كواليس معركة ماراتونية عنوانها ملف الصحراء داخل مجلس الأمن.
سلطت احدا المنظمات الدولية المعنية بحل مشاكل مجلس الأمن الضوء على كواليس مشاورات ماراتونية من أجل إيجاد حل متوافق عليه بخصوص نزاع المغرب و الأمين العام للأمم المتحدة ، مقال مطول سنرجع فيه لأدق تفاصيل هذه المعركة و كواليس الصراع الدي دارت أغلب أطواره بمجلس الأمن
شهد مجلس الأمن خلال الأسبوع الماضي ، مساء يوم الخميس ( 24 مارس ) مناقشاتمستفيضة حول الصحراء المغربية،إنتهت باكتفاء رئيس مجلس الأمن بعرض فقط ل "العناصر الصحافية" ( لا تسجل بالأمم المتحدة و ليست مكتوبة و هي أقل و أضعف ما يمكن أن يخرج به مجلس الأمن) ، وهو ما يعكس الانقسامات العميقة بين أعضاء هذا المجلس حول كيفية معالجة الوضع الناجم عن رد فعل المغرب على استخدام مصطلح " الاحتلال " من قبل الأمين العام بان كي مون أثناء زيارته المنطقة ، و قراره بطرد جميع أفراد العنصر المدني تقريبا من بعثة الأمم المتحدة في الصحراء.
في الصورة سفراء كل من مصر ، السنغال ، فرنسا ، إسبانيا ، و اليابان المعتمدين بمجلس الأمن . و هي 5 دول من بين 15 دولة عضو تشكل مجلس الأمن . ساهمت بشكل كببر في دعم الموقف المغرب .
البداية كانت يوم الخميس الماضي ( 17 مارس ) ، عندما أطلع وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان ( أمريكي الجنسية ) أعضاء المجلس أن الموظفين الذين طلب منهم مغادرة الصحراء، يقومون بأداء مجموعة واسعة من الواجبات بما في ذلك المهام اللوجستية الحاسمة ، و التي في غيابها لن تكون البعثة قادرة على العمل ( على حد قوله ) .
خلال هذه المناقشة الأولى كانت هناك انقسامات واضحة حول ما إذا كان ينبغي للمجلس أن يتخذ أي إجراء، و
عارضت عدة دول أعضاء بمجلس الأمن بما في ذلك مصر، فرنسا، اليابان، السنغال واسبانيا إصدار أي بيان . ورأى معظم هؤلاء الدول الأعضاء أن المسألة هي بين المغرب والأمين العام و لا يجب إشراك مجلس الأمن أو إقحامه في هذا النزاع . في
حين أصر أعضاء آخرون على أن المجلس يجب أن يظهر دعمه للأمين العام و قالوا بأن مصداقية المجلس على المحك، وبأنه لا يمكن السماح لدولة عضو بتفكيك البعثة التي كلفها المجلس. و في الوقت الذي دفعت فيه دول أعضاء بمجلس الأمن من أجل أن يكون الحوار بين رئيس المجلس و المغرب ، رفضت بعض الجهات التي تؤيد الموقف المغربي هذا الإقتراح و قالت بأن أي إجراء لمشاورات بين الدول الأعضاء و المغرب ينبغي أن يكون على المستوى الثنائي ( و هي الصيغة النهائية التي تم الاتفاق عليها ).
يوم 18 مارس، إطلع ديمتري تيتوف، مساعد الأمين العام لتطوير حكم القانون والمؤسسات الأمنية في إدارة عمليات حفظ السلام، أعضاء المجلس على الآثار المترتبة على انسحاب الموظفين، و في 21 مارس، في اجتماع بالصباح الباكر لأعضاء المجلس دعت له، أنغولا، (التي ترأست المجلس شهر مارس) ، اقترحت هذه الأخيرة إصدار مسودة بيان صحفي وزعته في وقت لاحق في المساء و هو عبارة عن مشروع ، تعبر فيه عن " إعراب المجلس عن قلق عميق بسبب مغادرة عدد كبير من موظفي البعثة الأراضي استجابة لمذكرة شفوية بعث بها المغرب السادس عشر من شهر مارس إلى الأمين العام" و تقر بأن "مثل هذه الإجراءات تعطل قدرة البعثة للاضطلاع بمهمتها على النحو المطلوب من قبل المجلس" ؛ و تأكد على أن" المجلس ينشر قوات حفظ سلام لتنفيذ المهام الحيوية وأن قوات حفظ السلام لا يمكن أن تعمل إذا كانت الدول الأعضاء تطلب من جانب واحد سحب جميع المدنيين من البعثات التي أنشأها المجلس "؛ و تحث" الأطراف على معالجة الظروف التي أدت إلى الوضع و تحث المغرب للسماح لموظفي البعثة للعودة لإستكمال أنشطتها مع تكرير الدعم الكامل للأمين العام، مبعوثه الشخصي كريستوفر روس والممثل الخاص ورئيس بعثة كيم بولدوك.".
مشروع مسودة عارضته مصر بشكل قوي و ساهمت بشكل كبير في إلغاء جزء مهم من مقترحاته و اقترحت هي مراجعات واسعة للنص ، مشيرتا الى ان المذكرة الشفوية التي بعث بها المغرب جاءت كرد فعل على " تحريف مؤسف للموقف الرسمي للأمم المتحدة بشأن مسألة الصحراء " . و من بين التعديلات التي أوصت بها مصر : حدف الإشارة لأن " بعثة حفظ السلام للأمم المتحدة ستكون عاجزة على العمل إذا طالبت الدول الأعضاء من جانب واحد انسحابها ، " فضلا عن اعتراضا على النقطة التي " تحث المغرب للسماح لموظفي البعثة للعودة إلى الأرض " ، و طالبت باستبدالها ب " تحث جميع الأطراف على العمل من أجل حل هذا الوضع "
و قد ضغطت السنغال و فرنسا إلى جانب مصر من أجل حدف الفقرة التي تتكلم عن مساندة بان كي مون ، كريستوفر روس و كيم بولديك بحجة أن تواجدها يمكن أن يفهم من المغرب بأن هناك تواطؤ بين مجلس الأمن و الأمين العام و هو ما قد يزيد من حدة المشكل.
في 23مارس ، وزعت أنغولا مسودة معدلة ادرجت فيها بعض التعديلات التي تقدمت بها مصر، لكنها حافظت على اللغة الأصلية مشددتا على أن " المجلس ينشر قوات حفظ سلام لتنفيذ المهام الحيوية ، و ذلك لحفظ السلام" و " لا يمكن أن تعمل البعثة إذا كانت الدول الأعضاء تطلب من جانب واحد سحب جميع المدنيين من البعثات التي أنشأها مجلس" . كما احتفظت المسودة أيضا بالفقرة التي تحث المغرب للسماح لموظفي البعثة بالعودة لممارسة عملهم و هو ما جعل الدول الأعضاء تستمر في الانقسام و عدم الخروج بموقف موحد .
يوم 23 مارس، سلم هيرفيه لادسو، رئيس قسم عمليات حفظ السلام، أعضاء المجلس رسالة يقول فيها بأن العنصر العسكري للبعثة لا يمكن أن يعمل دون الموظفين المدنيين ، و وصف الوضع بالغير المقبول.و في مناقشات لاحقة بشأن " مشروع بيان صحفي " ،، أعربت مصر وفرنسا والسنغال عن قلقهم من أن أي إصدار ل " بيان " قد يشعل التوترات. و في وقت لاحق من ذلك المساء، وزعت نيوزيلندا نسخة أقصر من" البيان الصحفي"، أعربت فيها عن قلقها العميق إزاء رحيل جزء كبير من موظفي البعثة المدنيين من منطقة العمليات للبعثة،( من دون الإشارة إلى الأسباب) و جاء في مشروع البيان أيضاً أن " استمرار الوضع قد تكون له تداعيات خطيرة على سير عمل البعثة ". وأشارت إلى أنه يتم نشر عمليات حفظ السلام وغيرها من البعثات من قبل مجلس الأمن للقيام بالمهام الحرجة في جميع أنحاء العالم للحفاظ على السلام والأمن الدوليين. وأخيرا، ذكرت أن " أعضاء المجلس حثوا جميع الأطراف لمعالجة بطريقة بناءة وتعاونية الظروف التي أدت إلى الوضع الحالي من أجل أن تتمكن البعثة من استئناف العمليات في أقرب وقت ممكن."
مشروع نص نيوزيلاندا حذف الفقرة التي فيها تأييده لبان، روس وبولدوك الدي دافعت عليه فنزويلا و عارضتها كل من مصر وفرنسا واليابان والسنغال.
المغرب يربح المعركة الأولى لكن تنتظره عدة جولات أشد شراسة !
اجتمع أعضاء المجلس مرة أخرى صباح يوم الخميس لمناقشة المشروع المقترح من نيوزيلندا مع إستمرار رفض مصر وفرنسا والسنغال لبعض محتوياته كما طالبت بتأجيل الجلسة ، أغلق أعضاء المجلس الإجتماع مع الموافقة على الاجتماع مرة أخرى في وقت لاحق من نفس اليوم من أجل إستكمال المشاورات و بتزامن مع هذه الأحداث
أدلى زير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار ببيان أكد فيه أن قرار المغرب "سيادي ولا رجعة فيه". وقال ان الاتصالات العسكرية مع البعثة لم تتعطل،و أن المغرب ملتزم بالتعاون لضمان استمرارية وقف إطلاق النار، وأنه مستعد لإجراء محادثات جدية ولكن دون تجاهل الأسباب التي أدت إلى الوضع الحالي. ولما اجتمع أعضاء المجلس بعد ظهر يوم الخميس، حاولوا الإتفاق لإيجاد أرضية مشتركة. وتلا ذلك مناقشات مطولة، قاومت فيها فرنسا بقوة صدور بيان، فيما واصل أعضاء آخرين الادعاء بأن المجلس أمام واجب أخلاقي وسياسي للرد على الوضع الذي يمكن أن يشكل سابقة خطيرة لحفظ السلام للأمم المتحدة. ( نفس موقف بان كي مون ) كما قالت هذه الدول أيضا بأن المجلس قد بقي صامتا لفترة طويلة بما فيه الكفاية، و المفاوضات الثنائية لم تأتي بنتيجة. و طرحت فكرة أو مسعى أخر ، ولكن في النهاية تم الاتفاق بين جميع الأعضاء أن بيان نيوزيلندا يمكن أن يكون نقطة الانطلاق للمفاوضات حول " عناصر الصحافة ". وبعد مشاورات استمرت ثلاث ساعات، صيغت عناصر الصحافة بشق الأنفس.
و جاءت " العناصر الصحافية " في صيغتها الأخيرة كما تلاها إسماعيل جاسبر مارتنز( رئيس مجلس الأمن لشهر مارس) في صالح المملكة المغربية ، بحيث لم يكن هناك أي دعوة للمغرب للتراجع عن قراره أو إلزامه بالامتثال و اكتفت بالتعبير عن "القلق إزاء هذا الوضع و بانها توصلت بموقف الأمانة العامة و على علم بمخاوف الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الأثر السلبي المحتمل لسحب أفراد من بعثة (مينورسو). " مع التأكيد على أهمية التعامل بأسلوب بناء وشامل ومتعاون مع الملابسات التي قادت إلى الوضع الحالي حتى تستأنف بعثة مينورسو العمل بكامل طاقتها لتنفيذ مهام " .و بالتالي فإن أي حل سيكون مرهونا بمناقشة مسبباته و كل الخروقات التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة و فريقه ، الأمر الذي سيستغله المغرب لممارسة المزيد من الضغط على بان كي مون ، لكن تبقى النقطة الإيجابية هي عدم صدور أي قرار إلزامي و الإكتفاء بإصدار " عناصر صحافية " " شفهية و غير ملزمة و غير مكتوبة و لا توثق بالأمم المتحدة
أش واقع ، جواد