السيد المجاهد مولاي عبد الله محمد

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,781
التفاعل
17,898 114 0
السيد المجاهد مولاي عبد الله محمد


يرجع نسبه الى بني أمية
أقام المسلمون دولة الإسلام في الأندلس بداية من العام 92هـ، وكان بداية الفتح على يد القائدين العظيمين طارق بن زياد وموسى بن نصير، ثم ظهرت الدولة الأموية في الأندلس بقيادة عبد الرحمن الداخل صقر قريش، ثم بدأت الدولة العظيمة في الانهيار والانحطاط بعد أن تحارب أمراء الإسلام تاركين عدوهم، بل كان البعض يستعين بالنصارى في محاربة المسلمين حتى ضاعت الأندلس. لقد بذل المسلمون دماءهم رخيصة في فتح هذا البلد، والذب عنه، وحمايته إلى أن اختلف المسلمون وتفرق شملهم، فضاعت أرضهم.
لم يكن ضياع وسقوطها الأندلس هو عامل الحزن فقط، بل تبع هذا السقوط أحزان، ولم تكن الدموع التي ذرفها أبو عبد الله الصغير وهو تاركًا غرناطة بعد أن سلمها للنصارى هي آخر الدموع، بل تبع هذه الدمعة بحور من الدمع، وإن شئت فقل: بحور من الدم.
لقد ظن المسلمون الذين ضعفت نفوسهم عن الجهاد أن عقد اتفاقية مع النصارى مقابل تسليمهم غرناطة يحفظ لهم الحقوق، لم يفِ النصارى بشرط واحد كان في المعاهدة، ولم يتركوا المسلمين على عقائدهم بل أجبروهم على التنصير وترك أسمائهم إلى أسماء نصرانية، وأقيمت محاكم التفتيش لتحاكم الناس على ضمائرهم، كان لأثر هذه الفاجعة التي ألمت بالمسلمين أن ظهرت طائفة جديدة تبطن الإسلام وتظهر النصرانية تعرف بطائفة الموريسكيين، لقد عانت هذه الطائفة أشد المعاناة من أجل الحفاظ على هويتهم الإسلامية، وبذلوا دماءهم رخيصة في سبيل ذلك، ولاقوا أشد أنواع العذاب في محاكم التفتيش.
وخرج من بين هذه الطائفة رجل تعمق الإيمان في قلبه، وقاوم المحتل الغاشم الذي فتك بأرضه وأهله إلى أن نال الشهادة مدافعًا عن بلده ودينه، إنه السيد المجاهد مولاي عبد الله محمد.




احتل الصليبيون الأندلس بعد ثمانية قرون عمر الإسلام فيها، ولم يكن في قلوب الصليبيين رحمة؛ فقد ذبحوا الأطفال وقتلوا الشيوخ وهتكوا الأعراض وسبوا النساء، فاندلعت الثورات وأسست حركات المقاومة وقاوم المسلمون المحتل الصليبي بما أوتوا من القوة إلا أن الصليبيين قد تفوقوا على المسلمين في العدد والعدة، وقد ضعف الإيمان في قلوب المؤمنين، فسرعان ما تم القضاء على هذه الثورات واستباح الصليبيون الأندلس، وبعد قمع هذه الثورات أجبر المسلمون الباقين في الأندلس على التنصر ومن رفض التنصير كان مصيره الإبادة والقتل، وقد رفض بعض المسلمين التنصير وقاوموا في سبيل عقيدتهم وحققوا انتصارات على الإسبان في أكثر من معركة مما اضطر الأسبان السماح لهم بالهجرة إلى المغرب.
اضطرت طائفة من المسلمين إلى البقاء في إسبانيا واستطاعوا أن يحافظوا على شعائر الإسلام بقدر طاقتهم في هذا البحر المتلاطم بالفتن، وعرفت هذه الطائفة بالموريسكيين، ولقد عانت هذه الطائفة أشد المعاناة فقد نكل بهم الصليبيين حتى بعد أن أظهروا النصرانية، فقد ظل الموريسكييون موضع ريب وشك من جانب الكاردينال اللعنة "خمنيس" وديوان التحقيق، فعمل "خمنيس" على الزج بآلاف الموريسكيين إلى محاكم التفتيش حيث آلات التعذيب والتنكيل التي تقشعر لها الأبدان ويشيب منها الولدان وذلك للتأكد من صدق تنصرهم وخالص ارتدادهم عن الإسلام، وكانت أدنى إشارة أو علامة تصدر من الموريسكيين وتدل على حنينهم للإسلام كفيلة بإهدار دمائهم وحرقهم وهم أحياء، واستمرت إسبانيا الصليبية في سياسة الاضطهاد والقمع والتنكيل بالموريسكيين، وبلغت المأساة مداها بعدما أصدر "شارل الخامس" قرارًا بمنع سفر الموريسكيين خارج إسبانيا باعتبارهم نصارى ومن يخالف يقتل وتصادر أملاكه وعندها اندلعت الصدور المحترقة بثورة كبيرة في بلاد الأندلس.
أعلن الموريسكيون استقلالهم، واستعدوا لخوض معركة الحياة أو الموت، واختار الثوار أميرًا لهم اسمه "محمد بن أمية" يرجع أصله إلى بنى أمية الخلفاء كإشارة على استعادة الخلافة ودولة الإسلام في الأندلس مرة أخرى.
واستطاع الموريسكيون تحقيق انتصارات متتالية مما أذهب بعقل ولب الصليبيين فكان ذلك سببًا في إعداد إسبانيا لحملة ضخمة يقودها أمهر قادتهم هو "الدون خوان"، وجاء المجاهدون المسلمون من المغرب العربي وانضمت فرقة عسكرية عثمانية للثوار جاءتهم من تونس، وكان الأسبان يقتلون من يقع في أسرهم ويمثلون بجثثهم أبشع تمثيل حتى الأطفال والنساء لم يسلموا من أفعالهم، وزاد ذلك الثوار يقينا بحتمية الاستمرار في الثورة والقتال حتى الموت، وقويت العزائم وتقاطر المجاهدون المغاربة على الأندلس، وهنا امتدت أيدي الغدر والخيانة في الظلام لتغتال حلم الأندلسيين بمكيدة شريرة ويقتل الأمير "محمد بن أمية" قبل أن يحقق هدفه المنشود.
ولم يلبث محمد بن أمية حتى اغتيل فلم تقف الثورة فام المجاهدون باختيار مولاي عبد الله بن محمد وهو ابن عم محمد ابن أمية وكان أكثر فطنة وروية وتدبرا فحمل الجميع على احترامه ونظم جيش الثوار وجعله على الطراز الدولي ويفوق في تنظيمه الجيش الصليبي الإسباني واستطاع "مولاي عبد الله" أن يستولي على عدة مدن هامة مثل مدينة "أرجبة" التي كانت مفتاح غرناطة والتي كان سقوطها شرارة اندلاع ثورة الموريسكيين وذيوع شهرة "مولاي عبد الله محمد".
حشدت إسبانيا أعدادًا ضخمة من مقاتليها يقودهم "الدون خوان"، فحاصر هذا الجيش الجرار الثوار في بلدة "جليرا" وكان مع الثوار فرقة من الجنود العثمانيين، ودارت رحى معركة في منتهى الشراسة أبدى فيها المسلمون بسالة رائعة، ولكن المدينة سقطت في النهاية ودخلها الأسبان دخول الضواري المفترسة وارتكبوا مذبحة مروعة شنيعة لم يتركوا فيها صغيرا ولا كبيرا ولا طفلا ولا امرأة، وحاول "الدون خوان" مطاردة فلول الثوار ولكنه وقع في كمين للثوار في شعب الجبال عند مدينة "بسطة" وأوقع الثوار هزيمة فادحة بالصليبيين الأسبان، جعلت الحكومة الإسبانية تفكر في مصالحة الثوار المسلمين.
لم تحقق إسبانيا النصر الكامل على الموريسكيين رغم قلة عددهم إلا أن الإيمان قد تعمق في قلوبهم، فما كان من الحكومة الإسبانية إلا عرض السلام، وكانت شروط المعاهدة تتضمن وقف انتفاضة المسلمين فورا وفى سبيل ذلك يصدر وعد ملكي بالعفو عن جميع الموريسكيين الذين يقدمون خضوعهم في ظرف عشرين يوما من إعلانه ولهم أن يقدموا تظلمهم وشكاواهم مع الوعد بالبحث فيها ودراستها..!
وكل من رفض العفو والخضوع للسلطة الصليبية سيقتل ما عدا النساء والأطفال دون الرابعة عشرة والسبب بالقطع معروف النساء سبايا والأطفال ينصرون. وهذا السلام ما هو إلا هدنة تستطيع إسبانيا تجهيز أنفسها لتعيد الكرة على الموريسكيون، كانت شروط السلام الصليبي المعروض على الموريسكيين كفيلة بأن يرفض الأمير مولاي عبد الله محمد هذه المعاهدة الجائرة التي لا تعطى المسلمين شيئا وليس لها سوى هدف واحد وهو إيقاف ثورة المسلمين فقط لا غير، وأيقن المسلمون أن الأسبان الصليبيين لا عهد لهم ولا ذمة، فانقلب النصارى يفتكون بكل المسلمين في أنحاء إسبانيا سواء من اشترك في الثورة أم لم يشترك، واشتبك الدون خوان مع قوات مولاي عبد الله في عدة معارك ولكنها غير حاسمة، وفى نفس الوقت أبقى الأسبان على خط التفاوض مع الزعيم "الحبقي" الذي رأى فيه النصارى السبيل لشق صف الثوار المسلمين.
سار مجرى القتال في غير صالح المسلمين لانعدام التكافؤ بين الطرفين خلا الإيمان بالله - عز وجل -، ورأى مولاي عبد الله أن أتباعه يسقطون من حوله تباعا وتجهم الموقف والقوة الغاشمة تجتاح كل شيء، فبدأ يفكر في الصلح والسلام ولكن بغير الشروط السابقة، وتدخل بعض زعماء الأسبان ممن له عقل وتدبير لإجراء الصلح، ولكن "الحبقي" استبق الجميع وشق صف الثورة وخرج عن طاعة مولاي عبد الله ومن معه، وذهب بسرية من فرسانه إلى معسكر الصليبيين وقدم الخضوع والذلة إلى قائدهم "الدون خوان".
كانت هذه الخطوة الذليلة من "الحبقي" محل سخط كل المسلمين وخاصة زعيمهم مولاي عبد الله، فلقد لمح أن "الحبقي" يروج بمنتهى القوة لهذا السلام الذي هو خضوع وذلة بالكلية للصليبيين، وأن الصف المسلم يتصدع بمحاولات "الحبقي" وأراجيفه، خاصة بعدما لمح المسلمون نية الصليبيين في نفيهم بالكلية عن الأندلس، وهذا يجعل الهدف والداعي الذي قامت من أجله الثورة في الأصل هباءًا منثورًا وكيف سيعيدون دولة الإسلام في الأندلس مرة أخرى إذا طردوا من أوطانهم، لهذه الأسباب كلها قرر مجلس قيادة الثورة إعدام "الحبقي" الذي ظهر منه ما يدل على عمالته وولائه للصليبيين.
أعلن مولاي عبد الله أن الثورة لن تتوقف وأن الموريسكيين سيجاهدون حتى الموت وأن حلمهم بإعادة دولة الإسلام في الأندلس لم يمت في قلوبهم، وأنه يؤثر أن يموت مسلمًا مخلصًا لدينه ووطنه مما بذلوا له من وعود معسولة وأماني كاذبة
وكان لهذا الموقف الشجاع من مولاي عبد الله فعل السحر في نفوس المسلمين في جميع أنحاء أسبانيا، فاندلعت الثورة كالنار في الهشيم، وقابل الأسبان ذلك بمنتهى القسوة والشدة بل والحقد الجنوني، حيث مضوا في القتل والتخريب لكل ما هو مسلم، وهدموا القرى والضياع والحقول حتى لا يبقى للثوار مثوى أو مصدر للقوت.
كانت لهذه القسوة المفزعة أثر كبير على نفوس الموريسكيين حيث فر كثير منهم من البلاد كلها إلى إخوانهم المسلمين في إفريقية، وفى 28 أكتوبر سنة1570 أصدر فليب الثاني قرارًا بنفي الموريسكيين من مملكة غرناطة إلى داخل البلاد الأخرى بأسبانيا، ويوزعون على سائر الولايات الإسبانية بل مصادرة أملاكهم وأموالهم، ووقع تنفيذ القرار في مشهد يندى له جبين البشرية من الخزي حيث السفك والنهب والاغتصاب، وسيق مسلمو غرناطة كالقطعان لمسافات طويلة حيث الجوع والعطش والمرض ثم وضعوا بعد ذلك فيما يشبه المعسكرات الجماعية حيث بقوا رهن المتابعة والرقابة الدائمة، وعين لهم مشرفًا خاصًا يتولى شئونهم ووضعت لهم جملة من القيود من يخالف أدناها يقتل شر قتلة.
بعد هذه الوحشية منقطعة النظير وبعد سلسلة من المذابح والمجازر البشرية المروعة في حق مسلمي الأندلس وبعد فرار الكثير من الموريسكيين إلى إفريقية وبعد نفي بقيتهم داخل إسبانيا لم يبق أمام الأسبان سوى آخر فرسان الأندلس مولاي عبد الله وجيشه الصغير الذي ظل مقاومًا للصليبيين معتصمًا بأعماق الجبال، رافضًا للصلح أو المهادنة أو الخضوع لسلطة الصليب مهما كانت التضحيات، وهو في هذه الأثناء يقوم بحرب عصابات ضد الحاميات الإسبانية المنتشرة بغرناطة وأوقعت هذه الحرب خسائر فادحة بالأسبان، ولكنها أيضًا أنهكت قوة جيش مولاي عبد الله الصغير.
استشهاده :

لأن هذا العصر وتلك الأيام كانت توصف بالخيانة والعمالة، وحب الدنيا وكراهية الموت، والخوف على النفس والمال والعيال، فلقد استطاع أعداء الإسلام أن يستقطبوا ويجندوا أحد ضباط مولاي عبد الله محمد، ويغروه بالأموال والمنح والوعود والعفو الشامل إذا استطاع أن يسلمهم مولاي عبد الله محمد حيًّا أو ميتًا، وكان الإغراء قويًّا ومثيرًا والنفوس ضعيفة، فدبر هذا الضابط الخائن خطته لاغتيال آخر أبطال الأندلس، وفى ذات يوم هجم الخائن مع بعض من أغواهم على البطل مولاي عبد الله الذي قاومهم قدر استطاعته، ولكنه وبعد معركة غير متكافئة سقط شهيدًا، فقام الخونة بفعلة شنيعة حيث ألقوا جثته من فوق الصخور لكي يراها الجميع ويعلم أسيادهم الأسبان بنجاح مخطط الغدر والخيانة. وهكذا تدفع الأمة من جديد ثمن خيانة بعض أبنائها، وتفقد ولدًا بارًّا وبطلاً عظيمًا قام بنصرتها والدفاع عن عرضها وحاول استعادة مجدها، ولكنه - وللأسف الشديد - زمن الخيانة والعمالة[1]!



[1] المراجع:
أ- محمود شاكر: التاريخ الإسلامي بتصرف.
ب- موقع مفكرة الإسلام بتصرف، على الرابط:
http://www.islammemo.cc/2005/04/23/1477.html
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى