الأحنف بن قيس

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,781
التفاعل
17,898 114 0
الأحنف بن قيس
التعريف به وقبيلته وإسلامه
الأحنف بن قيس هو أبو معاوية بن حصين التميمي السعدي[1].
وُلد في البصرة سنة 3 ق. هـ[2].
قدم من قبيلته ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام بعد أن أسلم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لما وصل إلى المدينة وجد النبي صلى الله عليه وسلم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى فعاش مع أصحابه ينهل مما تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم وكان سيدًا في قومه حتى غدا من أفاضل الناس وارتفعت منزلته عند الصحابة أنفسهم، وكانت له نظرة ثاقبة في الحرب وأمره سيدنا عمر بن الخطاب على إحدى الجيوش المتجه إلى فارس، إنه الأحنف بن قيس.
[1] البداية والنهاية 8/326.
[2] عثمان بن عفان 1/98.

فكره العسكري
كان عمر يحجر على المسلمين ان يتوسعوا في بلاد العجم خوفا عليهم من العجم حتى أشار عليه الأحنف بن قيس بأن المصلحة تقتضي توسعهم في الفتوحات فان الملك يزدجرد لا يزال يستحثهم على قتال المسلمين وان لم يستأصل شأو العجم ولا طمعوا في الإسلام وأهله فاستحسن عمر ذلك منه وصوبه وأذن للمسلمين في التوسع في بلاد العجم ففتحوا بسبب ذلك شيئًا كثيرًا ولله الحمد[1].
وذكر ابن خلدون تعليل مقالة الأحنف بقوله: يا أمير المؤمنين لا يزال أهل فارس يقاتلون ما دام ملكهم فيهم فلو أذنت بالانسياح في بلادهم فأزلنا ملكهم انقطع رجاؤهم[2].
وكان رأيه صوابًا ففي الوقت الذي حجر فيه سيدنا عمر بن الخطاب على التوغل في أرض الفرس تجمع الفرس من جديد لحاربة المسلمين فكان رأي سيدنا الحنف مجانبًا للصواب.
[1] البداية والنهاية 7/88.
[2] تاريخ ابن خلدون 2/553.

أهم المعارك ودوره فيها
لقد شارك سيدنا الأحنف بن قيس في معارك كثيرة وهو الذي قدم ببشارة فتح تستر على سيدنا عمر بن الخطاب ومعه الهرمزان مع عدد من المسلمين ومن المعارك التي كان له فيها دور كبير معركة مرو الروز وخراسان.

حصاره لمرو الروذ
بعث ابن عامر الأحنف بن قيس إلى مروروذ فحصر أهلها فخرجوا إليهم فقاتلوهم فهزمهم المسلمون حتى اضطروهم إلى حصنهم فأشرفوا عليهم فقالوا يا معشر العرب ما كنتم عندنا كما نرى ولو علمنا أنكم كما نرى لكانت لنا ولكم حال غير هذه فأمهلونا ننظر يومنا وارجعوا إلى عسكركم فرجع الأحنف فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا له الحرب فخرج رجل من العجم معه كتاب من المدينة فقال إني رسول فأمنوني فأمنوه فإذا رسول من مرزبان مرو بن أخيه وترجمانه وإذا كتاب المرزبان إلى الأحنف فقرأ الكتاب قال فإذا هو إلى أمير الجيش إنا نحمد الله الذي بيده الدول يغير ما شاء من الملك ويرفع من شاء بعد الذلة ويضع من شاء بعد الرفعة إنه دعاني إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدي وما كان رأي من صاحبكم من الكرامة والمنزلة فمرحبًا بكم وأبشروا وأنا أدعوكم إلى الصلح فيما بينكم وبيننا على أن أؤدي إليكم خراجا ستين ألف درهم وأن تقروا بيدي ما كان ملك الملوك كسرى أقطع جد أبي حيث قتل الحية التي أكلت الناس وقطعت السبل من الأرضين والقرى بما فيها من الرجال ولا تأخذوا من أحد من أهل بيتي شيئا من الخراج ولا تخرج المرزبة من أهل بيتي إلى غيركم فإن جعلت ذلك لي خرجت إليك وقد بعثت إليك ابن أخي ماهك ليستوثق منك بما سألت قال: فكتب إليه الأحنف: بسم الله الرحمن الرحيم من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان مروروذ ومن معه من الأساورة والأعاجم سلام على من اتبع الهدى وآمن واتقى أما بعد فإن ابن أخيك ماهك قدم علي فنصح لك جهده وأبلغ عنك وقد عرضت ذلك على من معي من المسلمين وأنا وهم فيما عليك سواء وقد أجبناك إلى ما سألت وعرضت على أن تؤدي عن أكرتك وفلاحيك والأرضين ستين ألف درهم إلي وإلى الوالي من بعدي من أمراء المسلمين إلا ما كان من الأرضين التي ذكرت أن كسرى الظالم لنفسه أقطع جد أبيك لما كان من قتله الحية التي أفسدت الأرض وقطعت السبل والأرض لله ولرسوله يورثها من يشاء من عباده وإن عليك نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الأساورة إن أحب المسلمون ذلك وأرادوه وإن لك على ذلك نصرة المسلمين على من يقاتل من وراءك من أهل ملتك جار لك بذلك مني كتاب يكون لك بعدي ولا خراج عليك ولا على أحد من أهل بيتك من ذوي الأرحام وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك من المسلمين العطاء والمنزلة والرزق وأنت أخوهم ولك بذلك ذمتي وذمة أبي وذمم المسلمين وذمم آبائهم شهد على ما في هذا الكتاب جزء بن معاوية أو معاوية بن جزء السعدي وحمزة بن الهرماس وحميد بن الخيار المازنيان وعياض بن ورقاء الأسيدي وكتب كيسان مولى بني ثعلبة يوم الأحد من شهر الله المحرم وختم أمير الجيش الأحنف بن قيس[1].

فتحه لخراسان وقتاله ليزدجرد كسر فارس
أمر الأحنف وأمره بغزو بلاد خراسان فركب الأحنف في جيش كثيف إلى خراسان قاصدًا حرب يزدجر فدخل خراسان فافتتح هراة عنوة واستخلف عليها صحار بن فلان العبدي ثم سار إلى مرو الشاهجان وفيها يزدجر وبعث الأحنف بين يديه مطرف بن عبد الله بن الشخير إلى نيسابور والحارث بن حسان إلى سرخس ولما اقترب الأحنف من مرو الشاهجان ترحل منها يزدجرد إلى مرو الروذ فافتتح الأحنف مرو الشاهجان فنزلها وكتب يزدجرد حين نزل مرو الروذ إلى خاقان ملك الترك يستمده وكتب إلى ملك الصفد يستمده وكتب إلى ملك الصين يستعينه وقصده الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ وقد استخلف على مرو الشاهجان حارثة بن النعمان وقد وفدت إلى الأحنف إمداد من أهل الكوفة مع أربعة أمراء فلما بلغ مسيرة إلى يزدجرد ترحل إلى بلخ فالتقى معه ببلخ يزدجرد فهزمه الله عز وجل وهرب هو ومن بقي معه من جيشه فعبر النهر واستوثق ملك خراسان على يدي الأحنف بن قيس واستخلف في كل بلدة أميرًا ورجع الأحنف فنزل مرو الروذ وكتب إلى عمر بما فتح الله عليه من بلاد خراسان بكمالها فقال عمر وددت انه كان بيننا وبين خراسان بحر من نار فقال له علي ولم يا أمير المؤمنين فقال: إن أهلها سينقضون عهدهم ثلاث مرات فيجتاحون في الثالثة فقال يا أمير المؤمنين لان يكون ذلك بأهلها أحب إليَّ من أن يكون ذلك بالمسلمين: وكتب عمر إلى الأحنف ينهاه عن العبور إلى ما وراء النهر وقال: احفظ ما بيدك من بلاد خراسان: ولما وصل رسول يزدجرد إلى اللذين استنجد بهما لم يحتفلا بأمره فلما عبر يزدجرد النهر ودخل في بلادهما تعين عليهما أنجاده في شرع الملوك فسار معه خاقان الأعظم ملك الترك ورجع يزدجرد بجنود عظيمة فيهم ملك التتار خاقان فوصل إلى بلخ واسترجعها وفر عمال الأحنف إليه إلى مرو الروذ وخرج المشركون من بلخ حتى نزلوا على الأحنف بمرو الروذ فتبرز الأحنف بمن معه من أهل البصرة وأهل الكوفة والجميع عشرون ألفًا فسمع رجلاً يقول لآخر: إن كان الأمير ذا رأي فإنه يقف دون هذا الجبل فيجعله وراء ظهره ويبقى هذا النهر خندقًا حوله فلا يأتيه العدو إلا من جهة واحدة. فلما أصبح الأحنف أمر المسلمين فوقفوا في ذلك الموقف بعينه.
وكان أمارة النصر والرشد وجاءت الأتراك والفرس في جمع عظيم هائل مزعج فقام الأحنف في الناس خطيبًا فقال: إنكم قليل وعدوكم كثير فلا يهولنكم كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين فكانت الترك يقاتلون بالنهار ولا يدري الأحنف أين يذهبون في الليل، فسار ليلة مع طليعة من أصحابه نحو جيش خاقان، فلما كان قريب الصبح خرج فارس من الترك طليعة وعليه طوق، وضرب بطبله، فتقدَّم إليه الأحنف، فاختلفا طعنتين، فطعنه الأحنف، فقتله وهو يرتجز:
إِنَّ على كُلِّ رَئِيسٍ حَقَّا
أَن يَخْضِبَ الصَّعْدَةَ[2] أَو تَنْدَقَّا
إن لها شيخًا بها ملقَّى
بسيف أبي حفص الذي تبقَّى
قال: ثم استلب التركي طوقه ووقف موضعه فخرج آخر علم طوق ومعه طبل فجعل يضرب بطبله فتقدم إليه الأحنف فقتله أيضا واستلبه طوقه ووقف موضعه فخرج ثالث فقتله واخذ طوقه ثم أسرع الأحنف الرجوع إلى جيشه ولا يعلم بذلك احد من الترك بكلية وكان من عادتهم بطبله ثم الثاني ثم الثالث ثم يخرجون بعد الثالث فلما خرجت الترك ليلتئذ سد أنهم لا يخرجون من صبيتهم حتى تخرج ثلاثة من كهولهم بين أيديهم يضرب الأول الثالث فأتوا على فرسانهم مقتلين تشاءم بذلك الملك خاقان وتطير وقال لعسكره قد طال قامنًا، وقد أصيب هؤلاء القوم بمكان لم نصب بمثله ما لنا في قتال هؤلاء القوم من خير فانصرفوا بنا فرجعوا إلى بلادهم وانتظرهم المسلمون يومهم ذلك ليخرجوا إليهم من شعبهم فلم يروا أحدًا منهم ثم بلغهم انصرافهم إلى بلادهم راجعين عنهم وقد كان يزدجرد وخاقان في مقابلة الأحنف بن قيس ومقاتلته ذهب إلى مرو الشاهجان فحاصرها وحارثة بن النعمان بها واستخرج منها خزانته التي كان دفنها بها ثم رجع وانتظره خاقان ببلخ حتى رجع إليه، وقد قال المسلمون للأحنف: ما ترى في أتباعهم؟ فقال: أقيموا بمكانكم ودعوهم. وقد أصاب الأحنف في ذلك فقد جاء في الحديث: اتركوا الترك ما تركوكم وقد رد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويًّا عزيزًا. ورجع كسرى خاسرًا الصفقة لم يشف له غليل، ولا حصل على خير، ولا انتصر كما كان في زعمه؛ بل تخلى عنه من كان يرجو النصر منه، وتنحى عنه وتبرأ منه أحوج ما كان إليه، وبقي مذبذبًا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، "ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً"، وتحير في أمره ماذا يصنع، وإلى أين يذهب؟ وقد أشار عليه بعض أولى النهى من قومه حين قال: قد عزمت أن أذهب إلى بلاد الصين أو أكون مع خاقان في بلاده. فقالوا: إنا نرى أن نصانع هؤلاء القوم فإن لهم ذمة ودينا يرجعون إليه فنكون في بعض هذه البلاد وهم مجاورينا فهم خير لنا من غيرهم. فأبى عليهم كسرى ذلك[3].


[1] الطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/630.
[2] الصَّعْدةُ القناة التي تنبت مستقيمة، ابن منظور: لسان العرب، مادة صعد 3/251.
[3] البداية والنهاية 7/127.

من أقواله
كان الأحنف بن قيس يحمل ويقول:
إِنَّ على كُلِّ رَئِيسٍ حَقَّا
أَن يَخْضِبَ الصَّعْدَةَ أَو تَنْدَقَّا[1].
قال الأحنف بن قيس: الكامل من عدت هفواته ولا تعد إلا من قلة[2].
وقال: ليس فضل الحلم أن تظلم فتحلم حتى إذا قدرت انتقمت، ولكنه إذا ظلمت فحلمت ثم قدرت فعفوت[3].
وسئل الأحنف بن قيس عن الحلم قال: أن تصبر على ما تكره قليلاً[4].

وقال رجل للأحنف بن قيس: بمَ سدت قومك وأنت أحنف أعور؟ قال: بتركي ما لا يعنيني كما عناك من أمري ما لا يعنيك[5].

وعن الأحنف بن قيس أنه قال: في خلال ثلاث ما أذكرها إلا أن يعتبر رجل بخلق صالح: ما أتيت باب سلطان قط إلا إن دعا، ولا دخلتُ بين اثنين قط إلا أن يأمراني، ولا خلفت أحدًا بعده بسوء قط.
يقول الأحنف بن قيس: ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الآتي طعامًا لم يُدْعَ إليه، والمتآمر على رب البيت في بيته، وطالب الفضل من أعدائه، وراجي الخير من اللئام، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه، والجالس في المجلس الذي لا يستأهله، والداخل بين اثنين في حديثهما من غير أن يدخلاه، والمتقدم بالدالة على السلطان[6].


[1] تاريخ خليفة بن خياط 1/35.
[2] البداية والنهاية 9/193.
[3] الحلم 1/57.
[4] الصمت 1/132.
[5] الإصابة في تمييز الصحابة 1/188.
[6] طبقات المحدثين بأصبهان 1/299، 300.
وفاته
كان موته بالبصرة زمن ولاية مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، ومشى مصعب في جنازته، وقال مصعب يوم موته: ذهب اليوم الحزم والرأي[1].

[1] الإصابة في تمييز الصحابة 1/188.


 
عودة
أعلى