لا تقلق نحن من كسرنا شوكة فارس وروم وبإذن الله سنعيد الكرِّه.
أحتلت السياسة الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط مساحة كبيرة من النقاش في مواقع متعددة في العالم ولعل طبيعة النظام السياسي الإيراني الذي ظهر بعد الثورة الإسلامية يلعب دوراً في طرح الكثير من التساؤلات حول سياسة إيران الخارجية .
مقدمة
التغييرات التي حصلت في سياسة ادارة اوباما حول كيفيـة ادارة الصراعات والتي تشهد تراجعاً ملموساً لدور الولايات المتحدة الامريكية في حل الصراعات العالمية بصورة عامة و الشرق الاوسط بصورة خاصة حملت معها احتماليـة قبـول ايران النووي مقابل خوضهـا بمايسمـى ( الحرب بالوكالـة ) ضد الجماعات الاسلاميـة المتشددة . استراتيجيـة ايران في الشرق الاوسط تركزت على انتزاع دور اقليمي تراه حقاً لها من يد الولايات المتحدة الامريكيـة ( القطب العالمي والمؤثر في منطقة الشرق الاوسط ) باستغلال غياب المشروع الاقليمي العربي وتخبط السياسة الامريكيـة في حسابات المنطقـة وبهذا تقدم ايران مثالاً في كيفيـة انتزاع دور القوة الاقليميـة دون ان تستظل طموحاتها بقوة عالميـة . قاومت حكومة طهران السياسـة الامريكيـة في المنطقـة من خلال ربط استقرار بعض دول المنطقـة بقبولهـا كلاعب رئيسي في المنطقـة .
السياســـة الخارجيـــة الايرانيـــة
من اجل فهم الاستراتيجيـة الايرانيـة في الشرق الاوسط يجب الوقوف على طبيعـة السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقـة والتي تم تأطيرها بثلاثة أطر مهمة هي :
1. سياسة المعارضة للغرب ومعها إسرائيل .
2. معارضة الأنظمة الملكية والوراثية باعتبار أنها نظم استبدادية وفق التراث السياسي الإيراني.
3. تقديم البديل السياسي القادر على تغيير المعادلة لتكون في صالح شعوب المنطقة بدلاً من أن تكون لصالح الغرب والأنظمة المتعاونة معها .
مرتكزات الاستراتيجيـة الايرانيـــة تجاه منطقـة الشـرق الاوســـط
قامت توجهات الإستراتيجيـــة الإيرانيـــة تجاه الشرق الأوسط علي محورين هما :
1. المشروع الإيراني تجاه الشرق الأوسط حيث يقوم علي ثلاث مرتكزات وهي :
· المرتكز الجغرافي : إذ تتمتع إيران بموقع جغرافي يحقق لها مزايا جيواستراتيجية فهي الجسر الرابط بين وسط قارة آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وكلتاهما تعانيان من الضعف العسكري الذي يحول بينهما وبين التصدي للتأثير الإقتصادي والسياسي والثقافي الإيراني .
· المرتكز الأيديولوجي : الذي يقوم علي اعتبار ان الرسالة التي تحملها الثورة الإسلامية هي ما يحتاجه عالم اليوم ، ومن هنا جاءت فكرة تصدير الثورة باعتبارها واجباً دينياً إلزامياً .
· المرتكز الأمني : فالأمن القومي الإيراني تعرض لتحديات عديدة بعد تعاظم الوجود الأمريكي في المنطقة . ولذا فإنها تسعي لانتزاع دور إقليمي لها من أمريكا باستغلال غياب المشروع القومي العربي من ناحية وتخبط السياسة الأمريكية في المنطقة من ناحية أخرى .
2. المنظور الإيراني لأمن الخليج العربــي
أن السياسة الإيرانية في المنطقة تمثل تهديداً حقيقياً للأمن القومي العربي وستظل كذلك بحكم بقاء العلاقات العربية الإيرانية تسير في واقع تصارعي مفتوح ومع غياب مفهوم الأمن القومي العربي واقتصار التفكير علي الأمن القومي الفردي لكل دولة علي حده بل واقتصار مفهوم الأمن القومي علي أمن الأنظمة الحاكمة حتي ولو جاء علي حساب أمن الوطن وعليـه ستبقي العلاقة الإيرانية الخليجية محل جدل سياسي واسع وفي المقابل تسعي إيران إلي التحول إلي قوة إقليمية سياسية وعسكرية مهيمنة علي المنطقة خاصة في ظل غياب التوازن العسكري بخروج العراق من معادلة القوة من ناحية وقلة تأثير الدور المصري في هذا الإطار من ناحية أخرى . الأمر الذي دفع بدول الخليج طواعية أو قهراً إلى البحث عن بديل للولايات المتحدة الأمريكية و الاتكاء على نفسها بعد ان وجدت نفسها مهددة من قبل إيران من عدة جهات .
التمدد الايراني في العراق بعد عام 2003
1. خلقت الحرب على الإرهاب فرصـة مناسبـة لكي تمد طهران نفوذهـا في العراق إضافة إلى ما كانت تتمتع به من نفوذ عبر علاقاتها مع سوريا ولبنان. لكن هذا الفوز الإيراني رافقته خسارة على مستوى الرأي العام وهي خسارة مرتبطة بالعودة القوية لصورة إيران بوصفها دولة طائفية لدى قاعدة عريضة من الرأي العام العربي الذي كان يرى في إيران مثالا يحتذى بـه . وفي نفس السياق الذي كانت فيه ايران تواجه تلك الخسارة كانت هناك خصومة أخرى على أشدها بين أنظمة عربية إقليمية وبين الرأي العام العربي ، فمحور الاعتدال الذي كانت فيه مصر والأردن والسعودية والذي كان يُنظر إليه كجزء من التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية كانت تقابله إيران بما سُمّي بمحور المقاومة مع سوريا وحماس وحزب الله وشكّل هذا الأخير فرصة لإيران كي تحظى بشيء من الإعجاب لدى الرأي العام باعتبار أن التحالف المقابل كان يُنظر إليه كتحالف مفرّط بحقوق العرب لاسيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطيني .
2. عملت ايران على اتباع استراتيجيـة واضحة المعالم في العراق وكنقطـة انطلاق الى منطقـة الشرق الاوسط وتم العمل على تنفيذهــا عبر عدة مراحل :
· تقويـة التأثير السياسي الايراني في العراق من خلال عدة ادوات مختلفـة .
· الضغط المستمر على الولايات المتحدة الامريكيـة وهذا ماتحقق بسحب قواتها من العراق .
· نقل حروب ايران مع اعدائه الى داخل العراق .
· جعل العراق جسر للتمدد الايراني باتجاه الخليج العربي .
3. ادت التحولات السياسية الجديدة في العراق الى تغيير في كيفية النظرة الى مسائل المنطقة وضرورة تعريف جديد لدور العراق في السياسية الخارجية لايران. في غضون الاربعين السنة الماضية كان العراق اكبر تهديد لامن ايران. ادى التغيير في بنية السلطة في العراق الى تبديل العراق من تهديد عسكري لايران الى فرصة امام السياسية الخارجية. بدليل التقارب السياسي و الاجتماعي لشيعة العراق مع ايران الذي ادى بدوره الى ايجاد وللمرة الاولى الفرصة امام ايران لرفع التهديدات التي كانت تأتي من قبل العراق و التطرق الى المشاكل التي لم يتم حلها مع العراق.
4. في البداية شكل التدخل العسكري الامريكي في العراق تناقضاً لايران، اولاً لان ايران كان تجد نفسها في محاصرة القوات الامريكية، ومن جهة اخرى اسقطت امريكا اكبر عدو استراتيجي لايران الا وهو النظام البعثي. كان النظام البعثي وفي الاساس ضد ايران. وكان اوج هذه الضدية في الحرب الايرانية – العراقية ، اما وبعد اتمام الحرب ووضع الحصار الاقتصادي على العراق حاولت الدولة العراقية تحسين روابطه بأقتراح دفع غرامة الحرب البالغ كلفتها (25) مليار دولار بشرط ان يقوم الجانب الايراني بتشكيل مجلس تعاون اقتصادي بين البلدين لتصدير نفط العراق عن طريق خطوط انابيب النفط الايرانية، الا ان ايران لم يوافق.
5. ادت الحوادث الجديدة داخل العراق بعد عام 2003 الى وصول احزاب موالية لايران من الشيعة و الاكراد الى السلطة يتمتعون بالقوة و النفوذ.
6. لاول مرة تواجد بجوار ايران دولة عربية ذو غالبية شيعية ويعد هذا الحدث بداية لخروج ايران من العزلة بعتبارها الدولة الوحيدة الشيعية في العالم .
مخاوف دول الخليج العربي من التقارب ( الايراني – الامريكي )
1. منذ قيام الثورة الاسلامية الايرانية والحرب مع العراق كانت لأمريكا ( ظاهرياً ) موقف عدائي ضد ايران لكن فضيحة ايران كيت و ايران كونترا في زمن رئاسة الرئيس الامريكي ( رونالد ريغان ) كشف عن دور امريكا في تسليح ايران ضد العراق لانها تريد بقاء دولة دينية قومية في المنطقـة كتهديد لباقي الدول وتخدم مصالح امريكا في الشرق الاوسط اكثر من وجود دولة علمانية كدولة الشاه .
2. منذ انتخاب ( حسن موسوي ) كرئيس للجمهورية الاسلامية الايرانية دخلت علاقات الولايات المتحدة الامريكية و ايران مرحلة جديدة مع تحول النظرة الامريكيـة لايران من دولة مارقة الى الدولة الوحيدة القادرة على مواجهة التنظيمات الاصولية وتأمين مصالح امريكا في المنطقة علماً ان امريكا من جهة اخرى تحاول اخراج ايران من تحالفها مع روسيا و الصين .
3. مع مرور الوقت ومع هذا التأييد الامريكي ( حتى ولو كان في الخفاء ) سوف تزداد اوراق الضغط الايرانيـة على الدول الذي تتواجد فيها الاقليات الشيعية .
4. توافق دول (5+1) مع ايران حول الملف النووي صاحبـه خيبة امل لدى دول الخليج وعلى رأسهم السعودية وابدوا اعتراضهم على الاتفاق بانـه سيؤثر على امن و استقرار منطقة الخليج و الشرق الاوسط وبهدف تبديد المخاوف من ايران قام الرئيس اوباما بدعوة رؤساء دول الخليج للالتقاء في منتجع كامب ديفيد بتاريخ 13/5/2015 واعطائهم وعود بتجهيزهم باسلحة متطورة .
5. مخاوف السعودية من توافق دول (5+1) حول ملف ايران النووي يزداد في مرحلة ما بعد رفع العقوبات الاقتصادية و انعكاسه على السياسة و الاقتصاد الايراني مما يؤدي بدوره الى اعطاء حرية عمل اكثر لايران في المنطقة وتعاظم دور ايران يؤدي بالنتيجة الى انكماش دور و مكانة السعودية في المعادلات السياسية في المنطقة.
رسالــة المملكـة العربية السعوديـة من عاصفـة الحزم
1. عن طريق عملية عاصفة الحزم اطلقت الرياض رسالـة قويـة وعاليـة النبرة الى من يهمهم الامر في واشنطن وطهران بانها لن تقبل هي وحلفاؤهـا بأن تكون على لائحـة طعام المأدبـة الكبرى التي بشأنها الان الولايات المتحدة مع ايران وايضا من وراء الكواليس مع اسرائيل وتركيا ، وهي مستعدة _ من اجل تحقيق هذا الهدف _ للذهاب الى ابعد حدود السلوكيات الحادة بما في ذلك شن الحروب .
2. السعوديـة قطعت بحربها الجوية العنيفـة في اليمن ، تاريخ طويل من الاعتماد على الاخرين في تحقيق أمنها الخاص لذا ليس من المستبعد ان تكون خطوة السعوديـة القادمـة هي استكمال حرب اليمن بتوسيع اطار الحرب على ايران في سوريـا.
3. سوريا تُشكل العقدة الوسط في كل منظومـة النفوذ الايراني في الشرق الاوسط والسعوديـة تعرف ان ضرب هذه الحبة سوف يؤدي الى تداعي كل حبات السلسلـة الواحدة تلو الاخرى من لبنان الى العراق واليمن وصولا الى غزة وحينها تراهن السعوديـة بامكانيـة تغيير طبيعـة ( الانخراط الايجابي ) الامريكي مع ايران .
الخلاصـة
1. لايوجد شك على الاطلاق في ارتياح ايران لاعتبارهـا حليف الامر الواقع للولايات المتحدة الامريكيـة في محاربة الارهاب المتمثل بداعش في العراق وسوريـا .
2. ايران تتبع مبدأ (( الامن لايجوز شراؤه أو استيراده )) معتبره ان الدول الخليجيـة استوردت أمنها عبر علاقاتها التحالفيـة مع الولايات المتحدة الامريكيـة .
3. ايران بعد أكثر عقد من العزلـة الدبلوماسية والعقوبات الاقتصاديـة أصبحت مسيرتها نحو دولة نووية تحضـى بالشرعيـة الدوليـة وتمكنت من إجبار الولايات المتحدة الامريكيـة بالتخلي عن حلمها في تغيير النظام وان ميزان القوى يميل فعلا لصالح طهران في لبنان ، فلسطين ، سوريـا ويسيطر وكلائهـا على الجماعات التي تدعمها السعوديـة وبالرغم من الضربات الجويـة السعوديـة يبقى الحوثيون المدعومون من ايران في نطاق السيطرة على اليمن .
4. تتعثر علاقـة امريكا مع حلفائها العرب التقليديين وهم الانظمـة السنيـة في المنطقـة وقد وصلت الرسالـة اليهم بضرورة حماية مصالحكم بدلا من انتظار الولايات المتحدة الامريكيـة وهذا بالضبط ما تفعلـه بعد انشاء قوة عسكرية مشتركـة لمحاربة ماتسميه النفوذ الايراني في المنطقـة .
5. امريكـا تطبق استراتيجيـة ( المقاربـة المزدوجـة ) في الشرق الاوسط فمن جانب تسعى الولايات المتحدة الامريكيـة الى التوصل لاتفاق مع ايران للحد من قدرتها على صنيع سلاح نووي ومن جانب أخر ترغب في تعزيز القدرات العسكرية للسعوديـة وجيرانها عبر اتفاقيات تسليح وتعاون عسكري جديدة .
احنا مبنخفش
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
صدق الله العظيم