انحطاط سياسي أمريكي غير مسبوق: لماذا نحج "ترامب" حتى الآن؟
كتب المحلل الإسرائيلي، آري شبيطـ في صحيفة "هآرتس" أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية، دونالد ترامب، قد صنع تاريخا حتى ولو لم يصبح رئيسا.
وقال إن "النجاح ضد كل الاحتمالات وضد كل التوقعات للملياردير من بالم بيتش، غيَر وجه الولايات المتحدة، وبشكل أدق، أثبت أن وجه الولايات المتحدة قد تغيَر".
ورأى أنه بعد الانتصارات اللافتة التي حققها في نيوهامفشر وجنوب كارولاينا ونيفادا، من الواضح للجميع أن أمريكا لم تعد تلك التي عرفناها. فهي ليست أمة لمؤسسة اقتصادية عقلانية وطبقة متوسطة شبعانة وجهاز سياسي مستقر. لم تعد أمة تثق بنفسها وبهويتها وبمستقبلها. إنها أمريكا الخائفة والغاضبة، أمريكا التي فقدت طريقها، كما كتب.
بالنسبة لإسرائيلي يقضي وقتا طويلا في النقاشات حول إسرائيل بين بوسطن وسان فرانسيسكو، فإن ترامب هو نوع من التخفيف، وفقا لما قاله، وتبدو السياسة الإسرائيلية أمام تحريضه ضد المسلمين أقل إحراجا. كيف يمكن التحفظ مما يحدث في القدس في حين أن الشخص الذاهب إلى واشنطن يحطم كل مبدأ أساسي للديمقراطية الأمريكية؟
ورأى أن "ترامب" سبب للقلق العميق، إذ إن هذه الانتخابات يجري فيها ما لم يحدث في أي انتخابات سبقتها خلال المائة سنة الأخيرة، لكن ما سبب نجاحه؟
السبب الأول، كما كتب المحلل في صحيفة "هآرتس"، هو الخوف على الهوية، فالديمغرافية الأمريكية تتغير بسرعة. أمريكا المسيحية البيضاء تحولت إلى أقلية. خلال عمليتين انتخابيتين انتصر فيهما براك اوباما، احتفلت السياسة الأمريكية بالتغيير وحملته على أكتافها. والآن جاء الرد. شيء ظلامي وسيء يخرج من داخل أجزاء من السكان البيض والمحافظين الذين يشعرون بأنهم يفقدون السيطرة العليا على البلاد التي أسَسوها.
السبب الثاني لنجاح "ترامب"، وفقا للكاتب، هو الخوف الاقتصادي. في الثلاثين سنة الأخيرة، أصبحت الرأسمالية الأمريكية تدوس بشكل غير مسبوق منذ نهاية القرن التاسع عشر. تركز الأموال مخيف والفجوات الاجتماعية كبيرة وتآكل الطبقة الوسطى يؤدي إلى تحطيم الحلم الأمريكي إلى شظايا. في ظل غياب الثقة في أن المستقبل سيكون أفضل من السابق، فقد تزعزع الاستقرار والتفاؤل الأمريكي.
السبب الثالث لنجاح "ترامب" هو الخوف من الغرق. جميع المصوتين في الانتخابات التي ستجري في نوفمبر القادم هم أبناء القرن الأمريكي الذين تربوا داخل عالم سيطرت الولايات المتحدة عليه بهذه الطريقة أو تلك. لكن في 15 سنة الأخيرة يرى هؤلاء المصوتون كيف تفقد الولايات المتحدة مكانتها الرائدة في العالم. فصعود الصين والتحرش الروسي ويأس الشرق الأوسط تثبت للجميع أن واشنطن لم تعد تسيطر على العالم كما في السابق. وهكذا تنشأ الرغبة من أجل إعادة السيطرة، كما يرى الكاتب.
هذه المخاوف الثلاثة التقت معا في السنوات الأخيرة وتحولت إلى تهديد صامت، حيث كان الاقتصاد يبدو على السطح وكأنه ينتعش، والعالم مستقر بهذا الشكل أو بآخر والحياة معقولة بهذا القدر أو ذاك، لكن في الأعماق سيطر الخوف والتهديد على الأمريكيين. في ظل غياب الأمن في العمل، وفي ظل غياب الأمن العام، وفي ظل غياب الثقة بالمستقبل، تعاظم الخوف والتهديد.
وقد جاء دونالد ترامب وبارني ساندرس وأخرجا كل ذلك إلى السطح. وإذا هُزم "ترامب" في نهاية المطاف، فإنه قد ترك بصماته. فهو لم يأخذ السياسة الأمريكية إلى انحطاط غير مسبوق، وفقط، بل هو يهدد كل ما كانت تمثله أمريكا وكل ما يجب أن تكون عليه.