الرباط ونواكشوط ومدريد تبحث كيفية تجاوز الاستفزازات
أصبح من المؤكد اليوم أن إغلاق معبر الكركرات الحدودي الدولي بين المغرب وموريتانيا، وشل حركة السير المدنية والتجارية فيه من قبل عناصر تابعة لجبهة البوليساريو منذ 20 يوما، ليس قرارا مرتبطا بسياقات مناقشة ملف الصحراء في الأمم المتحدة، وصدور قرار مجلس الأمن، واقتراب الذكرى الـ45 للمسيرة الخضراء؛ بل إنه تكتيك آيل للانهيار اعتمدته البوليساريو، بدعم من حاضنتها الجزائر، لتغيير الوضع القائم في منطقة الكركرات والمنطقة العازلة، وتحدي بعثة المينورسو، واستفزاز المغرب، وربما جره إلى المواجهة العسكرية للعودة إلى الواجهة الإعلامية والحقوقية الدولية. إذ إنه بعد صدور القرار الأممي ومرور ذكرى المسيرة الخضراء، لازالت الجبهة تمعن في إغلاق المعبر؛ بل أكثر من ذلك، أعلنت حالة استنفار استعدادا لكل السيناريوهات المحتملة، وفق مصادر إعلامية تابعة لها.
مأزق البوليساريو
إلى حدود ظهيرة أمس الاثنين، لازالت الجبهة تغلق المعبر، في الوقت الذي بدأت تسمح فيه لبعض المواطنين الموريتانيين في العودة إلى ديارهم، في خطوة وصفتها مصادر إعلامية قريبة من الجبهة بـ”الإنسانية”، لكن منتدى “فورساتين” أكد أن الخطوة تعبر عن فشل مخطط الجبهة بعدما جرّ عليها إغلاق المعبر غضب الموريتانيين. وتزامنا، كذلك، مع وصول شحنات غذائية مغربية بحرا إلى موريتانيا.
وعن المخرجات القانونية للمأزق الذي وضعت فيه البوليساريو نفسها والأمم المتحدة مع مواصلة إغلاق المعبر، قال نوفل البعمري، محامٍ مهتم بملف الصحراء، لـ”أخبار اليوم”، إن “المخرج اليوم من هذه الأزمة لا بد وأن يأخذ أبعادا متعددة؛ أولها أن تتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها في الحفاظ على السلم بالمنطقة، وضمان تطبيق اتفاق وقف إطلاق، خاصة الاتفاق العسكري الملحق به رقم 1، وهو الاتفاق الذي حدد نطاق المنطقة العسكرية وتفويت تدبيرها لبعثة المينورسو، من أجل ضمان الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، خاصة منه وقف الانتهاكات التي تحدث بالمعبر والمنطقة العازلة، لذلك، فالرهان اليوم هو رهان على الحل الدبلوماسي والسياسي للوضع في الكركرات، لأنه في حال فشلها في فرض احترام مضامين اتفاق وقف إطلاق النار، قد تتجه المنطقة كلها نحو التصعيد، علما أن أي مواجهة إن حدثت ستكون بين المغرب والدولة الجزائرية، وهو ما لا يمكن أن يتم السماح بحدوثه، نظرا لتداعيات أي اصطدام عسكري مباشر أو غير مباشر على أمن المنطقة ككل وسلامتها”.
وبخصوص السيناريوهات المحتملة أبرز قائلا: “يظل السيناريو الأكثر واقعية هو فسح المجال أمام الأمم المتحدة وبعثة المينورسو، من أجل القيام بمهامهما في حفظ السلم والأمن، وفي ضمان التطبيق الجيد لاتفاق وقف إطلاق النار، خاصة وقف أي تحركات بالمنطقة العازلة والمعبر”.
لكن المعطيات الآتية من الجارة الجنوبية موريتانيا والجارة الشمالية إسبانيا، تؤكد أن سياسة ضبط النفس التي ينهجها المغرب تؤتي أكلها، حيث إن مواصلة إغلاق المعبر الدولي يشكل استفزازا وتحديا لإسبانيا وموريتانيا بشكل خاص، ودول غرب إفريقيا عامة. فالمغرب ليس المتضرر الوحيد من إغلاق المعبر، بل حتى موريتانيا وإسبانيا. وتعيش الجارة الجنوبية على إيقاع نقص الخضر والفواكه في الأسواق. كما أن صادراتها من الأسماك إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية تضررت.
وعلى غرار الموريتانيين، وجد الإسبان، أيضا، أنفسهم في قلب أزمة إغلاق الكركرات، إذ إن أرباب السفن الإسبانية في المياه الموريتانية لم يعودوا ينقلون الأسماك برا عبر المغرب إلى مدريد. ومن أجل مواجهة هذا الطارئ، تواصلت الحكومة الإسبانية مع نظيرتها المغربية، من أجل البحث عن حل مؤقت لتجنب فساد الأسماك الموجهة إلى مدريد، وفي التفاتة مغربية، تم الترخيص للسفن الإسبانية لتفريغ أسماكها في ميناء الداخلة، لكن سرعان ما عاد التوجس إلى الإسبان بعد انتهاء المهلة التي رخص لهم بها المغرب أمس الاثنين.
ورقة “المعبر البحري”
يبدو أن التكتيك الجديد الذي تعتمده الجبهة من خلال إغلاق المعبر يعرف طريقه إلى الفشل، لاسيما بعد حديث مصادر متطابقة عن سماح العناصر التي تغلق المعبر للموريتانيين بالعودة إلى بلدهم، في محاولة لكسب تعاطف الرأي العام الموريتاني الذي عبر عن استيائه من استفزازات الجبهة، خاصة مع النقص الحاد للمواد الغذائية في الأسواق في الأيام الأخيرة؛ وهو الغضب الذي عبر عنه برلمانيون موريتانيون.
وتوجد البوليساريو في مأزق بعد الحديث عن وجود اتصالات بين الحكومة المغربية والموريتانية، من أجل إيجاد حل سريع لأزمة الغذاء في موريتانيا.
صحراء ميديا، موقع الأخبار الأول في موريتانيا ومنطقة الصحراء الكبرى، نقل عن وزارة التجارة الموريتانية أن “هناك خطة قيد التنفيذ” لمعالجة نقص الفواكه والخضروات.
مصادر خاصة قالت أيضا لـ«صحراء ميديا» إن “الوزارة بالتعاون مع بعض رجال الأعمال الموريتانيين والمغاربة، بدأت تستورد كميات كبيرة من الخضر والفواكه عبر سفن شحن غادرت الموانئ المغربية، كما غادرت سفن أخرى الموانئ الأوروبية محملة بالخضر والفواكه”.
الحديث عن وجود تنسيق مغربي موريتاني لفتح “معبر بحري” مؤقت، تزامن مع تأكيد وكالة الأنباء المستقلة الموريتانية “أنباء” وصول “شحنات من الخضر قادمة من المغرب والسنغال”، ما ساهم في تراجع أسعارها ولو جزئيا في السوق الموريتانية.
الغضب الموريتاني من البوليساريو عبرت عنه فاطمة بنت خطري، النائبة التي تتولى رئاسة الفريق البرلماني للصداقة الموريتانية المغربية، قائلة : “إن وضعية معبر الكركرات أصبحت تلقي بثقلها على الواقع الموريتاني. وهنا لا أريد الدخول في تفاصيل النزاع الحاصل بين الأشقاء، ولا أريد أن أخرج عن الموقف الرسمي لبلدي؛ وهو الحياد الإيجابي مما يدور، والسعي إلى إيجاد حل ينهي المشكل، إلا أني سأتطرق إلى الموضوع من حيث انعكاسه على الواقع اليومي على التاجر الموريتاني، الذي يجعل نقوده في بضاعة ليكسب منها ويجد نفسه أمام خسارة لأن بضاعته تم حبسها لتتلف”.
وتساءلت خطري في تدوينتها قائلة: “هل خسارة التاجر الموريتاني ستحل مشكل إخوتنا الصحراويين أم إن إخلاء السوق الموريتاني من الخضار والفواكه، الذي وللأسف لم نتمكن من تحقيق اكتفائنا منه، سيحل المشكل؟ أليست هناك طرق أخرى لدى الإخوة للضغط على المغرب وتجنيبنا كدولة التضرر، والذي لاشك سيفرض علينا أن نتصرف تصرفا ربما لا يخدم…”. وحذرت قيادة البوليساريو بقولها: “إلحاق الأذى بنا قوبل بصبر وكياسة، لكن إلى أي حد سنبقى صامتين؟”.
في نفس السياق، كانت نتائج إغلاق المعبر عكسية على البوليساريو، بعد أن استهدف الفعل الاستفزازي، الذي تمعنت فيه منذ 21 يوما، تضرر 8 سفن صيد إسبانية في المياه الموريتانية. وفي خطوة إنسانية في إطار الصداقة والتعاون مع إسبانية، سُمح لأرباب السفن الثمانية بتفريغ شحناتهم من الأسماك في ميناء الداخلة، وشحنها في الشاحنات صوب إسبانيا في انتظار تحرير الكركرات، لكن المهلة التي منحها المغرب قبل أيام للإسبان انتهت يوم أمس الاثنين.
مصادر مهنية أوضحت لصحيفة “إلباييس” أن تفريغ شحنات الأسماك الموجهة إلى إسبانيا بميناء الداخلة، تم عقب تنسيق بين الجهات المختصة في الحكومتين. خوسي أنطونيو غونثاليث، رئيس منظمة منتجي الصيد بخيوط الصنارة الطويلة، بيّن قائلا: “الكتابة العامة الإسبانية المكلفة بالصيد البحري، تقوم بكل ما بوسعها لمعالجة هذه القضية. لكن كل هذا مرتبط بالمغرب. يعطي الانطباع أنه يسعى إلى جني بعض الفوائد السياسية من الاتحاد الأوروبي. واضح أن كل هذا قضية سياسية. وإذا لم يكن الأمر كذلك، يصعب فهم الموقف الراديكالي للمغرب. فيما سيضر المغرب تفريغ السفن الثمانية في الداخلة؟”. وتابع أنه في حالة واصلت الجبهة إغلاق الكركرات ومنعهم من التفريغ في ميناء الداخلة، فإنهم سيوقفون الصيد في المياه الموريتانية، لأن مصاريف رحلة التفريغ في جزر الخالدات، والشحن صوب الجنوب الإسباني، كما تقترح الحكومة الإسبانية، مكلفة جدا. وتحتاج القوارب الإسبانية الإبحار ثلاثة أيام من موريتانيا إلى جزر الكناري، وثلاثة أيام أخرى للعودة إلى المياه الموريتانية، فيما ستكلف رحلة الذهب إلى الداخلة والإياب يومين فقط، علما أن الرحلة من الداخلة إلى طنجة ثم جزر الكناري أقل تكلفة ووقتا من الرحلة من الكناري إلى الجنوب الإسباني.