الأقليات والطوائف في تركيا
تتسم تركيا بتعدد قومياتها وأديانها ومذاهبها التي تشارك فيها العنصر التركي الذي يشكل نحو ثلثي السكان، ويحتل الأكراد المرتبة الثانية، يليهم العرب، ثم تأتي أقليات قومية ودينية عديدة أبرزها اليهود والأرمن واليونان، إلى جانب أقليات طائفية من أبرزها وأكبرها الأقلية العلوية التي تعد الأكثر ارتباطا بموضوع العلمانية والإسلام في تركيا.
يهود الدونمة
تتمتع الأقلية اليهودية في تركيا بنفوذ واسع في الدولة وتحظى برعاية السلطة برغم أن عدد أفرادها لا يتجاوز الـ30 ألف شخص، وقد كانت هذه الأقلية على الدوام مؤيدا جوهريا للقوى العلمانية السياسية وغير السياسية في تركيا، وأسهمت في تكريس العلمانية وتقاليدها منذ البداية.
"شارك يهود الدونمة بفاعلية في دعم جهود أتاتورك لتأسيس دولة علمانية في تركيا وقد استثمروا نفوذهم المالي والإعلامي لتأكيد هذا الدعم وتقوية الأحزاب العلمانية بعد ذلك"
ويطلق على أبناء الأقلية اليهودية في تركيا لقب الدونمة، وهي كلمة تركية تعني الهداية أو العودة إلى الحق، وجاءت هذه التسمية بعد أن تظاهر يهود تركيا باعتناق الإسلام علنا منذ زمن الدولة العثمانية واستخدموا أسماء إسلامية، لكنهم احتفظوا سرا بديانتهم وطقوسهم اليهودية وأسسوا محافل ماسونية نشطة في تركيا كان لها دور بارز في إضعاف الدولة العثمانية عشية انقلاب العام 1909 الذي زادت فعاليتهم في أعقابه حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
شارك يهود الدونمة والمحافل الماسونية في تأسيس الدولة العلمانية التركية، وساندوا إجراءات أتاتورك في تحديث تركيا وفق النمط الغربي، وتغلغلوا في صفوف المجتمع التركي بأشكال مختلفة حتى اصبحوا من اصحاب الثروات الطائلة وفرضوا سيطرتهم على المراكز التجارية والاقتصادية والإعلامية المهمة، وقد أسهم قيام إسرائيل عام 1948 واعتراف تركيا بها عام 1949 في منحهم قوة سياسية مضافة، تجسد في الحضور البرلماني لعدد من السياسيين المعروفين كيهود دونمة في الأعوام 1935 و1960 و1995.
وزادت رعاية السلطة التركية لليهود بوصفهم ورقة مضافة في توطيد علاقات تركيا مع أميركا وإسرائيل وفي كسب ود اللوبي اليهودي الأميركي وفي الترويج للقواسم المشتركة بين تركيا وإسرائيل ومحاولة تحسين صورة إسرائيل لدى الرأي العام التركي المعارض والوقوف بالضد تجاه تنامي النفوذ الإسلامي في تركيا ومساندة نهج الدولة العلماني.
فمع تنامي فاعلية القوى الإسلامية في المجتمع التركي يجد العلمانيون والجيش التركي في علاقاتهم المتطورة مع إسرائيل نوعا من الآلية الدفاعية العلمانية للحد من هذه الفاعلية. فضلا عن مواجهة الحركة الانفصالية الكردية بتفعيل اتفاقيات التعاون الأمني- العسكري بينهما.
تتسم تركيا بتعدد قومياتها وأديانها ومذاهبها التي تشارك فيها العنصر التركي الذي يشكل نحو ثلثي السكان، ويحتل الأكراد المرتبة الثانية، يليهم العرب، ثم تأتي أقليات قومية ودينية عديدة أبرزها اليهود والأرمن واليونان، إلى جانب أقليات طائفية من أبرزها وأكبرها الأقلية العلوية التي تعد الأكثر ارتباطا بموضوع العلمانية والإسلام في تركيا.
يهود الدونمة
تتمتع الأقلية اليهودية في تركيا بنفوذ واسع في الدولة وتحظى برعاية السلطة برغم أن عدد أفرادها لا يتجاوز الـ30 ألف شخص، وقد كانت هذه الأقلية على الدوام مؤيدا جوهريا للقوى العلمانية السياسية وغير السياسية في تركيا، وأسهمت في تكريس العلمانية وتقاليدها منذ البداية.
"شارك يهود الدونمة بفاعلية في دعم جهود أتاتورك لتأسيس دولة علمانية في تركيا وقد استثمروا نفوذهم المالي والإعلامي لتأكيد هذا الدعم وتقوية الأحزاب العلمانية بعد ذلك"
ويطلق على أبناء الأقلية اليهودية في تركيا لقب الدونمة، وهي كلمة تركية تعني الهداية أو العودة إلى الحق، وجاءت هذه التسمية بعد أن تظاهر يهود تركيا باعتناق الإسلام علنا منذ زمن الدولة العثمانية واستخدموا أسماء إسلامية، لكنهم احتفظوا سرا بديانتهم وطقوسهم اليهودية وأسسوا محافل ماسونية نشطة في تركيا كان لها دور بارز في إضعاف الدولة العثمانية عشية انقلاب العام 1909 الذي زادت فعاليتهم في أعقابه حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
شارك يهود الدونمة والمحافل الماسونية في تأسيس الدولة العلمانية التركية، وساندوا إجراءات أتاتورك في تحديث تركيا وفق النمط الغربي، وتغلغلوا في صفوف المجتمع التركي بأشكال مختلفة حتى اصبحوا من اصحاب الثروات الطائلة وفرضوا سيطرتهم على المراكز التجارية والاقتصادية والإعلامية المهمة، وقد أسهم قيام إسرائيل عام 1948 واعتراف تركيا بها عام 1949 في منحهم قوة سياسية مضافة، تجسد في الحضور البرلماني لعدد من السياسيين المعروفين كيهود دونمة في الأعوام 1935 و1960 و1995.
وزادت رعاية السلطة التركية لليهود بوصفهم ورقة مضافة في توطيد علاقات تركيا مع أميركا وإسرائيل وفي كسب ود اللوبي اليهودي الأميركي وفي الترويج للقواسم المشتركة بين تركيا وإسرائيل ومحاولة تحسين صورة إسرائيل لدى الرأي العام التركي المعارض والوقوف بالضد تجاه تنامي النفوذ الإسلامي في تركيا ومساندة نهج الدولة العلماني.
فمع تنامي فاعلية القوى الإسلامية في المجتمع التركي يجد العلمانيون والجيش التركي في علاقاتهم المتطورة مع إسرائيل نوعا من الآلية الدفاعية العلمانية للحد من هذه الفاعلية. فضلا عن مواجهة الحركة الانفصالية الكردية بتفعيل اتفاقيات التعاون الأمني- العسكري بينهما.
العلويون
تشكل الأقلية العلوية بين 15% و20% من مجموع سكان تركيا وينظر اليها بوصفها بندا أساسيا في النزاع العلماني الإسلامي، وهي تطال ذهنية متجذرة في الدولة التركية لم تستطع التجربة العلمانية أن تمحوها أو أن تخفف من غلوائها، إذ ينتاب تركيا بين الحين والآخر تمزق اجتماعي ناتج عن أعمال العنف بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية.
"وقفت الطائفة العلوية بشكل عام مع القوى العلمانية لمنع أي نفوذ إسلامي يكرس طابع الغلبة السنية في تركيا"
ومع أن العلويين هم جزء من الشيعة ترى بعض مؤسسات الدولة التركية أنهم أصل الشيعة البكتاشية والزيدية، في حين يعد العلويون أنفسهم ممثلين للتفسير الأناضولي التركي للإسلام، أي أنهم مجرد طريقة دينية يمثلون مجموعة مذهبية وليس مجموعة عرقية متجانسة، حيث يتوزعون بين جماعات عرقية أبرزها وكبراها الأكراد (30% من أكراد تركيا علويون) إلى جانب أعداد من العرب، كما أنهم مختلفو اللغات حيث يتحدثون التركية والعربية والظاظا والكرمانسية، وللغتين الأخيرتين صلة باللغة الكردية والفارسية، فضلا عن تعدد الفرق العلوية (البكتاشية، الديدقان والشيلبين).
وقد وجد العلويون في إجراءات أتاتورك فرصة مهمة لأداء دورهم في الحياة السياسية والاجتماعية، وأصبحوا الدعامة الأساسية للنظام العلماني، وهم يرفعون صورة أتاتورك إلى جانب صورة علي بن أبي طالب وحاجي بكتاش في جميع مناسباتهم الوطنية والدينية، ومع الانفراج السياسي والتعددية الحزبية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية انضم العلويون لأحزاب اليسار العلمانية وأعلنوا تأييدهم لانقلاب عام 1960 وشاركوا في إعداد دستور 1961 الذي نص على الكثير من الحريات الدينية ما زاد من نشاطهم الديني والاجتماعي والإعلامي ونجحوا في إشغال نحو (15) مقعدا نيابيا في انتخابات العام 1965، وشكلوا العشرات من الجمعيات للطائفة العلوية، فضلا عن قيامهم ببناء قوة رأسمالية مهمة في بعض دول أوروبا الغربية توازي قوة المسلمين السنة.
وفي آواخر سبعينيات القرن الماضي تطور الصراع المدني بين مجموعات السكان الرئيسة السنة والعلويين والأكراد، وظهرت إنقسامات خطيرة بين اليمين واليسار من المنظمات المتطرفة والمتنافسة إنعكس أثرها على المجتمع التركي ككل، حتى إنه أخذ صورة هجمات متبادلة بين السنة والعلويين ومصادمات للاكراد مع القوات التركية، وعاد من جديد الطابع السياسي للعداء العرقي والطائفي الذي سبق أن أخضع للسيطرة.
وكان العلويون عموما في معسكر اليسار بسبب انحيازهم التاريخي إلى حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك لضمان العلمانية التي حمت وضعهم بوصفهم أقلية رغم محاولات هذا الحزب تحويل قاعدة ولائهم إلى قاعدة طبقية، وفي المقابل اتخذ اليمين التركي المبادرة في تعبئة السنة ضد العلويين على أساس معاداة الشيوعية والعلمانية.
وأسهم الشقاق السني–العلوي في الانقسام بين الحزبين الرئيسين آنذاك حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة، وبينما كانت شعبية حزب الشعب الجمهوري ناجحة إلى حد ما بين صفوف فقراء المدن فإنه أخفق في إثارة الدعم الريفي المهم إلا بين صفوف العلويين والأكراد.
وقد ألحق انقلاب سبتمبر/ أيلول 1980 بالغ الأذى بأحزاب اليسار العلماني الذي يشكل العلويون فيها القاعدة الأساسية والعريضة في مقابل دعم الحركة الانقلابية للاتجاهات الإسلامية السنية، وتأكيدها على البعد الديني للهوية السياسية.
ولا يشار إلى العلوي على أساس قوميته بقدر ما يوصف بأنه علوي ينحاز للعلمانية والحركات اليسارية لا سيما المتطرفة منها، فالتأييد العلوي التقليدي يذهب دائما إلى الأحزاب الأكثر علمانية، فهم المدافعون الرئيسون عن العلمانية. ويعد انفتاح الدولة على الإسلاميين أو عدمها مقياسا لتقدم العلاقة أو تراجعها بينها وبين العلويين الذين يقفون في وجه التيار المتدين محاولين إيجاد حساسيات في التوازن بين فئات المجتمع التركي.
ويمارس النظام التركي عموما تشددا علمانيا حيال الحركات الإسلامية، ويتحرك في الوقت نفسه بذهنية إسلامية حيال العلويين بما يشعرهم أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فمعظم المسؤولين الأتراك يتعاطون بحذر شديد مع الصحوة العلوية، فهم من جهة علمانيون يجدون في الأصوات العلوية مصدرا أساسيا لدعم العلمانية، ولكنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون الخروج من الذهنية الإسلامية السنية وريثة قرون من السيطرة على السلطة.
"تقترب الأحزاب العلمانية من العلويين ومطالبهم كلما زادت قوة الإسلاميين وتبتعد عنهم إذا ما تراجعت هذه القوة"
وتقترب الدولة والأحزاب التركية العلمانية التي تكون في السلطة من العلويين ومطالبهم بقدر تعاظم قوة التيار الإسلامي، وتبتعد عنهم كلما ابتعد شبح ما يسمى (الخطر الإسلامي)، أي أن النظام العلماني التركي ينظر إلى العلويين بوصفهم مجرد أداة تستخدم عند الحاجة لحماية نفسه من الإسلاميين.
ولعل النخب التركية العلمانية ستدعم مستقبلا العلويين لمواجهة تصاعد نفوذ التيارات الإسلامية من خلال تكريس الانقسامات الطائفية وبما يؤمن إضعاف الطرفين لصالح العلمانية، لاسيما مع تزايد نفوذهم في المدن بعد هجرتهم المكثفة في الأعوام الأخيرة من الأرياف واستقرارهم في ضواحي المدن الكبرى وتنظيمهم للعديد من الراوبط وإنشائهم (بيوت الجمع) وهي بمثابة المساجد لدى السنة.
وبرغم تأييد العلويين للعلمانية، فأن هناك من يتهمهم بالتعاطف السياسي مع حزب العمال الكردستاني التركي لا سيما أن زعيم هذا الحزب عبد الله أوجلان هو كردي علوي، لكن العلويين ينفون هذه التهمة، ويعتقد العديد من الباحثين الأتراك أن العلويين واقعون تحت تأثير الفئات اليسارية المتطرفة وأنهم أنشؤوا جمعيات متطرفة لا سيما مجموعة الممر الأحمر (كيزل يول) التي اتخذت من ألمانيا مركزا لها وهي تدعو إلى إقامة دولة للعلويين على غرار محاولة الأكراد الانفصالية تأسيس دولة كردية، ليشكل العلويين بذلك أكثرية أعضاء المنظمات الانفصالية فضلاً عن أن معظم الحركات اليسارية في تركيا تعتمد الآن في وجودها ونشاطها على العلويين.
تتوزع الأقليات الأخرى بين طيف واسع موزع على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي، لكن الأقلية العرقية الكبرى في تركيا هي بالتأكيد الأكراد الذين يشكلون نحو خمس عدد سكان البلاد.
"يمثل الأكراد حالة خاصة إزاء صراع الإسلاميين والعلمانيين بسبب تعقيد قضيتهم وتوزعهم المذهبي ومواقف القوى السياسية الكردية من مطالبهم القومية"
وقد طغى صراع الأكراد مع الدولة التركية الذي رافق تاسيسها أواسط العشرينيات من القرن الماضي في توليد مشكلات بينهم وبين النظام السياسي التركي لا يترك الكثير من الهوامش لعلاقة ما لهم بمصير النزاع العلماني الإسلامي، لا سيما أن كل الأحزاب والقوى السياسية التركية علمانية كانت أم إسلامية ترفض مبدأ انفصال الأكراد، وإن كانت تتباين في رؤيتها للحلول الممكنة لمطالبهم القومية.
ويمكن ملاحظة أن قوى اليسار الكردي في تركيا هي التي تنادي بالانفصال وتقود التمرد المسلح، ومن أبرزها بالطبع حزب العمال الكردستاني التركي، في حين يفضل الحزب الإسلامي الكردستاني التركي التآخي التركي– الكردي– العربي والحياة داخل الدول التي يوجد فيها أكراد على أساس مفهوم المواطنة الحديثة.
ويقف بعض الأكراد في معسكر اليسار لأن القوميين والعلمانيين دأبوا على عدم الاعتراف بوجود قومية كردية أصلا، ما يضع الأكراد أمام حالة خاصة في الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، فغالبية الأكراد هم من المسلمين السنة الذين يتعاطفون ضمنيا مع التوجه الإسلامي التركي، بينما ينحاز الأكراد العلويون إلى التعاطف مع التوجهات العلمانية والحركات اليسارية التي تمثل تهديدا كامنا لوحدة الدولة التركية التي بدورها تعد المنظمات والأحزاب اليسارية الكردية متورطة هي الأخرى في الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين وبين اليمينيين واليساريين.
الأقليات الأخرى
أما الأقلية العربية التي تشكل نحو 2% من مجموع السكان فهي لا تمثل خطرا سياسيا بأمن تركيا ووحدتها وليس لها علاقة واضحة بموضوع العلمانيين والإسلاميين، كما يتمسك المتحدثون باللغات القوقازية بقوة الدولة التركية ويعدونها حصنا منيعا للإسلام ويجمع الأرمن بين كونهم أقلية دينية صغيرة وأقلية قومية مستقلة ويبلغ تعدادهم زهاء ربع مليون نسمة يقطنون المدن الكبرى وشرق الأناضول ويعملون مع اليهود في التجارة، فضلا عن عملهم في المجال الصناعي والحرفي، ويحجم الأرمن بوعي عن المشاركة في الحياة السياسية لكيلا يثيروا حفيظة السلطات التركية ضدهم نظرا للحساسية التاريخية المفرطة بين الأتراك والأرمن.
ويقدر عدد اليونانيين في تركيا بين 50 و80 ألفا يتوزعون بغالبيتهم في المدن الكبرى لا سيما إسطنبول ويعملون في المجال التجاري مع اليهود أيضا، ولهذه الأقلية تأثيرها في العلاقات التركية اليونانية، إذ تسعى اليونان لتحويل الوضع القانوني لمقر البطريركية الأرثوذكسية الرئيسة في العالم والموجودة في حي (فينير) بإسطنبول إلى ما يشبه وضع الفاتيكان، الذي ترفضه تركيا.
ومن الأقليات الدينية الأخرى نجد مجموعة من السريان يدينون بالأرثودكسية ويقطنون إسطنبول والمناطق المحاذية لسوريا يقدر عددهم بنحو 20 ألفا، فضلا عن الكلدان الذين يقطنون المناطق المحاذية للحدود مع العراق وسوريا يقدر عددهم بنحو عشرة آلاف نسمة، توجد مطرانيتهم بإسطنبول وبطريكهم الأكبر في الموصل شمال العراق.
وهناك أيضا أقليات عرقية ودينية أخرى تتراوح أعدادها بين مئات وبضعة آلاف، ومن هؤلاء الألبان الذين يبلغ عددهم نحو 50 ألفا، إضافة إلى الروس والألمان والإستونيين ومجموعات عرقية من آسيا الوسطى وقفقاسيا وأوزبك وقرغيز وقازان وتتار وأويغور وأذريين وشركس.. وغيرهم.
تشكل الأقلية العلوية بين 15% و20% من مجموع سكان تركيا وينظر اليها بوصفها بندا أساسيا في النزاع العلماني الإسلامي، وهي تطال ذهنية متجذرة في الدولة التركية لم تستطع التجربة العلمانية أن تمحوها أو أن تخفف من غلوائها، إذ ينتاب تركيا بين الحين والآخر تمزق اجتماعي ناتج عن أعمال العنف بين الأغلبية السنية والأقلية العلوية.
"وقفت الطائفة العلوية بشكل عام مع القوى العلمانية لمنع أي نفوذ إسلامي يكرس طابع الغلبة السنية في تركيا"
ومع أن العلويين هم جزء من الشيعة ترى بعض مؤسسات الدولة التركية أنهم أصل الشيعة البكتاشية والزيدية، في حين يعد العلويون أنفسهم ممثلين للتفسير الأناضولي التركي للإسلام، أي أنهم مجرد طريقة دينية يمثلون مجموعة مذهبية وليس مجموعة عرقية متجانسة، حيث يتوزعون بين جماعات عرقية أبرزها وكبراها الأكراد (30% من أكراد تركيا علويون) إلى جانب أعداد من العرب، كما أنهم مختلفو اللغات حيث يتحدثون التركية والعربية والظاظا والكرمانسية، وللغتين الأخيرتين صلة باللغة الكردية والفارسية، فضلا عن تعدد الفرق العلوية (البكتاشية، الديدقان والشيلبين).
وقد وجد العلويون في إجراءات أتاتورك فرصة مهمة لأداء دورهم في الحياة السياسية والاجتماعية، وأصبحوا الدعامة الأساسية للنظام العلماني، وهم يرفعون صورة أتاتورك إلى جانب صورة علي بن أبي طالب وحاجي بكتاش في جميع مناسباتهم الوطنية والدينية، ومع الانفراج السياسي والتعددية الحزبية في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية انضم العلويون لأحزاب اليسار العلمانية وأعلنوا تأييدهم لانقلاب عام 1960 وشاركوا في إعداد دستور 1961 الذي نص على الكثير من الحريات الدينية ما زاد من نشاطهم الديني والاجتماعي والإعلامي ونجحوا في إشغال نحو (15) مقعدا نيابيا في انتخابات العام 1965، وشكلوا العشرات من الجمعيات للطائفة العلوية، فضلا عن قيامهم ببناء قوة رأسمالية مهمة في بعض دول أوروبا الغربية توازي قوة المسلمين السنة.
وفي آواخر سبعينيات القرن الماضي تطور الصراع المدني بين مجموعات السكان الرئيسة السنة والعلويين والأكراد، وظهرت إنقسامات خطيرة بين اليمين واليسار من المنظمات المتطرفة والمتنافسة إنعكس أثرها على المجتمع التركي ككل، حتى إنه أخذ صورة هجمات متبادلة بين السنة والعلويين ومصادمات للاكراد مع القوات التركية، وعاد من جديد الطابع السياسي للعداء العرقي والطائفي الذي سبق أن أخضع للسيطرة.
وكان العلويون عموما في معسكر اليسار بسبب انحيازهم التاريخي إلى حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك لضمان العلمانية التي حمت وضعهم بوصفهم أقلية رغم محاولات هذا الحزب تحويل قاعدة ولائهم إلى قاعدة طبقية، وفي المقابل اتخذ اليمين التركي المبادرة في تعبئة السنة ضد العلويين على أساس معاداة الشيوعية والعلمانية.
وأسهم الشقاق السني–العلوي في الانقسام بين الحزبين الرئيسين آنذاك حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة، وبينما كانت شعبية حزب الشعب الجمهوري ناجحة إلى حد ما بين صفوف فقراء المدن فإنه أخفق في إثارة الدعم الريفي المهم إلا بين صفوف العلويين والأكراد.
وقد ألحق انقلاب سبتمبر/ أيلول 1980 بالغ الأذى بأحزاب اليسار العلماني الذي يشكل العلويون فيها القاعدة الأساسية والعريضة في مقابل دعم الحركة الانقلابية للاتجاهات الإسلامية السنية، وتأكيدها على البعد الديني للهوية السياسية.
ولا يشار إلى العلوي على أساس قوميته بقدر ما يوصف بأنه علوي ينحاز للعلمانية والحركات اليسارية لا سيما المتطرفة منها، فالتأييد العلوي التقليدي يذهب دائما إلى الأحزاب الأكثر علمانية، فهم المدافعون الرئيسون عن العلمانية. ويعد انفتاح الدولة على الإسلاميين أو عدمها مقياسا لتقدم العلاقة أو تراجعها بينها وبين العلويين الذين يقفون في وجه التيار المتدين محاولين إيجاد حساسيات في التوازن بين فئات المجتمع التركي.
ويمارس النظام التركي عموما تشددا علمانيا حيال الحركات الإسلامية، ويتحرك في الوقت نفسه بذهنية إسلامية حيال العلويين بما يشعرهم أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، فمعظم المسؤولين الأتراك يتعاطون بحذر شديد مع الصحوة العلوية، فهم من جهة علمانيون يجدون في الأصوات العلوية مصدرا أساسيا لدعم العلمانية، ولكنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون الخروج من الذهنية الإسلامية السنية وريثة قرون من السيطرة على السلطة.
"تقترب الأحزاب العلمانية من العلويين ومطالبهم كلما زادت قوة الإسلاميين وتبتعد عنهم إذا ما تراجعت هذه القوة"
وتقترب الدولة والأحزاب التركية العلمانية التي تكون في السلطة من العلويين ومطالبهم بقدر تعاظم قوة التيار الإسلامي، وتبتعد عنهم كلما ابتعد شبح ما يسمى (الخطر الإسلامي)، أي أن النظام العلماني التركي ينظر إلى العلويين بوصفهم مجرد أداة تستخدم عند الحاجة لحماية نفسه من الإسلاميين.
ولعل النخب التركية العلمانية ستدعم مستقبلا العلويين لمواجهة تصاعد نفوذ التيارات الإسلامية من خلال تكريس الانقسامات الطائفية وبما يؤمن إضعاف الطرفين لصالح العلمانية، لاسيما مع تزايد نفوذهم في المدن بعد هجرتهم المكثفة في الأعوام الأخيرة من الأرياف واستقرارهم في ضواحي المدن الكبرى وتنظيمهم للعديد من الراوبط وإنشائهم (بيوت الجمع) وهي بمثابة المساجد لدى السنة.
وبرغم تأييد العلويين للعلمانية، فأن هناك من يتهمهم بالتعاطف السياسي مع حزب العمال الكردستاني التركي لا سيما أن زعيم هذا الحزب عبد الله أوجلان هو كردي علوي، لكن العلويين ينفون هذه التهمة، ويعتقد العديد من الباحثين الأتراك أن العلويين واقعون تحت تأثير الفئات اليسارية المتطرفة وأنهم أنشؤوا جمعيات متطرفة لا سيما مجموعة الممر الأحمر (كيزل يول) التي اتخذت من ألمانيا مركزا لها وهي تدعو إلى إقامة دولة للعلويين على غرار محاولة الأكراد الانفصالية تأسيس دولة كردية، ليشكل العلويين بذلك أكثرية أعضاء المنظمات الانفصالية فضلاً عن أن معظم الحركات اليسارية في تركيا تعتمد الآن في وجودها ونشاطها على العلويين.
تتوزع الأقليات الأخرى بين طيف واسع موزع على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي، لكن الأقلية العرقية الكبرى في تركيا هي بالتأكيد الأكراد الذين يشكلون نحو خمس عدد سكان البلاد.
"يمثل الأكراد حالة خاصة إزاء صراع الإسلاميين والعلمانيين بسبب تعقيد قضيتهم وتوزعهم المذهبي ومواقف القوى السياسية الكردية من مطالبهم القومية"
وقد طغى صراع الأكراد مع الدولة التركية الذي رافق تاسيسها أواسط العشرينيات من القرن الماضي في توليد مشكلات بينهم وبين النظام السياسي التركي لا يترك الكثير من الهوامش لعلاقة ما لهم بمصير النزاع العلماني الإسلامي، لا سيما أن كل الأحزاب والقوى السياسية التركية علمانية كانت أم إسلامية ترفض مبدأ انفصال الأكراد، وإن كانت تتباين في رؤيتها للحلول الممكنة لمطالبهم القومية.
ويمكن ملاحظة أن قوى اليسار الكردي في تركيا هي التي تنادي بالانفصال وتقود التمرد المسلح، ومن أبرزها بالطبع حزب العمال الكردستاني التركي، في حين يفضل الحزب الإسلامي الكردستاني التركي التآخي التركي– الكردي– العربي والحياة داخل الدول التي يوجد فيها أكراد على أساس مفهوم المواطنة الحديثة.
ويقف بعض الأكراد في معسكر اليسار لأن القوميين والعلمانيين دأبوا على عدم الاعتراف بوجود قومية كردية أصلا، ما يضع الأكراد أمام حالة خاصة في الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، فغالبية الأكراد هم من المسلمين السنة الذين يتعاطفون ضمنيا مع التوجه الإسلامي التركي، بينما ينحاز الأكراد العلويون إلى التعاطف مع التوجهات العلمانية والحركات اليسارية التي تمثل تهديدا كامنا لوحدة الدولة التركية التي بدورها تعد المنظمات والأحزاب اليسارية الكردية متورطة هي الأخرى في الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين وبين اليمينيين واليساريين.
الأقليات الأخرى
أما الأقلية العربية التي تشكل نحو 2% من مجموع السكان فهي لا تمثل خطرا سياسيا بأمن تركيا ووحدتها وليس لها علاقة واضحة بموضوع العلمانيين والإسلاميين، كما يتمسك المتحدثون باللغات القوقازية بقوة الدولة التركية ويعدونها حصنا منيعا للإسلام ويجمع الأرمن بين كونهم أقلية دينية صغيرة وأقلية قومية مستقلة ويبلغ تعدادهم زهاء ربع مليون نسمة يقطنون المدن الكبرى وشرق الأناضول ويعملون مع اليهود في التجارة، فضلا عن عملهم في المجال الصناعي والحرفي، ويحجم الأرمن بوعي عن المشاركة في الحياة السياسية لكيلا يثيروا حفيظة السلطات التركية ضدهم نظرا للحساسية التاريخية المفرطة بين الأتراك والأرمن.
ويقدر عدد اليونانيين في تركيا بين 50 و80 ألفا يتوزعون بغالبيتهم في المدن الكبرى لا سيما إسطنبول ويعملون في المجال التجاري مع اليهود أيضا، ولهذه الأقلية تأثيرها في العلاقات التركية اليونانية، إذ تسعى اليونان لتحويل الوضع القانوني لمقر البطريركية الأرثوذكسية الرئيسة في العالم والموجودة في حي (فينير) بإسطنبول إلى ما يشبه وضع الفاتيكان، الذي ترفضه تركيا.
ومن الأقليات الدينية الأخرى نجد مجموعة من السريان يدينون بالأرثودكسية ويقطنون إسطنبول والمناطق المحاذية لسوريا يقدر عددهم بنحو 20 ألفا، فضلا عن الكلدان الذين يقطنون المناطق المحاذية للحدود مع العراق وسوريا يقدر عددهم بنحو عشرة آلاف نسمة، توجد مطرانيتهم بإسطنبول وبطريكهم الأكبر في الموصل شمال العراق.
وهناك أيضا أقليات عرقية ودينية أخرى تتراوح أعدادها بين مئات وبضعة آلاف، ومن هؤلاء الألبان الذين يبلغ عددهم نحو 50 ألفا، إضافة إلى الروس والألمان والإستونيين ومجموعات عرقية من آسيا الوسطى وقفقاسيا وأوزبك وقرغيز وقازان وتتار وأويغور وأذريين وشركس.. وغيرهم.
التعديل الأخير: