معركة نصيبين 1839
معركة نصيبين، أومعركة نزيپ ( نزيپحالياً)، هي معركة دارت في 24 يونيو1839 بين مصروالدولة العثمانية. كانت القواتالمصرية تحت قيادة ابراهيم پاشا، بينما كان العثمانيون تحت قيادة حافظ پاشا، وتولىهلموت گراف فون مولتكه قيادة المدفعية العثمانية
قبل ساعات من بدء القتال، ناشد فون مولتكه حافظ پاشا الانسحاب لموقع أكثر تحصيناً بالقرب من بيرةجك وانتظار التعزيزات المترقبة، إذ أن قوات حافظ باشا كانت أقل كثيراً من حيث العتاد من المصريين المهاجمين.
في بداية القتال أنصت حافظ پاشا لنصيحة مولتكه، لكن لم يدم هذا طويلاً حيث قرر الحفاظ على موقع جيشه، بناءاً على نصيحة مستشاريه.
كانت القوات العثمانية تتمركز عند مزار، جنوب غرب نصيب، حيث كان نهر نصيب إلى يسارها. تقدم ابراهيم پاشا بقواته، تحت نيران المدفعية العثمانية الثقيلة، مخترقاً الخطوط العثمانية. في الوقت نفسه، بدأت نيران المدفعية المصرية تدك الخطوط الأمامية للعثمانيين، الذين منيوا بخسائر فادحة. مع بدء تقدم مشاة ابراهيم پاشا للاشتباك مع القوات العثمانية، كان جيش حافظ پاشا قد دُحر بالكامل، بعد أن حطمت المدفعية المصرية معنوياتهم
اعتزم ابراهيم پاشا أن يتبع خطة الهجوم في معركة نصيبين، فحشد الجيش مشاة وركباناً على ضفاف نهر الساجورالذي كان يفصل الحدود المصرية والعثمانية
وتحرك في 20 يونيو سنة 1839 صوب قرية مزار ليتخذها قاعدة الهجوم. وتقع هذه القرية جنوب غرب نصيبين، وهي على ساعتين من معسكر الجيش العثماني.
لم يلق المصريون مقاومة تذكر في احتلال مزار فقد اخلتها الحامية التركية وانسحبت منها الى معسكر الجيش في نصيبين، ورتب ابراهيم باشا مواقع جيشه في ضواحي مزار بالعدوة اليسرى من النهر المسمى باسمها.
وفي اليوم التالي 21 يونيو استقر رأي ابراهيم پاشا على اكتشاف مواقع العثمانيين أولاً لمعرفة الجهة الضعيفة فيهاجمهم فيها، فسار بصحبة سليمان پاشا لارتياد هذا الاكتشاف ومعهما قوة مؤلفة من الف وخمسمائة من العرب وأربعة ألايات من الفرسان وبطاريتان من المدافع، واقتربوا من مواقع العثمانيين، فأنفذت القيادة العثمانية بعض كتائب من الفرسان النظاميين ومن الجنود غير النظامية (الباشبوزق) فاشتبكوا مع طلائع الجيش المصري في مناوشة ارتدوا على أثرها إلى مواقعهم، وتعقبهم المصريون، فأمكنهم اكتشاف التحصينات المنيعة التي أقامها العثمانيون امام نصيبين، فأدرك ابراهيم پاشا أنه يتعذر بل يستحيل على الجيش المصري أن يستولي على معسكر الجيش العثماني مواجهة، وعاد يجهد الفكر في الخطة التي تكفل له الفوز على خصمه، فرأى أن خير وسيلة يتبعها هي الدوران حول مواقع الترك ليهاجمهم من الخلف.
وغداة هذا اليوم الموافق 22 يونيو شرع ابراهيم پاشا ينفذ هذه الخطة وأخذ ينسحب من مواقعه الأولى استعداداً لحركة الالتفاف.
أما حافظ پاشا فقد جمع مجلسا حربيا ليقرر الخطة الواجب اتباعها حيال هذه المناورة، فكان رأي البارون دي مولتك وزملائه الألمان أن يهاجموا المصريين أثناء حركة الالتفاف وقبل أن ترسخ أقدامهم في المواقع الجديدة، لكن حافظ پاشا وزملاءه العثمانيين لم يقبلوا هذا الرأي السديد، وأبوا أن يغادروا مواقعهم واستحكاماتهم المنيعة ويغامروا بقواتهم في مهاجمة الجيش المصري في العراء وفي سهل مكشوف خال من الاستحكامات التي تحميهم، واستقر رأيهم على البقاء في معاقلهم بنصيبين.
أنفذ ابراهيم پاشا حركة الالتفاف، فترك مواقعه الأولى، وسار شرقاً، محاذياً نهر مزارثم نهر كرزين بعد التقاؤه بنهر مزار، ثم انعطف شمالاً حتى بلغ الطريق الموصل من حلب إلى بيرةجك والمفضي الى ما وراء مواقع العثمانيين في نصيبين، فسار في ذلك الطريق إلى أن بلغ قنطرة هركون القائمة على نهر كرزين وأمر الجيش بعبور النهر على هذه القنطرة.
عبر الجيش المصري بأجمعه نهر كرزين ليلاً واحتشد على الضفة اليسرى خلف معسكر الجيش العثماني، وبذلك واجهه من الجهة الضعيفة، فاضطر حافظ پاشا أن يدير وجه جيشه ليواجه الجيش المصري في مواقعه الجديدة، وأقام استحكامات على عجل بدلاً من الاستحكامات القديمة التي كانت أمام وجهته القديمة ولم يعد لها بعد أن تغير موقف الجيشين وانقضى يوم 23 يونيو والجيشان يتأهبان للقتال.
وفي ليلة 24 يونيو 1839 هاجم حافظ پاشا المصريين في جنح الليل أملاً أن ياخذهم على غرة ويوقع الفشل في صفوفهم، ولكنه ارتد بعد أن فتكت نيران المدافع المصرية بعدد كبير من جنوده، واستمر ابراهيم پاشا تلك الليلة يتأهب لمهاجمة العثمانيين في صبيحة الغد.
وقبل أن تصل نتائج المعركة إلى عاصمة الخلافة العثمانية كان السلطان محمود الثاني قد قضى نحبه في (17 من ربيع الآخر 1255هـ= 30 يونيو 1839م)، وخلفه ابنهعبد الحميد، وكان شاباً لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، تسلّم قيادة الدولة العثمانية في ظروف بالغة الصعوبة، فأراد أن يحسم الخلاف مع محمد علي؛ حقنًا لدماء المسلمين، ومنعًا للتدخل الأجنبي، وبعث برسول إليه للتفاوض في أمر الصلح، ونقاط الخلاف بين الطرفين.
الآثار المترتبة
بلغت خسائر العثمانيين في معركة نصيبين نحو أربعة آلاف قتيل وجريح، وكان من قتلاهم بعض القواد والضباط، وأسر منهم بين 12.000 إلى 15.000 أسير، واستولى المصريون على نحو 20.000 بندقية و44 مدفعاً، واستولوا في اليوم التالي على 30 مدفعاً في حصن (بيرةجك) وكذلك استولوا على خزانة الجيش التي لم يتمكن العثمانيون من أخذها عند الهزيمة، وكان بها من النقد ما قيمته ستة ملايين فرنك.
أما الجيش المصري فقد بلغت خسائره نحو 40.000 بين قتيل وجريح.
قضت هذه الواقعة على قوة الدولة العثمانية الحربية، وأنقذت مصر من الخطر الذي كان يتهددها من ناحية تركيا، وكان فيها أكبر انتصار حازه الجيش المصري في حروبه مع تركيا، وهي أعظم الوقائع التي خاض غمارها من جهة أهميتها الحربية ونتائجها السياسية، أما من الوجهة الحربية فهي تفوق المعارك الأخرى في عظم الجهود والخسائر التي بذلت فيها، وأما من الوجهة السياسية فلأنها حفظت استقلال مصر، وكانت له بمثابة السياج الذي صانه من الحظر، فلو أن الدولة العثمانية فازت في هذه المعركة لاستمرت في زحفها على سوريا ثم على مصر، ولقضت على استقلال مصر وردتها ولاية عثمانية لا تمتاز عن سائر ولايات السلطنة العثمانية في شئ.
وهذه الواقعة تشبه أن تكون كواقعة جيماب التي فازت فيها جيوش الثورة الفرنسية على الجيش النمسوي وانقذت فرنسا من خطر الغارة عليها وصانت كيانها، وكذلك كان شان واقعة نصيبين بالنسبة لمصر.
وفاة السلطان محمود
توفى السلطان محمود في أول يوليو سنة 1839 قبل ان يبلغه نبأ انكسار جيشه، اذ كان على فراش الموت، فأسلم الروح دون ان يعلم بالطامة التي حلت بالجيش العثماني في تلك الواقعة الفاصلة، وخلف بعده السلطان عبد الحميد في الوقت الذي تزلزلت فيه قوائم السلطنة من ضربات مصر، ولم تكن سن السلطان الجديد تتجاوز السابعة عشر، فلم يدر كيف ياخذ في أمره ولا كيف يتجه بين العواصف التي هبت على عرشه.
تقدم ابراهيم پاشا
أما ابراهيم پاشا فانه استمر في تقدمه عقب انتصاره، واحتل بيرةجك على ضفة نهر الفراتاليسرى ثم عينتاب ومرعش واورفه.
تسليم الأسطول التركي
وأعقب هذه المعركة كارثة أخرى اصابت تركيا في اسطولها، وذلك انه لما بدات الحركات العدائية الاخيرة بين مصر وتركيا صدرت الاومر للاسطول التركي بالتحرك من بوغاز الدردنيل بقيادة القبودان أحمد باشا فوزي لمنازلة العمارة المصرية، ولكن فرنسا وانجلترا ارسلتا بعض السفن لمنع التصادم بين الاسطولين تنفيذا للخطة التي كان عليها العمل بينهما من الحيلولة بين تصادم مصر وتركيا.
ولما هزم الجيش التركي في واقعة نصيبين وتولى السلطان عبد المجيد وراى دعائم عرشه تتزلزل امام فتوحات الجيش المصري، جنح للسلم، فبعث برسول يدعى عاكف أفندي الى مصر يعرض على محمد علي باشا عقد هدنة يمكن في خلالها اجراء المفاوضات للاتفاق على حل يرضي الطرفين، وعهد اليه ان يامرفوزي باشا قائد العمارة التركية ان يعود الى الاستانة ولكن فوزي باشا كان قلقا على مركزه بعد موت السلطان محمود، اذ كان مقربا لديه ولدى اختصاص به، فلما خلفه السلطان عبد المجيد عين خسروا باشا صدرا اعظم، وكان بينه وبين فوزي باشا عداء قديم، فعظمت وساوس فوزي باشا، (ظن ان استدعاءه الى الاستانة لم يكن الا لعزله او لقتله، وزين له وكيله عثمان باشا ان يلتجئ الى محمد علي باشا خصم خسروا باشا القديم ويسلمه الاسطول التركي باكمله هدية خالصة، فينال منه المكافاة وحسن الجزاء، فاصغى فوزي باشا لهذا المشورة التي تنطوي في ذاتها على الخيانة والدناءة، واقلع بالعمارة التركية وخرج بها من الدردنيل ومضى الى الاسكندرية ، وكانت هذه العمارة على شان من القوة، مؤلفة من تسع بوارج كبيرة (غلايين) واحدى عشرة سفينة من نوع الفرقاطة، وخمس من نوع الكورفت، وعلى ظهرها 16107 من الملاحين، والايان من الجنود يبلغ عددهم 5000 فيكون الجميع 21.107.
فلما وصل فوزي باشا على راس هذه العمارة الى رودس ارسل وكيله الى محمد علي باشا بمصر يخبره بعزمه، فابتهج محمد علي بهذه الفرصة السعيدة ابتهاجا عظيما، وانفذ رسولا على السفينة البخارية النيل ليبلغه سروره مما اقدم عليه، ثم اقلعت الدوننمة العثمانية من رودس بقيادة فوزي باشا وبلغت الاسكندرية، وكانت الدوننمة المصرية خارج البوغاز لاجراء التمرينات البحرية بقيادة الاميرال مصطفى مطوش باشا ، فدخلت الدوننمتان الى الميناء معا، وعدد سفنها نحو بخمسين سفينة حربية تقل نحو ثلاثين الف مقاتل، وعليها نحو ثلاثة الاف مدفع، فكان منظر دخول تلك العمارة الضخمة الى ميناء الاسكندرية يملا القلب جلالا وروعة، وصارت مصر بهذه القوة البحرية المزدوجة اقوى دولة بحرية في البحر الابيض المتوسط.
ولما علم جنود الاسطول العثماني بالامر، وكان مكتوما عنهم الى ذلك اليوم، هرب بعضهم على الصنادل وعادوا الى الاستانة.
وتسلم محمد علي باشا هذا الأسطول الضخم، فكان لهذا الحادث تاثير كبير في سير المسالة المصرية، لان تسليم الاسطول التركي الى مصر بعد انتصارها في معركة نصيبين جعل كفتها الراجحة على تركيا في البر والبحر، وبلغت مصر في ذلك الحين اوج قوتها على عهد محمد علي.
عن موقع المجموعة 73 مؤرخين
المصدر
http://www.marefa.org/index.php/معركة_نصيبين
معركة نصيبين، أومعركة نزيپ ( نزيپحالياً)، هي معركة دارت في 24 يونيو1839 بين مصروالدولة العثمانية. كانت القواتالمصرية تحت قيادة ابراهيم پاشا، بينما كان العثمانيون تحت قيادة حافظ پاشا، وتولىهلموت گراف فون مولتكه قيادة المدفعية العثمانية
قبل ساعات من بدء القتال، ناشد فون مولتكه حافظ پاشا الانسحاب لموقع أكثر تحصيناً بالقرب من بيرةجك وانتظار التعزيزات المترقبة، إذ أن قوات حافظ باشا كانت أقل كثيراً من حيث العتاد من المصريين المهاجمين.
في بداية القتال أنصت حافظ پاشا لنصيحة مولتكه، لكن لم يدم هذا طويلاً حيث قرر الحفاظ على موقع جيشه، بناءاً على نصيحة مستشاريه.
كانت القوات العثمانية تتمركز عند مزار، جنوب غرب نصيب، حيث كان نهر نصيب إلى يسارها. تقدم ابراهيم پاشا بقواته، تحت نيران المدفعية العثمانية الثقيلة، مخترقاً الخطوط العثمانية. في الوقت نفسه، بدأت نيران المدفعية المصرية تدك الخطوط الأمامية للعثمانيين، الذين منيوا بخسائر فادحة. مع بدء تقدم مشاة ابراهيم پاشا للاشتباك مع القوات العثمانية، كان جيش حافظ پاشا قد دُحر بالكامل، بعد أن حطمت المدفعية المصرية معنوياتهم
اعتزم ابراهيم پاشا أن يتبع خطة الهجوم في معركة نصيبين، فحشد الجيش مشاة وركباناً على ضفاف نهر الساجورالذي كان يفصل الحدود المصرية والعثمانية
وتحرك في 20 يونيو سنة 1839 صوب قرية مزار ليتخذها قاعدة الهجوم. وتقع هذه القرية جنوب غرب نصيبين، وهي على ساعتين من معسكر الجيش العثماني.
لم يلق المصريون مقاومة تذكر في احتلال مزار فقد اخلتها الحامية التركية وانسحبت منها الى معسكر الجيش في نصيبين، ورتب ابراهيم باشا مواقع جيشه في ضواحي مزار بالعدوة اليسرى من النهر المسمى باسمها.
وفي اليوم التالي 21 يونيو استقر رأي ابراهيم پاشا على اكتشاف مواقع العثمانيين أولاً لمعرفة الجهة الضعيفة فيهاجمهم فيها، فسار بصحبة سليمان پاشا لارتياد هذا الاكتشاف ومعهما قوة مؤلفة من الف وخمسمائة من العرب وأربعة ألايات من الفرسان وبطاريتان من المدافع، واقتربوا من مواقع العثمانيين، فأنفذت القيادة العثمانية بعض كتائب من الفرسان النظاميين ومن الجنود غير النظامية (الباشبوزق) فاشتبكوا مع طلائع الجيش المصري في مناوشة ارتدوا على أثرها إلى مواقعهم، وتعقبهم المصريون، فأمكنهم اكتشاف التحصينات المنيعة التي أقامها العثمانيون امام نصيبين، فأدرك ابراهيم پاشا أنه يتعذر بل يستحيل على الجيش المصري أن يستولي على معسكر الجيش العثماني مواجهة، وعاد يجهد الفكر في الخطة التي تكفل له الفوز على خصمه، فرأى أن خير وسيلة يتبعها هي الدوران حول مواقع الترك ليهاجمهم من الخلف.
وغداة هذا اليوم الموافق 22 يونيو شرع ابراهيم پاشا ينفذ هذه الخطة وأخذ ينسحب من مواقعه الأولى استعداداً لحركة الالتفاف.
أما حافظ پاشا فقد جمع مجلسا حربيا ليقرر الخطة الواجب اتباعها حيال هذه المناورة، فكان رأي البارون دي مولتك وزملائه الألمان أن يهاجموا المصريين أثناء حركة الالتفاف وقبل أن ترسخ أقدامهم في المواقع الجديدة، لكن حافظ پاشا وزملاءه العثمانيين لم يقبلوا هذا الرأي السديد، وأبوا أن يغادروا مواقعهم واستحكاماتهم المنيعة ويغامروا بقواتهم في مهاجمة الجيش المصري في العراء وفي سهل مكشوف خال من الاستحكامات التي تحميهم، واستقر رأيهم على البقاء في معاقلهم بنصيبين.
أنفذ ابراهيم پاشا حركة الالتفاف، فترك مواقعه الأولى، وسار شرقاً، محاذياً نهر مزارثم نهر كرزين بعد التقاؤه بنهر مزار، ثم انعطف شمالاً حتى بلغ الطريق الموصل من حلب إلى بيرةجك والمفضي الى ما وراء مواقع العثمانيين في نصيبين، فسار في ذلك الطريق إلى أن بلغ قنطرة هركون القائمة على نهر كرزين وأمر الجيش بعبور النهر على هذه القنطرة.
عبر الجيش المصري بأجمعه نهر كرزين ليلاً واحتشد على الضفة اليسرى خلف معسكر الجيش العثماني، وبذلك واجهه من الجهة الضعيفة، فاضطر حافظ پاشا أن يدير وجه جيشه ليواجه الجيش المصري في مواقعه الجديدة، وأقام استحكامات على عجل بدلاً من الاستحكامات القديمة التي كانت أمام وجهته القديمة ولم يعد لها بعد أن تغير موقف الجيشين وانقضى يوم 23 يونيو والجيشان يتأهبان للقتال.
وفي ليلة 24 يونيو 1839 هاجم حافظ پاشا المصريين في جنح الليل أملاً أن ياخذهم على غرة ويوقع الفشل في صفوفهم، ولكنه ارتد بعد أن فتكت نيران المدافع المصرية بعدد كبير من جنوده، واستمر ابراهيم پاشا تلك الليلة يتأهب لمهاجمة العثمانيين في صبيحة الغد.
وقبل أن تصل نتائج المعركة إلى عاصمة الخلافة العثمانية كان السلطان محمود الثاني قد قضى نحبه في (17 من ربيع الآخر 1255هـ= 30 يونيو 1839م)، وخلفه ابنهعبد الحميد، وكان شاباً لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، تسلّم قيادة الدولة العثمانية في ظروف بالغة الصعوبة، فأراد أن يحسم الخلاف مع محمد علي؛ حقنًا لدماء المسلمين، ومنعًا للتدخل الأجنبي، وبعث برسول إليه للتفاوض في أمر الصلح، ونقاط الخلاف بين الطرفين.
الآثار المترتبة
بلغت خسائر العثمانيين في معركة نصيبين نحو أربعة آلاف قتيل وجريح، وكان من قتلاهم بعض القواد والضباط، وأسر منهم بين 12.000 إلى 15.000 أسير، واستولى المصريون على نحو 20.000 بندقية و44 مدفعاً، واستولوا في اليوم التالي على 30 مدفعاً في حصن (بيرةجك) وكذلك استولوا على خزانة الجيش التي لم يتمكن العثمانيون من أخذها عند الهزيمة، وكان بها من النقد ما قيمته ستة ملايين فرنك.
أما الجيش المصري فقد بلغت خسائره نحو 40.000 بين قتيل وجريح.
قضت هذه الواقعة على قوة الدولة العثمانية الحربية، وأنقذت مصر من الخطر الذي كان يتهددها من ناحية تركيا، وكان فيها أكبر انتصار حازه الجيش المصري في حروبه مع تركيا، وهي أعظم الوقائع التي خاض غمارها من جهة أهميتها الحربية ونتائجها السياسية، أما من الوجهة الحربية فهي تفوق المعارك الأخرى في عظم الجهود والخسائر التي بذلت فيها، وأما من الوجهة السياسية فلأنها حفظت استقلال مصر، وكانت له بمثابة السياج الذي صانه من الحظر، فلو أن الدولة العثمانية فازت في هذه المعركة لاستمرت في زحفها على سوريا ثم على مصر، ولقضت على استقلال مصر وردتها ولاية عثمانية لا تمتاز عن سائر ولايات السلطنة العثمانية في شئ.
وهذه الواقعة تشبه أن تكون كواقعة جيماب التي فازت فيها جيوش الثورة الفرنسية على الجيش النمسوي وانقذت فرنسا من خطر الغارة عليها وصانت كيانها، وكذلك كان شان واقعة نصيبين بالنسبة لمصر.
وفاة السلطان محمود
توفى السلطان محمود في أول يوليو سنة 1839 قبل ان يبلغه نبأ انكسار جيشه، اذ كان على فراش الموت، فأسلم الروح دون ان يعلم بالطامة التي حلت بالجيش العثماني في تلك الواقعة الفاصلة، وخلف بعده السلطان عبد الحميد في الوقت الذي تزلزلت فيه قوائم السلطنة من ضربات مصر، ولم تكن سن السلطان الجديد تتجاوز السابعة عشر، فلم يدر كيف ياخذ في أمره ولا كيف يتجه بين العواصف التي هبت على عرشه.
تقدم ابراهيم پاشا
أما ابراهيم پاشا فانه استمر في تقدمه عقب انتصاره، واحتل بيرةجك على ضفة نهر الفراتاليسرى ثم عينتاب ومرعش واورفه.
تسليم الأسطول التركي
وأعقب هذه المعركة كارثة أخرى اصابت تركيا في اسطولها، وذلك انه لما بدات الحركات العدائية الاخيرة بين مصر وتركيا صدرت الاومر للاسطول التركي بالتحرك من بوغاز الدردنيل بقيادة القبودان أحمد باشا فوزي لمنازلة العمارة المصرية، ولكن فرنسا وانجلترا ارسلتا بعض السفن لمنع التصادم بين الاسطولين تنفيذا للخطة التي كان عليها العمل بينهما من الحيلولة بين تصادم مصر وتركيا.
ولما هزم الجيش التركي في واقعة نصيبين وتولى السلطان عبد المجيد وراى دعائم عرشه تتزلزل امام فتوحات الجيش المصري، جنح للسلم، فبعث برسول يدعى عاكف أفندي الى مصر يعرض على محمد علي باشا عقد هدنة يمكن في خلالها اجراء المفاوضات للاتفاق على حل يرضي الطرفين، وعهد اليه ان يامرفوزي باشا قائد العمارة التركية ان يعود الى الاستانة ولكن فوزي باشا كان قلقا على مركزه بعد موت السلطان محمود، اذ كان مقربا لديه ولدى اختصاص به، فلما خلفه السلطان عبد المجيد عين خسروا باشا صدرا اعظم، وكان بينه وبين فوزي باشا عداء قديم، فعظمت وساوس فوزي باشا، (ظن ان استدعاءه الى الاستانة لم يكن الا لعزله او لقتله، وزين له وكيله عثمان باشا ان يلتجئ الى محمد علي باشا خصم خسروا باشا القديم ويسلمه الاسطول التركي باكمله هدية خالصة، فينال منه المكافاة وحسن الجزاء، فاصغى فوزي باشا لهذا المشورة التي تنطوي في ذاتها على الخيانة والدناءة، واقلع بالعمارة التركية وخرج بها من الدردنيل ومضى الى الاسكندرية ، وكانت هذه العمارة على شان من القوة، مؤلفة من تسع بوارج كبيرة (غلايين) واحدى عشرة سفينة من نوع الفرقاطة، وخمس من نوع الكورفت، وعلى ظهرها 16107 من الملاحين، والايان من الجنود يبلغ عددهم 5000 فيكون الجميع 21.107.
فلما وصل فوزي باشا على راس هذه العمارة الى رودس ارسل وكيله الى محمد علي باشا بمصر يخبره بعزمه، فابتهج محمد علي بهذه الفرصة السعيدة ابتهاجا عظيما، وانفذ رسولا على السفينة البخارية النيل ليبلغه سروره مما اقدم عليه، ثم اقلعت الدوننمة العثمانية من رودس بقيادة فوزي باشا وبلغت الاسكندرية، وكانت الدوننمة المصرية خارج البوغاز لاجراء التمرينات البحرية بقيادة الاميرال مصطفى مطوش باشا ، فدخلت الدوننمتان الى الميناء معا، وعدد سفنها نحو بخمسين سفينة حربية تقل نحو ثلاثين الف مقاتل، وعليها نحو ثلاثة الاف مدفع، فكان منظر دخول تلك العمارة الضخمة الى ميناء الاسكندرية يملا القلب جلالا وروعة، وصارت مصر بهذه القوة البحرية المزدوجة اقوى دولة بحرية في البحر الابيض المتوسط.
ولما علم جنود الاسطول العثماني بالامر، وكان مكتوما عنهم الى ذلك اليوم، هرب بعضهم على الصنادل وعادوا الى الاستانة.
وتسلم محمد علي باشا هذا الأسطول الضخم، فكان لهذا الحادث تاثير كبير في سير المسالة المصرية، لان تسليم الاسطول التركي الى مصر بعد انتصارها في معركة نصيبين جعل كفتها الراجحة على تركيا في البر والبحر، وبلغت مصر في ذلك الحين اوج قوتها على عهد محمد علي.
عن موقع المجموعة 73 مؤرخين
المصدر
http://www.marefa.org/index.php/معركة_نصيبين