هل كان السادات خائنًا في حرب أكتوبر؟
ولماذا أمر بالهجوم بلا غطاء جوي؟
كتب الأخوة عن مشكلة تطوير الهجوم نحو المضايق في سيناء في حرب أكتوبر 1973 يوم 14 أكتوبر..
وهو كلام طويل.. واستشهدوا بكلام خبراء ومعاصرين للحدث مهمين وأبرزهم الفريق (الشاذلي)، ولأن كل ما ذكروه موثق فليس هناك خلاف على (ماذا حدث؟)، ولكن الخلاف هو حول (لماذا حدث؟)، الأخوة رجحوا طبعًا رأي الشاذلي وآخرين من أنه خيانة من السادات، ولكني أختلف مع هذا الرأي وكتبت عليهم التعليق التالي:
أنا قرأت كثيرًا مما كتبه معاصرون عن حرب أكتوبر ووثائق وغيره، ومنها مراجع إسرائيلية وأمريكية بجانب المصرية والعربية طبعًا.. وأختلف مع الفريق الشاذلي كما مع السادات، الأمر بكل دقة أن الشاذلي يقيم الأمر بطريقة عسكرية بحتة، لا يضع في اعتباره الأبعاد السياسية لقرار تطوير الهجوم قبل إنهاء الوقفة التعبوية، ودون مد مظلة الدفاع الجوي إلى داخل سيناء لتغطي الهجوم المصري بالمدرعات..
بينما السادات وضع في اعتباره الأبعاد السياسية لتطوير الهجوم في هذه اللحظة، وهي أن دمشق كانت ستسقط تحت الاحتلال الصهيوني، لأن إسرائيل ركزت جهدها العسكري في سوريا، وبدأ جيش سوريا ينهار فضلاً عن قرب دمشق من الجبهة، وسقوط عاصمة عربية أمام إسرائيل كان يمثل مشكلة سياسية للسادات، لا سيما أنه كان القائد الأعلي للقوات العربية بالجبهتين السورية والمصرية، كما كان أحمد إسماعيل القائد العام للجبهتين..
فهذا لب خلافهما: السادات يضغط عسكريًا أيًا كانت الخسائر ليشد انتباه وجهد إسرائيل لسيناء، ليسحب من جهدها المركز على بعد 30 كم من دمشق، ليمنع سقوط عاصمة عربية ويعتبر أي خسائر عسكرية في سبيل ذلك أمرًا بسيطًا محتملاً، بينما الشاذلي لا يعنيه سقوط دمشق في شيء فكل ما يهمه المعايير العسكرية السليمة وتطبيق الخطة الموضوعة.. فهذا أحسن وهذا أحسن كلٌ في مجاله، وهذا أساء وهذا أساء أيضًا إذ كان يلزم وضع حل عسكري وسطًا يجذب الجهد الصهيوني إلى سيناء ويبعده عن دمشق، وفي نفس الوقت بلا خسائر انتحارية كالتي ذكرها الشاذلي..
والحاصل إننا يجب أن ندرس الأمور بعدل وعمق كي نتعلم من هذه المواقف تمهيدًا للاستفادة المستقبلية في هذه المجالات.. أما السادات فاتهامه بالخيانة يمكن توجيهه في مجالات أخرى أبرزها خيانته لدينه وعقيدته وليس في هذا المجال..
ولا بد من أن نلاحظ أن هناك فيروسًا أصاب الفكر السياسي والإستراتيجي العربي من جراء تمثيلية القومية العربية، التي كتبها (مايلز كوبلاند) والمخابرات الأمريكية وكتب لها السيناريو والحوار (محمد حسنين هيكل)، وقام ببطولتها وإخراجها (جمال عبد الناصر)، هل تعلمون ما هو هذا الفيروس الفكري.. إنه فيروس الاهتمام بالمظهر العنتري والشعارات العنترية، بأكثر من الجوهر الحقيقي للممارسات والقوة السياسية والإستراتيجية، ولذلك فنحن نجد الجميع (والقادة قبل الأعضاء) يهتم باستعجال رفع الشعارات أو الإعلان عن أشياء هي من مظاهر القوة السياسية والإستراتيجية دون تحقيق جوهرها وحقيقتها على الأرض -إعلان الخلافة الآن مجرد مثال حالي-..
ولو سألت الآن الجميع ما هي عوامل القوة الحقيقية؟ لجاءت الإجابات بخلاف كثير، ولن يكون خلافًا صحيًا لأنه سيكون خلافًا على أبجديات لا يجوز الخلاف حولها ولا يجوز جهلها، والحاصل أن هذا يؤثر حتى في تحليلات كبار من المتخصصين في السياسة والإستراتيجية؛ لأنهم متأثرون بهذا الفيروس بالإضافة طبعًا للمغرضين الذين لهم غرض في تصفية حساب مع هذا الطرف أو ذاك..
ومن هذا الأمر ما نناقشه الآن بشأن تطوير الهجوم نحو المضايق في سيناء دون غطاء جوي، ولم يكن تطوير الهجوم ولا نقده من هذه العنترية، إنما العنترية جاءت في أشياء أخرى مما انتقد على السادات في هذه الحرب -حرب أكتوبر 1973-، ومنها تصريحه لأمريكا بهدفه من الحرب وأنها حرب محدودة ولن يطورها، وهذا كرره السادات في مراسلات وفي مكالمات تليفونية، ويتخذ ذريعة لاتهام السادات بالخيانة، وفي الواقع كان السادات مضطرًا لذلك.. أتدرون لماذا؟
لأن إسرائيل كان لديها رادع نووي، بينما مصر لم يكن لديها ما يردع النووي الإسرائيلي -اللهم إلا المساندة السوفيتية والسادات لم يكن يثق في السوفيت وهو محق طبعًا-، ومن هنا فهو أراد أن يسلب إسرائيل ذريعة استخدام السلاح النووي، على الأقل يسلبها ذلك أمام أمريكا.. وبعد الحرب ربما بأكثر من عشر سنوات -لا أتذكر التاريخ بالضبط- كشفت الوثائق أن إسرائيل كانت فعلاً حضرت عشرات القنابل النووية وحملتها على طائرات في مطار بشمال إسرائيل، تمهيدًا لقصف مصر وسوريا إثر هزائم الأيام الأولى من الحرب، بينما الولايات المتحدة هي التي منعتها من استخدامها -بغض النظر عن التفاصيل-.
ونفس الشيء ينطبق على طريقة تعامله مع الثغرة! وإن كان يوجد أمر آخر بالنسبة للثغرة وهو جبن السادات، لأن كيسنجر هدده بعدم إبادة الثغرة وإلا سيتدخل الجيش الأمريكي، لكن لو حاكمنا الثغرة بشكل صحيح وعادل فالمسئول عن حدوثها أخطاء من الشاذلي وقيادة الأركان، حيث كانت توجد فجوة بين الجيشين الثاني والثالث لا يحرسها ولا يراقبها أي من الجيشين، وعبرها تسربت القوات الصهيونية..
أما كون السادات رفض إبادتها ومعها الجيش الثالث المحاصر-(لو فرضنا أنه كان لديه القدرة العسكرية لذلك عبر الطائرات-، فهذا مرجعه أمران: جبن السادات أمام تهديد كيسنجر، وأيضا أنه كان قرر تسليم كافة أوراق القضية لأمريكا، فلم يرد أن يخسر أمريكا وفعلاً نجح -رغم خلافنا مع هذا المنهج- حسب مذهبه، إذ كشفت الوثائق بعد ذلك بنحو 30 عاما أن كيسنجر -رغم أنه يهودي- مارس ضغطًا على إسرائيل بشأن الجيش الثالث، وأكد لهم أنه لا أمريكا ولا روسيا ستسمح لإسرائيل بأن تمسك بالجيش الثالث حيث كانت إسرائيل تطالب الجيش بالاستسلام.
والمحصلة في رأي أن ما فعله السادات لم يكن خيانة إنما كان تقديرًا إستراتيجيا نتفق معه في بعضه ونخالفه في بعضه، وبشكل عام هو تمرين ذهني إستراتيجي لنا جميعًا الآن عبر تأمله والتفكر فيه ومناقشته.http://ar.islamway.net/article/46910/هل-كان-السادات-خائنا-في-حرب-أكتوبر
ولماذا أمر بالهجوم بلا غطاء جوي؟
كتب الأخوة عن مشكلة تطوير الهجوم نحو المضايق في سيناء في حرب أكتوبر 1973 يوم 14 أكتوبر..
وهو كلام طويل.. واستشهدوا بكلام خبراء ومعاصرين للحدث مهمين وأبرزهم الفريق (الشاذلي)، ولأن كل ما ذكروه موثق فليس هناك خلاف على (ماذا حدث؟)، ولكن الخلاف هو حول (لماذا حدث؟)، الأخوة رجحوا طبعًا رأي الشاذلي وآخرين من أنه خيانة من السادات، ولكني أختلف مع هذا الرأي وكتبت عليهم التعليق التالي:
أنا قرأت كثيرًا مما كتبه معاصرون عن حرب أكتوبر ووثائق وغيره، ومنها مراجع إسرائيلية وأمريكية بجانب المصرية والعربية طبعًا.. وأختلف مع الفريق الشاذلي كما مع السادات، الأمر بكل دقة أن الشاذلي يقيم الأمر بطريقة عسكرية بحتة، لا يضع في اعتباره الأبعاد السياسية لقرار تطوير الهجوم قبل إنهاء الوقفة التعبوية، ودون مد مظلة الدفاع الجوي إلى داخل سيناء لتغطي الهجوم المصري بالمدرعات..
بينما السادات وضع في اعتباره الأبعاد السياسية لتطوير الهجوم في هذه اللحظة، وهي أن دمشق كانت ستسقط تحت الاحتلال الصهيوني، لأن إسرائيل ركزت جهدها العسكري في سوريا، وبدأ جيش سوريا ينهار فضلاً عن قرب دمشق من الجبهة، وسقوط عاصمة عربية أمام إسرائيل كان يمثل مشكلة سياسية للسادات، لا سيما أنه كان القائد الأعلي للقوات العربية بالجبهتين السورية والمصرية، كما كان أحمد إسماعيل القائد العام للجبهتين..
فهذا لب خلافهما: السادات يضغط عسكريًا أيًا كانت الخسائر ليشد انتباه وجهد إسرائيل لسيناء، ليسحب من جهدها المركز على بعد 30 كم من دمشق، ليمنع سقوط عاصمة عربية ويعتبر أي خسائر عسكرية في سبيل ذلك أمرًا بسيطًا محتملاً، بينما الشاذلي لا يعنيه سقوط دمشق في شيء فكل ما يهمه المعايير العسكرية السليمة وتطبيق الخطة الموضوعة.. فهذا أحسن وهذا أحسن كلٌ في مجاله، وهذا أساء وهذا أساء أيضًا إذ كان يلزم وضع حل عسكري وسطًا يجذب الجهد الصهيوني إلى سيناء ويبعده عن دمشق، وفي نفس الوقت بلا خسائر انتحارية كالتي ذكرها الشاذلي..
والحاصل إننا يجب أن ندرس الأمور بعدل وعمق كي نتعلم من هذه المواقف تمهيدًا للاستفادة المستقبلية في هذه المجالات.. أما السادات فاتهامه بالخيانة يمكن توجيهه في مجالات أخرى أبرزها خيانته لدينه وعقيدته وليس في هذا المجال..
ولا بد من أن نلاحظ أن هناك فيروسًا أصاب الفكر السياسي والإستراتيجي العربي من جراء تمثيلية القومية العربية، التي كتبها (مايلز كوبلاند) والمخابرات الأمريكية وكتب لها السيناريو والحوار (محمد حسنين هيكل)، وقام ببطولتها وإخراجها (جمال عبد الناصر)، هل تعلمون ما هو هذا الفيروس الفكري.. إنه فيروس الاهتمام بالمظهر العنتري والشعارات العنترية، بأكثر من الجوهر الحقيقي للممارسات والقوة السياسية والإستراتيجية، ولذلك فنحن نجد الجميع (والقادة قبل الأعضاء) يهتم باستعجال رفع الشعارات أو الإعلان عن أشياء هي من مظاهر القوة السياسية والإستراتيجية دون تحقيق جوهرها وحقيقتها على الأرض -إعلان الخلافة الآن مجرد مثال حالي-..
ولو سألت الآن الجميع ما هي عوامل القوة الحقيقية؟ لجاءت الإجابات بخلاف كثير، ولن يكون خلافًا صحيًا لأنه سيكون خلافًا على أبجديات لا يجوز الخلاف حولها ولا يجوز جهلها، والحاصل أن هذا يؤثر حتى في تحليلات كبار من المتخصصين في السياسة والإستراتيجية؛ لأنهم متأثرون بهذا الفيروس بالإضافة طبعًا للمغرضين الذين لهم غرض في تصفية حساب مع هذا الطرف أو ذاك..
ومن هذا الأمر ما نناقشه الآن بشأن تطوير الهجوم نحو المضايق في سيناء دون غطاء جوي، ولم يكن تطوير الهجوم ولا نقده من هذه العنترية، إنما العنترية جاءت في أشياء أخرى مما انتقد على السادات في هذه الحرب -حرب أكتوبر 1973-، ومنها تصريحه لأمريكا بهدفه من الحرب وأنها حرب محدودة ولن يطورها، وهذا كرره السادات في مراسلات وفي مكالمات تليفونية، ويتخذ ذريعة لاتهام السادات بالخيانة، وفي الواقع كان السادات مضطرًا لذلك.. أتدرون لماذا؟
لأن إسرائيل كان لديها رادع نووي، بينما مصر لم يكن لديها ما يردع النووي الإسرائيلي -اللهم إلا المساندة السوفيتية والسادات لم يكن يثق في السوفيت وهو محق طبعًا-، ومن هنا فهو أراد أن يسلب إسرائيل ذريعة استخدام السلاح النووي، على الأقل يسلبها ذلك أمام أمريكا.. وبعد الحرب ربما بأكثر من عشر سنوات -لا أتذكر التاريخ بالضبط- كشفت الوثائق أن إسرائيل كانت فعلاً حضرت عشرات القنابل النووية وحملتها على طائرات في مطار بشمال إسرائيل، تمهيدًا لقصف مصر وسوريا إثر هزائم الأيام الأولى من الحرب، بينما الولايات المتحدة هي التي منعتها من استخدامها -بغض النظر عن التفاصيل-.
ونفس الشيء ينطبق على طريقة تعامله مع الثغرة! وإن كان يوجد أمر آخر بالنسبة للثغرة وهو جبن السادات، لأن كيسنجر هدده بعدم إبادة الثغرة وإلا سيتدخل الجيش الأمريكي، لكن لو حاكمنا الثغرة بشكل صحيح وعادل فالمسئول عن حدوثها أخطاء من الشاذلي وقيادة الأركان، حيث كانت توجد فجوة بين الجيشين الثاني والثالث لا يحرسها ولا يراقبها أي من الجيشين، وعبرها تسربت القوات الصهيونية..
أما كون السادات رفض إبادتها ومعها الجيش الثالث المحاصر-(لو فرضنا أنه كان لديه القدرة العسكرية لذلك عبر الطائرات-، فهذا مرجعه أمران: جبن السادات أمام تهديد كيسنجر، وأيضا أنه كان قرر تسليم كافة أوراق القضية لأمريكا، فلم يرد أن يخسر أمريكا وفعلاً نجح -رغم خلافنا مع هذا المنهج- حسب مذهبه، إذ كشفت الوثائق بعد ذلك بنحو 30 عاما أن كيسنجر -رغم أنه يهودي- مارس ضغطًا على إسرائيل بشأن الجيش الثالث، وأكد لهم أنه لا أمريكا ولا روسيا ستسمح لإسرائيل بأن تمسك بالجيش الثالث حيث كانت إسرائيل تطالب الجيش بالاستسلام.
والمحصلة في رأي أن ما فعله السادات لم يكن خيانة إنما كان تقديرًا إستراتيجيا نتفق معه في بعضه ونخالفه في بعضه، وبشكل عام هو تمرين ذهني إستراتيجي لنا جميعًا الآن عبر تأمله والتفكر فيه ومناقشته.http://ar.islamway.net/article/46910/هل-كان-السادات-خائنا-في-حرب-أكتوبر