الهندسة العكسية
تعني إعادة اكتشاف المبادئ التقنية للميكانيك التطبيقي من خلال عمليات التحليل الإنشائي، والتحليل التكنولوجي، وتحليل الأداء والوظيفة، وتحليل التشغيل، بحيث تتم إعادة صياغة البيانات التصميمية لمنظومة ما أو لمنتج ما من أجل تصميم أجزاء جديدة للمنظومة بهدف تحسين الأداء. ويمكن تطبيق ذلك على التجهيزات الميكانيكية، والعناصر الإلكترونية، والبرمجيات وغيرها.
كذلك توصف الهندسة العكسية بأنها عملية قياس فيزيائي لجزء ما أو مصنوعة يدوية ما وإنتاج شكل هندسي لها، وإعداد رسوماتها يدوياً
أو بمساعدة الحاسوب، وإعداد البيانات الهندسية المناسبة لإعادة تصنيعها.
يتم التفكيك التفصيلي لجسم ما لمعرفة طريقة عمله، ومن ثم إعادة تصميم جهاز جديد يقوم بالمهمة نفسها. وعند الاستعانة
بالبرمجيات يتم تحليل تفصيلي للبرنامج بهدف إنشاء برنامج جديد محسن أو مطور عن البرنامج الأصلي، من دون تنفيذ نسخة طبق الأصل عن البرنامج.
الفرق بين الهندسة العكسية وأنواع الهندسة الأخرى
يطلق على الطريقة التقليدية الأكثر استخداماً في أعمال التطوير التقاني اسم الهندسة المتقدمة. ويطور العاملون في مجال بناء التقانات
منتجاتهم باستخدام المفاهيم الهندسية والتجريدية. وبالمقابل تبدأ الهندسة العكسية من المنتج النهائي، ويتم العمل عكسياً للتوصل إلى المفهوم الهندسي عن طريق تحليل المنظومة المطلوبة، ومكوناتها الجزئية وتحليل العلاقات الداخلية لتلك المكونات الجزئية.
أما هندسة التقييم فهي تسمية تطلق على عملية تحسين على منظومة ما أو منتج ما بالمقارنة مع المنتج الأصلي الخاضع للتحليل، وهناك
تداخل في غالبية الأحيان بين هندسة التقييم والهندسة العكسية؛ لأن الهدف من الهندسة العكسية هو أيضاً إدخال التحسينات وإعداد الوثائق التي تبين طريقة عمل المنتج الأصلي بالكشف عن التصميم المخفي (التحتي). إن أداء المنتج المنجز بجهود الهندسة العكسية يماثل كثيراً أداء المنتج الأصلي.
تاريخ الهندسة العكسية
طبقت الهندسة العكسية على مر العصور على مختلف الأنشطة الاقتصادية، وخاصة منها في المجالات الصناعية. وقد لجأت دول كثيرة إلى
الهندسة العكسية لدراسة منتجات الدول الأخرى، وتصاعدت وتيرة هذه الظاهرة الصناعية
في أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها في المجالات الصناعية كافة، ولاسيما في المجالات العسكرية.
وقد استخدمت القوى العسكرية الهندسة العكسية في غالبية الأحيان لنسخ تقانة ما طبقتها دولة أخرى، أو للحصول على معلومات أو نماذج
لأسلحة تم الاستيلاء عليها في أثناء المعارك، أو عن طريق الاستخبارات العسكرية التي نشطت بكثرة في أثناء الحرب العالمية الثانية وفي أثناء الحرب الباردة وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منها:
الصاروخ R-1:
بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية
وقعت وثائق الصاروخ الألماني V2 بأيدي الروس كما وقع في الأسر بعض علماء الصواريخ الألمان،
واستعين بهؤلاء مع العلماء الروس لإعادة إنتاج الوثائق الفنية والمخططات التقانية
للصاروخ V2 في روسيا. وتم التوصل بموجبها إلى إنتاج الصاروخ الروسي R-1، وكان ذلك بداية برنامج الصواريخ السوڤييتية.
الطائرة TU- 4
هي قصة أخرى حدثت في أثناء الحرب الباردة. فقد جرى نسـخ الطائرة TU- 4 من قبل العلماء الروس عن القاذفة B-29 الأمريكية؛ إذ أُجبـرت القاذفة الأمريكيـة B-29 على الهبوط في إحدى المطارات السوڤييتية، ولم يكن لدى السوڤييت حينها قاذفات استراتيجية مماثلة، فقرروا نسخ النموذج الأمريكي. وبعد سنوات عدة طور السوڤييت قاذفة سموها TU- 4 كانت نسخـة مطابقة للقاذفـة الأمريكيـة B-29 بتقانات سوڤييتية.
وهناك دول كثيرة أخرى لجأت إلى الهندسة العكسية لتصنيع الأسلحة التي كانت تحتاج إليها بسبب حظر توريد الأسلحة لها. وكذلك الحال في
الصناعات المدنية حيث تستخدم الهندسة العكسية لمزاحمة الأسواق الأجنبية من قبل ماليزيا وإندونيسيا وكوريا والهند والصين وتايوان وغيرها.
مراحل الهندسة العكسية
تبدأ الهندسة العكسية بتحديد هدف المشروع، والطريقة الملائمة لتحديد الشكل الهندسي للمنظومة المطلوبة ولأجزائه، والدقة
المناسبة لأبعاد القطع، وطريقة استخدام النتائج النهائية. ويجري ذلك وفق المراحل
الآتية:
مرحلة تحديد المنتـج (منظومة أو عنصر من منظومة) الخاضع لعملية الهندسة العكسية:
يتـم ترشـيح منتـج أو عـدة منتجـات لاختيار أحدهـا مشروع هندسـة عكسيـة، وتتضمـن المنتجات المحتملـة للمشروع المـواد
المفـردة، والأجزاء، والمكونـات، والوحـدات، والمجموعـات الجزئية. وقد يحتـوي بعضهـا
علـى كثير مـن القطـع الصغيرة. وبعد دراسـة جدوى المنتجات المرشحة يتم تحديدأحدهـا لتنفيذها مشروع هندسة عكسية.
مرحلة تحليل المعلومات والبيانات الموثقة عن طريقة عمل المنتج الأصلي:
تستهلك هذه المرحلـة الوقت الأكبر من زمن تنفيذ المشروع، حيث يجري تفكيك المنتـج الأصلي إلى مجموعات جزئيـة، ومـن ثـم إلى
مكوناتـه الإفراديـة، وحصر المـواد الأوليـة المستخدمة في إنتاج مكوناتـه، وتحديـد المواصفـات الكيمياويـة والفيزيائيـة للمواد الأولية، واعتمـاد المعالجات السطحيـة والحرارية لقطـع المنتـج المختلفـة، وتحديد أبعـاد القطع بدقة لإعداد الرسـومات الهندسـية، وتصميـم الاختبارات المحيطية، واختبارات الأداء للمنظومة ومكوناتـها الجزئية. ويجري بعد ذلك بناء المواصفات الأساسية للمنظومة بمساعدة البيانـات التقنيـة، ووضع طريقـة عمل للمنظومة المراد إنتاجها. يجري إعـداد رسـومات ثلاثية الأبعاد باستخدام التصميم بمساعدة الحاسـوب، عن طريـق برامج لأنظمة الحاسـوب
المركزي، مما يساعـد على إنجـاز الهندسـة العكسـية أو إجراء تصميم معدل على التصميم الأصلي.
مرحلة استخدام البيانات التقنية والمخططات الهندسية المولدة بالهندسة العكسية نسخةً طبق الأصل أو نسخة معدلة عن النسخة الأصلية:
في هذه المرحلة يقوم المهندسون بتدقيق البيانات والمخططات الناتجة من عملية تفكيك المنتج، ثم إعادة بناء دقيقة للمنظومة الأصلية. كما يدقق المهندسون صحة التصاميم وصلاحيتها عن طريق اختبار المنظومة، ومن ثم تنفيذ نموذج أولي للمنتج الجديد، واختباره، وتوثيق نتائج الاختبار. حيث يتم التدقيق والتفتيش عن البيانات والمخططات لكل مرحلة من المراحل بمساعدة الحاسوب، وبمشاركة فعالة من خدمات التفتيش وضبط
الجودة.
مرحلة تنفيذ المنتج الجديد وتقديمه للأسواق:
بعد نجاح تنفيذ النموذج الأولي، وتطبيق الاختبارات المحيطية كافة، واختبارات الأداء، والتأكد من سلامة أداء المنتج مقارنة مع أداء النموذج الأصلي يمكن طرح المنتج الجديد في الأسواق. وتعد المنظومة الجديدة تصميماً منافساً في السوق؛ لكونه يعتمد على إبداع المنتج الأصلي من حيث المواصفات الفنية، وكفاءته وعمره الفني، مع إدخال تحسينات عليه، واستخدام تقانات تمكن المنتج الجديد من المنافسة من حيث الجودة والقيمة المالية.
يتبع