الخداع والمفاجئة :
النصر السريع في حرب أكتوبر ما كان ليتحقق لولا وجود عنصرى الخداع والمفاجأة ، حيث وجهت المخابرات المصرية والسورية أكبر صفعة للموساد الإسرائيلى الذى سقط هو الآخر كأسطورة الجيش الذى لا يقهر ، وفي الذكرى الـ 35 للعبور العظيم نسلط الضوء على خطة الخداع وشهادات أبرز قادة حرب أكتوبر حول المفاجآت التى زلزلت إسرائيل عسكريا وسياسيا. </STRONG></SPAN></STRONG></SPAN>
كما تم تطوير مصلحة الدفاع المدنى قبل الحرب بمعدات إطفاء قوية وحديثة ومنها طلمبات المياه التى استخدمت فى تجريف الساتر الترابى بطول الجبهة وذلك بعيدا عن عيون الموساد.</STRONG></SPAN>
أما بالنسبة للجبهة السورية ، فقبل الحرب بأسبوعين خطفت المقاومة الفلسطينية بأوامر من سوريا قطارا ينقل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا إلى معسكر شنواة بالنمسا وكان ذلك بغرض توجيه أنظار إسرائيل السياسية إلى النمسا وليس لمايجرى على الجبهتين المصرية والسورية وهو ماحدث فعلا حيث سافرت جولدا مائير إلى النمسا لمناقشة الحادث.
وبعدها ضحت سوريا ب 15 طائرة سقطت فى البحر الأبيض المتوسط بعد معركه جوية شرسة مع الطيران الإسرائيلى تحلت فيها سوريا بضبط النفس إلى أقصى درجة حتى لا تطلق صاروخا واحدا ضد الطائرات الإسرائيلية فتكتشف إسرائيل فاعلية هذه الصواريخ قبل المعركه الكبرى حرب أكتوبر) التى جرت بعدها بعشرة أيام.
وللاقتراب أكثر من تفاصيل خطة الخداع ، كشف اللواء فؤاد نصار الذى كان مديرا للمخابرات العسكرية في الفترة من عام 72 ـ 1976 فى حوار لجريدة "الأهرام العربي" أن المصري البسيط كان له دور رئيسى في الحرب من ناحيتين, الأولي في أعمال المخابرات, والثانية في الحرب نفسها, وعندما أدرك الإسرائيليون مدي التفوق المصري عليهم, سئل موشي ديان وزير الحرب الإسرائيلى عن هذا التفوق, وهوجم بشدة لأنه لم يعرف مدي التطور المصري في هذا المجال, نظرا لأن مصر لم تكن لها قدرات استخبارية كبيرة, ولا قوات استطلاع أو تعاون مع بقية أجهزة الاستخبارات الأخري, فكان رد ديان: أن المصريين ملأوا سيناء برادارات بشرية ذات عيون تري وعقول تفكر ثم تعطي المعلومة .
وفى الحقيقة والحديث للواء نصار كان كلام ديان صحيحا ، قائلا :" من خلال هذه الروح المصرية البسيطة استطعنا أن نرصد كل سكنات وحركات العدو.فعندما توليت مدير المخابرات العسكرية, لم تكن هناك إمكانات كبيرة ولا تقنيات تعطينا معلومة دقيقة, فلم يكن أمامي إلا إنشاء قاعدة بشرية فأسست منظمة سيناء وأحضرت أحد أبناء مشايخ القبائل, وأعطيته رتبة عقيد وطلبت منه تجنيد أكبر قدر ممكن من البدو للعمل في منظمة سيناء, ثم أنشأت فرق متطوعين من الجيش, وكان لكل متطوع عمل معين, وبعد أن دربناهم علي تصوير المواقع, التي كنا نريد أن نعرف عنها كل شئ, جعلناه يعبرون القناة إلي الجهة الأخري, ليكونوا تحت رعاية أحد البدو, ومن خلال ذلك استطعنا أن نغطي سيناء كلها بعيوننا, وكان كل واحد من هولاء المجندين يمكث أربعة أشهر, ثم يعود نهائيا إلي الحياة المدنية, وقد أنهي خدمته العسكرية بعد هذه الفترة في سيناء, ويتم تكريمه ولا يطلب شيئا لنفسه, لكن أطرف ماقابلني من إحدي هذه المجموعات البشرية, أنهم طلبوا أن يتم تكريمهم فقط بالتصوير معي ومع اللواء أحمد إسماعيل رئيس المخابرات آنذاك ومازلت محتفظا بهذه الصورة".
واستطرد اللواء نصار يقول :" ولم يكن الرجال وحدهم الذين أسهموا في الحرب فقط, بل تلقينا مساعدات كبيرة من النساء, وكان لهن دور كبير في إدارة الصراع مع العدو, فكانت هناك متطوعات قدمن إلينا معلومات شديدة الأهمية, انعكست علي سير القتال عندما اندلعت الحرب, لكنني أريد أن أشير إلي بطولة المجموعة(39) وهي مجموعة قتالية, عبرت إلي الضفة الأخري عقب حرب1967 لنسف مخازن الأسلحة والذخيرة, التي تركها الجيش المصري, وقد عبرت هذه المجموعة القناة 39 مرة بقيادة الشهيد ابراهيم الرفاعي وكان لها دور كبير في تقليل خسائر معركة 67 ".
وعن التعاون السري مع الجانب السوري في الحرب, ولماذا لم يكشف هذا التعاون ، قال اللواء نصار :" لاشك أن التعاون مع السوريين كان من العوامل الرئيسية في نجاح الحرب علي الجبهتين, ونحن كقيادة عامة للقوات المسلحة, لم نعلم بقرار الحرب إلا قبل اشتعالها بخمسة عشر يوما, وكان ذلك من أجل السرية والمفاجأة ، وقد جاءت القيادة السورية إلي الاسكندرية واجتمعنا معا وحددنا ثلاثة تواريخ وكان شهر أكتوبر أفضلها, فقد كنا نواجه جهاز مخابرات قويا, ويعد نفسه ثالث جهاز في العالم, ولم تكن لنا نفس إمكاناته, لكننا نجحنا مع ذلك فى إقناعه بأننا لانريد الحرب, ومن هنا كانت مفاجأته وهزيمته في الحرب".
وكشف اللواء نصار عن نموذج لنجاحات المخابرات المصرية خلال الحرب ، وهى القصة الحقيقية للفيلم السينمائى "الصعود إلي الهاوية "، وقال في هذا الصدد ( إننا كنا نراقب الخطابات, فوجدنا خطابا مكتوبا بالحبر السري, وبه أسرار خطيرة عن الجيش, وكانت مذهلة وحقيقية, فذهبت إلي وزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل , وقلت له: إنك ستوضع تحت المراقبة, لأن هذه المعلومات صحيحة وخطيرة , وأنت من الذين يعرفونها, فاندهش ووافق علي المراقبة, وبالفعل وضع الفريق أحمد إسماعيل وجميع من يعرفون هذه المعلومات تحت المراقبة حتي اكتشفنا أن الجاسوس الحقيقي كان أحد ضباط الصاعقة, واتضح أنه كان علي علاقة بفتاة مصرية تعيش في فرنسا, واستطعنا القبض عليها, وتدعي هدي, وكذلك القبض علي الضابط, وكانا لا يصدقان أننا سنحارب, خاصة أن هذا الضابط كان مدمنا للخمر, وكان لا يعتقد أن الحرب ستشن ضد إسرائيل.
وبعد فشله في قصة حب, جندته حبيبته السابقة, التي رفض أهلها زواجها منه, وبعد أن سافرت إلي باريس, جندت هناك, وجندته بعد ذلك, وكان في موقع يتيح له رؤية الأهداف المصرية. بل كان مهندس المشروع- حسب قول قائد الصاعقة آنذاك- وكانت تلك مفاجأه لنا, لكننا في النهاية استطعنا أن نقبض عليها عن طريق والد الفتاة, الذي كان يعمل مدرسا في ليبيا, وذهبنا إليه, وأقنعناه بأن هناك خطف طائرات وابنته تورطت في ذلك, وهناك خطورة علي حياتها وعلي الوضع الأمني المصري, وكان رجلا طيبا ومتعاونا, وسألنا: ماذا تريدون مني؟ فقلنا له: ارسل خطابا إلي هدي واشرح فيه وضعك الصحي المتدهور, وأنك علي حافة الموت خلال أربعه أيام, وترغب في رؤيتها, ففوجئنا بفريق طبي في طائرة مجهزة يأتي إلي المستشفي ويريد أن يعالجه في فرنسا, فأبلغنا الأطباء بأن يزعموا بأنه علي حافة الموت , ولم يبق في حياته أكثر من 48 ساعة, وعاد الفريق إلي باريس دون رؤيته.
وفي اليوم التالي جاءت هدي, بعد أن أخرنا الطائرة في باريس, وعندما هبطت إلي المطار في ليبيا, أخذناها إلي القاهرة, ومكثت مع ضابط الصاعقة في مبني المخابرات العامة, ولم يدخلا السجن, وأخذا يرسلان إلي إسرائيل بمعلومات نود نحن أن نخدع بها إسرائيل, وبالفعل استطاعا أن ينجزا المهمة, وخدما النصر الذي تحقق, وتم إعدامهما بعد الحرب ).
عنصر المفاجأة
الطريقة التى بدأت بها الحرب كانت صدمة مروعة لقادة إسرائيل ، وهذا بالطبع يرجع لبراعة التخطيط المصرى .
شهادة المناوى
كشف اللواء صلاح المناوي رئيس عمليات القوات الجوية المصرية خلال حرب أكتوبر فى تصريحات لجريدة "العربى الناصرى " فى 5 أكتوبر 2003 ، أن خطة الحرب بدأ الإعداد لها بعد قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بإعادة بناء القوات المسلحة وكان الهدف الأساسي في خطة استعادة الكرامة هو إعادة الروح المعنوية لدي القوات المسلحة المصرية والتغلب علي أجهزة الرادار الإسرائيلية ، مشيرا إلى أنه فكر في طريقة لإقناع القادة السياسيين والعسكريين بالطيران المنخفض واستخدامه في الحرب فأثناء إحدي زيارات مسئول كبير للجبهة أمر أربع طائرات بالطيران فوق منصة العرض مباشرة ولم يصدق المسئول الكبير نفسه عندما شاهد براعة الطيارين المصريين وكانت هذه الخطة سببا في تغلب الطائرات المصرية علي الرادار الإسرائيلي فلم يستطع الرادار الصهيوني كشف الطائرات المصرية يوم العبور إلا بعد وصولها .
وأكد أن القوات الجوية المصرية نجحت في أول ضربة في تدمير مراكز القيادة والمطارات وأجهزة الشوشرة وأن الطائرات المصرية "220" طائرة نجحت في إنهاء الحرب بالنسبة للعدو الصهيوني في عشر دقائق فقط مما ساعد القوات المسلحة المصرية في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف ، مشيرا إلى أن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية ألغت الطلعة الجوية الثانية بعد تدمير قوات العدو في الضربة الأولي.
وشدد اللواء صلاح المناوي الحاصل علي وسام نجمة سيناء ونوط الشجاعة ووسام الجمهورية من الطبقة الأولي على أن خطة الخداع المصرية كانت لها أكبر الأثر في تحقيق النصر وتضليل العدو الإسرائيلي رغم جواسيسه المنتشرين في كل مكان .
وأشار في هذا الصدد إلى أن الرئيس حسني مبارك قائد القوات الجوية في الحرب أمر بتجهيز طائرته وأبلغ الجميع بذهابه إلي ليبيا في زيارة وكذلك كان الأمر في القوات المسلحة بالإعلان عن عمرة رمضان للضباط أما السادات فأعلن عن استقباله لمسئول كبير من انجلترا يوم 6 أكتوبر.
شهادة الجمسى
فى مذكراته عن حرب أكتوبر ، يقول الفريق محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات خلال الحرب ( كانت الأوامر والخطة أن الطيران المصري هو الذي سوف يفتح لنا باب العبور فى تمام الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر، وفى هذا اليوم عبرت نحو 222 طائرة خط جبهة قناة السويس متجهة إلى عدة أهداف إسرائيلية محددة فى سيناء . وأحدث عبور قواتنا الجوية خط القناة بهذا الحشد الكبير ، وهى تطير على ارتفاع منخفض جدا ، أثره الكبير على قواتنا البرية بالجبهة وعلى قوات العدو . فقد التهبت مشاعر قوات الجبهة بالحماس والثقة بينما دب الذعر والهلع فى نفوس أفراد العدو .
هاجمت طائراتنا ثلاث قواعد ومطارات ، وعشرة مواقع صواريخ مضادة للطائرات من طراز هوك ، وثلاثة مراكز قيادة ، وعدد من محطات الرادار ومرابض المدفعية بعيدة المدى ، وكانت مهاجمة جميع الأهداف المعادية فى سيناء تتم فى وقت واحد ، حيث كانت الطائرات تقلع من المطارات والقواعد الجوية المختلفة وتطير على ارتفاعات منخفضة جدا فى خطوط طيران مختلفة لتصل كلها إلى أهدافها فى الوقت المحدد لها تماما.
كانت قلوبنا فى مركز عمليات القوات المسلحة تتجه إلى القوات الجوية ننتظر منها نتائج الضربة الجوية الأولى ، وننتظر عودة الطائرات إلى قواعدها لتكون مستعدة للمهام التالية ، كما كان دعاؤنا للطيارين بالتوفيق ، وأن تكون خسائرهم أقل ما يمكن ، لأن مثل هذه الضربة الجوية بهذا العدد الكبير من الطائرات ضد أهداف هامة للعدو تحت حماية الدفاع الجوى المعادى ، ينتظر أن يترتب عليها خسائر كثيرة فى الطيارين والطائرات يصعب تعويضها.
لقد حققت قواتنا الجوية بقيادة اللواء طيار محمد حسنى مبارك ـ رئيس الجمهورية الحالى ـ نجاحا كبيرا فى توجيه هذه الضربة ، وبأقل الخسائر التى وصلت فى الطائرات إلى خمس طائرات فقط ، وهى نسبة من الخسائر أقل جدا مما توقعه الكثيرون ) .
وفى كتاب له بعنوان "المعارك الحربية على الجبهة المصرية" ، يذكر المؤرخ العسكرى المصرى جمال حماد ( فى الساعة التاسعة والنصف صباح يوم 6 أكتوبر دعا اللواء محمد حسنى مبارك قادة القوات الجوية إلى اجتماع عاجل فى مقر قيادته وألقى عليهم التلقين النهائى لمهمة الطيران المصرى ، وطلب منهم التوجه إلى مركز العمليات الرئيسى كى يأخذ كل منهم مكانه هناك استعداد لتنفيذ الضربة الجوية المنتظرة التى كان نجاحها يعنى نجاح خطة المفاجأة المصرية وبدء معركة التحرير .
وفى الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر أنطلقت أكثر من 200 طائرة مصرية من 20 مطارا وقاعدة جوية فى مختلف أرجاء أنحاء الجمهورية وعن طريق الترتيبات الدقيقة والحسابات المحكمة التى أجرتها قيادة القوات الجوية تم لهذا العدد الضخم من الطائرات عبور خط المواجهة على القناة فى لحظة واحدة على ارتفاعات منخفضة جدا ، وكانت أسراب المقاتلات القاذفة والقاذفات المتوسطة تطير فى حماية أسراب المقاتلات ، وقد استخدمت فى الضربة التى تركزت على الأهداف الإسرائيلية الحيوية فى عمق سيناء طائرات طراز ميج 17 وميج 21 وسوخوى 7 وسوخوى 20 ، وفى الساعة الثانية وعشرين دقيقة عادت الطائرات المصرية بعد أداء مهمتها خلال ممرات جوية محددة تم الاتفاق عليها بين قيادة القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوى من حيث الوقت والإرتفاع .
هذا وقد نجحت الضربة الجوية فى تحقيق أهدافها بنسبة 90 % ولم تزد الخسائر على 5 طائرات مصرية ، وكانت نتائج الضربة وفقا لما ورد فى المراجع الموثوق بصدقها هى شل ثلاثة ممرات رئيسية فى مطارى المليز وبير تمادا بالإضافة إلى ثلاث ممرات فرعية وإسكات حوالى 10 مواقع بطاريات صواريخ أرض جو من طراز هوك وموقعى مدفعية ميدان ، وتدمير مركز القيادة الرئيسى فى أم مرجم ومركز الإعاقة والشوشرة فى أم خشيب وتدمير إسكات عدد من مراكز الإرسال الرئيسية ومواقع الرادار وقد اشتركت بعض القاذفات التكتيكية ( إل 28 ) فى الضربة الجوية وركزت قصفها على حصن بودابست الإسرائيلى ( من حصون بارليف ، ويقع على الضفة الرملية شرق مدينة بور فؤاد).
وكان من المقرر القيام بضربة جوية ثانية ضد العدو يوم السادس من أكتوبر قبل الغروب ، ولكن نظرا لنجاح الضربة الأول فى تحقيق كل المهام التى أسندت إلى القوات الجوية لذا قررت القيادة العامة إلغاء الضربة الثانية.
وقد اضطرت القيادة الإسرائيلية الجنوبية فى سيناء إلى استخدام مركز القيادة الخلفى بعد ضرب المركز الرئيسى فى أم مرجم ، كما أصبح مركز الإعاقة والشوشرة فى العريش هو المركز الوحيد المتبقى لإسرائيل فى سيناء بعد تدمير مركز الإعاقة والشوشرة فى أم خشيب).
شهادة أبو الحسن
المقاتل الفذ علي أبو الحسن أحد أبطال "المجموعة 39 قتال" والذي شارك في 44 عملية خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، ذكر فى أحد تصريحاته :" يوم 5 أكتوبر 1973 جاءت لنا أوامر بالنزول إلي مياه القناة وسد فتحات أنابيب النابالم التي وضعها اليهود تحت مياه القناة لإشعال سطح القناة في حالة محاولة المصريين العبور، وكان الاستطلاع قد أحضر خرائط توزيع فتحات المواسير ونزلنا بالفعل إلي القناة وقمنا بسد فتحات الأنابيب بخلطة أسمنت سريعة التجمد في الماء وذلك في المنطقة التي كنا نعمل فيها وقامت وحدات أخري من الجيش بسد باقي الفتحات في مناطق أخرى، وكانت الأوامر في هذا اليوم صارمة بعدم الاشتباك مع اليهود حتى لو كان أمامنا ألف يهودي بإمكاننا قتلهم" .
شهادة حفظى
أما اللواء علي حفظي قائد قوات الاستطلاع في حرب 73 ، فأشار إلى أن قوات الاستطلاع نجحت في إعطاء القوات المسلحة المصرية صورة كاملة عن العدو الصهيوني ونقاطه الحصينة وأماكن تجمعه ومطاراته وأسلحته وأنواعها وعدد جنوده وأوقات راحتهم حتي إن كل جندي مصري شارك في الحرب كان لديه صورة كاملة عن أهدافه وعد جنود العدو فيها.
وأضاف اللواء حفظي أن قوات الجيش المصري كانت في مشروع تدريبي قبل الحرب بأسبوع ولم يعرف الكثير ميعاد الحرب ولكنهم فوجئوا بأن المشروع تحول لحرب حقيقية ، وأكد أن عناصر الاستطلاع المصرية نجحت في عبور قناة السويس قبل الحرب واندفعت مئات الكيلو مترات داخل مواقع العدو وقامت بتطوير أجهزتها اللاسلكية بحيث أصبحت عيونا لا تنام للجيش المصري ، موضحا أن بعض هؤلاء الرجال ظلوا يعملون داخل مواقع العدو لفترة 6 أشهر بعد الحرب.
شهادة عبد الواحد
وفي السياق ذاته ، يؤكد اللواء صادق عبد الواحد أحد قادة حرب أكتوبر أن القوات المسلحة المصرية تحولت أثناء العبور إلي قنابل موقوتة موجهة ضد العدو حتي إن الجندي المصري الذي كانت تنفد ذخيرته كان يرفض الانسحاب ويقتل الإسرائيليين بيده للاستيلاء علي سلاحهم ، والجندي المصاب كان يبكي لأنه سوف يحرم من الاستمرار في المشاركة في القتال ، مؤكدا أن رجال الصاعقة تسابقوا في عبور القناة وتعطيل أنابيب النابالم.
شهادة نصار
وعن مفاجأة العبور العظيم ، قال اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العسكرية خلال الحرب أيضا :" لقد قاتل المصريون في حرب1973 بأجسادهم العارية, وحملوا الأسلحة والذخائر علي ظهورهم وعبروا القناة وحطموا خط بارليف, وقاوموا الدبابات بأسلحة صغيرة, الأمر الذي دفع الاسرائيليين إلي التأكيد علي أن مفاجأة الحرب الحقيقية كانت في المقاتلين المصريين, وليس فى موعد الحرب " .
وأضاف قائلا :" لقد كنا في شهر رمضان, وكان الإسرائيليون يضعون مواسير نابالم تحت مياه القناة , تحرق أى شخص يحاول العبور, وكنا قد استطعنا أن نعرف أماكن هذه المواسير بدقة, وقمنا بسدها تماما, وتخيل مدى القلق الرهيب, الذى كان يعتريني شخصيا, خوفا من ألا تكون الفرقة المكلفة بذلك, قد نجحت فى سد الفتحات, إضافة إلي الضربة الجوية, وهل ستنجح أم لا, فكان عليها عامل كبير في إنجاح الحرب, لم أنم في هذين اليومين, ولم تغفل عيني حتي بعد أن عرفت أننا نجحنا في العبور".
وكشف في تصريح لجريدة الأهرام العربى في أغسطس 2007 عن سر لم يعرفه أحد خلال الحرب ، قائلا :" بعد وقوع الثغرة جاءتنى معلومة خطيرة, وهي أن موشى ديان موجود في الإسماعيلية, فذهبت إلي الرئيس السادات وأخبرته بذلك, فقال لي: هل تعرف مكانه؟ قلت: بكل دقة, أي في مسافه ثلاثة أمتار في ثلاثة , فأمر الرئيس بضرب المكان وشوهد المكان وهو يحترق, وديان في القلب منه, انتظرنا خبر وفاة ديان, لكنه لم يحدث, وفي اليوم التالي جاءتنى صورة لديان, وهو صاعد فوق نخلة في حاله فزع, فضحكت وأخبرت الرئيس السادات وقلت له: إن الله لايريد لديان أن يموت حتي يشاهد جيشه مهزوما".
ويتضح مما سبق أن غطرسة القوة الإسرائيلية تهاوت كالهشيم أمام قوة وبراعة مفاجآت المصريين فى حرب أكتوبر .
النصر السريع في حرب أكتوبر ما كان ليتحقق لولا وجود عنصرى الخداع والمفاجأة ، حيث وجهت المخابرات المصرية والسورية أكبر صفعة للموساد الإسرائيلى الذى سقط هو الآخر كأسطورة الجيش الذى لا يقهر ، وفي الذكرى الـ 35 للعبور العظيم نسلط الضوء على خطة الخداع وشهادات أبرز قادة حرب أكتوبر حول المفاجآت التى زلزلت إسرائيل عسكريا وسياسيا. </STRONG></SPAN></STRONG></SPAN>
كما تم تطوير مصلحة الدفاع المدنى قبل الحرب بمعدات إطفاء قوية وحديثة ومنها طلمبات المياه التى استخدمت فى تجريف الساتر الترابى بطول الجبهة وذلك بعيدا عن عيون الموساد.</STRONG></SPAN>
أما بالنسبة للجبهة السورية ، فقبل الحرب بأسبوعين خطفت المقاومة الفلسطينية بأوامر من سوريا قطارا ينقل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا إلى معسكر شنواة بالنمسا وكان ذلك بغرض توجيه أنظار إسرائيل السياسية إلى النمسا وليس لمايجرى على الجبهتين المصرية والسورية وهو ماحدث فعلا حيث سافرت جولدا مائير إلى النمسا لمناقشة الحادث.
وبعدها ضحت سوريا ب 15 طائرة سقطت فى البحر الأبيض المتوسط بعد معركه جوية شرسة مع الطيران الإسرائيلى تحلت فيها سوريا بضبط النفس إلى أقصى درجة حتى لا تطلق صاروخا واحدا ضد الطائرات الإسرائيلية فتكتشف إسرائيل فاعلية هذه الصواريخ قبل المعركه الكبرى حرب أكتوبر) التى جرت بعدها بعشرة أيام.
وللاقتراب أكثر من تفاصيل خطة الخداع ، كشف اللواء فؤاد نصار الذى كان مديرا للمخابرات العسكرية في الفترة من عام 72 ـ 1976 فى حوار لجريدة "الأهرام العربي" أن المصري البسيط كان له دور رئيسى في الحرب من ناحيتين, الأولي في أعمال المخابرات, والثانية في الحرب نفسها, وعندما أدرك الإسرائيليون مدي التفوق المصري عليهم, سئل موشي ديان وزير الحرب الإسرائيلى عن هذا التفوق, وهوجم بشدة لأنه لم يعرف مدي التطور المصري في هذا المجال, نظرا لأن مصر لم تكن لها قدرات استخبارية كبيرة, ولا قوات استطلاع أو تعاون مع بقية أجهزة الاستخبارات الأخري, فكان رد ديان: أن المصريين ملأوا سيناء برادارات بشرية ذات عيون تري وعقول تفكر ثم تعطي المعلومة .
وفى الحقيقة والحديث للواء نصار كان كلام ديان صحيحا ، قائلا :" من خلال هذه الروح المصرية البسيطة استطعنا أن نرصد كل سكنات وحركات العدو.فعندما توليت مدير المخابرات العسكرية, لم تكن هناك إمكانات كبيرة ولا تقنيات تعطينا معلومة دقيقة, فلم يكن أمامي إلا إنشاء قاعدة بشرية فأسست منظمة سيناء وأحضرت أحد أبناء مشايخ القبائل, وأعطيته رتبة عقيد وطلبت منه تجنيد أكبر قدر ممكن من البدو للعمل في منظمة سيناء, ثم أنشأت فرق متطوعين من الجيش, وكان لكل متطوع عمل معين, وبعد أن دربناهم علي تصوير المواقع, التي كنا نريد أن نعرف عنها كل شئ, جعلناه يعبرون القناة إلي الجهة الأخري, ليكونوا تحت رعاية أحد البدو, ومن خلال ذلك استطعنا أن نغطي سيناء كلها بعيوننا, وكان كل واحد من هولاء المجندين يمكث أربعة أشهر, ثم يعود نهائيا إلي الحياة المدنية, وقد أنهي خدمته العسكرية بعد هذه الفترة في سيناء, ويتم تكريمه ولا يطلب شيئا لنفسه, لكن أطرف ماقابلني من إحدي هذه المجموعات البشرية, أنهم طلبوا أن يتم تكريمهم فقط بالتصوير معي ومع اللواء أحمد إسماعيل رئيس المخابرات آنذاك ومازلت محتفظا بهذه الصورة".
واستطرد اللواء نصار يقول :" ولم يكن الرجال وحدهم الذين أسهموا في الحرب فقط, بل تلقينا مساعدات كبيرة من النساء, وكان لهن دور كبير في إدارة الصراع مع العدو, فكانت هناك متطوعات قدمن إلينا معلومات شديدة الأهمية, انعكست علي سير القتال عندما اندلعت الحرب, لكنني أريد أن أشير إلي بطولة المجموعة(39) وهي مجموعة قتالية, عبرت إلي الضفة الأخري عقب حرب1967 لنسف مخازن الأسلحة والذخيرة, التي تركها الجيش المصري, وقد عبرت هذه المجموعة القناة 39 مرة بقيادة الشهيد ابراهيم الرفاعي وكان لها دور كبير في تقليل خسائر معركة 67 ".
وعن التعاون السري مع الجانب السوري في الحرب, ولماذا لم يكشف هذا التعاون ، قال اللواء نصار :" لاشك أن التعاون مع السوريين كان من العوامل الرئيسية في نجاح الحرب علي الجبهتين, ونحن كقيادة عامة للقوات المسلحة, لم نعلم بقرار الحرب إلا قبل اشتعالها بخمسة عشر يوما, وكان ذلك من أجل السرية والمفاجأة ، وقد جاءت القيادة السورية إلي الاسكندرية واجتمعنا معا وحددنا ثلاثة تواريخ وكان شهر أكتوبر أفضلها, فقد كنا نواجه جهاز مخابرات قويا, ويعد نفسه ثالث جهاز في العالم, ولم تكن لنا نفس إمكاناته, لكننا نجحنا مع ذلك فى إقناعه بأننا لانريد الحرب, ومن هنا كانت مفاجأته وهزيمته في الحرب".
وكشف اللواء نصار عن نموذج لنجاحات المخابرات المصرية خلال الحرب ، وهى القصة الحقيقية للفيلم السينمائى "الصعود إلي الهاوية "، وقال في هذا الصدد ( إننا كنا نراقب الخطابات, فوجدنا خطابا مكتوبا بالحبر السري, وبه أسرار خطيرة عن الجيش, وكانت مذهلة وحقيقية, فذهبت إلي وزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل , وقلت له: إنك ستوضع تحت المراقبة, لأن هذه المعلومات صحيحة وخطيرة , وأنت من الذين يعرفونها, فاندهش ووافق علي المراقبة, وبالفعل وضع الفريق أحمد إسماعيل وجميع من يعرفون هذه المعلومات تحت المراقبة حتي اكتشفنا أن الجاسوس الحقيقي كان أحد ضباط الصاعقة, واتضح أنه كان علي علاقة بفتاة مصرية تعيش في فرنسا, واستطعنا القبض عليها, وتدعي هدي, وكذلك القبض علي الضابط, وكانا لا يصدقان أننا سنحارب, خاصة أن هذا الضابط كان مدمنا للخمر, وكان لا يعتقد أن الحرب ستشن ضد إسرائيل.
وبعد فشله في قصة حب, جندته حبيبته السابقة, التي رفض أهلها زواجها منه, وبعد أن سافرت إلي باريس, جندت هناك, وجندته بعد ذلك, وكان في موقع يتيح له رؤية الأهداف المصرية. بل كان مهندس المشروع- حسب قول قائد الصاعقة آنذاك- وكانت تلك مفاجأه لنا, لكننا في النهاية استطعنا أن نقبض عليها عن طريق والد الفتاة, الذي كان يعمل مدرسا في ليبيا, وذهبنا إليه, وأقنعناه بأن هناك خطف طائرات وابنته تورطت في ذلك, وهناك خطورة علي حياتها وعلي الوضع الأمني المصري, وكان رجلا طيبا ومتعاونا, وسألنا: ماذا تريدون مني؟ فقلنا له: ارسل خطابا إلي هدي واشرح فيه وضعك الصحي المتدهور, وأنك علي حافة الموت خلال أربعه أيام, وترغب في رؤيتها, ففوجئنا بفريق طبي في طائرة مجهزة يأتي إلي المستشفي ويريد أن يعالجه في فرنسا, فأبلغنا الأطباء بأن يزعموا بأنه علي حافة الموت , ولم يبق في حياته أكثر من 48 ساعة, وعاد الفريق إلي باريس دون رؤيته.
وفي اليوم التالي جاءت هدي, بعد أن أخرنا الطائرة في باريس, وعندما هبطت إلي المطار في ليبيا, أخذناها إلي القاهرة, ومكثت مع ضابط الصاعقة في مبني المخابرات العامة, ولم يدخلا السجن, وأخذا يرسلان إلي إسرائيل بمعلومات نود نحن أن نخدع بها إسرائيل, وبالفعل استطاعا أن ينجزا المهمة, وخدما النصر الذي تحقق, وتم إعدامهما بعد الحرب ).
عنصر المفاجأة
الطريقة التى بدأت بها الحرب كانت صدمة مروعة لقادة إسرائيل ، وهذا بالطبع يرجع لبراعة التخطيط المصرى .
شهادة المناوى
كشف اللواء صلاح المناوي رئيس عمليات القوات الجوية المصرية خلال حرب أكتوبر فى تصريحات لجريدة "العربى الناصرى " فى 5 أكتوبر 2003 ، أن خطة الحرب بدأ الإعداد لها بعد قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بإعادة بناء القوات المسلحة وكان الهدف الأساسي في خطة استعادة الكرامة هو إعادة الروح المعنوية لدي القوات المسلحة المصرية والتغلب علي أجهزة الرادار الإسرائيلية ، مشيرا إلى أنه فكر في طريقة لإقناع القادة السياسيين والعسكريين بالطيران المنخفض واستخدامه في الحرب فأثناء إحدي زيارات مسئول كبير للجبهة أمر أربع طائرات بالطيران فوق منصة العرض مباشرة ولم يصدق المسئول الكبير نفسه عندما شاهد براعة الطيارين المصريين وكانت هذه الخطة سببا في تغلب الطائرات المصرية علي الرادار الإسرائيلي فلم يستطع الرادار الصهيوني كشف الطائرات المصرية يوم العبور إلا بعد وصولها .
وأكد أن القوات الجوية المصرية نجحت في أول ضربة في تدمير مراكز القيادة والمطارات وأجهزة الشوشرة وأن الطائرات المصرية "220" طائرة نجحت في إنهاء الحرب بالنسبة للعدو الصهيوني في عشر دقائق فقط مما ساعد القوات المسلحة المصرية في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف ، مشيرا إلى أن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية ألغت الطلعة الجوية الثانية بعد تدمير قوات العدو في الضربة الأولي.
وشدد اللواء صلاح المناوي الحاصل علي وسام نجمة سيناء ونوط الشجاعة ووسام الجمهورية من الطبقة الأولي على أن خطة الخداع المصرية كانت لها أكبر الأثر في تحقيق النصر وتضليل العدو الإسرائيلي رغم جواسيسه المنتشرين في كل مكان .
وأشار في هذا الصدد إلى أن الرئيس حسني مبارك قائد القوات الجوية في الحرب أمر بتجهيز طائرته وأبلغ الجميع بذهابه إلي ليبيا في زيارة وكذلك كان الأمر في القوات المسلحة بالإعلان عن عمرة رمضان للضباط أما السادات فأعلن عن استقباله لمسئول كبير من انجلترا يوم 6 أكتوبر.
شهادة الجمسى
فى مذكراته عن حرب أكتوبر ، يقول الفريق محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات خلال الحرب ( كانت الأوامر والخطة أن الطيران المصري هو الذي سوف يفتح لنا باب العبور فى تمام الساعة الثانية من بعد ظهر يوم 6 أكتوبر، وفى هذا اليوم عبرت نحو 222 طائرة خط جبهة قناة السويس متجهة إلى عدة أهداف إسرائيلية محددة فى سيناء . وأحدث عبور قواتنا الجوية خط القناة بهذا الحشد الكبير ، وهى تطير على ارتفاع منخفض جدا ، أثره الكبير على قواتنا البرية بالجبهة وعلى قوات العدو . فقد التهبت مشاعر قوات الجبهة بالحماس والثقة بينما دب الذعر والهلع فى نفوس أفراد العدو .
هاجمت طائراتنا ثلاث قواعد ومطارات ، وعشرة مواقع صواريخ مضادة للطائرات من طراز هوك ، وثلاثة مراكز قيادة ، وعدد من محطات الرادار ومرابض المدفعية بعيدة المدى ، وكانت مهاجمة جميع الأهداف المعادية فى سيناء تتم فى وقت واحد ، حيث كانت الطائرات تقلع من المطارات والقواعد الجوية المختلفة وتطير على ارتفاعات منخفضة جدا فى خطوط طيران مختلفة لتصل كلها إلى أهدافها فى الوقت المحدد لها تماما.
كانت قلوبنا فى مركز عمليات القوات المسلحة تتجه إلى القوات الجوية ننتظر منها نتائج الضربة الجوية الأولى ، وننتظر عودة الطائرات إلى قواعدها لتكون مستعدة للمهام التالية ، كما كان دعاؤنا للطيارين بالتوفيق ، وأن تكون خسائرهم أقل ما يمكن ، لأن مثل هذه الضربة الجوية بهذا العدد الكبير من الطائرات ضد أهداف هامة للعدو تحت حماية الدفاع الجوى المعادى ، ينتظر أن يترتب عليها خسائر كثيرة فى الطيارين والطائرات يصعب تعويضها.
لقد حققت قواتنا الجوية بقيادة اللواء طيار محمد حسنى مبارك ـ رئيس الجمهورية الحالى ـ نجاحا كبيرا فى توجيه هذه الضربة ، وبأقل الخسائر التى وصلت فى الطائرات إلى خمس طائرات فقط ، وهى نسبة من الخسائر أقل جدا مما توقعه الكثيرون ) .
وفى كتاب له بعنوان "المعارك الحربية على الجبهة المصرية" ، يذكر المؤرخ العسكرى المصرى جمال حماد ( فى الساعة التاسعة والنصف صباح يوم 6 أكتوبر دعا اللواء محمد حسنى مبارك قادة القوات الجوية إلى اجتماع عاجل فى مقر قيادته وألقى عليهم التلقين النهائى لمهمة الطيران المصرى ، وطلب منهم التوجه إلى مركز العمليات الرئيسى كى يأخذ كل منهم مكانه هناك استعداد لتنفيذ الضربة الجوية المنتظرة التى كان نجاحها يعنى نجاح خطة المفاجأة المصرية وبدء معركة التحرير .
وفى الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر أنطلقت أكثر من 200 طائرة مصرية من 20 مطارا وقاعدة جوية فى مختلف أرجاء أنحاء الجمهورية وعن طريق الترتيبات الدقيقة والحسابات المحكمة التى أجرتها قيادة القوات الجوية تم لهذا العدد الضخم من الطائرات عبور خط المواجهة على القناة فى لحظة واحدة على ارتفاعات منخفضة جدا ، وكانت أسراب المقاتلات القاذفة والقاذفات المتوسطة تطير فى حماية أسراب المقاتلات ، وقد استخدمت فى الضربة التى تركزت على الأهداف الإسرائيلية الحيوية فى عمق سيناء طائرات طراز ميج 17 وميج 21 وسوخوى 7 وسوخوى 20 ، وفى الساعة الثانية وعشرين دقيقة عادت الطائرات المصرية بعد أداء مهمتها خلال ممرات جوية محددة تم الاتفاق عليها بين قيادة القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوى من حيث الوقت والإرتفاع .
هذا وقد نجحت الضربة الجوية فى تحقيق أهدافها بنسبة 90 % ولم تزد الخسائر على 5 طائرات مصرية ، وكانت نتائج الضربة وفقا لما ورد فى المراجع الموثوق بصدقها هى شل ثلاثة ممرات رئيسية فى مطارى المليز وبير تمادا بالإضافة إلى ثلاث ممرات فرعية وإسكات حوالى 10 مواقع بطاريات صواريخ أرض جو من طراز هوك وموقعى مدفعية ميدان ، وتدمير مركز القيادة الرئيسى فى أم مرجم ومركز الإعاقة والشوشرة فى أم خشيب وتدمير إسكات عدد من مراكز الإرسال الرئيسية ومواقع الرادار وقد اشتركت بعض القاذفات التكتيكية ( إل 28 ) فى الضربة الجوية وركزت قصفها على حصن بودابست الإسرائيلى ( من حصون بارليف ، ويقع على الضفة الرملية شرق مدينة بور فؤاد).
وكان من المقرر القيام بضربة جوية ثانية ضد العدو يوم السادس من أكتوبر قبل الغروب ، ولكن نظرا لنجاح الضربة الأول فى تحقيق كل المهام التى أسندت إلى القوات الجوية لذا قررت القيادة العامة إلغاء الضربة الثانية.
وقد اضطرت القيادة الإسرائيلية الجنوبية فى سيناء إلى استخدام مركز القيادة الخلفى بعد ضرب المركز الرئيسى فى أم مرجم ، كما أصبح مركز الإعاقة والشوشرة فى العريش هو المركز الوحيد المتبقى لإسرائيل فى سيناء بعد تدمير مركز الإعاقة والشوشرة فى أم خشيب).
شهادة أبو الحسن
المقاتل الفذ علي أبو الحسن أحد أبطال "المجموعة 39 قتال" والذي شارك في 44 عملية خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، ذكر فى أحد تصريحاته :" يوم 5 أكتوبر 1973 جاءت لنا أوامر بالنزول إلي مياه القناة وسد فتحات أنابيب النابالم التي وضعها اليهود تحت مياه القناة لإشعال سطح القناة في حالة محاولة المصريين العبور، وكان الاستطلاع قد أحضر خرائط توزيع فتحات المواسير ونزلنا بالفعل إلي القناة وقمنا بسد فتحات الأنابيب بخلطة أسمنت سريعة التجمد في الماء وذلك في المنطقة التي كنا نعمل فيها وقامت وحدات أخري من الجيش بسد باقي الفتحات في مناطق أخرى، وكانت الأوامر في هذا اليوم صارمة بعدم الاشتباك مع اليهود حتى لو كان أمامنا ألف يهودي بإمكاننا قتلهم" .
شهادة حفظى
أما اللواء علي حفظي قائد قوات الاستطلاع في حرب 73 ، فأشار إلى أن قوات الاستطلاع نجحت في إعطاء القوات المسلحة المصرية صورة كاملة عن العدو الصهيوني ونقاطه الحصينة وأماكن تجمعه ومطاراته وأسلحته وأنواعها وعدد جنوده وأوقات راحتهم حتي إن كل جندي مصري شارك في الحرب كان لديه صورة كاملة عن أهدافه وعد جنود العدو فيها.
وأضاف اللواء حفظي أن قوات الجيش المصري كانت في مشروع تدريبي قبل الحرب بأسبوع ولم يعرف الكثير ميعاد الحرب ولكنهم فوجئوا بأن المشروع تحول لحرب حقيقية ، وأكد أن عناصر الاستطلاع المصرية نجحت في عبور قناة السويس قبل الحرب واندفعت مئات الكيلو مترات داخل مواقع العدو وقامت بتطوير أجهزتها اللاسلكية بحيث أصبحت عيونا لا تنام للجيش المصري ، موضحا أن بعض هؤلاء الرجال ظلوا يعملون داخل مواقع العدو لفترة 6 أشهر بعد الحرب.
شهادة عبد الواحد
وفي السياق ذاته ، يؤكد اللواء صادق عبد الواحد أحد قادة حرب أكتوبر أن القوات المسلحة المصرية تحولت أثناء العبور إلي قنابل موقوتة موجهة ضد العدو حتي إن الجندي المصري الذي كانت تنفد ذخيرته كان يرفض الانسحاب ويقتل الإسرائيليين بيده للاستيلاء علي سلاحهم ، والجندي المصاب كان يبكي لأنه سوف يحرم من الاستمرار في المشاركة في القتال ، مؤكدا أن رجال الصاعقة تسابقوا في عبور القناة وتعطيل أنابيب النابالم.
شهادة نصار
وعن مفاجأة العبور العظيم ، قال اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العسكرية خلال الحرب أيضا :" لقد قاتل المصريون في حرب1973 بأجسادهم العارية, وحملوا الأسلحة والذخائر علي ظهورهم وعبروا القناة وحطموا خط بارليف, وقاوموا الدبابات بأسلحة صغيرة, الأمر الذي دفع الاسرائيليين إلي التأكيد علي أن مفاجأة الحرب الحقيقية كانت في المقاتلين المصريين, وليس فى موعد الحرب " .
وأضاف قائلا :" لقد كنا في شهر رمضان, وكان الإسرائيليون يضعون مواسير نابالم تحت مياه القناة , تحرق أى شخص يحاول العبور, وكنا قد استطعنا أن نعرف أماكن هذه المواسير بدقة, وقمنا بسدها تماما, وتخيل مدى القلق الرهيب, الذى كان يعتريني شخصيا, خوفا من ألا تكون الفرقة المكلفة بذلك, قد نجحت فى سد الفتحات, إضافة إلي الضربة الجوية, وهل ستنجح أم لا, فكان عليها عامل كبير في إنجاح الحرب, لم أنم في هذين اليومين, ولم تغفل عيني حتي بعد أن عرفت أننا نجحنا في العبور".
وكشف في تصريح لجريدة الأهرام العربى في أغسطس 2007 عن سر لم يعرفه أحد خلال الحرب ، قائلا :" بعد وقوع الثغرة جاءتنى معلومة خطيرة, وهي أن موشى ديان موجود في الإسماعيلية, فذهبت إلي الرئيس السادات وأخبرته بذلك, فقال لي: هل تعرف مكانه؟ قلت: بكل دقة, أي في مسافه ثلاثة أمتار في ثلاثة , فأمر الرئيس بضرب المكان وشوهد المكان وهو يحترق, وديان في القلب منه, انتظرنا خبر وفاة ديان, لكنه لم يحدث, وفي اليوم التالي جاءتنى صورة لديان, وهو صاعد فوق نخلة في حاله فزع, فضحكت وأخبرت الرئيس السادات وقلت له: إن الله لايريد لديان أن يموت حتي يشاهد جيشه مهزوما".
ويتضح مما سبق أن غطرسة القوة الإسرائيلية تهاوت كالهشيم أمام قوة وبراعة مفاجآت المصريين فى حرب أكتوبر .