حلم تسليح العرب للجيش السوري قبل أن تؤكل الكعكة بالكامل من قبل الأتراك
بقلم: المعاوي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بعد أكثر من عقدٍ على الحرب الأهلية الطاحنة التي دمّرت سوريا ومزّقت نسيجها الاجتماعي والعسكري، بدأت خيوط المشهد السوري تتبدل تدريجيًا مع انقشاع غمامة الحرب الطائفية التي فُرضت على البلاد من قِبَل قوى إقليمية ودولية متصارعة. ومع تراجع النفوذ الإيراني والروسي عن مركز القرار السوري، وظهور بوادر اتفاق استراتيجي بين السعودية وتركيا بشأن مستقبل البلاد، تلوح في الأفق فرصة تاريخية لإعادة بناء الجيش السوري وتحريره من قيود التحالفات القديمة التي كبّلته طوال السنوات الماضية.
لكن وسط هذا التحول الكبير، يبرز سؤال جوهري: من سيسلح الجيش السوري الجديد؟ وهل سيُترك المجال لتركيا لتستأثر وحدها بالكعكة السورية — مستفيدةً من علاقاتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي ونفوذها السياسي؟ أم سيكون للعرب كلمة وموقف في صياغة مستقبل القوة العسكرية السورية؟
اليوم تمتلك سوريا جيشًا عدديًا كبيرًا، لكنه يواجه مشكلة هيكلية خطيرة: معظم معداته سوفيتية قديمة ومتهالكة، لا تواكب متطلبات الحروب الحديثة. ومع أنّ تركيا تُقدّم نفسها كخيار جاهز لإعادة التسليح، فإن ترك هذا الملف بيد أنقرة يعني في حقيقة الأمر تسليم النفوذ العسكري والسياسي السوري لدولة تبحث عن مكاسب اقتصادية ونفوذ استراتيجي أكثر من حرصها على مصلحة دمشق أو مصالح العالم العربي ككل.
من هنا تأتي أهمية أن يتبنّى العرب، بقيادة السعودية ومصر والإمارات، مشروعًا عربيًا لتسليح سوريا يقوم على رؤية اقتصادية وسياسية متكاملة، تراعي احتياجات دمشق الأمنية من جهة، وتخدم مصالح الصناعات الدفاعية العربية من جهة أخرى.
أربع ركائز لتسليح عربي متوازن
يمكن أن يُدار هذا المشروع عبر أربعة محاور رئيسية تضمن السرعة في التنفيذ والمرونة في التمويل:
التسليح بالمجان (هبات عسكرية): تقديم معدات، دعم لوجستي، وتدريب دون مقابل مالي مباشر، لتمكين الوحدات الأساسية بسرعة والحفاظ على التوازن الميداني.
التسليح دون الربح (بسعر التكلفة): توريد أسلحة ومستلزمات بسعر التكلفة فقط، بدون هامش ربح، لتخفيف العبء المالي على الخزينة السورية وتسريع تحديث التجهيزات.
التسليح بالبيع الآجل (تمويل طويل الأجل): عقود تسديد ميسّرة تسمح بشراء الأسلحة بالتقسيط أو عبر ديون بشروط مرنة، ما يتيح تحديثًا تدريجيًا دون ضغط اقتصادي فوري.
التسليح مقابل الاستثمار في الأراضي الزراعية: مقايضة قيمة السلاح بحقوق استثمارية في أراضٍ زراعية سورية آمنة تُديرها الدولة أو تُؤمّنها للمستثمرين، فيصبح السلاح أداة لتنشيط الاقتصاد الزراعي وتأمين الأمن الغذائي إلى جانب الأداء العسكري.
شراكة لا تمويل أعمى
من الضروري أن تكون أي مساعدة سعودية أو عربية لسوريا مشروطة بشراكات صناعية؛ لا أن تكون هبات مالية تُخوّل دمشق لشراء أسلحة أجنبية — خاصة تركية — دون مردود صناعي عربي. إعطاء أموال دون شروط سيعني ببساطة تمويل صناعة عسكرية خارجية على حساب بناء قدرات عربية وإقليمية.
لابد أن يكون لكل ريال يُنفق في إعادة التسليح مردود صناعي عربي: عقود تصنيع مشترك، نقل تكنولوجيا، أو توريد مباشر من المصانع السعودية أو المصرية أو الإماراتية. هذه الشروط تحفظ مصالح المانحين وتُعزّز الاستقلال الصناعي والقرار السياسي الإقليمي.
التحالف الصناعي العربي: فرصة تاريخية
تمتلك كلٌّ من السعودية ومصر والإمارات اليوم قدرات صناعية وعسكرية مهمة، إلى جانب ثِقل سياسي واقتصادي يمكن أن يوجِّه ملف التسليح في اتجاه يخدم الأمن العربي المشترك. إضافة الإمارات كشريك صناعي وتجاري مهمة، لكونها تملك شركات دفاعية عالمية وتعد من أكبر بائعي السلاح عربيًا على مستوى العطاءات والأسواق التجارية.
إذا توحّدت جهود هذه الدول، فسيُنشأ نموذج عربي متكامل لصناعة السلاح والتعاون الدفاعي، يُحوّل الدول العربية من أسواق مستهلكة إلى شركاء منتجين ومصدرين. كما يفتح ذلك الباب أمام شراكات تقنية وصناعية مع أوروبا وآسيا تُجمع فيها مصالح مشتركة ضمن إطارٍ يحفظ للمجتمع العربي قيمة مضافة اقتصادية وسياسية.
إمكانيات صناعية عربية قابلة للتفعيل
السعودية ومصر تمتلكان بنى صناعية كبيرة في مجالات التجميع والتصنيع: من تجميع الطائرات والدبابات وتصنيع المدرعات وتجميع السفن القتالية إلى صناعة الخفيفة والمتوسطة والذخيرة بأنواعها. بإمكان هاتين الدولتين توقيع عقود تصنيع كبيرة لصالح سوريا — مثل عقود لشراء طائرات أو إنشاء خطوط تجميع محلية لمقاتلات خفيفة أو مركبات مدرعة — ما يخلق طلبًا صناعيًا داخليًا ويوفّر أدوات إنتاج طويلة الأمد. أمثلة ممكنة: خطوط تجميع مقاتلات أو طائرات تدريب/خفيفة محليًا، أو توسيع خطوط إنتاج الذخيرة والمدرعات.
من خلال هذه المنتجات الصناعية، يمكن تزويد سوريا (وأيضًا دول أخرى شقيقة مثل السودان) بأسلحة نوعية منتجة عربيًا، بحيث يستفيد الجميع — المورّد والمنتج والمستفيد — اقتصادياً واستراتيجيًا.
نحو مشروع عربي استراتيجي متكامل
ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مجرد صفقة سلاح، بل مشروع عربي لإعادة بناء القوة العسكرية السورية على أسس صناعية وسياسية عربية خالصة. فالتسليح قرار سياسي وأمني يرسم ملامح النفوذ في المشرق لعقود قادمة؛ وإهماله أو التهاون به يعني إعادة تكريس نفوذ أجنبي أو إقليمي واحد على حساب مصلحة الأمة.
إذا لم تتحرك الدول العربية سريعًا، فستسبق تركيا الجميع وتحتكر سوق التسليح السوري، محوِّلةً إياه إلى بوابة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري. أما إذا تولّت الدول العربية زمام المبادرة، فستدعم جيشًا شقيقًا وتعيد التوازن إلى معادلة الأمن الإقليمي بأكملها.
إن تسليح سوريا بأيدٍ عربية هو خطوة في طريق استعادة القرار العربي المستقل، وضمان أن تكون الجيوش العربية سيفًا للأمة لا ورقةً في يد القوى الأجنبية.
وش الاسلحة السعودية , المصرية الاماراتية التي يمكن ان نسلح بها الجيش السوري
بقلم: المعاوي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بعد أكثر من عقدٍ على الحرب الأهلية الطاحنة التي دمّرت سوريا ومزّقت نسيجها الاجتماعي والعسكري، بدأت خيوط المشهد السوري تتبدل تدريجيًا مع انقشاع غمامة الحرب الطائفية التي فُرضت على البلاد من قِبَل قوى إقليمية ودولية متصارعة. ومع تراجع النفوذ الإيراني والروسي عن مركز القرار السوري، وظهور بوادر اتفاق استراتيجي بين السعودية وتركيا بشأن مستقبل البلاد، تلوح في الأفق فرصة تاريخية لإعادة بناء الجيش السوري وتحريره من قيود التحالفات القديمة التي كبّلته طوال السنوات الماضية.
لكن وسط هذا التحول الكبير، يبرز سؤال جوهري: من سيسلح الجيش السوري الجديد؟ وهل سيُترك المجال لتركيا لتستأثر وحدها بالكعكة السورية — مستفيدةً من علاقاتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي ونفوذها السياسي؟ أم سيكون للعرب كلمة وموقف في صياغة مستقبل القوة العسكرية السورية؟
اليوم تمتلك سوريا جيشًا عدديًا كبيرًا، لكنه يواجه مشكلة هيكلية خطيرة: معظم معداته سوفيتية قديمة ومتهالكة، لا تواكب متطلبات الحروب الحديثة. ومع أنّ تركيا تُقدّم نفسها كخيار جاهز لإعادة التسليح، فإن ترك هذا الملف بيد أنقرة يعني في حقيقة الأمر تسليم النفوذ العسكري والسياسي السوري لدولة تبحث عن مكاسب اقتصادية ونفوذ استراتيجي أكثر من حرصها على مصلحة دمشق أو مصالح العالم العربي ككل.
من هنا تأتي أهمية أن يتبنّى العرب، بقيادة السعودية ومصر والإمارات، مشروعًا عربيًا لتسليح سوريا يقوم على رؤية اقتصادية وسياسية متكاملة، تراعي احتياجات دمشق الأمنية من جهة، وتخدم مصالح الصناعات الدفاعية العربية من جهة أخرى.
أربع ركائز لتسليح عربي متوازن
يمكن أن يُدار هذا المشروع عبر أربعة محاور رئيسية تضمن السرعة في التنفيذ والمرونة في التمويل:
التسليح بالمجان (هبات عسكرية): تقديم معدات، دعم لوجستي، وتدريب دون مقابل مالي مباشر، لتمكين الوحدات الأساسية بسرعة والحفاظ على التوازن الميداني.
التسليح دون الربح (بسعر التكلفة): توريد أسلحة ومستلزمات بسعر التكلفة فقط، بدون هامش ربح، لتخفيف العبء المالي على الخزينة السورية وتسريع تحديث التجهيزات.
التسليح بالبيع الآجل (تمويل طويل الأجل): عقود تسديد ميسّرة تسمح بشراء الأسلحة بالتقسيط أو عبر ديون بشروط مرنة، ما يتيح تحديثًا تدريجيًا دون ضغط اقتصادي فوري.
التسليح مقابل الاستثمار في الأراضي الزراعية: مقايضة قيمة السلاح بحقوق استثمارية في أراضٍ زراعية سورية آمنة تُديرها الدولة أو تُؤمّنها للمستثمرين، فيصبح السلاح أداة لتنشيط الاقتصاد الزراعي وتأمين الأمن الغذائي إلى جانب الأداء العسكري.
شراكة لا تمويل أعمى
من الضروري أن تكون أي مساعدة سعودية أو عربية لسوريا مشروطة بشراكات صناعية؛ لا أن تكون هبات مالية تُخوّل دمشق لشراء أسلحة أجنبية — خاصة تركية — دون مردود صناعي عربي. إعطاء أموال دون شروط سيعني ببساطة تمويل صناعة عسكرية خارجية على حساب بناء قدرات عربية وإقليمية.
لابد أن يكون لكل ريال يُنفق في إعادة التسليح مردود صناعي عربي: عقود تصنيع مشترك، نقل تكنولوجيا، أو توريد مباشر من المصانع السعودية أو المصرية أو الإماراتية. هذه الشروط تحفظ مصالح المانحين وتُعزّز الاستقلال الصناعي والقرار السياسي الإقليمي.
التحالف الصناعي العربي: فرصة تاريخية
تمتلك كلٌّ من السعودية ومصر والإمارات اليوم قدرات صناعية وعسكرية مهمة، إلى جانب ثِقل سياسي واقتصادي يمكن أن يوجِّه ملف التسليح في اتجاه يخدم الأمن العربي المشترك. إضافة الإمارات كشريك صناعي وتجاري مهمة، لكونها تملك شركات دفاعية عالمية وتعد من أكبر بائعي السلاح عربيًا على مستوى العطاءات والأسواق التجارية.
إذا توحّدت جهود هذه الدول، فسيُنشأ نموذج عربي متكامل لصناعة السلاح والتعاون الدفاعي، يُحوّل الدول العربية من أسواق مستهلكة إلى شركاء منتجين ومصدرين. كما يفتح ذلك الباب أمام شراكات تقنية وصناعية مع أوروبا وآسيا تُجمع فيها مصالح مشتركة ضمن إطارٍ يحفظ للمجتمع العربي قيمة مضافة اقتصادية وسياسية.
إمكانيات صناعية عربية قابلة للتفعيل
السعودية ومصر تمتلكان بنى صناعية كبيرة في مجالات التجميع والتصنيع: من تجميع الطائرات والدبابات وتصنيع المدرعات وتجميع السفن القتالية إلى صناعة الخفيفة والمتوسطة والذخيرة بأنواعها. بإمكان هاتين الدولتين توقيع عقود تصنيع كبيرة لصالح سوريا — مثل عقود لشراء طائرات أو إنشاء خطوط تجميع محلية لمقاتلات خفيفة أو مركبات مدرعة — ما يخلق طلبًا صناعيًا داخليًا ويوفّر أدوات إنتاج طويلة الأمد. أمثلة ممكنة: خطوط تجميع مقاتلات أو طائرات تدريب/خفيفة محليًا، أو توسيع خطوط إنتاج الذخيرة والمدرعات.
من خلال هذه المنتجات الصناعية، يمكن تزويد سوريا (وأيضًا دول أخرى شقيقة مثل السودان) بأسلحة نوعية منتجة عربيًا، بحيث يستفيد الجميع — المورّد والمنتج والمستفيد — اقتصادياً واستراتيجيًا.
نحو مشروع عربي استراتيجي متكامل
ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مجرد صفقة سلاح، بل مشروع عربي لإعادة بناء القوة العسكرية السورية على أسس صناعية وسياسية عربية خالصة. فالتسليح قرار سياسي وأمني يرسم ملامح النفوذ في المشرق لعقود قادمة؛ وإهماله أو التهاون به يعني إعادة تكريس نفوذ أجنبي أو إقليمي واحد على حساب مصلحة الأمة.
إذا لم تتحرك الدول العربية سريعًا، فستسبق تركيا الجميع وتحتكر سوق التسليح السوري، محوِّلةً إياه إلى بوابة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري. أما إذا تولّت الدول العربية زمام المبادرة، فستدعم جيشًا شقيقًا وتعيد التوازن إلى معادلة الأمن الإقليمي بأكملها.
إن تسليح سوريا بأيدٍ عربية هو خطوة في طريق استعادة القرار العربي المستقل، وضمان أن تكون الجيوش العربية سيفًا للأمة لا ورقةً في يد القوى الأجنبية.
وش الاسلحة السعودية , المصرية الاماراتية التي يمكن ان نسلح بها الجيش السوري