كانت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) أطول حرب في القرن العشرين وأحد أكثر الصراعات دموية وكلفة من الناحية الاقتصادية والبشرية.
بدأت الحرب في 22 سبتمبر/ أيلول 1980 عندما غزت القوات العراقية غرب إيران على طول الحدود المشتركة بين البلدين. في حين ادعت حكومة العراق السابقة أن الحرب بدأت في الرابع من سبتمبر/ أيلول عندما قصفت إيران عدداً من النقاط الحدودية.
وانتهت الحرب بوقف إطلاق النار عام 1988. وعلى الرغم من انسحاب القوات وعودتها إلى مواقعها التي كانت تتمركز فيها قبل الحرب، إلا أن الطرفين لم يوقعا على اتفاق رسمي في هذا الشأن إلا في 16 أغسطس/ آب 1990.
تراكمات الماضي
أراد الرئيس العراقي صدام حسين أن يعيد تأكيد سيادة بلاده على ضفتي شط العرب الذي جرى تقاسم السيطرة عليه بموجب اتفاقية الجزائر بين البلدين عام 1975.
وكان صدام أيضاً قلقاً من محاولات آية الله الخميني تصدير الثورة الايرانية إلى الخارج عبر تحريض الغالبية الشيعية في العراق.
استغل العراق حالة الفوضى والضعف التي كانت لا تزال تمر بها إيران في أعقاب الإطاحة بحكم الشاه قبل نحو عام، وكذلك حالة العزلة الدولية التي كانت تعيشها السلطة الايرانية الجديدة، خاصة في أعقاب احتلال السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز عشرات الرهائن فيها.
صدر الصورة،Getty Images
التعليق على الصورة،عاد الخميني بعد 15 عاما في المنفى ليقود الثورة التي انتهت بتأسيس الجمهورية الإسلامية
كانت السلطة الجديدة في إيران قد حلت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي كانت قائمة خلال فترة حكم الشاه؛ الأمر الذي شجع صدام على شن الحرب ومباغتة إيران.
تقدم الجيش العراقي داخل الأراضي الإيرانية على طول جبهة واسعة في إقليم خوزستان الإيراني. واستولت القوات العراقية على مدينة خرمشهر، لكنها فشلت في الاستيلاء على مركز تكرير النفط المهم في عبدان.
صدر الصورة،Jacques Pavlovsky
التعليق على الصورة،صدام حسين خلال زيارته لجبهة القتال
تعثر
وبحلول ديسمبر/ كانون الأول 1980، تعثر الهجوم العراقي على بعد حوالي (80-120 كيلومتراً) داخل إيران بعد مواجهة مقاومة إيرانية غير متوقعة.
وبدأت إيران بشن هجمات مضادة باستخدام الحرس الثوري وقواتها المسلحة النظامية مما أجبر العراقيين على التقهقر عام 1981.
وقد دفع الإيرانيون أولاً بالعراقيين عبر نهر كارون الإيراني ثم استعادوا مدينة خرمشهر في عام 1982.
سحب العراق قواته من جميع الأراضي الإيرانية، التي استولى عليها وبدأ يسعى لانهاء الحرب.
لكن إيران بقيادة الخميني، ظلت ترفض مساعي السلام وواصلت الحرب في محاولة للإطاحة بالرئيس العراقي.
تعززت دفاعات العراق بمجرد أن تراجعت قواته وباتت في موقف الدفاع عن أراضيها واستقرت خطوط القتال وراوحت المعارك مكانها على طول الحدود.
صدر الصورة،Francois LOCHON
التعليق على الصورة،دفعت ايران بعشرات آلاف صغار السن الى جبهات القتال على شكل موجات بشرية
شنت إيران مراراً هجمات مشاة غير ناجحة مستخدمةً موجات بشرية مكونة جزئياً من مجندين صغار السن وغير مدربين أو مسلحين جيداً. كان العراقيون يتصدون لها بالمدفيعة والقوة الجوية اللتين كان يتفوق بهما العراق على ايران واحياناً باستخدم الأسلحة الكيميائية.
ودخلت الحرب مرحلة جديدة عندما لجأ البلدان إلى شن هجمات جوية وصاروخية ضد مدن بعضهما البعض إضافة إلى المنشآت العسكرية والنفطية.
التعليق على الصورة،صور من الأرشيف: جندي إيراني يوجه مدفع دبابته نحو الحدود العراقية.
تدخل دولي
كما تبادل الطرفان الهجمات على ناقلات النفط في الخليج. ودفعت هجمات إيران على ناقلات النفط الكويتية وغيرها من دول الخليج الأخرى الولايات المتحدة والعديد من دول أوروبا الغربية إلى نشر سفن حربية في الخليج لضمان تدفق النفط إلى باقي أجزاء العالم.
انخفضت قدرة تصدير النفط لدى البلدين بشدة بسبب الضربات الجوية وإغلاق خطوط الأنابيب، وأدى الانخفاض اللاحق في دخلهما وعائدات العملة الأجنبية إلى توقف برامج التنمية الاقتصادية للبلدين.
تم تمويل المجهود الحربي العراقي بشكل علني من قبل المملكة العربية السعودية والكويت ودول عربية مجاورة أخرى وبدعم ضمني من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق في حين أن الحليفين الرئيسيين لإيران كانا سوريا وليبيا.
استمر العراق في مناشداته من أجل التوصل الى اتفاق ينهي الحرب ويحقق السلام بين البلدين في منتصف الثمانينيات.
وتضررت مكانته بشدة بعد ظهور أدلة على استخدامه الأسلحة الكيميائية ضد القوات الإيرانية وكذلك ضد المدنيين الأكراد العراقيين الذين اتهمتهم بغداد بالوقوف إلى جانب ايران في الحرب.
فقد أسفرت إحدى هذه الهجمات على قرية حلبجة الكردية وحولها في آذار / مارس 1988 عن مقتل ما يصل إلى 5000 مدني.
الفيلم الوثائقي: ابنة حلبجة التي عثرت على عائلتها بعد 30 عاماً
التعليق على الصورة،جنود ايرانيون على دراجة نارية يمرون بجانب جثث جنود عراقيين في منطقة الفاو في أقصى جنوب العراق في أوائل فبراير شباط 1986 خلال الحرب الايرانية العراقية.
كان الجمود يسيطر على خطوط القتال في منتصف الثمانينيات. في أغسطس / آب 1988 أجبر تدهور الاقتصاد الإيراني والمكاسب العراقية الأخيرة في ساحة المعركة إيران على قبول وقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة.
لا يعرف بدقة إجمالي عدد ضحايا الحرب لدى الجانبين. لكن كلا البلدين كانا في حالة التعبئة وكان معظم الرجال في سن التجنيد تحت السلاح وعدد الضحايا هائلاً.
وتتراوح تقديرات إجمالي عدد ضحايا الحرب ما بين مليون إلى مليوني شخص.
ولكن عدد الضحايا لدى الجانب الايراني أكبر من العراقي بسبب استمرار العراقيين في حالة الدفاع خلال معظم مراحل الحرب بينما كانت ايران تشن الهجوم تلو الهجوم مستخدمة موجات بشرية هائلة.
أما من الناحية الاقتصادية فقد خرج البلدان من الحرب بخسائر هائلة تجاوزت 400 مليار دولار من ناحية الأضرار المادية، بينما بلغت كلفة الحرب المباشرة نحو 230 مليار دولار.