أنا فاهم إنك ما تشوف القومية العربية وهم، خاصة إنك اشتغلت على الموضوع بعمق وكتبت عنه كتاب، وهذا بحد ذاته شيء يُحترم. لكن خلني أرجع للنقطة اللي كنت أتكلم عنها: المشكلة مو إن الفكرة ما فيها جوانب إيجابية، ولا إن الناس اللي تبنوها ما كانوا مخلصين، المشكلة إنها ما كانت واقعية كأداة لبناء كيان فعّال في زمننا. نقل النماذج من سياقات ثانية بدون ما نراعي واقعنا، غالباً يطلع بنتيجة مشوّهة. أنت قلت إن الألمان "ما كان عندهم حتى لغة موحدة، وعمموا لهجة فلورنسا لأن دانتي كتب فيها"، وأنا بصراحة ما عندي اطلاع كبير على التفاصيل الأوروبية، لكن حسب كلامك، اللي فهمته إنهم احتاجوا قرون من التراكمات، وحروب، وتضحيات، وتهديدات وجودية عشان يوصلوا لوحدة فيها معنى، وبالنهاية كانت وحدة مبنية على مصالح واضحة، مش بس عاطفة أو حنين لهوية مشتركة.
المشكلة إن عندنا الأمور مشت بشكل عكسي: القومية العربية ظهرت قبل ما تتشكل الدولة الحديثة بكل مقوماتها، وقبل ما نحقق الاستقرار الداخلي، وقبل حتى ما يصير في تصور واضح عن مفهوم "المصلحة العامة". واللي صار فعلياً إننا حاولنا نبدأ من الخطوة الأخيرة من فوق، من حلم الوحدة الكبرى بدل ما نبدأ من الخطوة الأولى، اللي هي بناء الداخل وتأسيس دول قوية مستقرة. نعم، فيه لغة مشتركة على الورق، لكن الواقع يقول إن التواصل بين لهجة مغربية ولهجة عراقية مو بسيط، والاختلافات الثقافية مو سطحية، بل جوهرية أحياناً. فحتى لو الفكرة ذكية مثل ما قلت، فهي تظل تنظير إذا ما كانت مرتبطة بآلية تطبيق واقعية، خصوصاً بعالم اليوم اللي تحركه المصالح، مو الشعارات.
وفي اعتقادي، إذا كنا نبغى نفكر بجدية في مستقبل مشترك، لازم نرجع للواقع ونشتغل على مستوى التكتلات الإقليمية أول، مو نقفز لفكرة "وحدة كبرى" من البداية. الخليج كتكتل، والشام كتكتل، والمغرب العربي كتكتل، كلهم ممكن يوصلوا لدرجة من الانسجام والتكامل، وبعدها يصير من المنطقي تتشكل تحالفات بينهم كتكتلات، مو كدول منفردة. اليوم المنطق اللي يمشي هو منطق المصالح الجماعية، مش اللغة ولا الدين، وهذا الفكر اللي ممكن يخلق فعلاً قوة حقيقية على الأرض.
تحياتي
هاته المشكلة صديقي الأوروبيين لم يأخذو لا قرن ولا اثنان ولا عشرة، بل حرفيا مجرد 20 سنة بالكثير
إيطاليا كانت حرفيا 9 ممالك منفصلة عرقيا ولغويا في سنة 1890 أي تقريبا نفس سنة نشأة القومية العربية بسوريا
تلك الممالك كانت منفصلة لغويا تماما 4 ممالك شمالية جرمانية لم تفهم حرف واحد من ممالك الجنوب كفلورنسا وهذا قبل 120 سنة فقط هاته صدمة لأي قارء للتاريخ
ليس فقط لغويا بل حتى عرقيا، الشماليين كانو جرمان والجنوبيين لاتين ورغم هذا جميعهم اتفقو على فكرة 'القومية الإيطالية الفتاة" معناه سوف يختارون لغة واحدة ولهجة مدينة واحدة يعمموها ثم يخلقون مملكة إيطالية
العرب والتركمان والأمازيغ والأقباط كلهم يفهمون لهجة عربية بيضاء بل كلهم يفهمون العربية الفصحى وهاته كانت فكرة القوميين العرب الأساسية بالمناسبة هم لم يفكرو بمملكة عملاقة بل فكرة بمملكة مشرقية أولا من الخليج للشام للعراق لمصر بما أنهم كانو خارج الٱحتلال الأوروبي أنذاك وكادت أن تتحقق أمنيتهم لولا وعد بلفور وإتفاقية سايكس بيكو
معناها هم لم يوحدو قارة عملاقة من الصفر، هم قررو الوحدة بالشرق أولا لغاية نشوء مظاهر الإستقرار السياسي ثم بعد سنوات دمج مصر ثم استقلال بلاد المغرب ودمجهم.
عند تلك اللحضة يمكن وضع لغة معيارية واحدة + كيان ثقافي حضاري تاريخي طاقوي هائل
معناه حتى الأوروبيين خلقو قوميتهم قبل حتى خلق دولهم، ومشكلة الوحدات الإقليمية والتحالفات أنها تنهار اليوم أو غدا مثلا الإتحاد الأوروبي أنضر لبريطانيا تخرج منه أنضر لليمين المتطرف، هل تعتقد أنه اليوم شمال إيطاليا سينفصل عن جنوبها؟ لا أبدا لأنهم وحدة عضوية الآن توحدت منذ 120 سنة.
هاته مشكلة الوحدات الأقليمية وهاذا سبب رفضي لفكرة اتحاد شبيه للاتحاد الاوروبي سابقا، وسيلة كل العالم الجنوبي كانت وحدة عضوية واحدة كالجسد الواحد، لكن للأسف
يارجل تخيل مملكة بثراء الخليج وأقلام الشام وتفتح مصر أنذاك، الفرس كانو فقط يشكلون 60% من إيران قبل بضع عشرات السنوات مع عشرات القوميات الأخرى المختلفة عرقيا ولغويا، أنضر كيف دمجو 80 مليون إيراني بقومية واحدة ونفس الشيئ للأتراك مزيج تركماني كردي أناضولي ورغم هذا أتاتورك فرض لغة تركية وأبجدية لاتينية خاصة بهم، هم اليوم دول ذات مشاريع حقيقية لأنهم ببساطة دمجو كل طاقاتهم البشرية لهدف واحد.
هم أرادو فحسب تطبيق النموذج الإيطالي ورغم انقسام الايطاليين لغويا وعرقيا اكثر مئة مرة منا فهم نجحو ونحن فشلنا.