أوراق المغرب التي لعبها مع ألمانيا وإسبانيا لتغيير موقفهما من قضية الصحراء
ما الذي جعل برلين ومدريد تغيران موقفهما من قضية الصحراء؟ وما هي الأوراق التي لعبتها الرباط حتى تجعل عاصمتان مؤثرتان داخل الاتحاد الأوروبي تؤيدان الطرح المغربي؟ وما هو تأثير هذا الدعم على قضية الصحراء؟
المؤكد أن الرباط غيّرت قواعد ديبلوماسيتها اتجاه الدول التي بقي موقفها غامضا من قضية الصحراء، كما هو الحال مع ألمانيا وإسبانيا. بخصوص برلين وظفت الرباط ورقة المصالح الاقتصادية والأمنية لجعل ألمانيا تعيد رسم توازناتها الاستراتيجية في منطقة شمال إفريقيا بعدما كانت تميل بشكل مفرط للطرح الجزائري، وتعتبر قضية الصحراء ورقة مركونة في "خزانتها" يمكن إخراجها كلما دعت الضرورة، لذلك، من أجل رسم معالم مصالحها في المنطقة المغاربية.
بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ودعم مُقترح الحكم الذاتي، أصبحت الرباط أكثر ثقة في الدفاع عن مصالحها أمام الدول التي توجد في "المنطقة الضبابية"، وراهن المغرب على أوراق قوته ليحدد علاقته مع برلين، حيث سحب سفيرته وأوقف تعاونه الأمني والاستخباراتي مع الألمان، وجمّد كل الاستثمارات التي كانت مبرمجة في الطاقات المتجددة، وبدا زاهدا في أكثر من مليار و400 ألف دولار كانت تخصصها برلين لدعم المغرب في العديد من المجالات.
بعد كل هذه الخطوات التي فاجأت برلين، دخل المغرب في "سبات مقصود" اتجاه ألمانيا التي دعت أكثر من مرة لعودة العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية بين البلدين، غير أن الرباط كانت تحدد مصير أي "تطبيع" للعلاقات بموقف صريح لبرلين من قضية الصحراء، وهو ما كانت الاستخبارات الألمانية تضغط لتحقيقه كي تستعيد "الخطوط الساخنة" التي تربطها مع الاستخبارات المغربية في مكافحة "الإرهاب".
كانت الرباط تدرك جيدا أن استخباراتها تملك "كنزا" من المعلومات عن الجهاديين المنتشرين في أوروبا أو الخلايا النائمة التي كانت تستمد تحركاته من الحركات المتطرفة في كل من سوريا والعراق، لهذا، عمدت إلى قطع كل تعاون استخباراتي مع برلين من أجل إعادة تحديد العلاقة بين البلدين التي يجب أن تبنى على المصالح المشتركة الواضحة، بعيدا عن منطق "التلميذ والأستاذ" كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة.
بعد قطع كل قنوات التواصل الأمني والديبلوماسي، بقي الجمود على حاله إلى أن رحلت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ليخلفها أولاف شولتس، الذي أعاد ترتيب أولويات حكومته مع الرباط، وتوج ذلك، ببلاغ أكدت من خلاله حكومة ألمانيا الفيدرالية، أنها تشيد بمساهمة المغرب في إيجاد حل للنزاع عن طريق مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها في سنة 2007.
هكذا أخرج المغرب ألمانيا من منطقها "الأستاذي" لتعود لترتيب مصالحها ندا للند وعلى طاولة واحدة مع المملكة المغربية، وببراغماتية افتقدتها أنجيلا ميركل في شهورها الاخيرة.
بِنفس الإجراءات، وبنفس الأوراق، وإن بأدوات مختلفة، عملت الرباط على تقليم أظافر مدريد بعناية، حتى كتبت صحيفة "إلكونفيدونسيال" في أحد تقاريرها أن الملك محمد السادس هو من أصبح يَرسم السياسة الخارجية لمدريد!
وجدت الرباط في "الخطأ التاريخي" لقبول حكومة بيدرو سانشيز دخول زعيم جبهة البوليساريو إلى اسبانيا بجواز سفر جزائري مزور "فرصة ذهبية" لقلب صفحة ما يزيد عن نصف قرن من سياسة المد والجزر لمدريد في قضية الصحراء.
حددت الرباط مطالبها، وسحبت سفيرتها، وأغلقت حدودها، وضغطت اقتصاديا بتوقيف حركة الملاحة نحو الموانئ الإسبانية، وخفضت إلى الحد الأدنى تعاونها الأمني، وفتحت طرق العبور للمهاجرين لمن يرغب في اجتياز حدود سبتة ومليلية، وأعلنت أن إسبانيا "خانت حسن الجوار" وعليها أن توضح موقفها بشكل صريح، وهي غير مستعجلة في سماع قرار مدريد.
بدت الرباط جدّية أكثر من أي وقت، وظهر ذلك للإسبان الذين حاولت حكومتهم امتصاص غضب المملكة بإقالة وزيرة خارجيتها أرانتشا غونزاليس لايا، لإعادة جريان المياه تحت جسر العلاقات بين البلدين، غير أنّ الرباط كانت قد رفعت من سقف مطالبها أكثر من ذلك بكثير.
ناورت حكومة مدريد وضغطت إعلاميا وديبلوماسيا، لكن أوراقها كانت تتساقط مع قوة أوراق المغرب الذي كان يمسك بالملفات الأمنية، ومكافحة الإرهاب، وملف الهجرة السرية، حتى اقتصاديا بدأت تتضرر العديد من مناطق الأندلس الجنوبية لإسبانيا دخلت في حالة ركود اقتصادي بسبب إغلاق ميناءي طريفة والجزيرة الخضراء والنقص الحاد في السياح المغاربة الذي كانوا يزورون الجنوب الإسباني بما يقارب المليون سائح سنويا.
وهكذا، ظلت، ولشهور المفاوضات "سرية" بين الرباط ومدريد حول سبل حل الخلافات بينهما إلى أن نضجت القرارات التي حملها بيدرو سانشيز إلى ثلاث جهات كانت ضرورية ليجعل من قرار دعم إسبانيا لخطة الحكم الذاتي في الصحراء قرار دولة، وليس قرار حكومة سياسية قد تواجه معارضة الدولة العميقة والأحزاب المعارضة.
لهذا، عاد سانشيز إلى الأجهزة الأمنية التي تتكفل بحماية الأمن القومي للبلاد من التهديدات الإرهابية والجريمة العابرة للقارات ومن مشاكل الهجرة السرية التي تتدفق على سواحل الإسبان، حيث وجد كل الدعم من طرفها لإنهاء الأزمة مع المغرب بما لها من ارتباطات تعاون وثيق في كل هذه الملفات خصوصا الاستخباراتية منها، ثم عاد إلى الجيش الذي وإن كان العديد من قادته ما زالوا يحنون إلى عهد "مملكة إيزابيلا" إلاّ أن الكثير منهم يؤمن بالواقعية في تدبير الجوار الصعب مع المغرب.
بعدها، حمل بيدرو سانشير قراره إلى قصر آرانخويث الملكي، حيث مقر الملك فيليبي السادس صمام أمان الحكم في مملكة إسبانيا، الذي عرض عليه قرار دعم المغرب في قضية الصحراء، ليجد كل الدعم من الملك فيلبي، قبل أن يقرر خط رسالته إلى الملك محمد السادس، معلنا قرار بلاده بالقطيعة مع نصف قرن من الترنح ولعبة الشطرنج السياسي مع المملكة الجنوبية لأوروبا.
هذا القرارا وجد معارضة "شرسة" من أحزاب اليمين المتطرف التي عارضت قرار مدريد في دعم الحكم الذاتي في الصحراء، قبل أن يحل وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، خوسي مانويل ألباريس، بمجلس الشيوخ الإسباني ليقول لهم الجملة المفيدة التي كانت مفتاح قرار مدريد: "نحن نحتاج إلى المغرب، وهو مهم بالنسبة لنا في تدبير تدفقات الهجرة، والأمن ومكافحة الإرهاب”.
انتهى كلام وزير الخارجية الإسباني، لكن جملة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مازالت ترن على أسماع الألمان والإسبان: مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس.
ما الذي جعل برلين ومدريد تغيران موقفهما من قضية الصحراء؟ وما هي الأوراق التي لعبتها الرباط حتى تجعل عاصمتان مؤثرتان داخل الاتحاد الأوروبي تؤيدان الطرح المغربي؟ وما هو تأثير هذا الدعم على قضية الصحراء؟ المؤكد أن الرباط غيّرت قواعد ديبلوماسيتها اتجاه الدول التي بقي موقفها غامضا من قضية الصحراء،...
www.assahifa.com