وسط الأوضاع التي يشهدها الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، تتزايد كل يوم الأسئلة المحيرة التي يبدو أن الحصول على إجابات شافية لها بات أمرا بالغ الصعوبة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن: هل نحن بالفعل على أعتاب سايكس بيكو جديدة؟ هل العالم العربي على أعتاب التقسيم إلى دويلات صغيرة قائمة على أساس ديني وعرقي وطائفي؟
يقول التاريخ أن اسم المعاهدة يعود إلى طرفي المفاوضات في ذلك الوقت: ممثل فرنسا جورج بيكو وممثل بريطانيا مارك سايكس. تلك المعاهدة التي استهدفت تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات خاضعة لسيطرة الدول الكبرى. وقد حدث قبل حوالي مائة عام أن تبنى الشريف حسين مشروعا لخلافة اسلامية، ودعمت الدول الاستعمارية الكبرى هذا المشروع بغية الانتقام من الدولة العثمانية تأديبا لها من ناحية لانضمامها إلى دول المحور في الحرب العالمية الأولى، ومن ناحية ثانية، تحقيق أطماع استعمارية في الدول التي كانت تحت السيطرة العثمانية. لكن لم تنفذ تلك الدول وعودها للشريف حسين، وتخلت عنه، ليتضح بعد ذلك أنها استخدمته كغطاء لخطتها في السيطرة على المنطقة. والآن تكرر الولايات المتحدة نفس المخطط مع تصعيد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إضافة إلى الميليشيات المسلحة الأخرى، ودعمها بكل السبل حتى تتمكن — من خلال حرب الوكالة — من تدمير الكيانات السياسة الكبيرة في المنطقة، عبر عملية تسييل الحدود وإعادة ترسيمها على أساس عرقي وديني وطائفي، وزرع الفتنة بين هذه الكيانات الصغيرة حتى تأكل نفسها وما حولها وتترك الساحة للدول الكبرى للعبث بالمنطقة وثرواتها كيفما تشاء، إضافة إلى تحقيق نظرية الأمن الاسرائيلية، وتحقيق حلم اسرائيل الكبرى. وقد كشف الصحفي البريطاني روبرت فيسك عن موت الشرق الأوسط القديم بخريطته الحالية، وأن ما حدث في العراق وسوريا على يد المقاتلين الإسلاميين يعد بمثابة تمهيد لانهيار معاهدة سايكس بيكو التي سادت الحدود التي رسمتها منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، أدلى مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجينسكي بتصريحات مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة إلى تصحيح حدود معاهدة سايكس بيكو من خلال اشعال الحرب في الخليج، تلت هذه التصريحات تكليف برنارد لويس برسم الخريطة الجديدة، وقد خرجت خرائط برنارد لويس للنور عام 1992. وتستهدف الولايات المتحدة الأمريكية من وراء هذه الخرائط أن تظل هي المهيمن الأعظم على ثروات المنطقة دون غيرها، وأن يكون القرار السياسي لها وحدها، وأن تنتزع فكرة الاستقلال الوطني انتزاعا من دول المنطقة، من خلال تفريغ أي حركة تحررية من مضمونها وقتلها في مهدها. كما تؤكد خطة الإسرائيلي أودد يينون — التي نشرت في مجلة كيفونيم في فبراير عام 1982، و نشرها اتحاد خريجي الجامعة العربية — الأمريكية، بلمونت، ماساشوسيتس — أن مصلحة اسرائيل تقتضي أعادة انتاج النموذج اللبناني في العالم العربي كله، أي خلق كيانات في كافة الدول العربية تقوم على أساس عرقي، طائفي، ديني. وقد بدأ تنفيذ هذه الخطة بالفعل مع احتلال الولايات المتحدة للعراق بعد إعلان الرئيس الأمريكي بوش الإبن عن مشروع الشرق الأوسط الجديد. ويستهدف مشروع يينون إلى تحقيق حلم اسرائيل الكبرى من النيل للفرات من خلال تكوين جماعات مسلحة تدين بالولاء لدولة اسرائيل، تتولى هذه الجماعات تنفيذ المخطط الاسرائيلي بالوكالة.
المقالة تعبر عن رأي كاتبها.