"التنسيق السعودي الإماراتي": محاولة جريئة لاقتلاع أورام المنطقة
24 - سليم ضيف الله
الإثنين 16 مايو 2016 / 18:36
قبل أسابيع قليلة قال ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إن التعاون الإماراتي السعودي "صمام أمان في وجه أي تحديات تُهدد المنطقة".
كان ذلك في السعودية بمناسبة حضوره أكبر مناورة عسكرية تُقام في المنطقة منذ حرب الخليج الثانية، "رعد الشمال" بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
من الرعد إلى المجلس
وبعد حوالي شهرين من رعد الشمال، عاد الشيخ محمد بن زايد إلى الرياض في زيارةٍ أثمرت توقيع البلدين وبحضور ولي عهد أبوظبي والملك سلمان بن عبد العزيز اتفاقية إنشاء مجلس مشترك سعودي إماراتي للتنسيق بين البلدين، لتدخل العلاقات الثنائية التقليدية طوراً استراتيجياً جديداً يقوم على آلية واضحةٍ للدفع بها إلى مستويات أعلى وآفاق أرحب بما يخدم الرؤية المشتركة التي تتقاسمها قيادتا البلدين منذ سنوات وعقود، قبل أن تتحول بمناسبة المجلس الجديد إلى رسالة أو التزام تُعرب عنه الرياض وأبوظبي بقضايا المنطقة والإقليم، والعالم بشكل عام.
وبالنظر إلى العلاقات المشتركة بين البلدين في السنوات القليلة الماضية، فإن العلامة البارزة فيها كانت وستبقى التشاور المستمر والتنسيق المتواصل على مدار الساعة أحياناً بين العاصمتين، إذ لم تتوقف الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، والمحادثات الثنائية والمتعددة، في ظل التحولات السريعة والتطورات الخطيرة التي عرفتها دول المنطقة، التي تتأرجح بين القضايا القديمة والمؤجلة، الحارقة أحياناً والدافئة أحياناً أخرى.
قديمة وجديدة
فمن الوجع الفلسطيني الدائم، في ذكرى النكبة الثامنة والستين، إلى الربيع العربي إلى الثعبان الإيراني، ومن الخريف السوري، إلى البركان العراقي، وصولاً إلى العقرب الحوثي، انتهاءً بالعميل اللبناني ممثلاً في حزب الله، تعاظمت المخاطر والتحديات التي لا تكشف عن آخرها ليزيد الوضع سوءاً بعد أن اختلط سعير القاعدة، بحمام دم داعش في ليبيا، وتونس، والجزائر، ومصر، وغيرها من الدول العربية الأخرى المعنية بدرجات متفاوتةٍ من حيث الخطورة والجدية بموسم الحرائق العربية.
وإذا كانت مُدن الخراب الكثيرة التي انتشرت على امتداد الرقعة أو الجغرافيا العربية، مؤشر خطير على هول الأحداث وحجم التهديدات، التي تتربص بالمنطقة العربية عموماً من خليجها إلى مغربها، إلا أنها على الأقل تكشف في المقابل إصراراً على التشبث بمقومات العمل العربي المشترك، وحق الشعوب العربية في النماء والعمران والتقدم والتعاون، بعيداً عن عُش الدبابير الذي تشكل في السنوات الأخيرة في شقوق وجدران البناء العربي.
من التعاون إلى البناء
وعلى هذا الأساس كان لابد أن ينتقل "التعاون" التقليدي الذي يعود إلى أكثر من أربعة عقود بين البلدين إلى لبنة يُمكن البناء عليها، لإقامة صرحٍ أشد صلابة في المنطقة والعالم العربي، ليُقدم البلدان على خطوة متقدمةٍ في مجال العمل المشترك، الصوت الواحد، والقرار الواحد، الذي سيتردد بموجب هذا المجلس في البلدين في الوقت نفسه، لسد الثغرات والمنافذ التي تبين خطرها.
ويُمكن القول إن المؤشرات الجدية على اعتماد هذا التوجه الجديد، انطلقت فعلياً بمناسبة قيام عاصفة الحزم، في اليمن ضد الانقلاب الحوثي على الشرعية اليمنية في صنعاء، ولوضع حد لمسار التراجع، بـ"إعادة الأمل" لاحقاً في انتظار ما ستُفضي إليه المحادثات اليمنية في الكويت، وفي انتظار اقتلاع القاعدة وداعش من جذورهما في البلد نفسه.
وبمناسبة السياق اليمني كشف الموقف السعودي والإماراتي مستوى التقارب والتماهي بين البلدين، والاشتراك في الرؤية أولاً والحرص والعزيمة على تحويل الخطاب السياسي الكلاسيكي، إلى قرارٍ ومنه إلى تحرك وإنجازٍ.
إلى من يهمه الأمر
وعليه يأتي مجلس التنسيق، خطوةً متقدمةً ولكن أيضاً رسالة لمن يهمه الأمر، في المنطقة وفي العالم، أن من يطال الرياض يطال أبوظبي، والعكس صحيح، وأن ما يتقرر في أروقة القرار السعودي والإماراتي مُلزم للطرفين أولاً وللمتابع ثانياً، ورسالة شديدة الوضوح إلى من يُحسن فك الشفرات، أن المزايدات والتوظيف و"التقارير" عن تباين في الرأي أو في التقييم أو في اتخاذ القرار، في اليمن مثلاً، كما في مصر، أو في المغرب العربي بشكل عام، أو في الخليج، مسألة محسومة قبل وبعد مجلس التنسيق، الذي يأتي الإعلان عنه بعد ماراثون من اللقاءات والمشاورات والقمم التي شهدتها المنطقة، مثل القمة الخليجية الأمريكية، والخليجية المغربية، والخليجية الأردنية.
وعليه يكون مجلس التنسيق بين كبيري الخليج، وجناحيه، خطوة أخرى تقطعها أبوظبي والرياض على طريق تجسيد الرؤى والأهداف المشتركة، في ظل خيمة المجلس الجديد الذي سيُشكل الإطار العملي الجديد والآلية الأفضل لتحرك البلدين لتصريف جهودهما في إطار أكثر نجاعةً وكفاءةً.
من هرمز إلى باب المندب
ومن الطبيعي أن يسعى المجلس الجديد إلى التصدي والتعامل الحاسم والسريع مع ملفات كثيرةٍ تعترض طريق دول المنطقة، من اليمن طبعاً إلى التدخلات الإيرانية في دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، إلى سوريا، والعراق، ومحاولات تطويق الخليج من باب المندب في خليج عدن، إلى سواحل الخليج في مضيق هرمز.
ومن الطبيعي كذلك أن يكون الملف النفطي مثلاً، من أول الملفات التي سيتعامل معها، المجلس الجديد، بالاتفاق على استراتيجية التعامل مع سياسة الإنتاج والأسعار والأسواق"ومعركة اتخاذ القرار المناسب في أوبك وخارجها" بما يتلاءم مع مصالح البلدين ودول المنظمة، دون النظرإلى موافقة إيران أو قبولها بذلك.
وإذا كان التنسيق بين البلدين في السابق يستند في جزء كبير منه إلى العلاقات التاريخية والخاصة بين الآباء المؤسسين في البلدين، استناداً إلى القيم المشتركة وقتها، فإن واقع الاستراتيجيا وحقائق الجغرافيا وامتحان التحديات كلها عوامل تفرض اليوم على الرياض وأبوظبي الانتقال إلى مرحلة متقدمةٍ جديدة من الاتفاق في الرؤية والهدف والتكتيك.
تغيير الأعماق
وتُدرك الإمارات والسعودية اليوم وأكثر من أي وقت مضى أنه وكما يقول المثل العربي "ما حكّ جلدك غير ظفرك" فإن صناعة القرار الاستراتيجي فيهما، بما يخدم المصالح والأهداف الاستراتيجية للبلدين، بقرار منهما أولاً وبما لا يرضيان غيره ثانياً عن تقدير ومعرفة تامةً "بما يلزمهما وبما لا يُلزمهما" لتنتقل بذلك علاقة البلدين من طور تصريف القرار المُنفرد أو تقريب القرارين، إلى القرار الموحد، الأكثر عمقاً وشمولية، الذي يجعل مثلاً العمق السعودي في رأس الخيمة الإماراتية، والعمق الإماراتي في جازان السعودية، إلى جانب الدوائر الكلاسيكية الأخرى، خليجياً وعربياً وإسلامياً، ما يعني أن ما ستنظر إليه الإمارات والسعودية بعد قرار إحداث المجلس، سيكون أبعد كثيراً مما عرفناه حتى الآن، وأقرب إلى نظرة زرقاء اليمامة منه إلى نبوءات البغدادي في الرقة، أو أحلام نصرالله في الضاحية، وتوجيهات مرشد قم.
ومن المنتظر اليوم، أن تُدمج السياسة الدفاعية والمالية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية وحتى الرياضية والفنية والترفيهية وغيرها من المقومات التقليدية في المشهدين العامين في الإمارات والسعودية هذا البعد "المجلسي" الجديد المعلن مساء الإثنين، ليكون صوت الإمارات معبراً عن البلدين، وصوت السعودية متحدثاً رسمياً باسم الدولتين، في ظل وحدة الرؤيتين الاستراتيجيتين 2030 في البلدين على جميع المجالات وبما يشمل جميع القطاعات أيضاً.
صناعة الاستراتيجيات
وفي انتظار الإعلان الرسمي عن تفاصيل وآليات عمل المجلس، يُتوقع أن تتحول الآلية الجديدة إلى مطبخ حقيقي لصناعة القرار الاستراتيجي والتكتيكي في البلدين، وبعد تسمية ممثلي البلدين فيه أولاً، وإعلان الآليات والبرامج والأهداف التي سيسعى المجلس الذي يرأسه من الجانب الاماراتي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، ومن الجانب السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وبعضوية عدد من الوزراء والمسؤولين في البلدين، إلى مُسابقة الزمن لتحقيق أهدافه الكثيرة ورفع التحديات الأكثر التي تعترض العمل المشترك بين البلدين والعاصمتين وبما "لا يُخل بالالتزامات، والتعاون القائم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج" في تأكيد على التوجه الاستراتيجي الأشمل والأوسع لعمل المجلس الجديد، بما يجعله في الوقت نفسه، مرصداً قادراً على رصد كل التحولات والأحداث وتخيل الردود عليها وطرق التعامل والتفاعل الفوري معها، قبل المرور إلى المرحلة المتقدمة من عمل مثل هذه المجالس الاستراتيجية التي أثبتت نجاعتها في أكثر من منطقة من العالم، مثل أوروبا، وخاصةً في الحالة الألمانية الفرنسية التي كانت ولا تزال قلب أوروبا والاتحاد الأوروبي النابض، أو المِشرط الدقيق الذي يسمح للجراح بإجراء أدق التدخلات الجراحية قبل تطور الوضع سلبياً.
علاج الوجع العربي
وبالنظر إلى عيادة العالم العربي اليوم، فإن المرضى يتكدسون في انتظار الجراحة الدقيقة وطلباً للعلاج والشفاء على يد جراح ماهر، ولكنه أيضاً غيور على أبناء العم والأخ والخال، والحريص على منع الأذى عنهم، وعلاج الأمراض التي تهددهم سواءً كانت على شكل حمى طائفة أو لوثة إخواني، أو سرطان إرهاب، أو جنون القفز في المجهول.
http://24.ae/mobile/article.aspx?ArticleId=247245