القوة الناعمة..سلاح الصين في العالم الثالث
بعدما ظلت القرى التايلاندية في المناطق الشمالية من البلاد غارقة في هدوئها الأبدي ومستكينة إلى مصيرها طيلة العقود السابقة، تحولت اليوم إلى مدن مزدهرة شبيهة بتلك الموجودة في الصين.فمع الطفرة التجارية أصبحت المنطقة محطة عبور رئيسية للسفن المحملة بالبضائع والمنتجات الصينية من التفاح والهواتف النقالة إلى غيرهما من المواد.
ومن تلك الحواضر الجديدة مدينة تشيانج راي التايلاندية التي أقامت فيها الصين مركزاً ثقافياً كبيراً يتبع الجامعة الملكية المحلية، في محاولة لتمتين العلاقات الصينية مع المؤسسة الملكية في البلاد.وتمتد هذه العلاقات أيضاً، التي تحرص الصين على دعمها، إلى السياسيين في تايلاند بحيث يسعون بدورهم إلى التعرف على الصين من خلال الحفلات التي تتولى بكين رعايتها.هذا فضلاً عن هجرة الآلاف من الصينيين إلى تايلاند، ما يولد لدى رجال الأعمال في البلد رغبة جامحة لتعلم اللغة الصينية، التي لم تعد مدارس اللغات قادرة على مواكبة الطلب المتزايد على تعلمها.
بيد أن شمال تايلاند لا يختلف كثيراً عن العديد من المناطق الأخرى في البلدان النامية، حيث سعت الصين على امتداد السنوات الخمس الأخيرة إلى خلق الظروف المناسبة لتتحول إلى قوة دولية.ولتحقيق ذلك لم تعتمد الصين فقط على الدبلوماسية في مستوياتها الرفيعة، بل لجأت أيضاً إلى أدوات القوة اللينة أو بالأحرى الناعمة مثل المساعدات والاستثمار والدبلوماسية الثقافية.وقد أثبت هذا الهجوم الجذاب الذي تمارسه الصين نجاحه الباهر متمثلاً في ارتفاع شعبية بكين لدى العديد من بلدان كانت تتهيب منها إلى وقت قريب.ويُعزى تركيز الصين جهودها على العالم النامي لما يزخر به من موارد طبيعية، ولما يتوفر عليه من أسواق صاعدة تحتاجها الصين لضمان نموها الاقتصادي.وفي هذا الإطار، تحرص الصين على خطب ود الحكومات في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية من خلال منحها القروض وتقديم المساعدات، حيث قامت في هذا الصدد بتخصيص مبلغ 20 مليار دولار من المساعدات لتمويل مشروعات في البلدان الأفريقية.فقد ساهمت الصين في مد خطوط السكك الحديدية في أنجولا وزامبيا، وشيدت السدود في موزمبيق والسودان، بل وأصبحت تنافس الاستثمارات اليابانية في بعض بلدان جنوب شرق آسيا مثل الفلبين التي التزمت بكين نحوها بإقامة مشروع كبير للسكك الحديدية تقدر قيمته بحوالى 500 مليون دولار.
وتدفع الصين بقوة في اتجاه تعزيز علاقاتها التجارية من خلال عقد الصفقات مع بلدان تمتد من الخليج العربي إلى أقصى جنوب أميركا.وإذا كان رجال الأعمال الأميركيون يتحفظون على عقد صفقات بحضور السياسيين خوفاً من اتهامهم باستغلال النفوذ السياسي للولايات المتحدة في العالم، فإن نظراءهم الصينيين لا يتحرجون من السفر مع قادتهم إلى الخارج وعقد الصفقات مباشرة.والأكثر من ذلك تبذل الصين جهوداً حثيثة لتعزيز لغتها وثقافتها من خلال الإشراف على إنشاء برامج لتعلم اللغة الصينية في جامعات رائدة تمتد من كينيا إلى أستراليا.وفي كمبوديا ذهبت وزارة التعليم الصينية إلى أبعد من ذلك عندما قامت بتمويل وإمداد المدارس الابتدائية والثانوية الكمبودية بمدرسي اللغة الصينية، فضلاً عن استقبال عدد أكبر من الطلبة الأجانب في الجامعات الصينية الذي ارتفع عددهم من 8 آلاف قبل عقدين من الزمن إلى 120 ألفا اليوم.ومن ناحيته يدلي السلك الدبلوماسي الصيني، الأكثر مهارة من ذي قبل، بدلوه في تعزيز اللغة والثقافة الصينيتين من خلال الحرص الكبير الذي يبدونه في عملهم.
فعلى سبيل المثال، قام جيانج يواندي السفير الصيني لدى البرازيل بجولة قادته إلى جميع الدول الناطقة بالبرتغالية في العالم قبل الوصول إلى العاصمة البرازيلية.وفي هذا الإطار علق أحد الدبلوماسيين الآسيويين على ذلك قائلاً لقد كان السفراء الصينيون يكتفون بالجلوس داخل مقار سفاراتهم، لكنهم الآن أصبحوا أكثر براعة بحيث يعرفون الكثير من الأمور، فإذا كانت زوجة أحدهم على علاقة عاطفية تجدهم على علم بذلك.ولا يقتصر النفوذ الصيني المتصاعد على الطبقة السياسية فقط، بل يمتد أيضاً إلى الشارع.فبعد أن كانت القوة الصناعية والعسكرية الصينية تخيف العالم النامي قبل عشرة أعوام، لا سيما الدول المجاورة، فإن استطلاعات الرأي اليوم، التي تجرى في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية تكشف عن وجود شعور إيجابي متزايد تجاه الصين، هذا التغيير في المواقف، هو ما دفع مثلا الفلبين وفيتنام إلى التعاون مع الصين لاستكشاف بحر الصين الجنوبي.
ويطرح القادة الصينيون أنفسهم كبديل لقوة الغرب المتدخلة في شؤون الدول، حيث تجادل الصين بأنها ستساعد الدول النامية لكن دون الإشارة إلى شؤونها الداخلية.فلن تملي الصين على الدول الأخرى ما ستقوم به، وهو ما تطمـــــــئن له العديد من الدول في العالم، التي تنظر إلى التدخل على أنه أداة من أدوات تغيير النظام.والواقع أن الهجوم الجذاب الذي تقوم به الصين، حقق نجاحاً باهراً إلى درجة أن بعض الدول بدأت تعتبر الصين نموذجاً ناجعاً لتحقيق التنمية.ففي دول أفريقيا وأميركا اللاتينية، التي فشلت الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية في انتشال سكانها من الفقر، تبرز اليوم معارضـــــة متزايدة للإصلاحات المرتبطة بالســـــــوق الحرة، بل حتى للديمقراطية نفسها.فخلافاً للسياسات الغربية استطاعت الصين فتح اقتصادها دون تحرير نظامها السياسي، وهو ما دفع دولا مثل فيتنام وسوريا وإيران، بالإضافة إلى بلدان أخرى إلى دراسة السياسة الاقتصادية للصين، لا سيما بعد الانبهار الذي يتملك القادة الأفارقة عند زيارتهم للمدن الصينية المزدهرة.
لكن مع الأسف، فشلت العديد من الدول الأفريقية في اقتفاء خطوات الصين لتحقيق النجاح مثل الاستثمار في التعليم الابتدائي والبنية التحتية، بل اقتصر النموذج الصيني بالنسبة للحكام المستبدين على تقليد الأساليب الصينية في السيطرة السياسية، من دون تبني الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة.
ومن تلك الحواضر الجديدة مدينة تشيانج راي التايلاندية التي أقامت فيها الصين مركزاً ثقافياً كبيراً يتبع الجامعة الملكية المحلية، في محاولة لتمتين العلاقات الصينية مع المؤسسة الملكية في البلاد.وتمتد هذه العلاقات أيضاً، التي تحرص الصين على دعمها، إلى السياسيين في تايلاند بحيث يسعون بدورهم إلى التعرف على الصين من خلال الحفلات التي تتولى بكين رعايتها.هذا فضلاً عن هجرة الآلاف من الصينيين إلى تايلاند، ما يولد لدى رجال الأعمال في البلد رغبة جامحة لتعلم اللغة الصينية، التي لم تعد مدارس اللغات قادرة على مواكبة الطلب المتزايد على تعلمها.
بيد أن شمال تايلاند لا يختلف كثيراً عن العديد من المناطق الأخرى في البلدان النامية، حيث سعت الصين على امتداد السنوات الخمس الأخيرة إلى خلق الظروف المناسبة لتتحول إلى قوة دولية.ولتحقيق ذلك لم تعتمد الصين فقط على الدبلوماسية في مستوياتها الرفيعة، بل لجأت أيضاً إلى أدوات القوة اللينة أو بالأحرى الناعمة مثل المساعدات والاستثمار والدبلوماسية الثقافية.وقد أثبت هذا الهجوم الجذاب الذي تمارسه الصين نجاحه الباهر متمثلاً في ارتفاع شعبية بكين لدى العديد من بلدان كانت تتهيب منها إلى وقت قريب.ويُعزى تركيز الصين جهودها على العالم النامي لما يزخر به من موارد طبيعية، ولما يتوفر عليه من أسواق صاعدة تحتاجها الصين لضمان نموها الاقتصادي.وفي هذا الإطار، تحرص الصين على خطب ود الحكومات في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية من خلال منحها القروض وتقديم المساعدات، حيث قامت في هذا الصدد بتخصيص مبلغ 20 مليار دولار من المساعدات لتمويل مشروعات في البلدان الأفريقية.فقد ساهمت الصين في مد خطوط السكك الحديدية في أنجولا وزامبيا، وشيدت السدود في موزمبيق والسودان، بل وأصبحت تنافس الاستثمارات اليابانية في بعض بلدان جنوب شرق آسيا مثل الفلبين التي التزمت بكين نحوها بإقامة مشروع كبير للسكك الحديدية تقدر قيمته بحوالى 500 مليون دولار.
وتدفع الصين بقوة في اتجاه تعزيز علاقاتها التجارية من خلال عقد الصفقات مع بلدان تمتد من الخليج العربي إلى أقصى جنوب أميركا.وإذا كان رجال الأعمال الأميركيون يتحفظون على عقد صفقات بحضور السياسيين خوفاً من اتهامهم باستغلال النفوذ السياسي للولايات المتحدة في العالم، فإن نظراءهم الصينيين لا يتحرجون من السفر مع قادتهم إلى الخارج وعقد الصفقات مباشرة.والأكثر من ذلك تبذل الصين جهوداً حثيثة لتعزيز لغتها وثقافتها من خلال الإشراف على إنشاء برامج لتعلم اللغة الصينية في جامعات رائدة تمتد من كينيا إلى أستراليا.وفي كمبوديا ذهبت وزارة التعليم الصينية إلى أبعد من ذلك عندما قامت بتمويل وإمداد المدارس الابتدائية والثانوية الكمبودية بمدرسي اللغة الصينية، فضلاً عن استقبال عدد أكبر من الطلبة الأجانب في الجامعات الصينية الذي ارتفع عددهم من 8 آلاف قبل عقدين من الزمن إلى 120 ألفا اليوم.ومن ناحيته يدلي السلك الدبلوماسي الصيني، الأكثر مهارة من ذي قبل، بدلوه في تعزيز اللغة والثقافة الصينيتين من خلال الحرص الكبير الذي يبدونه في عملهم.
فعلى سبيل المثال، قام جيانج يواندي السفير الصيني لدى البرازيل بجولة قادته إلى جميع الدول الناطقة بالبرتغالية في العالم قبل الوصول إلى العاصمة البرازيلية.وفي هذا الإطار علق أحد الدبلوماسيين الآسيويين على ذلك قائلاً لقد كان السفراء الصينيون يكتفون بالجلوس داخل مقار سفاراتهم، لكنهم الآن أصبحوا أكثر براعة بحيث يعرفون الكثير من الأمور، فإذا كانت زوجة أحدهم على علاقة عاطفية تجدهم على علم بذلك.ولا يقتصر النفوذ الصيني المتصاعد على الطبقة السياسية فقط، بل يمتد أيضاً إلى الشارع.فبعد أن كانت القوة الصناعية والعسكرية الصينية تخيف العالم النامي قبل عشرة أعوام، لا سيما الدول المجاورة، فإن استطلاعات الرأي اليوم، التي تجرى في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية تكشف عن وجود شعور إيجابي متزايد تجاه الصين، هذا التغيير في المواقف، هو ما دفع مثلا الفلبين وفيتنام إلى التعاون مع الصين لاستكشاف بحر الصين الجنوبي.
ويطرح القادة الصينيون أنفسهم كبديل لقوة الغرب المتدخلة في شؤون الدول، حيث تجادل الصين بأنها ستساعد الدول النامية لكن دون الإشارة إلى شؤونها الداخلية.فلن تملي الصين على الدول الأخرى ما ستقوم به، وهو ما تطمـــــــئن له العديد من الدول في العالم، التي تنظر إلى التدخل على أنه أداة من أدوات تغيير النظام.والواقع أن الهجوم الجذاب الذي تقوم به الصين، حقق نجاحاً باهراً إلى درجة أن بعض الدول بدأت تعتبر الصين نموذجاً ناجعاً لتحقيق التنمية.ففي دول أفريقيا وأميركا اللاتينية، التي فشلت الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية في انتشال سكانها من الفقر، تبرز اليوم معارضـــــة متزايدة للإصلاحات المرتبطة بالســـــــوق الحرة، بل حتى للديمقراطية نفسها.فخلافاً للسياسات الغربية استطاعت الصين فتح اقتصادها دون تحرير نظامها السياسي، وهو ما دفع دولا مثل فيتنام وسوريا وإيران، بالإضافة إلى بلدان أخرى إلى دراسة السياسة الاقتصادية للصين، لا سيما بعد الانبهار الذي يتملك القادة الأفارقة عند زيارتهم للمدن الصينية المزدهرة.
لكن مع الأسف، فشلت العديد من الدول الأفريقية في اقتفاء خطوات الصين لتحقيق النجاح مثل الاستثمار في التعليم الابتدائي والبنية التحتية، بل اقتصر النموذج الصيني بالنسبة للحكام المستبدين على تقليد الأساليب الصينية في السيطرة السياسية، من دون تبني الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة.