كلها.. لكي تمارس ضغوطاتها على السلطات الحكومية البعثية.
وفي نفس الوقت فقد كانت التنظيمات الناصرية تطالب بإشراكها في الحكم مناصفة. وهذه المنظمات هي: (حركة القوميين العرب، وحركة الوحدويين الاشتراكيين، والجبهة العربية المتحدة).. وكانت تلح على البعث أن يقبل مبدأ توزيع المناصب في الحكم معه على قدم المساواة. وهذا يعني أن البعث يجب أن يحتل فقط ربع المقاعد في المجلس الوطني لقيادة الثورة.. وأن يحمل ربع الحقائب الوزارية.
وقد صرح بهذا الصدد (نهاد القاسم).. زعيم الجبهة العربية المتحدة قائلاً: (إن القوى الوحدوية لا تضع إلا شرطاً واحداً وهو أن يقبل البعث مبدأ المساواة مع كافة المجموعات الوحدوية التي وقعت ميثاق القاهرة). ونظراً للأوضاع السياسية والعسكرية التي وصل البعثيون بها إلى الحكم.. فإنهم وجدوا أنفسه معزولين تقريباً.. من ناحية التأييد الشعبي.. وفي كل المناطق السورية سواء في الريف أو المدن.
ورغم التأييد الشعبي الذي كانت تحظى به التنظيمات الناصرية فإنها كانت تدخل في الغالب في معارك جانبية بشكل مبعثر. وفي خضم الصراع الوحدوي الإعلامي الذي وصلت إليه من العنف الهستيري.. فإنها لم تستطع أن توحد صففها وتقيم تنظيماً سياسياً متجانساً أو تحدد برنامجاً موحداً. وهكذا فقد فسحت المجال لخصومها بإزالتها مجموعة بعد أخرى.
في أثناء المحادثات الثلاثية وقبل توقيع (ميثاق 17 نيسان).. وقعت صدامات في سورية بين المتظاهرين الناصريين من جهة وبين رجال الشرطة والجيش من جهة أخرى. وفي أوائل نيسان صدر أمر عسكري بمنع التجول في جميع أنحاء البلاد.. ويمنع التجمعات وحمل السلاح تحت طائلة العقوبات الشديدة.. وقد أحدث منصب جديد وهو نائب الحاكم العرفي.. وعهد به إلى وزير الداخلية (اللواء أمين الحافظ).. يخوله ممارسة كافة السلطات الواردة في نصوص الأحكام حول حالة الطوارئ. وأول عمل قام به هو إغلاق المدارس والجامعات حيث تتمركز التنظيمات الناصرية.
في شهر أيار من نفس السنة.. وصل الجو السياسي إلى درجة عالية من التوتر أصبحت معه القطيعة أمراً لا يمكن تلافيه بين حلفاء المس: القوى الناصرية والحكم البعثي في سورية.. فقدم الوزراء الناصريون (نهاد القاسم وعبد الوهاب حومد وهاني الهندي وجهاد ضاحي وسامي صوفان وسامي الجندي)(3) استقالاتهم من حكومة البيطار احتجاجاً لرفضها توزيع الحقائب والمناصب في مختلف أجهزة الدولة بالتساوي. وفي نفس الوقت تقدم ثلاثة وزراء بعثيين استقالاتهم وهم (جمال الأتاسي وعبد الكريم زهور وسامي الدروبي). ولكن في الجيش بلغت التصفية أرقاماً خيالية بحق الضباط الناصريين.. ويأتي في مقدمتهم: (اللواء راشد القطيني نائب رئيس الأركان، واللواء محمد الصوفي وزير الدفاع، والرائد حسين القاضي رئيس الشعبة الثانية، والرائد جميل فياض قائد قوى الأمن الداخلي).
يقول الدكتور سامي الجندي أحد مؤسسي حزب البعث، وكان قد تقلد منصب وزير الإعلام بعد انقلاب آذار: (إنه بعد أن أسندت إليه مسؤولية وزارة الإعلام بثلاثة أيام، زاره (الرفاق) في مكتبه من أبناء طائفته مطالبين بالتخلص من أبناء دمشق وحلب وحماة وتعيين أبناء الطائفة في وظائفهم مكان المسلمين) – يقصد السنة -. أمام هذه التطورات لم تبق القاهرة مكتوفة الأيدي.. بل شنت حملة إعلامية عنيفة ضد البعث السوري مع تجنب ذكر البعث العراقي. وفي المقابل رد البيطار على تهجمات القاهرة.
وتدخل السياسي المغربي (المهدي بن بركة) واتصل بالمسؤولين في سورية والعراق ومصر.. واتفق مع البعثيين السوريين على النقاط الأربعة الأساسية التالية:
1-عودة الضباط الناصريين المسرحين إلى الجيش السوري. 2-تشكيل جبهة قومية موحدة تضم كل القوى الوحدوية. 3-عقد مؤتمر قمة بين مصر وسورية والعراق في 23 تموز. 4-التحضير لاجتماع عام يشترك فيه الاتحاد الوطني للقوى الشعبية في المغرب والاتحاد الاشتراكي العربي في مصر وجبهة التحرير الوطني الجزائرية وحزب البعث العربي الاشتراكي.
ولأجل تحقيق هذا الهدف فقد وصل وفدٌ سوريٌ إلى القاهرة برئاسة اللواء لؤي الأتاسي.. ويضم المقدم محمد عمران والمقدم فهد الشاعر والدكتور سامي الجندي وزير الإعلام. وقد طلب عبد الناصر أثناء محادثاته مع أعضاء الوفد – بالإضافة إلى عودة جميع الضباط الناصريين إلى الجيش – إنشاء حركة سياسية واحدة.. يشترك فيها كل القوى الاشتراكية العربية وتتخلى عن أية تسمية.. سواء كان ذلك اسم الاتحاد الاشتراكي العربي أو البعث أو أي حزب آخر. وبالتالي فإن عبد الناصر طلب بأن تكون هذه الحركة الجديدة تحت قيادته الشخصية بينما كانت تجري المحادثات في القاهرة بين عبد الناصر والوفد السوري. كان الناصريون – مدنيون وعسكريون – يعدون العدة للانقضاض على البعثيين مستهدفين حصنهم الحصين.. الجيش.
محاولة انقلاب الناصريين في 18-7-1963 ==
وكانت سلطات البعث على علم بكل تفاصيل خطط وتحركات الناصريين. (استطاع البعثيون اختراق الناصريين من خلال زرع أحد عناصرهم المقدم محمد نبهان – أحد منظري التحركات الناصرية – ليكون عينهم بين صفوف الناصريين، وكان يقدم المعلومات كاملة وتفصيلية عن خطط وتحركات الناصريين إلى أعضاء اللجنة العسكرية. مما أفشل كل تحركاتهم).
وفي 18 تموز في وضح النهار.. وفي الساعة الحادية عشرة صباحاً.. احتل ما يقرب من ألفين من المسلحين مواقعهم.. في الحدائق العامة المحيطة بمبنى القيادة العامة للأركان.. يقودها من العسكريين كل من: (اللواء راشد القطيني نائب رئيس الأركان السابق، والعقيد جاسم علوان – زعيم الحركة – واللواء محمد الجراح رئيس قوى الأمن الداخلي في عهد الوحدة، والمقدم أدهم مصطفى نائب عبد الحميد السراج رئيس الشعبة الثانية، والعقيد مروان السباعي رئيس الشعبة الثانية بعد السراج، والمقدم رائف المعرّي)
من المدنيين: (جهاد ضاحي أحد قادة حركة القوميين العرب وزير المواصلات السابق، وعبد الصمد فتيّح أحد مسؤولي الجبهة العربية المتحدة ونائب رئيس المجلس السابق، وعبد الوهاب حومد أحد قادة الجبهة العربية المتحدة ووزير المالية السابق، ويوسف مزاحم أحد الوزراء السابقين في الجمهورية العربية المتحدة). وهاجموا الأركان من جبهتين في نفس الوقت، وكذلك مبنى الإذاعة، وحرس أركان القوات المسلحة.
لى أن ردّة فعل السلطات البعثية – العالمة مسبقاً بهذا التحرك الناصري – كانت أكثر عنفاً.. وكانت معركة من أكثر المعارك دموية تعرفها دمشق. وكانت نتيجتها مئات من القتلى وإعدام فوري لثمانية عسكريين واثنا عشر مدنياً. واحتل الجيش – الذي بات بعثياً – النقاط الإستراتيجية في العاصمة. وأخذ (الحرس القومي) – ميليشيا حزب البعث – يطارد الناصريين في كل أرجاء البلاد السورية.
فقد توزع هذا الحرس على شكل حواجز ثابتة وطيارة في العاصمة دمشق، وكان في مقدمة المشرفين على هذه الحواجز اللواء أمين الحافظ وزير الداخلية والعديد من القيادات الحزبية المتقدمة، الذين كانوا يستفزون المواطنين ويتعاملون معهم بقسوة وفوقية وينظرون إلى الجميع كأنهم متهمون بالعمالة والخيانة ومتآمرون على الوطن، كما انتشرت فرق من هذا الحرس في كافة المدن السورية لملاحقة الناصريين ومؤيديهم.
وقد يتساءل البعض لماذا لم تقم السلطات البعثية في دمشق بإلقاء القبض على قادة الحركة.. طالما أنها تعرفهم بأسمائهم وتعرف خططهم قبل أن يقدموا على تنفيذ العملية؟ والجواب بسيط: لأن البعث يريد ان يرهب كل معارضيه.. كما كان يريد أن يقضي عسكرياً على تنظيمات الناصريين السرية وعلى عناصرهم الأكثر نشاطاً.. ويزيد بالتالي من شقة الخلاف وقطع الجسور نهائياً ما بين دمشق والقاهرة.
مهما يكن من أمر.. فإن هذه هي المرة الأولى التي تُقمع فيها حركة انقلابية في سورية بكثير من العنف وإسالة الدماء الغزيرة التي لا مبرر لها.. وهي المرة الأولى أيضاً منذ الاستقلال التي يدافع فيها نظام عن بقائه في الحكم بالسلاح وإسالة الدماء. وبذلك يكون البعثيون في سورية أول من استنّوا هذه السنة السيئة.. والتي تشبه إلى حد بعيد السنة التي استنها قابيل عندما قتل أخاه هابيل.
بعد كل هذه الأحداث خرج عبد الناصر عن صمته ليعلن الحرب ضد البعث السوري.. معلناً في نفس الوقت انسحاب القاهرة من (ميثاق 17 نيسان) حول الوحدة الاتحادية الثلاثية بين مصر وسورية والعراق. وأعلن عبد الناصر: (أن السلطات التي تحكم اليوم في سورية لا تمثل الشعب السوري. لهذا فإنني أعلن قطع العلاقات مع الحكومة الفاشية التي تقيم في دمشق).
أما البعث السوري فقد اعتبر أن نقض ميثاق 17 نيسان هو بمثابة جريمة ترتكب ضد الوحدة العربية.. وانعطاف تاريخي خطير لا يختلف في شيء عن 28 أيلول 1961م، عند وقوع الانفصال السوري.. ولكنه بنفس الوقت يعلن (تمسكه) الذي لا يحيد عنه بهذا الاتفاق ويطلب تطبيق بنوده في الوقت المحدد.
لابد أن يتساءل المرء: هل البعثيون جادّون فعلاً ويسعون لعقد وحدة مع مصر؟ ولابد لنا قبل الإجابة أن نذكّر بأن البعثيين لا يؤلفون تكتلاً سياسياً موحداً أو منسجماً. وبالتالي، فليس لديهم برنامج واضح المعالم والخطوات العملية في هذا الميدان. فسياستهم سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد العربي كانت عبارة عن سلسلة من ردّات الفعل بالنسبة للأحداث التي كانت تجري في سورية منذ 8 آذار. ومن جهة أخرى فإن الحزب كحزب، حتى استلام السلطة في دمشق، لم يكن منظماً بعد، ووجوده هو أقرب إلى الوجود الاسمي منه إلى الوجود الفعلي. أي أنه نوع من (اليافطة السياسية) إذا صحت التسمية أو صح التعبير.
فقيادة الحزب القومية – كما نوهنا سابقاً – لم تكن على علم رسمياً بالتحضير للحركة، ولا باليوم الذي سينفذ فيه الانقلاب. وعلى أية حال، فإن الغالبية العظمى من قادته وعلى رأسهم ميشيل عفلق كانوا في بغداد قبل أسبوعين من وقوع الحركة العسكرية في دمشق في 8 آذار. وكذلك فإن صلاح الدين البيطار لم يكلف بتأليف حكومة (اتحاد وطني) إلا قبل وقت وجيز جداً من بدء عملية التنفيذ.
وبكلمة صريحة ومختصرة.. ليس حزب البعث بقيادته القومية.. ولا قيادتيه القطريتين.. ولا حكومة البيطار.. ولا المجلس الوطني لقياد الثورة.. ولا حتى اللجنة العسكرية من يحكم سورية!! إن الذي يحكم سورية هو الثلاثي (صلاح جديد، ومحمد عمران، وحافظ الاسد). فهم وحدهم هم من يسيطر على الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية بأيد أخطبوطية.. ويمسكون بكل مفاصل الجيش والقوات المسلحة.
بعد شهرين قرر البعثيون تصفية شركائهم بالانقلاب ..وبدأ الناصريون يحيكون المؤامرات لينقضو على الغنيمة وحدهم ((الدولة))
بدأو بالحلقة الأضعف – حلقة زياد الحريري قائد الإنقلاب فأرسل على رأس وفد إلى الجزائر بقرارمن مجلس قيادة الثورة ..وبعد وصوله بالسلامة وصله قرار عاجل بتعيينه ملحقاً عسكرياً في باريس براتب ضخم يعادل راتب رئيس دولة وترفيعه إلى رتبة فريق .. كما جاء في مذكرات السيد الحوراني ج4 ص3169 -- وقاموا بتسريح الضباط غير الحزبيين الموالين لزياد الحريري بإحالتهم على المعاش وهم في ريعان شبابهم ...
ورغم انضمام عفلق وعبد الناصر وحسن البكر لمباحثات الإتحاد الثلاثي التي توجت بميثاق 17 نيسان ذهبت كلها أدراج الرياح وبقي الميثاق حبراً على ورق مادام كل طرف يكيد للطرف الاّخر ويزاود عليه ..
فبعد 18 تموز من نفس العام 63 وهو تاريخ محاولة الإنقلاب الناصرية الفاشلة التي كانت ملغومة وذهب ضحيتها عشرات الضباط وضباط الصف مجانا في محاكمات قراقوشية في سحن المزة كما سنرى بالتفصيل ..
فرط ميثاق الإتحاد الثلاثي ونشر الإعلام المصري محاضر الإجتماعات الثلاثية وبنود الميثاق السرية المخزية ... وقبل الحديث عن محاولة إنقلاب 18 تموز الفاشلة ..سأتحدث عن مقطع صغير من مؤامرة تصفية
الكوادر الوطنية القيادية في الجيش الوطني السوري التي نفذها حكم البعث بوعي أو بدون وعي حتى وصل حافط الأسد للرئاسة وفق المخطط الأمريكي الصهيوني ..حتى أن الكثيرين من المؤرحين باتوا يعتقدون أن تصفية كوادر الجيش السوري الوطني التي كلفت الخزانة العامة مليارات الدولارات ,,كان مطلباً أمريكيا صهيونياً في تلك المرحلة لأنها كانت عقبة كأداء أمام مشروع تحويل نهر الأردن وإغتصاب نهري الحاصباني واليرموك لإعمار النقب وجلب مليوني مستوطن صهيوني إليه ..وهذا ما حصل فيما بعد ؟
بدأ عسكر الطاووس الإنقلابي يرفّع نفسه بعد الثامن من اّذار.. فلؤي أتاسي رئيس مجلس قيادة الثورة رفّع نفسه من عميد إلى فريق دفعة واحدة وأصبح المسؤول الأول عن السلطتبن التنفيدية والتشريعية ..ورفع كل من محمد عمران وصلاح جديد وحافظ أسد زعماء القيادة القطرية من مقدم إلى لواء ورفع أمين الحافظ من رتبة عقيد إلى فريق وعين رئيساً للدولة بعد إنسحاب الناصريين من مجلس قيادة الثورة وحكومة البيطار الثانية ...
بدأ تسريح الضباط الوطنيين من قطعات الجيش المختلفة منذ مطلع عام 1959 أثناء الوحدة السورية المصرية حيث تم تسريح أكثر من 1500 ضايط وضابط صف بحجة (الخطر الشيوعي ) بما فيهم قيادة الجيش السوري وهيأة أركانه كلها التي صنعت الوحدة مع مصر لتكون درعاً لحماية سورية وتحرير فلسطين كما سرحت دورات طلاب ضباط بكاملها من الكليات العسكرية المختلفة ..
وقد تبجح أمامي في بغداد السيد مصطفى حمدون دون خجل في جلسة أصدقاء بأنه هو والمقدم عبد الكريم النحلاوي مساعد المشيرعامر حاكم سورية إبان الوحدة اللذان وضعا قوائم الضباط الذين سرحوا في عهد الوحدة السورية المصرية ..وتجاوز عددهم / 1200 / ضابط وضابط صف بماقيهم قيادة الجيش وقطعاته الرئيسية ..
وعبد الكريم نحلاوي قائد إنقلاب الإنفصال في 28 أيلول 1961 قام بتسريح الضباط الناصرببن وبعض البعثيين من الجيش وعددهم تجاوز المئتي ضابط .وتجاوز عددهم المئات .
تلا ذلك تصفية النحلاوي نفسه وضباط الإنفصال كلهم بعد الثامن من اّذار 1963 ووضعوا في السجن .أو فروا إلى الخارج وتجاوزعددهم 250 ضابطاً وضابط صف ,,.
وفي العاشر من أيار 63 تم الغدر بقائد إنقلاب الثامن من اّذار المشؤوم زياد الحريري بعد ترفيعة إلى رتبة فريق وتعيينه براتب رئيس دولة ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية بباريس ...وتمت تصفية أنصاره في الجيش وتسريحهم ..
وبعد محاولة الإنقلاب الناصرية الفاشلة بقيادة لؤي أتاسي – جاسم علوان – محمد الجراح -- رائف المعري -- هيثم الأيوبي - التي كانت ملغومة من البعثيين في 18 تموز 1963 قتل عشرات الضباط وضباط الصف والمقاتلين سواء أثناء الهجوم على مبنى الأركان العامة أو الإذاعة والتلفزيون ...أو من الذين اعتقلوا ومثلوا أمام محكمة صلاح الضللي القراقوشية وأعضاؤها : سليم حاطوم – محمود حمرا – رباح الطويل .. في سجن المزة التي أعدمت أكثر من أربعين ضابطاً وضابط صف دون حضور أي محامي ودون أي حق للدفاع ..ودون أي قانون..كانت تكفي إشارة من يد رئيس المحكمة .. لتنفيذ الإعدام بالضحية خلف سجن المزة ..ذهب ضحيتها اللواء هشامشبيب قائد سلاح الإشارة في الجيش السوري والضابط المغوار بحري كلش ..وغيرهم ..
بعدها سرح الناصريون بالمئات جميعاً من الجيش وسجنوا أو فروا إلى مصر وغيرها ..
ورغم انفراد البعثيين في غنيمة الدولة وقيادة الجيش السوريبعد 18 تموز 63 .. بدأ صراع جديد بين عسكر الطاووس بين يسار كاذب ويمين أكذب وأكثر رجعية واستبداداً ودموية من التيارات الأصولية الدينية ,,برز ذلك في إنتخابات القيادة القطرية وصولاً إلى المؤتمر القطري السادس بعد عام داخل الحزب الواحد ..وصولاً إلى إنقلاب 23 شباط 1966 والمجازر المسلحة بين الطرفين التي توجت بالهجوم بالدبابات بقيادة عزت جديد والقوات الخاصة بقيادة سليم حاطوم على منزل السيد أمين الحافظ الذي عينته اللجنة العسكرية ومجلس قيادة الثورة رئيساً للدولة .. وبعدها سرح أو سجن ما تبقى من كوادر الجيش السوري حتى أضحت قطعات عسكرية بكاملها دون قيادة إدارية أو ميدانية .. وبلغ عدد الكوادر العسكرية التي فقدها جيشنا الوطني .أكثر من ثلاثة اّلاف ضابط وضايط صف ...منذ تسريحات النظام الناصري مطلع عام 1959 --- إلى تسريحات الفاشية البعثية بعد الثامن من اّذار 63---حتى حرب حزيران 1967....
لذلك دعوا أكثر من 700 شاب لسد الفراغ ,من حملة الشهادة الثانوية ومن ضباط الإحتياط المسرحين وكانوا من المعلمين أو موظفين عاديين في دوائر الدولة – للخدمة في الجيش ومنحوهم رتبة إضافية وسلموهم قطعات الجيش التي فقدت كوادرها الوطنية المجربة .. وكانت الكارثة الأكبرالتي خطط لها المجرم الأكبر حافظ الأسد في بيع الجولان كما سيأتي . === ===
سواء بالوفاق بينهما في طبخة الوحدة الاتجالية التي توقع البعث منها أن يتسلم مفاتيح الوصاية عليها أو بالصراع بينهما بعد انقلاب 8 اّذار
كانت تصفية الجيش السوري مطلباّ أمريكيا هذا الجيش الذي منع إسرائيل من تحويل نهر الأردن وكبدها خسائر كبيرة كلما حاولت الإعتداء في البر والجو رغم تفوق السلاح الإسرائيلي والدعم الأمريكي وقد أعطى مجلس قيادة الثورة لنفسه السلطات الثلاث وحق التصرف بالجيش كما يحلو له وفي أوائل حزيران 1963 صدر مرسوم عما سمي - مجلس قيادة الثورة جاء في مادته الثامنة ما يلي : ( لمجلس قيادة الثورة مناقشة وإقرار تسليح الجيش العامل والإحتياطي وتكوينه وتخفيضه وحله بناء على اقتراح مجلس الدفاع )
يقول المرحوم الحوراني في مذكراته ج4 ص3191 ما يلي : ( عندما سمعت هذا المرسوم وأنا في مخبأي اعتبرت أن الحديث عن تخفيض الجيش أو حله ... هو رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل تعلن امتناع عن أي عمل عسكري لمنع إسرائيل من تحويل نهر الأردن ... كما قال : وهنا يحق لنا أن نتساءل هل كانت تصفية الجيش السوري بعد انقلاب اّذار مطلباّ أمريكياّ ؟؟ ... لقد استمر إصرار إنقلابيي الثامن من اّذار من العسكريين على استراتيجية تصفية الجيش السوري إلى ماقبل حرب حزيران 1967 بسبب التكالب على السلطة تحت مختلف الذرائع وبحجة تبني حرب التحرير الشعبية ....)
و استبدلت القيادة العسكرية المتواطئة اّلاف الكوادر المسرحة بحوالي 700 ضابط إحتياط من معلمي المدارس وموظفي الدولة ليسدوا الشواغر الهائلة في مختلف قطعات الجيش التى كانت شبه مشلولة عشية خيانة حزيران التي خطط لها ونفذها حافظ الأسد وأسياده بكل بساطة .. بعد أن رفغته القيادة أو رفّع نفسه عام 1966 من رتبة مقدم إلى رتبة لواء شأنه شأن معظم فرسان عسكر الهزيمة قبل وبعد ها كانت الصحف اللبنانية فقط تنشر قوائم الضباط السوريين المسرحين بعد كل عاصفة إنقلابية أو محاولة فاشلة وخصوصا صحيفتي - الحياة والنهار يمكن الرجوع إليها من تاريخ 8 اّذار حتى حزيران الخيانة 1967 التي أسموها نكسة
وفي محادثات الوحدة الثلاثية في القاهرة بتاريخ 14 - 3 -1963 وقف لوْي أتاسي الذي رفّع نفسه من عميد إلى فريق وأصبح رئيس دولة بعد الثامن من اّذار .ز متبجحاّ بما يلي : ( حتى الاّن صار عندي 300 ضابط مسرّح من مختلف الرتب وماشيين بالتسريح وأي إنسان لو أشك أنه لايسير مع اتجاهنا على طول يسرّح ... يعني لواء قد يكون المدى بتاعه أو الميزانية بتاعة 25 بالميّة موْمنة أحسن من ميّة بالمية ( أي عدد الضباط اللازم لقيادة لواء ) يكون ذلك تناقضات ومشلول ودي سياستنا دلوقت - الطبعة الأولى دار الإهرام ص 57 )
كان عبد الناصر وأركان نظامه يهشون لأقوال الوفد السوري ومما قاله فهد الشاعر عضو الوفد : ( إن التجانس العسكري والمدني سيكون دائماّ العامل المحرك لدفع القومية العربية إلى الأمام وحمايتها من أي خطر .... إن الأسلوب الذي أشار إليه الفريق الأتاسي هو المتبع في الجيش أي الإبقاء على العناصر التي توْمن بالعروبة والقومية ..)
كما شمّل التصفية إلى جميع موْسسات الدولة المدنية وقال الشاعر ( لايمكنني أن أتصور وجود ضابطشيوعي يدين بلينين وستالين وماركس أو ضابط كردي يريد دولة كردية أو ضابط إنفصالي يسيطر عليه الدين .. في كتيبة مشاة ..الخ نفس المصدر ص 75 ) وبإمكاننا تحديد مجزرة تصفية الجيش السوري وتسريح خيرة كوادره حتى عشية خيانة حزيران بما يلي :؟
- 1
سرح خلال عهد الوحدة السورية المصرية : 1500 ضابط وضابط صف بما فيهم قيادة الجيش السوري وهيأة أركانه التي وقعت ميثاق الوحدة مع عبد الناصر في 23 شباط 1958 ظلماّ وعدوانا تحت ذريعة ( الخطر الشيوعي ) وقد وضع قوائم التسريح ضباط البعث مع عبد الكريم النحلاوي مساعد المشير عامر كما اعترف أمامي بذلك السيد مصطفى حمدون -2 سرح أثناء عهد الإنفصال : 200 ضابط وضابط صف واغتيل عدد من الشبان الضباط على أيدي الإنقلابيين ابراهيم العلي وجاسم علوان في حلب في 22 اّذار 1962 - -3 بعد انقلاب 8 اّذار تم تسريح أكثر من 1000 ضابط وضابط صف بذريعة ( الإنفصال ) فيما بينهم قيادة الأركان العامة وقيادات جميع القطعات العسكرية البرية والجوية والبحرية . كما سرحت دورات كاملة في الكلية العسكرية والمدارس العسكرية المختلفة
4- في 18 تموز بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة التي قادها لوْي الأتاسي الاّنف الذكر مع جاسم علوان ومحمد الجراح ورائف المعري سرح أكثر من 200 ضابط وضابط صف كما أعدم في محاكمات كراكوزية في سجن المزة أكثر من 30 ضابط وضابط صف في مقدمتهم العقيد هشام شبيب قائد سلاح الإشارة والضابط بحري كلش وغيرهم من المدنيين والعسكريين الناصريين والقوميين العرب - 5 سرح من الجيش والشرطة بعد انقلاب 23 شباط 1966 أكثر من 600 ضابط وضابط صف من أنصار الرئيس أمين الحافظ والقيادة البعث القومية -6 كما سرح أكثر من 200 ضابط وضابط صف في محاولات الإنقلاب المتكررة خلال عام 1966 من قبل القيادة القومية وسليم حاطوم - محاولات فاشلة - وبهذ نكون قد بلغنا عشية حرب حزيران 1967 وقد خسر بل فقد الجيش السوري خيرة قياداته وكوادره التي شكل مجموعها التقريبي : 3500 ضابط وضابط صف خدمة لمن تمت كل هذه التصفيات بل هذه الجريمة التي حلّت بشبابنا وجيشنا الذي كان وحده يرعب العدو الصهيوني .. كما سيأتي
من مذكرات حافظ الأسد كيف شارك بانقلاب 8-3-1963 وسيطر على القوات الجوية برتل صغير
============ أمّا حافظ الأسد الذي كان مسرّحاً من الجيش خلال انفصال سورية عن مصر ((1961-1963)) ، فيكتب باتريك سيل كاتب مذكرات حافظ الأسد :
<< وكانت اللحظة المظفّرة للأسد هي لحظة استيلائه على قاعدة الضمير الجوية في القلمون الشرقي، حيث كانت القوة الجوية بكاملها متمركزة فيها والتي كانت القوة الجوية الوحيدة ضدّ الانقلاب البعثي ، فقد أُرسلت بعض الطائرات لقصف المتمردين البعثيين في 8-3-1963.
و كانت الخطة تقضي بأن يتحرك حافظ الأسد ضدّ الضْمير على رأس سرية من لواء زياد الحريري(( الذي نفذ انقلاب 1963 عندما زحف بلواءه من جبهة الجولان وتركها فارغة واحتل دمشق ))، مستهدفاً الوصول قبل الفجر لتجنّب وقوع هجوم عليه من الجوّ، ولكن حصلت مشكلة معرقلة لم تكن في الحسبان،
فقد استغرقت المفاوضات في الكسوة مدخل دمشق الجنوبي أطول ممّا كان متوقعاً. ولذا فقد كان في وضح النهار عندما أُوقفت قوّته الصغيرة على بعد ثلاثة أو أربعة كيلومترات من القاعدة التي كانت الدبّابات قد وجِدت لتتمركز حولها، وكان الأسد لا يزال بالملابس المدنية.
يقول(حافظ الأسد) مستذكراً: "أرسلتُ إليهم مبعوثاً برسالة تحذيرية بأنني سأباشر القصف إذا كانت هناك أيّة مقاومة. وبعد بضع دقائق جاء اثنان من ضبّاطهم في سيارة ليقترحا التفاوض، فهرعت على الفور معهما إلى حيث آمر القاعدة، وقلت له: لقد انتهى الأمر بالنسبة لكم ونحن لا نريد أن نقتل أحدا، ولكن مالم تستسلموا فإننا سنستعمل القوة. ثم أمرته بإنزال الطائرات"
و يتابع الأسد:" وصاح أحد الضبّاط: هل تعتقد بأننا سنستسلم للناصريين؟ وكان السائل مسجوناً معي في القاهرة(1)عند انهيار الوحدة، فقلت له: بالأمس فقط كنّا في السجن معاً، وأنت تعلم أنني بعثي لا ناصري.
وتوتّر الجو كثيراً، ولكن بعد فترة من الصياح والصراخ المتبادل استسلموا. وكان بإمكانهم ان يـُقاوموا، فالقوات التي تحت تصرّفهم كانت أقوى من وحدتي الصغيرة، ولكنهم كانوا جبناء، وعندما دخلت قوّاتي إلى القاعدة كانت على وشك ان تفتك بالضباط الانفصاليين لولا أن تدخّلتُ وحميتُهم>>(2)
--
بعد انفصال سورية عن مصر : سجن حافظ الأسد في مصر لمدة 40 يوما مع مجموعة من الضباط السوريين الذين كانو يعملون في مصر بعد قيام الجيش السوري بأسر قوات المظليين المصريين التي نزلت في اللاذقية وانتهت بتبادل الأسرى
أبناء المذاهب الباطنية على رأس السلطة
(من 8 آذار/مارس 1963 إلى يومنا هذا)
قبل أن يغدر النصيريون بالاسماعيليين والدروز (مرعبة ومعقّدة، السياسة التي تسير عليها سورية تحتجب وتنزلق بين أصابع الذين يظنون انهم أدركوا فهمها، تفرّقٌ ومؤامرات، تحالفات مفاجئة تنتكس بسرعة، تطوّر ضدّ الطبيعة، أسرارٌ عقائدية في أروقة الدولة، النفاق البيزنطي يحيط بها، الوضوح غائب، الغير المتوقع يمكن أن يحصل في كل لحظة...وحين نشعر باننا اجتزنا بوابة الظلام الواسع... ة والثابتة، بكل بساطة وسهولة نرى بوضوح أنّه لا يحق سوى لأسياد المعابد الدخول إلى هذا المكان)(1)
في نهاية حكم عهد الانفصال السوري بعد تغيير وزارات ووزارات، واحتجاز رئيس الجمهورية، ناظم القدسي، ووضعه في السجن، وتقديم استقالته التي رُفضت من قبل الضباط، وإعادته من الحدود السورية اللبنانية أكثر من مرّة، وفقدان هيبة الدولة، والحنين إلى عهد الوحدة مع مصر، وسقوط حكم أحد أكبر أعداء الوحدة العربية، عبد الكريم قاسم في العراق بتاريخ 8 شباط/ فبراير1963.
ا ستيقظ السوريون بعد شهر من ذلك على بيانات تبثها الإذاعة وتعلن عن سقوط حكم الانفصال في الثامن من آذار/مارس 1963.
الانقلاب على الحكم الذي لا هيبة له، كان من المفروض أن يحصل في التاسع من آذار/مارس بقيادة اللواء الناصري محمد الصوفي، وذلك بقدومه بالفرقة أو اللواء المرابط في حمص، لقلب النظام ولإعادة الوحدة بين شطري الجمهورية العربية المتحدة...ماذا حصل إذاً ؟
(في ليلة السابع والثامن من آذار بدأت الدبّابات والمشاة تتحرّك للانقضاض على دمشق. وقاد العقيد زياد الحريري لواءً من الجبهة مع إسرائيل، بينما تحرّك لواء ثاني من السويداء في جبل الدروز باتجاه العاصمة بعد أن سيطر عليه الضباط البعثيون، وانحصر اللواء المدرع السبعون القوي المتميّز في الكسوة بين فكّي الكمّاشة، فاستسلم قائده المقدّم عبد الكريم عبيد، وفي الحال استولى عليه محمّد عمران بلباس مدني، وكان مسرّحاً من الجيش، وكان في قطنا على المشارف الجنوبية الغربية لدمشق لواء كان من المحتمل أن يكون معادياً(1)، بقيادة راشد قطيني الذي قال للإنقلابيين: لست معكم ولست ضدّكم.(2) وذهب السرّ مع اللواء راشد قطيني!
ومع الاستيلاء على اللواء السبعين، والذي كان اللواء المدرّع الوحيد في الجيش السوري، وتحييد القطعة التي كانت تحت قيادة راشد قطيني في قطنا، سارت قوّات زياد الحريري، التي كانت في خط المواجهة مع إسرائيل، إلى دمشق، دون أن يتحرك ساكن للقوات الإسرائيلية! فأقامت حواجز في المدينة، واستولى النقيب سليم حاطوم الدرزي، وعضو اللجنة العسكرية على محطة الإذاعة، وتمّ احتلال وزارة الدفاع ومقر قيادة الجيش بلا قتال، ووضع قائده العام، عبد الكريم زهر الدين ورئيس الجمهورية، ناظم القدسي، وأكرم الحوراني وأكثر الشخصيات السياسية الانفصالية قيد الاعتقال.
بينما وصل ضابط مسرّح، صلاح جديد، رئيس اللجنة العسكرية على درّاجة هوائية ليتسلّم مسؤولية مكتب شؤون الضباط، ذاك المركز الحسّاس(3) ليبدأ بتسريح الضباط الغير موالين للجنته وطائفته
الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا الموقف على اي قارئ هي: أولاً لماذا لم يترك زياد الحريري العمل لقطعة عسكرية كانت ستأتي من وسط البلاد، اي من حمص بقيادة محمد الصوفي ذو الاتجاه الوحدوي بينما أتى هو، اي زياد الحريري، بقطعة عسكرية من خطّ المواجهة مع إسرائيل؟
و لماذا لم يتحرك ساكن من القوات الإسرائيلية في تلك الليلة؟ وكيف استولى محمد عمران، العلوي النصيري، والضابط المُسرّح على أقوى الألوية في الجيش السوري وهو اللواء السبعين وكان بلباس مدني؟ وكيف أصبح صلاح جديد مدير شؤون الصباط في قيادة الأركان، هذا المركز المهم، وكان مسرحاً أيضاً من الجيش؟
ماذا يستنتج القارئ من هذه المعلومات التاريخية التي صرّح بها حافظ الأسد بذاته؟ وعلى ذلك تتفق المراجع التاريخية التي كتبت عن تلك الفترة دون استثناء، من منيف الرزّاز إلى سامي الجندي إلى نيكولا فاندام وميشيل عفلق ومنصور الأطرش ومحمّد عمران وغيرهم...
أليس لمخابرات الدول الكبرى دور في تهديد راشد قطيني ومحمد الصوفي وفواز محارب وباقي الضباط الوحدويين؟
ولربما نخص في ذلك المخابرات الانكليزية، كعادتهم، يخططون للانقلاب بقوى مختلفة ويتركون هذه القوى تتصارع فيما بينها، وكلّ انقلاب يعود بالبلاد سنوات نحو الخلف كما اصبح ذلك معلوما للقاصي والداني، ولو نجح الانقلاب في التاسع من آذار لكان إمكانية إعادة الكمّاشة على دولة الصهاينة باتحاد إقليميّ الجمهورية العربية المتحدة أكثر خطراً ووطئة على الإسرائيليين الذين طالما ردّد قادتهم بأنهم لم يخشوا جمال عبد الناصر إلاّ في عهد الوحدة، كذلك صرّح بنغوريون وأباإيبان وموشي دايان...
الدولة العلوية النصيرية تدخل التاريخ. (عهد الثامن من آذار/مارس) فترة التمهيد =========
هفوة من هفوات التاريخ على غرار الدولة الفاطمية بل أشدّ تعسّفاً وأكثر دمويّة...
أذكر من الكلمات التي كتبها سامي الجندي في كتابه، البعث ما معناه: لم تعرف القبائل المتوحشة ولا العصر الحجري...عهداً كعهد الثامن من آذار، كل الأمور صحيحة وكلّها خطأ، تظنّ نفسك بأنك تُعد التاريخ، ثمّ انكّ لاشئ، ثم أنتَ شئ مهم، ثم أنت لا شئ، تضيع في دوّامة8 آذار حتى عن نفسك...
كانت الدراسات عن عهد الثامن من آذار لدى أكثر الباحثين وكما بدا للعيان تنقسم إلى ثلاث فترات وهي:
1- سورية تحت سلطة القيادة القومية لحزب البعث بقيادة ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ومحمد أمين الحافظ ومحمّد عمران وأشباههم، من 8 آذار/مارس 1963 حتى 23 شباط/فبراير 1966.
2- الجناح اليساري لحزب البعث او القيادة القطرية، بقيادة نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وحافظ أسد وإبراهيم ماخوس وعبد الكريم الجندي ويوسف زعيّن.
3- عهد حافظ الأسد وهو عهد رأسماليّة الدولة والأسرة وليس من حوله منازع للحكم(1)
برأيننا يمكن أن نقسّم تلك الفترة بشكل آخر:
1- الصراع على السلطة بين ضباط اللجنة العسكرية(العلويون النصيريون والدروز والإسماعيليون) من جانب، والضباط الناصريون والوحدويون من جانب آخر، حُسم هذا الصراع بعد فشل جاسم علوان في 18 تمّوز/يوليو سنة 1963. لصالح المجموعة الأولى.
2- الصراع على السلطة بين القيادة القومية، أتباع ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وأمين الحافظ وأنصارهم من جانب، واتجاه القيادة القطرية، تلاميذ العلوي زكي الأرسوزي، وهم اعضاء اللجنة العسكرية، وحُسِمَ هذا الصراع بانتصار جناح الأرسوزي في 23 شباط/فبراير 1966.
3- الصراع بين الضباط العلويين النصيريين من جانب والضباط الدروز من جانب آخر حتى صيف عام 1967، ثمّ الصراع مع الضباط الإسماعيليين حتى نهاية عام 1969 وانتهى بكلتا الحالتين بانتصار العلويين النصيريين.
4- الصراع بين الضباط العلويين النصيريين، أتباع صلاح جديد من جانب، وأتباع حافظ الأسد انتهت بانتصار الأسد عام 1970.
5- الصراع بين حافظ الأسد والطليعة المُقاتلة للإخوان المسلمين من عام 1976 إلى عام 1982 انتهت بانتصار حافظ الأسد.
سنحاول في الصفحات التالية أن نتوقّف عند مجريات الأحداث وخفاياها قدر ما تعطينا المراجع التاريخية والمخطوطات، مع المقارنة بين الهفوات لدى المؤرّخين من جانب والذين كتبوا مذكّراتهم للتاريخ من جانب آخر. مع العلم أنّ الذين كتبوا مذكّراتهم من بين أولئك الذين كانت لهم مساهمة في السلطة ينطبق على أكثرها المثل العربي القائل: لا أحد يقول عن زيته بأنه عَكِر...
استيقظ العالم في صباح الثامن من آذار/مارس على بيانات النظام الجديد تبثها إذاعة دمشق التي احتلها سليم حاطوم الضابط الدرزي، ليتناول الخطابات الأولى فيها صابر فلحوط، وهو درزي ايضاً، ترافق خطاباته المارشات العسكرية والتي تلقّاها الشعب بقليل من الاكتراث. وتمّ تعيين صلاح الدين البيطار رئيساً للوزارة، وأنّ هدف الثورة التي قامت تحقيق أهداف الأمّة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية، وهذا يعني أنّ الانقلاب كان بعثياً اكثر منه انقلاباً وحدوياًُ.
و حين شعرت الجماهير بأنّ هناك مماطلات على الوحدة كانت تهتف في الشوارع: لا تسألني عن صلاح، بدنا الوحدة هالصباح.والمعني هنا كان صلاح الدين البيطار، رئيس مجلس الوزراء.
أُعيد الضباط المسرّحين خلال عهد الانفصال إلى الجيش في ذات اليوم وعلى رأسهم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد الذين رُفّع كلٌ منهم رتبتان عن الرُّتب التي كانوا فيها قبل تسريحهم.
تمّ تعيين مجلس لقيادة الثورة بشكل موزاييك سياسي، وكان يرأسه العقيد لؤي الأتاسي الذي رُفّع لرتبة فريق، وزياد الحريري وغسّان حدّاد وفهد الشاعر كضباط مستقلّين. وثلاثة ضباط ناصريين وهم محمّد الصوفي وراشد قُطيني وفوزي محارب. وثلاثة ضبّاط من اللجنة العسكرية، أوّلهم موسى الزعبي ومحمّد عمران وصلاح جديد للعمل في الخفاء ---
هوامش
(1) أنظر باللغة العربية مثلاً، سامي الجندي في كتبه: البعث، عربٌ ويهود، كسرة خبز...وكتاب سقوط الجولان لمصطفى خليل بريز، وباللغات الأوروبية:
أحد كبار مفكري البعث يشرح دور العلوي صلاح جديد
========
كتب سامي الجندي في كتابه البعث، ص. 142 عام 1969عن صلاح جديد مايلي:<< تَبيّن لمن يعرفون خفايا علاقات العسكريين أنّ حاكم سورية الحقيقي منذ 8 آذار/مارس 1963، هو اللواء صلاح جديد، ولكنّه استطاع بمهارته أن يُخفي هويته الحقيقية. استغلّ جميع الخلافات وسعّرها لمصلحته، وكلّ الأشخاص كلٌّ حسب طاقته وهوايته.
لولا حقده الذي يبلغ اللؤم لأعطى سوريا خيراً كثيراً. ولكنّ الضغينة تسيطر على كلّ عواطفه، لا يحبّ أبداً، يكره دائماً، مُناورٌ عنيدٌ، يُبدي الطاعة والاستكانة وهو يُعدّ الشرك، لايحتمل أيّة معارضة أو مخالفة لأمرٍ من أوامره حتى في صغير الأمور. إذا ناقشته أظهر الاقتناع وتودد لك حتى لتظنّه صديقك الوحيد, وتشتدّ الحملة عليك، فيدافع عنك ويقف معك حتى تسقط.
من رآه يؤدّي التحية للفريق أمين الحافظ، بعد أن اصبح رئيساً للأركان العامّة، عَجِب للانضباط والاحترام. كان يذهب من قطعة لقطعة عسكرية يُنشِد المدائح باسمه ويتغنّى بكرمه وشجاعته ونخوته الجاهلية، ينادي به بديلاً للرئيس عبد الناصر في المنطقة. ويوجّه النقد للفريق من عناصر لم أشك ساعة أنها تأتمر بأمره. فيظنّ ذاك أنه اللواء عمران، فيحمل عليه.
ا ستغلّ كل القوى المدنية والعسكرية والطائفية.كان الأستاذ ميشيل عفلق يفتر ثغره تفاؤلاً عندما يراه، وأنا أعلم انّه يُعد العدة للخلاص منه،يعجب بهذا التلميذ الوفيّ المهذّب الحي الحزبي الانضباطي.
بقي أن يعلم القارئ أنّ اللواء صلاح جديد لم ينتسب للحزب ولم يُقسم يمينه. انضمّ إلى حلقات الأنصار قبل أن يكون طالباً في الكلّية العسكرية، وحضر عدة اجتماعات، ثمّ انتهت علاقته الرسمية بالحزب، ولكنه كان يُبدي الميل ويتعاون مع الضبّاط الحزبيين في الفترة التي كان فيها طالباً في الكليّة العسكرية. كان عندي نسخة عن قائمة الحزبيين فيها، ولم يكن اسمه بينهم.
لولا حركة 23 شباط/فبراير 1966 لبقي كالظل، تفئ إليه ولا تمسك بشخصه، ولقد حاول بعد أن يعود ظلا فما تمكّن. معروف عنه أنه يكره الوساطات والشفاعات والتدخّل في القضايا الفردية، ولكنّك تلمس أثره في كلّ قضيّة فردية.
عرِف عنه أنه ضد العائلة، وبحثت في الأمر، ولم أجد أحداً من عائلته بلغ الثامنة عشر إلاّ وعيّن في وظيفة. ساهمت ظروف حياته في تعقيد شخصيته، حذرٌ شديد الحذر، معروف انه يساري مُتطرّف،
و لكن دراسة المخطط الذي سارت حسبه السياسة السورية حتى 5 حزيران/يونيو (أي حرب 1967) يُناقض هذا ويضحده ...يكره الرئيس عبد الناصر حتى الموت، يعتبره المسؤول عن مقتل أخيه غسان جديد عام 1957 في لبنان >>
يضيف سامي الجندي في ذات المصدر، ص. 144-45 << سألني صلاح جديد مرّة: كيف نُعالج قضيّة الطائفية؟ قلت: أصبحت هذه المشكلة سياسية أولاً،
ولكنّها تتعقّد يوماً بعد يوم، وستصبح قضيّة اجتماعية وستعرّض البلاد للخطر(1) وأُفضّل أن تعودوا إلى المشروع الذي بدأه الجيل العلوي المثقّف الذي سبقكم. قال: ما هو؟ قلت: نشر الكتب السرّية، فالطوائف الأخرى تُسئ الظنّ بكم وتذهب إلى أنّكم جمعية، يجب ان تبدأوا بالحلول من جذورها، وأنا موقنٌ أن ليس في كتبكم ما يُخشى من نشره، فقد حدّثني عنها بعض شبابكم وأعتقد أنّ فيها كثيراً من الفكر والشعر، وأنا موقنٌ أنّكم غير متعصّبين، وقد خاض شبابكم كل معارك النضال، فلا تتركوا مجالاً للشكّ بنيّاتكم. لقد بات ذلك خطيراً عليكم وعلى الوطن. قال: لو فعلنا لسحقنا المشايخ. أجبت: ثوريّ وتخشى المشايخ،؟! كيف إذن نتعرّض للمشكلات الكبرى؟ نقارع الاستعمار ونجبن امامهم؟
لم يُحر جواباً، بدا عليه التفكير، وبدأت منذئذٍ مشاكلي مع الحكم. وعلمت بعد ذلك أنّه يدفع الزكاة للمشايخ ويتقرّب منهم >>
=== ===
لا بدَّ لنا من رأي في هذا الحوار كأحد المختصين في دراسة المذهب العلوي النصيري ألا و أنّ صلاح جديد كان يعي ما يقول في مسالة نشر الكتب السريّة للطائفة النصيرية وكذلك ما هي الأخطار التي ستنتج عن هذا الأمر، ولكنّ سامي الجندي كان ولا بدّ أنّه اتطلع على كتاب الهفت والأظلة للمفضّل بن عُمر الجعفي،والذي نشره عارف تامر، وليد بلدة السلمية الإسماعيلي، المذهب، كسامي الجندي،والذي أحدث ضجّة سنة 1960 حين تمّ نشره في بيروت، وكاد يوقع مشكلة طائفية بين الإسماعيليين والعلويين النصيرين، لولا تدخّل عبد الحميد السراج حاكم سورية أثناء الوحدة السورية المصرية الذي قام بشراء النسخ المتواجدة في المطبعة الكاثوليكية ببيروت وأتلفها. خوفاً من فتنةٍ طائفيةٍ وحفاظاً على الوحدة الوطنية في عهد الجمهورية العربية المتحدة.
و الدكتور سامي الجندي الرجل المثثقّف والذي تولّى وزارة الثقافة في حكومات البعث أكثر من مرّة نشكّ في انه لم يتطلع على هذا الكتاب الذي يحتوي على تربية النفس الإنسانية بالحقد والكراهية للمسلمين السنّة بشكل خاص، وقد قمنا بتحقيق كتاب الصراط المتمم لهذا الكتاب ولذات الكاتب ونشرناه في دار أفريقيا الشرق في الدار البيضاء عام 2008. وهنالك هفوة أخرى وقع فيها سامي الجندي في كتابه، كسرة خبز، حول حرب الأيام الستة والتي سنوضحها في الصفحات المقبلة...(1).
تمّ تسريح 622 ضابطاً من الجيش، وأغلبهم من المسلمين، وأُدخِل في الجيش لتعويضهم عددٌ من الضبّاط الاحتياط، أكثرهم من الأقليات الدينيية وبشكل خاص من العلويين النصيريين(2)
القوّة الثانية التي كان يمكن لها أن تقف في وجه المخطط الطائفي للاستيلاء على السلطة كان الناصريون، وكان ممثلوهم يهددون باسم الجماهير، ولكن تلك الجماهير لم تكن منظّمة.
أ مّا الضباط الناصريون فكانوا منشغلين بالمحادثات في مصر للإعداد لإعادة الوحدة بين مصر وسوريا والعراق، والذي نتج عنه اتفاق السابع عشر من نيسان 1963، لإقامة اتحاد فدرالي بين الأقطار الثلاثة بدلاً من الوحدة الاندماجية كالتي كانت بين سورية ومصر سابقاً(3) ولاحظنا أنّ من بين أعضاء الوفد السوري لم يكن بينهم أي عضوٍ من أعضاء اللجنة العسكرية سوى محمّد عمران،
هوامش :
(1) أوردنا في كتابنا، مدخل إلى المذهب العلوي النصيري عناوين 48 كتابا، من بين مخطوط ومطبوع، وجميع هذه الكتب بلا استثناء تدين المذهب المذهب النصيري بكلّ أسف.
(2) أنظر سامي الجندي، عربٌ ويهود، ص.122، ومصطفى خليل بريز، سقوط الجولان، ص. 21، ومنيف الرزّاز، نقلاً عن ميشيل سورات، في سورية اليوم، ص. 99 عن كتاب التجربة المرّة
(3) لزيادة المعلومات والمناقشات التي دارت حول هذا الاتفاق، أنظر صحيفة الأهرام القاهرية، عدد 20 ايار/مايو 1963.
=== ===
وفي هذا الصدد تبت إليزابيت بيكار: إن الاجتماعات التي تمّت في القاهرة ما بين 14 آذار/مارس و 14 نيسان أبريل، عام 1963 في القاهرة، تركت اللجنة العسكرية مَن يتكلّم باسم سوريا رجالاً من الدرجة الثانية في السلطة الفعلية، كعبد الكريم زهور وآخرون لا يحلّون ولا يربطون كمشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، وكان من وراء الستار رجلٌ صامتٌ يستمع ولا يقول شيئاً وهو محمّد عمران الذي كان ضدّ الوحدة (1) بعد أن عاد الضباط الناصريون من القاهرة وجدوا أنّ أكثر أعوانهم في الجيش قد تمّ تسريحهم، وكانت العبارة المتداولة في تلك الظروف هي: إدخل يا بعثي، أخرج يا ناصري.
بداية المجازر البعثية -العلوية ضد الناصريين واللاجئين الفلسطينيين والشعب السوري =========
وفي مطلع شهر أيار/مايو 1963، في دمشق، أعداد كبيرة من طلاب الجامعة ومن اللاجئين الفلسطينيين، وصلوا على ظهور سيارات شاحنة، حاولوا احتلال الأركان والإذاعة، فتصدّت لهم قوّات الجيش وكانت النتيجة مقتل أكثر من ثلاث مئة مواطن بين المدنيين، وهذه لأوّل مرّة في تاريخ سوريا تباح دماء المواطنين السوريين بأيدي جنود الجيش السوري، ولأول مرّة تبدأ مسيرة دماء الفلسطنيين بسلاح البعثيين (2)
ولكن القوى الناصرية في الجيش لم تنتهي بعد، حيث أنّ بقايا الضباط الناصريين لم يلقوا المقاومة جانباً....
في ذات الشهر سُلّم زياد الحريري وزارة الدفاع، وأُرسل بمهمّة مستعجلة إلى الجزائر، في 23 حزيران 1963 ومن هناك وصلته برقية من الحكومة بتعيينه مستشاراً عسكرياً في السفارة السورية بواشنطن، وتمّ تسريح الضباط الموالين له في ذات الوقت، وكان عددهم خمسة وعشرين ضابطاً(3).
هوامش: (1) أنظر سوريا اليوم، ص. 99، وكذلك سامي الجندي البعث، صفحات 120-123. (2) Cf. B. VERNIER, Armée et politique au Proche-Orient, pp.138-39 et Edouard SAAB, La Syrie ou la révolution dans le rancœur, p.133. (3) Cf. B. VERNIER, idem, p. 138
كل التحية لك صديقي لكني انشدك ضميرك و الحق و الحياد هل تعتقد فعلا ان سورية عرفت الطائفية و المذهبية في تلك الفترة ؟ كان الاساس الذي يتم بناء عليه تمييز الناس هو حزبي سياسي شيوعي ناصري بعثي قومي الخ اما نصيري اسماعيلي مسيحي سني فلا اعتقد بوجوده انذاك
فشل انقلاب الناصريين في 18 تموز و سورية في خريف 1963
====
في 18 تمّوز/يوليو 1963، الساعة الحادية عشر صباحاً، هذا الوقت لم يسبق أن ,اختير للانقلابات العسكرية، قاد العقيد جاسم علوان الضبّاط الناصريين بمحاولة الاستيلاء على مبنى الإذاعة، وبدعم من حركة القوميين العرب، فأخرجوا له محمّد أمين الحافظ (( البعثي -سني حلبي)) ، الذي كان وزيراً للداخلية ووزيراً للدفاع بدلاً من زياد الحريري ((المقال والمبعد ))، واشترك في المعركة برشاشه، وقضوا على هذه المحاولة الانقلابية بعد يومين من القتال
، كان عدد الضحايا وأكثرهم من الأبرياء، 400 أو 820 أو 900,
و أهم فشل هذا الانقلاب كان أحد الضابط الذي أوكلت إليه اللجنة العسكرية التقمّص بالناصرية (1) (( الضابط العلوي - محمد نبهان)) وكان البعثيون قد أسسوا قبل أقلّ من شهر الحرس القومي، وهو ما يُشابه الشبّيحة التي نظّمها بشّار وماهر الأسد في مطلع القرن الواحد والعشرين، وكان أفرادها فتياناً يحملون سلاح بندقيّة الساموبال التشكوسلوفاكي لقتال الشوارع، ولم يكونوا أقلّ دمويّة من أحفادهم الشبّيحة. وهكذا تمّ إفراغ الجيش من ضبّاطه، أو أنّه تمّ حل الجيش العربي السوري لاستبداله بالجيش العقائدي...
لؤي الأتاسي، رئيس مجلس قيادة الثورة حين ذاك، الضابط المهذّب، قدّم استقالته للمرّة الأخيرة، ورفض أن يتحمّل مسؤولية الجرائم الإنسانية الوحشية، والجرائم الوطنية والقومية بالتآمر على الوحدة، ليحلّ مكانه شخصية فارغة وإحدى الديمومات التي عرفتها سوريا باسم محمّد أمين الحافظ. وانسحب جمال عبد الناصر من ميثاق 17 نيسان/أبريل في الثاني والعشرين من ذات الشهر، بعد التخلّص من الناصريين وإعدام عشرات الضباط منهم ميدانياً.
و بعد الانتهاء من الانفصاليين والضباط الموالين للحريري ثم الضباط الناصريين، بدأ الصراع في الخفاء على السلطة بين أعضاء القيادة القومية، بقيادة ميشيل عفلق ومن حوله صلاح الدين البيطار ومحمّد أمين الحافظ من جانب، وأعضاء القيادة القطرية، أتباع زكي الأرسوزي، بتخطيط صلاح جديد ومحمّد عمران وحافظ الأسد.
في نهاية صيف عام 1963 وبداية الخريف، مع افتتاح العام الدراسي والجامعي، تقدّم 300 مرشّح من معتنقي المذهب العلوي النصيري إلى الكليّات العسكرية، مما أثار لفت انتباه وزير الدفاع آنذاك، اللواء عبدالله زيادي (( بعثي -سني -لاذقية)) ، وعرض الموقف على أمين الحافظ، الذي نهره وشتمه بحزم تحت شعار أننا نبني لمجتمع قومي وثوري، وختم شتائمه بكلمة: انقلع.
و أورد باتريك سيل هذه الحادثة بأنه جمعه مع صلاح جديد و حافظ أسد مساءً ليخفف من شدّة همومه ويطمأنه على أنّ سوريا تنحو مسيرة القومية العربية، وفي اليوم التالي تمت إقالته...ولكن ما بين أيلول/سبتمبر 1963 وشباط/فبراير 1964 تمّ إنشاء تسع قطع في الجيش، بأمر من صلاح جديد على أسس طائفية(1).
في نهاية عام 1963، بدأت ظاهرة جديدة في سوريا بعد هذه الأحداث التي مرّت بها البلاد، تطفو على السطح، ولأُول مرّة في تاريخ البلاد، سواء على المستوى المدني أوالمستوى العسكري. هذه الظاهرة هي الطائفية في سوريا..
.فرئيس الدولة، محمّد أمين الحافظ، والذي لم يكن له من السلطة إلاّ القشور و كان محاطاً بضابطين علويين نصيريين هما محمد عمران وصلاح جديد.الأوّل كان يقود اللواء السبعين أقوى فرق الجيش السوري ويتواجد في مدخل دمشق والثاني صلاح جديد كان مستلماً لملف شؤون الضباط وترفيعهم وتسريحهم ونقل الضباط من قطعة عسكرية لأخرى وكان رئيساً للجنة العسكرية.
وفي اللقاءات الرسمية كان الناس يرون من حوله أيضاً الدرزي منصور الأطرش وسليم حاطوم، ومن الإسماعيليين عبد الكريم الجندي وأحمد الماز...فأطلق عليهم الدمشقيون لقب الباطنيون،
و يكتب باتريك سيل في كتابه الأسد، ص. 165، كان أمين الحافظ أمام العالم الخارجي رجل سوريا القوي، إذ كان يمسك بيديه مناصب رئيس مجلس الرئاسة، والأمين العام للقيادة القطرية والقائد العام للجيش والقوات المسلّحة ورئيس الوزراء، ولكنه بالنسبة للجنة العسكرية كان رجلاً من قشّ، بدون قاعدة عسكرية أو خلفية حزبية. فقد كانوا يمسكون بلجامه من خلف الكواليس، حتى أنّ الأسد ذكر بأنّ أمين الحافظ " لم يكن يستطيع نقل جندي واحد بدون موافقتنا.
(3) كان قادة اللواء 70 من أقوى الرجال الذين تحكّموا بمصير سوريا خلال سنوات الخمسينات والستينات، منهم أديب الشيشكلي وفوزي سلّو ومحمد عمرا
وكان الإنسان البسيط في دمشق، حين يتكلّم عن الوضع السياسي في البلاد يقول: عدس، وتعني:علوي– درزي– سمعولي(1).
خلال تلك الفترة كانت القيادة القطرية تجتمع لتتخذ القرارات، وكان أعضاء اللجنة العسكرية يتوشوشون فيما بينهم، ومن ثم يهمسون في آذان بعض أعضاء القيادة القطرية، وتنتهي الاجتماعات بالاتفاق على القرارات التي يؤيدونها والتي كان متفقٌ عليها سابقاً(2)
وبدأت الهجرة من الريف إلى المدينة من قِبَل اقرباء أعضاء اللجنة العسكرية وأعوانهم إلى دمشق وحواضرها للحصول على الوظائف في الدولة، وأخذت القاف المقلّقة تعلو في الدوائر الرسمية في المدن الكبرى للتوظيف في كافة المجالات وخاصة المخابرات(3)
بداية الصراع العلوي- العلوي بين صلاح جديد ومحمدعمران
====
وكان هنالك صراع آخر في الخفاء ما بين محمّد عمران من عشيرة الحدّادين وصلاح جديد، من عشيرة الخياطين، على مركز رئاسة الأركان الذي ظلّ خالياً منذ طُرِد زياد الحريري منه(4)وبالنتيجة رُفِّع كلٌّ منهما إلى رتبة لواء وتمّ تعيين محمّد عمران رئيساً للأركان بسبب القِدم في الخدمة.
و لكنّ صلاح جديد كان يُحضّر في الخفاء للتخلّص منه فكان ينتقد الفريق أمين الحافظ وتصرّفاته أمام ضبّاط كانوا يأتمرون بأمره، وكان الحافظ يظنّ أنّ هذه الانتقادات تأتي من محمّد عمران.
و قد أوجد بنفسه الحجّة ضدّه بعد عودته من زيارة للخرطوم، حيث فشلت قوّات الجيش بإخماد المظاهرات ضدّ الجيش عام 1964، فراح يُطالب إثر عودته بإعادة السلطة للمدنيين، وكذلك حلّ القيادة القطرية لحزب البعث التي كان أمين الحافظ الأمين العام لها، فوقع في الفخ الذي نصبه له صلاح جديد، وتمّ إرساله سفيراً إلى إسبانيا، وحاول ابن أخيه مصطفى عمران، قائد اللواء السبعين أن يتوجّه إلى دمشق بقواته، ولكنّ أكثر الضباط كانوا تحت سيطرة جديد، ففشل، وتولّى صلاح جديد قيادة هذا اللواء ليسلّمه فيما بعد لابن عمّه عزّت جديد .
كل التحية لك صديقي لكني انشدك ضميرك و الحق و الحياد هل تعتقد فعلا ان سورية عرفت الطائفية و المذهبية في تلك الفترة ؟ كان الاساس الذي يتم بناء عليه تمييز الناس هو حزبي سياسي شيوعي ناصري بعثي قومي الخ اما نصيري اسماعيلي مسيحي سني فلا اعتقد بوجوده انذاك
أشار نيكولا فاندام في كتابه الصراع على السلطة في سوريا بقوله: أنّ سوريا هي كيان سياسي واحد ولكنها ليست كياناً اجتماعياً واحداً.
بكل أسف عند الاحتلال الفرنسي قسمت سورية لدول طائفية و نشرت الشرخ الطائفي بشكل كبير ...وأنشأت كتائب عسكرية علوية وارمنية ومارونية ودرزية وكردية وشركسية واسماعيلية خاصة
كل التحية لك صديقي لكني انشدك ضميرك و الحق و الحياد هل تعتقد فعلا ان سورية عرفت الطائفية و المذهبية في تلك الفترة ؟ كان الاساس الذي يتم بناء عليه تمييز الناس هو حزبي سياسي شيوعي ناصري بعثي قومي الخ اما نصيري اسماعيلي مسيحي سني فلا اعتقد بوجوده انذاك
هذا ما كان يصدر للخارج ولغير السوريين خاصة
من عايش فترة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات بالذات في سوريا سيعرف جيدا أي نظام حقير ذلك الذي كان يؤجج الطائفية ويشجع طائفته على ان تكون متعالية على باقي الطوائف الأخرى رغم تعدادهم الصغير بالنسبة لباقي الطوائف
وكيف كان يحاول اللعب على وتر المحاصصة اللا عادلة عبر تخويف باقي الطوائف الصغيرة الأخرى
أشار نيكولا فاندام في كتابه الصراع على السلطة في سوريا بقوله: أنّ سوريا هي كيان سياسي واحد ولكنها ليست كياناً اجتماعياً واحداً.
بكل أسف عند الاحتلال الفرنسي قسمت سورية لدول طائفية و نشرت الشرخ الطائفي بشكل كبير ...وأنشأت كتائب عسكرية علوية وارمنية ومارونية ودرزية وكردية وشركسية واسماعيلية خاصة
بعد التخلّص من محمّد عمران، صعد زكي الأرسوزي إلى السطح، لم يتوانَ في بذل المدائح بين قطعات الجيش لصالح تلميذه المخلص صلاح جديد(1)
بعيداً عن دمشق، في مدينة بانياس، صيف عام 1964، حيث لا زالت ذكرى سليمان المرشد حيّة في الأذهان، حصل صدام طائفي ما بين المرشديين والعلويين النصيريين من جانب، وأهل والسنّة من جانب آخر، واستطاع الحرس القومي(الشبيحة) إخماد الفتنة(2)
ولكن تفجّر التمرّد في مدينة حماة، وكان اوّل صِدام ما بين السلطة الحاكمة في دمشق وجماعة الإخوان المسلمين، ولأوّل مرّة في تاريخ سوريا منذ الاستقلال. حيث بدأ سكّان حماه يسمعون هتافات لم تكن سوريا معتادة عليها في غابر تاريخها.
منها هذا البيت من الشعر : آمنتُ بالبعثِ ربّاً لا شريك لهُ = وبالعروبة ديناُ بعد وجداني
وهتاف آخر يقول: يلعن يومك يا حطين = والخاين صلاح الدين,
في وجه هذه الهتافات، كتب فتى لا يتعدّى سنه الحادية عشر من العمر، على لا فتة، الآية القرآنية الكريمة:<< ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون>>(3)
أوقفت المخابرات ذلك الفتى، وخرجت مظاهرة بقيادة الإخوان المسلمين تجوب شوارع المدينة مطالبةً بإخلاء سبيله. ووعد محافظ حماة بإخلاء سبيله، وحيث اعتاد البعثيون على أن يخلفوا بوعودهم، فإنهم سرّحوا عددا من مدرّسي التربية الإسلامية، ثمّ خرجت مظاهرات أقوى في كل أنحاء المدينة تطالب بإيقاف الهتافات ضدّ الدين وإطلاق سراح الفتى الموقوف وإعادة مدرّسي التربية الإسلامية لعملهم فتدخّلت المخابرات بالقوة لإيقافها، ففشلت، وحينئذٍ تدخّل الجيش بضغطٍ من صلاح جديد على أمين الحافظ، فَضُرِبت الجوامع بالمدافع لأول مرة منذ زحف المغول (4).
طبعاً لابد لنا أن نذكر ان سبب أولى الاحتجاجات في مدينة حماه هو ابعاد ونفي المعلمين والمعلمات الحموية الى أقاصي البلاد وابدالهم بمعلمين نصيريين
معلومة يجب عدم اغفالها بالاضافة الى قرار النصيريين مسح مادة بالدستور ينص على ان يكون رئيس الجمهورية مسلم سنّي في شطحة من شطحات النصيرية في الغدر والكذب والنفاق
وللالتفاف على المادة دخل حافظ اسد الى جامع الاموي ليخرج مسلم سني ويقسم بدينه بمعتقده وهو يمسك علم الجمهورية ويتلافى ذكر الله والقرآن
يجب الإشارة هنا بأنّ أحداث مدينة حماة في عام 1964 حصلت قبل إقالة محمّد عمران من رئاسة الأركان، الذي اتخذ موقفاً ضدّ ضرب المدينة بالمدافع، بينما أصرّ صلاح جديد على استعمال القوة واقنع أمين الحافظ برأييه
، وقد ردّ أمين الحافظ على موقف عمران بالعبارة التالية: لقد فات وقت المزاح(1)
الاضطرابات لاحقت مدناً اخرى وخاصة حمص ودمشق واللاذقية وحلب، ولكنها لم تأخذ المدى الذي حصل في مدينة حماة...وبدأنا نسمع في الشارع السوري كلمة نصيري بدلاً من علوي من جديد، ونسمع ايضاً كلمة باطني وتعني المذاهب الباطنية الثلاث، وراحت الشجارات في الشوارع والمدارس تأخذ أشكال زمر طائفية بين أبناء المجتمع، وبدا تغيير واضح في المجتمع السوري بين الكثير من الأطراف بشكل لم تعهده البلاد من قبل.
هذا التغيير في المجتمع المدني انتقل أيضاً إلى المجتمع العسكري، بشهادة عضو مجلس قيادة الثورة، البعثي الدرزي اللواء فهد الشاعر، حيث قال: إنّ جيشاً ينشغل ثماني عشرة ساعة كل يوم في السياسة، ويأكل وينام خمس ساعات، لن ينفع البلاد في وقت الشدّة (2).
بالرغم من التحذيرات التي وجّهت إلى محمد أمين الحافظ، رئيس مجلس قيادة الثورة، من قِبل عبدالله زيادي وزير الدفاع السابق (من الذين حذّروه ايضاً الضباط الناصريون أثناء زياراته لهم في سجن المزّة، ونخصّ بالذكر، راشد قطيني وفوزي محارب ومحمّد الجرّاح وجاسم علوان.)))منذ عام 1963 وغيره من الحزبيين، ومن بينهم عفلق، ولم يأبه لهذه التحذيرات، وجد نفسه في وجه صلاح جديد الذي كان يمسك بعنان الجيش العقائدي وقيادة الأركان، وحين استيقظ على نفسه وجد بانّه ليس أكثر من ديمومة بين أصابع صلاح جديد، فقال كلمته التي نقلها سامي الجندي: لا أرضى أن أكون واجهة سوى للحزب (4)
.استغلّ محمّد عمران هذا الوضع لأمين الحافظ، والتحق به من مدريد إلى الدار البيضاء بعد مكالمة هاتفية، خلال حضوره مؤتمر القمّة العربية التي دعى لها الرئيس جمال عبد الناصر، للتشاور في مسألة تحويل مياه نهر الأردن، وكان ذلك في 13 أيلول/سبتمبر عام 1965، للتعاون معه من أجل الحدّ من سيطرة صلاح جديد. ودعى للانضمام إليه بعد عودته إلى دمشق صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني، ومنيف الرزّاز من الأردن، ليتولّى الأمانة العامة لحزب البعث. وتسلّم محمّد عمران وزارة الدفاع التي كان قد رفضها سابقاً
. ومع جميع هذه التحالفات الجديدة من أجل الحدّ من سيطرة اللجنة العسكرية، استطاعوا تغيير اسمها فقط إلى المكتب العسكري للحزب بدلاً من اللجنة العسكرية.
و عاد ميشيل عفلق من ألمانيا لينتقد في بداية شباط/ فبراير1966 التسلط الطائفي العلوي على الحزب وعلى سياسة البلاد، خلال اجتماع المؤتمر القومي الثامن للحزب(1).وكان قد تمّ تعيين حافظ الأسد آمراً لسلاح الطيران منذ عام 1965.وأخيه رفعت قائداً لقوة ضاربة.
القيادة القطرية للحزب تنفذ انقلاباً عسكرياً ضد مؤسسي الحزب في 1966
===
حدث انفصال تام بين أعضاء القيادة القومية وأعضاء القيادة القطرية، بعد ان رفعت القيادة القومية أمراً بعدم تسريح الضبّاط دون الأخذ برأيها فيه. ولكن القيادة القطرية الموالين للعلوي زكي الأرسوزي وحافظ الأسد وصلاح جديد رفضت هذا الأمر بكامله واعتبرته كانّه لم يكن
. وفي هذه الأثناء سافر حافظ الأسد مع ناجي جميل إلى إنكلترا بحجّة العلاج، ولكنّه لم يلتق من بين أطباء بريطانيا العُظمى سوى بوزير الخارجية جورج طومسون ؟! إلاّ أنّ أمراضه كانت من نوع المرض الدبلوماسي.(2)
<< بدأت المصادمات بين(أتباع) عفلق والضبّاط في 21 شباط/فبراير 1966، عندما حاول اللواء محمّد عمران، أن يختبر سلطاته الجديدة، فأصدر أمراً بنقل ثلاثة من أهمّ مؤيدي صلاح جديد، وهم اللواء أحمد سويداني، المدير السابق للمخابرات العسكرية، والذي كان عندئذ في إدارة شؤون الضبّاط، والعقيد عزّت جديد من سلاح الدبّابات، والرائد سليم حاطوم، الذي كانت وحدته الفدائية تقف في حراسة القصر الجمهوري،ومحطّة التلفيزيون ونقاط استراتيجية أخرى.
و في 22 شباط/فبراير، قامت اللجنة العسكرية بالرد على الضربة، إلاّ أنها قامت أوّلاً بحركة تمويهية لإفقاد الخصوم توازنهم . تمّت هذه الحركة بواسطة خدعة قام بها قائد الجبهة المواجهة لإسرائيل، الضابط العلوي، عبد الغني إبراهيم (1)الذي اتصل بقيادة الجيش بدمشق ليفيد بأنّ شجاراً قد نشب بين ضبّاط خطّ المواجهة، وأنّهم سحبوا السلاح وشهروه في وجوه بعضهم البعض.
و جعلت هذه الخدعة الفريق أمين الحافظ، ووزير الدفاع محمد عمران ورئيس الأركان يهرعون ليحلوا هذه المشكلة. وبعد أن طافوا على الوحدات واشتركوا في نقاشات مطوّلة، عاد الثلاثة إلى دمشق منهكين، واتّجهوا إلى فراشهم في الثالثة صباحاً يوم 23 شباط/فبراير، وبعد ساعتين فقط استيقظوا بصدمة قاسية على صوت الرصاص .
فقبيل الفجر قام فدائيو سليم حاطوم، تعززهم قطعة رفعت الأسد الضاربة وكتيبة دبّابات يقودها عزّة جديد، بشنّ هجوم على منزل الفريق أمين الحافظ. ومن داخل المنزل قام الفريق وحرّسه بدفاع شجاع.
و استمر إطلاق النار في هذه المنطقة من وسط دمشق حتى الظهيرة، إذ كان أفراد المغاوير يأتون موجة بعد موجة للانخراط في القتال.
و أخيراً عندما نفذت ذخيرة المدافعين وقُتِل الحرّاس وتهدّم المنزل بقنابل الدبّابات، وجُرِح أطفال أمين الحافظ(وقد فقدت إحدى بناته عينها فيما بعد)(2) وكان قائد حرسه الملازم محمود موسى، فقد جُرِح ونقل إلى المستشفى، حيث لحق به عزّت جديد بقصد الإجهاز عليه. إلاّ أنّ موسى سبق له أن كان فدائياً(أي من عصابة سليم حاطوم) تدخّل حاطوم لإنقاذه وهرّبه فيما بعد إلى بيروت. وكانت حصيلة القتال .نحو 120 قتيلاً .
كل التحية لك صديقي لكني انشدك ضميرك و الحق و الحياد هل تعتقد فعلا ان سورية عرفت الطائفية و المذهبية في تلك الفترة ؟ كان الاساس الذي يتم بناء عليه تمييز الناس هو حزبي سياسي شيوعي ناصري بعثي قومي الخ اما نصيري اسماعيلي مسيحي سني فلا اعتقد بوجوده انذاك
سأعطيك لمحة عن الشرخ الطائفي الكبير الذي نشرته فرنسة بسورية
1- ففي تقرير بريطاني حول مستقبل الطوائف في الجمهورية السورية بعدالاستقلال, بتاريخ ٢٧ إبريل ١٩٤٥ , تحدث القنصل البريطاني في سورية ((شون ))عن سوء السياسة الطائفية التي تبنتها فرنسا بقوله:
(( لقد أفسد الفرنسيون أبناء الطوائف بإضفاء الحماية عليهم وتفضيلهم على غيرهم, وبالتالي زرعوا في نفوسهم الشعور بالاستعلاء مما جعلهم يبالغون في المطالبة بحقوقهم أو التعبير عن
مظالمهم. وإذا استطاع هؤلاء (أبناء الأقليات) أن يتخلوا عن هذه
المشاعر والتصرف على أساس أنهم مواطنون سوريون بالدرجة الأولى
.« فإنه لن يكون هناك مبرر لشعورهم بالخوف))))
وأشار القنصل البريطاني بتقرير أخر (( النصارى الكاثوليك في سورية قد تمتعوا بحماية الفرنسيين لفترة طويلة مما أكسبهم شعوراً بالتعالي على الآخرين, واستمرارهم علىهذه القناعة بعد الاستقلال سيكون مصدر الخطورة الحقيقة على« مستقبلهم في المنطقة
ولفت الانتباه إلى أن:
المسلمين السنة يتعاملون بتسامح ظاهر مع الأقليات إلى درجة »
أن تمثيل النصارى في البرلمان السوري أكبر بكثير من حجمهم في
المجتمع السوري, بل إن رئيس الوزراء (فارس الخوري) هو من
النصارى البروتستانت, وكذلك فإن اثنين من الأعضاء الثلاثة في
.« الوفد السوري بمؤتمر سان فرانسيسكو هم من النصارى))
هذه المعطيات يلخص شون وجهة نظره بأن:
التهديد بانفجار الوضع الطائفي لا يكمن في موقف الأغلبية »
السنية من الطوائف وإنما من سوء تصرف قد يصدر من النصارى
الذين لا يشعرون بكثير من الولاء للدولة القومية ولا يستطيع الكثير
منهم إخفاء كراهيتهم وتشنجهم تجاه المسلمين, بل يختلقون
الأحداث الوهمية التي تكرس الرأي القائل بضرورة إبقاء وصاية
.« فرنسية على الإقليم
لقد اعتبر شون أن المشكلة الحقيقة تكمن في السياسة الفرنسية التي قامت على
أساس التمييز الطائفي ودعمت المشاعر العدائية للنصارى والدروز والعلويين ضد
الأغلبية السنية حتى تتمكن من كسب دعمهم ضد القوى المناهضة للاستعمار, ولذلك
فقد ختم تقريره بالتأكيد على ضرورة أن:
(( يستشعر أبناء الطوائف وضعهم الطبيعي وبأنهم من غير دعم »
فرنسا لا يشكلون أكثر من أقليات أمام الأغلبية المسلمة وعليهم أن
يظهروا الولاء للدولة الحديثة ويفقدوا الأمل من أي احتمال تدخل
(١).« غربي لصالحهم))
==
==
2- إفساد التعليم
بعد تقسيم سورية لدول طائفية 1919 الى 1941 من قبل فرنسة لعبت فرنسة دورها القذر بزيادة الاحتقان الطائفي عبر بث سمومه في المدارس:
عام ١٩٣٨ كان ٣١ بالمائة من الطلاب في سورية يتمتعون بالتدريس الحكومي في مقابل
٥٨ بالمائة يتلقون تعليمهم في المعاهد الخاصة ومدارس الإرساليات التي كان معظم
طلابها من أبناء الأقليات, أما نسبة ١١ بالمائة المتبقية من الطلاب فكانوا يترددون على
( الكتاتيب.
ويشير جوردون توري إلى أن مدارس الطوائف التي أنشأتها الإرساليات الأجنبية
قد زادت من تعقيد الوضع التعليمي, ففي حين كانت الحكومة المحلية تشرف على
المناهج وتمنح الدرجات العلمية,
تبنت المدارس الأجنبية طرائق أخرى في مناهج التعليم,( ٢) مما أدى إلى ظهور طبقة سياسية من أبناء الطوائف التي لم تكن تشعر بالانتماء للمجتمع العربي, ولعب خريجو الجامعة الأمريكية في بيروت وكذلك الجامعة اليسوعيةمنهم دوراً سياسياً بارزاً لأن النشاط السياسي كان قاصراً على النخب الحديثة التي نشأتوتكونت في هذا المناخ من التعليم الجامعي.
يشير لونغريغ إلى أن عدد المدارس الحكومية سنة ١٩٣٤ كان: ٧٠٣ مدارس, تضم ٧٥ ألف تلميذ, )
مقابل: ١٢١٤ مدرسة للطوائف تضم ٩٥ ألف تلميذ, بالإضافة إلى ٦١٨ مدرسة أجنبية ( ٤٥٠ مدرسة
فرنسية, ٩٩ مدرسة أمريكية, ٣٦ مدرسة بريطانية, ٢٠ مدرسة إيطالية, ٩ مدراس هولندية, ومدرستين لكلمن سويسرا واليونان).
بالنسبة لمدارس الطوائف فقد توزعت على النحو التالي: ١٤٩ مدرسة للرومالكاثوليك, ٣٣٤ مدرسة للموارنة, ٢٨ مدرسة للروم الكاثوليك, ٢٠ مدرسة للأرمن الكاثوليك, ٢١٢مدرسة للروم الأرثوذكس, ٢٩ مدرسة للسوريين الأرثوذكس, ١٩٤ مدرسة للأرمن الأرثوذكس, ١٥٧مدرسة للمسلمين, و ٥٩ مدرسة للدروز, بالإضافة إلى ٣٢ مدرسة متنوعة. انظر ستيفن لونغريغ (
==
==
3- وبالنسبة للتجارة:
وفي نهاية العهد العثماني استغلت فرنسا مصالحها التجارية في سورية لدعم الأقليات,
ففي عام ١٩١١ , على سبيل المثال, كان هناك ١٩٤ مصنعاً فرنسياً للحرير يعمل فيها ١٤
ألفاً من الموارنة والروم الأرثوذكس والكاثوليك وكذلك الدروز.( ٢) وقد انخرط العديد
من أبناء الطوائف بالعمل في المشاريع الفرنسية وتحديداً في مجالات الاستيراد والتصدير
وزراعة الحرير, وقام تجارهم بدور الوسيط في حركة التبادل بين السوق المحلي والأسواق
الأوروبية.
والحقيقة هي هي أن المعاناة قد شملت المسلمين السنة أكثر من أي طائفة أخرى لأنهم
كانوا يمثلون الأغلبية في سورية ويتعرضون للظلم الاجتماعي والإهمال السياسي أكثر
من أي طائفة أخرى; حيث إن المناطق السنية لم تحظ بالاهتمام الذي أولاه الفرنسيون
للدويلات الطائفية, بل اعتبر الفرنسيون النخبة السياسية من أبناء العوائل الكبيرة في
المدن ممثلين للأغلبية السنية, ولكن الحقيقة هي أن هذه الطبقة لم تكن حريصة على تبني
سياسات إصلاحية يمكن أن تضعف من نفوذها.(
===
===
4- ودعم كلايتون (( كبير موظفي الخارجية البريطانية))) الرأي القائل بأن أصل مشكلة الطوائف هو ما منحهالفرنسيون من حماية للنصارى على حساب المسلمين, ومن ثم توسيع هذه الحماية لتشمل طوائف أخرى فيالمنطقة, ورأى بأنه لن يكون هناك حل للحساسيات الطائفية إلا بالتخلي الكامل عن نظام الحماية التي تضفيها
بتاريخ ٩ أغسطس ,(E6228/5484/ الدول الغربية على الأقليات الدينية في سورية. وثيقة رقم: ( 89
١٩٤٥ . في:
============
=============
عمدتفرنسا إلى فرض الكانتونات الطائفية وإثارة النزعات الانفصالية لدى الأقليات التي
كانت ترغب بدورها في تأكيد خصوصيتها وترسيخ انفصالها عن غالبية المجتمع
السوري.
وقد أدت هذه السياسة إلى عرقلة فرص تحقيق التجانس بين أفراد المجتمع,
وأمعنت السلطة الانتدابية في ترسيخ الثقافة الطائفية وتضخيم مظالم أبناء الأقليات
وحشد معارضتهم ضد الأغلبية السنية من أبناء المجتمع السوري, فصنعت هويات
متعددة وانتماءات متضاربة داخل الكيان الجمهوري الذي زرعت فيه بذور الفتنة
والانقسام.
وحيث إن أبناء الطوائف قد تم استيعابهم في فرق جيش الشرق ((جيش الاحتلال الفرنسي لسورية))والقوات الخاصة للشرق (( سوريون تطوعو بالجيش الفرنسي )) وغيرها من التشكيلات العسكرية خلال فترة الانتداب, فإن هذا العامل سيكون له أكبر الأثر في زعزعة الاستقرار ودفع ضباط الجيش لشن سلسلة منالانقلابات العسكرية ضد الحكم المركزي في مرحلة ما بعد الاستقلال.
8 آذار ( مارس) عام 1963 قام البعثيون بانقلابهم واستولوا على السلطة فى البلاد .
ويقول الأستاذ جلال السيد البعثي القديم وأحد الرواد الأوائل :
( انقلاب آذار لم يكن مفاجئا بل أن رائحته كانت تزكم الأنوف .. بل إن الحديث عن الانقلاب كان يجري علانية وعلى قارعة الطريق )
( وأعلنت الإذاعة فى دمشق نبأ الانقلاب الذي لم يلق مقاومة كما أنه لم يلق اهتماما من الرأي العام أول الأمر فالشعب كان يجهل مرامي هذا الانقلاب كما أن الشعب قد مل وضجر من هذه العمليات) وشكل صلاح البيطار – رفيق ميشيل عفاق – وزارته الأولي وأشرك فيها الوحدوين ثم استقال الوحدويون وسقط البيطار .
وشكل البيطار وارته الثانية ولكن ولكن الوحدويين (( دعاة الوحدةمع مصر والعراق)) استقالوا من المجلس الوطني وقاموا بانقلاب 18 تموز ( يوليو ) الذي سقط فيه نحوا من 170قتيلا وخيم جو رهيب على دمشق وسجلت مشاهد الإعدام بشكل مخجل وأصبح السوريون كلهم فى نظر البعث متهمين , واستقر الأمر للبعث وقامت دولة الإرهاب والفوضي فى دمشق وكان مقياس نجاح الوزير هو قوائم التسريحات وبدأت قوافل القرويين تظهر على المسرح تاركة القري والجبال .
(وخلاصة الرأي عندنا أن انقلاب آذار هو انقلاب كسائر الانقلابات التى سبقته ...) وقد أقام البعث باستيلائه على السلطة حكما دكتاتوريا لا صلة له بالشعب استنادا إلى أقوال فاقدة الدلالة من حكم الطليعة والنخبة والحزب الرائد وما هو مثل هذه الألفاظ . ونظر البعثيون إلى الشعب السوري على أنه قاصر وأنه يحتاج إلى وصي والوصي هو ( الحزب الرائد ) ومعني هذا وأد الديمقراطية والحكم الدستوري والنظام النيابي وانخرط فى الحزب بعد استيلائه على السلطة الشيوعيون والسوريون القوميون والشعوبيون من كل الفئات وما قصد هؤلاء إلا الاستفادة والانتفاع من دولة الحزب .
وقام الحزب بعملية عزل سياسي شملت الكثير من السياسيين ورجال الفكر فى سوريا ولم يسلم حتي زملاء الانقلابين من التدبير ويقول الأستاذ جلال السيد :
( قامت المزايدات بين حكم آذار وبين عبد الناصر والمزايدات كانت تجري على حساب الشعب ومصلحته وقد اتخذت قرارات بالتأميم وأخرى بشأن الإصلاح الزراعي والتجارة الخارجية وما إلي ذلك من تصرفات كانت كلها ضربة للشعب حدت من رزقه وزادت فى قلقه وجعلت كل قادر على الرحيل والهجرة يفكر فى الرحيل والهجرة وزادت هذه المشاعر بالهجرة وكثرت المحاولات مع الزمن حتي يمكن القول : إن المال والعلم كليهما قد غادرا القطر السوري وهاجرا إلى حيث يجدان مناخا صالحا لهما فى أى مكان تحت الشمس وقد فرغت سورية ن هذين العنصرين تفريغا يكاد يكون تاما ).
( نشر جو من الإرهاب الفكري والمادي مما أذل المواطن العربي السوري ثم جعله يميل إلى استعمال النفاق تقيه وتخلصا مما يهدده من مصير أسود وبدلا من أن يذهب حكم البعث إلى نفخ الإباء والأنفة فى النفوس فإنه قد راح يستل ما في النفوس من بقايا لهذه الصفات التي هي ضرورة لمواجهة العدو الذي يقف على حدودنا ويتربص با كما فعل بعد ذلك فى حزيران ( يونيو) عام 1967)
لقد جنح حزب البعث بعد تسلمه للسلطة فى سوريا إلى أسلوب لا إنساني فعاقب على الشبهة ونفذ مبدأ المسئولية الجمعية ( وقتل وسجن وأفقر وأجاع كل من يري أنه ليس مؤيدا ولا مؤمنا بالحزب ثم مد بعضهم يده إلى خزانة الدولة فعمل فيها إسرافا وبعثره )
وفى مكان آخر يقول عضو البعث القديم الأستاذ جلال السيد:
( وعاشت سوريا فى ظلال بعض الدكتاتوريات أيضا تحت ظل الإرهاب كعهد حسني الزعيم مثلا وعهد الشيشكلي لكن كل هذه العهود لم تزد فى قسوتها عن عهود البعث )
ويضيف عضو القيادة القطرية لحزب البعث السوري الدكتور سامي الجندي وزير الإعلام فى أول حكومة شكلتها حركة الثامن من آذار فى كتابه ( كسرة خبز).....كنت أنذرهم أن سبل الثورة باتت خطرة على نفسها وعلي الشعب وإنها باتت ثورة بل انقلاب شرذمة أدي بها الغرور والأنانية والتمسك بالحكم إلى طغيان بوليسي لا هدف له ولا رجاء منه غير الخراب والتخريب والولوغ بالدم والشرف.....).
إنكل الدلائل تشير إلى تمكين حزب البعث من السلطة فى سورية بانقلاب آذار سنة 1963 إنما كان للإعداد للنكبة التى أصابت الأمة العربية بأفدح مما أصيبت به عام 1948 وكان الجيش السوري – برغم كل ما أصابه – لا يزال القلعة الخطرة الذي يقف كالصخرة أمام تنفيذ المؤامرة اليهودية . لذلك كان لابد من تصفيته كالصخرة أمام تنفيذ لمؤامرة اليهودية . لذلك كان لابد من تصفيته وشل فعالياته وقد تم ذلك بأبشع صورة للخيانة وأقبح جريمة ارتكبت فى تاريخ هذه الأمة . وكان ذلك على الشكل التالي :
1- بعد وقوع انقلاب الثامن من آذار بخمسة أيام فقط أى بتاريخ 13 آذار عام 1963 صدرت نشرة عسكرية أخرجت من الجيش مائة وأربعة ضباط هم كبار الجيش افتتحت بالفريق عبد الكريم زهر الدين واختتمت بالمقدم بسام العسلي .
2- وبتاريخ 16 آذار ( أى بعد 3 أيام أخري ) صدرت نشرة أخري أخرجت من الجيش 150 ضابطا هم الطاقة الفعالة فى الجيش ( قادة الكتائب ورؤساء عمليات الألوية وقادة السرايا) وكنت واحدا من الذين شملته هذه النشرة .
3- ثم تتابعت النشرات تسرح وتحيل إلى التقاعد وتنقل إلى الوظائف المدنية على نحو لم يتح لى الاطلاع على تفاصيله حتي بلغ مجموع الضباط الذين أخرجوا من الجيش حتي آيار ( مايو) عام 1967 ما لا يقل على ألفي ضابط مع عدد لا يقل عن ضعفه من ضباط الصف القدامي والجنود المحترفين الذين يشكلون الملاك الحقيقي الفعال لمختلف الاختصاصات فى الجيش.
4- ولزيادة تعميق الجريمة وللذر الرماد فى العيون لئلا يقال : إنهم يسرحون الجيش – استبدال بالذين أخرجوا من الجيش ( وخاصة الضباط ) أعدادا كبيرة جدا من ضباط الاحتياط الذين سبق لهم أن أدوا خدمة العلم وجميعهم تقريبا من البعثيين وأكثريتهم من أبناء طائفة معينة ( العلويين النصيريين) .
وبذلك أصبح الجيش مؤسسة بوليسية لقمع الحريات والتنكيل بالشعب لا جيشا قادرا على صون الحدود والدفاع عن أرض الوطن .
5- وقد رافق ذلك كله عمليات مجرمة شملت حل بعض القوات المقاتلة وتتشكيل وحدات غيرها على أسس طائفية بحتة تماما كما فعل الفرنسيون أيام الاحتلال وبذلك أصبح الجيش عبئا كريها على عاتق الشعب بدلا من أن يكون درعا وحصنا يصون بلاده ويحفظ أمته وحرياته .
6- تميزت تلك المرحلة من تصفية الجيش بصور من العنف والتنكيل كان منها القتل والسجن والأحكام الاعتباطية والإعدام والاتهامات جزافا ومصادرة الأموال والممتلكات وتضييق سبل العيش على الناس ( وخاصة العسكريين) حتي أصبح المواطن يمسي فلا يصدق أنه سيصبح بخير أو يصبح فلا يصدق أنه سيمسي بدون أن يصيبه سوء وقد كان من ابرز العسكريين الذين قتلهم حزب البعث ظلما النقيب معروف التغلبي والنقيب ممدوح رشيد والملازم نصوح الجابي والعقيد أ.ح كمال مقصوصة .
أضف إلى هذا أن الخلافات الداخلية بين أجنحة حزب البعث والتي كانت تظهر فى مؤتمراته القطرية والقومية كانت دائما تحسم عن طريق البلاغ رقم ( 1) أى باللجوء إلى الجيش فالحزب نفسه لم يصل إلى السلطة إلا بانقلاب آذار المشئوم مع حلفائه المخدوعين ( الوحدويين) ثم الانقلاب عليهم ولم تتم تصفية جناح ميشيل عفلق إلا بالانقلاب على كومة أمين الحافظ وصلاح البيطار ,ولم يقم سليم حاطوم بفرض نفوذه ثم بمحاولة استرداده إلا بقيادته الدبابات ومحاصرته القصر الجمهوري ولم يستطع صلاح جديد أولا وحافظ الأسد ثانيا أن يقوم كل منهما بحركته التصحيحية إلا باللجوء إلى الجيش أو القطاعات العسكرية الموالية له.
وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام وهى أن الضباط المسلمين السنيين كانوا هم المستهدفين للتسريح ولتفريغ الجيش السوري منهم بصفة خاصة وكأن هناك اتفاقا مسبقا على إبعاد المسلمين السنيين عن الجيش وعن اللعبة السياسية بعد استيلاء البعث على السلطة فى انقلاب آذار المشئوم , وإذا تذكرنا كلمتين لرجلين من رجال السياسة والفكر فهمنا سرا من أسرار استبعاد المسلمين السنيين وتقديم الطوائف الأخري : يروي عن فارس الخوري النصراني ( رئيس وزراء سورية سابقا) قوله:
( إن المسلم العربي لا يشك فى وطنيته حتي يثبت ما يناقض ذلك أما النصراني العربي فلا ثقة بوطنيته حتي يثبت العكس ) هذا كلامه منذ نصف قرن تقريبا..
وفى مقابلة أجرتها جريدة النهار العربي الدولي مع البروفسور مكسيم رودنسون ( ماركسي يهودي فرنسي) قال فيها:
إن السني الشامي لا شك فى عروبته أما المسيحي اللبناني ففي عروبته كل الشك وقد أثبتت الأحداث اللبنانية الأخيرة وصدق ذلك .. وهذا الكلام مذكور فى كتابه الجديد عن العرب باللغة الفرنسية.
كتاب هو الأول من نوعه عن الثورة السورية لرئيس التحرير الزميل حسن صبرا.
في الكتاب وقائع وأسرار تنشر لأول مرة عن مسار الثورة وتطورها باتجاه تحقيق أهدافها في بناء سوريا الجديدة بعد أربعة عقود من ح حكم حافظ الأسد ووريثه بشار، اتسمت ليس فقط بالاستبداد والطغيان بل وأيضاً بالقمع الوحشي والهيمنة الفئوية المذهبية والعائلية ونهب ثروات أبناء الشعب السوري.
وفي الكتاب أيضاً شهادات موثقة من شخصيات سورية ولبنانية ومن مؤلفات وكتب متميزة، إضافة إلى آراء عدد من كبار السياسيين العرب والاجانب ببشار الأسد وإخلاله بالوعود والعهود والمواثيق وأبرزها لجاك شيراك وحسني مبارك ورؤساء آخرين، مع تسليط للضوء على ما شهدته العلاقة بين لبنان وسوريا بحكم النظرة الخاصة غير السوية لحافظ الأسد إزاء لبنان وانتقال هذه النظرة إلى وريثه بشار سواء بالتعالي والفوقية على بلاد الأرز وسياسييه حتى ولو كانوا بوزن كمال جنبلاط ورفيق الحريري.
وفي ما يلي عناوين الفصول من الكتاب:
*كانت سوريا ترفع شعار القومية العربية ووحدة النضال العربي وتفتح المجال لكثير من العروبيين الوافدين إليها قبل تسلم حزب البعث السلطة
*الارتباط بالأجنبـي كان خطاب البعث للتخلص من الضباط الوطنيين في الجيش ليخلو الجو للضباط العلويين
*بعد فشل محاولة انقلاب جاسم علوان أسست لإضعاف الوجود السني في الجيش
*سميرة توفيق وراء انضمام طلاس إلى تكتل صلاح جديد
*أمين الحافظ: لو سمح لي عفلق بعمل انقلاب قبل أن ينفذ حافظ الأسد وصلاح جديد انقلابهما لكان استطاع أن يسيطر على الجيش ويمنع سيطرة العلويين
*محاولة انقلاب 18/7/1963 كانت محطة مفصلية في بدء علوية الجيش السوري بشكل ممنهج
*كان الجيش وأجهزة الأمن في عهد حافظ الأسد صندوقاً مغلقاً لا أحد يملك مفتاحه غيره
*كان حكمت الشهابي يعرف ان 90% من المنتسبين إلى الكلية العسكرية هم من العلويين لكنه كان يسكت حتى لا يتهم بالمذهبية أو الطائفية
*اشتكى بشار لخدام بأنه أراد أن يجري تشكيلات في الجيش لكنه وجد أن الضباط الذين يجب أن يشكلوا علويون
*لم يدخل الشهابي واحداً من شباب حلب التي ينتمي إليها إلى الجيش
*طلاس أقنع الأسد بإدخال العديد من الرستن ليكونوا العصب السني لتغطية إغراق الجيش والأمن بالعلويين في المفاصل الحاسمة
*يقول خدام ان نحو 300 شاب تقدموا للانتساب إلى حزب البعث ظلوا ثلاث سنوات دون جواب لأنهم سنّة
*في مؤسسة الكهرباء 1200 موظف بينهم 1% سنّة
*إذا أراد مواطن الهجرة عبر البحر يدفع للاستخبارات 50 ألف ليرة للموافقة وإذا عجز عن الدفع يتهم انه من الاخوان المسلمين ويسجن
*ليس مصادفة أن تنطلق الثورة من حوران لتتجاوب معها بانياس واللاذقية
علوية الجيش
======
كان العميد السني في الجيش السوري عبد الوهاب سنجاب، يذهب إلى وظيفته الادارية في قيادة الأركان راكباً دراجة، بينما كان مساعد علوي في الاستخبارات السورية يدعى حسين بطاش يقود سيارة مرسيدس ((شبح)) مسروقة من لبنان.
والافظع ان حسين هذا وهو برتبة تعادل رتبة رقيب في الجيش اللبناني يدير فرع استخبارات في مدينة حلب.
كيف يمكن تفسير وجود نسبة من الضباط العلويين في الجيش السوري بأعلى من نسبة وجودهم السكاني العام؟
بل كيف يمكن تفسير اختيارهم الانتماء أساساً إلى حزبي البعث والقومي السوري؟
صحيح ان ضباطاً علويين كانوا ناصريين، وساسة علويين أيضاً كانوا وظلوا ناصريين، كما شيوعيين.. لكن وجودهم في هذين الحزبين يطرح تساؤلات يعزز منها الصدام الذي حصل بين الحزبين سنوات الخمسينيات والستينيات ثم تراجعها في السبعينيات إلى عودتها حلفاً بعد ذلك في ظل حافظ ثم بشار الأسد الذي عين رئيس الحزب القومي السوري في سوريا علي حيدر وزيراً لما يسمى المصالحة الوطنية بعد مرور 16 شهراً على ثورة الشعب السوري العظيم.
وان يتقدم الفقراء للانتساب إلى الكلية العسكرية ليجدوا لهم مكاناً في المجتمع تبعاً لأحلامهم وحقوقهم.. فهذا أمر منطقي، أما أن يصبح الانتماء إلى الجيش هو طريق اعلاء شأن الطائفة، فالتفكير الجمعي هنا يشير إلى تخطيط مسبق حتى لو ساعدت الظروف السياسية والتطور الاجتماعي وأخطاء الحكام وسلبية الاغلبية وهروبها من واجبها ودورها في استمرار نسبة وجودها في المؤسسة الأم.. في جعله تخطيطاً منطقياً
أديب الشيشكلي يحظر العلويين والدروز من الجيش السوري مطلع الخمسينات
===
هل كان العقيد أديب الشيشكلي (( رئيس سورية وقائد الجيش من 1949 الى 1954))طائفياً، حين تعمد وهو السني غير العربي، أن يحظر بشكل غير رسمي أو معلن دخول الدروز والعلويين إلى الكلية العسكرية في حمص، لتخريج ضباط ينتسبون إلى ويعملون في الجيش السوري؟
مؤسس البعث يدعم دخول العلويين والدروز للجيش
===
وهل كان أكرم الحوراني عروبياً – اشتراكياً حين كسر هذا القرار، وفتح المجال واسعاً حين كان وزيراً للدفاع لدخول أبناء الاقليتين الدرزية والعلوية (والاسماعيلية) الجيش نفسه؟
أياً يكن الجواب فإن حافظ الأسد وكثيراً من أقرانه فقراء العلويين الذين استفاد فلاحوهم من توزيع الاراضي الذي قام به الحوراني في ريف مدينته حماه، استفادوا أكثر من اختراق الجيش السوري بأعداد أهّلتهم مع الظروف الموضوعية والمآسي التي لحقت بسوريا وجيشها ليصبحوا هم عصب هذا الجيش الذي دخل المواجهة المباشرة مع الشعب السوري، وشن أغرب حروب العالم بين مواطنين وسلطة، تذبح فيها دبابات النظام ومدفعيته وراجماته وشبيحته أعناق السوريين بما لم يكن لأي عاقل تصور هذا المصير.. حين خطط حافظ الأسد للقفز على السلطة، ومارسها ببشاعة لا تجاريها قذارة في التاريخ ثم سلمها لابنه لإكمال طريقه بما هو أسوأ.
فكيف تم التمهيد ليكون الجيش السوري وأجهزة الدولة السورية الامنية هو جيش وأجهزة العلويين.. ثم أضيف إليه الشبيحة، آخر إنجازات عائلة الأسد حيث نشأ هذا الجهاز المافيوي في الساحل.. في اللاذقية في متنفس جبال العلويين الساحلي، وبمبادرة وامرة آل الأسد تحديداً.
وقبل ان نأتي إلى التفصيل لا بد من إيراد هذه الفقرة عن الاثنين المتناقضين المتحابين:
كثيرون يعتبرون ان أكرم الحوراني هو الذي فتح الباب لدخول العلويين إلى الجيش السوري. كان الرجل يعتبر إدخال العلويين البعثيين إلى الجيش هو تقوية للبعث في المؤسسة العسكرية وعندما عين وزيراً للدفاع دخل حافظ الأسد وصلاح جديد وعشرات الضباط العلويين الجيش وهو ما كان شبه محظور في عهد أديب الشيشكلي. ومن شدة حقد ولؤم حافظ الأسد انه منع دفن جثمان الحوراني في مدينته حماه.. مما دفع أقاربه إلى دفنه في الاردن في انتظار نقل رفاته إلى بلده.
ويسجل أهل حماه ان ثورتهم الأولى ضد البعث بدأت عام 1964 وكان أحد أسبابها إقصاء أبرز قادتها أكرم الحوراني عن قيادة البعث الذي ساهم في تأسيسه.
كان جبل العلويين جزءاً من ريف حماه، وعندما نفذ الحوراني اصلاحاً زراعياً في سوريا، وزع فيه أراضي شاسعة على الفلاحين استفاد العلويون منه كغيرهم.
نظر البعض إلى الحوراني كأحد أبرز قادة سوريا الاشتراكيين الذين سيسوا الجيش السوري، حتى ان بعضهم أطلق عليه اسم أبو الجيش، وكان له داخله ضباطه، ومعظم الانقلابات العسكرية التي نفذها الجيش السوري منذ العام 1949 كان للحوراني وضباطه دور فيها.
أقوى قادة الجيش الذين نفذوا انقلاباً عسكرياً واستمر حكمه ثلاث سنوات 1951 – 1954 أديب الشيشكلي، كان يستشير أكرم الحوراني، سياسياً، رغم ان الحوراني كان نهج خطاً مختلفاً عن خط الشيشكلي الذي كان فرض شبه حظر على دخول العلويين والدروز والاسماعيليين الجيش، وكان يعتقد ان الجيش يجب ان يظل في قبضة الاغلبية السنية.
أقدم الشيشكلي على عملين خطيرين في مفهوم ذلك الزمان هو العنف الذي استخدمه ضد جبل العرب حيث الاغلبية الدرزية، وعندما سلم السلطة طوعياً عام 1954 اثر زحف الضباط المعادين له على دمشق، وطلب من قواته عدم القتال وغادر إلى البرازيل، لحقه شاب درزي هو نايف غزالة بعد عدة سنوات إلى هناك ليقتله انتقاماً لمواجهاته العنيفة السابقة ضد الدروز.
الأمر الثاني الذي أقدم عليه هو انه أعدم سليمان المرشد الشاب العلوي الذي ادعى النبوة.
وعندما اقتحم الجيش السوري في عهد حافظ ورفعت الأسد مدينة حماه في 2/2/1982، كان المرشديون جزءاً من القوات المقتحمة.. فعاينوا الحمويين الذين كانوا من حزب الشيشكلي ومارسوا ضدهم كل أنواع القتل..
في كتابه ((أيام مع القدر)) السلطة الغاشمة صفحات من الذاكرة حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا (الجزء الأول) يقول مؤسس البحرية العراقية سفيره لدى عدد كبير من الدول، الضابط السوري البعثي عبدو الديري:
ان آمري الكليات العسكرية والجوية والبحرية في الفترة من العام 1965 حتى العام 1974 كانوا كلهم من العلويين.
- كان مدراء المدارس الحربية لضباط الصف علويين.
- آمرا الكلية العسكرية عامي 1964 – 1965 هما الضابطان العلويان العقيد محمود يونس والمقدم شفيقعبدو..
- ومعظم الضباط الذين صنعوا نظام حافظ وبشار الأسد هم تلامذة هذين الضابطين من محمد الخولي وعلي حبيب وعلي حيدر إلى علي اصلان ومحمد ناصيف.
- في عهد آمر الكلية الجوية المقدم ياسين أحمد الذي كان قومياً سورياً ((تبعثن)) أي تحول إلى بعثي، فاز العلويون بحصة الأسد أي 70% من الطلاب الممتحنين بينما حصل الطلاب السنة والدروز والمسيحيون والاسماعيليون على 30%.
- ابن خالة حافظ الأسد الملازم طبيب عيون ابراهيم نعامة، والطبيب العلوي الآخر ظافر بيطار (أمراض باطنية) كانا مشرفين على اللجنة الطبية في الكلية العسكرية لامتحان الطلاب طبياً، وكانا هما المصفاة التي يعلق أو ينجو فيها الطلاب لدخول الكلية.. ويا لهذه المصادفات الغريبة حيث كان العلويون وحدهم هم الذين يعلقون في شبكتها ولا يتسرب خارجها إلا غيرهم، قبلت الكلية العسكرية في عهد نعامة وبيطار الطلاب العلويين وسقط طلاب دمشق وحلب وحمص وحماه. كما كان الأمر مستفزاً حتى لعظام النظام، فهذا د. مظهر العظمة وهو بعل د. نجاح العطار وزيرة ثقافة حافظ الأسد نائبة بشار يقول: ان هناك حالات تزوير مخزية حصلت في نتائج امتحانات الدخول إلى الكلية العسكرية. (راجع واقعة اغتيال الدكتور نعامة في مكان آخر من هذا الكتاب).
سورية قبل البعث كانت خالية من الطائفية
===
لم يكن الاصطفاف المذهبـي بين سني وعلوي مطروحاً في سوريا بهذه الحدة وبهذا الحزم قبل انقلاب 8 آذار/مارس 1963، لأن سوريا كانت ترفع شعار القومية العربية ووحدة النضال العربي، وتفتح المجال لكثير من العروبيين من الوافدين إليها للإقامة وممارسة العمل السياسي كعرب وسوريين لا فرق في ظل السعي للأمان داخل ربوعها قبل تسلم حزب البعث السلطة فيها. ففارس الخوري اللبناني المسيحي من الكفير في منطقة حاصبيا، أدى دوراً بارزاً وتبوأ أعلى المراكز في سوريا. وأكرم الحوراني ذهب إلى العراق للقتال إلى جانب حركة رشيد عالي الكيلاني ضد الاحتلال البريطاني عام 1941.
الخوري اللبناني وقف مع أركان الكتلة الوطنية السورية في محاربة الاستعمار الفرنسي واللبناني شوكت شقير كان رئيس أركان الجيش السوري وهو أول من كسر احتكار السلاح الغربي بعقد صفقة مع روسيا لشراء السلاح الشرقي، وكذلك كان عفيف البزري اللبناني قائداً للجيش في سوريا.
كانت أوضاع سوريا وثقافتها ومجتمعها وسياستها وتعليم أجيالها بعيدة عن الطائفية وعندما تأسس حزب البعث العربي في 7/4/1947 عقب مؤتمره التأسيسي الأول في دمشق، ضم بين طياته عرباً سنّة وشيعة وعلويين ومسيحيين ودروزاً من كل أطياف المجتمع السوري.. ومن كل مناطق سوريا، لذا يجب ان نفرق بين حقيقة ما جرى وبين ما آلت إليه الاوضاع من حمى طائفية في هذه الايام، كان الجيش السوري عقب الاستقلال يضم في صفوفه كثيراً من الضباط ونواب الضباط وأصحاب الرتب الصغيرة من كافة أنحاء سوريا وبصورة خاصة من أبناء العائلات المعروفة كالأتاسي والكزبري والحناوي والزعيم والقوتلي والعائلات الدمشقية المرموقة.
محاولة انقلاب 18/7/1963 الناصرية ضد البعثيين الفاشلة
===
خطط الضباط الناصريون بقيادة جاسم علوان ومحمد الجراح لانقلاب عسكري يعيد ثورة 8 آذار/مارس إلى أصولها القومية الناصرية، ولكن استخبارات البعث كانت متابعة لتفاصيل هذه الخطة الساذجة منذ بدايتها، ووجدت اللجنة العسكرية عصب البعث العسكري المحاولة فرصة للتخلص من الناصريين، وكان يوم 18/7/1963 هو يوم له ما بعده بل يمكن تأريخ كل ما حصل في سوريا فيما بعد من هذا اليوم.
فشلت الحركة الناصرية فبدأ البعث أوسع حملة تسريح طالت المئات من الضباط الناصريين بعد اعدام العشرات وهرب البعض.
كان المسرحون من الناصريين وبقية القوى يتهمون بأنهم ضد القومية والعروبة، وبأنهم مرتبطون بالأجنبـي وكانت هذه وسيلة وخطاب البعث للتخلص من الضباط الوطنيين في الجيش السوري.. ليخلو الجو للضباط العلويين في ملء الفراغات بمزيد من العلويين.. غير ان هذه لها تفاصيل سترد تباعاً.
كان البعث السوري يتبع الاسلوب الدموي الذي اتبعه بعث العراق في تصفية خصومه، فتدخل ميشال عفلق لدى أمين الحافظ الذي كان قد أخذ مكانه الجديد بديلاً عن الفريق لؤي الاتاسي، لوقف الاعدامات ونجح بتخفيض بعض أحكام الاعدام ضد عدد من الضباط كان منهم أربعة مساقون للإعدام فعلاً فخفف الحكم إلى السجن المؤبد.
قائد المحاولة الفاشلة العقيد جاسم علوان استطاع ان يفر عبر لبنان إلى القاهرة، كثيرون يعتبرون ان فشل هذه المحاولة ونتائجها المأساوية أسست فيما بعد لإضعاف الوجود (السني) في الجيش السوري فخلا الجو لسيطرة الضباط العلويين بإسم البعثية.. خاصة وان الذين راحوا يتسلمون المواقع الاساسية في الجيش والدولة هم ضباط اللجنة العسكرية المشار إليهم وأغلبيتهم الساحقة من العلويين (بقي ان اللواء زياد الحريري الذي كان قائداً للجبهة ويتمتع باحترام وثقة العسكريين وكان خارج التجاذب بين البعثيين والناصريين وقاد الانقلاب في 8/3/1963 استغله البعثيون للتخلص من الفريق الناصري لؤي الاتاسي وعندما أصبح الحريري وحيداً تم اعفاؤه بسهولة وإخراجه من الجيش عندما كان خارج سوريا فآثر المجيء إلى لبنان ليعيش فيه في منطقة الصنائع في بيروت).
المرحلة الثانية من علوية الجيش السوري
===========
المرحلة الثانية من علوية الجيش السوري بدأت في الصراع بين اللجنة العسكرية وأمين الحافظ ((سني-حلب)) ((رئيس سورية من 1963 - 1966))وهي التي جاءت به من الارجنتين حيث كان ملحقاً عسكرياً في سفارة سوريا فيها ليرأس مجلس قيادة الثورة كما ورد خلفاً للفريق لؤي الاتاسي. وإذ يمكن رصد التنافس على السلطة كسبب للصراع بين الرفاق أبناء الحزب الواحد والسعي لاكتساب العسكريين كل إلى جانبه مسعوراً بحمى هذا التنافس، فإن المذهبية بدأت تطفو على سطح الاحداث في سوريا بدءاً من المؤسسة التي من المفترض ان تجمع بين أبناء الوطن من كل الملل والطوائف والمناطق والطبقات وهي الجيش وكان الأولى ان تجمع بين رفاق الفكر الواحد، والحزب الواحد والقيادة الواحدة والتربية الواحدة والثقافة الواحدة والتطلع الواحد والاهداف الواحدة.
من القيادة العسكرية للبعث وسورية والتي عرف الحافظ ان معظم ضباطها من العلويين أو هم تحت سيطرة الثلاثي العلوي محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الأسد.. قبل أن يكتشف أمين الحافظ ان عمران كان أقرب إلى ميشال عفلق وصلاح البيطار ولم يكن ذا عصبية علوية
بدأ أمين الحافظ يستعمل الاسلوب المذهبـي ويطلق النعوت السلبية ضد اللجنة العسكرية وبصورة خاصة حافظ الأسد، صلاح جديد (محمد عمران).
أضعف هذا الاسلوب معركة شرعية القيادة القومية، وطوق نشاط الضباط العلويين البعثيين الذين لم يشك أحد في ولائهم للقيادة التاريخية للحزب وأبرزهم: علي مصطفى وسليمان حداد.
ساعد أسلوب أمين الحافظ في اصطفاف الضباط السنّة حوله مثل صلاح الضلّي ومصطفى طلاس ومحمد عارف الكيالي وآخرين، ومع هذا كان معه من الدروز فهد الشاعر ومن العلويين كما أسلفنا علي مصطفى وسليمان حداد وآخرون، لكنه ساعد أيضاً في اصطفاف العديد من الضباط العلويين حول قيادتهم.. ولم يخرق هذه القاعدة سوى مصطفى طلاس الذي كان من أشد أنصار أمين الحافظ ثم حصلت واقعة يجب ان نرويها لنعرف أسباب انصراف طلاس عن الحافظ إلى اللجنة العسكرية وضباطها العلويين.
قبل واقعة طلاس نكرر بأن تكاثر العلويين في الجيش وفي الإدارات جاء مع تعدد دورات قبول ضباط في الجيش ومع تطور الحياة الاقتصادية في سوريا، وانصراف شباب المدن السنة عنه إلى الحياة التجارية والمهنية الأخرى بدراسة الطب والهندسة والصيدلة والمحاماة.. وكلها مهن كانت شبه مقفلة على أبناء المدن سنّة ومسيحيين.
راقصة سبب ابتعاد مصطفى طلاس عن البعثيين السنة والتحاقه مع البعثيين العلويين
==
اتخذ التنافس بين المجموعتين بعداً شاملاً، انقسمت حياله الثكنات العسكرية المهمة. ومن أبرز ما جرى في أواخر عام 1964، تخلي اللواء، آنذاك مصطفى طلاس، قائد اللواء المدرع الخامس الرابض في مدينة ((حمص)) عن الفريق أمين الحافظ وانضمامه إلى تكتل حافظ الأسد – صلاح جديد.
تدعو الأسباب وراء هذا الحدث، كما روي في ذلك الوقت.. إلى الاستهجان وربما التباكي.
وتشير الرواية التي أكدّ صحتها، أكثر من طرف إلى ما يلي:
أحيا نادي الضباط في ((حمص)) حفلة غنائية، دعيت إليها المطربة ذات اللون البدوي ((سميرة توفيق)) حضرها جمع كبير من بينهم مصطفى طلاس الذي خصصت له طاولة مجاملة لمكانته العسكرية فدعا عدداً من اصدقائه لمجالسته من بينهم شاب من آل الاتاسي، معروف في الاوساط الاجتماعية..
دبّ الحماس على وقع الانغام وصوت المطربة سميرة وتمايل الاجساد الغضة، فاندفع ضيف طلاس ابن الاتاسي للصعود إلى المسرح والرقص أمام المغنية. فتضايقت وأبدت اشمئزازاً ونهرته فلم يرتدع بل زاد رقصاً، فتعاظم غضبها..
اثار هذا الموقف رئيس الشرطة العسكرية محمد عارف الكيالي، فانتقل إلى المسرح وشده من رقبته وأنزله بعيداً ومنعه من متابعة الرقص. تضايق اللواء طلاس ووبخ الكيالي، طالباً منه عدم التدخل.
علا الصياح بين المسؤولين واستنفر الكيالي عناصره، مما دفع بطلاس إلى طلب المساعدة من عناصر لوائه المدرع. هرب الناس وفشلت الحفلة ووصلت القضية إلى دمشق. انتصر مسؤول التنظيم العسكري صلاح جديد لطلاس رغم انه كان محسوباً على القيادة القومية، في الوقت الذي اتخذ فيه رئيس مجلس الرئاسة أمين الحافظ الذي يؤيده طلاس آنذاك، جانب الكيالي ورفض العقوبة له.
ترك دعم جديد لطلاس ومخاصمة أمين الحافظ له أثراً كبيراً في نفس اللواء طلاس، فكافأ جديد بالانضمام إلى تكتله.. استمرت الحال على هذا المنوال، شدّ ولين، معارك فارغة غير ذي جدوى إلى ان حصل انقلاب عسكري على القيادة القومية وأمين الحافظ شارك فيه ((سليم حاطوم)) وهو ضابط درزي كان قائداً لجهاز المغاوير.
انه الانقلاب الذي جاء بصلاح جديد وحافظ الأسد إلى السلطة في 23/2/1966.
حافظ الأسد يهدد الرئيس أمين الحافظ
==
في 22 ك1/ديسمبر عام 1966 اي قبل شهر واحد من انقلاب23 شباط/فبراير ضد أمين الحافظ والقيادة القومية، التقى خالد يشرطي بتكليف من مؤسس الحزب ميشال عفلق بحافظ الأسد في دمشق الذي كان نائب وزيراً للدفاع آنذاك للإطلاع منه على حقيقة ما يجري في البلد ومحاولة رأب الصدع، فرد غاضباً حافظ الأسد ((35 سنة)).. ابلغ الاستاذ ميشال عفلق ان أمين الحافظ يستفز الاخوان (العلويين) كثيراً وإذا استمر على هذه الحالة فإنني لن أقوى على ردع الاخوان (العلويين) إذا ما ثاروا.. وبعد شهر واحد كان حافظ الأسد على رأس القوة التي قضت على حكم أمين الحافظ.
كان أمين الحافظ الذي يتصرف بعفوية وفطرية يستفز حين كانت تأتيه معلومات أو تقارير وتصدر قرارات تكشف خطة إخلاء المواقع الأساسية المفصلية في الجيش من السنّة، في عمليات صرف كانت تخلو في معظم الاحيان من أي ضابط من الاقليات الدينية (علويين اسماعيليين، دروزاً..).
يكشف المقدم عبدو ديري في كتاب عن ((أيام مع القدر)) انه نجح في إيقاف قائمة إحالة خمسمائة ضابط صف من الصدور عبر اتصال مع المقدم موسى الزعبـي والفريق أمين الحافظ، اللذين تأكدا ان الـ500 صف ضابط المفصولين ليس بينهم أي من الاقليات الدينية.
وبعد استقراره في العراق قال الفريق أمين الحافظ لأركان في المعارضة السورية في بغداد لو سمح لي الاستاذ عفلق بعمل انقلاب قبل أن ينفذ حافظ الأسد وصلاح جديد انقلابهما لكان استطاع أن يسيطر على الجيش ويمنع سيطرة العلويين وإذا قرأنا واقع الجيش السوري في ذلك الزمان لكان علينا أن نعيش حرباً أهلية قوامها العسكريون البعثيون الموزعون في الولاء المذهبـي بين سني وعلوي (على الاقل) ليصبح مصير سوريا قبل أقل من نصف قرن في عالم الغيب.
عسكر بعث ميشال عفلق الذي تحلق حوله في بداية الانقلاب عام 1963 تحول بعد سنتين إلى فرق متناحرة متقاتلة كانت الغلبة فيها للعلويين منهم بدءاً من عام 1966، ثم قضي الأمر بتسلم حافظ الأسد للسلطة عام 1970.
أمين الحافظ ومفارقته
===
وإذا كان أمين الحافظ السني الحلبـي هو أول من نبه إلى علوية متصاعدة في الجيش السوري، فإن المفارقة ان هذا الرجل الذي قاتله الحلف العلوي – الدرزي في الجيش في 23/2/1966، هو نفسه الذي فتح الطريق واسعاً لإخلاء الجيش من الاغلبية السنية منتهزاً المحاولة الفاشلة والتي جرى ترتيبها وتوريط الضباط الناصريين فيها في 18/7/1963، لتسريح أكبر عدد ممكن من الضباط السنّة (ناصريين وقوميين، وبورجوازية دمشقية وحلبية وحمصية وحموية ومن اللاذقية..).
صحيح ان انقلابات سوريا منذ العام 1949، استنـزفت الاكثرية السنية داخل الجيش ليحل محلها ضباط الاقليات الأخرى (علوية، درزية، اسماعيلية) لكن محاولة انقلاب 18/7/1963 كانت محطة مفصلية في بدء علوية الجيش السوري بشكل ممنهج.
وقد صادف ان الضباط الذين قادوا انقلاب 23 شباط/فبراير 1966 ضد حكم أمين الحافظ (السني) كلهم من الاقليات في سوريا، مع عدد قليل من الضباط السنّة والمسيحيين.
كان أبرزهم من الدروز اللواء حمد عبيد، والعقيد طلال أبو عسلي، والرائد الأبرز في الجيش السوري لسنوات سليم حاطوم.
وكان من العلويين العميد عبد الغني ابراهيم، والعقيد شفيقعبدو، والرائدان عزت جديد شقيق الضابط العلوي الأبرز المدافع الأول عن القيادة القومية وأمين القيادة القطرية صلاح جديد، ثم شقيق الرئيس فيما بعد حافظ الأسد رفعت الأسد، الذي سيصبح أشرس ضباط الجيش السوري وأسوأهم سمعة في تاريخ العسكرية والممارسة السياسية السورية، ومن الضباط الاسماعيليين برز اثنان هما المقدمان عبد الكريم الجندي وأحمد المير (وهما من قيادة اللجنة العسكرية إياها).
علوية الجيش في عهد حافظ الأسد
==
كان الجيش وأجهزة الأمن في عهد حافظ الأسد صندوقاً مغلقاً لا أحد يملك مفتاحه غيره. صحيح ان البداية في علوية المفاصل الأساسية في الجيش والأمن كتبت قبل تسلمه السلطة اثر انقلاب 1970، لكنه كان واحداً من الذين كتبوا البداية منذ العام 1963.
كان حافظ الأسد ملك الشكل والمضمون معاً أعطى السنّة رئاسة المؤسسات، فكان الشكل منسجماً مع الواقع الاجتماعي والطائفي في سوريا.
رئيس الحكومة سني لكنه لا يتجاوز صفة الموظف عند الرئيس سواء كان اسم الموظف عبد الرؤوف الكسم أو عبد الرحمان خليفاوي أو محمود الزعبـي أو محمود الحلبي أو..
رئيس مجلس الشعب سني لكنه ينفذ أوامر السيد الرئيس سواء كان اسم المنفذ محمود الحلبي أو عبد القادر قدورة أو قاسم الابرش.
وزير الدفاع سني لكنه لا يملك ان يتصرف بنقل جندي أو ترفيع ضابط، واسمه طيلة نحو 30 سنة هو مصطفى طلاس.
رئيس الاركان سني حكمت الشهابي في معظم الاحيان لكنه لا يرى السيد الرئيس إلا إذا سمح له الرئيس بذلك.
عندما مرض حافظ الأسد عام 1983 شكل لجنة لإدارة شؤون البلاد رسمياً ضمت القيادات السنية (عبد الرؤوف الكسم، عبد الحليم خدام، حكمت الشهابي، محمد زهير مشارقة، محمود الحلبـي) لكن أحداً من هؤلاء لم يكن قادراً على نقل جندي من مكانه لأن السلطة الفعلية كانت عند علي دوبا، علي حيدر، شفيق فياض، ابراهيم صافي، محمد الخولي.. وكلهم علويون كانوا يحمون نظام حافظ من محاولة أخيه رفعت استعجال وراثته.
لم يكن أحد من وجه السحارة التي اختارها الأسد للحكم مؤهلاً له.. لكنهم نجحوا في أن ينفذوا أوامر السيد الرئيس حتى لو أدى انعدام الكفاءة إلى حالة هريان شاملة في سوريا في الادارة، في التعليم، في الطبابة، في الزراعة، في الصناعة، في التمثيل الدبلوماسي.
أعدم حافظ الأسد سوريا سياسياً، فلا نخبة سياسية إلا ما يراها السوريون في الاعلام المحنط الناطق ببطاريات فارغة الشحن، ولا أحزاب إلا التي ورثها السوريون من عهود ستالين وموسوليني وفرانكو، ولا نقابيون إلا الذين يبالغون في النفاق في كل مناسبة يريد السيد الرئيس ان يشاهدها عبر الاعلام تسليته المفضلة وهو سجين قصوره الرئاسية كما جلسات مجلس الشعب، كما احتفالات البعث، واتحاد الكتاب.
كل السلطة للأسد.. ولا سلطة لغير الأسد.
=======
أجهزته التي اختار قياداتها بعد تمحيص وتدقيق واختبار وأغرقها بالفساد ليفتح لها ملفاتها ساعة يشاء.. كانت هي نفسها غير موثوقة بالكامل.
تختار أجهزة الأمن المرشحين لمواقع الحزب.. للشعبة في كل منطقة للفرع.. للمؤتمر القطري الذي يسارع نفاقاً لإعطاء السيد الرئيس حق وضع لائحة المرشحين لعضوية القيادة القطرية (21) وللجنة المركزية (90) فيتم انتخابهم بالإجماع.
طيلة 30 سنة من حكمه أمسك السيد الرئيس بمفاصل السلطات الحزبية والسياسية والعسكرية والامنية والنقابية والمهنية والدبلوماسية.
كان رئيس الجهاز الأمني الذي يقمع الاعتراض أو النقد في اختصاصه الجغرافي أو المهني أو السياسي، هو الذي يتمتع بأكبر قدر من الثقة في قلب حافظ الأسد. ومع هذا فإن فوق كل رئيس جهاز أمني آخر أو أكثر يراقب أفعاله، حتى لا تسول له نفسه الانحراف عن الهدف الذي اختاره الأسد له، فهو له حق الانحراف الاخلاقي والمالي وله ان يرتشي وان يسرق وان يغتصب أرضاً أو امرأة أو يعذب وان يقتل لكن يا ويله ويا سواد ليله إذا تلكأ في خدمة سيده.
أفضل هوايات حافظ الأسد هي التأكد من احترافه الغليظ القلب لكيفية الامساك بالسلطة من خلال الأمن والجيش، تلك الهواية التي احترفها عام 1963، ثم أصبح ملكها بعد 1970.
في عهد حافظ الأسد دخلت مرحلة علوية الجيش السوري وطبعاً أجهزة الأمن منعطفاً خاصاً من رسم حافظ وعقليته الأمنية البحتة.
المدخل دائماً في الانتماء إلى الكلية العسكرية وهي من اختصاص علي دوبا الرجل الأكثر قرباً للأسد مع محمد الخولي، وكان مدير مكتب دوبا أحمد عبود العلوي أيضاً هو المدقق في لوائح المنتسبين لهذه الكلية، وكان موضع ثقة علي دوبا، فإذا وقع احمد عبود لائحة المنتسبين شاطباً منها من يريد مضيفاً إليها من يريد، يوقع بعده علي دوبا، فإذا وجد حكمت الشهابي كرئيس أركان توقيع علي دوبا وقع دون نقاش، ويصبح توقيع مصطفى طلاس كوزير للدفاع بعد ذلك تحصيل حاصل.
رئيس الأركان لايجرؤ على انتقاد كثرة قبول العلويين للجيش ورفض السنة
===
سألنا نائب الرئيس عبد الحليم خدام، ألم يكن حكمت الشهابي يقرأ ان 90% من المنتسبين إلى الكلية العسكرية هم من العلويين؟ يجيبك كان يعرف ذلك لكنه كان يسكت حتى لا يتهم بالمذهبية أو الطائفية، أما مصطفى طلاس فلم يكن أحد يتوقع منه أي اعتراض.
وجاء وقت أصبح فيه معظم قادة الفرق والافواج والألوية والكتائب من العلويين، فكلما خرج ضابط سني إلى التقاعد جاء محله علوي بحكم الاكثرية في القيادات العليا.
بشار يشتكي لخدام من كثرة العلويين بالجيش
==
اشتكى بشار لعبد الحليم خدام مرة بأنه اراد أن يجري تشكيلات في الجيش، لكنه وجد ان كل الضباط الذين يجب أن يشكلوا علويون، فقال خدام هذه مشكلة أبوك.. وليس على أحمد عبود.. كان الرئيس حافظ يرى اللوائح والخلل واضح فيها ولم يفعل شيئاًً.
يضيف خدام سبباً آخر فيقول ان معظم الضباط المسرحين في عهدي الوحدة والانفصال عادوا بعد تسلم البعث للسلطة، ومعظمهم علويون.
ضباط الاحتياط الذين أجروا خدمة العلم كانوا يستدعون كل فترة للعمل، وكان العلويون هم الأكثر استجابة للعودة. كان القبول في الكليات العسكرية لا يتجاوز الـ300 قفز في عهد حافظ إلى 3000 معظمهم من الساحل، فحافظ كان يخشى إذا تم القبول على اساس نسبة التعداد الطائفي للسكان أن يمسك السنّة بالجيش بنسبة أغلبيتهم الساحقة في المجتمع، وهذا قد يفتح المجال لحصول تحول في المستقبل.
الضباط العلويين كانو يدفعون بأقاربهم للجيش وممنوع على الضباط السنة أن يفعلو مثلهم
====
كان كل ضابط من ضباط الأسد العلويين يدخل جماعاته من قريته أو من عشيرته إلى الجيش ليشكلوا عصبية حوله، وحيث ان معلمهم يوالي ويبايع السيد الرئيس فهو وليّ نعمتهم وجاههم وسلطتهم ومالهم، فمن الطبيعي ان يوالي بقية الضباط حتى الجندي العادي السيد الرئيس إلى الأبد.
لكن هذا لم ينطبق على أي من الضباط السنّة ناجي جميل، حكمت الشهابي، مصطفى طلاس (مع الاعتراف باستثناء القاعدة في حالة طلاس الذي أدخل عشرات ضباط الرستن إلى الجيش لتوكيد ولاء الرستن وحمص للسيد الرئيس).
وكم برر الشهابي وطلاس رفض إنشاء تكتلات في الجيش حرصاً على وحدته، لكنهم كانوا شهود زور على تكتل الجيش السوري كله بعصبيته العلوية ضد الشعب السوري كله.
اتخذ حافظ الأسد قراراً ان يكون كل من وزير الدفاع ورئيس الاركان عضوين في القيادة القطرية بينما يكون كبار القادة العسكريين أعضاء في اللجنة المركزية، بجانب كونهم أعضاء بلجنة الحزب العسكرية وتقلدهم وظائف حزبية رئيسية أخرى بالقوات المسلحة كأمناء فروع وقطاعات الحزب العسكرية.
ونتيجة لهذا التدبير أصبحت بنية السلطة الحقيقية داخل القوات المسلحة وتنظيم الحزب العسكري منعكسة بوضوح في تكوين مؤسسات حزب البعث العليا الرسمية أكثر ما كان عليه الوضع أثناء وجود اللجنة العسكرية (البعثية الخماسية).
في إحصاءات 1985 ان حزب البعث كان أقل انتشاراً في المدن الكبرى كدمشق وحلب قياساً بالقرى والريف لكن النـزوح الكثيف لأهل القرى والريف من مناطقهم إلى المدن عزز الوجود الحزبي فيها.
كان كل ضابط من ضباط الأسد العلويين يحرص على إدخال أكبر عدد ممكن من عشيرته ومنطقته وأقاربه إلى الجيش، بينما لم يدخل حكمت الشهابي أحداً من شباب حلب التي ينتمي إليها إلى الجيش أو الأمن، ومن دخل من هذه المدينة وريفها مر عن طريق آخر داخل النظام يقدمون له الولاء أو الرشوة ويرسلونه إلى قطاع عسكري لا قيمة له في مفاصل النظام.
حافظ الأسد يسمح بإدخال 1200 ضابط سني للجيش للتغطية على علونة الجيش
===
أما مصطفى طلاس، فكان أكثر دهاء وذكاء من الشهابي فأقنع الأسد بإدخال العديد من الرستن ليكونوا العصب السني الذي يحتاجه النظام لتغطية إغراق مؤسسات الجيش والأمن بالعلويين في المفاصل الحاسمة.
ورداً على اتهام حكمت الشهابي انه لم يكن فاعلاً في الجيش السوري، بدليل عجزه أو تعففه عن إدخال حلبيين إلى قطاعاته، كما فعل مصطفى طلاس حين نجح في إدخال 1200 ضابط إلى هذا الجيش، وبموافقة حافظ الأسد نفسه، يقول نائب لبناني كان وما زال على صلة بالشهابي الذي يعيش في لوس أنجلوس.
ان شباب حلب أنفسهم كانوا – كأبناء دمشق – وجدوا ان مستقبلهم لم ولن يكون في المؤسسة العسكرية بل في العمل الحر، والخاص الذي بدأت أبوابه تفتح بعد حرب تشرين/اكتوبر 1973، فهو أربح وأسلم وأكثر فاعلية في المجتمع السوري.
كان شعار هذا الجيش في الفترة الممتدة نهاية نكسة 1967 واحتلال إسرائيل للجولان حتى العام 1974 حين وقع حافظ الاسد اتفاقية وقف النار مع إسرائيل عبر هنري كيسنجر، هو لا تسريح حتى النصر، وقد خدم شباب سوريون في جيش بلادهم سبع سنوات اقتطعت من حياتهم، طلاباً، ومهندسين وأطباء ومحامين وتجاراً..
التمييز الطائفي لصالح العلويين في الكليات والمدارس العسكرية ومراكز الفرز
=========
والعلوية لم تقتصر على دورات الكلية العسكرية منذ الستينيات كما بات معروفاً وما لم ينشر هو ((علوية)) الخدمة الإلزامية للشباب السوري.
كان مركز تجمع الجيش العربي السوري ملتقى لكل الشباب السوري المدعو لأداء الخدمة الإلزامية، وإلى هذا المركز الذي يبدو مفتوحاً لكل السوريين من كل الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات (عدا الذين استجابوا في فترات لاحقة لدفع البدل، بما يعني ان الاغنياء لم يخدموا في الجيش)
يأتي قادة القطاعات الأخرى في الجيش من مدرسة السواقة إلى المطبخ العسكري وبينهما البحرية إلى المدفعية والقوات الجوية، وقطاع الصواريخ، والمدرعات.. إلى مركز تجمع الجيش وفي يد كل واحد منهم لائحة بأسماء الذين سيختاروهم للعمل في قطاعاتهم، يوهمون الشباب خدام الجيش ان القرعة اختارت الاسماء دون تدخل من اي جهة، لكن الحقيقة المعروفة ان القرعة هنا هي العين التي تقرأ انتماءات العناصر المذهبية وتختار على أساسها.
كانت اللوائح في كل مرة تختار العلويين للخدمة في القطاعات الأمنية.
1- مدرسة الاستخبارات العسكرية.
2- قطاع الصواريخ.
3- القوات الجوية.
4- المدرعات.
القطاعات الأخرى كالسواقة والمطبخ والمشاة وغيرها كانت تعج بالسنّة.
انشئت مدرسة الاستخبارات العسكرية عام 1978، وأقيمت في منطقة دير العشائر وبعض منها في الاراضي اللبنانية، وقد اختيرت هذه المنطقة على حدود لبنان أو في مناطق التداخل اللبناني – السوري بعد بدء اجتياح نظام الأسد الأب للبنان عام 1976 الذي استمر 30 سنة.
كان قائد هذا القطاع يومها هو العميد محمود البني، وهو سني من دمشق، أما قائد الدورات فهو الرائد العلوي صبرا ديوب وطبعاً كانت سلطة الرائد العلوي هي التي تحرك المعسكر، فقد كان هو صاحب القرار ككل قطاعات الأمن والجيش والاستخبارات في سوريا طيلة نحو نصف قرن.
يخضع الشباب السوري في الخدمة الإلزامية لدورة تأهيل تتراوح بين 6 أشهر للرتباء والعرفاء وبين 45 يوماً للعناصر وبعدها يتم توزيعهم حسب ((قرعة)).
يروي أحد عناصر الخدمة الإلزامية في إحدى الدورات ان دورته كانت تضم نحو 1000 شاب، كان منهم نحو 50 جندياً بخدمة إلزامية من السنّة والدروز والاسماعيليين والمسيحيين، ونحو 950 شاباً علوياً.
كان السنة في قطاعات الخدمات الأخرى التي تقل أهمية عن القطاعات الأساسية من استخبارات إلى قوات جوية تحديداً هم الاغلبية الساحقة في المشاة والمدفعية والادارة والتموين.. بينما العلويون هم الاغلبية دائماً في القطاعات المهمة (استخبارات، بكل فروعها، دفاع جوي، طيران حربي) دون أن ننسى ان أحداً من هذه المدارس العسكرية لطلاب الخدمة الإلزامية لم يكن يفشل.. فالجميع ناجحون.
وعلوية الادارة
=======
لم يقتصر أمر ((علوية)) الجيش والأمن على المؤسسة العسكرية فإذا كانت هذه السياسة اعتمدت للإمساك بالسلطة لطائفة أو مذهب معين، فلماذا الإدارة أيضاً، وما المصلحة في أن تكون علوية خاصة في بعض المدن الكبرى.
يقول عبد الحليم خدام ان إدارة محافظة اللاذقية تضم نحو 700 موظف، ولا يتجاوز عدد السنّة في هذه المحافظة أكثر من 3% والأمر نفسه معتمد في بانياس.
يقول خدام ان نحو 300 شاب تقدموا للإنتساب إلى حزب البعث، ظلوا ثلاث سنوات دون جواب.. لأنهم سنّة.
عندما تأسست شركة النفط كانت غالبية موظفيها من المسيحيين، ثم حصل توازن بينهم وبين المسلمين، لكن مع التأميم، وبلوغ كثيرين سن التقاعد، ومجيء أفواج جديدة من الموظفين أصبحت أغلبية العاملين فيها من العلويين.
في مؤسسة الكهرباء 1200 موظف بينهم 1% من السنّة. في مؤسسة مصفاة بانياس 400 موظف ليس بينهم سوى 50 موظفاً سنياً بينما يمنع وجود أي موظف من بانياس في مؤسسة النفط نفسها.
إذا أراد مواطن الهجرة عبر البحر يتوجه إلى الاستخبارات فإذا دفع 50 ألف ليرة سورية يحصل على موافقة هجرة، وإذا عجز عن الدفع يتهم انه ((اخوان مسلمين)) ويلقى به في السجن.
في أمانة العاصمة في دمشق هناك أغلبية علوية بين الموظفين، وحين راجع خدام رئيس الوزراء يومها قال لي طلع الشعر على لساني من أجل تعديل الأمر.. ولم يتغير شيء.
لذا ليس مصادفة ان تنطلق الثورة من حوران لتتجاوب معها في البداية بانياس واللاذقية.
ضباط الأسد وعشائرهم العلوية
=========
وينتمي ضباط الاسد الأب والابن إلى العشائر العلوية الأساسية المعروفة وهي
1- الميلانية (المتاورة) وهي أكبر عشيرة بين العلويين ومنها ينحدر العماد علي دوبا، وابن اخته اللواء أحمد عبود وعمل مديراً لمكتبه، العميد محسن سلمان، العميد عزالدين سلمان، العميد جامع جامع (يقود جرائم بشار في منطقة دير الزور) العميد فؤاد المعلا، العميد أحمد يوسف (رئيس دائرة الاستطلاع)، اللواء محمد ناصيف، وشقيقه اللواء فؤاد ناصيف.
2- العشيرة الحدادية ومنها ينحدر اللواء صلاح جديد، اللواء علي حيدر، العميد محمد منصورة.. والسفير في الخارجية سليمان حداد.
3- العشيرة الخياطية التي ينحدر منها اللواء ابراهيم صافي (ابنه الآن يقود إحدى فرق بشار لقمع ثورة الشعب السوري ضده) العميد محسن بدور (قائد فوج النقل في القصر الجمهوري).
4- العشيرة الحيدرية وهي أقلها نفوذاً ومراكز في الجيش والأمن رغم انتماء اللواء محمد الخولي وخليفته اللواء ابراهيم حويجي في الاستخبارات الجوية إليها.
5- العشيرة الكلبية وإليها ينتمي حافظ الأسد وعائلته..
هذا التفصيل هو وفق معلومات أحد قادة مجلس التغيير في المعارضة السورية وحيد صقر (علوي تعرض لاضطهاد ومحاولة اغتيال، كما اعتقلت اسرته بعد سفره إلى لندن ولولا جواز سفرها البريطاني وتدخل السفارة البريطانية لإطلاقها لظل مصيرها مجهولاً كآلاف السوريين الأبرياء..).
لكن حافظ الأسد اعتمد تقسيماً مختلفاً للعلويين في سوريا، حيث جعل علويين القرداحة في أعلى السلم يليهم علويو طرطوس واللاذقية، ثم علويو بقية المناطق (حمص، بانياس، حماه..) وجعل علويي الجولان في أسفل السلم.
إلى هذا التقييم فإن حافظ الأسد الذي ينتمي إلى عشيرة وعائلة علوية متواضعة، جعل عائلته في مقدمة السلطة والنفوذ، لينتقم من الفارق الاجتماعي الذي كانت تشعر به عائلات القرداحة نفسها (الخير واسماعيل وعثمان..) تميزاً عن عائلة الأسد الوضيعة الأصل..
ولعل إنشاء الأسد الأب الشبيحة في اللاذقية، من حثالة الافراد العلويين، كان يهدف للانتقام من العلويين المعارضين لنظامه، سواء كانوا يساريين أو ناصريين، وكثيرون منهم ينتمون أيضاً إلى عائلات عريقة وذات وضع اجتماعي متقدم تاريخياً عن عائلته.. كما أسلفنا.
يقول جورج كاترو ممثل الجنرال شارل ديغول في سوريا ولبنان((1943-1946))
لقد تم تطويع شيوخ العلويين البلهاء وأقول بلهاء لأننا تعبنا في تعليمهم
الاولويات عند فرنسة فأولوياتهم دوماً الكيد للمسلمين السنة
سرعان ماصار الشعب العلوي البسيط يد
فرنسة الضاربة في وجه الأتراك والأعراب ..بطشهم قوة لنا .
مستعمراتنا ستبقى لنا لطالما صارت دولة لبنان الكبير حقيقة واقعة
على ضوء التناقضات التي برزت مجددا بين من بقي من كبار ضباط 28/أيلول، بين العميد مطيع السمان قائد قوى الأمن الداخلي- الذي أصبح مركز قوة – وبين قائد الجيش الفريق عبد الكريم زهر الدين وعدد آخر من ضباط القيادة، قررت لجنة الضباط بتاريخ 22/2/3 6 إجراء تشكيلات جديدة وتنقلات ببعض المراكز عين بموجبها العقيد زياد الحريري ملحقا عسكريا في بغداد، وأنهي ندب العميد السمان إلى قيادةقوى الأمن الداخلي ووضع تحت تصرف قيادة الجيش وعين العميد ( الناصري ) راشد قطيني رئيسا لشعبة المخابرات،ويبدأ تنفذ هذه التشكيلات اعتبارا من 1/3/1963.
وفي مجال تقييمها لضباط القوات المسلحة قيمت اللجنة العسكرية البعثية العقيد زياد الحريري بأنه وطني، وغير مسيس، وطموح، لذا قررت التعاون معه ومفاتحته للقيام بانقلاب ضد حكم الانفصال مقابل تحقيق طموحه بتعيينه رئيسالأركان الجيش والقوات المسلحة.
رغم محاولة الناصريين استغلال البعثيين مرتين في 28 آذار و1- 2 نيسان 1962، وفي الإعداد لانقلاب النحلاوي ومجموعته أواخر تموز من العام نفسه، ورغم وضوح رغبتهم في التخلص من البعثيين فيما لو نجحت محاولاتهم، بقي التنسيق بين الضباط الوحدويين < بعثيون - ناصريون > للانقلاب على الحكم.
ومنذ 28 آذار 1962وحتى التشكيلات الأخيرة في قيادة الجيش حدثت تطورات هامة، منها:
أ- ارتباط اللجنة العسكرية البعثية بالقيادة القومية للحزب واطلاع الأستاذ صلاح البيطار على قرب القيام بانقلاب، والبدءا بالتنسيق معه.
ب- تمرد زياد الحريري على أمر تعيينه ملحقاً عسكرياً بعد بذل مساع مكثفة معه، قام بها المقدم صلاح جديد وطمأنته إلى نجاح الحركة وأنه مرشحهم لاستلام منصب رئيس الأركان.
ج -انسحاب الناصريين من التحالف مع البعثيين، وبدأ راشد قطيني بمحاولة إقناعهم أنه لم يعد هناك لزوم للانقلاب بعد استلام عدد من الضباط الناصريين مراكز مهمة في قيادة الجيش وأصبح بالإمكان المساهمة في ترتيب الجيش بما يخدم أهدافهم.
إن التعاون في الحكم بين البعثيين والقوى الأخرى التي ساهمت في انقلاب الثامن من آذار، بدل أن يقوم على أساس من الإدراك لخطورة المرحلة التي تمر بها قوى التحرر والثورة العربية وبضرورة جمعها في جبهة واحدة، ومن ثم تعزيز الثقة والتعاون فيما بينها، فإذا بجو من التآمر يتحكم في سلوك بعضها للاستئثار بالسلطة.
دور اللواء الحريري بعد تنفيذ انقلابه 8-3-1963
===
بعد ثورة الثامن من آذار بدأ زياد الحريري يعمل على تمتين مركزه في السلطة ليصبح الرجل الأول، وظن أن اقتران اسمه بانقلاب آذار يساعده على الوصول إلى غايته، وأخذ يركز مؤيديه في اللواء 70 المرابط بمنطقة الكسوة - أصبح قائداللواء ورئيس أركان اللواء وثلاثة من قادة الكتائب من أنصاره -، وتهيأ له الجو بعد نقل بعض الضباط الناصريين في منتصف شهر أيار 1963 إلى السلك الخارجي، وكان للواء زياد موقف سلبي منهم، وازدادت هذه السلبية،خاصة،بعد تهديد بعض الضباط الناصريين المرابطين قريبا من مبنى الأركان منهم < الرائد عبد الوهاب قطيع > بقصف المبنى وطرد الحريري، كما كان للواء الحريري موقف سلبي من الفريق لؤي الأتاسي، أيضا، وله نفس الموقف من العقيد محمد عمران.
بدأ الحريري يخطط لتنفيذ انقلاب لصالحه، على أن يتم خلال فترة ذهابه مع وفد إلى الجزائر، في الفترة ما بين 20-26 حزيران مستغلا وجود المقدم صلاح جديد معه في الوفد.
بدأت اتصالاته بزيارات للواء سبعين والاجتماع مع قائده والضباط الموالين له في اواخر شهر أيار، وتكررت الزيارة ثلاث مرات وكان توقيت هذه الزيارات بعد منتصف الليل.
رصد الضابط البعثي النقيب هلال الراهب رئيس سرية الاستطلاع والمسؤول الأمني في اللواء هذه الزيارات، وفي الزيارة الثانية اتصل الراهب بالمقدم صلاح الضللي والرائد علي مصطفى " بعثيان " واطلعهما على زيارات اللواء الحريري واقترح عليهما مباغتة المجتمعين وذهابهم " الثلاثة " لحضور الاجتماع، وبدخولهم تغير الحديث نحو ضرورة الحذر واليقظة وأحاديث عامة أخرى.
في الزيارة الثالثة للواء الحريري اتفق مع أنصاره على أن ينقل النقيب الراهب من اللواء، وطلب من المقدم صلاح جديد، معاون مدير إدارة شؤون الضباط إعداد أمر النقل بذريعة أن الراهب يستهتر بأوامر قائداللواء العقيد حسن جلاغي.
تجاهل المقدم صلاح طلب الحريري الذي عاد وأكد على إعداد أمرنقل الراهب إلى إحدى التشكيلات العسكرية في الجبهة، وحينها أعد المقدم صلاح جديد الأمر بنقل الراهب ونقل ضابطين آخرين من أنصار الحريري.
وصل أمر النقل إلى قائداللواء - بعد سفر الوفد الى الجزائر - الذي استغل هذه الفرصة وطلب من الراهب تنفيذالأمر وتكتم على أمر نقل الضابطين الآخرين، ولما تبين للنقيب هلال الراهب ما هو القصد خلف تكتم آمر اللواء أبلغ قيادة التنظيم البعثي في الجيش التي أوعزت إلى المقدم الضللي والرائد علي مصطفى باستنفار وحدتيهما، وطلبت من النقيب الراهب عدم تنفيذ الأمر ما لم ينفذه الآخران.
اتهم كل من قائداللواء ورئيس أركانه المقدم جميل الجندي النقيب الراهب بالتمرد على الأوامر وتجاه رفض الأخير لهذه التهم واتهامه قائداللواء بأنه، هو، المتمرد على الأوامر وتم تبادل التهديدات بينهما.
توجه الجلاغي والجندي إلى مبنى الاركان لمقابلة قائد الجيش الفريق لؤي الأتاسي وإعلامه بتمرد الضابط الراهب ومؤازرة الضباط البعثيين في اللواء له، وفي هذا الوقت حرك الضللي ومصطفى والراهب وحداتهم وأحكموا سيطرتهم على اللواء، كما تم اعتقال العناصر الموالية للحريري.
أمام هذا الواقع اتصل الفريق الأتاسي بالعقيد محمد عمران " آمر اللواء الخامس في حمص " وبالعقيد حمد عبيدقائد قوات البادية وبالنقيب سليم حاطوم قائد كتيبة المغاوير، كمااتصل بالمقدم الضللي ليعلمه بأنه قادم إلى اللواء على رأس وفد للتعرف على أسباب ما حدث.
قدم النقيب الراهب للوفد تقريره بدءا من زيارات الحريري التآمرية للواء، مرورا بعجز قائداللواء عن القيادة وقيامه بتجميع العناصر الموالية حوله وتكتمه على أمر نقل الضابطين الآخرين كل هذه الأسباب دفعت بهم لهذا التصرف.
انفعل العقيد جلاغي وهو يستمع إلى نقد ضابط أدنى رتبة له، وتقدم للقائد العام باستقالته شفويا، فوافق عليها فورا وأحاله إلى التقاعد ونقل المقدم جميل الجندي إلى السلك الخارجي، وأمر الضابطين المنقولين " مع الراهب " بتنفيذ أمر نقلهما وألغى أمر نقل النقيب الراهب،وكلف المقدم الضللي بقيادة اللواء بالوكالة.
عاد الوفد من الجزائر، وأدرك الحريري أن ترتيبات محاولته الانقلابية باءت بالفشل، وتوترت الأجواء بينه وبين البعثيين، وبدأ يخطط للقيام بعصيان في اللواء السادس بالقطاع الشمالي من الجبهة في مسعدة " وهو اللواء الذي كان قائداً له قبل أن يصبح رئيس أركان الجبهة "، ونشط في هذا الأمر واتصل بالضابطين البعثيين النقيب سليم حاطوم والملازم الأول سليمان حداد " ظناً منه أنهما من أنصاره " وعرض عليهما مخططه بالذهاب بصورة سرية إلى اللواء والعصيان فيه ولو اضطر الأمر إلى الاختباء في صندوق سيارة *.
أبلغ النقيب حاطوم اللجنة العسكرية " وهو أحد أعضائها "بما يخطط له الحريري، وأبلغ الأعضاء في المجلس الوطني من اللجنة المجلس بما ينوي اللواء زياد فعله، ولم يقتنع الأستاذ صلاح البيطار بالأمر إلا بعد أن حضر النقيب سليم وأكد هذه المعلومات، كما أكدها له الملازم الأول سليمان حداد.
على ضوء هذه المعلومات قرر المجلس الوطني لقيادة الثورة يوم 23 حزيران نقل اللواء الحريري إلى ملاك وزارة الخارجية وتعيينه سفيرا متجولا فوق العادة في أوروبا، كما نقل عدداً من الضباط الموالين له إلى السلك الخارجي *.
وقرر المجلس الوطني لقيادة الثورة يوم 26 حزيران ترفيع العميد محمد أمين الحافظ وزير الداخلية إلى رتبة اللواء وتعيينه رئيسا للأركان العامة للجيش والقوات المسلحة إضافة إلى منصبه كوزير للداخلية لى رتبة اللواء وتعيينه رئيسا للأركان العامة للجيش والقوات المسلحة إضافة إلى منصبه كوزير للداخلية، وفي 13/7/1963 سمي اللواء أمين الحافظ وزيراً للدفاع وهو المنصب الذي كان يشغله الحريري إضافة إلى منصبه كرئيس للأركان العامة.
* بناءا على تعليمات من قيادة الحزب وبالتعاون مع قائد الجبهة العقيد مزيد هنيدي، تم تسيير دوريات الحرس القومي في القنيطرة لمراقبة مفارق الطرق التي يمكن الوصول منها إلى مقر اللواء السادس بمسعدة وتفتيش صناديق السيارات التي يشك بأمرها، ودامت العملية حتى تسفير اللواء الحريري خارج القطر.
* من طريف الأمر أن الرئيس عبد الناصر قال في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة ثورة تموز وأعلن فيه انسحابه من ميثاق 17 نيسان: فضلوا يرفعوا يفط القيادة الجماعية فين هي القيادة الجماعية؟... بعثوا واحد على الجزائر ورجعوه على بره هي دي القيادة الجماعية دا حكم الغاب حكم الوح