البكاء فطرة بشرية ، تصحب الإنسان من لحظة ولادته حتى لحظات ألم احتضاره وموته ، ولا يكاد حتى أصحاب القلوب المتحجرة أن يسلم منها ، ولأني فرد من هؤلاء البشر ، فأنا بالطبع (مصاب) بها مثلهم ، ومن كثرة ما بكيت لا أستطيع حصر العدد ، ولا حتى تذكر السبب ، ولكني في بعض المرات ، ولسبب ما أتذكر بعض تلك الفترات التي بكيت فيها ، وقد استرجع معها نفس لحظة البكاء إن لم يكن أشد من سابقه ، أو قد يكون بسبب ربط حدث بسياق آخر مشابه له ، أو بكل بساطة ، قد يكون بدون أي سبب ، وذلك أنه في فترات يسرح خيالك في متاهات ذاكرتك العميقة والمنسية ليغنم لك منها بعض الأشياء المأساوية لتسعد بها نفسك في فترة صفاء وسعادة !! ، أو أنه – وبسبب ذي مغزٍ - يريد منك تذكر ما فاتك من المغنم الذي ظفر به غيرك في الدنيا والآخرة ليحثك على محاولة الظفر بما هو متاح لك الآن ، قبل فوات الأوان ، وإن لا تتأخر عن الركب ، وللاسترجاع المنسي من الذاكرة قدر لا بأس به في حياتي ، ولكن هنالك ذكرى لم أستطع أن أنساها إلا ولا تلبث أن تعود إلي بسرعة اكثر من غيرها ، ألا وهي حدث إيماني عمقي جرى في معركة حنين ، وما أكثر وأجل الأحدث الإيمانية وأعظمها في تلك المعركة ، ولكني دائما اتوقف كثيراً عند هذا الحدث بعينه ، واتأمله بكثير من التفكير الروحاني والإيماني العميق والغبطة الدائمة لأصحابه ، وهي لحظة توزيع الغنائم ، لحظة خص فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أهل مكة من الطلقاء بجل الغنائم ليؤلف قلوبهم على الإيمان ، وذلك لأنهم حديثي عهد بالإسلام ، وإذ يصل الخبر للأنصار – رضوان الله عليهم – فيأخذهم ما يأخذ النفس البشرية من التأثر من عدم تعهد الرسول عليه الصلاة والسلام لهم بشيء من المغنم ، وهم من هم في نصرة الله والرسول والدين الإسلامي والتضحيات في سبيله ، بل أن وقفتهم في معركة حنين وحدها بجانب الرسول صلى الله ساعة فرار البعض من المعركة حاضرة وأنية ، فبعد أن رفع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم صوته قائلا :" يامعشر الأنصار" ، التفوا حوله بسرعة حتى تم النصر ، ثم بعد انتهاء المعركة ، وشاهدوا توزيع الغنائم على تلك الصورة ، كثر بينهم – رضوان الله عليهم - التهامس والتساؤل ، وقد كان جل كلامهم : "يغفر الله لرسول الله ، يعطي قريشاً ويتركنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم".
لم يكن الاعتراض طمعنا بالمال ، ولكنه شعور بعدم التقدير لنبل تضحياتهم ، فوصل الخبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاهم إليه وحدهم دون غيرهم ، وقال لهم عليه أفضل السلام وأجل التسليم :
يامعشر الأنصار ، ماحديث بلغني عنكم؟! ، ألم آتكم ضُلالا فهداكم الله بي؟! ، وعالة فأغناكم الله ؟! ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟.
قالوا : الله ورسوله أمن وأفضل.
فقال صلى الله عليه وسلم : أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وتذهبون أنتم برسول الله؟!.
ثم بكى عليه أتم الصلاة والتسليم ، وقال : والله لو سلك الناس وادياً وسلك الأنصار وادياً ، لسلكت وادي الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت أمراً من الأنصار ، اللهم أرحم الأنصار ، وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار"
فبكى الأنصار جميهم تأثرا بما قاله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا بلسان واحد : رضينا برسول الله قسما وحظا.
والله لقد بكيت من هذا النص كثيراً ، وكلما تذكرته أو أعدت قراءته أظل أبكي منه مرارا ، فهو ، بالنسبة لي ، لحظة من اللحظات الروحانية والإيمانية التاريخية المجيدة في تاريخ الإسلام ، ولكم تمنيت أن أكون من الأنصار تلك اللحظة ، والرسول صلى الله عليه وسلم من نصيبي وفي رحالي مثلهم رضوان الله عليه ، وأظفر بتلك الرفقة والدعوة المجيدة لي وأبنائي وأحفادي ، فرحم الله الأنصار وغفر الله لهم ، وجمعنا الله بهم وبرسوله صلى الله عليه وسلم وصبحه الكرام.
للحديث بقية...
لم يكن الاعتراض طمعنا بالمال ، ولكنه شعور بعدم التقدير لنبل تضحياتهم ، فوصل الخبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاهم إليه وحدهم دون غيرهم ، وقال لهم عليه أفضل السلام وأجل التسليم :
يامعشر الأنصار ، ماحديث بلغني عنكم؟! ، ألم آتكم ضُلالا فهداكم الله بي؟! ، وعالة فأغناكم الله ؟! ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟.
قالوا : الله ورسوله أمن وأفضل.
فقال صلى الله عليه وسلم : أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وتذهبون أنتم برسول الله؟!.
ثم بكى عليه أتم الصلاة والتسليم ، وقال : والله لو سلك الناس وادياً وسلك الأنصار وادياً ، لسلكت وادي الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت أمراً من الأنصار ، اللهم أرحم الأنصار ، وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار"
فبكى الأنصار جميهم تأثرا بما قاله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا بلسان واحد : رضينا برسول الله قسما وحظا.
والله لقد بكيت من هذا النص كثيراً ، وكلما تذكرته أو أعدت قراءته أظل أبكي منه مرارا ، فهو ، بالنسبة لي ، لحظة من اللحظات الروحانية والإيمانية التاريخية المجيدة في تاريخ الإسلام ، ولكم تمنيت أن أكون من الأنصار تلك اللحظة ، والرسول صلى الله عليه وسلم من نصيبي وفي رحالي مثلهم رضوان الله عليه ، وأظفر بتلك الرفقة والدعوة المجيدة لي وأبنائي وأحفادي ، فرحم الله الأنصار وغفر الله لهم ، وجمعنا الله بهم وبرسوله صلى الله عليه وسلم وصبحه الكرام.
للحديث بقية...