معركــة الدونـونيـة .. من الملاحم الخالدة في تاريخ المغرب و الأندلس

Ibn zyad

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
24 فبراير 2008
المشاركات
2,505
التفاعل
12,474 83 0
الدولة
Morocco

انقضت الممالك الإسبانية على الأندلس بعد معركة العقاب تنهش مدنها و حصونها الواحدة تلو الأخرى وثارت الأحقاد العنصرية بين المسلمين مرة أخرى ،فقر قرار ساكنة الأندلس على طرد الموحدين و محاربتهم، فانتهزت الممالك الإسبانية الفرصة وراحت تصب الزيت على نار الصراع المشتعل بين هؤلاء وأولئك، وقد قاد محمد بن يوسف بن هود حربا لاهوادة فيها ضد الموحدين ثم كان أن نازعه في زعامة الأندلسبعد أفول نجم الموحدين بها محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الاحمر ، وتقرب الزعيمان الجديدان للأندلس من الإسبان كل منهما يطلب الحظوة لديهم ويستنصرهم على إخوانه فتهاوت مدن الأندلس نتيجة لخلافهما وسوء صنيعهما، و سقطت قرطبة عام 1236 و إشبيلية عام 1248 و عدد كبير من الحصون، وانكمشت رقعة الأندلس المسلمة فانحاز المسلمون إلى الجنوب واتخدوا من غرناطة عاصمة لدولتهم وبها بنى ابن الاحمر ،وقبل وفاته أحس بالخطر المحدق بدولته ورأى أنه لا قبل له ولا لبنيه بمدافعة الإسبان، و في تلك الأثناء كانت الدولة المرينية تخلف الدولة الموحدية في حكم المغرب الأقصى وتسعى لتوسيع دائرة نفوذها شرقا و جنوبا، فقر قرار الشيخ على الاستنجاد بها وعهد إلى ولده المعروف بالفقيه بأن يدرأ الخطر الإسباني بسيوف بني مرين، فقدرُ الأندلس أن تثوب إلى الدعة و الطمأنينة و الاستقرار بنضال المغاربة و كفاحهم منذ طارق بن زياد.


الطريق إلى " الدونونية "


في سنة 671 ه بدأ ألفونسو العاشر ملك قشتالة بإعداد العدة لإجلاء المسلمين عن الأندلس ،ورغم المعاهدات التي كانت تجمعه بابن الأحمر الذي كان يحكم غرناطة باسمه، فقد بادر إلى نقض عهده ورأى أن الفرصة مواتية لتحقيق ما عجز عنه أجداده من قبله، وقد فوض أمر الحروب وخوض غمار المعارك للقائد دون نونيو دي لارا الذي لم تهزم له راية في حياته قط ، فأسقط في يد ابن الأحمر الذي أيقن حينها أن زمان المهادنة قد ولى و أن بقاء ملكه رهين بما سيتمخض عنه سعيه في تنفيذ وصية والده ، الذي أوصاه قبل وفاته بالاستنجاد ببني مرين،كانت ذكرى الزلاقة ماثلة أمام ناظري ابن الأحمر و كان مصير ابن عباد في منفى أغمات يلح على خياله فيكاد يصرفه عن المضي قدما في التحالف مع المرينيين، غير أن طبول الحرب التي يدقها دون نونيو على مشارف غرناظة تحثه على الإسراع في استقدام المنصور المريني الذي طبقت شهرته الآفاق، فأوفد إليه وجوه دولته وكبراءها، فوجدوه منصرفا من فتح سجلماسة آخر المعاقل المغربية التي كانت خارج سلطانه ،و لم يكن أمر البث في قضية التحالف مع بني الأحمر ضد عدوهم”دون دونيو” سهلا هينا ، لمجموعة من الاعتبارات ، فالمنصور المريني يواجه خطر الغارات التي يقودها يغمراسن صاحب تلمسان من جهة الشرق بين الفينة و الأخرى ثم إن الصف الإسلامي نفسه بالأندلس لم يكن موحدا فابن الأحمر كان في صراع دائم مع ابن شقيلولة صاحب مالقة، ولا يلبث هذا بالنظر إلى الخلاف المستحكم بينه وبين ابن الأحمر أن يكون يدا واحدة مع دون نونيو على المسلمين إذا جاز المنصور وجيشه لنصرة الأندلس، غير أن كل هذه الاعتبارات ستتهاوى أمام رغبة يعقوب المنصور المريني في العبور إلى الأندلس وتخليصها من أيادي العابثين فذاك كان حلمه قبل أن يصبح ملكا للمغرب وقد تأجل الحلم إلى حين بسبب الاضطرابات التي عاشها المغرب قبيل توطيد أركان الدولة المرينية.


وحين توافدت عليه الرسل تحثه على العبور إلى الأندلس عاوده الحلم القديم ، وقد أبان عن عبقرية فذة في تجاوز المصاعب التي وقفت في طريق تحقيقه لتلك الأمنية العزيزة ،إذ راسل يغمارسن بن عبد الواد وعقد معه الصلح ليتفرغ للأندلس ، فأجابه يغمراسن إلى الصلح ،وراسل أبا القاسم العزفي صاحب سبتة ليسهل عبوره نحو الجزيرة الخضراء فأعد له المراكب وأعانه في تجهيز الجيش ، وبعد أن أمن المنصور الجبهة الشرقية أمر ولده أبا زيان على خمسة آلاف مقاتل من أنجاد بني مرين ووجهه لنصرة الأندلس .


فتوالت انتصاراته بها وحقق المنصور أهدافه من مناورات أبي زيان ، فقد ألف قلوب أهل الأندلس بعد تنافرها واختبر صدق استعدادهم للمواجهة، واستدرج عدوه نحو المعركة الفاصلة التي سيتقرر بها مصير التواجد الإسلامي ببلاد الاندلس.


معركة الدونونية


بعد أن توالت أنباء انتصارات أبي زيان على المنصور قرر اللحاق به، ولما كان يوم الخميس الموافق للحادي والعشرين من شهر صفر من سنة 674هـ / 1276 م ،يمم المنصور شطر الأندلس وحرص على الاجتماع بابن الأحمر وابن شقيلولة لعقد الصلح بينهما قبل خوض أي معركة مع العدو فتم الصلح على يديه ، وسرت الحماسة في الجند من أثر ذلك ، ولم يضيع المنصور الوقت فقد بادر إلى المسير من فوره نحو ثغور خصومه وأغار على القرى التي اعترضت طريقه إلى أن بلغ حصن المقورة بين قرطبة وإشبيلية فبلغ صنيعه مسامع دون نونيو دي لارا فحشد له جيشا عظيما واستعد لحربه ، وقد وصل عدد جنود الجيش القشتالي إلى ثلاثين ألف فارس وستين ألف راجل ولم يتجاوز عدد الجيوش الإسلامية مجتمعة عشرة آلاف مقاتل ،غير أن المنصور الذي عرف ببراعته في الخطابة استعاض عن نقص العدد برفع معنويات جنده فقام فيهم خطيبا، وكان مما قال قبيل المعركة ” أنتم أنصار الدين الذين ذبوا عن حماه والمقاتلون عداه ، وهذا يوم عظيم ومشهد جسيم له ما بعده ، ألا وإن الجنة قد فتحت لكم أبوابها… فبادروا إليها وجدوا في طلابها ….” يقول صاحب الذخيرة السنية ” فلما سمعوا منه هذه المقالة ، تاقت أنفسهم للشهادة ، وعانق بعضهم بعضا للوداع ، والدموع تنسكب والقلوب لها وجيب وانصداع ،وكلهم قد طابت نفسه بالموت” ، وعلى مقربة من قرطبة يوم 15 ربيع الأول من سنة 674ه التقى الجمعان ،وما هي إلا غدوة وروحة حتى مزق المنصور جمع خصومه ،وفي ذلك يقول ابن أبي زرع الفاسي” ولم يكن إلا كلمح البصر حتى لم يبق السيف من الروم من يرجع لقومه بالخبر، ولم تبق منهم الرماح باقية ولم تق الدروع والمجن عنهم واقية”.


خسـر القشتاليون 18 ألف جندي، ووقع منهم في الأسر سبعة آلاف وثمانمائة، وكان دون نونيو نفسه من بين قتلى هذه المعركة فكانت خسارة قومه فيه عظيمة.


وقد غنم المسلمون في هذه المعركة ما يزيد على مائة ألف رأس من البقر وقرابة أربعة عشر ألف رأس من الأحصنة و البغال والحمير وعددا لا يحصى من الغنم حتى قيل أن الشاة بيعت بالجزيرة الخضراء بدرهم بالإضافة إلى الدروع والسيوف والتروس .


وقد أمر المنصور بقطع رؤوس القتلى وتجميعها فكانت كما نقل المؤرخون كالجبل العظيم ، وصعد عليها المؤذنون ، وأذنوا للصلاة من فوقها ، وقطع المنصور رأس دون نونيو وأرسله هدية لابن الأحمر لئلا يبقى في قلبه موضع لهيبة القشتاليين .



خيانة بني الأحمر



حين تلقى ابن الاحمر هدية المنصور ضمخ رأس دون نونيو بالطيب وأرسله سرا إلى الملك ألفونسو ليتودد إليه ويعتذر عن صنيع المرينيين، وكان المنصور قد عزم على استئصال شأفة النصارى الصليبيين من الأندلس ، فأثار ذلك مخاوف ابن الاحمر ويغمراسن خاصة وأن المنصور لم يقنع بنصر “الدونونية” بل أتبعه بغارات لا تنقطع على إشبيلية وشنترين فقد عاد المنصور -عقب غزوة الدونونية ، وقاد جيشه إلى أحواز إشبيلية، وحاصرها حصارًا شديدًا، قتل فيه وسبى، وضيق على إشبيلية تضييقًا شديدًا، ثم رحل بجيشه عنها محملاً بالغنائم إلى شريش، وحاصرها هي الأخرى فترة، ثم فضَّ الحصار وعاد إلى الجزيرة..وكلف حاميته العسكرية هناك بإرهاق أعدائه ومتابعة الهجوم عليهم في كل وقت وحين، فخشي ابن الاحمر سوء العاقبة و بادر بإرسال وفد إلى ملك النصارى يسأله أن يكون معه يدا واحدة على المنصور ، ثم بعث إلى يغمراسن يستحثه على الانقضاض على المغرب الأقصى لاستنزاف المرينيين ، ولأن التحالف لا يتم أبدا بين قوي وضعيف فقد أصر “سانشو” صاحب إشبيلية أن يُعرف ابن الاحمر بقدره فكتب إليه ” إنما أنتم عبيد آبائي فلستم معي في مقام السلم والحرب ، وهذا أمير المسلمين على الحقيقة ( يعني المنصور المريني ) ولست أطيق مقاومته ولا دفاعه عن نفسي فكيف عنكم” ..


لـم تكــن الدونونية آخـر جــواز للمنصور الى الاندلس فبعد ثلاث سنوات من هذه الموقعة في سنة (677هـ= 1279م) تنتقض إشبيلية، فيذهب إليها من جديد المنصور المريني -رحمه الله، ومن جديد وبعد حصار فترة من الزمن يصالحه حكامها القشتاليون على الجزية، ثم يتجه بعد ذلك إلى قرطبة ويحاصرها، فترضخ له أيضًا على الجزية .. حاصر المسلمون إشبيلية، واستنزفوها قدر الإمكان، وكان فيها ألفونسو العاشر، وأرسل المنصور السرايا إلى مختلف النواحي لتؤدي العمل نفسه، واقتحمت سراياه عدة حصون، ثم عاد السلطان بالغنائم والسبي إلى الجزيرة، وأراح في الجزيرة بعض الوقت، ثم خرج إلى شريش فاشتد في التضييق عليها، وأرسل ولده إلى إشبيلية، فاكتسح ما استطاع من حصونها، ثم عاد إلى أبيه وعادا معًا بالجيوش وبالغنائم إلى الجزيرة، ثم دعا ابن الأحمر للغزو، فاستجاب له، وخرجا سويًّا إلى قرطبة، فضيقوا عليها قدر الإمكان، وخربوا ما استطاعوا من حصونها، وأرسلوا السرايا إلى المدن الأخرى للتضييق عليها كأرجونة وبركونة وجيان، وملك قشتالة لا يجرؤ على الخروج لهم، ثم إنه لم يجد أمامه بدًّا من مسالمتهم، وبالفعل أرسل إلى أمير المسلمين يطلب المسالمة والصلح، فترك أمير المسلمين القرار في ذلك لابن الأحمر إعلاءً لشأنه، فوافق ابن الأحمر بعد استئذان أمير المسلمين في ذلك، وعاد أمير المسلمين مع ابن الأحمر إلى غرناطة، وترك له غنائم هذه الغزوة، ثم عاد أمير المسلمين للجزيرة ..


استمـر أهل الأندلس في الاستنجاد بالمرينيين في المغرب و سيكون لحكامه بعد المنصور دور كبير في قتال الاسبان بالاندلس في عهد ابي ثابت عامر و ابي الربيع سليمان المريني ، كما سيجوز اليها السلطان أبو الحســن علي.. و سيكون مرة اخرى للمغاربة الفضل بعد الله في إطالـة عمر الاسلام في الأندلس و حفظ ما تبقى من حواضرها لقرنين إضافيين ، رغـم خيانات حكام بني الأحمر و تقاعسهم في الذود عن بلادهم ..
--------------------------------------------

 
موضوع رائع أخي استمتعت به كثيرا..
 
للأسف لازال تاريخ المغرب الأقصى وأمجاده مجهولة لدى الكثيرين من أبناءه قبل أهل المشرق

الكل يعرف مثلا دولة المماليك من خلال ما كتب عنها أو من خلال التعريف بها عن طريق السينما حتى أصبح الظاهر بيبرس الذي كان يصد المغول أشهر من نار على علم (معركة عين جالوت مثلا عام 1253)على عكس المنصور المريني الذي لو سألت عنه مغاربة لما عرفوا عنه شيئا رغم كون الشخصيتين التاريخيتين عاشتا في نفس الفترة الزمنية تقريبا ولهما من البطولات الشيء الكثير فأحدهما كان يشكل حائط صد أمام تقدم المغول والآخر استبسل في الدفاع عن الأندلس.. وهنا يبرز دور السينما التي تفوقت فيها مصر واستغلتها للتعريف بتاريخها حتى غدا القاصي والداني يعرفه.. وفشلنا نحن في ذلك !

بالنسبة للوضع في الأندلس وأمراءها فتميز هؤلاء بعدم تعاونهم واخلاصهم مع المرابطين والموحدين ثم المرينيين ما تسبب في النهاية بضياع الأندلس وتحول الروم (نسبة لورثة الحضارة الرومانية) من الدفاع نحو الهجوم واحتلال الثغور والمدن في شمال افريقيا.. رغم أن تدخل امبراطوريات المغرب الأقصى في الأندلس غالبا لم يكن رغبة في توسيع رقعة الدولة وإنما نتيجة للأوضاع السياسية المتردية ولصد الحملات المتكررة لطرد المسلمين من الأندلس.. بل وعلى العكس تدخل المرينيين في الأندلس مثلا كان في عز الحرب بين المرينيين ويغمراسن في الشرق (تلمسان).. وكانت الدولة لازالت فتية وفي طور البناء لم تصل بعد إلى مرحلة القوة والازدهار.. وتواجه العديد من الثورات إضافة إلى إلى محاربة ما تبقى من الموحدين

كان ليعقوب المنصور أربع جوازات إلى الأندلس أولها كان سنة 1275 على اثر طلب ابن الأحمر لانجاده فكان شرطه هو تسليمه بعض الحصون في الجنوب لتكون قاعدة خلفية له ومركزا للتجمع فكانت معارك كثيرة انتهت بقطع رأس الدون نينيو..

وحين انشغل المرينيون بالقتال في المغرب الأقصى لتوسيع نفوذ دولتهم (منطقة سوس) تهيأ القشتاليون و أعدوا جيشا بحريا لحصار الجزيرة الخضراء فكان الجواز الثاني سنة 1277 فتم تحطيم أساطيلهم ودحرهم عن بكرة أبيهم وتم أخذ العديد من الحصون وغنائم كثيرة ثم توجه أبا يوسف يعقوب المنصور المريني لحصار قرطبة التي كانت موردا اقتصاديا هاما للصليبيين وهم بتخريب نواحيها فلجأ هؤلاء إلى طلب الصلح وانتهى الأمر بعقد هدنة مع ألفنصو العاشر.. فكانت خيانات من بني الأحمر تحت الضغظ تنازلوا على الكثير من الحصون لأنفلصو ومنحوه ثلث مداخيل مملكتهم كما استعانو بيغمراسن على المرينيين فكانت معارك طاحنة في تازة انهزم فيها يغمراسن وتعقبه أبو يوسف الى تلمسان حاصره فيها وكانت معارك شديدة لينهي الحصار في النهاية بعدما لم يتمكن من دخولها..

ثم كان هناك جواز ثالث ورابع سنتي 1282 و 1285 لحرب دون سانشو وابن الأحمر.
 
التعديل الأخير:
للأسف لازال تاريخ المغرب الأقصى وأمجاده مجهولة لدى الكثيرين من أبناءه قبل أهل المشرق

الكل يعرف مثلا دولة المماليك من خلال ما كتب عنها أو من خلال التعريف بها عن طريق السينما حتى أصبح الظاهر بيبرس الذي كان يصد المغول أشهر من نار على علم (معركة عين جالوت مثلا عام 1253)على عكس المنصور المريني الذي لو سألت عنه مغاربة لما عرفوا عنه شيئا رغم كون الشخصيتين التاريخيتين عاشتا في نفس الفترة الزمنية تقريبا ولهما من البطولات الشيء الكثير فأحدهما كان يشكل حائط صد أمام تقدم المغول والآخر استبسل في الدفاع عن الأندلس.. وهنا يبرز دور السينما التي تفوقت فيها مصر واستغلتها للتعريف بتاريخها حتى غدا القاصي والداني يعرفه.. وفشلنا نحن في ذلك !

بالنسبة للوضع في الأندلس وأمراءها فتميز هؤلاء بعدم تعاونهم واخلاصهم مع المرابطين والموحدين ثم المرينيين ما تسبب في النهاية بضياع الأندلس وتحول الروم (نسبة لورثة الحضارة الرومانية) من الدفاع نحو الهجوم واحتلال الثغور والمدن في شمال افريقيا.. رغم أن تدخل امبراطوريات المغرب الأقصى في الأندلس غالبا لم يكن رغبة في توسيع رقعة الدولة وإنما نتيجة للأوضاع السياسية المتردية ولصد الحملات المتكررة لطرد المسلمين للأندلس.. بل وعلى العكس تدخل المرينيين في الأندلس مثلا كان في عز الحرب بين المرينيين ويغمراسن في الشرق (تلمسان).. وكانت الدولة لازالت فتية وفي طور البناء لم تصل بعد إلى مرحلة القوة والازدهار.. وتواجه العديد من الثورات إضافة إلى إلى محاربة ما تبقى من الموحيدن

كان ليعقوب المنصور أربع جوازات إلى الأندلس أولها كان سنة 1275 على اثر طلب ابن الأحمر لانجاده فكان شرطه هو تسليمه بعض الحصون في الجنوب لتكون قاعدة خلفية له ومركزا للتجمع فكانت معارك كثيرة انتهت بقطع رأس الدون نينيو..

وحين انشغل المرينيون بالقتال في المغرب الأقصى لتوسيع نفوذ دولتهم (منطقة سوس) تهيأ القشتاليون و أعدوا جيشا بحريا لحصار الجزيرة الخضراء فكان الجواز الثاني سنة 1277 فتم تحطيم أساطيلهم ودحرهم عن بكرة أبيهم وتم أخذ العديد من الحصون وغنائم كثيرة ثم توجه أبا يوسف يعقوب المنصور المريني لحصار قرطبة التي كانت موردا اقتصاديا هاما للصليبيين وهم بتخريب نواحيها فلجأ هؤلاء إلى طلب الصلح وانتهى الأمر بعقد هدنة مع ألفنصو العاشر.. فكانت خيانات من بني الأحمر تحت الضغظ تنازلوا على الكثير من الحصون لأنفلصو ومنحوه ثلث مداخيل مملكتهم كما استعانو بيغمراسن على المرينيين فكانت معارك طاحنة في تازة انهزم فيها يغمراسن وتعقبه أبو يوسف الى تلمسان حاصره فيها وكانت معارك شديدة لينهي الحصار في النهاية بعدما لم يتمكن من دخولها..

ثم كان هناك جواز ثالث ورابع سنتي 1982 و 1885 لحرب دون سانشو وابن الأحمر.

بــارك الله فيك أخي أطلس .. تاريخ الدولة المرينية مليء بالأمجاد التي لا يسعها موضوع واحـد لإيفاءها حقــها .. لا تنس ايضا تسليم بني الأحمر لميناء طريف للاسبان لمنع المرينيين من الجواز و إعانتهم للتمرد في سبتة و كـل هذا لأنهم لم يصدقوا نيتهم للدفاع عما تبقى من الأندلس و خافوا على كراسيهم فكانـوا يفضلون اعطاء الجزية للنصارى و الخنوع لهم على التوحد مع المرينيين لمحاربة الخطر الأكبر و المشترك .. أما يغمراسن صاحب تلمسان فكان دوره هو الطعن في الظهر و استغلال انشغال المرينيين بالجهاد او اخماد الثورات لضرب الشرق المغربي .. الشيئ الذي لم يفعله بهم يعقوب المنصور فعله ابو الحسن علي المريني حينما دخل تلمسان و امتد حكمه الى غاية تونس شرقا و لا يزال جامع المنصورة و المدرسة الخلدونية في تلمسان شاهدة على هذا ، كما لا تزال مآثر المرينيين من حمامات و حصون قائمة في جبل طارق و الجزيرة الخضراء و مدينة رندة التي كانت من أبرز مدنهم في الأندلس .. دولـة اهتمت بالعلم و أنشأت المدارس الجامعة في المدن الكبرى و المارستانات ففي عهدها نشأ علماء و أدباء كبار كعالم الرياضيات أبي البناء المراكشي ( له فوهة باسمه على القمر) و ابن بطوطة و لسان الدين بن الخطيب و ابي البقاء الرندي نسبة الى مدينة رندة و الذي استنجد بالمرينيين في قصيدته المشهورة :

لِـكُلِّ شَـيءٍ إِذا مـا تَمّ نُقصانُ *** فَـلا يُـغَرَّ بِـطيبِ العَيشِ إِنسانُ

هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَـن سَـرّهُ زَمَـن سـاءَتهُ أَزمانُ

المغرب اكثر الدول إهمالا لتاريخها الغني للأسف .. لو انتجنا افلاما عن أمجاده و عظماءه ما انتهينا ، و كما تفضلت في بداية حديثـك فمعظم المغاربة يجهلون ماضيـهم بسبب الإهمال و المقررات الدراسية الغبيـة
 
عودة
أعلى